ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=41)
-   -   موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=304768)

ابوالوليد المسلم 05-06-2024 07:34 PM

موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى
 
موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى(1)

أقوال العلماء في الموالاة والمعاداة للنصارى



قال ابن كثير في تفسيره: إن من يوالي الكفار من دون المؤمنين ويسر إليهم بالمودة فهو كافر مرتد، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } (آل عمران:28)، إلا ما استثنى الله ممن يكره إكراها ملجئا.(1)
وقال الإمام محمد بن عبدالوهاب: «لو أن رجلا أقر بأن الإسلام نهى عن الشرك، ولم يفعل الشرك بنفسه، ولكنه زينه للناس، ورغبهم فيه، أليس هذا كافرا مرتدا؟».(2)
وقال أيضا رحمه الله: «ولو أن إنسانا كره ما أنزل الله، أو أمر الرسول [ به أمر استجاب وصد الناس عن ذلك كركعتي الفجر مع علمه بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أليس هذا كافرا مرتدا؟! فكيف بمن سب دين الله الذي بعث الله به جميع أنبيائه، مع إقراره، ومعرفته به، ومدح دين المشركين، الذي بعث الله أنبياءه بإنكاره، وبيان بطلانه؟».(3)
وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: «إن الأمور التي يصير بها المسلم مرتدا، أمران:
1- الأمر الأول: الشرك.
2- الأمر الثاني: مظاهرة المشركين على دينهم الباطل وطاعتهم في ذلك، ولم يستثن من حالات المظاهرة والطاعة إلا حالة واحدة وهي الموافقة لهم في الظاهر، مع مخالفتهم في الباطن، وذلك إذا كان في سلطانهم، مع مباشرة تعذيبهم وتهديدهم له». (4)
وقال الشيخ عبدالله بن عبداللطيف رحمه الله (1165 -1242هـ): كل من استسلم للكفار، ودخل في طاعتهم وأظهر موالاتهم فقد حارب الله ورسوله، وارتد عن الإسلام، ووجب جهاده ولزمت معاداته. (5).
وصدق ابن القيم رحمه الله (691-751هـ):
أتحب أعداء الحبيب وتدعي
حبا له ما ذاك في الإمكان
وكذا تعادي جاهدا أحبابه
أين المحبة، يا أخا الشيطان؟
شرط المحبة أن توافق من تحب
على محبته بلا نقصان
فإن ادعيت له محبة مع خلافك
ما يحب فأنت ذو بطلان(6)
ويقول الشيخ سليمان بن سحمان الدوسري- رحمه الله:
يوالي ويدني أهل سنة أحمد
عدوا لمن يهدي بغير هداها(7)
محبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وموالاته
قال تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَـلِبُونَ} (المائدة:56).
وقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة:55).
وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} (الأحزاب:6).
وعن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين». (8)
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار».(9)
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».(10)
وقال ابن القيم رحمه الله: «من أنواع الكفر: كفر الإعراض عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يصدقه، ولا يكذبه، ولا يواليه، ولا يعاديه ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم : «والله أقول لك كلمة، إن كنت صادقا، فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك. وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك».(11)
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: «الواجب على كل عبد أن يعرف أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ووحد الله، لا يجوز له أن يواد من حاد الله، ورسوله، حتى يتوب المحاد من المحادة لله ورسوله». (12)
العقوبة الأخروية لمن يوالون اليهود والنصارى
وقد حذّر الله تعالى في القرآن الكريم الذين يوالون الكفار أن جزاءهم العقاب الشديد في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَـلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا(27) يَـوَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلا(28)} (الفرقان:27-28). وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴿66﴾وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴿67﴾رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } (الأحزاب:66-68). وقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴿166﴾وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } (البقرة: 166-167). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث أحلف عليهن لايجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة، الصلاة والصوم والزكاة، ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جعل معهم». (13)
فالذين يتولون الكفار بحبهم وتقديم محبتهم على محبة الله، وتعظيمهم على تعظيم الله كان جزاؤهم: { وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} (العنكبوت:25).
الهوامش:
1- مختصر تفسير ابن كثير: محمد علي الصابوني 176/1.
2- الرسائل الشخصية، محمد بن عبدالوهاب ص29.
3- المصدر السابق ص30.
4- مجموعة التوحيد: 286 . 296.
5- نفس المصدر ص234.
6- نونية ابن القيم ص171.
7- ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان. سليمان بن سحمان. ص3.
8- صحيح مسلم 67/1.
9- صحيح مسلم 166/1.
10- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبدالرحمن بن حسن.
11- مدارج السالكين 338/1.
12- مجموعة التوحيد ص36.
13- من حديث ابن مسعود «انظر مورد الظمآن لدروس الزمان: عبدالعزيز بن سلمان 221/1.


اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين





ابوالوليد المسلم 08-06-2024 11:41 AM

رد: موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى
 
موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى(2)




منع تولي أمور المسلمين- أحداً من أهل الذمة



استكمالا لما بدأناه في الحديث عن موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى، نستعرض فيما يلي بعض من تلك المواقف ونبدأها بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
1- موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي تولى الخلافة 13-23هـ/ 634-644م:
عن عياض الأشعري عن أبي موسى رضي الله عنه ، قلت لعمر رضي الله عنه : إن لي كاتبا نصرانيا.
قال: مالك قاتلك الله، أما سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51)، ألا اتخذت حنيفا؟
قال: قلت يا أمير المؤمنين: لي كتابته وله دينه.
قال: «لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله». (1)
وعن أبي موسى، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفا جاءت من الشام.
فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد.
قال عمر: أبه جنابة؟
قال: لا، ولكنه نصراني.
قال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرها، ثم قال: ما لك! قاتلك الله!(2)
وكتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: «أما بعد: فإنه من كان قبله كاتب من المشركين، فلا يُعاشره ولا يوادده، ولا يجالسه، ولا يعتضد برأيه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر باستعمالهم، ولا خليفته من بعده».
وهذا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يكاتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول: «يا أمير المؤمنين فإن في عملي كاتبا نصرانيا، لا يتم أمر الخراج إلا به، فكرهت أن أقلده دون أمرك».
فكتب عمر إليه: «عافانا الله وإياك، قرأت كتابك في أمر النصراني، أما بعد: فإن النصراني قد مات، والسلام».
وكان لعمر رضي الله عنه عبد نصراني، فقال له: «أتسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، فإنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم» فأبى، فاعتقه، وقال: «اذهب حيث شئت».
وكتب رضي الله عنه إلى أبي هريرة رضي الله عنه: «أما بعد، فللناس (3) نفرة على سلطانهم، فأعوذ بالله أن تدركني وإياك، أقم الحدود ولو ساعة من النهار، فإذا حضرك أمران، أحدهما لله، والآخر للدنيا: فأثر الله على نصيبك في الدنيا» (4)، فإن الدنيا تفقد والأخرى تبقى. عد مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم، وافتح بابك، وباشرهم، وأبعد أهل الشرك. (5)
2- موقف عمر بن عبدالعزيز (تولى الخلافة 99- 101هـ/ 717-720م):
فإنه كتب إلى جميع عماله في الآفاق: «أما بعد: فإن عمر بن عبدالعزيز يقرأ عليكم من كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (التوبة:28).
جعلهم نجس - حزب الشيطان. وجعلهم الأخسرين وكتب إلى حيّان - عامله في مصر- باعتماده على ذلك. فكتب إليه: «أما بعد: يا أمير المؤمنين! فإنه إن دام الأمر في مصر: أسلمت الذّمة، وبطل ما يؤخذ منهم».
فأرسل إليه رسولا، وقال: «اضرب حيّان على رأسه ثلاثين سوطا- أدبا على قوله- وقل له: من دخل في دين الإسلام، فضع عنه الجزية. فوددت لو أسلموا كلهم. فإن الله - سبحانه- بعث محمد صلى الله عليه وسلم داعيا، لا جابيا».
وأمر أن تُهدم بيع النصار المستجدّة، فيقال أنهم توصلوا إلى بعض ملوك الروم، وسألوه في مكاتبة عمر بن عبدالعزيز ، فكتب إليه: «أما بعد: فإن هؤلاء الشُّعث سألوا في مكاتبتك، لتجري أمورهم على ما وجدتها عليه، وتُبقي كنائسهم، وتمكّنهم من عمارة ما خرب منها. فإنهم زعموا أن من تقدّمك فعل في أمر كنائسهم ما منعتهم منه، فإن كانوا مصيبين في اجتهادهم، فاسلك سننهم. وإن يكونوا مخالفين، فافعل ما أردت».
فكتب إليه عمر -رحمة الله عليه: «أما بعد: فإن مثلي ومثل من تقدمني كما قال الله -تعالى- في قصة داود وسليمان: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴿78﴾فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴿79﴾} (الأنبياء:78-79).
كتب إلى بعض عماله: «أما بعد: فقد بلغني: في عملك كاتبا نصرانيا، يتصرف في مصالح المسلمين، والله - تعالى- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِيْنَ اتَّخَذُوْا دِيْنَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ} (المائدة:57).
فإذا أتاك كتابي هذا، فادع حسان بن زيد -يعني ذلك الكتاب- إلى الإسلام، فإن أسلم، فهو منا ونحن منه، وإن أبى، لا نستعين به، ولا تتخذ أحدا على غير دين الإسلام في شيء من مصالح المسلمين.
كتاب عمر بن عبدالعزيز إلى عماله: (6)
أما بعد: فإن الله -عز وجل- أكرم بالإسلام أهله، وشرّفهم وأعزهم وضرب الذلة والصغار على من خالفهم، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، فلا تولين أمور المسلمين أحد من أهل ذمتهم وخراجهم، فتتبسط عليهم أيديهم وألسنتهم، فتذلهم بعد أن أعزّهم الله، وتهينهم بعد أن أكرمهم الله -تعالى- وتعرضهم لكيدهم والاستطالة عليهم، ومع هذا فلا يؤمن غشهم إياهم فإن الله -تعالى- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (آل عمران:118)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51)».
الهوامش:
1- مسند أحمد
2- انظر المسند، عيون الأخبار، 1/43، والبيهقي في السنن الكبرى 9/204، 10/127، وصححه الألباني حفظه الله.
3- أحكام أهل الذمة.
4- نفس المصدر.
5- نفس المصدر.


اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين





ابوالوليد المسلم 12-06-2024 10:58 AM

رد: موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى
 
https://al-forqan.net/wp-content/med...mages/1_55.jpg


موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى(3)

نماذج من تعامل أمراء بني العباس لأهل الذمة




استكمالا لما بدأناه في الحديث عن موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى، نستعرض فيما يلي بعض تلك المواقف ونبدأها بموقف أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور: (تولى الخلافة: 136هـ/158هـ/754هـ/775م)
فإنه لما حج، اجتمع جماعة من المسلمين إلى شبيب بن شيبة، وسألوه مخاطبة المنصور: أن يرفع عنهم المظالم، ولا يمكّن النصارى من ظلمهم وعسفهم في ضياعهم، ويمنعهم من انتهاك حرماتهم، وتحريهم؛ لكونه أمرهم أن يقبضوا ما وجدوه لبني أمية.
قال شبيب: فطفت معه فشبك أصابعه على أصابعي فقلت: يا أمير المؤمنين، لي أن أكلمك بما في نفسي؟
فقال: أنت وذلك.
فقلت: إن الله - سبحانه - كما قسم أقسامه بين خلقه، لم يرض لك إلا بأعلاها وأسناها، ولم يجعل فوقك في الدنيا أحدا، فلا ترض لنفسك أن يكون فوقك في الآخرة أحد.
يا أمير المؤمنين، اتق الله، فإنها وصية الله إليكم، جاءت، وعنكم قبلت، فإليكم تؤدى. وما دعاني إلى قولي إلا محض النصيحة لك والإشفاق عليك وعلى نعم الله عندك: اخفض جناحك إذا علا كعبك، وابسط معروفك إذا أغني يدك.
يا أمير المؤمنين، إن دون أبوابك نيرانا تأجج من الظلم والجور، لا يعمل فيها بكتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يا أمير المؤمنين، سلطت أهل الذمة - على المسلمين - ظلموهم وعسفوهم، وأخذوا ضياعهم، وغصبوا أموالهم، وجاروا عليهم، واتخذوك سلما لشهواتهم. وإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا يوم القيامة.
فقال المنصور: خذ خاتمي، فابعث به إلى من تعرفه من المسلمين، وقال: يا ربيع، اكتب إلى الأعمال، واصرف من بها من الذمة، ومن أتاك به شبيب فأعلمنا بمكانه لنوقع باستخدامه.
فقال شبيب: يا أمير المؤمنين، إن المسلمين لا يأتونك وهؤلاء الكفرة في خدمتك، إن أطاعوهم أغضبوا الله، وإن أغضبوهم أغروك بهم، ولكن تولي اليوم الواحد عدة، فكلما وليت عزلت آخر.
