ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   شهر محرم (خطبة) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=255165)

ابوالوليد المسلم 21-03-2021 02:39 AM

شهر محرم (خطبة)
 
شهر محرم (خطبة)
رافع العنزي



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، {﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد:



فَإِنَّ أصدق الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار.



أيها المسلمون:

اعلموا ما لله من الحكمة البالغة في تعاقب الشهور والأعوام وتوالي الليالي والأيام، فإن الله جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ومراحل للآجال يعمرها الناس بما يعملون من خير وشر، حتى ينتهي إلى آخر أجلهم.



وقد جعل الله - سبحانه وتعالى - لنا مواسم للخيرات، يزداد فيها المؤمن إيمانًا، ويتوبُ فيها العاصي إلى الله، فالسعيد من اغتنم هذه المواسم المباركة فيملؤها بالطاعات، والشقي من حرم نفسه خيرها، ومن هذه المواسم المباركة شهر المحرم، الذي يظلنا في هذه الأيام.



شهر المحرم هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله -عز وجل- عنها في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].



وقد فصلت السنة النبوية المشرفة هذه الأشهر الحرم، فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".



وقوله تعالى: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي: في هذه الأشهر المحرمة لأنها آ كد وأبلغ في الإثم من غيرها. وعن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.



وفي فضل الصيام في شهر المحرم قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ".



قال ابن رجب: "وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - المحرم شهرَ الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله – تعالى - لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته" اهـ.



والصيام فضله وثوابه العظيم عند الله - عز وجل -؛ فعن سهل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟! فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".



وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ".



بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيمِ، ونفَعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفِر اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولِسائر المسلمين مِن كلّ ذنب، فاستَغفروه وتوبوا إِليه، إنّه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:



ففي هذا الشهر يومٌ حصل فيه حدث، عظيم ونصر مبين، أظهر الله فيه الحق على الباطل؛ حيث أنجى فيه موسى - عليه السلام - وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فهو يوم له فضيلة عظيمة، ومنزلة قديمة. وهكذا ينجّي الله المتقين في كل زمان ومكان.



عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومَه، وأغرق فرعونَ وقومَه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم" فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه"، متفق عليه، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:" ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان"، متفق عليه.



فيوم عاشوراء مستحب صيامه وهو يوافق هذا العام يوم الخميس القادم , والأفضل أن يصوم يوما قبله روى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: ((حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع.َ قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) رواه مسلم.



وقال النبي صلى الله عليه وسلم: في فضله ((صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله).

وقد كان الصحابة يصوّمون صبيانهم عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: (فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ - أي عاشوراء -، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ رواه البخاري (1960) ومسلم (1136).



فالأولى بالمسلم أن يصوم ويأمر أهل بيته بالصيام من استطاع منهم الصيام.



وصلُّوا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).



اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.



اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا وحافظًا ومؤيِّدا. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




الساعة الآن : 06:09 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 15.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.71 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.59%)]