شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية
شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية محمد الشحات أبو ستيت • مقدمة. • طبيعة التجربة الشعرية. • اللغة. • التناص. • الموسيقا. الشعر وميضٌ من النبض الإنساني، مشترك بين الناس جميعًا، من مبدِعين أو دارسين أو نقَّاد، وعلى أيدي النُّقاد والدارسين تتألق جذوة الشعر، وتتضح خوافيه، وتتعطر مسيرته إلى جميع الناس، فإذا كان الشاعرُ هو صاحبَ قارورة العطر فإن الدارس والناقد هو الذي ينزع عن هذا العطر الغِطاء، ويتيح لأريجه الانتشار. والواقع أن الدراسة الأسلوبية تركِّز على دراسة الظواهر اللغوية، وبيانِ ما تؤديه من معانٍ بلاغية، ومقاصدَ أسلوبية؛ وذلك من خلال المستويات الصوتية، والصرفية، والمعجمية، التي تهدف إلى إيضاح العلاقة بين اللفظة المفردة، وتأثيرها في الشعور النفسي للمتلقِّي، مع سماحها بالوقوف على دراسة التركيب من خلال دراسة الأساليب الإنشائية، وما يُعاونها من أساليبَ تكشف براعةَ التركيب ودقةَ الأسلوب، ومن خلالها نُدرك الصِّلة الوثيقة بين النظرية والتطبيق. إن التطبيقات في المنهج الأسلوبي ليست بالأمر الهين؛ حيث يتبين من خلالها قدرةُ الدارس، ومدى فَهمه للمنهج الأسلوبي وكيفية تطبيقه، وكيفية تحليل النصوص، والوقوف على بلاغتها، وإبراز محاسن صياغتها ونظمها. والشاعر صالح عبدالعظيم فتحي خليل الشاعر، أحد الشعراء المعاصرين، شاعر ولغوي، وردَت ترجمته في الطبعة الثالثة من معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، المجلد الثامن عام 2014م[2]، وترجمَت له الموسوعة الكبرى للشعراء العرب (1956 - 2006 م)، الصادرة في الرِّباط عن دار التوحيدي للنشر والتوزيع، عام 2012م، وهو عضوُ حركة شعراء العالم في أمريكا اللاتينيَّة، وعضو الاتحاد العالمي للشعراء. بالإضافة إلى الشعر فهو لغوي نحوي، له دراسة نحويَّة نصية في شعر محمد مهدي الجواهري، حصَل بها على درجة الدكتوراه، ودراسة نحوية دلالية في شعر حسن كامل الصيرفي، شاعر (أبوللو) الرومانسي، حصل بها على درجة الماجستير، وله تحقيق ديوان الإمام الشافعي، وتحقيق الكافية والشافية لابن الحاجب، وله كذلك كتاب "المختارات الشعرية" للإمام أبي حامد الغزالي، وعددٌ من البحوث المحكمة، مثل: الزحاف والعلة في شعر التفعيلة، والتصريع في وسط القصيدة، مما يدل على وعيه بالشعر وعُمقِ تجربته لدَيه. لصالح الشاعر أربعةُ دواوينَ شعرية منشورة، هي: (من قلبي 2003م دار نوبار - الزمن الضائع 2004م دار نوبار - همس الروح 2006م مكتبة الآداب - حقائق الأشياء 2010م مكتبة مدبولي الصغير)، وتقع في ثلاثمائة وثلاثين صفحة من الحجم الصغير، وتشتمل على خمس وسبعين قصيدة، تنوَّعَت ما بين الشعر العمودي، وشعر التفعيلة، وصولاً إلى فنِّ البند[3]في قصيدة (نعيم) من ديوان حقائق الأشياء. تتنوع قصائده العمودية بين البحور: (البسيط والخفيف والهزج والوافر والكامل والرمل والرجز والسريع والمجتث والمتقارب والمتدارك)، كما جاءت قصائدُ التفعيلة في شعره على تفعيلات: (الكامل، والرجز، والوافر، والرمل، والمتقارب، والخبب)، ولغة الديوان العربيةُ الفصحى، الملتزمةُ بالسهولة والسلاسة، والخالية من التعقيد والمعاظَلة، لغةٌ تَستلهم التراث الشعريَّ العربي، وتسترفد لغة القرآن الكريم، وتنأى عن الغريب والنادر. وهي تجربة شعرية قوامها 75 قصيدة، احتوت على ألف ومائتين وثلاثة وسبعين بيتًا (1273)، وجاءت على صورٍ كثيرة من بحور الخليل العَروضية، بالإضافة إلى الشكل الحديث من قصيدة التفعيلة، وفن البند، وتعدد القوافي، ولزوم ما لا يَلزم، وتقسيم القصيدة إلى مَقاطع، وكلها صورٌ من التجديد في الموسيقا. طبيعة التجربة الشعرية عند صالح الشاعر: استولَت القصائد الوجدانية وقصائد الحب على شعر صالح الشاعر، ولكن بالإضافة إلى ذلك برَز غرضان كان لهما وجود في بعض دواوينه، فظهر الشعرُ الوطني في ديوان الزمن الضائع بكثافة. في ديوان (من قلبي) يَظهر الطابع الوجداني في العديد من القصائد، منها قصيدة: (بعد السفر)، التي يقول فيها: علَّمتِني قبل السفرْ أن أهزم الأحزان بالألحانِ.. في لعب الوتَرْ أن أختبي من أدمعي.. بين الخميلة والزَّهَرْ لكنَّني ما عدتُ مبتهجًا بها.. بعد السفرْ بل صرتُ أحيا في همومٍ.. مِلء قلبي المنكسِرْ بعد السفرْ.. لم أستطع وحدي.. مواجهة القَدَرْ بعد السفرْ.. غابت نجوم الليلِ.. وارتحل القمرْ ذبلت زهوري.. ماتت الألحانُ.. وانقطع الوتر! إن الأشياء تَفقد قيمتها عند الشاعر بسبب السفر والتَّرحال، فلا يجد إلا أن يعبر عن ذلك في نَغم راقٍ، يملؤه الشجن والحزن، وإذا كانت الأشياء تفقد قيمتها بالسفر لدى الشاعر؛ فإن زمان الوفاء قد ولَّى، وما عاد للوفاء مكانٌ في قلوب الأصدقاء، بل تبدل إلى نكران للجميل، مما حَدا بالشاعر أن يبكي الزمن في: (زمان الوفاء): بقلبي سطورٌ.. تريد الفَناءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كتبتُ عليها.. زمان الوفاءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وفي الصدر ركنٌ عَرَاه الظلامُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تمرُّ عليه بقايا ضياءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأسألُ قلبي عليكِ فيبكي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يحارُ القنوطُ به والرجاءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نهاري ظلام.. وليلي قَتَام https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبين الكرى وعيوني عداءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ثلاث سنين.. وقلبي حزينٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وما للحزين لديَّ دواءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأنتِ الدواءُ.. ولو تعلمينَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لجئتِ تزيلين كلَّ العناءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن الشاعر لا يجد حبيبًا يبث إليه شكواه، ولا صديقًا يُعرِب له عن بلواه، ولا يجد مَن يؤنسه إلا البدر، فيحاكيه ويبثُّه، ورغم ذلك يغيب البدر اللياليَ الطِّوال، فيعده الشاعر بأن يستغني عنه ويداوي نفسه بنفسه، وجروحَه بروحه، ولا يرجع إلى تلك المناجاة مرة أخرى، في قصيدة (أنا والبدر) من ديوان الزمن الضائع: ظللتُ يا بدرُ دهرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أشكو إليك همومي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ظننتُ أنَّك حِبِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وصاحبي ونديمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مسامرٌ ذو بهاءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تختالُ بين النجومِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif دومًا تجيء بوجهٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مستبشرٍ ووسيمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لكنْ عجبتُ لشيءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يحتاج للتفهيمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في وجهكَ المتلالي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif آثار جرحٍ قديمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية
أأنت مثلي جريحٌ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أفيك مثلُ كُلومي؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ظننتُ أنَّك حِبِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وصاحبي.. ونديمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لكنْ بدأتَ تُوَلِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتختفي في الغيومِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وغبتَ عنِّي طويلاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تركتني في جحيمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تركتني في ظلامٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بلا صديقٍ حميمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فهل مللتَ شكائي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif من لوعتي وغمومي؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أم قد ظننت كلامي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif خرافة المحمومِ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن الشعراء باختلاف مشاربهم وأفكارهم وأطروحاتهم وتطلُّعاتهم أجمعوا على شيء واحد هو الوطن، وحب الوطن، فكان الحنين إلى الأوطان وذِكْر الديار قاسمًا مشتركًا بين الشعراء والأدباء، والشعر العربي حافلٌ بقصائدَ عديدة حفلَت أبياتها الشعرية بحبِّ الوطن والحنين إلى الديار والأرض، والمتأمل لشعر صالح الشاعر يجد حبَّ مصر يَسري بين شرايينه وينبض به قلبُه وقلمُه؛ فها هو يقول: والشمس قالت: إنَّ هذا الشرق لن يبقى كما هوَ مرتعًا للأغبياءْ قد كنتُ أطلع سابقًا من مشرفي كي أحميَ الغربيَّ من بردِ الشتاءْ والآن سوف ترون معجزةً وسوف ترونَ كيف أدير ظهري للوراءْ من مغربي سأعود أشرقُ كي أعيد لحِلفيَ المهزومِ قربان الوفاءْ إن الشمس التي يتحدث عنها الشاعر هي رمز (مصر)، التي قلَّ نورها بعدما كان ينير للعرب طريقهم، كالشمس يحجبها غيمٌ عابر، لكنها سرعان ما تعود لتنير للناس حياتهم، وهو رغم ذلك ينتقدها إلى حدِّ الجلد أحيانًا، فيقول منفعِلاً في (أسئلة حائرة): لماذا صار في وطني لكُلِّ معربِدٍ مرتعْ؟ لماذا صار في قومي لكُلِّ مخادِعٍ مطمعْ؟ إن الشاعر لا ينسى أبدًا عروبته الأصيلة، حتى وإن كتم القهرُ والاستبداد إظهارَ هذه العروبة فإنَّ الشاعر يَدلِف إليها عن طريق الرمز، فيتحدث عن فلسطين في: وغدًا أنتِ من الأحرار: طلبوكِ بليْلٍ ونهارِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعَدُوكِ بذلٍّ ومرارِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif التهمة أنَّكِ ماضيةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في البحر بعكس التيَّارِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في رأسكِ ثائرُ بركانٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبه عقلٌ كالإعصارِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية
شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية محمد الشحات أبو ستيت كما يَرمز للكيان الصِّهيَوني بأنه جارة لا يؤمَن مكرها، ولا سبيل للتطبيع معها، قائلاً في (أنا وجارتي): تمدِّين طرْفًا فيهرب طرْفي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تمدِّين كفًّا فأسحبُ كفِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تقولين: أَقْبِل وفي مقلتيكِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بريقٌ يَزيدُ ش**** وخَوفي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وفوق الشفاهِ يلوح ابتسامٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتحت الضلوعِ كتيبةُ عُنْفِ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أعيشُ برُعبٍ وأنتِ جواري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأسمعُ صوتكِ في كلِّ زحفِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأغفو بعينٍ.. وأفتح عينًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لأحميَ منكِ جداري وسقفي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأقبلُ منكِ الهدايا ولكنْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أُحاذرُ أن تَفْجَئيني بنسفِ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أخافُ هدوءَكِ في كلِّ فعلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأخشى القِناعَ المَزينَ بلُطفِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأقبلُ منكِ عهودًا أمامي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأسمع همس التآمر خلفي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وُعودُكِ دومًا بها همهماتٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تكادُ تبوحُ بنيَّةِ خُلفِ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَمُدِّين للحبِّ والوُدِّ حبلاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif صبيغًا بألوان غشٍّ وزيفِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولستُ مُحِبًّا لمن جعَلَتني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أنام على مثل شوكٍ ورَضْفِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سألتُكِ أن ترحلي عن جواري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقد صرتِ لي جارةً رغم أنفي! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية
♦ ♦ ♦ ويتساءل الشاعر في حيرة: (أين العراق؟) متخذًا صورة حبيبة فقدت حبيبها سبيلاً لترميز قضية وطن: جَلَسَتْ تَذْكُرُ الأَمْسَ والذِّكرياتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتُغَنِّي على عُودِها الْمُنْكَسِرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَبعثُ الحزنَ بِاللَّحنِ والأُغنياتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويُرَوِّي الثَّرى دَمعُها المنهمِرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ لا تَرَى غَيْرَ أطلالِ بَيْتٍ قَدِيمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مُقْفِرٍ قَدْ بَكَى الجِنُّ فيه وناحْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَسْأَلُ الصَّمْتَ في القَفْرِ: أينَ النَّعيمْ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فيُجيبُ الصَّدى: لَيسَ غَيْرُ الجراحْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ كانَ بالأَمْسِ أُنْسٌ ودِفْءٌ ونُورْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في بِلادِي.. ولَو في مَساءِ الشِّتاءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كانَت الأَرْضُ مُلْتَفَّةً بالسُّرورْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ما لَها الآنَ مَكْسُوَّةً باسْتِياءْ؟! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ غابَتِ الشَّمْسُ بَيْنَ بُحُورِ الدِّماءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وانْتَضَى اللَّيْلُ سَيْفَ السُّكُونِ الحَزِينْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يَمْسَحُ الأَرْضَ.. يَقْطَعُ حَبْلَ الرَّجاءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فَيَعُمُّ الأسَى.. الأسَى والشُّجُونْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ صَرَخَتْ.. شَقَّت الجَيْبَ.. ثُمَّ بَكَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَانْحَنَتْ تَلْثِمُ الخَدَّ بَيْنَ الدُّمُوعْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَدْرَكَتْ حَلْقَها غُصَّةٌ أَوْشَكَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَنْ تُمَزِّقَ أَوْصالَ قَلْبٍ صَدِيعْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ ذا حَبِيبي.. وهَذا نَعِيمُ الفُؤادْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ماتَ بَيْنَ تُرابٍ ودَمٍّ مُراقْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مَنْ أَراقَ الدِّماءَ وباعَ البِلادْ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَيْنَ مِنِّي حَبِيبي؟ وَأَيْنَ العِراقْ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية
♦ ♦ ♦ إن التجربة الشعرية عند صالح الشاعر مستقاة من الحياة، فهو يقول في مقدمة ديوانه حقائق الأشياء: "هذا الديوان مجرَّد تعليق على أمور في الحياة، يَعرِضها كما هي على حقيقتها، يُريك النَّعيم، والشَّهوة، والتَّوبة، والإسراء، والمعصية، فيه شوقٌ وسفر، كما فيه عودة، يصُفُّ بك في محراب الحب ناظرًا إلى قِبلة القلب، وقد قصدت أن أريَك الحقائق مجرَّدة، إلا أنَّه ليس باستطاعةِ أحدٍ منَّا أن يتخلَّص من بصمة عينه، وكلِّي أملٌ أن ترى (حقائق الأشياء) من زاوية مقاربة لزاويتي، وحينها أكون قد نجَحت، ويكون الدِّيوان مؤتيًا ثماره. سمِّ هذا الدِّيوان وصنِّفه كما شئتَ، وكن متأكِّدًا أنَّ تصنيفه لا يُخرجه عن حقيقته وما هو عليه، كما أنِّي اجتهدتُ أن لا تَعلو اللُّغة على المعاني، لكن تأكَّد من قراءتك دائمًا لما بين السُّطور وما خلف الحروف، ولا تُلغِ دورك كقارئٍ واعٍ ومدرك لكواليس النصِّ الشِّعري، فإذا قمتَ بدورك فهذا ما أريده لقارئِ نصِّي ومتلقِّيه، وهذا ما قصدتُه حين قدَّمتُ لك (حقائق الأشياء)". اللغة هي الوسيلة الأولى لعملية التواصل مع الآخرين، غير أنها تتعدَّى وظيفتها الاجتماعية المحدودةَ هذه، فتشكِّل الأساس في عملية بناء القصيدة؛ إذ تمثِّل الطريق الموصلة بين المبدع والمتلقِّي، فتؤدي بذلك وظيفةً أخرى، تتمثَّل في إيجاد روابطَ انفعالية بينهما، فتتَجاوز بذلك لغة التقرير إلى لغة التعبير، وتسعى للكشف عن العواطف والأحاسيس، والانفعالات الكامنة في قلب الشاعر، ومحاولة إيصالها في نفس المتلقي. يختار صالح الشاعر من اللغة وإيحاءاتها، ويولِّد منها ما قدر على التوليد، لا ليأتي بمعانٍ يجهلها الناس تمامًا، ولكن ليصور صفوةَ معارفهم من زوايا متفردةٍ تدهشهم وتعيش إحساسات جماليةً لا تنتهي، وحجارة هذا البناء الموضوعيِّ الألفاظ، إلا أن الألفاظ في الشعر تومئ إلى ما وراء المعاني، فتُضيف إليها أبعادًا جديدة، وبذاك تتجدد وتحيا، وبغير ذلك تذبل وتموت؛ إذ نجد ألفاظه تقدِّم صورة إنسانية وفنية بغرَض إماطة اللِّثام عن هذه الألفاظ. ويسعى الشاعر في بعض قصائده إلى لغةٍ شفافة تعتمد على الوضوح والواقعيَّة؛ فهي لغة تكاد تكون خاصة بالشاعر، لغة تنطلق من الواقع ومن وعي الشاعر بأدواته الفنيَّة، فالنظر في التجربة الشعوريَّة وفَهم الحالة الذهنية لقصيدةٍ ما يتطلَّب القدرة على الانغماس في العالم النفسي للشاعر واستحضار حالته النفسية من خلال كتابته لهذه القصيدة، وفَهمُ الحالة الذهنية تَعني القدرة على استعادة الجوِّ الشعوري ومُعايَشتِه من جديد، ولا يتم ذلك إلا إذا استطاع الناقد أن يُمعِن النظر في الظروف والوقائع التي أدَّت إلى ولادة القصيدة، وبدون ذلك قد تُنزع القصيدة عن سياقها النفسيِّ وتَبقى تراكمًا لغويًّا وشكلاً دون معنى، وتفقد الحسَّ الشعري؛ ففي قصيدة إسراء تضرُّع ودعاء، يقول الشاعر بلغة واضحة مؤثرة: أَتَيْتُ إِلَيْكَ.. وما كُنْتُ أَدْرِي بِأنِّي إِلَيْكَ سَأَسْرِي فَما كُنْتُ إلاَّ ظَلُومًا جَهُولاً وَذَنْبيَ أَنْقَضَ ظَهْرِي إِلَيْكَ أَتَيْتُ فَكُنْ لِي فَإنِّي رَفَضْتُ التَّوَلِّي وَجِئْتُ أُقَدِّمُ عُذْرِي فَمَنْ ذا سَيَشْرَحُ صَدْرِي إذا لَمْ أَكُنْ لَكَ أَسْرِي؟! وهو في غمرة هذا التجلي يستلهم مفرداتٍ وتراكيبَ ومصطحبات قرآنية، على شاكلة (أنقض ظهري)، (يشرح صدري)، (ظلومًا جهولاً)... وهو ما يستدعينا إلى الحديث عن التناص. التناصُّ ظاهرةٌ من الظواهر المهمة في الديوان؛ لأن الشاعر يَستعمله في إثراء قصائده، بتعابيرَ مشهورة، ومصطحبات معجميَّة قرآنية، ويتنوع غرضُ التناصِّ عند صالح الشاعر ما بين التجمل بقِطَع من التراث، والإحالة على نصٍّ سابق والربط به، وإطالة النص. فمن التجمل بقِطَع من التراث بعض المسكوكات الجاهليَّة؛ كقوله في قصيدة (ببساطة) من ديوان (همس الروح): أنا لسْتُ بَكَّاءً ولا نَكِدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ما لِي أنا والْهَمِّ والنكَدِ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أنا لَم أقِفْ يومًا على طلَلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif خَلِقٍ.. ولمْ أغْدو بِمُنْجَرِدِ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ما كنتُ يومًا في بنِي عبسٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عبدًا.. ولَم أملك بني أسَدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومن الإحالة على نص سابق والربط به قولُه في قصيدة (البيت الخراب) من ديوان (همس الروح): لا الْحُبُّ شهْدٌ مُصَفًّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا الأمانِي عِذابْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فهو في عنوان القصيدة ناظرٌ إلى الشاعر (إليوت) وقصيدته الشهيرة (الأرض الخراب)، وفي شطر (ولا الأماني عِذاب) قصَد معارضة المعنى لدى الشاعر محمد بن عبود العامودي الذي يقول: سكن الليل والأماني عِذابُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وحنيني إلى الحبيب عَذابُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أما إطالة النص فتبدو في قطعة صغيرة في ديوان (من قلبي) بعنوان (ليل الهوى) يقول فيها: إنَّ ليلَ الهوى.. طويلٌ طويلْ قَدَرُ العاشقينَ فيه الرحيلْ فيه مَنْ باتَ.. ناعمًا بوصالٍ فيه مَنْ باتَ.. فوقَ جمرٍ شَعيلْ ناعسَ الطَرْفِ.. هل لديكَ دواءٌ.. أشتفي من جراحِ سهمٍ كحيلْ؟ وأجبني قُبَيْلَ ذاك الرحيل! هل إلى نظرةٍ إليكَ سبيلْ؟ فالشطر الأخير مصراع مطلع قصيدة لإسحاق الموصلي يقول فيها: هل إلى نظرةٍ إليكِ سبيلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فيُروَّى الصَّدَى ويُشفى الغليلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن ما قلَّ منك يكثُرُ عندي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكثيرٌ ممن تُحِبُّ القليلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهنا نجد (صالح الشاعر) قد أطال قطعته بالإحالة بهذا الشطر إلى بيتَي الموصلي، محاكيًا أسلوبًا كَثُر في شِعر أبي نواس، الذي قال في ختام قصيدة: حسناءُ تُسمِعُنا والعُودُ يُطرِبُنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ودِّعْ هُرَيرةَ إنَّ الرَّكبَ مُرتَحِلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية
شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية محمد الشحات أبو ستيت ومن نماذج التناص أيضًا ما نراه حين نتأمل قصيدة (بسمة)، من ديوان (حقائق الأشياء)، فهي تذكِّر القارئ بشيء محفور في داخله، يقول فيها: بَسْمةٌ لا تَزالُ في خاطِرِ الكَوْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نِ ولا زالَ سِرُّها مَجْهُولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَسَتَبْقَى يَحْكُونَ عَنْها حَكايا الْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حُبِّ جِيلاً في العاشِقِينَ فَجِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فَبِها أَصْبَحَ الكَلامُ عَبِيرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبِها أَصْبَحَ الجَمِيلُ جَمِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ مَنْ رَأَى بَسْمَةً تَرُوقُ كَهَذي؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَتَحَدَّى.. فَما رَأَيتُ مَثيلا! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حِينَما أَشْرَقَتْ هَدَتْ كُلَّ قَلْبٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَأَضَلَّتْ لِلْعاشِقِينَ عُقُولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ الكَلامُ انْتَهَى.. وَلا شِعْرَ عِنْدِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واصِفًا حَقَّ وَصْفِها لأَقُولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فَاعْذُرِيني.. فَكُلُّ ما كانَ عِنْدِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif صارَ بَهْرًا.. وَدَهْشَةً.. وَفُضُولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ أَنا مُنْذُ ابْتَسَمْتِ صِرْتُ أَسِيرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَحْسِني وَارْحَمِي أَسِيرًا نَبِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَانْثُري ذلكَ الشُّعاعَ عَلَى الكَوْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نِ ضِياءً لَهُ.. نَسِيمًا عَلِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واكْتُمِي السِّرَّ - لَوْ سَمَحْتِ - عَنِ الشَّمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سِ كَفَى غَيْرَةً لَها وَأُفُولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية
♦ ♦ ♦ هَذِهِ البَسْمَةُ الَّتي سَوْفَ تَبْقَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فِيكِ سِرًّا.. تَجاوَزَ الْمَعْقُولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif اسْمَحِي لِي تَكُونُ بَيْنَ قَصِيدِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رُبَّما صِرْتُ في الهَوَى قِنْدِيلا! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ♦ ♦ ♦ إن منشأ هذا الإبداع ثقافةُ الشاعرِ الواسعةُ؛ فلقد كانت أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه في (شعر محمد مهدي الجواهري - دراسة نحوية نصية)، كيف لا أتذكر الجواهري؟ نعم، إنها قصيدته الرائعة (أسعف فمي)، التي نظمها الجواهري في مدح الملك حسين: يا سيِّدي أَسْعِفْ فَمِي لِيَقُولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في عيدِ مولدِكَ الجميلِ جميلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَسْعِفْ فَمِي يُطْلِعْكَ حُرًّا ناطِقًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عَسَلاً، وليسَ مُدَاهِنًا مَعْسولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولقد كان الشاعر بارعًا حين اختار تغيير الغرض، وإن كان تغييرًا طفيفًا، فهل الغزل سوى مديح؟ الذي اختلف هو الهدف المتوجِّه إليه، بدلاً من الملك أصبح مَلِكة القلب المتوَّجة! كما أنه كان بارعًا حين اختار تغيير الوزن الشعري، فاختار بحر الخفيف بدلاً من الكامل، والخفيف من البحور التي لا تُدرِكها الأذن بسهولة، فتبدو نَثرًا إلا للأذن الموسيقية المدرَّبة. نأتي إذًا إلى العنصر الذي أظهر عملية التناص، والذي يبدو وكأنه متروك عمدًا ليدل على المصدر، وهو عنصر القافية، والذي لم يكتف فيه شاعرنا بكلمة القافية وحدها، بل أضاف إليها بعضَ المصاحَبات المعجمية، فأخذها من الجواهري كتلة واحدة، فنجده يقول مثلاً في البيت الأول: بَسْمةٌ لا تَزالُ في خاطِرِ الكَوْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نِ ولا زالَ سِرُّها مَجْهُولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهو ما سبق إليه الجواهري في قوله: يُهْدِيهِ ضَوْءُ العبقريِّ كأنَّهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يَسْتَلُّ منها سِرَّهَا المجهولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقد غدا سرُّ الحياة عند الجواهري سرَّ البسمة عند صالح الشاعر، ثم يقول: وَسَتَبْقَى يَحْكُونَ عَنْها حَكايا ال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حُبِّ جِيلاً في العاشِقِينَ فَجِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهو ما قاله الجواهري: يا ابنَ الهواشِمِ من قُرَيشٍ أَسْلَفُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif جِيلاً بِمَدْرَجَةِ الفَخَارِ، فَجِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية
فتحول أجداد الممدوح الذين تتابعوا بمدرجة الفخار، إلى أجيال من العاشقين تحكي الحكايات عن سر البسمة التي أعجب بها الشاعر. ثم يقول: فَبِها أَصْبَحَ الكَلامُ عَبِيرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبِها أَصْبَحَ الجَمِيلُ جَمِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif معربًا بذلك عن إعجاب بختام قصيدة الجواهري الذي يقول فيه: ولسوفَ تَعْرِفُ بعدَها يا سيِّدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَنِّي أُجَازِي بالجَمِيلِ جَمِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لكنه حوَّل الأمر من مادِّيته الفجَّة إلى روحيٍّ معنوي رقيق شفاف؛ حيث إن البسمة سببٌ لجمال كلِّ جميل، وليست العلاقة مجرد شاعر يمدح فيُعطَى ليَمدح! ثم يَمضي صالح الشاعر في قصيدته، مفضلاً صوته الخاصَّ على الجواهري وقوافيه، وكأنه اكتفى بإرشادها في الأجزاء الأولى من النص، إلى أن يصل إلى ختام قصيدته، فيأبى أن يكون إلا اقتباسًا أيضًا، لكنه هذه المرة استعان بنزار قباني، القائل: قولي أحبُّكَ كي تصير أصابعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ذهَبًا وتصبح جبهتي قنديلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلا أن الأمر اختلف عند شاعرنا؛ فهو يريد بذاته كلها - لا جبهته فحسب - أن يصبح قنديلاً: اسْمَحِي لِي تَكُونُ بَيْنَ قَصِيدِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رُبَّما صِرْتُ في الهَوَى قِنْدِيلا! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الموسيقا فيشعر صالح الشاعر تسير على نمطٍ يُغريك بانسيابه، حتى إذا اطمأننت فاجَأك بخروجه! فهو رغم عموديَّته الصارمة في بعض القصائد نجده قد بسَطها إلى حدِّ الهلهلة أحيانًا في قصائدَ أخرى! ومن الصعب أن نتوقع خطأ عَروضيًّا في شعر باحث لغوي متخصص، وله بحوث في العَروض، بما يدلنا على أنَّ هلهلة الموسيقا مقصودة في غالب الأمر. فعلى سبيل المثال، استعمل الشاعر تفعيلة (فاعلُ) في قصائد على الخبب؛ كقوله في (الزمن الضائع): في زمني أصبحت الدنيا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سوداءَ وغطَّاها الدخَّان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ما عادَت ناصعة بيضاءْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif اصطبغَت بنفاق ورياء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif منقوشٍ في ثوب البهتان وذلك واضح في شطر (اصطبغت بنفاق ورياء)، ووزنه: (فاعلُ فاعلُ فعْلن فعِلان)، فالتفعيلة الأصلية للبحر (فعلن)، وتفعيلة الضرب (فعلان) في جميع القصيدة، أما هذا الشطر فقد دخلَت فيه التفعيلة (فاعلُ). وفي قصيدته التائية (أنا والطريق والأمنيات) نجده طعَّمَها بهذه الشطور يائيةِ الروي في وسط القصيدة: لِمَ لا ترجع الأماني إليَّا؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبريق الأحلام في مقلتيَّا؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَزَماني هو البخيل عليَّا؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أم هو الحُلْم صار داءً دَوِيَّا؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ليتني قد رجعتُ طفلاً صبيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif طابعٌ بسمتي على شفتيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أحضن الأمنيَّات بين يديَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأغنِّي فأُوسِعُ الحزنَ كَيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبعد ذلك يعود فيكمل القصيدة على رويها الأصلي. وفي قصيدة (نعيم) يأتي بالقافية في منتصف الكلمة، فيقول: في عالَمِ الحُبِّ الجَمِيلِ هُنا تَلَوَّنَتْ الدُّنا وَالعاشِقُونَ بِها غَدَوْا طَيْرًا يُرَفْرِفُ فَوْقَ أَغْصانٍ وَطَوَّحَتِ الحَياةُ هُمُومَ ماضِيهِمْ وَهَوَّنَ حُبُّهُم كُلَّ الصِّعابِ فَكُلُّ مَوْعُودٍ بِشَيْءٍ نالَهُ حتَّى وَلَوْ طَلَبَ الـمُحالَ وَلَمْ يَعُدْ لِلْحُزْنِ ثَوْراتٌ... إلخ والوزن يقتضي أن تكون القافية واوًا ساكنة، وبعض الأشطر على ثلاث تفعيلات والبعض الآخر على أربع، هكذا: في عالم الحب الجميل هنا تلَوْ وَنت الدنا والعاشقون بها غدَوا طيرًا يرفرف فوق أغصان وهَوْ وَن حبُّهم كلَّ الصعاب فكل مو عود بشيء ناله حتى ولو... إلى آخر القصيدة. وتَظهر لنا قصيدة (السياسة) بنمط قافية أقرب إلى نظام الموشَّحات الأندلسية، مع بساطة ورشاقة في الجمل القصيرة؛ حيث يقول: في لُعبة السياسهْ يُلوَّن الزمانْ وتُرسَم الجِنانْ وتُوهب الصكوكْ ويُرفع الرَّعاعْ من طينةٍ وقاعْ لقِمَّة الملوكْ وتلك عبقريَّهْ لها يدٌ خفيَّهْ في غاية الكياسهْ باللين والهوادهْ تجمَّل السياسهْ ♦ ♦ ♦ في مسرح السياسهْ كل الوجوه زَيْفْ والصدق فيه ضَيْفْ يحلُّ يرتحلْ والرابح الكذوبْ الناعم اللعوبْ هذا الذي يصلْ وفيه طيِّبونْ «نعمْ» «موافقونْ» ومَن يهزُّ راسهْ [1] رئيس قسم الثقافة والإرشاد الديني بأوقاف القليوبية، حاصل على ماجستير البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن. [2] معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، المجلد الثامن، ص474. [3] يُعتبر البند فنًّا أدبيًّا جاء ليخلص الكاتب من قيود الوزن والقافية، وهو يَختلف عن الشعر الحر؛ إذ يتميز كل منهما بسِماته الخاصة، وقد يوضع البند فى منزلةٍ بين الشعر والنثر، وكلمة (بند) كلمة فارسية؛ ولها معانٍ كثيرة مثل: "ما يُسكر من الماء، العلم الكبير، العَقد والرَّبط"، وأول مَن اشتهر بكتابة البنود الشاعر معتوق بن شهاب الموسوي، ولا يتوفَّر ديوانه سوى على خمسة بنود، وما يجعل هذا الفنَّ غير معروف هو انحصاره في مدينة البصرة منذ العصور المتأخرة قبل سقوط بغداد سنة 656 هـ؛ وكذلك قلَّ صانعوه، ويُنظَم البند على تفعيلة واحدة تتكرَّر من البداية حتى النهاية وهي: (مفاعيلن)، كما تعتمد على بعض الزِّحافات مثل (الكف) فتصير (مفاعيل)، و(الحذف) فتصير (مفاعي)، كما يَعتريها الخرم أو الخزم، كما أن البند لا يَعتمد على قافية واحدة، ويَقبل تَكرار الكلمات ذات الرَّوي الواحد مثل السجع؛ مما يُضفي عليه إيقاعًا جميلًا. |
الساعة الآن : 01:45 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour