ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   عالم الفساد والعفن: السحر والكهانة والشعوذة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=316901)

ابوالوليد المسلم 07-08-2025 05:55 PM

عالم الفساد والعفن: السحر والكهانة والشعوذة
 
عالم الفساد والعفن: السحر والكَهانة والشعوذة

أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري

الخطبة الأولى
الحمد والثناء؛ أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن أشدَّ ما ابتُليت به النفوس، وأُصيبت به المجتمعات، دخول النقص عليها في أعزِّ ما لديها؛ في عقيدتها وثوابتها، واحذروا أن تكونوا ممن قال الله فيهم: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].

أيها المسلمون عباد الله، داء من أدواء الدجل قديمًا، ومشكلة من مشكلات العصر حديثًا، داء عُضال، تفشَّى بين الرجال والنساء؛ الفقراء والأغنياء، الأميين والمتعلمين، المرضى والأصحاء، البؤساء والوجهاء، العالة والرؤساء، داء يمارسه الفسَقة والأراذل، ولا يرضاه الصادقون وأهل الفضائل، إن نفوس من يقدم عليه تتصف بالخبث والدناءة والمكر، ليس لصاحبه في الآخرة من خلاق؛ فسادٌ في الدين، وشر في العمل، وتهويل ودجل؛ ذلكم - عباد الله - هو السحر والسحرة، والكَهانة والدجل والشعوذة.

عباد الله: السحر بلاء قديم في الأمم، أجمعت الشرائع على تحريمه، ولسوء آثاره اتُّهمت به الأنبياء، وهم منه بَراء: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].

ظاهرة السحر - عباد الله - فتنة كبيرة، فكم كانت سببًا في دمار بيوت، وتفريق أُسر، وطلاق أزواج! وكم أثارت من عداوات وبغضاء، وإحن وشحناء بين أقارب وأرحام وجيران! وكم من أموال طائلة سُرقت من البيوت بالباطل والاحتيال! كل ذلك بسبب أعمالهم السحرية، وخدعهم الشيطانية، فلتحذروا من أولئك المفسدين الأشرار، الذين يتظاهرون بمظهر أهل الصلاح، فإنهم يلبَسون لكل زمان ما يناسبه، ولكل مجتمع ما يوافقه، تمويهًا وتدليسًا، وإن في ممتهني الرُّقية والطب الشعبي من هؤلاء لَكثير.

وإذا كان المرء حريصًا على أن يعرف الأمراض التي تؤذيه في بدنه، فأولى من ذلك أن يعرف الأمراض التي تضره في دينه وعقيدته، وتقدح في إيمانه؛ فأمراض العقائد والقلوب أشد فتكًا، وأعظم ضررًا من أمراض الأبدان.

ألَا فلتعلموا - يا معاشر المسلمين - أن السحر والشعوذة والتجهيل، ومعالم الخرافة والدجل والتضليل، طعنةٌ نافذة في صميم العقيدة، وشرخ خطير في صرح التوحيد، مصيبة تروِّج لبضاعة التخرصات والخزعبلات، فيقع الاضطراب في المجتمع، وتحصل الفوضى في الأمة، حين يُخرق سياج أمنها العقدي؛ قال الله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]؛ ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الذهاب إلى السحَرة والعرَّافين؛ فقال: ((من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين ليلةً))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدَّقه فيما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))، وقال جل وعلا: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [النمل: 65]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]؛ لأن هؤلاء لا يتوصلون إلى مقاصدهم إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله عز وجل.

ألَا فلتسمع كل امرأة تذهب إلى الساحر والكاهن والعرَّاف، بحجة الحمل، أو الاستشفاء، أو ربط بناتها حفاظًا على شرفها زعموا، أو للتفريق بين الزوج وزوجته، أو لزرع الفتنة بين العائلات المطمئنة، أو من أجل التقريب بين فلان وفلانة - أن مصيرها الخزي والعار والهلاك في الدنيا، وفي الآخرة الحرمان من دخول الجنة والعياذ بالله، وأنا أحذر إخواني جميعًا أن يحذِّروا أهل بيتهم من كل امرأة يثبت أنها تتردد على السحرة والمشعوذين، أن يقاطعوها، ولا يختلطوا معها، ولا يستقبلوها في بيوتهم.

روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عقد عقدةً ثم نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وُكِلَ إليه))، وهذا يفسر قوله تعالى في سورة الفلق: ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ [الفلق: 4]؛ قال أهل التفسير: إنهن الساحرات اللاتي يعقدن العقد، وينفثن فيها بكلمات شركية، يتقربون بها إلى الشياطين؛ لتنفيذ مرادهم في إيذاء الناس وظلمهم.

لهذا كله فقد أمر الإسلام بقتل الساحر حدًّا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((حد الساحر ضربة بالسيف))، وقد نهض ولاة الأمور بعقوبات ردعية ضد هؤلاء الأنجاس، لا كثرهم الله، والأخذ على أيديهم والتصدي لهم، فالواجب على كل مسلم أن يتعاون مع ولاة الأمور في الكشف عن حال السحرة وأماكن تواجدهم، وبيان زيفهم وباطلهم، وهتك أستارهم، والإبلاغ عنهم؛ فإن ذلك من التعاون على الخير والصلاح، وتحقيق ما فيه نفع للعباد وللبلاد؛ فقد قال سبحانه: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ أما بعد عباد الله:
فلو ذهب الذاهب يفتش في أسباب انتشار هذه الخزعبلات، وقبول هذه الشعوذات، لَتبين له أن من أعظم أسباب ذلك، ضعف الإيمان؛ وقد قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وقال جل جلاله: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17].

ومن ذلك الجهل بالشرع وتعاليم الدين وأحكامه، ومنها الغفلة عن ذكر الله والتحصن بالأوراد الشرعية، حتى تكاد تصبح بعض البيوت مرتعًا للشياطين ومباءةً للمنكرات.

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا تعلم السحر أو المعالجة به، اجتنبوا التداوي بما يصفه الكذابون من العلاج المزعوم، والتزموا الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، واعتصموا بكتاب ربكم، وتمسكوا بسنة نبيكم؛ ففيهما العصمة من الضلالة، والسلامة من الغواية، والسعادة في الدنيا والآخرة، وتوكلوا على ربكم في جميع أحوالكم، فهو سبحانه القادر على كل شيء، وبيده النفع والضر، وغيره لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123].

اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجَّار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن.






الساعة الآن : 06:37 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 10.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 10.17 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.91%)]