ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته...} (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=286959)

ابوالوليد المسلم 31-12-2022 04:06 PM

{وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته...}
 
{وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته...}
د. عبدالعزيز حمود التويجري


﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ [الشورى: 28]


الخطبة الأولى
الحمد لله على فضله وإنعامه، وله الشكر على جزيل كرمه وامتنانه، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، إنه بعباده خبير بصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومَن اتَّبَع سُنَّته إلى يوم الدينِ، أما بعد:
ألم ترى هذا اليومَ ما أحلا شمائلَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
غيثٌ وغيمٌ وإبراقٌ وإرعادُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾ [النور: 43] لله تعالى في عباده أسرار، لا تدركها الأفكار، وأحكام لا تنالها الأوهام، تختلف والعدل متَّفق، وتفترق والفضل مجتمع متَّسِق.

ولما ساءت بتثبط الغيث الظُّنون، وأمسكت السماء دَرَّها؛ واكتست الأرضُ غُبْرةً بعد خُضْرة، ولبست شحوبًا بعد نَضْرة؛ وكادت برودُ الرياضِ تُطوى، ومُدودُ نعمِ اللهِ تُزوى؛ نشرَ اللهُ تعالى رحمتَه، وبسطَ نعمتَه، وأتاحَ مِنَّتَه، وأزاحَ محنتَه، فبعث الرياح لواقح، وأرسل الغمام سوافح، بماء يتدفَّق، ورِواء غدق، من سماء طبق، استهلَّ جفنُها فدمع، وسمح دمعُها فهمع، واصابَ وبَلُها فنقع، فاستوفت الأرض رِيًّا، واستكملت من نباتها أَثَاثًا وَرِئْيًا.
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تظنُّه مصمتًا لا فَتْقَ فيه فإنْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سالت عزاليه قلتَ الثوبُ منفتقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إنْ مَعْمَعَ الرعدُ فيه قلتَ ينخرقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أو لألأ البرقُ فيه قلتَ يحترقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالرعدُ مرتجسٌ والبرقُ مُخْتلسٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والغيث منبجسٌ والسيلُ مندفقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سقى ديارَ الذي لو متُّ من ظمأ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما كنتُ بالريِّ من أحواضه أثِقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].

فالحمد لله على ذلك ما انسكب قطر، وانصدع فجر، فربُّنا كريمٌ معطاء، عظيمٌ مفضال، يجودُ بالعطاءِ قبل السؤال، ويمنُّ بالخيرِ على الإنسِ والجان، كل يومٍ هو في شأن ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حليمٌ عظيمٌ راحمٌ متكرمٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
رؤوفٌ رحيمٌ واهبٌ متطولُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جوادٌ مجيدٌ مشفقٌ متعطفٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جليلٌ جميلٌ منعمٌ متفضلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
له الراسياتُ الشمُّ تهبطُ خشيةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتنشقُّ عن ماءٍ يسيحُ ويخضلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأنشأ من لا شيء سُحُبًا هواطلًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُسبحُ فيها رعدهُ ويهللُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأحيا نواحي الأرضَ من بعد موتِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بمنسم غيثِ من السُّحُب يهملُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يرسل الله تعالى الرياح بشرًى بين يدي رحمته، فيسوق بها السحاب، ويجعلها لقاحًا للثمرات وروحًا للعباد ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ [الأعراف: 57].

والغيثُ والخيرُ والعطاءُ يأتي بأمر الله جل عز وجل، ولا يعلمُ وقت نزولِه ومكانِه إلا اللهُ جل جلاله، في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: ((خمسٌ لا يعلمهن إلَّا الله))، ثم تلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].

إنه لا يعلمُ بحاجةِ العبادِ إلا اللهُ، ولا ينزل الغيثَ إلا الله ﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [النحل: 65].

وميكائيلُ ملَكٌ عظيمٌ موكلٌ بنزولِ المطرِ، يسوق السحابَ حيث أمره الله، جاء ذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد.

وقد يسقي الملَكُ بأمر اللَّهِ بلادًا دون بلاد، أو قريةً دون أخرى، وقد يُؤمرُ بأن يُسقي زرعَ رجلٍ واحدٍ دون سواه، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، لِمَ تَسْأَلنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ))، فاتقوا الله الذي ما من نعمة إلا منه سبحانه ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42].

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه وتُوبُوا إليه إنَّ ربنا لغفور شكور.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطَفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى، أمَّا بعد:
إذا علمت الأُمَّة أنه لا يُنزِل الغيثَ إلا اللهُ، ولا يبسط الرزق إلا هو سبحانه، وجب علينا تعظيمُ اللهِ وذكرُه وشكرُه ودعاؤه والاعترافُ بنعمهِ والمحافظةُ على حدودهِ.

صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: ((هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟))، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ)).

وروى البخاريُّ في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: ((اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا)).

وروى مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي اللهُ عنه قال: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: ((لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى)).

كما يشرع للمسلم الذكر عند سماع الرعد؛ لما رواه مالك في الموطأ من حديث عامر بن عبداللَّه بن الزبير موقوفًا: أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول: إن هذا لَوَعيد لأهل الأرض شديد.

روى الترمذي في سننه من حديث ابن عباس رضي اللهُ عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الرَّعْدُ مَلَكٌ مِن مَلَائِكَةِ اللَّهِ، مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، مَعَهُ مَخَارِيقُ مِن نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيثُ شَاءَ اللَّهُ)).

اللهُمَّ زِدْنا من خيرك وبرِّك وإحسانك، واجعلنا لِنِعَمِك شاكرين، ولأوامِرِك ونواهيك ممتثلين، اللهُمَّ صَلِّ وسلِّم على عبدك ورسولِك نبيِّنا محمد.



الساعة الآن : 02:41 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 16.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.49 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.57%)]