ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   العبد طالب ومطلوب (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=242359)

ابوالوليد المسلم 08-10-2020 02:08 AM

العبد طالب ومطلوب
 
العبد طالب ومطلوب




حسان الرديعان




قال تعالى : (إن رحمة الله قريب من المحسنين) [ الأعراف : 56 ] ، فيه تنبيه ظاهر على أن فعل هذا المأمور به هو الإحسان المطلوب منكم ، مطلوبكم أنتم من الله هو رحمته ، ورحمته قريب من المحسنين الذين فعلوا ما أمروا به من دعائه خوفاً وطمعاً ، فقرب مطلوبكم منكم وهو الرحمة بحسب أدائكم لمطلوبه منكم وهو الإحسان الذي هو في الحقيقة إحسان إلى أنفسكم ، فإن الله هو الغني الحميد وإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وقوله : إن رحمة الله قريب من المحسنين [ الأعراف : 56 ] ، له دلالة بمنطوقه ودلالة بإيمائه وتعليله ودلالة بمفهومه ، فدلالته بمنطوقة على قرب الرحمة من أهل الإحسان ، ودلالته بتعليله وإيمائه على أن هذا القرب مستحق بالإحسان ، فهو السبب في قرب الرحمة منهم ، ودلالته بمفهومه عنى بعد الرحمة منهم ، ودلالته بمفهومه على بعد الرحمة من غير المحسنين ، فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة . وإنما اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة منهم ، لأنها إحسان من الله أرحم الراحمين ، وإحسانه تعالى إنما يكون لأهل الإحسان لأن الجزاء من جنس العمل ، فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته . وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بعد عن الإحسان بعدت عنه الرحمة بعداً ببعد وقرباً بقرب فمن تقرب بالإحسان تقرب الله إليه برحمته ، ومن تباعد عن الإحسان تباعد الله عنه برحمته ، والله سبحانه يحب المحسنين ويبغض من ليس من المحسنين . ومن أحبه الله فرحمته أقرب شيء منه ، ومن أبغضه فرحمته أبعد شيء منه . والإحسان ههنا هو فعل المأمور به سواء كان إحساناً إلى الناس أو إلى نفسه . فأعظم الإحسان الإيمان والتوحيد والإنابة إلى الله والإقبال عليه والتوكل عليه . وأن يعبد الله كأنه يراه إجلالاً ومهابة وحياء ومحبة وخشية ، فهذا هو مقام الإحسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : وقد سأله جبريل عن الإحسان فقال : أن تعبد الله كأنك تراه ، وإذا كان هذا هو الإحسان فرحمة الله قريب من صاحبه ، فإن الله إنما يرحم أهل توحيده المؤمنين به وإنما كتب رحمته للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون والذين يتبعون رسوله فهؤلاء هم أهل الرحمة . كما أنهم هم المحسنون ، وكما أحسنوا جوزوا بالإحسان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان . يعني هل جزاء من أحسن عبادة ربه إلا أن يحسن ربه إليه . قال ابن عباس هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة . وقد ذكر ابن أبي شيبة وغيره من حديث الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، ثم قال : هل تدرون ما قال ربكم ، قالوا : الله ورسوله أعلم قال : يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة .

انتهى كلام ابن القيم في بدائع الفوائد.






الساعة الآن : 11:52 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 5.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 5.73 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]