ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   ثلاثية في الولاء والبراء (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=227110)

ابوالوليد المسلم 23-02-2020 06:02 AM

ثلاثية في الولاء والبراء
 
ثلاثية في الولاء والبراء



الشيخ مثنى الزيدي





إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونَعُوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتَد، ومَن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن اهتَدَى بهديه.


أمَّا بعدُ:
نقف مع حضراتكم اليومَ - أيُّها الأحبَّة الكِرام - مع الوَلاء والبَراء من خِلال سورة المجادلة، هذه السُّورة التي علَّمتْنا في الجُمعة الماضية درسًا بليغًا من دروس الأدب؛ لنقف اليوم أمامَها بإجلالٍ لتُعلِّمنا درسًا آخَر، لكنَّه من دروس العقيدة، ولا بُدَّ في البداية أن نقفَ عند هذه الآيات الكريمة التي وقفتُ عندها بيني وبين نفسي، فأثارتْ ثائرتي، وأجاشَتْ عَواطِفي، وعلَّمتْنِي عقيدتي، تعالَوْا لنسمَع تلك الآيات أوَّلاً؛ يقول - تعالى - مُخاطِبًا رسولَه الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 14 - 22].

بدأت الآيات تتكلَّم مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتُعلِن أنَّ الذين يتولَّون اليهودَ هم منافقون، ليسوا منكم ولا من اليهود، وتابَعت الكلام عن صِفاتهم؛ لئلاَّ يتَّصِف بها أهل الإيمان، فماذا فعَل المنافِقون؟ فالمنافقون تولَّوا اليهود، وصادَقُوهم، وناصَرُوهم، وواعَدُوهم بالنُّصرة، فالآية في شأن المنافِقين، ألم تَرَ إلى هؤلاء المنافقين الذين تولَّوا وناصَرُوا وآزَرُوا قومًا غَضِبَ الله عليهم وهم اليهود؟ وقد وُسِم اليهودُ بأنهم مغضوبٌ عليهم في عِدَّة آياتٍ من القرآن الكريم أوَّلها آيات الفاتحة.

ثم إنَّ من صفاتهم أيضًا أنَّهم لا يُوالُون المؤمِنين ويتبرَّؤُون من أعدائهم؛ قال - تعالى -: ﴿ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ ﴾؛ أي: المنافقون الذين تولَّوا اليهود ليسوا منكم وليسوا من اليهود، هذا قول قتادة - رحمه الله تعالى - كما وصَفَهم الله بقوله: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾ [النساء: 143].

لكن الذي يتَّصف بهذا - والعِياذ بالله - فإنَّ مَوعِده أليم؛ حيث أعلن - تعالى - وقال: {﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المجادلة: 15]؛ أي: ساءَ هذا الفعل، وساءَ هذا الصَّنِيع.

فالآية إذًا ذمَّتْ كلَّ مَن يتولَّى اليهود، ويُلحَق بهم كلُّ مَن يتولَّى الكفَّار أو النصارى ويُناصِرهم، ويُؤازِرهم، وقد تَضافرَتْ نصوصُ الكتاب والسنَّة على ذلك.

وهنا لاحظتُ شيئًا مهمًّا وأمرًا غريبًا، وكأنَّ القرآن الكريم يَعِيش بيننا، كيف لا وهو المُعجِزة الصالِحَة لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، لكلِّ وقت وحين؟ الأمر الغريب هو أنَّ اللهَ ذكَر ثلاثةَ أشياء في ثَنايا كلامِه عن تَولِّي المشرِكين، ولم يذكر غيرَ هذه الأمور الثلاثة، وهذه الثلاثيَّة المكوِّنة لمثلَّث الوَلاء في سورة المجادلة هي: الأموال - الأولاد - الأحزاب.

﴿ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المجادلة: 17]، الأموال، والأولاد.

لِمَ قال: الأموال والأولاد أولاً؟ لِمَ؟ أرى - والله تعالى أعلم - أنَّ أهمَّ سببٍ في فقدان الوَلاء لله أولاً: الأموال، وخصوصًا هؤلاء الذين ضَعُفَ إيمانهم وتَزعزَعتْ عقيدتهم، وهذا رأيناه بأمِّ أعيُنِنا، فباتت الوَلاءات والذِّمَم والضَّمائر بل وحتى العَقائد تُشتَرَى بالأموال، من أجل تَحقِيق هدف المشتَرِي، سواء عَلِمَ البائع أو جَهِل، وهذا واقعٌ اليومَ في بلادنا في العراق.

رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ مَالُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِلَى مَنْ عِنْدَهُ مَالُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَمَنْ لاَ عِنْدَهُ مَالُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَعَنْهُ النَّاسُ قَدْ مَالُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ ذَهَبُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِلَى مَنْ عِنْدَهُ ذَهَبُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَمَنْ لاَ عِنْدَهُ ذَهَبُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَعَنْهُ النَّاسُ قَدْ ذَهَبُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رَأَيْتُ النَّاسَ مُنْفَضَّهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِلَى مَنْ عِنْدَهُ فِضَّهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَمَنْ لاَ عِنْدَهُ فِضَّهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَعَنْهُ النَّاسُ مُنْفَضَّهْ



ثم إنَّ السبب الثاني في فقدان الولاء لله: الولدان، ولم يقل الله: الرجال، الولدان، الشباب، الصِّغار، الذين وإن بلَغُوا الحلم ربما لم يَبلُغوا الرشد، رشد العقول، رشد العقيدة، رشد الثَّبات.


فيَكون الشباب أسهل من غيرهم للإغراء ولحبِّ الشَّهوات والأموال والرَّواتِب، والسيَّارات، والمناصِب والكراسي، والسلطة والهيبة والمكانة، والظُّهور والتسلُّط، وهذا ما رأيناه، بل هو الذي يحصل الآن، والله المستعان.

ولهذا ذكَر - تعالى - الأولاد، فإيَّاكم أيُّها الأولاد! إيَّاكم أيُّها الآباء! انتَبِهوا لأولادِكم وشبابِكم؛ ((فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته))، كما قال المصطفى - عليه صلوات ربي.
يتبع

ابوالوليد المسلم 23-02-2020 06:03 AM

رد: ثلاثية في الولاء والبراء
 


ونُتابِع لنَقِف عند السبب الثالث لفقدان الوَلاء لله من خِلال هذه الآيات الكريمة، ألاَ وهو "الأحزابوما أدراك ما الأحزاب؟ سبحان الله! ماذا فعلت الأحزاب؟ للعراق دمَّرتْ، وللدِّماء سفكتْ، وللشباب قتلتْ، وللأعراض انتهكتْ، وللأموال سرقتْ، ولأهل الإيمان عادتْ، وبالصادقين طعنتْ، وبالمؤمنين مثلتْ، وللخيرات أهدرتْ، وللمسلمين فرقتْ، وللوحدة مزقت، وللشَّمل شتَّتتْ، وبالسُّجون ألقتْ، وللمُوحِّدين عذَّبتْ، وللأعداء ذلَّت.

وصدق مَن قال:

وكانوا كالتي صلت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لكنها وبآخر لحظة نقضت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عرى التوحيد قبل وضوئها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كيف القبول؟ ولو لبت وهلت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأزيد في الأبيات بيتا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لم يفلحوا والله به الآيات قد حكمت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



نعم، لم يُفلِحوا - إخوةَ الإيمان - ولذلك ذكَر الله ما ثلَّث به تحذيرًا وإنذارًا؛ فقال - جلَّ شأنُه -: {ï´؟ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ï´¾ [المجادلة: 19]، فالأحزاب هي مَن يُعِين على كلِّ الخراب، وهي مَن يُعِين على ضعْف الوَلاء والبَراء من الأعداء، إلاَّ حزبًا واحدًا، مقرُّه القرآن الذي في الصُّدور، وشعاره الإسلام، وعلمه الإيمان، فلنرفعه في قلوبنا أولاً، ثم شعارنا في الحياة ثانيًا.


هَذِي يَنَابِيعُ الكِتَابِ تَدَفَّقَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَجْرِي بِنُورٍ فِي الْحَيَاةِ جَدِيدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَا رِيشَةَ الْقَلَمِ الأَصِيلِ تَدَفَّقِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نَهْرًا مِنَ الشِّعْرِ الأَصِيلِ وَزِيدِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قُولِي مَعِي لِلْقَارِئِ الفَذِّ الَّذِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَتْلُو فَيُشْعِرُنِي بِسِرِّ وُجُودِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَتْلُو فَيَفْتَحُ أَلْفَ بَابٍ لِلتُّقَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَيَكُفُّ عَنْ نَفْسِي أَشَدَّ قُيُودِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَا قَارِئَ القُرْآنِ دَاوِ قُلُوبَنَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِتِلاَوَةٍ تَزْدَانُ بِالتَّجْوِيدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

اقْرَأَ فَأُمَّتُنَا تُرَقِّعُ ثَوْبَهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِالْوَهْمِ تَخْفِضُ رَأْسَهَا لِيَهُودِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

اقْرَأْ فَأُمَّتُنَا تَعِيشُ عَلَى الرِّبَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَنْسَى عِقَابَ الْخَالِقِ الْمَعْبُودِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

اقْرَأْ لِيَنْجَلِيَ الظَّلاَمُ عَنِ الرُّبَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلْيَسْمَعِ الْغَافِي زَوَاجِرَ هُودِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

اقْرَأْ لِيَنْجَلِيَ القَتَامُ عَنِ الَّذِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَمْسَى أَسِيرَ تَخَاذُلٍ وَخُضُودِ





الساعة الآن : 04:10 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 19.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.80 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.68%)]