4- موقف أمير المؤمنين محمد المهدي، الذي تولى الخلافة (158-169هـ/775- 785هـ):
وأما المهدي: فإن أهل الذمة في زمانه قويت شوكتهم، واجتمع المسلمون مع أحد الصالحين وسألوه أن يعرفه بذلك وينصحه - وكان له عادة في حضور مجلسه، فاستدعي للحضور عند المهدي، فامتنع فجاء المهدي إلى منزله، وسأله السبب في تأخره. فقص عليه القصة، وذكر اجتماع الناس إلى بابه متظلمين من ظلم أهل الذمة، ثم أنشده:
بأبي وأمي ضاعت الأحلام
أم ضاعت الأذهان والأفهام؟
من صد عن دين النبي محمد
أله بأمر المسلمين قيام؟
إلا تكن أسيافهم مشهورة
فينا، فتلك سيوفهم أقلام
ثم قال: يا أمير المؤمنين، إنك تحملت أمانة هذه الأمة، وقد عرضت على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، ثم سلمت الأمانة التي خصك الله بها إلى أهل الذمة دون المسلمين.
يا أمير المؤمنين، أما سمعت تفسير جدك لقوله تعالى:
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}(الهف:49).
«إن الصغيرة: التبسم، والكبيرة: القهقهة»، فما ظنك بأموال المسلمين وأماناتهم وأسرارهم وقد نصحتك، وهذه النصيحة حجة علي ما لم تصل إليك. فولى عمارة بن حمزة أعمال الأهواز وكور دجلة، وكور فارس، وقلد حمادا: أعمال السواد، أمره أن ينزل إلى الأنبار وإلى جميع الأعمال، ولا يترك أحدا من الذمة يكتب لأحد من العمال. وإن علم أن أحدا من المسلمين استكتب أحدا من النصارى، قطعت يده. فقطعت يد شاهونه وجماعة من الكتاب.
وكان للمهدي على بعض ضياعه كاتب نصراني بالبصرة، فظلم الناس في معاملته، فتظلم المتظلمون إلى سوار بن عبدالله القاضي، فأحضر وكلاء النصراني، فأخذ كتاب المهدي إلى القاضي سوار بالتثبت في أمره، فجاء البصرة ومعه الكتاب، وجماعة من جهة النصارى، وجاؤوا إلى المسجد فوجدوا سوارا جالسا للحكم بين المسلمين. فدخل المسجد وتجاوز الموضع الذي كان يجب الوقوف عنده، فمنعه الخدم، فلم يعبأ بهم وسبهم، ودناحتى جلس عن يمين سوار، ودفع الكتاب، فوضعه بين يديه ولم يقرأه وقال:
ألست نصرانيا؟
قال: بلى أصلح الله القاضي، فرفع رأسه وقال: جروا برجله، فسحب إلى باب المسجد، وأدبه تأديباً بالغاً، وحلف أن لا يبرح واقفا إلى أن يوفي المسلمين حقوقهم. فقال له كاتبه: قد بلغت اليوم أمراً يخاف أن تكون له عاقبة: «أعز أمر الله، يعزك الله».


اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين





ابوالوليد المسلم 13-06-2024 09:31 PM

رد: موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى
 
موقف خلفاء المسلمين من اليهود (4)


استكمالا لما بدأناه في الحديث عن موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى، نستعرض فيما يلي بعضاً من تلك المواقف ونستكمله بمواقف أمير المؤمنين هارون الرشيد: (الذي تولى الخلافة 170-193هـ/786-809هم):
فإنه لما قلد الفضل بن يحيى أعمال خراسان، وجعفراً - أخاه - ديوان الخراج، وأمرهما بالنظر في مصالح المسلمين، فعمرت المساجد والجوامع والصهاريج والسقايات، وجعل في «المكاتب» مكاتباً لليتامى، وصرف الذمة عن أعمالهم، واستعمل «المسلمين» عوضاً منهم. وغير زيهم ولباسهم، وخرَّب الكنائس، وأفتاه بذلك علماء الإسلام.
6- أمير المؤمنين عبدالله المأمون الذي تولى الخلافة (198-318هـ/813-832م):
قال عمر بن عبدالله الشيباني: استحضرني المأمون في بعض لياليه - ونحن بمصر - فقال لي: إني كثرت علي سعايات النصارى، وتظلم المسلمين منهم، وخانوا السلطان ماله، ثم قال: يا عمر من أين أصل هؤلا القبط؟
فقلت: هم بقية الفراعنة الذين كانوا بمصر، وقد نهى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن استخدامهم.
فقال: صف لي كيف كان تناسلهم في مصر؟
فقال: يا أمير المؤمنين لما أخذت الفرس الملك من أيدي الفراعنة قتلوا القبط، فلم يبق منهم إلا ما أطبعته يد الهرب، واختفى بأنصناوغيرها، فعملوا «أطباء» وكتاباً، فلما ملكت الروم ملك الفرس كان سببا في إخراج الفرس عن ملكهم، وأقاموا في مملكة الروم، إلى أن ظهرت دعوة المسيح. وفيهم يقول خالد بن صفوان من قصيدة له يمدح بها عمرو بن العاص رض يالله عنه ، ويحثه على قتلهم، ويغريه بهم:
يا عمرو قد ملكت يمينك مصرنا

وبسطت فيها العدل والإقساطا
فاقتل بسيفك من تعدى طوره

واجعل فتوح سيوفك الأقباطا
«فبهم» أقيم الجود في جنباتها
ورأى الأنام البغي والإفراطا
وبقي في نفس المآمون منهم، فلما عاد إلى بغداد اتفق لهم مجاهرة - في بغداد - بالبغي والفساد على معلمه علي بن حمزة الكسائي(1) فلما قرأ عليه المأمون ووصل إلى قوله تعالى:
{يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }(المائدة: 51).
فقال الكسائي: يا أمير المؤمنين، أتقرأ كتاب الله ولا تعمل به؟فأمر المأمون «بإحضار» الذمة، فكان عدة من صرف وسجن ألفين وثمان مائة، وبقي جماعة من اليهود منحازين إلى حماية بعض جهاته، فخرج توقيعه «ما» نسخته: «أخبثُ الأمم: اليهود، وأخبث اليهود: السامرة(2)، وأخبث السامرة: بنو فلان، فليقطع ما بأسمائهم، من ديون الجيش والخراج إن شاء الله».
ودخل بعض الشعراء على المأمون وفي مجلسه يهودي جالس، فأنشده:
يا ابن الذي طاعته في الورى

وحكمه مفترض واجب
إن الذي عظمت من أجله
يزعم هذا أنه كاذب
فقال المأمون: أصحيح ما يقول:
قال: نعم، فأمر بقتله.
الهوامش:
1- إمام النحو واللغة وأحد القراء السبعة المشهورين، وهو من الكوفة ومات بالري سنة 182هـ، انظر ترجمته في بغية الدعاة 2/164.
2- والسامرة بالعبرية: (كوتيم)، وهم ليسوا من بني إسرائيل، وإنما هم قوم قدموا من بلاد المشرق، وسكنوا الشام ولا يقرون بنبي بعد موسى، ولا بكتاب غير التوراة من كتب (أشعياء) و(أرميا) و(حزقيل) وغيرهم، ويعتقدون أن التوراة الموجودة الآن محرفة مبدّلة، وقد بقي منهم في عصرنا جماعة بنابلس يصعدون كل عام جبل (كزبيرم)، منتظرين مجيء المسيح الموعود به»، انظر «خطط المقريزي» (4/369).


اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين






الساعة الآن : 10:54 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 34.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.67 كيلو بايت... تم توفير 0.22 كيلو بايت...بمعدل (0.63%)]