ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   نقاش هادئ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=284255)

ابوالوليد المسلم 18-10-2022 02:46 PM

نقاش هادئ
 

نقاش هادئ (1)








كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمعلوم أن السَّلَف الصالح هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان، ومَن تابعهم على نهجهم وطريقتهم إلى يوم الدِّين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم كما في صحيح البخاري: "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -قالَ عِمْرانُ: لا أدْرِي: ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ- ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ، يَنْذِرُونَ ولا يَفُونَ، ويَخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، ويَشْهَدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ ...".

فالصحابة رضوان الله عليهم والقرون الثلاثة الأولى هم أهل الخيرية بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وهم أولى الناس باتباع طريقتهم؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمدٍ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه..."

فإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلوبهم خير قلوب العباد، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم وزراء النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين اختارهم الله ليقاتلوا عن دينه ويبلغوه، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أشد الخلق محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم مَن بلَّغونا الدِّين غضًّا طريًّا كما أراده الله وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان سلف الأمة في القرون الثلاثة الأولى هم خير الأمة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف من القرون الثلاثة الأولى لم يحتفلوا قط بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يحتفون فقط بيوم مولده بصيام ذلك اليوم الاثنين من كل أسبوع، كما كان يفعل ذلك حبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، وكما أمر بذلك؛ فلماذا نزيد نحن ذلك؟!

ولماذا نبتدع في الدين ما ليس منه؟!

ولماذا نُلبِّس على الناس الأمر بعدم ذكر طريقة الصحابة ولا القرون الثلاثة الأولى الصحيحة في احتفائهم بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بصيام يوم الاثنين من كل أسبوع؟!

ولماذا هذا النكوص عن بيان الحق بالاستشهاد بما أحدثته الفرق المبتدعة بدأ من القرنين الرابع والخامس الهجريين، وترك ما كان في القرون الثلاثة الخيرية الأولى؟!

ولماذا هذا التلبيس اللغوي بعدم التفريق بين الاحتفاء والاحتفال؟!

فالاحتفاء مصدر احْتَفَى، "نقول: خَرَجَ النَّاسُ احْتِفَاءً بِقُدُومِهِ: تَرْحِيبًا وَتَكْرِيمًا"؛ فهو تكريم وعناية بالشخص؛ وفي التنزيل: "إنه كان بي حفيًّا"، وصورته هنا هو :ما شُرع من صيام يوم الاثنين من كل أسبوع إكرامًا للنبي صلى الله عليه وسلم. والاحتفال: إقامة نشاط ما؛ كاِجْتِمَاعُ النَّاسِ فِي حَفْلٍ بِمُنَاسَبَةِ مَّا في يوم مَّا، يَتِمُّ فِيهِ تَبَادُلُ التَّهَانِي والطعام والشراب وخلافه، وهذا ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ولا الصحابة من بعده، ولا السلف الصالح من القرون الثلاثة الأولى الخيرية.

فلماذا لا نلتزم بهدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم أهل المحبة الحقيقية الذين أمُرنا باتباع نهجهم من حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؟!

ولماذا نحاول أن نخترع في الدين ما ليس منه بالاحتفال بمولده في يوم واحد في العام نملئه بالطعام والشراب، والتمايل والرقص، وما لا يرضي الرب سبحانه وتعالى؛ وكأننا أشد منهم حبًّا للنبي صلى الله عليه وسلم، أو أكثر منهم علمًا، أو أعمق منهم فهمًا؟!

والعجيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حسم الأمر في مثل هذه الاختلافات التي أخبر بوقوعها منذ خمسة عشر قرنًا، ووجهنا بما يجب علينا فيها، كما جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعَضوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ"، فتمسكوا بهديه وهدي أصحابه يا أحبابي إن كنتم حقًّا صادقين في محبته صلى الله عليه وسلم؛ فـ"الاتباع أصل المحبة" كما قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم".


وللحديث بقية إن شاء الله.

ابوالوليد المسلم 25-10-2022 12:51 PM

رد: نقاش هادئ
 
نقاش هادئ (2)









كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنلاحظ في الأوقات الحالية مِن كثيرٍ ممَّن يتعصب للمذهبية؛ محاولاته التهوين من أمر الاحتفال بالمولد بقوله: "يعتبر الأمر خلافًا سائغًا معتبرًا بين الفقهاء، ويقرر: أن مَن قلَّد قولًا معتبرًا في المسألة لم يجز له الإنكار على غيره ممَّن قلَّد قولًا آخر، وأن الاحتفال الذي يسوغ فيه الخلاف هو ما كان خاليًا من المحرمات: كالمعازف، والاختلاط، والغلو البدعي الشركي في النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك، ولكن فقط تخصيص اليوم بالكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر شمائله، والإنشاد المقبول شرعًا مِن مدحه صلى الله عليه وسلم، وإدخال السرور على النفس والأهل، والتوسعة عليهم بالحلوى، ونحو ذلك، والأقرب عنده أن تحريم هذا بعيد!".

والجواب عن هذا الكلام يكون من وجوه عِدَّة:

أولًا: هناك فرق بين ما يسوغ فيه الخلاف، وما لا يسوغ فيه الخلاف؛ فالخلاف السائغ: هو الذي لم يخالف البينات (وهي نص من كتاب أو سنة صحيحة، أو إجماع قديم، أو قياس جلي).

والخلاف غير السائغ: هو الذي خالف البينات (وهي النص من كتاب أو سنة صحيحة، أو إجماع قديم، أو قياس جلي)؛ قال الله تعالى: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم"؛ فليس كل خلاف لا يشرع فيه الإنكار، بل الخلاف غير السائغ الذي خالف البينات، يجب فيه الإنكار؛ لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكما قيل:

ليس كل خلاف جاء معتبرًا إلا خلافًا له حظ من النظر

- والأمثلة من الصحابة على الإنكار في مسائل الخلاف كثيرة، منها: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تمتع النبي صلى الله عليه وسلم (أي: في الحج)، فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون! أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون نهى أبو بكر وعمر!".

وقالت عائشة رضي الله عنه: "أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب"؛ أي: من القول بجواز بيع العينة.

وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: "إن ناسًا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة (يعني ابن عباس رضي الله عنهما في فتواه بجواز نكاح المتعة)، فناداه ابن عباس فقال له: إنك لجلف جاف، فقال له ابن الزبير: جرب بنفسك، فوالله لو فعلت لأرجمنك بأحجارك".

ثانيًا: هل الخلاف في الاحتفال بالمولد بهذه الصورة المذكورة في الفتوى، من الخلاف السائغ أم من الخلاف غير السائغ؟

بالتأكيد هو من الخلاف غير السائغ؛ لماذا؟!

لأن هذا مخالف لإجماع الصحابة، والقرون الثلاثة الخيرية الأولى؛ فلم يكن معروفًا ولا معمولًا به في القرون الثلاثة الفاضلة، وأول مَن أحدثه العبيديون المسمون بالفاطميين، ومعلوم مكانتهم من التشيع والزندقة، ونبذ الكتاب والسنة، ومحادتهم للإسلام وأهله والكيد له، وهذا يكفي في بطلانه، والدليل على نكارته، وعدم مشروعيته.

قال الإمام السخاوي رحمه الله: "عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحدٍ من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد".

وقال الإمام تاج الدين الفاكهاني المالكي رحمه الله: "لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحدٍ من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدِّين -كالأئمة الأربعة ونحوهم- المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطَّالون، وشهوة نفسٍ اعتنى بها الأكَّالون؛ بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجبًا، أو مندوبًا، أو مباحًا، أو مكروهًا، أو محرمًا! وهو ليس بواجب إجماعًا، ولا مندوبًا؛ لأن حقيقة المندوب: ما طلبه الشرع مِن غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشارع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون -فيما علمت-، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحًا؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحًا بإجماع المسلمين، فلم يبقَ؛ إلا أن يكون مكروهًا، أو محرمًا".

ونقل السيوطي عن الحافظ ابن حجر قال: "وقد سُئِل شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة" (الحاوي للسيوطي).

وقال ابن الحاج المالكي: "ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد... " إلى أن قال: "وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع؛ فإن خلا منه -وأنى يخلو منه؟!- وعمل طعامًا فقط ونوى به المولد، ودعا إليه الإخوان، وسلم مِن كل ما تقدم ذكره من الضرب بالطبول، والرقص والتواجد، والاختلاط؛ فهو بدعة بنفس نيته فقط؛ إذ أن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين... ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما يسعهم" (المدخل لابن الحاج المالكي).


فتبيَّن أن هذا الاحتفال مخالف لإجماع الصحابة، والقرون الثلاثة الأولى؛ هذا فضلًا عن النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي تحذر من الابتداع في الدِّين، والتي تبيِّن أن الأصل في العبادات المنع والتوقف حتى يرد الدليل على الفعل.


وللحديث بقية إن شاء الله.

ابوالوليد المسلم 05-11-2022 12:22 PM

رد: نقاش هادئ
 
نقاش هادئ (3)









كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا في المقالات السابقة بدعية الاحتفال بالمولد النبوي، وأنه مخالف لإجماع الصحابة، والقرون الثلاثة الأولى؛ فضلًا عن النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي تحذر من الابتداع في الدِّين، والتي تبيِّن أن الأصل في العبادات المنع والتوقف حتى يرد الدليل على الفعل؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، و"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وتَرْك النبي صلى الله عليه وسلم حجة كما أن فعله حجة، فكما هو معلوم ومقرر عند جمهور الأصوليين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ترك فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائمًا ثابتًا، والمانع منها منتفيًا؛ فإن فعلها بدعة".

ويُعرف الترك بأحد طريقين:

- أحدهما: إما بتصريح الصحابي بأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك كذا وكذا ولم يفعله، كقوله: "صلى العيدين بلا أذان ولا إقامة".

- والثاني: بعدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله صلى الله عليه وسلم لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم، أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدَّث به في مجمع أبدًا؛ عُلِم أنه لم يكن.

قال السمعاني في قواطع الأدلة: (إذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا وجب علينا متابعته فيه؛ ألا ترى أنه لما قُدِّم إليه الضب فأمسك عنه، أمسك عنه أصحابه وتركوه، إلى أن قال لهم: "إني أعافه"، وأذِن لهم في تناوله).

ومقتضى الاحتفال بالمولد كان موجودًا، ولم يكن هناك مانع من فعله، ومع ذلك لم يُنقل فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه -مع شدة حبهم له صلى الله عليه وسلم-، فكان هذا إجماعًا منهم على تركه، وعدم مشروعية فعله؛ قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله، فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر شيئًا، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا بطريق من كان قبلكم".

قال ابن تيمية رحمه الله: "فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا؛ لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص".

وقال الشاطبي رحمه الله: "لأن ترك العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عمره، وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم قد تقدم أنه نص في الترك، وإجماع من كلِّ مَن ترك؛ لأن عمل الإجماع كنصه".

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين"؛ فهذه الطائفة لا يخلو منها زمان فضلًا عن زمان القرون الخيرية الأولى؛ فلو كان الاحتفال بالمولد النبوي من الطاعات والقربات، فهل يُعقل أن تترك هذه الطائفة والأمة جميعًا في أفضل عصورها هذه الطاعة لمدة تزيد عن مائتي عام؟!

ولا ينبغي الاختلاف على أن مَن قال بالجواز يعتقد أنها قربة وطاعة، وليس أمرًا من أمور العادات؛ لأنهم اجتهدوا في إدخالها تحت أصل شرعي، فدل ذلك على أنهم يعتبرون الاحتفال بهذه الصورة من العبادات وليس من العادات، ومن يقول غير ذلك فهو مكابر مخادع.

فعلى ذلك: مَن قال بالجواز مِن العلماء المتأخرين؛ فهو محجوج بالإجماع القديم، وبالأدلة التي ذكرها العلماء، فكان قوله من الخلاف غير السائغ.


قال الإمام الشافعي رحمه الله: (أجمع العلماء على أن مَن استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحدٍ من الناس)، فنقول في حق هؤلاء العلماء: (شيخ الإسلام حبيب إلى قلوبنا، والحق أحب إلينا من شيخ الإسلام)، وكل الأدلة التي استدلوا بها مردود عليها؛ فلا يصح الاحتجاج بها.

وللحديث بقية إن شاء الله.

ابوالوليد المسلم 28-11-2022 12:16 PM

رد: نقاش هادئ
 
نقاش هادئ (4)






كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ثالثًا: الواجب على المسلم في الخلاف غير السائغ: أن يتبع الحق، ولا يجوز له أن يتبع قول أحدٍ كائنًا مَن كان، ويترك الحق الذي ظهر له.

رابعًا: يشترط لصحة الفتوى أن تكون مطابقة للواقع المستفتَى عنه؛ فالواقع الموجود الآن لا ينطبق على الصورة التي ذكرها في الفتوى، فلا يخفى على كلِّ منصف مدرك للواقع، أن مثل هذه الاحتفالات لا تخلو من منكرات: كالمعازف والاختلاط، والتمايل والرقص؛ فضلًا عن الغلو البدعي والشركي في النبي صلى الله عليه وسلم.

خامسًا: حتى لو افترضنا أنها خلت من هذه المنكرات، وأنها اقتصرت على الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر شمائله وإنشاد الشعر المقبول شرعًا في مدحه صلى الله عليه وسلم، وإدخال السرور على النفس والأهل والتوسعة عليهم بالحلوى، فهذه الصورة أيضًا لا تجوز، وهي الصورة البدعية التي تكلمنا عنها سابقًا في النقطة الثانية؛ فضلًا عن أن تخصيص يوم بإدخال السرور على النفس والأهل والتوسعة عليهم، واعتقاد أن ذلك قربة في هذا اليوم، يدخل في مسمى العيد الذي لم يشرع لنا إلا في عيدين فقط، هما: الفطر والأضحى، فمثل ذلك ابتداع في الدين بإحداث عيد آخر.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائد: إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك، فالعيد: يجمع أمورًا؛ منها: يوم عائد: كيوم الفطر، ويوم الجمعة. ومنها: اجتماع فيه. ومنها: أعمال تتبع ذلك من العبادات، والعادات" (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم).

فليس للمسلمين إلا عيد الفطر وعيد الأضحى؛ لما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟" قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن لكل قومًا عيدًا، وهذا عيدنا أهل الإسلام".

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة، مثل يوم بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه" (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم).

فهذا التخصيص يحتاج إلى دليل، فالتخصيص في العبادات بغير دليل بدعة في الدين.

سادسًا: قد يقول مَن جوَّز الاحتفال: أنه قد قال به بعض العلماء بداية من القرن الرابع الهجري، فبالتأكيد هم أعلم منا، وقد علموا ما لم نعلمه نحن، فهل أنتم "أي: المانعين من الاحتفال في زماننا" أعلم بالشرع من هؤلاء العلماء؟!

فنقول: إن هذا الكلام مضمونه في الحقيقة اتهام للصحابة وللقرون الثلاثة الأولى بأن علمهم أقل ممَّن جاء بعدهم، فمثل هذا الكلام قدح في الصحابة، وفي القرون الثلاثة الخيرية الأولى، فنحن لم نقل نحن أعلم، أو قارنا أنفسنا بهم، بل نقول: القرون الثلاثة الأولى أعلم وأفهم للدين منهم، وأحق بالاتباع منهم؛ ولذلك قال مالك رحمه الله: "من أحدث في الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها؛ فقد زعم أن الرسول خان الرسالة".

وقد سئل تقي الدين السبكي عن بعض المحدثات فقال: "الحمد لله، هذه بدعة لا يشك فيها أحدٌ، ولا يرتاب في ذلك، ويكفي أنها لم تُعرف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن أصحابه، ولا عن أحدٍ من علماء السلف" (فتاوى السبكي).

فضلًا عن ذلك؛ أنه بهذا الكلام يسلك سلوك المبتدعة الذين ناظروا الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن حينما كانوا يحتجون عليه بالأقوال والتأويلات الفاسدة التي أتوا بها، واستدلوا بها، فوقف الإمام أحمد موقف المنافح المدافع عن منهج الاستدلال الصحيح، وقال لهم: "ائتوني بشيء من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول به"، وأهل الحق في هذا الزمان كذلك يقولون: ائتونا بشيء أو بأثر عن القرون الثلاثة الخيرية الأولى في الاحتفال بالمولد النبوي كما تزعمون، ونحن نقول به.


فيجب على المسلم أن يكون متبعًا للحق متعصبًا له، وليحذر من اتباع الهوى أو التعصب للأشخاص؛ خاصة إذا خالفوا الحق، ومَن أراد الاحتفاء الحقيقي بمولده صلى الله عليه وسلم فليفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك: بصوم كل يوم اثنين من كل أسبوع.

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

اللهم آمين.






الساعة الآن : 05:44 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 27.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.86 كيلو بايت... تم توفير 0.22 كيلو بايت...بمعدل (0.81%)]