انتهاء البيت بمعطوف مترادف في شعر المتنبي
انتهاء البيت بمعطوف مترادف في شعر المتنبي د. إبراهيم عوض ثمة تركيب آخر عند المتنبي يبدو لي أن القافية مسؤولة عنه ولو إلى حد ما، ولذلك ذكرته تاليًا للتركيب السابق المتصل بالقافية. وهذا التركيب يتخلص في أن المتنبي كثيرًا ما يختم بيته بمعطوفين مترادفين أو شبه مترادفين، صحيح أن المدقِّقين من علماء اللغة والأدب يقولون: إن معظم ما يعد مترادفًا ليس في الحقيقة مترادفًا، بمعنى أن المدلول واحد تمامًا، بل لا بد أن تكون هناك فروق ما ولو طفيفة، لا يدركها إلا ذوو النظر الثاقب، ومع ذلك فإن من رجال الأدب من يكثر من الترادف، ومنهم من لا يفعل، والمتنبي من الصنف الأول، ويزيد على ذلك أن الترادف عنده يتكرر كثيرًا في نهاية البيت، مما يرجح أن للقافية دخلًا في ذلك، وأنا لا أعد هذا عيبًا في شعره، ما دام لا يظهر على المعطوف المترادف أنه مجتلب اجتلابًا لسد خانة القافية. إن هذه الشيات الدقيقة الفارقة بين لفظين مترادفين من شأنها أن تسوغ استعمال المترادفات؛ إذ إن كل لفظ في هذه الحالة يشير إلى الشيء أو المعنى من زاوية مختلفة ولو بدرجة صغيرة، علاوة على أن في الترادف تأكيدًا وتشديدًا، وقد نِيف ما لقيته من هذا التركيب على السبعين، وهذه عيِّنة مما وجدتُ: تفرد بالأحكاِم في أهلِه الهوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأنت جميلُ الخلفِ مستحسنُ الكذبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أرى كلنا يبغي الحياةَ لنفسِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حريصًا عليها مستهامًا بها صبَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كأنَّ فَعْلَةَ لم تَمْلأ مَوَاكِبُهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif دِيَارَ بَكْرٍ وَلم تَخْلَعْ ولم تَهَبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهمُّها في العلا والملكِ ناشئةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهمُّ أترابها في اللهوِ واللعبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (فعلة: المقصود بها (خولة)، أخت سيف الدولة، ولكنه تكرمة لها لم يشأ أن يصرح باسمها). ولكن حبًّا خامر القلبَ في الصبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يزيدُ على مرِّ الزمانِ ويشتدُّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تمنٍّ يلذُّ المستهامُ بمثلِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإن كان لا يُغني فتيلًا ولا يُجْدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif خير الطيورِ على القصورِ، وشرُّها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يأوي الخرابَ ويسكن الناووسا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (الناووس: مقابر المجوس). بدار كلُّ ساكنِها غريبٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif طويل الهجرِ منبتُّ الوصالِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif جمع الزمان، فما لذيذ خالصٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مما يشوبُ، ولا سرورٌ كاملُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: انتهاء البيت بمعطوف مترادف في شعر المتنبي
إنا لفي زمنٍ ترك القبيحِ به https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مِن أكثر الناسِ إحسانٌ وإجمالُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أكثرتَ من بذلِ النوالِ ولم تزَلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif علمًا على الإفضالِ والإنعامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأرهب حتى لو تأمل درعُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif جَرَتْ جزعًا من غير نارٍ ولا فحمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تقصده المقدار بين صحابه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif على ثقةٍ من دهره وأمان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهناك قصائد يتكرر فيها الترادف، كما في القصيدة التي أولها: دروعٌ لملك الرومِ هذي الرسائلُ *** يردُّ بها عن نفسِه ويشاغلُ[1] إذ فضلًا عما في هذا المطلع من ترادف، ثمة ترادفٌ آخر في البيت الذي يتلوه مباشرة، وهو: هي الزردُ الصافي عليه، ولفظُها *** عليك ثناءٌ سابغٌ وفضائلُ وكذلك في البيت التالي: أفي كلِّ يومٍ تحت ضِبْني شُويعِرٌ *** ضعيفٌ يقاويني، قصيرٌ يطاولُ وكما في القصيدة التي رثى بها أخت سيف الدولة الصغرى ومطلعها: إن يكن فضلُ ذي الزرية فضلَا *** فكن الأفضلَ الأعزَّ الأجلَّا[2] فقد تكرر فيها الترادف أربع مرات على الأقل، وذلك في الأبيات التالية: قاسمَتْك المنونُ شخصينِ جورًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif جعل القسمُ نفسَه فيك عدلا... |
رد: انتهاء البيت بمعطوف مترادف في شعر المتنبي
فإذا قست ما أخذن بما أغـ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ـدرن سرى عن الفؤاد وسلَّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لوْ يكونُ الذي وَرَدْتَ من الفَجْـ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ـعَةِ طَعنًا أوْرَدْتَهُ الخَيلَ قُبْلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَلَكَشَّفْتَ ذا الحنين بضربٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif طالما كشَّف الكروبَ وجلَّى... https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولذيذ الحياة أنفس في النفـ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ـسِ وأشهى من أن يملَّ وأحلى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أبدًا تستردُّ ما تهب الدنيا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فيا ليت جودها كان بُخْلا... https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهي معشوقةٌ على الغدرِ لا تحـ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ـفَظ عهدًا ولا تتمِّم وصلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إذا كان مدحٌ فالنسيبُ المقدّمُ *** أكلُّ فصيحٍ قال شعرًا متيَّمُ؟ إذ تكرر فيها الترادف عدة مرات، مثل: تجانف عن ذاتِ اليمينِ كأنَّها *** ترقُّ لميافارقينَ وترحمُ ثم قصيدته التي وردت فيها المترادفات التالية: مما أضرَّ بأهلِ العشق أنهمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هَوَوا وما عرَفوا الدنيا وما فطِنوا... https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتغضبون على مَن نال رفدكمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حتى يعاقبه التَّنغيصُ والمننُ... https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإن تأخر عني بعض موعدِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فما تأخر آمالي ولا تهنُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هو الوفي، ولكني ذكرتُ له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مودةً فهو يبلوها ويمتحنُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومن هذه الأمثلة نلاحظ أن المتنبي في كثير من ترادفاته حريصٌ على الموازنة بين اللفظين المترادفين صيغة أو موسيقا، أو كليهما معًا، كما في (باغ وعاد)، و(لا يغني... ولا يجدي)، و(سرى وسلى)، و(أشهى... وأحلى)، (الإفضال والإنعام)، وهو ما يخلع على هذا التركيب جمالًا. وهو حين يفعل ذلك لا يجعله دائمًا بهذه البساطة، فمثلًا الترادف في (لا يغني... ولا يجدي) ليس هكذا بالضبط، بل إن (لا يغني) لها تمييز، أما (لا تجدي)، فليس لها؛ هكذا: (لا يغني فتيلا ولا يجدي)، وقِسْ على ذلك قوله: (أنفس في النفس وأشهى من أن يمل وأحلى). على أن بعض مترادفاته مثل: اللهو، واللعب، وباغ، وعاد، مقتبسة من القرآن الكريم مثل هذه التعبيرات، ثم صارت على ألسنة الأدباء والشعراء. [1] عكبري / 3 / 112. [2] عكبري / 3 / 123. |
الساعة الآن : 08:02 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour