شكر المنعم والحذر من والمخاطر
شكر المنعم والحذر من والمخاطر د. عبدالعزيز حمود التويجري الخطبة الأولى الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم، منَّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا. لك الحمد كم قلدتنا من صنيعةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأبدلتنا بالعسر يا سيدي يُسْرا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لك الحمد كم من عثرة قد أقلتنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومن زَلَّةٍ ألبستنا معها سِترا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لك الحمد حمدًا ينسخ الفقر بالغنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إذا حُزْتَ يا مولاي بعد الغِنى فقرا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأشهد أن محمدًا عبدُالله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا مزيدًا؛ أما بعد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]. ليس يبلغ بشرٌ بكلامه درجة الثناء الكامل لله، أو المدح الكامل له تعالى، إلا ما أثنى الله تعالى على نفسه بنفسه. هو الله الذي لا إله غيره، له ملكوت كل شيء في السماوات والأرض، يعطي بفضله وعطائه مَن شاء مِن عباده، يده سحَّاء الليل والنهار، ألم تَرَوا إلى ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؛ فإنه لم يَغِضْ ما في يمينه. لا مانع لِما أعطى، ولا معطي لِما منع، بسط الخير والعطاء لعباده حتى رأوا آلائه ظاهرةً. فأخرجت الأرض أسرارها، وأظهرت قطرات الغيث آثارها. كأن بقاء الوبل في جنباتها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بقيةُ دمع فوق خد موردِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فحاك الربيع حلل الأزهار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وصاغ وردها حلى الأنوار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتنوعت بُسُط الرياض فزهرها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif متباين الأشكال والألوانِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فألبسها الربيع قناعها الأخضر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتقشع شعارها الأغبر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أما ترى الأرض قد أعطتك زهرتها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مخضرةً واكتسى بالنور عاريها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فللسماء بكاء في حدائقها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وللرياض ابتسام في نواحيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هذه الخيرات والبركات التي تسر الخاطر، وتبهج الناظر لتدعو المؤمن إلى شكر العزيز الغفور، وتحدو بالنفس إلى مراقبة العليم الخبير، وتعليق الروح بالله الواحد الجليل. شكرها بالمحافظة على الصلاة؛ حيث يُنادَى بها في البر والحضر؛ ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، محافظةً على وقتها، فلا تُؤخَّر عن وقتها، أو يُجمَع بين الصلوات بلا عذرٍ شرعيٍّ. محافظةً بأن تكون أول المهمات في الرحلات، محافظةً على جمعها وجماعاتها، حدَّث ابن عمر وأبو هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: ((لينتهينَّ أقوام عن وَدْعِهُمُ الجُمُعات، أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين))؛ [أخرجه مسلم]. شُكْر الله على هذه الخيرات والرحمات في الانبساط من غير بَطَرٍ، والترويح من غير أَشَرٍ، فلا ترويع للآخرين استعراضًا، ولا عبثَ بالأموال، ولا تخريب للمركبات تهورًا، ولا عبثَ بنبات الأرض وشجره، ولا إفسادَ للأرض وأماكن متنزه الناس بإيقاد نار أو ترك لبقايا نفايات؛ ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85]. فإن إيذاء المسلمين في طرقهم وأماكن جلوسهم يعرض صاحبه للمقت واللعن؛ وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم: ((اتقوا اللعانَين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم)). وفي المقابل فإن إيذاء الناس بإسماعهم ما يكرهون من معازف وغناء تحمل للنفس الإثم المبين، والبهتان العظيم؛ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]: قال قتادة: "فإياكم وأذى المؤمن؛ فإن الله يحوطه، ويغضب له". ولا يقل خطرًا جلوس الإنسان ونومه في مسيل ومجرى شعاب، وطرق هوامَّ؛ ففي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: ((وإذا عرَّستم، فاجتنبوا الطريق؛ فإنها طرق الدواب، ومأوى الهَوَامِّ بالليل))، ولا ينسى المسلم ورده من القرآن والذكر؛ فهو زادك وطمأنينة قلبك، وحفظ لنفسك؛ ((من نزل منزلًا، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك))؛ [أخرجه مسلم]. يزيد الله هذه النعمة إذا شكرها العباد؛ ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. شكرها باحترام خصوصيات الناس في مخيماتهم وأماكن ترويحهم؛ فلا تُضايَق محارمهم، ويُغَضُّ البصر عن عوراتهم. تُشكَر هذه النعمة ويُحفظ أمن المجتمع برعاية أهل البيت وصونهم؛ ((والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم))، فلا يترك الولي محارمه وأهل بيته يجوبون البراري من غير عائل يصونهم ويحوطهم ويحفظهم بعد حفظ الله، وما ظهرت هذه الظاهرة إلا لما استأثر الآباء والأزواج والأولياء بالأصدقاء والأصحاب سهرًا معهم، وسمرًا وتنزهًا، ونسوا التوجيه النبوي التربوي: ((وابدأ بمن تعول)). فما أحوجنا للتوجيه النبوي الآخر: ((وإن لأهلك عليك حقًّا))، إن هذه الظاهرة وربي لهي السبب في ضياع الأسر، وتشتت الأولاد، وتخلخل قِيَمِها. اللهم اهْدِ قلوبنا، وأصلح أزواجنا وذرياتنا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين؛ فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود. الخطبة الثانية الحمد لله على الفضل والعطاء، وله الشكر ملء الأرض والسماء، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:فاتقوا ربكم الذي أطعمكم من جوع، وآمنكم من خوف، فاحفظوا حدوده، وارعوا أوامره ونواهيه. ومن شكر نعم الله الجليلة الجزيلة إذ منحنا ربنا إياها، وبلدان تتخطف من حولنا، ألَّا يُستخَفَّ بحدود الله وشريعته، ويُتهاون بالصلاة والزكاة، والحجاب والعفاف، وسنن الله لا تحابي أحدًا، من تمسك بشريعة الله وصبر عليها ودعا لها، أعزه الله ومكَّنه، ومن حارب دينه، واستهان بشريعته، واستعلن بالمنكر والباطل، أبدل الله غناه فقرًا، وأمنه خوفًا؛ ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]. سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلًا. تربية الأسرة والمجتمع على شكر المنعِم واجب، وركيزة أمان لبقاء النعم؛ ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. اللهم زِدْنا من خيرك وبرك وإحسانك، واجعلنا لنعمك شاكرين، ولأوامرك ونواهيك ممتثلين. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد. |
الساعة الآن : 09:10 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour