ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة» (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=304334)

ابوالوليد المسلم 19-05-2024 02:45 PM

سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة»
 
سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: «كل أمتي يدخلون الجنة»

(الجزء الأول)

الشيخ حسن حفني


الحمد لله الملك الوهاب، الرحيم التواب، خلق الناس كلهم من تراب، وهيأهم لما يكلفون به بما أعطاهم من الألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بلا شك ولا ارتياب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

الذي أنزل عليه الكتاب، تبصرة وذكرى لأولي الألباب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليمًا كثيرًا حتى يحكم الله بين العباد، رغم أنف الشيعة الروافض أهل الكذب والارتياب، أعداء السنة والكتاب، مبغضي الصحابة الكرام أهل الطهر والانقياد لحكم السنة والكتاب، وبعد:
نبدأ سلسلة جديدة في شرح حديث أبي هريرة: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ أَبَى... » الحديث.

وقد شرحته في خطبة جمعة، ثم في سلسلة من الدروس[1]، ورأيت أنه من الفائدة أن يخرج إلى عموم المسلمين في مقالات لينتفع بها العامة والخاصة حتى خطباء المساجد؛ لعلهم يشرحون هذا الحديث في خطبة، أو أكثر على حسب قدراتهم العلمية والوعظية في الخطابة، وتعليم الناس.

وهذا الحديث من الأحاديث النبوية التي تُبيِّن أهمية السنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كما قال تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ‌وَحْيٌ ‌يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 4-5]، وأهمية هذا الحديث وشرحه في مثل هذه الأيام التي امتلأت بالفتن والشبهات لكثرة أهل الزيغ والضلال والإلحاد الذين يطعنون في السنة، ويزعمون أنهم يتعلقون بالقرآن، أو يزعمون أنهم يتعلقون بآل البيت رضي الله عنهم، وهذا زعم فاسد، وتلبيس من الشيطان، فوالله الذي لا إله غيره، إنما أرادوا الطعن في القرآن وهدمه؛ حتى لا يكون لنا أي مصدر نرجع إليه في أحكامنا؛ بل أرادوا الطعن في الإسلام نفسه، ولن يصلوا إلى مرادهم ما دام العلماء والدُّعاة المخلصين والمتحققين بالعلم على يقظة لأهل الباطل.

وهذا الحديث وشرحه ما هو إلا دعوة لليقظة، وأخذ الحيطة في وجه أهل الضلال والانحراف والانحلال والزندقة؛ الذين يزعمون أنهم مصلحون، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ‌وَمَا ‌هُمْ ‌بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 8-13]، وهذا الحديث مع هذا الشرح ليعرف كل مسلم ومسلمة -وخصوصًا الشباب والفتيات- أهمية السنة بالنسبة للقرآن؛ بل ولكل من ينتسب إلى الإسلام، ونحن نبرأ إلى الله من طوائف الباطل والضلال والانحراف بكل أنواعهم وأشكالهم واعتقادهم وثقافتهم.

وهذا الحديث مع هذا الشرح من الممكن أن يجعله البعض مفتاحًا لتفصيل بعض الجوانب فيه، وهذا راجع أيضًا إلى فقه الخطيب وأسلوبه في اقتناص الفوائد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الشرح الذي أضيف للحديث، ولن أطيل في المقدمة؛ ولكن هذا الحديث سيكون بداية لسلسلة علمية ووعظية وإرشادية لبعض الأحاديث وبعض المواضيع الهامة التي يحتاج إليها المسلمون إما في مناسبات خاصة أو عامة، وغير ذلك، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا صالح أعمالنا، وأن يصلح نياتنا، وأن يهدينا ويهدي بنا، وأن يأخذ بأيدينا وأيدي المسلمين، ونواصينا ونواصي المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.

وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليمًا كثيرًا رغم أنف الشيعة الروافض الحاقدين، ألا لعنة الله على الظالمين.

نبدأ في الموضــــوع:
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب (96) الاعتصام بالكتاب والسنة في الباب الثاني، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر في هذا الباب قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَاجْعَلْنَا ‌لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74] "قَالَ: أَئمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا".

وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: "ثَلاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلِإِخْوَانِي: هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ، وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ".

«يَدَعُوا الناس»؛ يتركوهم ولا يتدخلوا في شؤونهم.

ثم ذكر مجموعة من الأحاديث، ذكر فيها ثلاثة عشر حديثًا، وذكر منها الحديث رقم:
7280 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»[2].

وفي نفس معنى الحديث روايات أخرى تزيده وضوحًا وبيانًا وتفصيلًا وجمالًا، منها:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِليَّ مَرَّ عَلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَلْيَنِ كَلِمَةٍ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَلَا كُلُّكُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللهِ شِرَادَ الْبَعِيرِ عَلَى أَهْلِهِ»[3].

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ كُلُّكُمْ إِلَّا مَنْ أَبَى، وَشَرَدَ عَلَى اللَّهِ كَشِرَادِ الْبَعِيرِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»[4].

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: طَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ الِانْقِيَادُ لِسُنَّتِهِ بِتَرْكِ الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَميَّةِ فِيهَا مَعَ رَفْضِ قَوْلِ كُلِّ مَنْ قَالَ شَيْئًا فِي دِينِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا بِخِلَافِ سُنَّتِهِ دُونَ الِاحْتِيَالِ فِي دفع السنن بالتأويلات المضمحلة، والمخترعات الداحضة.

نبدأ بالكلام عن الإسناد:
قال الإمام البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ: هو محمد بن سنان الباهلي، أبو بكر البصري، المعروف بالعوقي (والعوقة: حي من الأزد نزل فيهم فنسب إليهم)، وهو ثقة ثبت.


من الطبقة العاشرة طبقة كبار الآخذين عن تبع الأتباع (ت 223 هـ).

روى له (البخاري - أبو داود - الترمذي - ابن ماجه).


حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ: هو ابن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي، ويقال: الأسلمي، أبو يحيى المدني، ويقال: اسمه عبدالملك (وفليح لقب)، وهو صدوق كثير الخطأ، وجمهور أهل العلم على ضعفه.


من الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين (ت 168هـ).

روى له (البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه).

صحيح أنه قد روى له البخاري ومسلم وغيرهما؛ لكنهما لم يحتجا به على الأحكام؛ وإنما أخرج له مسلم حديثًا في حادثة الإفك، وأما البخاري فأخرج له في المناقب، وبعضها في الرقاق، والظاهر أنهما قد تخيَّرا له من حديثه ما وافق فيه الثقات، وهي خطة مشهورة عندهما.

قال الحافظ ابن حجر في هدي الساري صـ 581: فليح بن سليمان الخزاعي أو الأسلمي أبو يحيى المدني، ويقال: كان اسمه عبدالملك، وفليح لقب مشهور، من طبقة مالك، احتج به البخاري وأصحاب السنن، وروى له مسلم حديثًا واحدًا وهو حديث الإفك، وضعَّفه يحيى بن معين والنسائي وأبو داود، وقال الساجي: هو من أهل الصدق وكان يَهِمُ، وقال الدارقطني: مختلف فيه، ولا بأس به، وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة وغرائب، وهو عندي لا بأس به.

قال الحافظ: قلت: لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما؛ وإنما أخرج له أحاديث أكثرها في المناقب، وبعضها في الرقاق؛ ا هـ.

يقصد أنه لم يخرج له في الأحكام التي تطلب توثيقًا أكثر.

قال الإمام الذهبي: قلت: قد اعتمد أبو عبدالله البخاري فليحًا في غير ما حديث؛ كحديث: «إن في الجنة مائة درجة»، وحديث: «هل فيكم أحد لم يقارف الليلة»، وحديث: «إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض»؛ صححه الترمذي، وحديث: «يخالف الطريق يوم العيد».

حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ عَلِيٍّ: وهو هلال بن علي بن أسامة، ويقال: هلال بن أبي ميمونة، وهلال بن أبي هلال القرشي العامري، المدني، مولى بني عامر بن لؤي، وهو ثقة.


من الطبقة الخامسة من صغار التابعين، (ت 100 وبضع عشرة هـ).

روى له: (البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه).


عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: وهو عطاء بن يسار الهلالي، أبو محمد وأبو عبدالله وأبو يسار المدني القاص، مولى ميمونة، ثقة فاضل، صاحب مواعظ وعبادة،من كبار التابعين وعلمائهم.


من الطبقة الثانية من كبار التابعين، (ت 94 هـ)، وقيل: مات سنة ثلاث ومائة، وهو ابن أربع وثمانين سنة بـالإسكندرية.

روى له (البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه).


عَنْ أبي هريرة: هو أبو هريرة الدوسي اليماني (حافظ الصحابة، اختُلِف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا).


من الطبقة الأولى، صحابي، كان حافظًا متثبتًا ذكيًّا مفتيًا، صاحب صيام وقيام (ت 57هـ، وقيل: 58 أو 59 هـ).

روى له (البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه).

فهل تعرف راوي الحديث؟
أيها الأحباب الكرام، للحديث بقية إن شاء الله تعالى، هذا والله أعلى وأعلم.

وصلى اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا وخليلنا وإمامنا وقائدنا وقدوتنا وقرة عيوننا سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليمًا مباركًا إلى يوم الدين.



[1] شرحته في أكثر من ثلاثة عشر درسًا بفضل الله عز وجل، وهذا الشرح موجود على موقعنا على الإنترنت.
على هذا الرابط https://www.youtube.com/playlist?lis...549C8F50D4EC0B

( [2]البخاري (7280) ، ورواه الإمام أحمد في مسنده (8913)، وغيرهما.

[3] صحيح: رواه أحمد (22127)، وغيره ، وقال ابن حجر في الفتح: سنده جيد، وانظر الصحيحة للألباني رقم (2043)، وصحيح الجامع (4570).

[4] رواه ابن حبان (17) ، والطبراني في الأوسط (808)، والحاكم في المستدرك (4/ 377) رقم (7707) تحقيق مقبل الوادعي، وقال الحاكم: هَذَاحَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في الصحيحة رقم (2044): صحيح على شرط البخاري، وانظر: صحيح الجامع (5065).

ابوالوليد المسلم 16-08-2024 06:57 PM

سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثاني
 
سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث ((كل أُمَّتي يدخلون الجنة))

الجزء الثاني

الشيخ حسن حفني

الحمد لله الملك الوهَّاب، الرحيم التوَّاب، خَلَقَ الناس كلهم من تراب، وهيَّأهم لِما يكلَّفون به بما أعطاهم من الألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بلا شكٍّ ولا ارتياب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، الذي أنزل عليه الكتاب، تبصرة وذكرى لأولي الألباب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليمًا كثيرًا، حتى يحكم الله بين العباد، رغم أنف الشيعة الروافض أهل الكذب والارتياب، أعداء السنة والكتاب، مبغضي الصحابة الكرام، أهل الطُّهر والانقياد لحُكْمِ السنة والكتاب؛ أما بعد:
فنستكمل شرح حديث أبي هريرة: ((كل أُمَّتي يدخلون الجنة، إلا من أبى ...))؛ [الحديث].

فهل تعرف راويَ الحديث؟

هو باختصار: أبو هريرة الدَّوسي اليماني، حافظ الصحابة، اختُلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا.

من الطبقة الأولى، صحابي، كان حافظًا مُتثبِّتًا ذكيًّا مُفتيًا، صاحب صيام وقيام (ت: 57 ه، وقيل: 58 أو 59 هـ).

بطاقة تعريف:
الاسم
عبدالرحمن بن صخر.
الشهرة
أبو هريرة.
الطبقة
الأولى.
الرتبة
صحابي.
النسب
الدوسي، اليماني.
اللقب والكنية
أبو هريرة.
بلد الإقامة
اليمن.
سنة الوفاة
قيل: 57، قيل: 58، وقيل: 59 للهجرة.
عمره
مات وهو ابن ثمانٍ وسبعين سنة (78سنة).
وصفه
كان آدمَ (أسمر) اللون، بعيد ما بين الْمَنْكِبين، ذا ضفيرتين، أفرق الثَّنِيَّتَين.
اسم أمِّه
ميمونة بنت صبيح؛ قاله الذهبي، وقال ابن حجر: ميمونة بنت صخر.
عدد أحاديثه
روى 5374 حديثًا.

تعالَوا بنا نتعرف عليه بالتفصيل.

أبو هريرة هو: الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، الدوسي اليماني، سيِّد الحُفَّاظ الأثبات، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو الصحابي الجليل، حافظ الصحابة، رغم أنف الشيعة الروافض، ألَا لعنة الله على الظالمين.

اختلف العلماء في اسمه، واسم أبيه على أقوال كثيرة؛ منها: عبدالرحمن بن صخر، وقيل: ابن غنم، وقيل غير ذلك.

ويُقال: كان اسمه في الجاهلية: عبدشمس، أبو الأسود، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبدالله، وكنَّاه أبا هريرة، وهذا لا يثبت بإسناد صحيح[1].

والراجح من أقوال العلماء وهو قول أكثر أهل العلم، أن اسمه: عبدالرحمن بن صخر.

قال ابن عبدالبر: "والذي تسكن إليه النفس من الأقوال أنه: عبدالرحمن بن صخر".

والمشهور عنه أنه كُنِّيَ بأولاد هِرَّة (قطة) برية، قال: وجدتها، فأخذتها في كُمِّي، فكُنيت بذلك. عن عبدالله بن رافع، قال: قلت لأبي هريرة، لِمَ كُنِّيت أبا هريرة؟ قال: "أمَا تَفْرَق مني؟ قلت: بلى والله إني لأهابك، قال: كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هُرَيْرة صغيرة، فكنت أضعها بالليل في شجرة، فإذا كان النهار ذهبت بها معي، فلعِبت بها، فكنَّوني أبا هريرة"[2].

بل ذكر بعض أهل العلم أنه كان يحب أبا هرٍّ أكثر من أبي هريرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه ولاطفه بذلك.

نزل أبو هريرة المدينة، وكان قدومه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر في المحرم سنة سبع للهجرة (7 هـ).

كان أبو هريرة من أوعية العلم، ومن كبار أئمة الفتوى، مع الجلالة والعبادة والتواضع؛ كما قال الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ.

وقسم ابن القيم - كما في أعلام الموقِّعين - الصحابة في الفتوى بين مُكْثِرٍ ومُقِلٍّ ومتوسط؛ فجعل أبا هريرة من المتوسطين.

بل صرَّح ابن الهمام في (تحرير الأصول)، وابن حجر في (الإصابة) أنه كان يُفتي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكر الذهبي في (سير أعلام النبلاء) في ترجمته قائلًا: "احتجَّ المسلمون قديمًا وحديثًا بحديثه، لحفظه وجلالته، وإتقانه، وفقهه، وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدَّب معه، ويقول: أفْتِ يا أبا هريرة.

وقال أيضًا: وأين مثل أبي هريرة في حفظه وسعة علمه؟

وقال ابن عمر لأبي هريرة: كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه"[3].

وقال: وقد كان أبو هريرة وثيقَ الحفظ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث.

وقال الشافعى: أحفظ من روى الحديث في دهره.

قال أبو العلا محمد عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري (المتوفَّى: 1353هـ)، في (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 1/ 31): "قلت: كان أبو هريرة رضي الله عنه من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى، قال الحافظ الذهبي في (تذكرة الحفَّاظ): أبو هريرة الدوسي اليماني، الحافظ الفقيه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أوعية العلم، ومن كبار أئمة الفتوى، مع الجلالة والعبادة والتواضع؛ انتهى".

وقال الحافظ ابن القيم في (إعلام الموقعين)[4]: "ثم قام بالفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بَرْك[5] الإسلام، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن، وجند الرحمن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم، أبرُّ[6] الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلُّها تكلُّفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إيمانًا، وأعمُّها نصيحةً، وأقربها إلى الله وسيلة، وكانوا بين مُكْثِرٍ منها ومُقِلٍّ ومتوسط، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمر، والمتوسطون منهم فيما رُوِيَ عنهم من الفُتيا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة ...".

فلا شكَّ أن أبا هريرة رضي الله عنه كان فقيهًا من فقهاء الصحابة، ومن كبار أئمة الفتوى.

فإن قيل: قد قال إبراهيم النخعي أيضًا: إن أبا هريرة لم يكن فقيهًا، والنخعي من فقهاء التابعين.

قلت (المباركفورى): قد نُقِم على إبراهيم النخعي؛ لقوله: إن أبا هريرة لم يكن فقيهًا، قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمته: وكان لا يحكم العربية، ربما لحن، ونقموا عليه قوله: لم يكن أبو هريرة فقيهًا؛ [انتهى].

قال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي، في بحث حديث المصراة المروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما: "قال بعضهم: هذا الحديث لا يُقبَل؛ لأنه يرويه أبو هريرة وابن عمر ولم يكونا فقيهَين، وإنما كانا صالحين، فروايتهما إنما تُقبل في المواعظ لا في الأحكام، وهذه - أي هذا الكلام السابق - جرأة على الله، واستهزاء في الدين عند ذهاب حملته وفقد نصرته، ومن أفقه من أبي هريرة وابن عمر، ومن أحفظ منهما، خصوصًا من أبي هريرة، وقد بسط رداءه وجمعه النبي صلى الله عليه وسلم وضمَّه إلى صدره، فما نَسِيَ شيئًا أبدًا، ونسأل الله المعافاة من مذهب لا يثبت إلا بالطعن على الصحابة رضي الله عنهم، ولقد كنت في جامع المنصور من مدينة السلام في مجلس علي بن محمد الدامغاني قاضي القضاة، فأخبرني به بعض أصحابنا، وقد جرى ذكر هذه المسألة أنه تكلم فيها بعضهم يومًا، وذكر هذا الطعن في أبي هريرة، فسقط من السقف حية عظيمة في وسط المسجد، فأخذت في سمت المتكلم بالطعن، ونفر الناس، وارتفعوا، وأخذت الحية تحت السواري، فلم يدر أين ذهبت، فارعوى من بعد ذلك من الترسُّل في هذا القدح"؛ [انتهى الكلام من تحفة الأحوذي].

أيها الإخوة: ذكرت هذا ردًّا وزجرًا لمن تجرَّؤوا على أبي هريرة في بعض الصحف والمجلات، والكتب والمقالات، والإذاعات، هجومًا عليه، وانتقاصًا له، فحقُّ الصحابة علينا عظيم جدًّا، فهم أفضل البشرية بعد الأنبياء والمرسلين، والذي ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله، فاعلم أنه زنديق كما قال أهل العلم؛ لأنه ما أراد إلا الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي ربَّاهم ومات وهو راضٍ عنهم، مثنيًا عليهم، مادحًا لهم، ذاكرًا لنا مناقبهم ومآثرهم، وهذا فيه طعن على الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل هو الذي اختارهم لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

يقول الشيخ عبدالكريم الخضير في (شرح بلوغ المرام): "بالنسبة لأبي هريرة ما لا نظير له عند غيره من الصحابة لأنه حافظ الأمة، ولذا أعداء الإسلام إذا أرادوا أن ينتقدوا الدين بأسلوب غير مباشر، أو أرادوا أن يهدموا الدين بأسلوب غير مباشر، طعنوا في أبي هريرة؛ لأنه يحمل نصف الدين، والعدو يعرف كيف يطعن؛ لأنه إذا طعن في الدين مباشرة لا تنطلي شبهته على السُّذَّج وأهل الغفلة، لكن إذا غلف هذا الطعن مشى على بعض الناس، تلاحظون وعنه وعنه كم حديث مر علينا وعنه؟ لا يوجد لغيره من الصحابة مثل هذه المزِيَّة، وقد دعا له النبي عليه الصلاة والسلام وبسط رداءه وما نَسِيَ، فهو أحفظ الصحابة على الإطلاق.

أيها الأحباب الكرام، للحديث بقية إن شاء الله تعالى، هذا والله وأعلى وأعلم.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا، وخليلنا وإمامنا، وقائدنا وقدوتنا، وقرة عيوننا؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وأزواجه، وسلم تسليمًا مباركًا إلى يوم الدين.

[1] أخرجه الحاكم في المستدرك (6141): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبدالجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني بعض أصحابي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "كان اسمي في الجاهلية عبدشمس بن صخر، فسُمِّيت في الإسلام عبدالرحمن، وإنما كنَّوني بأبي هريرة؛ لأني كنت أرعى غنمًا لأهلي، فوجدت أولاد هِرَّةٍ وحشية فجعلتُها في كُمِّي، فلما رجعت عنهم سمعوا أصوات الهرِّ من حِجري، فقالوا: ما هذا يا عبدشمس؟ فقلت: أولاد هرٍّ وجدتها، قالوا: فأنت أبو هريرة فلزمتني بعدُ"؛ قال ابن إسحاق: "وكان أبو هريرة وسيطًا في دَوس حيث يحب أن يكون منهم".
و(6146): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبدالجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني بعض أصحابي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "كان اسمي في الجاهلية عبدشمس بن صخر، فسمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن"، والإسناد لا يصح.

[2] أخرجه الترمذي في سننه (3840)، وحسنه الألباني.

[3] أخرجه الترمذي في سننه (3836): عن ابن عمر، أنه قال: لأبي هريرة: "يا أبا هريرة، أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه"، وقال: هذا حديث حسن، وصححه الألباني.

[4] انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، قدَّم له وعلق عليه وخرج أحاديثه وآثاره: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1423 هـ.

[5] "البَرْك" بفتح الباء وسكون الراء، أصله: صدر الإنسان، وجماعة الإبل، ويجوز أن يكون مأخذ هذا اللفظ من كل واحد من هذين المعنيين؛ فإن البُلغاء يطلقون على المقدَّم من القوم لفظ الصدر، فهم يقولون: فلان صدر الأفاضل، وقد يشتقون منه فيقولون: تصدَّر فلان قومه، كما يشبِّهون الرجل الجَلْدَ القويَّ بالجمل.
"البرك": صدر كل شيء، والمراد أنهم المقدَّمون من المؤمنين، يقصد بهم الصحابة رضي الله عنهم.

[6] "ألين".




ابوالوليد المسلم 04-11-2024 09:01 PM

رد: سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث "كل أمتي يدخلون الجنة"
 
سلسلة تذكير الأمة

بشرح حديث "كُلُّ أُمَّتي يدخلون الجنة" - الجزء الثالث

الشيخ حسن حفني

الحمد لله الملك الوهَّاب، الرحيم التوَّاب، خلق الناس كلهم من تراب، وهيأهم لما يكلفون به بما أعطاهم من الألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بلا شك ولا ارتياب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الذي أنزل عليه الكتاب، تبصرة وذكرى لأُولي الألباب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليمًا كثيرًا حتى يحكم الله بين العباد، رغم أنف الشيعة الروافض أهل الكذب والارتياب، أعداء السنة والكتاب، مبغضي الصحابة الكرام أهل الطهر والانقياد لحكم السنة والكتاب، وبعد:
نستكمل شرح حديث أبي هريرة: «كل أُمَّتي يدخلون الجنة، إلا من أبَى ...»؛ الحديث.

نستكمل الكلام عن راوي الحديث.. قلنا باختصار:
هو أبو هريرة الدوسي اليماني (حافظ الصحابة، اختُلِف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا).

من الطبقة الأولى، صحابي كان حافظًا مُتثبِّتًا ذكيًّا مُفْتيًا، صاحب صيام وقيام (ت 57 هـ، وقيل: 58 أو 59 هـ).

وفي هذه الوقفة نتكلم عن بعض فضائل ومناقب هذا الصحابي المبارك.

من فضائله ومناقبه:
أ) الحديث الذي في الصحيحين، قال أبو هريرة: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد، إني كنت امْرأً مسكينًا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقال: «من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه، فلن ينسى شيئًا سمعه مني». فبسطت بردةً كانت عليَّ، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه[1]**.

الصفق: التبايُع.
بردةً: كساء مُخطَّط يُلتحَف به.

قال الإمام الذهبي رحمه الله: وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوَّة.

وقال الإمام النووي – رحمه الله - في شرح هذا الحديث: وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بسط ثوب أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال الإمام بدر الدين العيني - رحمه الله - في عمدة القاري: وفي الحديث الحرص على التعلُّم، وإيثار طلبه على طلب المال، وفضيلة ظاهرة لأبي هريرة وأنه، صلى الله عليه وسلم، خصَّه ببسط ردائه وضمه، فما نسي من مقالته شيئًا.


ب) ما رواه البخاري عن أبي هريرة أنه قال: قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد ظننت يا أبا هريرة ألَّا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه أو نفسه»[2].

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفيه فضل أبي هريرة – رضي الله عنه - وفضل الحرص على تحصيل العلم.

ج) ما رواه مسلم في صحيحه في قصة إسلام أم أبي هريرة، قال أبو هريرة: «كنت أدعو أُمِّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أُمِّي إلى الإسلام فتأبى عليَّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادْعُ الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهْدِ أم أبي هريرة»، فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجافٍ، فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة. وسمعت خضخضة الماء ـ قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ـ قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح ـ قال: قلت: يا رسول الله، أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا ـ قال: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأُمِّي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا ـ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حبِّب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة وأمه - إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين»، فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني[3].

مجافٍ: مغلق.
خشف: حركة المشي وصوته.
خضخض الشيء: حرَّكه ورجرجه.

قال الأستاذ الدكتور موسى شاهين لاشين في فتح المنعم شرح صحيح مسلم: هذا في اعتقاد أبي هريرة وعلمه، وما يحسه من الناس، وليس بلازم، فحب جميع المؤمنين غاية لا تُدرَك.

قال الإمام النووي – رحمه الله - في شرح هذا الحديث: وفيه استجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور بعين المسئول وهو من أعلام نبوَّته صلى الله عليه وسلم، واستحباب حمد الله عند حصول النعم.

قول أبي هريرة (فقلت يا رسول الله ادْع الله) لنا (أن يحببني) الله تعالى (أنا وأمي إلى عباده الله تعالى)؛ لأن ذلك فرع محبة الله سبحانه إياه؛ لحديث «إن الله إذا أحبَّ عبدًا نادى جبريل في السماء...» إلخ؛ الحديث.

وقول أبي هريرة: (فما خلق مؤمن) ولا مؤمنة (يسمع بي)؛ أي: بخبري إلا أحبَّني، (ولا يراني) مؤمن ولا مؤمنة (إلا أحبني) ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم. قال الأُبِّي: علمه بذلك ممن رآه دليله المشاهدة، وأما من لم يره أو خلق بعده فمستنده في ذلك علمه بقبول دعوته صلى الله عليه وسلم.(الكوكب الوهَّاج والروض البهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج).


وأنا أقول: فوالله لحبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا جميع أصحابه، ولبغض المنافقين والمجرمين والزنادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبغضوا أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.

وأيضًا ينبغي عليك أن تُدقِّق في الألفاظ، فهو يقول: «فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحَبَّني»؛ لأن هذا من لوازم الإيمان ومقتضاه، وهذا يعني أنه لن يحب أبا هريرة، إلا من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل لن تستطيع حبه إلا إذا توفر فيك الإيمان، فإن لم يتوفر فلن تستطيع حبه، ومن هنا نعرف لماذا أبغض هؤلاء المنحرفون والزنادقة أبا هريرة، فلا تغتر بالمسميات الظاهرة، والانتساب ظاهرًا لهذا الدين، حتى لا يقول أحد وهو متحير: لماذا فلان الذي ينتسب إلى الإسلام في الظاهر يكره أبا هريرة وينتقصه ويقع فيه ويطعن، فهذا الحديث كشف عن حل هذا اللغز والجرح الغائر والخبث الذي تنطوي عليه بعض النفوس الخبيثة.

فأقول: ألم تقرأ جيدًا أنه قال: «فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحَبَّني»، فهذا يوضِّح هذا اللغز للكثير من الناس.

أيها الإخوة، ذكرت هذا ردًّا وزجرًا لمن تجرأوا على أبي هريرة في بعض الصحف والمجلات والكتب والمقالات والإذاعات هجومًا عليه وانتقاصًا له، فحق الصحابة علينا عظيم جدًّا، فهم أفضل البشرية، بعد الأنبياء والمرسلين، والذي ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق، كما قال أهل العلم؛ لأنه ما أراد إلا الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي ربَّاهم ومات وهو راضٍ عنهم، مثنيًا عليهم، مادحًا لهم، ذاكرًا لنا مناقبهم ومآثرهم، وهذا فيه طعن على الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل هو الذي اختارهم لصحبة نبيِّه عليه الصلاة والسلام، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

يقول الشيخ عبدالكريم الخضير في شرح بلوغ المرام: بالنسبة لأبي هريرة ما لا نظير له عند غيره من الصحابة؛ لأنه حافظ الأمة؛ ولذا أعداء الإسلام إذا أرادوا أن ينتقدوا الدين بأسلوب غير مباشر، أو أرادوا أن يهدموا الدين بأسلوب غير مباشر طعنوا في أبي هريرة؛ لأنه يحمل نصف الدين، والعدو يعرف كيف يطعن؛ لأنه إذا طعن في الدين مباشرة لا تنطلي شبهته على السُّذَّج وأهل الغفلة، لكن إذا غلف هذا الطعن مشى على بعض الناس، تلاحظون وعنه وعنه كم حديث مر علينا وعنه؟ لا يوجد لغيره من الصحابة مثل هذه المزية، وقد دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- وبسط رداءه وما نسي، فهو أحفظ الصحابة على الإطلاق.

عدد الأحاديث التي رواها: روى من الأحاديث خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثًا (5374حديثًا)، فهو أكثر الصحابة حديثًا، فليس لأحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين هذا القدر ولا ما يقارنه ويقاربه.

المتفق عليه في البخاري ومسلم منها: ثلاثمائة وستة وعشرون حديثًا (326حديثًا)، وانفرد البخاري، بثلاثة وتسعين حديثًا (93حديثًا)، ومسلم بثمانية وتسعين حديثًا (98حديثًا)، وروى له الجماعة.

عدد الرواة عنه: قال البخاري: روى عنه قريبًا من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم.

ورعه وزهده وعبادته: يقول أبوعثمان النهدي، وهو أحد الرواة عن أبي هريرة، فهو تلميذ له، أنه تضيف أبا هريرة سبعًا، فكان هو وامرأته وخادمه يقتسمون الليل في الصلاة أثلاثًا، كل واحد منهم يقيم ثلث الليل، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا.

قلت يا أباهريرة كيف تصوم؟ قال: أصوم من أول الشهر ثلاثًا، وكان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس، وكان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يقول أسبح بقدر ذنبي.

أصح الأسانيد عنه وإليه:
ما جاء عن الزُّهْري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
وماجاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وماجاء عن ابن عون، وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.

وفاته:
مات في المدينة سنة تسع وخمسين (59هـ) وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ودُفِن بالبقيع، وقيل: مات بالعقيق وصلى عليه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان وكان يومئذٍ أميرًا على المدينة كما قال ابن عبدالبر.

فرضي الله عنه وعن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا، وجمعنا بهم في دار كرامته آمين[4].

قصيدة في وجوب اتِّباع الصحابة رضي الله عنهم وذم مخالفهم:
هذه القصيدة [كتبتها يوم الخميس قبل الظهر، بتاريخ 28 شوال 1431هـ - 7 أكتوبر 2010م].
ابدأ بذكر الله أولًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأثني بالصلاة على خير الأُوَلى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سيِّد الخلق النبي المجتبى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهو النبي الأصيل الذي حمل الهدى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ثم النبي بسُنَّة محفوظة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في ردِّه نحو سؤال يسأل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في قوله إخباره ستفترق أُمَّتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
على ثلاث وسبعين مِلَّة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هذا طريقي اليوم وصحبتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهل يذم المرء بحذوه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهل هناك طريق يؤمن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
غير طريق النبي وصحبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فمن يعيب ذا الطريق الواضح https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهو المعيب رغم أنف الجاهل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا مسلمون فمن يعيب الحق الذي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جاء به قوم أشدَّاء صحبوا النبي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا مسلمون فأي عقل يغتني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن هذا الصحب الكريم المحسن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هذي عقول مفضوحة محجوبة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن كل خير مستقيم موصل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهل يستوي طريق من صحبوا النبي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مع من يسير بظلمة لا تنتهي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


أيها الأحباب، فمن عاب من سلك طريق الصحابة فهو معيب مرذول، مقبوح مفضوح، مردود ناشذ شاذ، صاحب فطرة منكوسة مضيعة.

أيها الأحباب الكرام، للحديث بقية إن شاء الله تعالى، هذا والله أعلى وأعلم.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا وخليلنا وإمامنا وقائدنا وقدوتنا وقرة عيوننا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليمًا مباركًا إلى يوم الدين.

[1] البخاري (7354)، مسلم (2492)، وغيرهما، وهذا لفظ البخاري.

[2] البخاري (99)، (6570) وغيره.

[3] مسلم (2491)، وغيره.

[4] هذه ترجمة مختصرة لهذا الصحابي الجليل، وإن شاء الله سنفرد لكل صحابي ترجمة خاصة في رسالة صغيرة الحجم لتكون في متناول يد الجميع للتعريف بهذا الجيل الفريد المبارك رضي الله عنهم أجمعين، ومن أراد التوسُّع فلينظر: (أسد الغاية لابن الأثير (3334)، والسير للذهبي ترجمة رقم (222)، والتقريب لابن حجر (10159)، والإصابة لابن حجر (5144)، تهذيب الكمال (7681)، وتاريخ دمشق (8895)، وتذكرة الحُفَّاظ (16)، الاستيعاب لابن عبدالبر ص569، البداية والنهاية لابن كثير جـ8 ص103، التهذيب لابن حجر (8773) ومن له رواية في الكتب الستة (6881)، وغيرها.


ابوالوليد المسلم 22-11-2024 05:31 PM

رد: سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة» الجزء الأول
 
سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث "كل أمتي يدخلون الجنة"

الجزء الرابع

الشيخ حسن حفني
الحمد لله الملك الوهاب، الرحيم التواب، خلق الناس كلهم من تراب، وهيَّأهم لما يكلفون به بما أعطاهم من الألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بلا شك ولا ارتياب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، الذي أنزل عليه الكتاب، تبصرة وذكرى لأولي الألباب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليمًا كثيرًا حتى يحكم الله بين العباد، رغم أنف الشيعة الروافض أهل الكذب والارتياب، أعداء السنة والكتاب، مبغضي الصحابة الكرام أهل الطهر والانقياد لحكم السنة والكتاب، وبعد:
نستكمل شرح حديث أبي هريرة: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجنَّةَ، إِلَّا مَنْ أَبَى... »؛ الحديث.

معاني المفردات والألفاظ
الكلمة
معناها
كل
اسم يجمع الأجزاء ـ كلمة تفيد الاستغراق لأفراد ما تضاف إليه أو أجزائه ـ وهي صيغة من صيغ العموم والشمول عند الأصوليين؛ مثال قوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [العنكبوت: 57]؛ بل هي أقوى صيغ العموم (ومعنى الاستغراق: الاستيعاب وشمول جميع الأفراد بحيث لا يخرج عنه شيء).
أمتي
الأمة: جماعة من الناس، أكثرهم من أصل واحد، وتجمعهم صفات موروثة، ومصالح وأماني واحدة، أو يجمعهم أمر واحد من دين أو مكان أو زمان. (ولها معانٍ أخرى حسب سياق الكلام).
وأمة النبي صلى الله عليه وسلم نوعان: (1) أمة الدعوة، وهي تشمل من آمن به ومن لم يؤمن. (2) وأمة الإجابة ويدخل فيها كل من آمن به وصَدَّقه وتَبِعَه فقط.
أَبَى
الإباء: الترفع والامتناع ـ أَبَى الغذاء: عافه وامتنع عنه وعليه، استعصى، وكرهه ولم يرضه. والإباء: أشد الامتناع. وأَبَى فلان يأبى إباء؛ أي: ترك الطاعة، ومال إلى المعصية، قال الله عز وجل: ﴿ فَكَذَّبَ وَأَبَى ﴾ [طه: 56]. ووجه آخر: كل من ترك أمرًا وردَّه فقد أبى. وأخذه أبَاءٌ؛ أي: أبى الطعام أن يَشْتَهِيه، والأُباءُ: أن تعرض الشيء على الرجل فيأبى قبوله.
أطاعني
الطاعة: امتثال الأمر عن رغبة بغير إكراه، وهي موافقة الأمر طوعًا.
الطاعة: الانقياد والموافقةُ، وقيل: لا تكون إلا عن أمر.
عصاني
العصيان: ضدُّ الطاعة، وهو الامتناعُ عن الانقياد ـ وعصاه معصية، وعصيانًا: خرجمن طاعته وخالف أمره، فهو عاصٍ، والمعصية: هي مخالفة الأمر عمدًا.
ألين
ألطف.
شرد
نفر واستعصى، حاد عن الطريق، شبهه بالبعير في قوة نفاره.
البعير
ما صلح للركوب والحمل من الإبل، وذلك إذا استكمل أربع سنوات.
ويقال للجمل والناقة: بعير.
الشرح
أيها الأحبة في الله، بداية أقول لكم: إن الله تعالى قال في سورة الأحزاب: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6].

هذه الآية تُبَيّن أن الله قد علم - وهو عليم بكل شيء - شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ورحمته ورأفته بهم، ونصحه لهم، فجعله أحق بهم في كل أمور الدين والدنيا، وأولى بهم من أنفسهم فضلًا عن أن يكون أولى بهم من غيرهم، فيجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم، ويجعلوا حُكمَه فيهم مقدمًا على اختيارهم لأنفسهم؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»[1].

وفي البخاري قَالَ عَبْدُاللهِ بْن هِشَامٍ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الآنَ يَا عُمَرُ»[2].

وفي البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضياعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاه»[3].

وقفة قبل شرح الحديث
أيها الإخوة، إن هذه الآية لا بد وأن يكون لنا معها وحدها وقفات ووقفات إن شاء الله تعالى، ففيها من العبر والعظات والفوائد والدروس المستفادة والفقه العظيم لمن تدبَّرها؛ ولكن يكفي أن تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بك من نفسك، فضلًا عن غيرك، وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها، أما نفسه فهو يريد دوام بقائها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب. وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفعٍ ما على وجوهه المختلفة حالًا ومآلًا.

فإذا تأمل الإنسان النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب؛ علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أن يكون حظُّه من المحبة أوفرَ من غيره؛ لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه. ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم؛ لأن هذه ثمرة المعرفة، وهم بها أعلم؛ لذلك كانوا يؤثرون رؤية ومشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم على الأهل والولد والوالد والمال، بل ويبذلون أنفسهم رخيصة في الأمور الخطيرة دفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كل ذلك لما رأوا منه عليه الصلاة والسلام من الشفقة والرحمة والرأفة وكمال النصح لهم، بأبي هو وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمن ذلك أنه دلَّهم على كل خير، وحذَّرهم من كل شر، وعلَّمهم الطريق إلى ذلك ودلَّهم عليه. ففي الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الهوَاءِ، إِلا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ» [4].

عَنِ الْمطَّلِبِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بهِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ» [5].

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله: فَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَحْيٌّ فَقَدْ فَرَضَ اللهُ في الْوَحْيِ اتِّبَاعَ سُنَّتِهِ، فَمَنْ قَبِلَ عَنْهُ فَإِنَّمَا قَبِلَ بِفَرْضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وانتبه لقوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6].

فمن تكلم في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء والعياذ بالله دلَّ ذلك على زندقته وانحلاله وانحرافه عن منهج الله ورسوله[6].

هذا أمر عجيب!
فالعجب كل العجب بعد كل هذا أن يطلب مسلم أو مسلمة الهُدى من غير طريق هذا النبي عليه الصلاة والسلام؛ الذي هو القرآن والسنة وما عليه سلفنا الأوائل رضي الله عنهم جميعًا.

فلا يحل لمسلم أو مسلمة على أي حال أن يقرأ كتب أهل الكتاب من اليهود والنصارى ولو على سبيل الاطلاع والعلم بما فيها من فساد (إلا أن يكون القارئ لهذه الكتب من العلماء المتحققين بالعلم الشرعي؛ لبيان ما فيها من تحريف عند الحاجة لذلك)، ولا يجوز لأي مسلم أو مسلمة أن يقبل هذه الكتب على سبيل الهدية، فاتقوا الله عز وجل.

موقف عملي وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا موقف عملي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله رضي الله عنه، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخطَّابِ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ، وَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي»[7]. وفي رواية «فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي».

معنى (أَمُتَهَوِّكُونَ)؛ أي: أمتحيرون ومضطربون ومتشككون أنتم في الإسلام، لا تعرفون دينكم حتى تأخذوه من اليهود والنصارى.

(بَيْضَاءَ نَقِيَّةً)؛ أي: دعوة عدل، صافية من الشوائب والتحريفات التي وقع فيها أهل الكتاب.

وقال عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَصْبَحَ فِيكُمْ مُوسَى ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ، إِنَّكُمْ حَظِّي مِنَ الأُمَمِ وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ»[8].

(لو نزل موسى)؛ أي: ابن عمران من السماء إلى الدنيا.

(لضللتم)؛ أي: لعدلتم عن الاستقامة.

(وأنتم حظي من الأمم)؛ أي: قد وجَّه الله وجوهكم لاتِّباعي.

ترجمان القرآن وحبر الأمة وبحرها يحذّرها
وهذا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه يقول: «يَا مَعْشَرَ الْمسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيءٍ وَكِتَابُكُمُ الذي أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ الأَخْبَارِ باللهِ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ الله وَغَيَّرُوا، فَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ، قَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلًا، أَوَ لا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، فَلا وَالله، مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الذي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ»[9].

معنى (مَحْضًا لَمْ يُشَبْ)؛ أي: صافيًا لم يُحرَّف ولم يخالطه غيره، أو لم يُخلط به ما ليس منه.

ومعنى قوله: «فَلا وَالله، مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الذي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ»: فابن عباس رضي الله عنه يؤكد خبره وكلامه بالقسم، وكأنه يقول: لا يسألونكم عن شيء مع علمهم بأن كتابكم لا تحريف فيه، فكيف تسألونهم، وقد علمتم أن كتابهم مُحرَّف؟!

فهموا فعملوا، واستقروا فثبتوا
أيها الإخوة والأخوات، لما فهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان هذه القضية، وعرفوا ما هو المطلوب منهم، اقتصروا على التلقي من كتاب الله وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، واستقوا من هذا النبع الصافي، وبذلك سبقوا؛ ولذلك نحن جعلنا هذا الجيل الفريد ومن تبعهم بإحسان من القرون المفضلة قدوتنا، ننظر قبل أن نتكلم في مسألة ودليل، وقبل أن نضع فهمَنا، كيف تكلموا فيه وكيف فهموه، وكيف طبقوه وعملوا به.

فإذا نظرنا نحن في أنفسنا الآن: نتساءل: أين القرآنُ والسنةُ الصحيحة من مناهجنا؟ أين القرآن والسنة الصحيحة من ثقافتنا؟ الجواب إن وُجد فهو نذر يسير جدًّا.

لقد وَلّينا وجوهَنا شطر الشرق الملحد والغرب الكافر لنأخذ من علومهم وثقافاتهم، بعد ما كانوا هم يأخذون من حضارتنا وثقافتِنا وعلومِنا المختلفة.

أيها الأحباب الكرام، للحديث بقية إن شاء الله تعالى، هذا والله أعلى وأعلم.

وصلى اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا وخليلنا وإمامنا وقائدنا وقدوتنا وقرة عيوننا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليمًا مباركًا إلى يوم الدين.


[1] البخاري (15)، مسلم (44)، وغيرهما، وهذا لفظ البخاري، في رواية مسلم قدَّم النبي صلى الله عليه وسلم الولد على الوالد، وفي رواية لمسلم: «حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».

[2] البخاري (6632) وغيره.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 528): [قوله: فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا نفسي] اللام لتأكيد القسم المقدر؛ كأنه قال: والله لأنت... إلخ.
[قوله: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك]؛ أي: لا يكفي ذلك لبلوغ الرتبة العليا حتى يضاف إليه ما ذكر، وعن بعض الزُّهَّاد تقدير الكلام: لا تصدق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه الهلاك، وقد قدمت تقرير هذا في أوائل كتاب الإيمان.
[قوله: فقال له عمر: فإنه الآن يا رسول الله، لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر]، قال الداودي: وقوف عمر أول مرة واستثناؤه نفسه إنما اتفق حتى لا يبلغ ذلك منه، فيحلف بالله كاذبًا؛ فلما قال له ما قال تقرر في نفسه أنه أحب إليه من نفسه، فحلف، كذا قال، وقال الخطابي: حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسُّط الأسباب؛ وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار؛ إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جُبِلت عليه. قلت فعلى هذا فجواب عمر أولًا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليه من نفسه؛ لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار؛ ولذلك حصل الجواب بقوله: "الآن يا عمر"؛ أي: الآن عرفت؛ فنطقت بما يجب، وأما تقرير بعض الشُّرَّاح: الآن صار إيمانك معتدًّا به؛ إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول صلى الله عليه وسلم، ففيه سوء أدب في العبارة، وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمُّل والتحرُّز لاستغراق الفكر في المعنى الأصلي، فلا ينبغي التشديد في الإنكار على من وقع ذلك منه؛ بل يكتفي بالإشارة إلى الرد والتحذير من الاغترار به؛ لئلا يقع المنكر في نحو مما أنكره.
وقال القرطبي: كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم إيمانًا صحيحًا لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقًا في الشهوات محجوبًا في الغفلات في أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم اشتاق إلى رؤيته؛ بحيث يؤثرها على أهله وولده وماله ووالده؛ ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة، ويجد مخبر ذلك من نفسه وجدانًا لا تردد فيه، وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر؛ لما وقر في قلوبهم من محبته غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات، والله المستعان؛ انتهى ملخصًا.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين (4 / 168): [لَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أكونَ أحبَّ إِلَيْك من نَفسك].
إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ كلفه بِمَا لَا يدْخل تَحت طوقه؛ فَإِن الْمحبَّة فِي الْجُمْلَة لَيست إِلَى الْإِنْسَان، ثمَّ إِن حبه لنَفسِهِ أَشد من حبه لغَيْرهَا، وَلَا يُمكنهُ تَغْيِير ذَلِك؟ فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا كلفه الْحبّ الشَّرْعِيّ، وَهُوَ إيثاره على النَّفس، وَتَقْدِيم أوامره على مراداتها. فَأَما الْحبُّ الطبعي فَلَا؛ اهـ.

[3] البخاري (2399)، مسلم (1619)، وغيرهما.

[4] رواه الطبراني في معجمه الكبير (1624)، وعن أبي ذر، وصححه الألباني في الصحيحة (1803).

[5] إسناده حسن مرسل (انظر المصدر السابق)، وصحَّحه بمجموع طرقه سليم الهلالي في تحقيقه «رسالة هدية السلطان للمعصومي» تعليق رقم (38).

[6] ومن خلال شرحنا للحديث في دروسنا، الدرس الثامن والتاسع رددنا على الشيعة الروافض وجعلناهما بعنوان (حوار هادئ مع الشيعة ونصيحة لأهل السنة)، بأسلوب رائع بفضل الله، وهما على موقعنا (فيديو) – وهذا هو الرابط www.youtube.com/user/hassanhefny

[7] رواه أحمد، رقم (15094)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (174)، ومصنف ابن أبي شيبة، باب: من كره النظر في كتب أهل الكتاب (8/ 575)، رقم (26828)، وغيرهم، وحسَّنَة الألباني في المشكاة (177).
* تَهوَّك : كان على غير استقامة، أي : دخل في الأمر متهورًا وبلا مبالاة، أي : هل كان إسلامنا تهورًا وخطأ وسقوطًا في هوة الردى.

[8] رواه البيهقي في شعب الإيمان عن عبدالله بن الحارث، وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (5308).

[9] البخاري (7523)، وغيره.






ابوالوليد المسلم 04-01-2025 04:58 PM

رد: سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة»
 
سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث "كل أمتي يدخلون الجنة"


الشيخ حسن حفني

الجزء الخامس


الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على أشرف عباده الذين اصطفى، سيدنا ونبينا محمد، سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
أيها الأحبة في الله، نرجع إلى أصل موضوعنا، وهو شرح حديث «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... » الحديث.

إن لفظة (كل) في الحديث تعني العموم والشمول والاستغراق لكل فرد من أفراد هذه الأمة، بحيث لا يخرج فرد من هذا الخطاب؛ كقوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقوله تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26]، فكل نفس خلقها الله لا بد لها من الموت والفناء؛ من إنسٍ وجنٍّ وملائكة وغيرهم من المخلوقات.

فيكون المعنى: كل فرد من أمتي، سواء أكان رجلًا أو امرأة، صغيرًا أو كبيرًا، حرًّا أو عبدًا، يدخل الجنة ما دام من أمة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهنا سؤال وهو: ما المراد «بأُمَّتي» في هذا الحديث؟


الجواب: أمة النبي صلى الله عليه وسلم قسمان:
الأول: أمة الدعوة: تشمل كل من بُعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، من آمن منهم ومن كفر.

الثانى: أمة الإجابة، وهي خاصة بمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، إيمانًا صادقًا ومات على ذلك، وهذه هي الفرقة الناجية من النار؛ إما بلا سابقة عذاب، وإما بعد سابقة عذاب، ومآلها الجنة.

ونستفيد من هذا أن أمة الدعوة أعمُّ من أمة الإجابة، فكل من كان من أمة الإجابة فهو من أمة الدعوة، وليس كل من كان من أمة الدعوة يكون من أمة الإجابة [1].

قال المُلَّا علي القاري: قال ابن الملك: إن أُريد من الأمة أمة الإجابة فالاستثناء منقطع، وإن أُريد أمة الدعوة فالاستثناء متصل. وقال الطيبي: المراد إما أمة الدعوة فالآبي هو الكافر، أو أمة الإجابة فالآبي هو العاصي استثناء زجر وتغليظ[2].

فائدة مهمة تُعين على الفهم:
وللفائدة أحاول جاهدًا أن أشرح ما هو الاستثناء المنقطع والمتصل بأسلوب سهل ميسور واضح لنفهم الكلام الذي نقله الإمام القاري.

الاستثناء المنقطع هو: الذي يكون المستثنى فيه ليس من نفس جنس ونوع المستثنى منه؛ «أي: المستثنى ليس بعضًا ولا جزءًا من المستثنى منه».

مثال: أقبل المسافرون إلا أمتعتهم، وحضر الطلاب إلا الكتاب.

فإذا نظرت في المثالين وجدت أن المستثنى في المثال الأول «أمتعتهم»، وفي المثال الثاني «الكتاب»، ليس من نفس جنس ونوع المستثنى منه وهو«المسافرون»، «الطلاب».

فالمتاع يختلف عن جنس ونوع المسافرين، والكتاب يختلف عن جنس ونوع الطلاب؛ لذلك يُسمَّى الاستثناء منقطعًا، فالمسافرون وكذلك الطلاب من جنس ونوع البشر، والأمتعة والكتاب من جنس ونوع الجماد.

وعلى هذا يكون معنى كلام ابن الملك الذي نقله القاري: إن أُريد من الأمة أمة الإجابة فالاستثناء منقطع؛ أي: إن الذي يأبى ليس من جنس ونوع أمة الإجابة التي آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدَّقته في كل ما يقول ويفعل، ويأمر وينهى، وهي الفرقة الناجية من النار؛ إما بلا سابقة عذاب، وإما بعد سابقة عذاب، ومآلها الجنة؛ لأن وصف هذه الأمة أنها تقول لله ورسوله في كل ما يأمر به وينهى عنه: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، وسنضرب لذلك أمثلة بعد قليل إن شاء الله.

ويكون المعنى على أنه استثناء منقطع: (كل أمتي) التي هي أمة الإجابة يدخلون الجنة غير من أَبَى، أو لكن من أَبَى أن يدخل الجنة؛ أي: امتنع عن طاعتي وعصاني بترك الطاعة التي هي سبب لدخولها، فيكون من أبى وامتنع ليس من أمة الإجابة التى آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم وصَدَّقته؛ لأنه لم يحقق الوصف الكامل لأُمَّة الإجابة حتى يكون منهم على الكمال.

ومعنى قولنا: «ليس من أمة الإجابة» هذا مجاز، ومن باب الزجر والتغليظ؛ لأن من الواجب على مَن كان مِن أمة الإجابة سرعة الطاعة والقبول والانقياد لحكم الله ورسوله، ويقول: سمعنا وأطعنا ويُطبِّق ويُنفِّذ، فكيف يزعم أنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم واستجاب له وصدَّقه وأنه من أتباعه، ومع ذلك يمتنع عن قبول ما جاء به ولا يطيعه، ويعصيه في بعض الأحكام والأوامر.

فالعلماء يقولون: إن من ترك السبب إلى الشيء الذي لا يوجد بغيره فقد أباه، فطاعة الله ورسوله سبب يستوجب به الجنة، ولا يوجد سبب وطريق آخر يُوصِّل إلى الجنة إلا طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فإذا تركت هذا السبب الذي هو طاعة الله ورسوله الذي يُوصِّل إلى الجنة والذى لا يوجد طريق آخر ولا سبب آخر غيره، فقد أبيت وامتنعت عن دخول الجنة وكرهت دخولها، وهذا الرفض لدخول الجنة إن لم يكن بلسان المقال (أي: إن لم تقله بلسانك)، فهذا واقع بلسان الحال؛ أي: حالك يشهد أنك لا تريد أن تدخل الجنة.

أما الاستثناء المتصل هو: ما كان المستثنى فيه من نفس جنس ونوع المستثنى منه «أي: المستثنى بعض المستثنى منه وجزء منه».
مثال:
(1) أطعمت الطيور إلا طائرًا.
(2) سقيت الطلاب إلا طالبًا.
(3) فهمت الدروس إلا درسًا.
(4) ذاكرت الأبواب إلا بابًا.

فإذا نظرت في جميع هذه الأمثلة، وجدت أن المستثنى في كل مثال جزء من المستثنى منه، من نفس نوعه وجنسه.

انظر هذا الجدول:
المثال
المستثنى منه
المستثنى
الجنس والنوع
المثال الأول
الطيور
طائرًا
كلاهما من الطيور
المثال الثاني
الطلاب
طالبًا
كلاهما بشر وطلاب
المثال الثالث
الدروس
درسًا
كلاهما دروس
المثال الرابع
الأبواب
بابًا
كلاهما أبواب

ففي المثال الأول المستثنى «طائرًا» داخل في أنواع وأجناس الطيور عمومًا، وهكذا بقية الأمثلة.

وعلى هذا يكون معنى قولهم: «إن أُريد أن الأمة في الحديث هي أمة الدعوة فالاستثناء متصل».

عرفنا أن أمة الدعوة أعمُّ من أمة الإجابة، فهي تشمل وتجمع كل من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من آمن منهم ومن كفر.

فيكون من أَبَى يعني: من كفر بامتناعه عن قبول النبي صلى الله عليه وسلم وقبول ما جاء، فامتنع عنه وكره اتِّباعه فلم يؤمن به ولم يُصدِّقه، فهذا لم يؤمن به فيدخل النار إن مات على ذلك.

ويوضِّح هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» [3].

فلفظ الأمة في هذا الحديث، المقصود به أمة الدعوة؛ أي: من هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعتي.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: والموصوف بالإباء وهو الامتناع إن كان كافرًا فهو لا يدخل الجنة أصلًا، وإن كان مسلمًا، فالمراد منعه من دخولها مع أوَّل الداخلين إلا من شاء الله تعالى؛ ا هـ.

وقال أيضًا: قول الصحابة في الحديث: «ومن يأبى»: فبَيَّن لهم أن إسناد الامتناع عن دخول الجنة مجاز عن الامتناع عن سُنَّته؛ وهو عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ا هـ.

قال السندي: أي: ابتداءً أو بعد حين.

«إلا من أبى»؛ أي: امتنع عن قبول دعوتي.

«أطاعني» بقبول دعوتي.

و«مَنْ عصاني» بالِإعراض عن قبولها.

قلت (أبو أحمد): فالنبي صلى الله عليه وسلم يُبيِّن لنا كأن رجلًا يرى الجنة ويُقال له: هذه الجنة، تعال لتدخل، فيأبى ويمتنع عن دخولها ويرضى بذلك؛ بل يكره دخولها، وهذا إن لم يكن حاصلًا بالقول، لكنه حاصل بـالفعل.

أمثلة واقعية توضح المعنى:
لو أن مريضًا قال له الطبيب: أنت مريض، وحدَّد له المرض - نسأل الله العافية العامة لنا ولجميع المسلمين من كل بلاء - ووصف له الدواء الذي يكون سببًا في شفائه من شراب وحقن وغير ذلك، لكن المريض رجع من عند الطبيب وأَبَى أن يأخذ الدواء ليشفى بإذن الله، فلا سبيل إلى الشفاء بعد فضل الله إلا أخذ الدواء فهو من قدر الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ، خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا»[4].

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: «تَدَاوَوْا، فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ، الْهَرَمُ»[5]، وفي رواية « يَا عِبَادَ الله، تَدَاوَوْا» [6].

وسئل النبى صلى الله عليه وسلم عن أدوية يتداوون بها وتقاة يتقون بها، هل تردُّ من قدر الله شيئًا؟ قال: «هي مِنْ قَدَرِ الله»[7].

فإذا رفض المريض أخذ الدواء بحجة أنه يؤلمه، أو أنه يكره الدواء، أو لأن طعمه لا يُستساغ، أو بأي حجة أخرى، فهذا يتسبب في تأخير الشفاء، أو زيادة المرض؛ ومن ثمَّ فهو في حكم من لا يريد الشفاء.

فإن قال: بل أُريد الشفاء. أقول له: إذًا فعليك بالدواء؛ لأن عدم أخذك للدواء يعني أنك لا تريد الشفاء وتأباه، هذا إن لم يكن بلسان المقال فلسان حالك يؤكد هذا.

مثال آخر: لو أن إنسانًا يشتكي الجوع ويريد أن يشبع، فتقول له: عليك بالطعام؛ فقد جعله الله سببًا للشبع، وكذلك شرب الماء سبب لريِّ العطش، فإذا رفض الطعام والماء وأبَى وامتنع عن ذلك فهذا معناه أنه لا يريد الشبع، ولا يريد أن يرتوي من العطش، فلسان حاله يشهد بذلك، وإن قال بلسانه ما قال.

مثال آخر: لو أن إنسانًا في نهار رمضان يأكل ويشرب، فتقول له: لماذا لا تصوم؟ فيقول: بل أنا صائم. ومع ذلك تراه يأكل، فما معنى ما يفعله؟ أليس هذا يعني أنه مفطر وليس صائمًا مهما قال أنه صائم. فالعبرة بالحقائق والمعاني وليست بالألفاظ والأقوال، فليقل الإنسان ما شاء، المهم ما هو حاله وما هي أفعاله.

أيها المساكين، اعقلوا ما تقولون وتفعلون.

أيها المسلمون رجالًا ونساءً، وشبابًا وفتيات، لا بد من الرجوع إلى الشرع لفهم الحقائق والمعاني الشرعية التى سنُسأل عنها يوم القيامة، وكيف تكون الطاعة والمعصية.

أيها الأحباب الكرام، للحديث بقية إن شاء الله تعالى، هذا والله أعلى وأعلم.

وصل اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا وخليلنا وإمامنا وقائدنا وقدوتنا وقرة عيوننا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليمًا مباركًا إلى يوم الدين.

[1] انظر فتاوى اللجنة الدائمة، فتوى رقم (4246).

[2] «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»، «كتاب الإيمان، باب الاعتصام بالكتاب والسنة، الفصل الأول»، وانظر «التيسير شرح الجامع الصغير» للمناوي (5 /31).

[3] رواه مسلم ( 240/153)، وغيره عن أبي هريرة، وانظر شرح النووي.

[4] رواه أحمد عن أنس، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (1754).

[5] رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وابن حبان، والحاكم عن أسامة بن شريك، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2930).

[6] رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وابن حبان، والحاكم عن أسامة بن شريك، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7934).

[7] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسَّنه الألباني في تخريج أحاديث مشكلة الفقر، رقم (11).
ومذاهب العلماء في التداوي هي: 1) ترك التداوي أفضل، وهو مذهب الحنابلة.
2) يُسَنُّ التداوي وهو مذهب الشافعي.
3) التداوي مؤكد وقريب من الوجوب إذا ظن نفعه، وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين.
قال الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع» (5 /301): فالأقرب أن يقال ما يلي:
( أ ) أن ما علم، أو غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه، فهو واجب.
(ب) أن ما غلب على الظن نفعه، ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فهو أفضل.
(جـ) أن ما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل؛ لئلا يُلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر.





ابوالوليد المسلم 21-01-2025 08:54 AM

رد: سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة»
 


سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة))

الشيخ حسن حفني
الجزء السادس


وقفة مع الحديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة...))

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على أشرف عباده الذين اصطفى، سيدنا ونبينا محمد، سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد أيها الأحبة في الله:
فنستكمل شرح حديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة...)).

أيها المساكين، اعقِلوا ما تقولون وتفعلون.

أيها المسلمون، رجالًا ونساءً، وشبابًا وفتياتٍ، لا بد من الرجوع إلى الشرع لفهم الحقائق والمعاني الشرعية التي سنُسأل عنها يوم القيامة، وكيف تكون الطاعة والمعصية.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية على الوجوب، وهذا ما ذهب إليه الأئمة الأربعة رحمهم الله، فإذا لم تستجِبْ وتُنفِّذ؛ فتذكر الحديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة، إلا من أبى...)).

الشريعة الإسلامية جاء فيها الأمر للنساء بالحجاب والستر، وجعل له أوصافًا محددة ذكرها العلماء، وليس أي ملابس تلبسها المرأة تكون بها متحجبة ومستترة، ونهى عن التبرُّج والسُّفور، والتكشُّف والتعرِّي والفجور؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((صِنفان من أهل النار لم أرَهما: قوم معهم سِياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مُميلات مائلات، رؤوسهن كأسْنِمَةِ البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدْنَ ريحها، وإنَّ ريحها لَيوجد من مسيرة كذا وكذا))[1].

عن أبي هريرة أنه قال: ((نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة))[2].

قال النووي في شرح مسلم: "هذا الحديث من معجزات النبوة؛ فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان، وفيه ذمُّ الصنفين"[3].

انظر مع أنها تلبس ملابس إلا أن الشرع جعلها مثل العارية؛ وهذا لأن الشرع جعل لملابس النساء أوصافًا لا بد أن تتوفر فيها.

فإذا لبِست المرأة ملابسَ ضيقة تحدد جسمها، أو خفيفة تصِف بشَرتها - أي: جسمها ولونه - أو قصيرة، فهذه كاسية عارية، هي بذلك أبت وامتنعت عن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول لها: تذكري الحديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة، إلا من أبى...)).

وهكذا من أهان والديه، أو سرق، أو شرب خمرًا، أو دخانًا، أو مخدِّرات، وهكذا من أخذ الرُّشا، أو أكل الربا، أو ترك صلاة الجماعة أو الجمعة، أو ظلم مسلمًا، أو أعان على ظلمه، أو غش في بيع وشراء، أو اغتاب مسلمًا، وتكون المصيبة أعظمَ لو كان عالمًا، أو زنى أو سعى في الزنا، أو خادَنَ فتاةً وأقام معها علاقة محرَّمة، ويقول: هي مجرد صداقة فقط، أو يحادثها عن طريق الهاتف، أو تلفَّظ بألفاظ تخالف الشرع وحذر منها، وهكذا، أمور كثيرة، نقول للجميع تذكروا الحديث:
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة، إلا من أبى...)).

أي: إلا من أبى أن يدخل الجنة، فهنا كلام محذوف، لكنه في حكم الملفوظ به[4]، والمعنى: أي: إلا من امتنع ورفض وكرِه دخول الجنة بفعل المعصية، وترك الطاعة، التي هي سبب لدخولها.

((قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟))؛ أي: عرفنا الذين يدخلون الجنة ما هو وصفهم، ومن هذا الذي أبى؟ فالذي أبى لا نعرفه.

قال الإمام القاري في (مرقاة المفاتيح): "وحق الجواب اختصارًا أن يقول: من عصاني[5]، فعدل عنه إلى ما سيأتي لإرادة التفصيل، قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))؛ تنبيهًا على أنهم ما عرفوا هذا ولا ذاك، أو التقدير: من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة دخل الجنة، ومن اتبع هواه وزال عن الصواب، وضلَّ عن الطريق، فقد دخل النار، ووضع (أبى) هذا الموضع وضعًا للسبب موضع المسبب"؛ ا.هـ.

وقال المناوي في (التيسير شرح الجامع الصغير): "((من أطاعني))؛ أي: انقاد وأذعن لِما جئت به، ((دخل الجنة، ومن عصاني)) بعد التصديق، أو بفعل المنهي ((فقد أبى))؛ فله سوء المنقلب بإبائه، فمن أبى إن كان كافرًا لا يدخل الجنة أصلًا، أو مسلمًا لا يدخلها، حتى يطهَّر بالنار، وقد يدركه العفو، فلا يعذب أصلًا، وإن ارتكب جميع المعاصي؛ قال الترمذي: من اعتقد أن أحدًا من أهل التوحيد يخلُد في النار، فقد أعظم الفِرية على الله، ونسبه إلى الجور"؛ ا.هـ[6].

مَن وصفهم الله بالإباء:
إن الله تبارك وتعالى وصف بالإباء الخسيس من الخلق؛ وإليك الآيات التي فيها هذا الوصف، ومن وُصف به:
قال تعالى عن إبليس عليه لعنة الله: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 28 - 31].

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ [طه: 116].

وكذلك وصف فرعون:
﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى ﴾ [طه: 56].

وكذلك من ينكرون نعمة الله ويكفرونها ويجحدونها:
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 89].

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 99].

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50][7].

وقال تعالى في وصف المشركين بعدم طهارة قلوبهم من داخلهم لكم: ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 8].

فائدة مهمة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكر الآية: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]:
"وقد أوجب الله طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم على جميع الناس في قريب من أربعين موضعًا في القرآن، وطاعته طاعة لله، وهي عبادة الله وحدة لا شريك له، وذلك هو دين الله وهو الإسلام"[8]؛ ا.هـ.

وقال في (الصارم المسلول): "ومن أطاعه فقد أطاع الله؛ لأن الأمة لا يصِلون ما بينهم وبين ربهم إلا بواسطة[9]الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس لأحد منهم طريق غيره، ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه، وإخباره وبيانه، فلا يجوز أن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور"؛ ا.هـ[10].

الصحابة لا يفرقون:
لذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يعملون ما يعمله الرسول صلى الله عليه وسلم، ويفعلون ما يفعله، وما قال واحد منهم: هذه سُنة لا نعاقَب على تركها، بل كانوا يسارعون في الخيرات؛ امتثالًا لقوله عليه الصلاة والسلام: ((كل أمتي يدخلون الجنة، إلا من أبى...))؛ [الحديث].

موت السنن سبب ظهور البدع:
أيها الإخوة: إن موت السنن واندثارها، وجهل الناس بها وعدم تطبيقها، علامة على ظهور البدع وفشوِّها؛ كما قال ابن عباس: "ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن".

وقال ابن القيم رحمه الله: "ولو تُركت السنن للعمل لتقطعت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واندرست رسومها وعفَت آثارها".

حقيقة لا يمكن إغفالها:
أيها الأحباب: إن هذا الحديث الذي بين أيدينا، هو والله أثر من آثار شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، وبيان لرحمته ورأفته بهم، ومثال واضح لكمال نصحه للأمة.

صدق الله إذا يقول: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]؛ فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بنا من أنفسنا.

أيها الأحباب الكرام، للحديث بقية إن شاء الله تعالى، هذا والله وأعلى وأعلم.

وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا وحبيبنا، وخليلنا وإمامنا، وقائدنا وقدوتنا، وقرة عيوننا؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وأزواجه، وسلم تسليمًا مباركًا إلى يوم الدين.

[1] رواه مسلم (2128)، وغيره، عن أبي هريرة.

[2] رواه مالك في الموطأ في كتاب اللباس (باب 4 حديث 7).

[3] (7 /363).

[4] انظر: كتاب الخصائص لعثمان بن جني الموصلي، باب: متى يكون المحذوف في حكم الملفوظ؟ قال: "من ذلك أن ترى رجلًا قد سدد سهمًا نحو الغرض ثم أرسله، فتسمع صوتًا فتقول: القرطاس والله؛ أي: أصاب القرطاس، و(أصاب) الآن في حكم الملفوظ به ألبتة، وإن لم يوجد في اللفظ، غير أن دلالة الحال عليه نابت مناب اللفظ به"؛ ا.هـ.

[5] أي: لما قال الصحابة: يا رسول الله، ومن يأبى؟ فيكون الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم باختصار: ((من عصاني))؛ أي: فقد أبى.

[6] (5/ 31).

[7] أي: كررنا ذكر أحوال الإظلال (أي الظل)، ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الفرقان: 45 - 50]، وذكر إنشاء السحاب، وذكر إنزال المطر في القرآن وفي سائر الكتب السماوية ليتفكروا ويعتبروا، وقيل: صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة، فنزيد منه في بعض البلدان، وننقص في بعض آخر منها ليذكَّروا ويعتبروا، فرفضوا الاعتراف بهذه النعم وجحدوها، ولم يحمدوا الله عليها، ولكن نسبوه إلى الأنداد أو الأنواء، فقالوا: مُطِرنا بنوء كذا، ولم يقولوا: بفضل الله ورحمته؛ [زبدة التفسير، للأشقر].

[8] مجموع الفتاوى (19 /260، 261).

[9] المقصود بالواسطة هنا: واسطة البلاغ، فانتبه.

[10] الصارم المسلول، ص50.






ابوالوليد المسلم 20-02-2025 11:39 AM

رد: سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة»
 
سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة))

الشيخ حسن حفني


الجزء السابع



وقفة مع حديث: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... »


الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على أشرف عباده الذين اصطفى، سيدنا ونبينا محمد، سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،.

وبعد:
أيها الأحبة في الله، نستكمل شرح حديث «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... »؛ الحديث.

حقيقة لا يمكن إغفالها
أيها الأحباب، عرفنا أن هذا الحديث الذي بين أيدينا، هو والله أثر من آثار شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، وبيان لرحمته ورأفته بهم، ومثال واضح لكمال نصحه للأمة.

صدق الله إذا يقول: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128]؛ فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أوْلَى بنا من أنفسنا.

نعود إلى بقية الحديث
وحتى لا يتشعَّب بنا الحديث نرجع إلى ما نحن بصدده؛ وهو شرح الحديث:
قال الصحابة في الحديث: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».

هذا الجزء من حديث نبينا وحبيبنا عليه الصلاة والسلام مقرر في كتاب الله في مواضع كثيرة أذكر بعضها فقط فانتبهوا.

من أطاعني دخل الجنة
أما قوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ»، هناك آيات من القرآن تزيده وضوحًا وتأكيدًا؛ بل ومن السنة كذلك، وإليك البيان: قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء: 13]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 71].

طاعة الرسول رحمة
قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132].

طاعة الرسول هدى
قال تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158].
طاعة الرسول من طاعة الله
قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء: 64]، وقال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء: 80]، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله» [1].

طاعة الرسول وصف دائم للمؤمنين
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور: 51].

«إنما» أسلوب حصر وقصر، فجعل قول المؤمنين الدائم، والوصف الثابت هو: السمع والطاعة في النشاط والكسل، والعسر واليسر، وفي الغنى والفقر، وفي الضيق والشدة وفي السعة.

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: طَاعَةُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ الِانْقِيَادُ لِسُنَّتِهِ بِتَرْكِ الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ فِيهَا مَعَ رَفْضِ قَوْلِ كُلِّ مَنْ قَالَ شَيْئًا فِي دِينِ الله جَلَّ وَعَلَا بِخِلَافِ سُنَّتِهِ دُونَ الِاحْتِيَالِ فِي دفع السنن بالتأويلات المضمحلَّة والمخترعات الداحضة.

الصحابة فهموا ما لهم وما عليهم
أيها الأحِبَّة في الله، لمَّا فهم الصحابة هذه القضية «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ».

وما ذكرناه في شرحها، حوَّلوا هذا إلى واقع عملي في حياتهم بالسمع والطاعة، والتطبيق والتنفيذ، حتى وصل بهم الأمر إلى ما يُحيِّر العقول! فاسمع يا رعاك الله لهذه الأمثلة:
فهذا ابن مسعود رضي الله عنه لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: «اجْلِسُوا». فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَجَلَسَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَرَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ «تَعَالَ يَا عَبْدَالله بْنَ مَسْعُودٍ»[2].

يا ألله! ألهذا الحد وصل السمع والطاعة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع وهو على باب المسجد «اجلسوا» فيجلس ولا يكمل سيره ليدخل المسجد؟! حقًّا كما قال تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة: 119].

وليس ابن مسعود بدعًا من الصحابة؛ بل هذا صحابي آخر:
سَمِعَ عَبْدُاللهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَهُوَ بِالطَّرِيقِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَقُولُ: «اجْلِسُوا»، فَجَلَسَ فِي الطَّرِيقِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟»، فَقَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: «اجْلِسُوا» فَجَلَسْتُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «زَادَكَ اللهُ طَاعَةً» [3].

وفي لفظ: «أَنْ عَبْدَ الله بْنَ رَوَاحَةَ، أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ذَاتَ يَوْمٍ وَهَوَ يَخْطُبُ، فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: «اجْلِسُوا»، فَجَلَسَ مَكَانَهُ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُطْبَتِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ: زَادَكَ اللهُ حِرْصًا عَلَى طَوَاعِيَةِ الله وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِهِ» [4].

أيها المسلمون، انظروا، إن الصحابة وصل بهم الأمر إلى أن يجلسوا في الطريق لمّا سمعوا الرسول يقول اجلسوا، فجلسوا! أي طاعة هذه؟! أسأل الله أن يجمعنا بهم في الجنة مع رسول الله، هذا والله هو الحب الصادق.

وهذا مثال آخر
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى: «يَا كَعْب بْنَ مَالِكٍ، يَا كَعْبُ»، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ- أي خذ منه نصف حقك فقط- قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم- أي: لابن أبي حدرد-: «قُمْ فَاقْضِهِ [5]»- أي: أعطه المال-.

معنى سِجْفَ: ستر.
قال ابن حجر في فتح الباري: قول كعب: «قد فعلت» فيه مبالغة في امتثال الأمر.

إن هذه والله لطاعة عجيبة! أن يتنازل الإنسان عن حقه في المال طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهم حقًّا كانوا يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أهليهم وأولادهم وآبائهم وأموالهم وأنفسهم.

بل وفي حديث المسور بن مخرمة في صحيح البخاري: لمَّا خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ في بِضْعِ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ- وفيه -: «... ثُمَّ إِنَّ عُرْوَة بْن مَسْعُودٍ الثَّقَفي جَعَلَ يَرْمُقُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنِهِ. قَالَ: فَوَاللهِ، مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَي قَوْمِ، وَالله لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِىِّ، والله إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ يَتَنَخَّمْ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ، تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا...»[6].

وهذا مثال آخر
عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي في الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24]»، ثُمَّ قَالَ لِي: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أَعْظَمُ السُّوَرِ في الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ: «لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أَعْظَمُ سُورَةٍ في الْقُرْآنِ»، قَالَ: «﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2] هي السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ» [7].

مثال عجيب... عجيب!
وهذا مثال آخر وليس بالأخير، فالصحابة ضربوا لنا أروع الأمثلة في تطبيق ما فهموه من القرآن والسنة من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ صَلاتِهِ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ خَلَعُوا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ، قَالَ: «مَا بَالُكُمْ أَلْقَيْتُمْ نِعَالَكُمْ. قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا- أَوْ قَالَ أَذًى- فَأَلْقَيْتُهُمَا، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ في نَعْلَيْهِ، فَإِنْ رَأَى فِيهِمَا قَذَرًا- أَوْ قَالَ أَذًى - فَلْيَمْسَحْهُمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» [8].

إلى هذا الحد وصل الأمر بالصحابة في اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يعرفوا لماذا فعل هذه الفعلة، ولم يسألوه بعد الصلاة لماذا خلعت؛ بل هو الذي سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ فتكون الإجابة السريعة العجيبة التي تشعُّ حبًّا واتِّباعًا واقتداءً وتأسيًا بهذا النبي صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا».

رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم رغم أنف الشيعة الروافض الحاقدين، فاللهم احشرنا مع نبيِّنا وأصحابه الكرام الأطهار الطيبين.

أيها الأحباب الكرام، للحديث بقية إن شاء الله تعالى، هذا والله أعلى وأعلم.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا وخليلنا وإمامنا وقائدنا وقدوتنا وقرة عيوننا سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلِّم تسليمًا مباركًا إلى يوم الدين.


[1] رواه البخاري (7137)، ومسلم (1835)، وغيرهما عن أبي هريرة.

[2] انظر: أبا داود، عليها تعليقات الألباني رقم (1091)، وصحيح جامع بيان العلم وفضلة لأبي الأشبال الزهيري (ص324 )، وتاريخ دمشق لابن عساكر، والسنن الكبرى للبيهقي (5749)، (5822)، ومصنف عبدالرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، وابن خزيمة، والحاكم في المستدرك (1056)، والتحقيق في مسائل الخلاف لابن الجوزي (806)، وجامع الأصول في أحاديث الرسول (4003)، والرابع من علل الدارقطني، وذم الكلام لعبدالله الأنصاري، وسبعة مجالس أملاها أبو طاهر السلفي ( 27)، والثالث عشر من فوائد المقرئ لابن المقرئ، والخامس والعشرين من فوائد أبي عبدالله بن مروان، وبغية الحارث عن زوائد مسند الحارث، والرابع من الفوائد المنتقاة لابن أبي الفوارس.

[3] انظر: «صحيح جامع بيان العلم وفضله» لأبي الأشبال الزهيري (ص324)، ومصنف عبدالرزاق [5367]، وغيرهما.

[4] دلائل النبوَّة للبيهقي (6/ 257)، وأسد الغابة لابن الأثير في ترجمة عبدالله بن رواحة (3/ 219)، وسير أعلام النبلاء في ترجمة عبدالله بن رواحة (3/ 146)، والبداية والنهاية لابن كثير (4/ 289)، والسيرة النبوية لابن كثير، وتاريخ دمشق لابن عساكر في ترجمة ابن رواحة، وفي الإصابة لابن حجر في ترجمة ابن رواحة، وقال: أخرج البيهقي بسند صحيح من طريق ثابت عن أبي ليلة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ... وذكره، ثم قال وأخرجه من وجه آخر إلى هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة، والمرسل أصحُّ سندًا؛ ا هـ.

[5] البخاري (471، 2418، 2424، 2607، 2710)، (457)، مسلم (1558).

[6] البخاري (2731ـ2732) وغيره.

[7] البخاري (4474)، (4647)، (5006)، وغيره.

[8] رواه أبو داود (650) وغيره، وصححه الألباني، وانظر: إرواء الغليل (284).




ابوالوليد المسلم 19-06-2025 11:16 AM

رد: سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث «كل أمتي يدخلون الجنة»
 
سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة))

الشيخ حسن حفني




سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة...))

الجزء الثامن


وقفة مع الحديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة...))
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على أشرف عباده الذين اصطفى، سيدنا ونبينا محمد، سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد أيها الأحِبَّة في الله:
فنستكمل شرح حديث: ((كل أمتي يدخلون الجنة...))؛ الحديث.

وقفة مع: ((ومن عصاني فقد أبى))
أيها الكرام: ننتقل بكم إلى ختام الحديث، والكلام عن الشق الثاني منه؛ وهو: ((ومن عصاني فقد أبى))؛ أي: ومن عصاني بالإعراض عن قبولها، وامتنع عن دخول الجنة ودخل النار بسبب عدم طاعته ومخالفته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الشق الثاني من الحديث مقرر بكثرة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوح وجلاء؛ وإليك البيان:
قد حذر الله من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 92].

فهذا التحذير الشديد وهذا الخطاب المخيف؛ لأسباب: لأن مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم تجر إلى الضلال والهلاك، إلى هذا الحد تصل مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! الجواب: نعم وألف نعم.

﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

قال الإمام أحمد: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة هي الشرك، لعله يرد بعض ذلك، فيقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك".

وليس هذا معناه أن الذي يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم يكفر، نعوذ بالله من الضلال والخذلان، هذا لا يكون إلا إذا استحلَّ الإنسان المعصيةَ بعد العلم والبيان وإقامة الحُجة، فالذي يستحل المعصية يكفر بعد إقامة الحجة والعلم، ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121].

أي: إن أطعتموهم في استحلال أكل الميتة، وما لم يُذكَ بالطريقة الشرعية، فهذا استحلال لما حرم الله؛ لأن الميتة محرمة، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون، لكن الإمام أحمد يريد أن يقول: إن الإنسان عندما يترك أمر الرسول ويخالفه مرة بعد مرة، فيتعود على ذلك حتى يزيغ قلبه؛ فالله قال: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5]، و﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ﴾ [آل عمران: 7]، و﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10].

فلا يرى حلالًا ولا حرامًا إلا ما يوافق هواه وطبعه، ولا يلتفت إلى الشرع الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فيصل به الأمر إلى أن يرد حكم الله ورسوله بكل جرأة، بل ويستهزأ به، ولعلك ترى هذا أوضح في قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32].

و﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36].

واقرأ هذا الحديث جيدًا وهو: عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها نُكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيضَ مثلِ الصَّفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًّا كالكوز مجخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه))[1].

الصَّفا: جمع الصفاة؛ وهي الصخرة الملساء.

أسود مربادًّا: المتغير سواده بكدرة، أو شدة البياض في سواد.

الكوز مجخيًا: منكوسًا، أو المائل عن الاستقامة والاعتدال.

الفشل في الدنيا أثر لمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم
بل ومن آثار عصيانه صلى الله عليه وسلم في الدنيا، أن يكون الفشل حليفك دائمًا: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

وما وقع للصحابة في غزوة أحد ليس ببعيد، وهذا أمر معروف ومشهور، لمَّا خالف بعض الرماة أمر النبي عليه الصلاة والسلام، فنزلوا من على الجبل، تسبَّبوا في هزيمة شديدة وعصيبة للمؤمنين، فافهم هذا جيدًا.

الأمان كل الأمان في التمسك بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم
فالأمان كل الأمان في التمسك بالقرآن والسنة الصحيحة معًا؛ فالقرآن قال: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].

وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به، فلن تضلوا أبدًا: كتابَ الله وسنة نبيه))[2].

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسُنتي، ولن يتفرقا حتى يرِدا عليَّ الحوض))[3].

وفي حديث العرباض بن سارية، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة))[4].

امتنع عن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فشُلَّت يده
بل وأيضًا هذا مثال واقعي لرجلٍ امتنع وأبى أن يقبل كلام النبي صلى الله عليه وسلم، رجل يأنف لسماع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه، وهذا الموقف الذي سأقصه وأحكيه لكم نراه منتشرًا اليوم، ومتفشيًا في المسلمين بكثرة في فئة معينة من الناس، أصحاب المنظرة والوجاهة "الإتيكيت" إن صحَّ اللفظ، إلا ما رحِم ربي، أصحاب التقليد الأعمى للغرب الكافر، أو الشرق الملحد، يتشبهون بهم ويتركون طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته بحُجج قبيحة رديئة شيطانية، فيها اعتداء صارخ على هديِ النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقولون معترضين: الذي خلق اليمين هو الذي خلق الشمال.

وبعضهم يقول: أتريدون أن تردونا إلى الوراء، إلى عصر الجِمال، والبغال، والصحراء، والخيم؟

وبعضهم يقول معترضًا: الناس صعدوا إلى القمر وفعلوا، وفعلوا، وأنتم تتكلمون بهذا المنطق والأسلوب.

وبعضهم يقول: أنا حر أفعل ما أشاء.

وبعضهم يقول: هذا تنطع وتشدد، وتطرف وجمود في الفكر، وتحجر في العقل والفهم.

وبعضهم يقول مستهزئًا: لماذا تتمسكون بالقشر وتتركون اللب؟

وهناك، وهناك، وهناك... كلام كثير، واعتراضات لاحصر لها، ووالله الذي لا إله غيره، كل واحدة من هذه تحتاج إلى وقفة، ولن أطيل في بيان الحق، والمسلم يكفيه الدليل الواحد والموقف الواحد، إذا كان يريد الحق والاستسلام لله بقوله وقلبه وجوارحه؛ ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 131].

وحتى لا أطيل عليك، هذا هو الموقف والمثال في هذا الحديث:
عن سلمة بن الأكوع: ((أن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: كُلْ بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكِبر، قال: فما رفعها إلى فيه))[5].

انظر الجزاء من جنس العمل، ماذا عليه لو سمع واستجاب؟ والله لاستراح ورضيَ عنه الله ورسوله، ودعا له بدلًا من أن يدعو عليه؛ فالله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، ولقد مر بنا كيف كان الصحابة يستجيبون للرسول صلى الله عليه وسلم حتى في الأمور الخاصة بهم.

قال النووي في شرح مسلم[6]: "وفي الحديث: جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال، واستحباب تعليم الآكِل آداب الأكلِ إذا خالفه؛ كما في حديث عمر بن أبي سلمة الذي بعد هذا"؛ ا.هـ.

قلت: وهذا نص الحديث: عن عمر بن أبي سلمة يقول: ((كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك))، فما زالت تلك طعمتي بعدُ[7].

أولًا: يا غلام (سمِّ الله)؛ طردًا للشيطان، ومنعًا له من الأكل فتُسن التسمية.

قال النووي: "أقلها: بسم الله، وأفضله: بسم الله الرحمن الرحيم".

قال الحافظ ابن حجر: "لم أرَ لِما ادعاه من الأفضلية دليلًا خاصًّا".

وأما قول الغزالي: "يُستحب أن يقول مع اللقمة الأولى: بسم الله، والثانية: بسم الله الرحمن، والثالثة: البسملة بتمامها، فإن سمى مع كل لقمة، فهو أحسن؛ حتى لا يشغله الأكل عن ذكر الله، ويزيد بعد التسمية: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وأنت خير الرازقين، وقنا عذاب النار"، فقال الحافظ أيضًا: لم أرَ لاستحباب ذلك دليلًا، ولا أصل لذلك كله، وقال غيره: ظاهر الأحاديث خلافه، ومن أصرحها حديث أحمد: ((كان صلى الله عليه وسلم إذا قُرِّب إليه طعام، قال: بسم الله)).

(وكُلْ مما يليك)، استحبابًا لا وجوبًا عند الجمهور، فيكره الأكل مما لا يلي؛ لأن الأكل من موضع يد صاحبه سوء عشرة، وترك مودة لنفور النفس لا سيما في الأمراق، ولما فيه من إظهار الحرص والنَّهم وسوء الأدب وأشباهها، فإن كان غير لون أو تمرًا جاز؛ فقد روى ابن ماجه وغيره عن عائشة: ((كان صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ بطعام أكل مما يليه، وإذا أُتِيَ بالتمر جالت يده فيه))؛ [رواه الترمذي].

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله[8]:
"وقد سبق لنا الكلام على أن الأكل باليمين والشرب باليمين واجب، وأنه يحرم على الإنسان أن يأكل بشماله أو يشرب بشماله، وأن من أكل بشماله أو شرب بشماله فإنه عاصٍ وآثم، عاص لله ورسوله، وآثم ومشابه للشيطان، ولأولياء الشيطان من الكفار.

والواجب على المسلم أن يأكل باليمين إلا لعذر، كما لو كانت اليمين مشلولة أو ما أشبه ذلك، فاتقوا الله ما استطعتم، ثم ذكر الشيخ حديث سلمة بن الأكوع، ثم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا استطعت))؛ يعني: دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرفعها بعد ذلك إلى فمه.

ويحتمل قوله: ((ما منعه إلا الكبر))؛ يعني: إلا التكبر عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه ما منعه إلا الكبر، يعني ما منعه أن يأكل بيمينه إلا الكبر، وأيًّا كان فإن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بهذه الدعوة التي أوجبت أن تنشل يده حتى لا تُرفع إلى فمه، دليل على أن الأكل بالشمال حرام.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، فأنت الآن أمامك هدي النبى صلى الله عليه وسلم وهدي الشيطان، فهل تأخذ بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم أو بهدي الشيطان؟ وكل مؤمن يقول: آخُذ بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يأكل بيمينه وأمر بالأكل باليمين، ويشرب بيمينه وأمر بالشرب باليمين، والشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، فاختر أي الطريقين شئت.

ولهذا كان أولياء الشيطان من اليهود والنصارى والمشركين لا يعرفون الأكل إلا بالشمال، ولا الشرب إلا بالشمال؛ لأنهم أولياء الشيطان، تولَّاهم الشيطان والعياذ بالله، استحوذ عليهم، فإياك أن تكون مثلهم.

والبعض إذا كان يأكل وأراد أن يشرب، يُمسك الكأس باليسار ويشرب، وهذا لا يجوز؛ لأن الحرام لا يُباح إلا للضرورة، وهذا ليس له ضرورة، يستطيع أن يمسك الكأس من أسفله باليد اليمنى، فغالب كؤوس الناس اليوم إما من البلاستيك يشرب بها ثم تُرمى ولا تُغسل، وإما من الحديد، وإما من الزجاج فيمكن غسلها، حتى ولو تلطخت.

ولكن لا يجوز للإنسان أن يأكل بشماله أو يشرب بشماله، فإن فعل فهو عاصٍ لله ورسوله، عاصٍ للرسول لأنه نهى عن ذلك، وعاصٍ لله لأن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم معصية لله، ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80]، ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، والرسول صلى الله عليه وسلم ما يتكلم من عند نفسه، بل يتكلم لأنه رسول رب العالمين سبحانه وتعالى"؛ ا.هـ.

رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم، رغم أنف الشيعة الروافض الحاقدين، فاللهم احشرنا مع نبينا وأصحابه الكرام الأطهار الطيبين.

أيها الأحباب الكرام، للحديث بقية إن شاء الله تعالى، هذا، والله أعلى وأعلم.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا وخليلنا، وإمامنا وقائدنا وقدوتنا، وقرة عيوننا؛ سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وسلِّم تسليمًا مباركًا إلى يوم الدين.

[1] رواه مسلم (231) وغيره.

[2] رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بإسناد حسَّنه الألباني، وانظر صحيح الجامع رقم: (2457)، و(2458).

[3] رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2937).

[4] رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42، 43، 44) والدارمي (95) وغيرهم، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود.

[5] رواه مسلم (2021)، وغيره.

[6] ج 7، ص 212.

[7] رواه البخاري (5376)، ومسلم (2022)، وغيرهما.

[8] شرح رياض الصالحين (2/ 484، 485).








الساعة الآن : 01:57 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 121.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.34 كيلو بايت... تم توفير 0.39 كيلو بايت...بمعدل (0.32%)]