ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   افرحوا ولا تغتروا (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=237498)

ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:02 AM

افرحوا ولا تغتروا
 
افرحوا ولا تغتروا


الشيخ عبدالله بن محمد البصري




أَمَّا بَعدُ، فـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

مِن سُنَّةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، التَّقَلُّبُ بَينَ السُّرُورِ وَالحَزَنِ، وَالعَيشُ في أَحوَالٍ مِنَ الفَرَحِ أَوِ التَّرَحِ، لا تَدُومُ الدُّنيَا عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَلا تَستَمِرُّ عَلَى صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ.



هُوَ التنقُّلُ من يومٍ إلى يومِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كأنّهُ ما تُريكَ العَين في النّوْمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



إنَّ المنايَا وإن أصبحت في لعبٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تحومُ حولكَ حوماً أيَّما حومِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وَالدّهرُ ذو دُوَلٍ، فيهِ لَنا عَجَبٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

دنيا تنقَّلُ من قومٍ إلى قومِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






إِنَّهَا الدُّنيَا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَيسَ فِيهَا صَفَاءٌ دَائِمٌ وَلا رَخَاءٌ لا يَزُولُ، وَلا كَدَرٌ مُستَمِرٌّ وَلا ضَيقٌ يَنقَطِعُ، بَل هِيَ خَلِيطٌ مِن هَذَا وَذَاكَ، وَمَزِيجٌ غَيرُ مُتَجَانِسٍ مِن مَحبُوبٍ وَمَكرُوهٍ، فِيهَا مَوتٌ وَحَيَاةٌ، وَنَقصٌ وَزِيَادَةٌ، وَخَفضٌ وَرَفعٌ، وَغِنًى وَفَقرٌ، وَطُولُ عُمُرٍ وَنَقصُ آخَرَ، وَمَوتُ صَغِيرٍ وَهَرَمُ كَبِيرٍ، وَلَرُبَّمَا طَالَ حُزنُ فَردٍ فِيهَا أَو مَجمُوعَةٍ مِنَ النَّاسِ حَتى كَادَ يَلتَهِمُ أَعمَارَهُم، وَيُشعِرُهُم أَنَّهُم إِنَّمَا خُلِقُوا في شَقَاءٍ وَبَلاءٍ، وَرُبَّمَا ضَحِكَتِ الأَيَّامُ في المُقَابِلِ لآخَرِينَ، حَتى يَكَادُوا بِالدُّنيَا يَطمَئِنُّونَ وَإِلَيهَا يَركَنُونَ. أَمَّا المُسلِمُ الَّذِي عَرَفَ سِرَّ خَلقِهِ وَالغَايَةَ مِن وُجُودِهِ، فَهُوَ وَإِن فَرِحَ بِتَجَدُّدِ نِعمَةٍ أَوِ اندِفَاعِ نِقمَةٍ، إِلاَّ أَنَّهُ بما عِندَ اللهِ أَوثَقُ، وَلِمَا أَعَدَّهُ لَهُ في الآخِرَةِ أَرجَى، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَمَثَّلُ أَمرَ رَبِّهِ - جَلَّ وَعَلا - حَيثُ قَالَ: ﴿ قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ ﴾ [يونس: 58] رَاجِيًا بِاستِقَامَتِهِ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ وَطَاعَةِ خَالِقِهِ أَن يَنَالَ البِشَارَةَ العُظمَى وَالفَرحَةَ الكُبرَى، قال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلى أَهلِهِ مَسرُورًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 9] وَأَمَّا الكَافِرُ وَالفَاجِرُ، فَهُوَ يَفرَحُ فَرَحَ المُتَكَبِّرِينَ البَطِرِينَ الأَشِرِينَ، وَيَعمَى وَيَصَمُّ وَيَنسَى مَا كَانَ عَلَيهِ وَمَا سَيَؤُولُ إِلَيهِ، فَيَطغَى أَن رَآهُ استَغنَى، وَيُفسِدُ في الأَرضِ وَلا يُصلِحُ، حَتى يُؤخَذَ بَغتَةً وَيُسلَبَ نَعِيمَهُ عَلَى غِرَّةٍ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بما أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين ﴾ [الأنعام: 44، 45] وَلَقَد حَكَى اللهُ - تَعَالى - لَنَا في كِتَابِهِ قِصَّةَ قَارُونَ وَفَرحِهِ؛ لِنَعلَمَ كَيفَ يَكُونُ الفَرَحُ الحَقِيقِيُّ وَالزَّائِفُ؟ وَلِنَعتَبِرَ فَلا نُرِيدَ في الأَرضِ عُلُوًّا وَلا فَسَادًا، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَومِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيهِم وَآتَينَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصبَةِ أُولي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَومُهُ لا تَفرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ * وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحسِنْ كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ وَلا تَبغِ الفَسَادَ في الأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي أَوَلَم يَعلَمْ أَنَّ اللهَ قَد أَهلَكَ مِن قَبلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هُوَ أَشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وَأَكثَرُ جَمعًا وَلا يُسأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَومِهِ في زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيتَ لَنَا مِثلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوَابُ اللهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ * فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوا مَكَانَهُ بِالأَمسِ يَقُولُونَ وَيكَأَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَولا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَينَا لَخَسَفَ بِنَا وَيكَأَنَّهُ لا يُفلِحُ الكَافِرُونَ * تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 76، 83] لَقَد ظَنَّ قَارُونُ أَنَّهُ نَالَ السَّعَادَةَ كُلَّهَا بِنَيلِهِ تِلكَ الكُنُوزَ، وَحَسِبَ أَنَّهُ إِنَّمَا أُوتِيَهَا لِفَضلٍ لَهُ عَلَى غَيرِهِ، فَصَارَ في حَالَةٍ مِنَ الزَّهوِ وَالاختِيَالِ وَالعُجبِ بِالنَّفسِ، أَنسَتهُ حَقِيقَةَ نَفسِهِ، وَأَخرَجَتهُ عَن حَدِّهِ، لِيَخسِفَ اللهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ، وَيَخفِضَهُ بَعدَ أَنِ ارتَفَعَ، فَيَكُونَ عِبرَةً لِمَن بَعدَهُ، تُنَبِّئُهُم أَنَّ فَرَحَ الدُّنيَا قَصِيرٌ وَزَائِلٌ، وَتُبَيِّنُ لَهُمُ أَنَّ الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ هُوَ الفَرَحُ الأُخرَوِيُّ، وَتَدُلُّهَم عَلَى صِفَاتِ أَهلِهِ وَمُستَحِقِّيهِ، مِن عِبَادِ اللهِ المُتَّقِينَ، الَّذِينَ لا يُرِيدُونَ في الأَرضِ عُلُوًّا وَلا فَسَادًا . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّنَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ، مَا زِلنَا بَينَ نِعَمٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَنِقَمٍ مُندَفِعَةٍ، وَإِذَا أَرَدنَا أَن يَدُومَ اللهُ لَنَا عَلَى مَا نُرِيدُ، فَلْنَدُمْ لَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ، وَلْنَشكُرْهُ فَإِنَّ الشُّكرَ طَرِيقٌ لِلمَزِيدِ، وَلْنَتَوَاضَعْ لَعَلَّ اللهَ أَن يَزِيدَنَا رِفعَةً وَعُلُوًّا ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِنْ شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7] إِنَّ الأَرزَاقَ بِيَدِ اللهِ، وَلَهُ الحُكمُ وَالأَمرُ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الخَلقُ، وَلا وَاللهِ يُؤتَى أَحَدٌ إِلاَّ مِن قِبَلِ نَفسِهِ المُقَصِّرَةِ وَسَيِّئَاتِهِ المُتَكَاثِرَةِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ اللهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقدِرُ وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَإِذَا أَذَقنَا النَّاسَ رَحمَةً فَرِحُوا بها وَإِن تُصِبْهُم سَيِّئَةٌ بما قَدَّمَت أَيدِيهِم إِذَا هُم يَقنَطُونَ * أَوَلَم يَرَوا أَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقدِرُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ ﴾ [الروم: 36، 37] اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمدُ كَمَا خَلَقتَنَا وَرَزَقتَنَا وَهَدَيتَنَا وَعَلَّمتَنَا وَأَنقَذتَنَا وَفَرَّجتَ عَنَّا، وَلَكَ الحَمدُ عَلَى أَن كَبَتَّ عَدُوَّنَا وَبَسَطتَ رِزقَنَا وَأَظهَرتَ أَمنَنَا وَجَمَعَت فُرقَتَنَا وَأَحسَنتَ مُعَافَاتَنَا، وَمِن كُلِّ مَا سَأَلنَاكَ رَبَّنَا أَعطَيتَنَا، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ.


♦ ♦ ♦



أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ تُقَاتِهِ، وَسَارِعُوا إِلى جَنَّتِهِ وَمَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ، وَاحمَدُوهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيكُم وَأَعطَاكُم وَحَبَاكُم، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لَيسَ مِن لازِمِ الفَرَحِ وَالابتِهَاجِ بِالعَطَاءِ أَيًّا كَانَ، مِن مَالٍ أَو صِحَّةٍ أَو أَمنٍ أَو رَخَاءٍ وَسَعَةِ عَيشٍ، أَن يَشمَتَ المُؤمِنُ بِمَنِ ابتُلِيَ فَمُنِعَ أَو قُطِعَ، فَلَرُبَّمَا كَانَ العَطَاءُ استِدرَاجًا لِلمُعطَى لِيَطغَى، وَلَرُبَّمَا كَانَ المَنعُ خَيرًا لِصَاحِبِهِ حَتى يَتَذَكَّرَ وَيَخشَى، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم وَاذكُرُوهُ وَاستَغفِرُوهُ، وَالبَسُوا لِكُلِّ حَالَةٍ لَبُوسَهَا، فَمَنِ أُعطِيَ فَلْيَشكُرْ، وَمَنِ ابتُلِيَ فَلْيَصبِرْ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ؛ إِنَّ أَمرَهُ لَهُ كُلُّهُ خَيرٌ، وَلَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ.




الساعة الآن : 08:30 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 14.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.45 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.64%)]