الاعتبار بسرعة تصرم الليالي والأيام والأعمار
الاعتبار بسرعة تصرم الليالي والأيام والأعمار الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن العاقل من اعتبر واتعظ بسرعة مرور الليالي والأيام وتصرم الأعمار. قال الله تعالى:﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [1]. وقال سبحانه: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ﴾[2]. وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [3]. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان: فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة أو الخوصة"[4]. وقد قيل: يَسرُّ الفتى طولُ السلامةِ والبقى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكيف ترى طولُ السلامةِ يفعلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قال الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [5]. قال جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به". ثم قال: يا محمد: "شرف المؤمن قيام الليل وعزّه استغناؤه عن الناس"[6]. قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [7]. قال بعضهم: مضى أمسُكَ الماضي شهيدًا مُعدلًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأعقبه يومٌ عليك جديدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإن كنت بالأمس اقترفت إساءةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فثنِّ بإحسانٍ وأنت حميدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فيومك إن أعتبه عاد نفعهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عليك وماضي الأمس ليس يعودُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا تُرجِ فِعلَ الخيرِ يومًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى غدٍ لعل غدًا يأتي وأنت فقيدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال آخر: نسيرُ إلى الآجلِ في كل لحظةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأيامنا تُطوى وهُنَّ مراحِلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولم أرَ مثل الموت حقًّا كأنه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إذا ما تخطته الأمانيُّ باطلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وما أقبحُ التفريط في زمنِ الصبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكيف والشيبُ للرأسِ شاملُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ترحّل من الدنيا بزادٍ من التقى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فَعُمْرُكَ أيامٌ وهنُّ قلائلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال بعضهم: وما هذه الأيامُ إلا مراحلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يُحثُّ بها داعٍ إلى الموتِ قاصدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأعجبُ شيءٍ لو تأمَّلت أنها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif منازلُ تُطوى والمسافرُ قاعدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قال الله تعالى: ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾ [8]. وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴾ [9]. يتبع |
رد: الاعتبار بسرعة تصرم الليالي والأيام والأعمار
قال بعضهم: إنا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكلُ يومٍ مضى يُدني من الأجلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فاعمل لنفسك قبل الموتِ مجتهدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإن الربحَ والخسرانَ في العملِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال الآخر: وما أدري وإن أمَّلْتُ عُمرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لعلّي حين أُصبِحُ لستُ أُمسي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ألم تر أن كلَّ صباحِ يومٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعُمركَ فيه أقصرُ منه أمسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قال الله تعالى: ï´؟ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا ï´¾ [10]. وقال تعالى: ï´؟ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوغ¤اْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ظ±لْقَوْمُ ظ±لْفَاسِقُونَ ï´¾ [11]. وقال بعضهم: فليست هذه الدُّنيا بشيءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَسؤك حِقبةً وتسرُّك وقتًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وغايتُها إذا فكَّرتَ فيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كفيِّكَ أو كَحِلْمِكَ إذا حلمتَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وسُجنتَ بها وأنتَ لها محبُّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكيف تُحبُّ ما فيه سُجنتا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتُطعمك الطعامَ وعن قريبٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سَتَطْعَمُ منكَ ما فيها طَعِمتَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتشفِقُ للمصرِّ على المعاصي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وترحمهُ ونفسكَ ما رحمتَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قال الله تعالى: ï´؟ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ï´¾ [12]. وقال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ï´¾ [13]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما مَثَلُ الدينا في الآخرة إلاَّ مَثَلُ ما يجعل أحدكم إصبعه في اليمِّ فلينظر بما يرجع"[14]. وقد ضرب الله تعالى الأمثال لسرعة زوال الدنيا في القرآن الكريم، ومما ضرب سبحانه تعالى بقوله: ï´؟ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ï´¾ [15]. وهذا مثلٌ من أحسن الأمثلة وهو مطابق لحالة الدنيا؛ فإن لذَّاتِها وشهواتِها، وحاجاتها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زهى وقتًا قصيرًا فإذا استكمل وتمَّ اضمحلَّ وزال عن صاحبه أو زال صاحبه عنه فأصبح صفر اليدين منها، ممتليء القلب من همِّها وحُزنها وحسرتها. فاغتنم يا عبدالله هذه الأوقات والساعات القصيرة في طاعة الله تعالى قبل الفوات، والندم على ما فات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ï´؟ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ï´¾[16]. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتناه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى، واغتنموا هذه الأيام القليلة فيما يعود عليكم بالسعادة الطويلة؛ فإنما هي أيام وساعات فينتقل الإنسان إلى ما قدم، قال الله تعالى: ï´؟ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ï´¾ [17]. فتزود يا عبدالله بالتقوى وأبشر بالسعادة الأبدية. هذا وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبدالله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وارض اللهم عن أصحابه: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، واخذل من خذل الدين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واغفر لأمواتنا وأموات المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. عباد الله: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىظ° وَيَنْهَىظ° عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ï´¾[18]. فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ï´؟ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ï´¾[19]. [1] سورة القصص، الآية: 88. [2] سورة الرحمن، الآيتان: 26 - 27. [3] سورة يونس، الآية: 45. [4] رواه ابن حبان برقم 4842، وصحح شعيب الأرناؤط. [5] سورة الشعراء، الآيات: 205 - 207. [6] الحاكم (4/325) وحسنه الألباني. [7] سورة الحج، الآية: 47. [8] سورة المؤمنون، الآية: 112 - 115. [9] سورة الروم، الآية: 55. [10] سورة طه، الآيات: 102 - 104. [11] سورة الأحقاف، الآية: 35. [12] سورة الإسراء، الآية: 52. [13] سورة العنكبوت، الآية: 14. [14] الترمذي برقم 2323 وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة 3/743. [15] سورة يونس، الآية: 24. [16] سورة الكهف، الآيات: 45، 46. [17] سورة الحديد، الآيتان: 20، 21. [18] سورة النحل، الآية: 90. [19] سورة العنكبوت، الآية: 45. |
الساعة الآن : 02:01 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour