ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القصة والعبرة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=32)
-   -   اختيار الزوج في عرف الحرائر: ماوية بنت عفزر نموذجا (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=265310)

ابوالوليد المسلم 16-09-2021 10:16 PM

اختيار الزوج في عرف الحرائر: ماوية بنت عفزر نموذجا
 
اختيار الزوج في عرف الحرائر: ماوية بنت عفزر نموذجا
محمد فريد فرج فراج




كيف تزوج حاتم ماوية؟


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم.
ألا إن الحياة ليست إلا مجموعة من المحطات للإنسان، والمفارق للطرق، وبناءً على اختيار الإنسان للطريق الذي يسلكه في كل مَفرق من مفارقها، ينبني على هذا الاختيار سعادته أو شقاؤه في الدنيا والآخرة، نسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من السعداء في الدارين، ونعوذ برحمته من الشقاء فيهما، أو في إحداهما.

من أهم مفارق الطرق التي تقابل الإنسان - سواء أكان ذكرًا أم أنثى - اختيار الزوج، وهو من أعظم الدلائل على عقل المختار ودينه وفَهمه، وتصوُّره للحياة ومفهومه عنها!
وفي هذا الصفحة الذهبية من تراثنا العربي الزاخر تَضرب لنا ماوية بنت عفزر مثلًا رائعًا للحرة الشريفة في اختيار بعلها ورجلها الذي تأتَمنه على نفسها.

وذلك عندما ذهب حاتم الطائي لخِطبتها - وهو مَن هو في السيادة والشرف والكرم - ولكن ماوية ليست كغيرها من النساء الخاملات، فهي من بنات ملوك اليمن، وحَرِيٌّ بمثلها أن تعطينا نموذجًا مشرِّفًا عمن في مثل حسبها ورَجاحة عقلها، باهِرِ الاتِّزان.
فلا عجب إذًا ممن كانت مثل ماوية أن يتكاثر الخُطَّاب على بابها، وهذا ما حدث عندما أتى حاتم ماوية بنت عفزر يَخطبها، فوجد عندها النابغة الذبياني ورجلًا من النَّبيت يَخطبانِها!

وكان عليها حينئذ أن تكشف لنا عن نصيبها من العقل والحكمة والفطانة بفقه الاختيار لمن تُسلس له زمامَ أمرها، وتنقاد إليه بطوعها!
فقالت لهم معلنة الاختبار: انقلبوا إلى رِحالكم، وليقل كل رجل منكم شعرًا يذكر فيه فِعاله ومنصبه، فإني متزوجةٌ أكرمَكم وأشعرَكم، فانطلقوا ونحر كل رجل منهم جزورًا.

ثم لبست ماوية ثيابًا بالية لأَمَةٍ لها واتَّبعتْهم، فأتت النبيتيَّ فاستطعمتْه، فأطعمها ذنبَ جزوره، فأخذتْه، وأتت النابغة فأطعمها مثل ذلك، فأخذته، وأتت حاتمًا وقد نصَب قُدُوره، فاستطعمته،
فقال: انتظري حتى تبلغ القدر إناها، فانتظرت حتى بلغت، فأطعمها أعظمًا من العَجُز وقطعةً من الحارك، ثم انصرفت، وأهدى إليها النابغة والنبيتي ظهرَي جزوريهما، وأهدى إليها حاتم مثل ما أهدى إلى امرأة من جاراته، وصبَّحوها، فاستنشدتهم، فأنشدها النبيتيُّ:
هلَّا سألتِ هداكِ الله ما حسَبي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عند الشتاءِ إذا ما هبَّتِ الريحُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وردَّ جازِرُهم حرفًا مُصرَّمةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في الرأسِ منها وفي الأنقاءِ تَمليحُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا اللقاحُ غدتْ مُلقًى أَصِرَّتُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا كريمَ مِن الوِلدان مَصْبوحُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ثم استنشدت النابغة فأنشدها:
هلَّا سألتِ بَني ذبيانَ ما حسَبي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا الدُّخَانُ تَغشَّى الأشْمطَ البَرَمَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وهبَّت الريحُ مِن تِلقاء ذي أُرُلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تُزجى مع الصُّبح مِن صُرَّادِها صِرَمَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إني أُتَمِّمُ أَيساري وأمْنَحُهمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَثنى الأيادي وأكْسو الجَفْنةَ الأُدُمَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ثم استنشدت حاتمًا فأنشدها:
أَماويَّ إن المال غادٍ ورائحُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويَبقى مِن المال الأحاديثُ والذكرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أماويَّ إني لا أقول لسائلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا جاء يومًا: حلَّ في مالِنا نَذرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أماويَّ إما مانعٌ فمُبَيِّنٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإما عطاءٌ لا يُنَهْنِهُه الزَّجرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أماويَّ ما يُغني الثراء عن الفتى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا حشرَجت يومًا وضاق بها الصدرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أماويَّ إن يُصبح صداي بقَفرةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من الأرضِ لا ماءٌ لديَّ ولا خَمرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ترى أن ما أنفقتُ لَم يكُ ضرَّني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأن يديْ مِمَّا بخِلتُ به صِفرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يتبع




ابوالوليد المسلم 16-09-2021 10:16 PM

رد: اختيار الزوج في عرف الحرائر: ماوية بنت عفزر نموذجا
 
وقد علِم الأقوامُ لو أن حاتمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أراد ثراءَ المال كان له وَفْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فلما فرغ من إنشاده دعت ماوية بالغداء، فقدمت إلى كل رجل ما كان أطعمها، فنكَّس النبيتيُّ والنابغة رأسيهما، فلما رأى حاتم ذلك رمى بالذي قدِّم إليهما، وأطعمهما مما قدِّم إليه، فتسللا لواذًا، فتزوجت حاتمًا.

وفيها يقول:
وإني لَمِزْجاءُ الْمَطيِّ على الوجَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وما أنا مِن خُلَّانك ابْنةَ عَفْزَرَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فلا تَسأليني واسْألي: أيُّ فارس https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا الخيلُ جالَت في قَنًا قد تكسَّرَا؟! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وإني لوهَّابٌ قَطُوعي وناقتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا ما انْتَشَيْتُ والكُميتَ المُصدَّرَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وإني كأشلاءِ اللجامِ ولن ترى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أخا الحربِ إلا ساهِمَ الوجهِ أغبَرَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أخو الحربِ إن عضَّت به الحربُ عضَّها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن شمَّرتْ يومًا به الحربُ شمَّرَا[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فتأمل كيف كانت هذه الفتاة البكر الأريبة اللبيبة ميمونة النقيبة راجحة العقل!

1- لقد أدركت ماوية أن الجود والكرم أهم سمات الزوج؛ لأن كرم النفس وجودها يدل على أصالة معدنها، خلاف البخل والشح، فهو علامة اللؤم، وأمارة الخسة، وبرهان الدناءة.

2- كما علمت أن حقيقة الكرم لا يكون إلا لمن لا يعرفه الكريم، ولا يرجو ثوابه أو جزاءه على كرمه.
فليس الكريم الذي يسخو بالعطاء على مَن يعرفهم، أو يرجو شكرهم، ويبغي ثناءهم، وينتظر جزاءهم له على كرمه، فإنما ذلك تاجر مستثمر يعطي ليأخذ، وليس كريمًا يعطي للكرم وسمو النفس.
أما الكريم الجواد هو من يعطي الفقير المغمور الذي لا يرجو نواله، ولا ينتظر مكافأته وإحسانه، ولذلك ذهبت في هيئة رثة، وثياب بالية، وفي مِسلاخ أَمةٍ، وهي حالة لا يُكرمها إلا كريم النفس، ولا يجود عليها إلا جواد الطبع.

3- كما علمت ماوية أن حقيقة الكرم ليس العطاء المجرد، فلا يكون المرء كريمًا إلا أن يعطي مما يحبه وتهواه نفسه، أما أن يعطي الإنسان شيئًا حقيرًا، فلا يدل به إلا على حقارة نفسه.


4- تأمل كيف أخبرت ماوية الناس بقرارها الأخير، وكيف كشفت لكل منهم حقيقة نفسه، وخبثَها ودناءتها.

وأخيرًا: اذكروا أن هذه أخلاق ماوية وهي امرأة وليست رجلًا، وأن هذا سَمت حاتم وهو كافر، وليس مسلمًا.
لقد تأثرت بهذه الصفحة المشرقة من صفحات تراثنا العربي القديم، ولا سيما في عصر قد تزور فيه صديقَك فلا تجود نفسه بكوب من الشراب البارد!

لعلها تُحرك فينا كرم الإسلام، أو نخوة العرب، أو شهامة الرجولة، أو تستدعي أي معنى من المعاني الجميلة التي افتقدناها في حياتنا المعاصرة الحزينة!
وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.


الساعة الآن : 04:53 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 18.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.66 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.72%)]