استعدادات المخلوقات لاستقبال شهر البركات
استعدادات المخلوقات لاستقبال شهر البركات الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين. الحمد لله قد أقبل شهر الصوم، أقبل شهر رمضان، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ... ﴾ [البقرة: 185]. فكيف تكون فيه استعداداتُ المخلوقاتِ لاستقبال شهر البركات؟ ففيه تستعدُّ النيرانُ بإغلاقِ أبوابها السبعة، وتستعدُّ الجنانُ بفتحِ أبوابها الثمانية، فإذا دخل رمضان ((غُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ))؛ (ت) (682) واللفظ له، (خ) (3277)، (م) (1079). أما الشياطين فتستعدُّ لأنْ تُكتَّفَ وتقيَّدَ وتُسلْسَل، فــ ((إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ))؛ (جه) (1642). والملائكة على أهبةِ الاستعداد، كلٌّ يقوم بعمله، فقد أقبل علينا رمضان الذي ((يُنَادِي فِيهِ مَلَكٌ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ، يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ))؛ (حم) (18795). وفي رمضان يكثُرُ العتقُ من النيران، فــ((إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ))؛ (جه) (1643). أقبل علينا شهرُ الأخوَّة، الذي يجبُ أنْ نستعِدَّ له بصفاءِ القلوب، وسلامةِ الصدور، وبثِّ روحِ التسامُحِ والمحبّةِ والوُدِّ، والتخلِّي عن الشحناء، والأحقاد والغِلِّ والبغضاء. أقبل علينا شهر الصوم، فلنستقبلْه بالعزم فيه على أنْ نصوِّم جوارحَنا عن الشهوات والرغبات المحرمة في ليله ونهاره؛ قال سبحانه في الحديث القدسي: ((يَتْرُكُ))- أي: الصائم- ((طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا))؛ (خ) (1894). وفي رواية: ((قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))؛ (حم) (9138). وقال الأرناؤوط: صحيح، وهذا إسناد قوي. فلتصم ألسنتُنا يا عباد الله عن الغيبة والنميمة واللغو والرفث، والسبِّ والشتم، وشهادة الزور، وسائر المحرمات، في رمضان وغيره، لكن في رمضان آكد؛ ففي الحديث: ((... وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ،...))؛ (م) 21- (2657). وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))؛ (خ) (1903). ولتصم أيدينا عن السرقةِ والغشِّ في الميزان، وضربِ المظلومين، ونقلِ الإشاعاتِ والشائعاتِ عبر المنصَّات، والتحرشاتِ الجنسية، وسائر المنهيات؛ ففي الحديث: ((... وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ،...))؛ (م) 21- (2657). وقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ))- أي: بإبرة- ((مِنْ حَدِيدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ))؛ (طب) (20/ 212 ح487)، انظر: صَحِيح الْجَامِع: (5045)، الصَّحِيحَة: (226). ولنصوِّم أعيُنَنا عن نظرةِ الحسَد لإخواننا المسلمين، ونظرةِ التجسُّس والتحسُّس على الجيران والزملاء؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لَوِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أَحَدٌ، وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ))- فـ- ((خَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ))؛ (خ) (6888). ولتصم أبصارُنا عن نظرةِ الشهوة للنساء؛ قال سبحانه: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا... ﴾ [النور: 30، 31]، وفي الحديث: ((... فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ،...))؛ (م) 21- (2657). وَعَنْ عبد الرحمن بن يزيد التابعي، النخعي الكوفي الثقة، من أتباع وتلاميذ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ رحمه الله: "الْإِثْمُ حوَّازُ الْقُلُوبِ"؛ أَيْ: يحوزها ويتملَّكُها، ويغلب عليها، "وَمَا مِنْ نَظْرَةٍ إِلَّا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهَا مَطْمَعٌ"؛ (هب) (5434)، الصَّحِيحَة: (2613)، صحيح الترغيب: (1907). ولنصوِّم أسماعَنا عن الغِنَا والخَنا والفجور؛ ففي الحديث: ((... وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ،...))، (م) 21- (2657). ولنصوِّم آذانَنا عن التجسُّس والتحسُّس، مباشرة أو عبر أجهزة التنصت الحديثة؛ ففي الحديث: ((... وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ))؛ (خ) (7042)؛ أي: صُبَّ في أذنه الرصاص المذاب، وفي رواية: ((صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ))؛ (حم) (1866). ولنصوِّم أرجلَنا عن المشي إلى المحرمات والمنهيات، والأماكن المشبوهة، وبيوت الدعارة، ففي الحديث: ((... وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا...))؛ (م) 21- (2657). ولنصوِّم أفواهَنا عن المحرمات من الأطعمة والأشربة، والخمور والمخدرات، والشيشةِ والدخان، في رمضان خاصة، وفي غيره عامة، حتى تُقبلَ توبتنا، ويُستجابَ دعاؤُنا، ويباركَ لنا في أموالنا وأولادنا وأهلينا، ودينِنا ودنيانا، وتغفرَ لنا جميعُ ذنوبِنا وخطايانا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الآخرة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:يا مَن تحمَّلَ بالذنوب والخطايا طوال العام، ها قد أطالَ اللهُ لك في عُمُرِك، وفَتَحَ لك أبوابًا للتوبة، فأقْبِل فقد أقبلَ علينا رمضان، الذي هو شهرٌ تُغفَر فيه الذنوب، فلنعزمْ على قيامِه وصيامِه؛ احتسابًا لوجه الله؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))؛ (خ) (38)، (م) 175- (760). وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))؛ (خ) (37)، (م) 173- (759). خطَبَ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله آخرَ خطبةٍ خطبَها، فقال فيها: "إنكم لم تُخلقوا عبثًا، ولن تتركوا سُدًى، وإنَّ لكم معادًا ينزل اللهُ فيه للفصل بين عباده؛ فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله، التي وسعت كلَّ شيء، وحُرِم جنةً عرضُها السمواتُ والأرض، ألا ترون أنَّكم في أسلاب الهالكين، وسيرثُها بعدكم الباقون كذلك، حتى تُرَدَّ إلى خير الوارثين، وفي كلِّ يوم تشيعون غاديًا ورائحًا إلى الله، قد قضى نحبَه، وانقضى أجلُه فتودعونه، وتدَعونه في صدْعٍ من الأرض، غير موَسَّدٍ ولا ممهَّدٍ، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجهَ الحساب، غنيًّا عمَّا خلَّف، فقيرًا إلى ما أسلَف، فاتقوا الله عباد الله! قبل نزول الموت وانقضاء مواقيتِه، وإنِّي لأقول لكم هذه المقالةَ، وما أعلمُ عند أحدٍ من الذنوبِ أكثرَ مما أعلمُ عندي، ولكن أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه"، ثم رفع طرفَ ردائه وبكى حتى شهق، ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله عليه. يا ذا الذي ما كفاه الذنبُ في رجب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حتى عصى ربَّه في شهرِ شعبان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لقد أظلَّك شهرُ الصومِ بعدهما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا تصيِّرْه أيضًا شهرَ عصيان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واتل القرآنَ وسبِّح فيه مجتهدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإنه شهرُ تسبيحٍ وقرآن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فاحمل على جسدٍ ترجو النجاةَ له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فسوف تُضْرَمُ أجسادٌ بنيران https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كم كنتَ تعرفُ ممن صامَ في سَلَفٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif من بين أهلٍ وجيرانٍ وإخوان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أفناهم الموتُ واستبقاك بعدهمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حيًّا فما أقربَ القاصي من الداني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومعجبٌ بثيابِ العيدِ يقطِّعُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأصبحت في غدٍ أثوابَ أكفان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حتى يعمِّرَ الإنسانُ مسكَنَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مصيرُ مسكنِه قبرٌ لإنسان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف (ص: 149). وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نصليَ ونسلمَ على حبيبِه ومصطفاه، فقال جلّ جلاله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلّ وسلِّمْ وباركْ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. اللهم بلِّغْنا رمضانَ، واجعلنا فيه من أهل الجنان، وأعتق رقابنا من النيران، وأعنَّا فيه على الخير والبرِّ والإحسان، يا من إذا استعين أعان سبحانه هو الواحد الديان. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددته إلى أهله سالمًا غانمًا يا رب العالمين. ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]. |
الساعة الآن : 11:17 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour