ملتقى الشفاء الإسلامي - بلوغ الأربعين وحضور الشيب

بلوغ الأربعين وحضور الشيب

وائل حافظ خلف

قال دِعبِل الخزاعي[1] حين وَخَطَه الشيبُ، وقد أجاد في القول وأبدع:

أَلْقَى عَصَاهُ وَأَرْخَى مِنْ عِمَامَتِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَقَالَ: ضَيْفٌ، فَقُلْتُ: الشَّيْبُ؟ قالَ: أَجَلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَقُلْتُ: أَخْطَأتَ دَارَ الْحَيِّ، قَالَ: وَلِمْ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَضَتْ لَكَ الْأَرْبَعُونَ الْوُفْرُ، ثُمَّ نَزَلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَمَا شَجِيتُ بِشَيْءٍ مَا شَجِيتُ بِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كَأَنَّمَا اعْتَمَّ مِنْهُ مَفْرِقِي بِجَبَلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وهذه الأبيات أنشدها الشريف المرتضى في "الشهاب في الشيب والشباب" (ص32) لعليّ بن جبلة، وقال: ربما رويت لدِعبِل بن عليٍّ الخزاعي، ووصفَ الأبيات بأنها من أحسن ما قيل في الاستثقال بحمل الشيب.

ومن لطيف ما ذكر في الشيب قول أبي الفضل الميداني - رحمه الله -:
تَنَفَّسَ صُبْحُ الشَّيْبِ فِي لَيْلِ عَارِضِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَقُلْتُ: عَسَاهُ يَكْتَفِي بِعِذَارِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَلَمَا فَشَا عَاتَبْتُهُ فَأَجَابَنِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَلا هَلْ يُرَى صُبْحٌ بِغَيْرِ نَهَارِ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وهذا رائق جدًّا. ويروى:
............. https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أيا هلْ ترى صبحًا بغير نهارِ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

والشيب نور المؤمن. كذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونهى عن نتفه.

وقد قال بعض أهل التأويل في قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾: يعني: الشيب. وقال آخرون وهم جمع غفير: النذير: الرسول.

وقالوا: لم يبعث الله نبيًّا قط إلا بعد أربعين سنة.

وقال الإمام النووي: ((نقلوا أن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة)).

قلت:
نقل ذلك الإمامُ أبو عبد الله القرطبيُّ[2] في موضعين من "الجامع لأحكام القرآن" عن الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - أنه قال:
((أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم ويخالطون الناس، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس واشتغلوا بالعبادة حتى يأتيهم الموت)).

وعن الشعبي، عن مسروق - رحمه الله - أنه كان يقول: ((إذا بلغ أحدكم أربعين سنةً فليأخذ حذره من الله - عز وجل -)).

وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: قلت لمسروق: متى يؤخذ الرجل بذنوبه؟ قال: ((إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك)).

وقال - عز وعلا -: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 15].

قال العماد ابن كثير في التفسير:
((هذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله، عز وجل، ويعزم عليها)).

وقال:
﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾: أي: قَوِيَ وشب وارتجل ﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾: أي: تناهى عقله وكمُل فهمه وحلمه. ويقال: إنه لا يتغير غالبًا عما يكون عليه ابن الأربعين.

وما أحسنَ قولَ الشاعر:
صَبَا مَا صَبَا حَتى عَلا الشَّيْبُ رأْسَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَلَمَّا عَلاهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ: ابْطُلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قلت (وائل):
البيت لدُرَيْد بن الصِّمَّة، من قصيدة دالية لا لامية، وهي من عيون الشعر. وانظرها - إن شئت - في "ديوانه" (ص57-77) ط/ دار المعارف. وفيها:
........ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قَالَ لِلْبَاطِلِ: ابْعَدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وفي "التعازي والمراثي" لأبي العباس المبرد (ص7) ط/ دار الكتب العلمية:
صَبَا مَا صَبَا حَتى إِذَا شَابَ رَأْسَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَأَحْدَثَ حِلْمًا قَالَ لِلْبَاطِلِ: ابْعَدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ذلك، وفي ترجمة عِمران بن حِطَّان بن ظَبْيان بن لَوْذان الخارجي، أسند في "الأغاني" عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، عن عيسى بن يزيد بن بكر المدني قال:
اجتمع عند مسلمة بن عبد الملك ناس من سُمَّاره، فيهم عبد الله بن عبد الأعلى الشاعر، فقال مسلمة: أي بيت قالته العرب أوعظ وأحكم؟

فذكر له عبد الله بيت دريد هذا.

فقال مسلمة: إنه والله، ما وعظني شعر قط كما وعظني شعر ابن حطان حيث يقول:
فَيُوشِكُ يَوْمٌ أَنْ يُقَارِنَ لَيْلَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَسُوقَانِ حَتْفًا رَاحَ نَحْوَكَ أَوْ غَدا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فقال بعض من حضر: والله، لقد سمعته أجل الموت ثم أفناه، وما صنع هذا غيرُه.

يتبع