نازلة كورونا
نازلة كورونا (1) : العدوى الشيخ خالد فوزي عبدالحميد حمزة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد.. فقد ظهر (فيروس كورونا)، وبدأ الحديث عنه، وتلاه العديد من التداعيات، من انتشار الوباء في الصين ثم خروجه عن الحدود الصينية، ثم انتشاره في أكثر دول العالم، وإعلان منظمة الصحة أنه وباء عالمي، ثم ما ابتلينا به من تعليق العمرة، وقفل بكة (محل الطواف)، وقفل الحرمين ليلًا، ثم تعليق الدراسة وأعمال الحكومات في العديد من البلدان، ثم الأذان في المساجد: (صلوا في رحالكم)، وانتهاء بحظر التجول في العديد من البلدان، ولا ندري ماذا يكون بشأن الحج؟ ولايزال الفيروس منتشرًا، لا يتخير فقيرًا دون غني، ولا مرؤوسًا دون رئيس، بل الابتلاء صار عامًا. ومنذ البدايات، والناس في حيرة، فالأطباء في حيرة من هذا الفيروس الخطير، والمعلومات عنه ليست كاملة، وتطوره محتمل، وطريقة انتشاره باللمس، مع احتمالات أخرى، ومن ثم كانت نازلة عامة، وبدأت الفتاوى العلمية تظهر من كثير من أهل العلم، على تباين فيها بالنسبة لموضوع العدوى وحدودها، ولا أريد أن أضيف ترجيحًا لهؤلاء أو هؤلاء، لكن مما لا شك فيه أن هذا الوباء شديد الانتشار، وعدواه شديدة، وهذه العدوى بإذن الله تعالى، فالمرض لا ينتشر بنفسه، وإنما ينظر المؤمن إلى قدرة الله تعالى في ابتلاء من شاء ومعافاة من شاء، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « لا توردوا الممرض على المصح ». وعنه رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا عدوى »، فقام أعرابي فقال: أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء فيأتيها البعير الأجرب فتجرب؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: « فمن أعدى الأول؟ »، فالأعرابي أراد إثبات العدوى، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو كان المرض ينتقل بنفسه للإبل من جمل مريض، فمن أعدى هذا المريض؟ فالله ابتدأ المرض فيه وقدره فكذلك في الآخرين، فالعدوى المنفية هي ما كانت تعتقده الجاهلية، لا العدوى التي تحصل بالأسباب بقدر الله تعالى، وللشيخ محمد رشيد رضا رأي دقيق في هذا الحديث، كما في "مجلة المنار" (18/593)؛ قال: ( ولا يخفى أن المرض عرَض لا يمكن أن يقوم بذاته، وعليه، فيستحيل أن ينتقل، المرض من شخص إلى آخر، وهذا مما يُفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: « لا عدوى »؛ أي: لا ينتقل المرض، وهذا حق، أما انتقال جراثيمه، فهو أمر كانت تجهله العرب، فلم يكن حديثهم، ولا، حديث الرسل فيه، وأيضًا قد ينتقل الميكروب، ولا يحدث المرض كما سبق في باب الوقاية، فليس انتقال الميكروب شرطًا لحدوث المرض، ومن الميكروبات ما يكون منتشرًا في الهواء أو الطين أو غيرهما، وهي التي أصابت الأول المذكور في الحديث، والميكروبات التي تصل إلى الإنسان لا تحدث فيه المرض إلا إذا كان مستعدًّا له، والاستعداد يكون بأسباب وأحوال أرادها الله تعالى، وجعل السبب فيها على قدر المسبب، وذلك ما يسمى بالقدر في الأحاديث، فالأساس الأصيل في حدوث الأمراض هو القدر، ولولاه لما فعلت الميكروبات بالجسم شيئًا مطلقًا، وحكمة ذكر هذه الأحاديث بعد نصه صلى الله عليه وسلم على وجوب الابتعاد عن المرضى، وتعليله ذلك بأنه أذى، أي ضرر، هي أن الإنسان يجب عليه أن لا يتغالى في أمر العدوى بمجرد اقترابه من المريض؛ فإن ذلك يحدث في الجسم وهمًا، ووسوسة، قد يؤديان إلى ضعف حقيقي في الجسم أو العقل، ويؤدي بالناس إلى الامتناع عن تمريض المريض، أو معالجته لمجرد الوهم، وفي ذلك ما فيه من الضرر. ولذلك تجد الأطباء لا يبالون بالوسوسة في أمر العدوى،... والخلاصة أن الخوف من العدوى يجب أن يكون في دائرة العقل، فلا يجوز أن يفرط الإنسان فيها، ولا يجوز أن يفرط من الرعب منها؛ فإن ما قدر الله للإنسان من حيث قوة بنيته أو ضعفها ومقاومتها للأمراض، لا بد أن يكون، وإذا فرض أن امرًا كان مستعدًّا لمرض لأتاه المرض من حيث لا يحتسب؛ فلذا كان الواجب الاعتدال في العدوى كما هو واجب في كل شيء). انتهى كلامه رحمه الله. وعليه فهذا الفيروس هو من البلاء، والتحرز منه مطلوب شرعًا وعقلًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد »؛ رواه البخاري وغيره، كما ورد في مسلم: أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: « إنا قد بايعناك فارجع »، بل يطلب من المجذوم الابتعاد عن المساجد وعلله الحافظ في "الفتح" بالرائحة، فعلق عليه الألباني في "الثمر المستطاب" [ 1/ 663]، وقال: (إلا أنه قد يقال: إنه يجوز منع المجذوم لا لعلة الرائحة بل لأن داءه يعدي فيضر المصلي وهو مأمور بالابتعاد عنه بقوله عليه الصلاة والسلام: « فر من المجذوم فرارك من الأسد ». ولما كان تطبيق هذا الأمر يستلزم ابتعاد المصلين جميعا أو بعضهم عن المسجد وتعطيل صلاة الجماعة أو تقليلها ولا يخفى ما في ذلك من المخالفة، ولذلك يقتضي أن يمنع المجذوم من هذه الوجهة ويلحق به كل من به داء معد. والله أعلم). كما علق الألباني على الحديثين؛ «لا يورد ممرض على مصح»، «فمن أعدى الأول» بقوله: (وجملة القول: أن الحديثين يثبتان العدوى وهي ثابتة تجربة ومشاهدة، والأحاديث الأخرى لا تنفيها وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى، الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة، عنه تعالى لشركهم وضلالهم وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية، فلهؤلاء يقال: «فمن أعدى الأول؟»، فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب، فهو يذكر بها، ويقال له كما في حديث الترجمة: «لا يورد الممرض على المصح»؛ أخذًا بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في بعض الأحاديث المتقدمة: «وفر من المجذوم فرارك من الأسد». هذا هو الذي يظهر لي من الجمع بين هذه الأخبار). اهـ من "السلسلة الصحيحة" (3/45 - ح971). وعليه فالمؤمن يتحرز من العدوى، ويعلم أنه لن يغني حذر من قدر، فيزداد في التوكل على الله تعالى، فالأمر كله لله، وبالله التوفيق. |
رد: نازلة كورونا
نازلة كورونا (2) : الشيخ خالد فوزي عبدالحميد حمزة الطاعون الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد.. مرض كورونا وباء، والوباء كما قال العلماء: مرض عام يفضي إلى الموت غالبا، فهو سرعة الموت وكثرته في الناس، وقد جاءت النصوص في تسمية الطاعون وباءً، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم)، ومرادهم الطاعون، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الطاعون رجز سلط على من كان قبلكم أو على بني إسرائيل فإذا كان بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه وإذا كان بأرض فلا تدخلوها) وهو لفظ مسلم، وفي رواية لأحمد على شرطهما عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الوباء رجز أهلك الله به الأمم قبلكم وقد بقي منه في الأرض شيء يجيء أحيانا ويذهب أحيانا فإذا وقع بأرض فلا تخرجوا منها فرارا وإذا سمعتم به في أرض فلا تأتوها). إلا إن الوباء أعم من الطاعون، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)، وفي رواية في المسند: (المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك لا يدخلها الدجال ولا الطاعون)، وقد وقع الوباء بهما، فثبت أن الوباء أعم. والطاعون مرض بكتيري كما يذكر الأطباء، ولذلك يعالج الآن بالمضادات الحيوية، وقد ثبت في المسند وغيره عن أبي موسى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فناء أمتي بالطعن والطاعون فقيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهداء)، أو (شهادة)، وفي رواية الطبراني [وحسنه الألباني]: (الطاعون شهادة لأمتي، وخز أعدائكم من الجن، غدة كغدة الإبل، تخرج بالآباط والمراق، من مات فيه مات شهيدا؛ ومن أقام فيه؛ كان كالمرابط في سبيل الله، ومن فر منه كان كالفار من الزحف)؛ ولا تعارض بين كونه وخز الجن، وبين كون مسببه البكتيريا، لأن وخز الجن لا يمتنع أن يكون بها، فهذه أمور غيبية، وعلى اختيار الشيخ محمد رشيد رضا، يكون الجن المراد في هذا الحديث خاصة هي الميكروبات الخفية، لأن مادة الجيم والنون تفيد معنى الستر والخفاء، فالميكروبات "مسلطة على الإنسان وهو مسلط عليها بالعلم الصحيح، وإن كان لمَّا يقدر على كثير منها بعد تمكنها في الجسم" [مجلة المنار 5/51]، فعلى هذا يكون كل وباء بسبب وخز الميكروبات هو من الطواعين، لكن تقدم أن الوباء أعم لأنه يقع بالمدينة، والطاعون لا يقع بها. وكونه (وخز الأعداء من الجن) قد يحمل على العموم فإن مؤمني الجن أعداء لكفار الإنس، وكافري الجن أعداء لمؤمني الإنس. والطاعون عموماً يوجب الحجر الصحي، لئلا يُفر من قدر الله، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم. قال ابن عباس فقال عمر ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشأم فاختلفوا فقال بعضهم قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه؛ وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال ارتفعوا عني ثم قال ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال ارتفعوا عني ثم قال ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء؛ فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله؛ أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال إن عندي في هذا علما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه"، قال فحمد الله عمر ثم انصرف). فهذا الحجر هو الوارد في الطاعون، لكن هل يعم هذا الحجر كل وباء؟، الظاهر نعم يعمه؛ وقد قال الشيخ ابن عثيمين: (وقيل إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة كالكوليرا وغيرها؛ وهذا أقرب؛ فإن هذا إن لم يكن داخلا في اللفظ فهو داخل في المعنى؛ فكل وباء عام ينتشر بسرعة فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على البلد الذي حل فيها هذا الوباء وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها لأنكم تخرجون منها فرارا من قدر الله لو فررتم فإنكم مدركون لا محالة ولهذا قال لا تخرجون منها فرارا منه، أما خروج الإنسان منها لا فرارا منه ولكن لأنه أتى إلى هذا البلد لحاجة ثم انقضت حاجته وأراد أن يرجع إلى بلده فلا بأس) اهـ، وهذا هو ما قرره ابن حجر في كتابه الذي صنفه لما فقد ثلاثة من بناته في الطاعون، وأسماه "بذل الماعون في فضل الطاعون" [ص273]؛ فقد ذكر أن النهي عن الخروج على ما إذا تمحض للفرار، أما إذا كان لحاجة أخرى فلا يدخل تحت النهي، وحمل عليه كتاب عمر إلى أبي عبيدة يأمره بالرحيل إليه. وأما كون الطاعون من انتقام الله إذا انتهكت حرماته؛ فهو لا ينافي كونه شهادة لمن لم يقترف هذه المعاصي كما قرره ابن حجر في بذل الماعون [ص214]، فهو رحمة للمؤمنين وعذاب على الكافرين. وعلى المؤمنين التوجه إلى الله لسؤال العافية، والصبر على القضاء والرضا به، وحسن الظن بالله. فهو خير له، ففي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، وبالله التوفيق. |
رد: نازلة كورونا
نازلة كورونا (3) : الشيخ خالد فوزي عبدالحميد حمزة الصبر شهادة.. والوقاية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.... أما بعد.. فقد تقدم في المقال السابق أن الوباء أعم من الطاعون، وأن الذي يموت بالطاعون يكون شهيدًا للنص الوارد، فهل يحتمل أيضًا أن يكون الصابر على الوباء العام شهيدًا، وإن لم نقل إنه طاعون؟، الظاهر: أنه يكون شهيدًا وإن لم يكن الوباء طاعونًا لما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله). وفي الموطأ والمسند وغيرهما [وصححه الألباني]: (الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المقتول في سبيل الله شهيد، والمطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة). فوباء كرونا - إن شاء الله - لا يخرج عن هذه الأنواع؛ فالمسلم المبتلى به إن لم يدخل في المطعون؛ فهو يدخل في (المبطون)، لأن المراد به من اشتكى بطنه للإسهال، ويدخل فيه كذلك من مات بشيء في بطنه. وقد يدخل (كورونا) أيضًا في مرض (ذات الجنب)، فإن الأطباء يذكرون أنه التهاب الجنبة (pleurisy)، وأنه بسبب التهاب فيروسي، وقد ذكر ابن القيم وغيره: أنه (يلزم ذاتَ الجنب الحقيقي خمسةُ أعراض، وهى: الحُمَّى، والسعال، والوجع الناخس، وضيق النَّفَس، والنبضُ المنشاري)، وهي من أعراض كورونا كوفيد 19، مع زيادة ذات الجنب احتمال وجود سوائل مما يستدعي البذل من الجنب، بل قد يكون في الدواء النبوي لذات الجنب الأمل في شفاء كورونا والله أعلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم قيس رضي الله عنهـا: (عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب). لكن نبه العلماء على أن كل ما ورد في الوصف بالشهادة فهو في الفضل دون شهيد المعركة، إلا ما ورد في الطاعون خاصة فإنه يساويه، ويدل عليه - كما قال العلماء -: ما روى النسائي [وصححه الألباني] عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول الشهداء: إخواننا قتلوا كما قتلنا، ويقول المتوفون على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا، فيقول ربنا: انظروا إلى جراحهم فإن أشبه جراحهم جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم). كما أن من أراد بلوغ أجر الشهيد لابد أن يصبر ويحتسب، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنهـا قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان مثل أجر شهيد)، وقد جاء في المسند بلفظ: (في بيته) لكن رواية (في بلده) أصح. بقي أن نتكلم عن الوقاية، فقد ذكرت منظمة الصحة أن من أهم أسباب الوقاية النظافة، ومنها تكرار غسل الأيدي بالماء والصابون، وأخذ الثوب في العطاس ونحو ذلك، ولا يخفى أن الإسلام جاء بهذه وزيادة، ففي الكتاب العزيز: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]. وفي السنة كذلك: ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان)، وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، وفي سنن أبي داود [وصححه الألباني] قال صلى الله عليه وسلم: (من نام وفي يده غَمَر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)؛ والغَمَر: بالتحريك الدسم والزهومة من اللحم، وفي سنن النسائي [وصححه الألباني] عن عائشة رضي الله عنهـا قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت غسل يديه ثم يأكل أو يشرب)، وحيث لم يكن ثمة صابون، فقد ورد مسح اليدين بالتراب أو الجدار؛ ففي صحيح البخاري عن ميمونة رضي الله عنهـا قالت: (وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا وسترته فصب على يده فغسلهما مرة أو مرتين ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل فرجه ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه ثم صب على جسده ثم تنحى فغسل قدمه). وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه وغض بها صوته)؛ [وصححه الألباني]، وفي الطبراني وغيره [وصححه الألباني]: (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها). وفي الصحيحين عن أبي هريرة رواية: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب)، ولمسلم عن عائشة قال رسول الله رحمه الله: (عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء، قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة)، ومعنى انتقاص الماء يعني الاستنجاء، والبراجم: جمع برجمة وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها. وعليه؛ فإن ما تطلبه منظمة الصحة الآن، هو من هدي الإسلام. ثم إن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، ففي الكتاب العزيز: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وفي الترمذي [وحسنه الألباني]: (قال رجل يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال اعقلها وتوكل). وبالله التوفيق. |
الساعة الآن : 03:49 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour