طلائع رمضان
طلائع رمضان د. عبدالعزيز حمود التويجري الخطبة الأولى الحمدلله الكبيرٍ المتعال، تعالى في ربوبيتهِ، تعالى في ألوهيته، تعالى في أسمائهِ وصفاته، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:فـ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. بين الجوانح في الأعماق سكناه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكيف أنسى ومن في الناس ينساه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في كل عام لنا لقيا محببة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يهتز كل كياني حين ألقاه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بالعين والقلب بالآذان أرقُبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكيف لا وأنا بالروح أحياه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ألقاه شهرًا ولكن في نهايته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يمضي كطيف خيال قد لمحناه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في موسم الطُّهر في رمضان الخير تَجمعنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مَحبةُ الله لا مال ولا جاه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif من كل ذي خشيةٍ لله ذي ولعٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في الخير تعرفه دومًا بسيماه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قد قدَّروا موسم الخيرات فاستبقوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والاستباق هنا المحمود عُقباه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif صاموه قاموه إيمانًا ومحتسبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَحْيَوه طوعًا وما في الخير إكراه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مواسم الأرباح تَعرِض سوقَها للطالبين: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]. فضل عظيم وأجرٌ كبير لمن عرَّض نفسه لنفحات الرب الرحيم، وكفَّ نفسه عن مواطن ومواقع وقنوات تورد النفس العذاب الأليم، فهل من قائل: لئن بلغني الله رمضان لأحفظنَّ القرآن، وهل من قائل: لئن بلغني الله رمضان لأُحافِظنَّ على تكبيرة الإحرام، وهل من قائل: لئن بلغني الله رمضان لانتهينَّ من متابعة أهل السَّفه والخسران. رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، هِممٌ عالية تستنشق ريح الجنة في أنسام الظمأ، وتستعذب الرحيق في جو العبادة، واهِ لريح الجنة، إِنِّا لنجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ رمضان، لا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه، والجنة حُفَّت بالمكاره، لولا المشقةُ ساد الناس كلُّهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الجودُ يُفقر والإقدام قتَّالُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif منازل الأبرار لا تُنال إلا بجسر من التعب: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142]. الصبر على الطاعات تنال بها أعلى الجنات، والصبر عن المحرمات تقي لهيب النار. كل شي يعوَّض إلا الجنة فإنه لا عوضَ عنها، وكل شي يُستغنى عنه إلا لذةَ النظر إلى وجه الكريم جلَّ جلاله، وكل شراب وزينة تَفنى إلا الشرب والورد على الحوض. ألا لا تَحرمنَّكم مناظرُ الخزي والعار عن النظر إلى وجه الجبار جل جلاله، ألا لا تصدنَّكم قنوات ومسرحيات عن ذكر الله وعن الصلاة، ألا لايسرقنَّ أوقاتكم ويَعصِف بعقول وأبصار أهليكم وبَنيكم ساقطون جعلوا من ليال رمضان ميدانًا لتفتيت الأخلاق وزعزعة الثوابت والمسلَّمات باسم التسلية أو عودة الذكريات، إنها وربي السمُّ الزُّعاف يُسقى به عقولُ الأُسر؛ لتقتُل الغيرة، وتميت العقيدة، وتجعل المسلم متنكرًا لثوابت دينه وسنن نبيه، فهل يرجى من قنوات تبث الفسق والعَهْر أن تنشر الإصلاح والطُّهر.. ألا إن أمَامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، أو كما بين المدينة وصنعاء، مسيرته شهر، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ بعده أبدًا». ألا لا يَحولنَّ بين هذا النعيم وبين وُروده أجهزة تُورد المرء المهالك، وشبكات وبرامج ومواقع تحجز من الشرب منه، وتنازلات عن الدين وانغماس في الملهيات، تذود عن الورود في هذا المعين، ونبيكم قائمٌ على الحوض؛ يقول: أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِي، وليردنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم»، فَأَقُولُ: أُمَّتِي، فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي، مَشَوْا عَلَى القَهْقَرَى لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقًا وبُعدًا"؛ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ:«اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ»؛أخرجه البخاري. وفي خِضَمِّ تهافُت الناس في طلائع رمضان لشراء الكسوة لأهل بيتهم - ينبغي للرجل سترُ أهله وبناته عند شراء ملابسهم، فإن هذا كمال الرعاية الموجبة لستر الله في الآخرة، والحشمة في الدنيا، وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا». واتِّباع السنة في لباس الرجال والبنين فوق الكعبين: (وما أسبل من الكعبين من الإزار ففي النار)، (ومَن جرَّ ثوبه خُيَلاءَ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة). أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربكم رحيم ودود. الخطبة الثانية الحمدلله ربِّ العالمين والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على خير خلقه وعلى أصحابه والتابعين، أما بعد: النور شاع بكل مكانٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والكون مُصغ والنجوم روانُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعلى الوجوه نضارةُ الإيمان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا للجمال يشع في "رمضان" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ألا تستثقلوا أقدامًا تنصب لله في التراويح والقيام، ولا تستبطؤوا دقائقَ يُتلى فيها كلام العزيز العلام، قام نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى تورَّمت قدماه وهو العبد الشكور وقد غُفرت ذنوبه، ورأى قصره في الجنة؛ قال أبو ذرٍّرضي الله عنه: صُمنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رمضانَ، فلم يقم بنا شيئًا من الشهر، حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتَّى ذهب ثُلُثُ الليل، فلما كانت السادسةُ لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتَّى ذهبَ شطرُ الليل، فقلت: يا رسولَ الله، لو نفَّلْتنا قيامَ هذه الليلة، قال: فقال: "إن الرجُلَ إذا صَلَّى مع الإمام حتى يَنصِرِفَ، حُسِبَ له قيامُ ليلة"؛ قال: فلما كانت الرابعةُ لم يقُمْ، فلما كانت الثالثةُ، جَمَعَ أهلَه ونساءه والناسَ, فقام بنا حتى خَشِينا أن يفوتَنا الفلاحُ؟ قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السُّحور، قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ومما يجدر التذكير به أن مدار الأحكام والتعاملات على أمور ميسرة يعرفها العامة والخاصة، وبناءً على ذلك فقد علَّق الشارعُ الأحكامَ المرتبطة بالأشهر على الأهلة بإحدى طريقتين: • إما رؤية الهلال، وإما إكمال العدة ثلاثين. وهما طريقتان ميسرتان، يعرفهما عمومُ الخلق، فهو ربط بأمرٍ محسوس يستوي في إدراكه جميع البشر، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له). وفي حديث ابن عباس: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تُفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين). وأصح المعلومات ما شوهِد بالبصر، وسُمِّي الهلال هلالًا لظهوره وبيانه، والحكم مبني على رؤية الهلال بالبصر، لا على ولادته ولا على وجوده في السماء، فإن لَمْ يُرَ بالبصر أكمل الناس عدة الشهر ثلاثين يومًا، ففي الحديث الصحيح: (فإن حال دونه غمامة فأتِمُّوا العدة ثلاثين)؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ألا يدخل في صوم إلا برؤية محقَّقة، أو بشهادة شاهد واحدٍ، فإن لم يكن رؤية ولا شهادة، أكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا. اللهم بلِّغنا رمضان على أحسن حال، وأعنَّا فيه على الصيام والقيام، ومداومة قراءة القرآن، وجميع خصال الإيمان. |
الساعة الآن : 11:44 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour