أوثق عرى الإيمان
أوثق عرى الإيمان د. عبدالعزيز حمود التويجري الخطبة الأولى الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدْحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره، ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَنِ اقتفى أثره واتَّبَع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:فاتقوا الله ربَّكم واشكروا له ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]. يقولون لي فيك انقباضٌ وإنَّما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رأوا رجلًا في موقفِ الذُّلِّ أحجَما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أرى الناسَ مَنْ دانَهُم هان عندهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومَنْ أكرمته عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أُنَزِّهها عن بعضٍ يشينُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مخافةَ أقوالِ العِدا فِيمَ أو لمِا؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وما كلُّ برقٍ لاح لي يستفِزُّني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا كُلُّ مَن لاقيتُ أرضاه مُنْعِما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لا تتحسَّر على خسارةِ الدنيا وملذاتِها ﴿ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]. الخسارةُ الحقةُ أن يخسرَ الانسانُ دينَهُ ويخسرَ نفسَهُ وأهلَهُ ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15]. والفوزُ الكبيرُ هو الفوزُ الذي لا خسارةَ بعدَهُ ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185]، والدنيا سرابُ سرعان ما يزول ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقد خسرَ أقوامٌ وهم يظنون أنهم رابحون. فلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنيا بمن رَفَعَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا حَقِيْقَةَ فيما يرفعُ الآلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والرفعةُ تكونُ بولايةِ اللهِ التي لا يَذل بها متمسِّك، ولا يَعز بتركها عادٍ. والعِزَّةُ في الثباتِ على الحقِّ التي متى استقرت في القلبِ قوَّته؛ فاستعلى بها على كلِّ أسبابِ الذِّلةِ والانحناءِ لغيرِ الله، أو التنازلِ لغيرِ شرعِ الله، أو بذلِ المحبةِ في غيرِ الله. تفوزُ النفسُ وتعظمُ حين تترفعُ عن سخافاتِ العقولِ وتَعِفُّ عن المحرماتِ والفضول ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ [الأنعام: 15، 16]، وتهبطُ وتنحطُّ في التبعيةِ في غيرِ هدى ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50]. ولا تعلو النفسُ إلا حينَ تتقلَّدُ قناديلَ العِزَّةِ في غيرِ كِبْرٍ، والتواضُع من غيرِ ذُلٍّ، والمحبة في اللهِ وباللهِ ومن أجل الله، فهي قدحُ الإيمانِ المعلَّى، وعلامتُه الأسمى، أخرج ابن أبي شيبة والإمام أحمد بسند صحيح عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ؟))، قُلْنَا: الصَّلَاةُ قَالَ: ((الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ))، قُلْنَا: الصِّيَامُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ)). الحُبُّ في اللهِ والبغضُ في اللهِ ليس ادِّعاءً، الحُبُّ في اللهِ والبغضُ في اللهِ ركيزةٌ إيمانيةٌ، وعقيدةٌ قلبيةٌ، تُصدقُها الأعمال، وتترجمُها التصرُّفات والانفعالات. لا يذوقُ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ أحَبَّ ووالى من أجلِ هوى مُتَّبع، أو رجاءً لمصلحةٍ وابتغاءً لمنفعةٍ، أو مجاراةٍ للآخرين ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))؛ متفق عليه. الحبُّ في اللهِ والبغضُ في اللهِ أصلُ عقيدةِ الولاءِ والبراء، الولاءُ للهِ ورسولِه والمؤمنين، والبراءُ من الكفر والكافرين والمنافقين على اختلاف مللهم ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22]. قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: "مَن أطاع الرسول ووحَّد الله لا يجوز له موالاة، مَنْ حادَّ الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب". والمرءُ مع مَنْ أحَبَّ، فمن أحبَّ اللهَ ورسولَهُ والمؤمنين فهو منهم ومعهم، قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ((وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟))، قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: ((فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ؛ متفق عليه. ومن أحبَّ الكُفَّارَ ووالاهم فهو منهم ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ [الممتحنة: 1] ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]. هذه عقيدةٌ لا يجوز التهاونُ بها، فهي ركيزةُ الإيمانِ، والعلامةُ الفارقةُ بين أهل الإسلام والطغيان، تَضعُف هذه العقيدةُ حين يتسيح المهزومُ بأرضِهم، وينبهرُ المفتونُ بحضارتِهم، ويُعجب المغبونُ بأخلاقِهم، ويُتابع السفيهُ رياضتهم. من جعل لعبةً يُحِبُّ بحبِّها، ويُعادي من عاداها فقد ضعُف إيمانُه، في سنن أبي داود قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكملَ الإيمان)). اللهم زِدْنا إيمانًا وهدًى وصلاحًا، ونستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إن ربي رحيم ودود. الخطبة الثانية الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه واتَّقاه، ومُذِلِّ مَن خالف أمره وعصاه، وصلى الله وسلم على خير خلق الله، أما بعد:خلق اللهُ نفسَ الإنسانِ روحَهُ عزيزةً مكرمةً ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70] كرمناها في العقل والتمييز والبيان، ومن كمالِ علوِّها وارتفاعِ قيمتِها أن تسمو عن الترهاتِ سموًّا تأنف معه النفسُ أن تلجَ مواردَ العطنِ، من أجل مشربِ أو نظر، قيمةُ النفسِ تأبى أن تهين كرامتَها في تهريجِ وسخفٍ، أوتُذل نفسه من أجلِ لُعاعةٍ من الدنيا. لَا تَسْقِنِي مَاءَ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بَلْ اسْقِنِي بِالْعِزِّ كَأْسَ الْحَنْظَلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif السمو حينما تتعلَّقُ بنورِ السماء، وترتدي طهرَ الحياء. قيمةُ الرَّجُلِ وسموُّه قِوامته عَلَى أَهْلِهِ، وَغَيْرَته عَلَى عِرْضِهِ، وهي أبرز معاني الرجولة، وَإِذَا ضَاعَتِ الْغَيْرَةُ مِنَ النُّفُوسِ فَكَبِّرْ عَلَى الرُّجُولَةِ أَرْبَعًا. وَأَيُّ قيمةٍ تَبْقَى حِينَمَا يَرْضَى الْإِنْسَانُ لِأَهْلِهِ التَّبَرُّجَ وَالسُّفُورَ؟! أو الركض وراء كل دعاية ومفتون. وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعَّما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والتوسعة على النفس والترويح للأهل حقٌّ مشروع، يُلِمُّ الشملَ ويسعدُ النفوس، في سنن أبي داود، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التِّلاع، والتلاع ما ارتفع من الأرض؛أي: إنه كان يخرج إليها عندما يجيء المطر، ويسيل الماء. ومن حقِّ أسرتك تجنيب نفوسهم الكبار أن تلج أماكن اختلاط وصخب وسفه، وانعدام رجولة وحياء. يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رأوا رجلًا عن موقفِ الذُّلِّ أحجما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أهلك ومن تحت يدك باب من أبواب الجنة، يدخلونك إياها أو يمنعونك منها. في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: ((مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ))، وعند مسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)). اللهم أخلص نيَّاتنا وأصلح قلوبنا وأعمالنا وذريَّاتنا، وهَبْ لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهَّاب. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبيِّنا محمد، اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا. |
الساعة الآن : 03:25 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour