ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   يذهب الصالحون الأول فالأول.. (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=275670)

ابوالوليد المسلم 26-03-2022 06:09 PM

يذهب الصالحون الأول فالأول..
 
يذهب الصالحون الأول فالأول..
د. عبدالعزيز حمود التويجري


الخطبة الأولى


الحمد لله الولي الحميد، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبِعهم بإحسان على يوم الدين، أما بعد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].

تموت النفوس بأوصابها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولم يدر عوادها ما بها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وما أنصفت مهجة تشتكي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أذاها إلى غير أحبابها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


تتصرم الأعوام سراعًا، وتخطفت المنايا فيها أحبابًا وأصحابًا وعبادًا، «يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ، الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُثَالَةٌ كَحُثَالَةٌ الشَّعِيرِ، أَوِ التَّمْرِ، لاَ يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بهم بَالَةً»؛ أخرجه البخاري.

كم نودع من أحباب وأصحاب وأقربين كانوا بيننا مِلء السمع والبصر، جاءهم القدر:
وَما هُوَ إِلَّا المَوتُ يَأتي لِوَقتِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَما لَكَ في تَأخيرِهِ عَنكَ مَدفَعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



لا يعلم المرء متى يفجؤه الأجل، وينقطع به الأمل: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: 34].

الموت راحة من التعب، وتوقف عن المعاناة والنصب.
وما الموت إلا راحة من متاعب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأهوال دهر زعزعت كل فاضلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



بالموت تنتهي مرحلة الابتلاء، وتبتدئ مرحلة الثواب والجزاء، والموت عظة واعتبار، ودليل على قدرة القوي القهار، وفي الذكر الحكيم: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 1، 2].

لا جزع ولا مهرب من الموت ﴿ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا، أغفلنا أم تذكرنا، هو باب وكل الناس داخله، وكأس وكل الناس شاربه، ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ يموت الغني كما يموت الفقير، يموت الصحيح كما يموت السقيم، يموت القوي كما يموت الضعيف، يموت صاحب المنصب الرفيع كما يموت الوضيع.

كُلُّ امرئٍ مصبحٌ في أَهلِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَالمَوت أَدنى مِن شِراكِ نَعله https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





يتبع

ابوالوليد المسلم 26-03-2022 06:10 PM

رد: يذهب الصالحون الأول فالأول..
 
حقيقة يجب ألا نغفل عنها وإن كثرت أموالنا، حقيقة يجب ألا تغيب عن أذهاننا وإن صحة أجسادنا.
هو الموت لا منجى من الموت والذي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نحاذر بعد الموت أنكى وأفظع https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



قال أبو العتاهية:
ورحى المنيَّة تطحن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



كم من مستقبل يومًا ليس بمستكمله، ومنتظر غدًا ليس من أجله؛ لو رأيتم الأجل ومسيره، بغضتم الأمل وغروره.

من تذكر الموت أحسن العمل، وابتعد عن الكسل، وأحب فعل الخيرات واجتنب المنكرات، ورأى في الموت راحة من التعب، ونجاة من الوصب، واستبشر لقدومه واستعد، (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ).
وإني لأرجو الله حتى كأنَّني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أرى بجميل الظَّنِّ ما الله صانع https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



قال بعض السلف: "ما من مؤمن إلا والموت خير له من الحياة ﴿ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ".
جزى الله عنا الموت خيرًا فإنه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أبر بنا من كل بر وأرأف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يعجل تخليص النفوس من الأذى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويدني من الدار التي هي أشرف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


«وخَيْرٌكم، مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ».

فمن الناس ما تزيده الأعوام إلا رفعةً في إيمانه، وثباتًا في دينة، ورقيًّا في خلقه، وشموخًا في همته، ومنهم من يضيع نفائس عمره، وجوهرة شبابه، خلف شهوات النفس، وأماني الأحلام، فما تزيده الأعوام إلا تذبذبًا في المنهج، وضعفًا في الإيمان، فتزل القدم عند أول عاصفة، وتتعثر الخطى عند أول فتنة، ويحتار العقل عند أي شبهه، فلا يقين يثبته، ولا علم يهديه، «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا».

ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ».

اللَّهُمَّ فاجعلنا مِمَّن يتأملُ العبر، ويخشى الْغَيْر، ويستعدُّ لليوم المفر، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربكم لغفور شكور.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:
فالدنيا مراحل، والإنسان فيها يمضي بعمره يتخطى تلك المراحلَ مرحلةً مرحلةً، ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54].

إنا لنفرح بالأيام نقطعها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكل يوم مضى يدني من الأجل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاعمَل لنفسك قبلَ الموت مجتهدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنما الربح والخسران في العمل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لا شطط ولا تثريب أن يستمتع الإنسانُ بالطيبات من مسكنٍ ومركبٍ ومأكلٍ ومنكح، ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف: 32].


ولكن العتب والشطط والخسران الإغراق بها حتى تثقل عن طاعة الله، أو تستخدم فيما حرم الله، أو تلهي عن تذكر الجزاء والحساب، أو تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

قال الله عن سليمان عليه السلام: ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [ص: 30 - 33].


قال غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْمُفَسِّرِينَ: عُرضَ على سليمانَ عليه الصلاة والسلام فِي حَالِ مَمْلَكَتِهِ وَسُلْطَانِهِ الْخَيْلُ الصَّافِنَاتُ وَالْجِيَادُ السِّرَاعُ، فاشْتَغَلَ بِعَرْضِهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ فقال: رُدُّوهَا عَلَيَّ، وَاللَّهِ لَا تَشْغَلِينِي عَنْ عِبَادَةِ رَبِّي آخِرَ مَا عَلَيْها، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُقِرَتْ وضَرَبَ أَعْنَاقَهَا بِالسُّيُوفِ.


فلَمَّا خَرَجَ عَنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى عوضه الله عز وجل مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَهِيَ الرِّيحُ الَّتِي تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ، غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ، فَهَذَا أَسْرَعُ وَخَيْرٌ مِنَ الْخَيْلِ.

وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه أغنى الصحابة مالًا، وأعرقهم نسبًا وحسبًا، وتحت ملكه البلدان والأمصار، ومع هذا فهو القانت لربه، المنفق على عباده، العادل في رعيته، يُقَطِّعَ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنًا، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].


اللهم زدنا علمًا وعملًا ورزقًا وتوفيقًا.
اللهم بارِك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وفي أرزاقنا وذرياتنا، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.







الساعة الآن : 11:50 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 21.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.31 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.63%)]