دور الأدب في الحروب الصليبية
دور الأدب في الحروب الصليبية د. محمد بن سعد الدبل ماذا عن دور الأدب شعرًا ونثرًا في حياة حِقَب زمنية في كتب التاريخ والسير الإسلامية بعصر الحروب الصليبية؟ لقد لمَّ شتات هذا الموضوع كثيرٌ مِن الأدباء والنقاد والمؤرِّخين على اختلافٍ وتبايُن في مادة العطاء والعرض والتحليل، فمِن كاتب عُني بحصر النصوص وجمعها، ومِن كاتب استفرغ جهده في النظر إلى مادة هذا الأدب محللاً ومُعلِّلاً ومِن مؤرِّخ اهتمَّ بالتراجم الذاتية للقادة والحكام والولاة والعلماء والأدباء، ومِن مؤرِّخ جعل همَّه في التأريخ للوقائع والحوادث الإسلامية التي خاضها جنود الإسلام مع الجيوش الصليبية في عدد مِن الغزوات والوقائع. وفى الآوِنَة الأخيرة ظهر على صعيد الحياة الفكرية والأدبية المُعاصِرة عدد مِن الدراسات التي تناوَلت الأدب ودوره في تلك الحروب مِن ذلك ما سطَّره يَراع الأديب الإسلامي الدكتور: عمر عبدالرحمن الساريسي في كتابه "نصوص مِن أدب عصر الحروب الصليبية"، وقد تخيَّرتُ عددًا من نصوص الشِّعر التي صورت آثار الحروب الصليبية وآثار الجهاد الإسلامي، مما كان سببًا في إذكاء الروح الحماسية عند المسلمين، وسببًا مِن أسباب نَصرِهم في عدد مِن الغزوات، ويقول الكاتب الدكتور عمر الساريسي: غير خاف عن أحد أن أدب الدعوة إلى الله تعالى - على عدم تحقُّقه في أذهان كثير مِن الدارسين - متميز على غيره مِن ألوان الفِكر المختلفة المَنازِع والاتجاهات التي تتوزَّع أدبنا العربي. ففي كل عصر مِن عصور الأدب نجد أمثلة بيِّنة الوضوح؛ فإننا نجد الأدب الجادَّ الذي يَستشعر مسؤوليته التاريخية في حمل هموم الأمة وتراثها، ونجد الأدب الذي لا يُهمُّه إلا أن يُلبي نداءات فردية حرة مِن كل قَيد. ودور الأدب في الحروب الصليبية دور له عطاؤه الجمُّ الثابت ثُبوتَ المُجاهدين في معارك تلك الحروب. ولا يُسعِّر الحروب ويشبُّ أُوارَها مثل الشِّعر، في استنهاض الهِمَم، ويقول القاضي الهروي، وقيل الأبيوردي: مَزجْنا دماءً بالدُّموع السواجِمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلم يَبْقَ مِنا عَرضَة للمراجِم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وشرُّ سلاح المرء دمع يُفيضه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إذا الحرب شُبَّت نارُها بالصوارِم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن الشاعر في هذا المطلع، يَصرخ ببكاء الناس بكاءً أنزلَ الدم مِن العيون لشدته واستمراره، وأنهم بكوا حتى لم يبقَ مجال للذمِّ، ولكن الشاعر هنا لا يَلبث أن يَفطِن إلى أن البكاء على شدته لن يُغني في معركة يُسعِّر نارَها ضربٌ مسدَّد وسيف قاطع. فإيهًا بني الإسلام إنَّ وراءكم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقائع يُلحقْنَ الذُّرا بالمناسم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَتَهْويمة في ظلِّ أمن وغِبطة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعيش كنُوَّار الخَميلة ناعم؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكيف تنام العين ملءَ جُفونها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif على هفوات أيقظَتْ كلَّ نائم؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإخوانكم بالشام يُضحي مَقيلُهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ظُهور المذاكي أو بطون القَشاعم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَسومهم الرومُ الهوانَ وأنتمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَجرُّون ذيلَ الخَفضِ فعلَ المُسالم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهنا يَستصرِخ الشاعر المتخلِّفين عن الجهاد مع إخوانهم المسلمين فيبدأ المقطوعة بتوجيه نداء حارِّ: إيهًا بني الإسلام أن اصحوا مِن نومكم، فما دهمَكم مِن الغزو سيجعل أعزَّتكم أذلَّة، فكيف تنامون ملء عيونكم، وتعيشون عيشًا ناعمًا مُرفَّهًا، وفي إخوانكم تَجري فظائع الأمور التي تقع على رؤوسهم فلا يَجدون للراحة معبَرًا ولا للنوم سبيلاً؛ فهم أبدًا على صهوات خيول، هم يُحارِبون ليُنصروا أو تكتب لهم الشهادة فتَتخطَّفهم نسور الجوِّ ولا يَجدون مَن يُواري جثثهم، أما أنتم ففي ثياب النِّعمة تَرفُلون. وكم مِن دماء قد أُبيحت ومِن دُمًى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَوارى حياءً حُسْنها بالمَعاصم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بحيث السيوف البيضُ محمرَّة الظُّبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وسُمْر العوالي دامياتُ اللَّهاذِم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبين اختلافِ الطعنِ والضربِ وقفَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تظلُّ لها الولدان شيبُ القوادِم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتلك حروب مَن يغبْ عن غِمارها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ليسلَم يَقرَع بعدَها سنَّ نادِمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: دور الأدب في الحروب الصليبية
سللْنَ بأيدي المُشرِكين قواضبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ستُغمَد منهم في الطُّلا والجَماجِم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يكادُ لهنَّ المستجِنُّ بطيبةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قال الدكتور الساريسي: في هذه الأبيات يُصوِّر الشاعر المعارك التي وقعت بين المسلمين وأعدائهم مِن الفِرنجة، فقد أُبيحت فيها دماء كثير من المسلمين، ولقد اقتحم فيها على النساء خدورهنَّ، ولم يَجْدن ما يدفَعْن به عن أعراضهنَّ المصونة غير معاصِمهنَّ المُشتبِكة حياءً وخوفًا. وقد اشتدَّت هذه الحروب، واستحرَّ فيها القتل حتى بدت أسنَّة السيوف حمراء لاهبة، وحتى إن الصبيان ربما ظهَر في شَعرِهم الشَّيب لما في هذه الحروب مِن هولِ الطعن والجلاد. وفي أبيات يصور الشاعر تخاذُل بعض المحاربين قائلاً: أرى أمتي لا يُشرِعون إلى العِدا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رماحَهم والدِّينُ واهي الدعائم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويَجتنبون النار خوفًا مِن الردى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا يحسبون العارَ ضربةَ لازمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أترضى صناديد الأعاريبِ بالأذى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويُغضي على ذلٍّ كُماة الأَعاجم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فليتهم إذ لم يَذودوا حميةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عن الدِّين ضنُّوا غَيرةً بالمَحارم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإن زهدوا في الأجر إذ حَمِيَ الوغى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فهلا أتوه رغبة في الغنائم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قال الدكتور السارسي: يرى الشاعر قُعود بعض بني قومه عن الجهاد فيتألم لذلك ألمًا يُصوِّر معه واقعهم المتخاذِل عن نصرة دينهم الذي يُحاول الأعداء إسفافه، وطمسَ معالمِه. وفي نهاية القصيدة يَبلغ الألم بالشاعر مبلغًا أشد فعلاً وتأثيرًا فيَكشِف لهم عن مستقبل أيامهم، وما سيَنتُج عنه مِن إذلال وصغار لأجيالهم القادمة إن لم يتدارَكوا أمرهم بفِعل الحسام. لئن أذعنَتْ تلك الخياشِيم للبرى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا عطَستْ إلا بأجدَع راغِم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif دعَوناكمُ والحرب تَدعو مُلحَّةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلينا بألحاظِ النُّسورِ القَشاعم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تُراقِب فينا غارةً عربيةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تُطيل عليها الرومُ عضَّ الأباهِم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإن أنتمُ لم تغضَبوا بعد هذه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رمَينا إلى أعدائنا بالحَرائم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قال الساريسي: يتسرَّب غضب الموقف في عروق الشعراء فيأتون بأجزل العبارات مُضمَّخةً بلُغة العواطف المنفعلة الصادقة التي وقودها الصدق في القول[1]. [1] نصوص من أدب عصر الحروب الصليبية؛ الدكتور عمر الساريسي (ص: 24) وما بعدها. |
الساعة الآن : 09:01 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour