ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   كيف تطيل عمرك بالحسنات (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=263568)

ابوالوليد المسلم 08-08-2021 12:09 AM

كيف تطيل عمرك بالحسنات
 
كيف تطيل عمرك بالحسنات (1)
















د. أمير بن محمد المدري




الحمد لله الكريم الحليم، الحمد لله الغفور الرحيم، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، وله الحمد حتى يرضى، وله الحمد إذا رضي، وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، رب الأرض والسماء، مالك الملك والملكوت ذي العزة والجبروت:





يا من تُحل بذكره عُقَد النوائب والشدائد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يا من إليه المشتكى واليه أمر الخلق عائد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يا حي يا قيوم يا صمدٌ تنزه عن مضاد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أنت العليم بما اُبتلينا به وأنت عليه شاهد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فرِّج بجودك كربَنا يا من https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

له حُسن العوائد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif












وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمد رسول الله ما من خيرٍ إلا ودلَّنا عليه ومن شر إلا وحذَّرنا منه.





إن البرية يوم مبعث أحمد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نظر الإله لها فبدَّل حالها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



بل كرَّم الإنسان حين اختار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

من خير البرية نجمها وهلالها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



لبس المرقع وهو قائد أمةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

جبت الكنوز فكسَّرت أغلالها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



لما رآها الله تمشي نحوه لا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تبتغي إلا رضاه سعى لها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2].








﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، أما بعد:







فيقول الله تعالى في كتاب العزيز: ﴿ وهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [سورة الفرقان: 62]، وأقسم الله تعالى بالزمن فقال: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1 - 3].







أوقاتنا أعمارنا ساعاتنا أيامنا، إما أن نُكتب بها من الفائزين أو من الخاسرين، وذلك بحسب اغتنامنا لهذه الأوقات والأزمان، ولذلك أقسم الله تعالى بأجزاء اليوم بأول النهار وبآخر النهار؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل: 1، 2]، وقال جل وعلا: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر: 1، 2] لماذا يقسم الله تعالى؟







يُقسم ربنا بهذه الأوقات حتى نعلم قيمتها، ونصونها ونحفظها، ولا نعمل فيها إلا خيرًا، فهذا العمر الذي تعيشه أيها العبد هو المزرعة التي تَجني ثمارها في الدار الآخرة، فإن زرعته بخير وعملٍ صالح، جنيتَ السعادة والفلاح، وكنت من الذين يُنادى عليهم في الدار الآخرة: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 24]، وإن ضيَّعته بالغفلات وزرعته بالمعاصي والمخالفات، ندمت يوم لا تنفعك الندامة، وتمنَّيت الرجوع إلى الدنيا يوم القيامة، فيقال لك: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37]؛ أي: ألم نجعل لكم عمرًا - ما يتذكر فيه من تذكَّر، وجاءكم النذير؛ أي الشيب، وقيل: النبي، وقيل: القرآن.







أيها المسلمون، لا تحسبوا أن أوقاتنا تذهب هدرًا بعد انقضائها لا حساب ولا عقاب، فقد صَحَّ عن الرسول أنه قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عُمُرِه فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به»؛ [أخرجه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب [126].







وأخبر النبي أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه، ولا بد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت، وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات؛ يقول: (نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة، والفراغ)؛ [رواه البخاري].







عباد الله:





ولو أنا إذا متنا تُركنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لكان الموت راحة كلِّ حي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ولكِنَّا إذا متنا بعثنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ونُسأل بعدها عن كل شي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif











عبد الله، «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»؛ [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي].







وقد كان سلفنا الصالح أحرصَ ما يكونون على أوقاتهم لمعرفتهم بأهميتها، قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يَزد فيه عملي»، وقال أحد السلف: «من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد ورَّثه، أو حمد حصَّله، أو خير أسَّسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه».







عباد الله، هدف المسلم في الحياة الدنيا يختلف عن غيره من الناس، فليس هدفه الأكل والشرب، وقضاء الشهوة كما هو حال الحيوان والكفار، ولكن هدفه أن يعبد الله الذي خلقه، وأن يستغل حياته ووقته في الأعمال الصالحة، وبمصطلح تجاري أدق أن يجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات في هذه الحياة قبل حلول الأجل، والانتقال من هذه الدار، لينال رحمة الله ورضوانه، ولترتفع درجته في جنات النعيم.







ولكن المشكلة الكبرى التي تواجهنا هي أن حياتنا محدودةٌ ومعدودةٌ بسنواتٍ وأيام، بل بثوان ولحظات، لا نستطيع أن نزيد فيها لحظة واحدة، فعمرنا قصير مقارنة بأعمار الأمم السابقة التي كانت تعمر مئات السنين، أما هذه الأمة فأعمارها كما قال نبيُّها: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذلِكَ»؛ [حديث حسن رواه الترمذي].







أخي في الله، هل العمر يطول فعلًا؟ جاء ذكر ذلك في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»؛ [متفق عليه].







وقد اختلفت آراء العلماء حول مفهوم إطالة العمر: فمنهم من يرى أن هذه الإطالة حقيقية بالسنين والأيام، ومنهم من يقول وهو الراجح: هي البركة في عمره والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ما يفيد، وزاد الإمام ابن تيمية أن البركة في العمر: أن يعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا في الزمن الكثير.







بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستَغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.







الخطبة الثانية







الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:



ففي هذه اللحظات سنعيش أنا وأنت أخي المسلم مع أعمال من خلالها يُمكن أن تزيد في عمرك وحسناتك.







أولًا: أن تحتسب الأجر في كل قول وعمل تقوم به: أحتسب الأجر في نومك وأكلك وشربك وعملك، تُؤجر عليه إن شاء الله تعالى.







النفقة على الأهل والأولاد يحتسبها له فيها، يقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى ما تضعه في فيَّ امرأتك»؛ [أخرجه البخاري].












حتى في إفشاء وردِّ السلام، وحتى في تشميت العاطس، وحتى في لين الجانب، وحتى في العفو عمن ظلمه، وحتى في الإحسان لمن أساء إليه، كل هذه الأمور يفعلها المسلم طاعةً لله، ونية صالحة يبتغي بها وجه الله، لا يعمل الأشياء مجرد عادة، ولا مجاملة، حتى عندما يأتي: المسلم أهله له أجر.







قال: «وفي بُضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! يقولون: يا رسول الله، جماع الرجل امرأته لذة ومتعة، أيكون له أجر وهو قصد المتعة والتلذذ؟! قال: «أرأيتم لو وضعها في الحرام كان عليه وزر؟! فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»، قال بعض السلف: إن نوم المؤمن وأكله وشربه، كل ذلك أعمال صالحة تجري عليه إذا أراد بها التقوِّي على طاعة الله.







ثانيًا: من الأعمال التي تطيل في العمر وتزيد في الحسنات: صلة الرحم؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ»؛ [صحيح الجامع]، وقال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»؛ [رواه البخاري عن أبي هريرة]، الرحم التي مَن وصَلها وصله الله، ومن قطعها قطَعه الله.







احذروا أيها المؤمنون من قطيعة الرحم، فإنها سبب للعنة الله وعقابه؛ يقول الله تعالى:



﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [سورة محمد: 22]، ويقول تعالى: ﴿ والَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ويَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ويُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [سورة الرعد: 25].







عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي قال: «ما من ذنبٍ أحرى، وفي رواية أجدر أن يُعجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم»؛ [سنن الترمذي: وهو في السلسلة الصحيحة «918»].












ابن مسعود رضي الله عنه كان جالسًا بعد صلاة الصبح في حلقة، فقال: «أنشد الله قاطع رحم لما قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربَّنا، وإن أبواب السماء مرتجة دون قاطع رحم، ورُوي كذلك في الآثار: «أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم، وأن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم».







وأدنى درجة في صلة الرحم هو الصلة بالسلام من خلال الهاتف أو غيره، قال: «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ ولَوْ بِالسَّلاَمِ»؛ [صحيح الجامع عن ابن عباس].







ثالثًا: من الأعمال التي تُطيل العمر بالحسنات حُسن الخلق:



عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي قال: «ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء»؛ [أخرجه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب «2641»].







وإذا حسَّنت خلقك مع الناس، حصلت على ثواب الصائم النهار، القائم الليل، لقولـه: «إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصائِمِ الْقَائِمِ»؛ [صحيح سنن أبي داود عن عائشة].







ما منا من أحد إلا وهو يحب النبي، وما منا من أحد إلا وهو طامع أن يكون من أحب الناس إليه، وما منا من أحد إلا وهو يرجو أن يكون من أقرب الناس إليه مجلسًا يوم القيامة والوسيلة إلى ذلك؛ يقول: «إن من أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا»؛ [أخرجه أحمد «2/185»، والبخاري في الأدب المفرد «272»].







رابعًا: الإحسان إلى الجار: فعن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله: «صِلَةَ الرَّحِمِ، وحُسْنُ الْخُلُقِ، وحُسْنُ الْجِوَارِ: يَعْمُرَانِ الدِّيَار، ويَزِيدَانِ فِي الأَعْمَار»؛ [صحيح الجامع].







قوله: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»؛ [رواه البخاري ومسلم]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره»؛ [أخرجه الترمذي بسند صحيحوقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُحسن إلى جاره»؛ [متفق عليه]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كم من جارٍ متعلق بجاره يوم القيامة، يقول: يا رب، هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه»، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير فيها، هي من أهل النار»، قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة وتصوم رمضان ولا تؤذي أحدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي من أهل الجنة»؛ [أخرجه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد].







خامسًا الصلاة: وذلك بالمواظبة عليها جماعة مع الإمام في المسجد؛ لقولـه: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَرْدِ بِسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَة»؛ [متفق عليه].







لو ترك أحدنا صلاة الجماعة وصلاها في بيته، فسيحتاج إلى (27) يومًا؛ ليحصل على ذات الأجر، ولو توفي رجلان مثلًا في عمر واحد، وأحدهما تعوَّد أن يصلي الفرائض في البيت بمفرده طول حياته، والآخر يُصليها جماعة في المسجد، لكان مجموع ثواب الرجل الثاني يزيد على ثواب الأول بسبع وعشرين مرة، كأنما عاش ( 27) مرة ضعف من يصليها في بيته.







سادسًا: تستطيع زيادة حسناتك من خلال خروجك من بيتك متطهرًا لأداء الصلاة المكتوبة في المسجد؛ لقوله: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ»؛ [رواه أبو داود وصححه الألباني].



فالأولى بك أخي أن تخرج إلى المسجد متطهرًا من بيتك، إلا لحاجة أو ضرورة.







سابعًا: الإكثار من الصلاة في الحرمين الشريفين:



فالصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في أي مسجد آخر بمائة ألف صلاة.







إخواني، إننا نصلي في اليوم الواحد خمس صلوات، وفي الشهر ( 150) صلاة، وفي العام (1800) صلاة، ونصلي في (55) سنة (99) ألف صلاة، وصلاة واحدة في المسجد الحرام تساوي (100) ألف صلاة.







هذا يعني أنك تحتاج (55) سنة تصلي فيها الصلوات الخمس جماعة، لتحصل على أجر صلاة واحدة في بيت الله الحرام، يا ألله لا تحرمنا الصلاة في الحرمين.







أكتفي بهذا القدر وللحديث بقية في الجمعة القادمة، وأسأل الله جل وعلا أن ييسر حسابنا وييمِّن كتابنا.







هذا وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله، فقد أمركم الله بذلك، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة الأحزاب: 56].








اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

ابوالوليد المسلم 08-08-2021 12:09 AM

رد: كيف تطيل عمرك بالحسنات
 
كيف تطيل عمرك بالحسنات (2)


د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مقدر الأقدار، مصرف الأمور كما يشاء ويختار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد في ربوبيته الواحد في الوهيته الواحد في أسمائه وصفاته،
﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8].

يا رب إن ذنوبي في الورى كثرت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وليس لي عمل في الحشر ينجيني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقد أتيتك بالتوحيد يصحبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حب النبي وذاك القدر يكفيني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود واللواء المعقود، صلى الله عليه وعلى آله ما غرَّد عصفور وما فاح عود، أما بعد عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130].


عباد الله، لئن انتهى رمضان، فالعبادة والطاعة لن تنتهي، ومن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، اللهم ثبِّتنا على طاعتك حتى الممات، ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].

عباد الله، ما أجمل أن يجد المرء في صحيفته يوم القيامة حسنات أمثال الجبال، وما أجمل أن يعيش المرء أضعاف حياته وعمره المكتوب بما يتركه من أثرٍ وعملٍ صالح: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12].

أيها المؤمنون، إن كرم الله لهذه الأمة القصيرة أعمارها بأن جعل لها أجور عظيمة مضاعفة على أعمال صالحة معينة، وكنا وقفنا وإياكم مع بعض هذه الأعمال، واليوم نكمل المشوار مع أعمال صالحة تضاعف الأجور، وتُطيل في الأعمار بالحسنات.

أعمال مباركة تجعل ميزان حسناتك ينافس من عاش مئات السنين من الصالحين من الأمم السابقة، واحد وعشرون عمل صالح، منها يومية ومنها أسبوعية، ومنها شهرية ومنها سنوية.
أول عمل، احتساب الأجر والنية في كل ما نقوم به حتى الوظيفة والإنفاق على الأهل، حتى اللقمة يضعها الرجل في فيِّ زوجته: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُولِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

ثانيًا: صلة الرحم: (فمن أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، ويُبارك له في عمره، فليَصل رحمَه)؛ [متفق عليه].

ثالثًا: حُسن الخلق: إن العبد (ليُدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)؛ [رواه أبوداود، واحمد وصححه الحاكم (1/60)، ووافقه الذهبي، وقال الألباني: "صحيح"؛ صحيح الترغيب والترهيب [2643].

رابعًا: حُسن الجوار: عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمران الديار ويزيدان في الأعمار)؛ [صحيح الترغيب والترهيب: 2524، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح]، وفي رواية: (ولوكانوا فجَّارًا).

خامسًا: الصلاة جماعة مع الإمام في المسجد؛ لقولـه: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَرْدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة»؛ [متفق عليه].

سادسًا: الخروج إلى المسجد متطهرًا؛ لقوله: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ»؛ [رواه أبوداود، وصحَّحه الألباني].

سابعًا: الإكثار من الصلاة في الحرمين الشريفين.

ثامنًا: صلاة النوافل في البيت؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صَلاَةُ الرَّجُلِ تَطَوُّعًا حَيْثُ لاَ يَرَاهُ النَّاسُ، تَعْدِلُ صَلاَتَهُ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ»؛ [صحيح الجامع، عن صهيب]، وقال: «أَفْضَلُ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ»؛ [متفق عليه].

لوصليت سُنَّة من السُّنن في المسجد تُحسب لك صلاة واحدة، ولكنك لوصلَّيتها في بيتك كأنك صليتها خمسًا وعشرين مرة، إنها رسالة لنتعلم الإخلاص وإخفاء بعض أعمالنا، وليراك أهلك وأولادك ويتعلمون منك.


تاسعًا: صلاة الضحى: صلاة الأوابين وهي تجزئ عن (360) صدقة في اليوم؛ كما صح عن النبي فيما رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.

عاشرًا: حضور المساجد للعلم أو التعليم؛ لقوله: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَو يُعَلِّمَهُ «يَعْمَلَهُ»، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامٍّ حَجَّتُهُ»، [رواه الطبراني وصححه الألباني].

إنها رسالة في أهمية مجالس العلم والعلماء، وأنها تساوي الصلاة والحج؛ قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

الحادي عشر: التحلي ببعض الآداب يوم الجمعة، فعن أوس بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله قال: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا»؛ [رواه أهل السنن وصححه الألباني].

فلوكان بيتك يبعد عن المسجد ) 100) خطوة = (100) سنة صيامها وقيامها، يا له من فضل عظيم يُحرم منه المتأخرين عن صلاة الجمعة.

الثاني عشر: التأذين أو القول مثل ما يقول المؤذن:
اختلف العلماء في أيهما أفضل المؤذن أم الإمام، فمنهم من قال: المؤذن لكثرة الأحاديث التي تثني عليهم، وأنهم أطول أعناقًا يوم القيامة، وأن المؤذن يشهد له من سمعه من حجر أوشجر يوم القيامة، ويُغفر له مد صوته، بل زاد النبي صلى الله عليه وسلم: «... وَالْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ، ويُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ»؛ [صحيح سنن النسائي عن البراء بن عازب رضي الله عنه].

وعن عبدالله بن عمرورضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قال: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ المُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا، فقال رسولُ الله: «قُلْ كَمَا يَقُولُونَ، فإِذَا انْتَهَيْتُ فَسَلْ تُعْطَهُ»؛ [صحيح سنن أبي داود]؛ أي: يتقبل الله منك الدعاء.

الثالث عشر: صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثم أتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»؛ [رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري].

فلا تفوتكم هذه الست من شوال، ومن الناس من يسوِّف في صيامها حتى ينقضي شوال.

الرابع عشر: صيام يوم عرفة لغير الحاج، فإنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكفر ذنوب سنتين، وصيام عاشوراء كذلك يكفر ذنوب سنة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هوالغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كمَا يحبُّ ربُّنا ويرضَى، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

عباد الله، لا زلنا وإياكم مع أعمال صالحة تُطيل وتبارك في أعمارنا.
الخامس عشر: قيام ليلة القدر: وهي أفضل عند الله من عبادة [1000] شهر؛ كما قال تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]؛ أي: ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة لمدة [83] عامًا تقريبًا، لووُفقت لقيام (10) سنوات مع قيام ليلة القدر = أجر عبادة (833) سنة.

السادس عشر: الجهاد في سبيل الله: وهوأفضل عند الله من عبادة رجل [60] سنة؛ لقولـه: «مقام الرجل في الصف في سبيل الله، أفضل عند الله من عبادة رجل ستين سنة»؛ [رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط البخاري].

السابع عشر: تكرار قراءة بعض السور؛ مثل: سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، والكافرون التي تعدل ربع القرآن.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: ﴿ قُلْ هُواللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»؛ [رواه مسلم]، وقال: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، تعدل رُبع القرآن»؛ [أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، عن ابن عمر رضي الله عنه].

الثامن عشر: الاستغفار للمؤمنين، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً»؛ [رواه الطبراني وإسناده جيد].

فتخيَّل أخي أنك باستغفارك للمؤمنين والمؤمنات، تنال كل يوم مليار حسنة، باعتبار أن عدد المسلمين اليوم أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، منهم مليار موحِّد مؤمن بالله - تعالى - وإذا أضفت إليهم الأموات فأكثر وأكثر، فلا تتردد أخي أن تدعوللمسلمين قائلًا: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

التاسع عشر: الجلوس بعد الفجر إلى الشروق:
روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَن صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة)؛ [أخرجه الترمذي وهوفي صحيح الترغيب والترهيب (461)].

عباد الله، إن للفجر نسائمَ خاصة، ورياحين منعشة في هوائها وظلها، فمن صلى الفجر في مسجد جماعة، ثم جلس إلى الشروق، يذكر الله يستغفر يسبِّح، يقرأ القرآن يدعو، فقد جنى من الأجر ما يجنيه أولئك الذين حلُّوا ضيوفًا على الرحمن في حج وعمرة.

يُكرمهم الله بأجر كما يكرم ضيوفه الذين جاؤوا شُعثًا غُبرًا من كل فج عميق، ووادٍ سحيق؛ ليطوفوا بالبيت العتيق.

العشرون: العمل الصالح في عشر ذي الحجة: أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)؛ يعني العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلًا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيءٍ).

إننا هنا أمام مفاضلة ومقارنة بين عبادتين: عبادة يحسبها الصحابة ذروة الأعمال وأعلاها وأحبها إلى بارئها، ولا ينافسها في الأجر والفضل، وهي أن يخرج أحدهم للجهاد في سبيل الله بماله ونفسه، وبين عبادة أخرى لم يتوقعوا أن ترتقي هذه العبادة لمنزلة الجهاد، وهي العمل الصالح في عشر ذي الحجة.

الحادي والعشرون: قضاء حوائج الناس؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله قال: «... وَلأَنْ أَمْشِي مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِيِ حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا»؛ أي: مسجد المدينة؛ [رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع].

وما الاعتكاف عباد الله؟ خلوة بالله، صلاة، وذكر وتسبيح ومناجاة، وأين؟ في مسجد المصطفى الذي الصلاة فيه تساوي ألف صلاة، وليس اعتكاف يوم أويومين، إنه شهرٌ كامل أفضل من هذا الاعتكاف قضاء حاجة أخيك المسلم، مساعدته، معاونته، الشد من أزره، تفريج همه، تنفيس كربه، هذا هوالإسلام: دين الأخلاق والمعاملة الحسنة.

أخيرًا أخي المسلم، بعد أن سجَّلت أخي في سجلك مليارات الحسنات يوميًّا، لا بد لك أن تحافظ عليها وإلا لم تستفد شيئًا، ولمعرفة ذلك، لا بد أن تحذر من أربعة أمور أساسية، هي:
أولًا: المعاصي والذنوب: فإنها من أكثر الأمور التي تحبط الحسنات، وترجِّح كفة السيئات، فاقتراف ذنب واحد مثل: الزنا، أوانتهاك محارم الله، كفيل بإحباط الحسنات ولوكانت كالجبال؛ لقوله: «لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مَنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللهُ تعالى هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثُوْبان: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَلاَ نَكُونَ مِنْهُمْ ونَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ومِنْ جِلْدَتَكُمْ، ويَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، ولَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا»؛ [صحيح سنن ابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه].

ثانيًا: العجب والغرور بالأعمال الصالحة، فإنها تحبط ثوابها؛ لأن صاحبها ظن أنه سيدخل الجنة بعمله فقط.



ثالثًا: الاعتداء على حقوق الناس وإيذائهم بغيبةِ أوشتم، أوسب أونميمة، أوأخْذِ حقوقهم بغير حق، كل ذلك يسلب من الإنسان حسناته يوم القيامة، وتعطى لمن آذاهم أواعتدى على حقوقهم.

رابعًا: السيئات الجارية تأكل الحسنات ولوبعد الممات؛ منها:
إغواء المسلمين وإفسادهم، كالفتوى بغير علم، وإبعاد مسلم عن الالتزام، وتوزيع مقاطع إباحية وجنسية على الآخرين، وغيرها مما يضر بالدين والخلق، وقد صح عن النبي أنه قال: «وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وزْرُهَا ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»؛ [رواه مسلم عن جرير بن عبدالله].


نسأل الله عز وجل بمنِّه وكرمه وعفوه ورحمته ولُطفه أن يُعزَّنا بطاعته، وألا يُذلنا بمعصيته، اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر برحمتك يا رب العالمين.

هذا وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله، فقد أمركم الله بذلك فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.


الساعة الآن : 06:37 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 47.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.83 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.28%)]