فضل طلب العلم وأهله ومسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة
فضل طلب العلم وأهله، ومسؤولية الطلاب، والمعلمين، والأسرة محمد بن حسن أبو عقيل الخطبة الأولى الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على معلم البشرية محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين؛ أما بعد:فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، وشكره، ولنعلم أن العلم أشرفُ ما رغب فيه الراغب، وأفضل ما طلب وجدَّ فيه الطالب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب؛ يقول الله تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]؛ يقول القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]: "أي: في الثواب في الآخرة، وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالِم على من ليس بعالم، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يُؤتوا العلم درجاتٍ؛ أي: درجات في دينهم إذا فعلوا ما أُمروا به"[1]، ويقول السعدي رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]: "فكل من كان بالله أعلمَ، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشيةُ الله الانكفافَ عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم؛ فإنه داعٍ إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته؛ كما قال تعالى: ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 8]"[2]. عباد الله: وفي الحديث الذي رواه مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: ((... ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السَّكينة، وغشِيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده...))[3]. وعلى طالب العلم أن يقصد بطلب العلم وجهَ الله تعالى بنية خالصة، وعزيمة صادقة، واثقًا بتيسير الله؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((من تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليُصيب به عرَضًا من الدنيا، لم يجد عَرفَ الجنة))[4]. أيها الطلاب: إن العلم النافع ينير النفوس والقلوب، وهو هداية للـصراط المستقيم، وسبيل إلى خشية الله رب العالمين، وطريق إلى الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))[5]. أيها الطلاب: أنتم أمل الغد، ورجال المستقبل، وعماد الأمة، فالأمم إنما تعتمد في نهضتها - بعد توفيق الله - على سواعد شبابها، فهم العُدة في البلاء، والزينة في الرخاء، وهم مشاعل النور والخير، وها نحن اليوم نقف على مشارف استقبال عام دراسي جديد، فاجتهدوا - وفَّقكم الله - في تحصيل العلم، وأخلصوا النية لله تعالى في ذلك، واحترموا وقدِّروا المعلمين، واحرصوا على استثمار أوقاتكم فيما ينفعكم؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز))[6]. واعلموا أن شيمة العالِم العملُ بما علم؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "أخوف ما أخاف إذا وقفت بين يدي الله أن يقول: قد علمت فماذا عملت؟ وكان يقول: خير من القول فاعله، وخير من الصواب قائله، وخير من العلم حامله"، وقال بعض العلماء: "ثمرة العلم أن يُعمَل به، وثمرة العمل أن يُؤجَر عليه"؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم؛ إنه تعالى جَوَاد كريم، ملِك بَرٌّ، رؤوف رحيم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، وشكره، وطاعته؛ فإن التقوى هي أساس العلم، ومفتاح الفهم؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]، عباد الله، يستعد الطلاب في هذه الأيام لاستقبال عام دراسي جديد، يقضونه بين أروقة المدارس والمعاهد والجامعات، لينهلوا من مناهل العلم والمعرفة، على حسب مستوياتهم، ويشجعهم على ذلك ويدفعهم أولياء أمورهم، والقائمون على تدريسهم؛ من مربِّين ومدرسين، الذين يقع عليهم العبء الأكبر في تربية الناشئة التربيةَ السليمة الهادفة، التي تعود عليهم بالنفع في دنياهم وآخرتهم، ولا يتم ذلك إلا بتوفيق الله تعالى، ثم بالتعاون الجاد بين البيت والمدرسة، بين أولياء أمور الطلاب والمعلمين، وقيام كل منهم بما له، وما عليه، تجاه متابعة الطلاب، وتعليمهم، وانضباطهم، وحسن سلوكهم، وتهيئة الظروف المناسبة لهم؛ لتحصيل العلم؛ لأن بناء الأجيال ليس مسؤولية المعلم وحده، وليس مسؤولية أولياء أمورهم فحسب، وإنما هو مسؤولية الجميع، مسؤولية يجب علينا أن نقوم بها جميعًا كما ينبغي؛ لا بد لنا أن نتكاتف ونتعاون من باب قول الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2]، وأي تعاون أفضل من أن نسلك طريقَ العلم النافع، والعمل الصالح؟ أي تعاون أفضل من أن نحمل مشاعل النور للبشرية، وأن نضيء لهم الطريق؟ عباد الله: إن تعليم أولادنا أمانة في أعناقنا جميعًا، نتحملها نحن أولياء الأمور، ويتحملها المعلمون والمعلمات معنا، فطوبى للمخلصين والمخلصات، وعلينا جميعًا أن نلين وأن نرفق؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، وعلينا وعلى المعلمين والمعلمات أن نغرس في نفوس أبنائنا وبناتنا المعاني الجليلة، والأخلاقَ النبيلة، والاعتزازَ بهذا الدين العظيم، والولاء لملكنا وولاة أمرنا حفظهم الله، والاعتزاز بوطننا الغالي، مهبط الوحي، ومنبع الرسالة، وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، والتحذير من الغلو والتطرف، ومن المجون والانحلال. فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم الله في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليَّ صلاة واحدةً، صلى الله عليه بها عشرًا)). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر، وعثمان وعليٍّ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الـشـرك والمـشـركين، واحمِ حوزة الدين، اللهم آمنَّا في أوطننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك، وتحكيم شرعك، اللهم احفظ جنودنا المرابطين ورجال أمننا، وسدد رميهم يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدْكم، واستغفروه يغفر لكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]. [1] محمد بن أبي بكر القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: د. عبدالله التركي، وآخرون، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1427هـ - 2006 م، 20/ 319. [2] عبدالرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق/ عبدالرحمن اللويحق، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ص 720. [3] صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2699. [4] صححه الألباني في تخريج صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 78، وأخرجه أبو داود (3664)، وابن ماجه (252)، وأحمد (8457). [5] صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2699. [6] صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2664. |
الساعة الآن : 12:03 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour