ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى النقد اللغوي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=120)
-   -   من مقومات الأدب الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=280732)

ابوالوليد المسلم 20-08-2022 05:01 PM

من مقومات الأدب الإسلامي
 
من مقومات الأدب الإسلامي


د. محمد بن سعد الدبل








القرآن الكريم:

ذلك الكتاب السماوي الفريد هو المَنبع الأصيل للأدب الإسلامي؛ لأنه كتاب العربية الشامل، ونظام الإسلام الفريد الكامل، أنزله الله على رسوله فبهَر العرب، وشدَّهم شدًّا بسلامة منطقه، وقوة بيانه، وأسلوبه الغنيِّ الرائع، واستوى في الإعجاب ببيانه المؤمنون وغير المؤمنين، وقصة الوليد بن المغيرة، وإسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خير شاهد على ما للقرآن الكريم مِن حُجَّة ناصعة وساطعة، وبيان رفيع، وإعجاز بياني يأسر القلوب، ويشد النفوس، ويستثير العقول ويمتِّع العواطف.




والمتأمل في كتاب الله مِن هذه الوجهة يجد فيها التعاليم الإلهية التي تسمو بالنفس الإنسانية لتُخلِّصها من ظلمات الكفْر والجهل إلى نور العلم والإيمان، ويجد فيه التصوير الفني للعواطف، وأشواق النفس الإنسانية؛ كوصف الجنة وما وعد الله به المؤمنين المتقين مِن جزاء وأجر ومثوبة.




ويجد فيه مشاهد الكون والحياتَين الدنيا والآخِرة، ويجد كل هذه المشاهد مجلوَّة في نسق بديع نابض بالحركة والحياة، ويجد فيه القصة بخصائصها الفنية الرائعة التي لا تَصدق على القصص الأدبية؛ لأن مَعين هذه مستمدٌّ مِن التهويمات والخيال، ومعين القصص القرآني مستمدٌّ مِن الحقيقة في الإطار والمضمون.




ومِن مقومات الأدب الإسلامي:

رسمُه التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان، وإذا فتَّش الأديب عن مضامينه في أعماله الأدبية فسيجد ضالَّته في ثنايا هذه المخلوقات مِن طبيعة صامتة؛ كالأرض والجبال، ومِن طبيعة متحرِّكة؛ كالإنسان والطير والحيوان والماء والنبات، وكل هذه المخلوقات مدَد فيَّاض يَنهل منه الأُدباء ليؤدُّوا خلاصة تجاربهم وتفاعلهم مع الحياة إلى الأحياء في صورة ناطقة حيَّة تُجسِّد للقلوب معاني الفضيلة، وتجسِّد للعواطف معاني الاتجاه إلى الله فاطر الأرض والسموات ومَن فيهنَّ وما فيهنَّ.




ومِن مقومات الأدب الإسلامي التاريخ الإسلامي؛ فهو صفحات مُشرِقة وصور حيَّة لم تزل تبني أمجاد الإسلام في ضوء ما يعود بالخلف إلى السلف في ظلِّ التوجيهات الربانية في السِّلم والحرب وفي عموم شؤون الحياة، ولذلك يجد الأديب المسلم في التاريخ الإسلامي عطاءً ثرًّا مُتميزًا يُعدُّ مِن أرقى ألوان المعارف التي تمدُّ الأديب بطاقة تعبيرية عن أدب خالد رفيع، وبهذا يُمكن أن يرسم الأديب للأدب الإسلامي منهجًا تَبين فيه خصائص هذا الأدب.




ومن مقوِّمات هذا المنهج كتاب الله وحديث رسوله؛ لِما لهما مِن أثر في مضامين الأدب بعامة والأدب الإسلامي بخاصة، بل إن مِن مُقوِّمات الأدب بعامة ذلك الإنسان الذي خلَقه الله وجعله محور الوجود إذا كبَت أشواق الجسد، وترك مَلذات الدنيا، واعتزل الحياة؛ لأن كل هذه الماديات تَطمِس وتُشوِّه جانب الخير في أعماقه، ولكي نُصحِّح هذا المفهوم عن الإنسان نقول:

لقد جاء الإسلام ليُصحِّح النظرة إلى هذا المخلوق؛ فهو ليس مادة فحسب، وليس روحًا فحسب، وإنما يجمع في طبيعته وتركيبته بين المادة والروح.




أما الجانب الأول فهو ما يشير إليه القرآن في قول الله - تعالى -: ﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71].




وأما الجانب الثاني فهو ما يشير إليه قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 72].




ومن هنا يعلم - بالضرورة - أن الإنسان في آدميته لا يكون إنسانًا بمادة الطين وحدها - مع تسليمنا بأن الله وحده قادر على كل شيء - وإذًا ما صِلَة التوازن الإسلامي في طريقة العيش الحلال؟ يتَّضح ذلك في أن الإنسان لا يكون إنسانًا إلا بالجمع بين الجانبين المادة والروح، وإن غلب أحد الجانبين على الآخر اختلَّ التوازن في ممارسة الحياة على النحو السليم الذي لا يَشوبه فساد.




ومن هنا يدرك كل ذي بصيرة أن الدين الإسلامي إنما طلب من المسلم أن يُقيم التوازن بين هذَين الجانبَين في طبيعة تكوينه؛ أي: بين الجسد والروح، فهو يعطي الجسد حقَّه، ولكن ليس على حساب الروح، ويُعطي الروح حقها، ولكن ليس على حساب الجسد، وإذًا فمهمَّة الإنسان هي إقامة هذا التوازن في طبيعته المزدوجة، يأكل ويشرب، ولكن لا يسرف، يصلي ويتعبد، ولكن لا يَعتزل العمل والإنتاج، ولا يعتزل المجتمع والحياة، ولا يُعطِّل ما منحه اللهُ مِن ملَكات وقدرات ومواهب وطاقات أعلاها وأغلاها وأزكاها نعمة العقل، تلك النعمة التي هي أنفس وأغلى ما يملكه كل مخلوق بشري.




ومعيار التوازن في الحياة تَزِنه بالقسطاس المستقيم آيات بينات من كتاب الله تعالى - وتزنه بالمعيار الصحيح أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمِن آيِ الذكر الحكيم قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 4]، ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]، ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾[الفرقان: 67]، ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].




وأما الأحاديث فمنها تلك الكلمات الشفافة الحوارية التي يُعلمها رسول الهدى - صلوات الله وسلامه عليه - أصحابه الأجلاء: ((يا عبدالله بن عمر، إن لله عليك حقًّا، وإن لبدنك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا)).




وحدث أنْ وعظ رسول الله أصحابه بكلمات وجِلت منها القلوب فاجتمع عدد منهم، واتَّفقوا على أن يصوموا النهار أبدًا، ويقوموا الليل، ويعتزلوا النساء والطِّيب، ويرفضوا الدنيا وزينتها، فخطب فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: ((ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم؟ أما إني ليس آمركم أن تكونوا قسِّيسين ولا رهبانًا؛ فإنه ليس في ديني ترك ذلك، ولا اتخاذ الصوامع، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتها الجهاد))، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم- إلى آخر ما ورَد في هذه الخطبة النبوية الشريفة.




فهذا هو هدْي الإسلام الخالد، حفظتْه الآيات، وبسطته الأحاديث، وأفاده الأدباء والعلماء ومُفكِّرو الأمة، ولم يزل معينًا فياضًا ينهَل منه كل وارد، إنه مجدٌ بناه القرآن، ومد رواقَيه الرسول الكريم، ونشره الرعيل الأول من المسلمين، وسيظل نشره أمانة في أعناق المسلمين إلى أن يَرث الله الأرض ومَن عليها، فهو جهاد أبدي؛ ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52].




والأدباء في كل مجتمع هم حملة لواء المعرفة، والشعر مِن الأدب، ولكن أيُّ أدب؟ إنه ذلك اللون الفني الذي يعبر عنه مذكرًا الماضي، هاتفًا بالحاضر، لا يلوي معناه إلا على العمل والإنتاج، ليُمكَّن لشرع الله في الأرض.



ما لشِعري على القديم يَغار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مُستهلٌّ في كل معنًى يُثارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



لا تقل راعَني وخيَّب ظنِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بدؤك الشعرَ يَحتويه ادِّكارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أنا في مطلع القصيد أحاكي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كل صوت أصداؤه تُستعارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فلئن قلت: يا فؤاديَ أقصر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إن دهري مِن شُؤمِه مُستطارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فلي الكون كله نغمات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يا فؤادي لكل معنى شعارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



خلِّ شكواك مرةً وتفاءل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بك أزرَتْ - في شؤمها - الأشعارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



تشتكي حاضرًا وتَندب ماضٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أوَما عاب شعرك الافتخارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



املأ العين مِن مشاهد عصر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في أعاجيبه العقول تَحارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وتقدَّم فإن دِينك أمرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ليس فيه تراجع وانحِسارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وتدبَّر فإن شرعَك يَنهى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أن تَخوض الأمور وهي خَسارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






ابوالوليد المسلم 20-08-2022 05:01 PM

رد: من مقومات الأدب الإسلامي
 
ليس يَنهاك دِينك إلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عن فعال تَعيبها أوزارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



قد سئمْنا جرس النشيد رتيبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ردَّدته في عَزفِها الأوتارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أيُّ معنًى إذا أدركتَ عظيمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

غيَّبته في سفرِها الأعصارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ومضى قد وفى بذمَّة عهد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيه للناس عِزة وانتصارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أنت أولى بالعهد في عصر قوم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ضيعتْهم في دَربِها الأشرارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أوَيُجدي افتخارنا بجدود https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وعلينا مِن الخنوع دثارُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



جسِّم الداء للعيان مُطِبًّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كي يرى القلب ما ترى الأبصارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أنقِذِ الناس مِن براثن قانو https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ن يَنوء منه الأُوارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



إن قبستَ الضياء سِرتَ سويًّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أو أممتَ الظلام فهو عثارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



لا تقل يُحكِم الأمورَ كبيرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قد يُساوي الكبارَ قومٌ صغارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فارِق السنِّ لا يَعيب أُناسًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قد يَهاب الصِّغارَ قومٌ كبارُ[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





وإذًا فالتوازن في المجتمع الإسلامي إنما هو في العطاء والعمل من كل فريق على حسب ما يُحسن، وإنما هو امتثال لا إفراط فيه ولا تفريط، وإنما هو عطاء مستمرٌّ يؤتي ثماره وفق دربٍ سويٍّ لا ترى فيه عِوَجًا ولا أمْتًا.




ومِن هنا نُدرك موقف الإسلام من الأدب بعامة، ومِن الشِّعر بخاصة، وأنه موقف يتَجلَّى فيه: "الصِّدق الفني الذي يَحكم إطاره العقل والعاطفة والخيال معًا في بُعدٍ عن المبالغات المُفرِطة التي يلفظها الحسُّ الصادق، وفي بعْد عن التكلُّف الثقيل عن النفس، والتصنُّع المنفِّر للحسِّ والمُبعِد عن الطبع، مع المحافظة على سلامة اللغة رونقًا وديباجةً لكي تظهر محاسن الأدب وتبرز لطائفُه التي تتفاعل معها الأحاسيس"[2]، وهذا مِن حيث تجلي النتاج الأدبي ونُضجُه وتكامله فيما يتناول البناء الفني شكلاً ومضمونًا.




أما من حيث المنهج فمعلوم "أن نظرة الإسلام إلى الأدب لم تتناول موقفه من الفنون الأدبية جميعها؛ لأن كثيرًا من هذه الفنون جَدَّ على المسلمين بعد الكتاب والسنَّة سوى الشعر والقصة والخطابة، فهذه ألوان صاحبت الحياة الأدبية عند العرب في جاهليتهم وبعد إسلامهم، وكان للإسلام منها موقف واضح محدد"[3].






[1] ديوان إسلاميات؛ لمحمد الدبل، الطبعة الرابعة، مكتبة العبيكان، الرياض.




[2] الجانب الخلقي في الشعر الجاهلي؛ للدكتور: زهدي خواجة (ص: 38).




[3] نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد؛ د: عبدالرحمن الباشا (ص: 4) طبع جامعة الإمام 1405.




الساعة الآن : 04:43 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 24.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.59 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.55%)]