ملتقى الشفاء الإسلامي

قصة غريب

د. أحمد أبو اليزيد

عاد إلى قريته بعد طول غياب أعوام وسنين كاملة..

وجد الشمس قد مالت، والقمر قد غاب، ووجد البئر قد صارت مُعطَّلة، أزاح عن كاهله همَّ السفر، وأناخ راحلتَه التي أضناها السفرُ، وآوى إلى فراشه بعد طول السهر..

رأى في النوم الجنَّةَ والحورَ العين، ورأى النار ووادي سقر، وشعر بأن القلب قد ران، وأن الليل قد آن، وسمع مناديًا ينادي مَن هَجَر:
ألا يا غافلاً، الرحيل قد حان، فاستفاق الغافل من سكرته، وآوى إلى قعر حجرته، فركز على نَصْل سيفه، وقطع به حبل منيَّتِه؛ حتى يعود من حيث كان منبته..

فوجد السيف قد لان، ووجد العزمَ قد هان، فمال إلى قِبْلته، وأسلم إليها عقله وفِكْره ووجنته، فصاح به لسانه: أَفِق يا سِكِّير من هجعة الخمر، ألا مِن نذير..

فنظر في وجه الحيارى، وإلى بسمة الأطفال والعَذارى، وتحسَّس من وجهه جعْدتَه، وبياض شعر مَفرِقه ولحيته، ففرَّت من عينه دمعته، فصاحت دمعته:
أَفِق يا عربيد، فهوى مَن وقْفته على أم رأسه المشيب.
فقالت الأرض: احذر من قبضتي يا غريب!