ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   رد على شبهة أن السلفية محضن للجماعات المتطرفة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=237703)

ابوالوليد المسلم 05-08-2020 04:59 AM

رد على شبهة أن السلفية محضن للجماعات المتطرفة
 
رد على شبهة أن السلفية محضن للجماعات المتطرفة
نادر سعد العمري





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلَّم. وبعد:
فإن لكل مذهب أصوله وقواعده التي يتبين بها منهجه، ويحاكم إليها أدعياء الانتساب إليه، وبقدر التمسك بها أو القرب منها يُحكم على الشخص بأنه موافق، وبقدر مخالفتها والبعد عنها يُحكم على الشخص بأنه مخالف. وهذا الأمر ينطبق على مذهب السلف في الاعتقاد، فأصول المنهج السلفي واضحة بينة، في منهج التلقي، وفي قضايا الألوهية والصفات والإيمان وغيرها.. وهو منهج وسطي معتدل بين الإفراط والتفريط، والغلو والتساهل، يقدِّم رؤية واضحة للكون والحياة والإنسان وعلاقة المخلوق بالخالق سبحانه، وما يستحقه الله تعالى من الحقوق وما يجب على العبد من مقتضيات العبودية الخالصة لله عز وجل.

وقد لاحظت مؤخرًا في بعض ما يُكتب بوسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي من نبز للدعوة السلفية واتهامها بأنها المنبع العقدي والمحضن الفكري للجماعات الغالية المتطرفة التي ابتُلي المسلمون بها في هذا العصر، وهذا حكم سطحي مستعجل لم يعتبر أصحابه السياقات الفكرية والجذور التاريخية سواء للمدارس السلفية أو للجماعات الغالية.

ويمكن تلخيص رؤيتي في هذا الأمر فيما يلي:
1- ما من (حقٍّ) إلا وهو محاط بباطلين هما الغلو والتفريط.. والمسلَّمات العقدية التي عليها المسلمون تندرج في هذا.. والغلاة الأوائل من الخوارج الحرورية خرجوا من داخل مجتمع كان يقوده الصحابة وكبار التابعين.. فلم يكن سبب الانحراف في أصل عقيدة المسلمين التي تلقوها من كتاب الله وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكن في غلو هذه الطائفة وما زادته أو نقصته.. ولا ينكر أحد أنّ الخوارج عندهم بعض الحق يجعلهم من المسلمين.. لكنه حقٌّ مشوب بباطل الغلو الذي زادوه من عند أنفسهم. وعليه فإن نسبة خوارج العصر إلى السلفية المعاصرة، كنسبة الخوارج الأوائل إلى ما عليه الصحابة والتابعون.. وهي نسبة ظالمة.

2- جماعات الغلو المعاصرة ليست ظاهرة جديدة، وإنما هي امتداد للفرق الوعيدية في القرون الإسلامية الأولى، وعلى رأسها الخوارج، فأصل فكر الخوارج ناتج عن شطط عاطفي مندفع، نظر إلى الشريعة السمحة نظرة ضيقة محدودة، وتعامل مع أحكام الشرع بتنطُّع، ومع المخالفين بتطرف وعنف، فكفّروا مخالفيهم، واتسعت دائرة التكفير عندهم لتشمل جميع العصاة بأعيانهم، وترتب على التكفير استحلال الدماء، واعتبار مخالفيهم شرًّا من اليهود والنصارى وأهل الأوثان، فكانوا يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان. ولم يخلُ عصر من العصور من نابتة الشر هذه، ومن يتأمل في استدلالهم فسيجد أنهم يستدلون بنصوص من القرآن والسنّة، لكنهم يأخذون ما يوافق هواهم ويتركون ما سواه.. والأمر نفسه ينطبق على جماعات الغلو المعاصرة.. فهل استدلالهم بنصوص الوحي على غلوهم، ونقلهم لما يروق لهم من كلام أئمة الإسلام في كتبهم يجعلهم من المدارس السلفية؟ وأين العدل في الحكم عند من يخلط بين أهل الغلو ودعاة الاعتدال؟

3- لم تأتِ السلفية المعاصرة بجديد، سواء في منهجها الاعتقادي، أو في الآراء الفقهية الاجتهادية التي اختارها أئمة الدعوة.. فكثير مما قالوه مستقىً من كتب التراث الإسلامي، معروف بين النظّار والفقهاء، فمثلاً أحكام الجهاد والردّة التي يدرِّسها السلفيون في مدارسهم على اختلافها منصوص عليها في كتب الفقه الإسلامي، وبها يقول علماء المذاهب المعروفة، وآراء السلفيين متعددة في تفاصيل هذه المسائل، لكن في إطار التعدد الفقهي الموروث من أئمة المذاهب الفقهية، ولو تأملنا في مناهج التدريس التي يدرِّسها علماء الدعوة السلفية المعتبرون فسنجد أنها لا تختلف عما يدرَّس في حلقات العلم الشرعي عند غيرهم.

4- تربية المسلمين على الجهاد في سبيل الله ليست عيبًا، بل هي منقبة ومطلب شرعي قرآني.. قال تعالى: ﴿ يا أيُّها النَّبيُّ حَرِّضِ المؤْمنينَ عَلَى القِتالِ ﴾.. لكنها تربية تمزج بين العلم والعمل، والعقل والعاطفة، وتتبنى المفهوم الواسع للجهاد قولاً وعملاً، وترى أن الجهاد ميادينه كثيرة، وأن الجهاد المسلّح لا يتوجب على الأعيان إلا عندما يكون وسيلة إلى دفع العدوان، وأن الأصل هو السِّلْم، وأن التغيير متى أمكن بالرفق واللين فهو مطلوب الشرع المتعيِّن على من تصدى للتغيير. والانحراف الحاصل من جماعات الغلو هو في تكفير من ليس كافرًا.. واستحلال دماء من حرّم الله دماءهم.. وتطبيق أحكام الجهاد في غير محلها، والاستعجال بتطبيق بعض أحكام الشرع في غير مناطاتها. وجماعات الغلو هذه لا تستقي أفكارها من كتاب بعينه.. بل تجدهم يأخذون من كلام العلماء والأئمة ما يوافق أهواءهم.. ومن يراجع مصنفاتهم فسيجدهم ينقلون من كلام ابن حزم والجويني والنووي وابن حجر وابن تيمية وابن القيم.. ومن كلام أئمة المدرسة السلفية النجدية، ومن كلام بعض رموز الإخوان المسلمين كسيد قطب وعبدالله عزام - رحم الله الجميع -.

5- انتشار الطرح الجهادي بين السلفيين وعموم الإسلاميين في العقود الثلاثة الماضية كان له ما يبرره.. ولا ننسى أن القتال في أفغانستان ثم في البوسنة والهرسك ثم في الشيشان كان محل اتفاق بين أكثر الطوائف بمن في ذلك الإخوان المسلمون، وقطاع عريض من الصوفية وغيرهم. ثم جاء الغزو الأمريكي على أفغانستان والعراق وكان رأي كثير من العلماء المعروفين حينها وجوب الجهاد على أهل هذين البلدين وتحريض المسلمين على دعمهم بالمال والسلاح.. وحمل أهل السنة في العراق وأفغانستان السلاح دفعاً للعدوان، ولم تكن المشكلة حينها في وجود الجهاد هناك، ولكن في ظهور جماعات غلو بين المجاهدين تحمل أفكارًا متطرفة، وتجنِّد عناصر دخيلة على تلك المجتمعات من شتى أصقاع الأرض.

6- كَثُر مؤخرًا اللمز والطعن في كتب شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وكتب أئمة الدعوة السلفية في نجد، واعتبارها أصلاً فكريًا للجماعات الغالية المعاصرة، وأنا أجزم بأنّ الناقدين من إخواننا عفا الله عنهم لم يقرؤوا هذه الكتب قراءة فاحصة منصفة، وربما لم يقرؤوها أصلاً.. ولو قرأوها بتجرد فلن يجدوا فرقاً كبيراً بين آراء مؤلفيها وآراء رموز المدارس التجديدية الإسلامية الأخرى، ولوجدوا في هذه الكتب ردودًا نفيسة على الفرق الغالية، لكن مع اعتبار الظروف الزمانية والمكانية التي كتبت فيها هذه الكتب، ومن الظلم محاكمة مؤلفي هذه الكتب إلى ظروف غير ظروف عصرهم، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله خاض صراعا رهيبا مع الجمود الفكري والتعصب المذهبي في عصره، وسجن سبع مرات بمكائد ووشايات من العلماء المخالفين له، ووصل الأمر ببعضهم إلى تحريض السلطان على قتله، وكان من أبرز أسباب اضطهاده وسجنه فتواه في مسألة فقهية اجتهادية هي اعتبار طلاق الثلاث بلفظة واحدة أو في مجلس واحد طلقة واحدة رجعية، وهو مذهب لبعض السلف، وإن كان مخالفاً للمشهور في المذاهب الأربعة.. وبقي في السجن بسببها حتى مات، وبلغ من فجور خصومه، وغلوهم في التعصب المذهبي أن حرّضوا السلطان على منعه من الكتابة والافتاء، فمنعت عنه الأوراق والأقلام قبل أن يموت.. ومن الطبيعي أن تكون كتبه جلُّها ردودًا ومقارعة لمخالفيه بأسلوبه العلمي العميق مع تأثير حدة طبعه على قلمه. وتنزيل كثير من كلامه - رحمه الله - على واقع غير واقعه وعصر غير عصره ظلم له ولتراثه. ومدرسة الشيخ ابن عبدالوهاب التجديدية ظهرت في عصر مظلم.. وواجهها مجتمع ذلك العصر بالرفض.. فحمل ولاة العثمانيين السلاح ضدها دفاعا عما كان الوهابيون يعتقدونه شِركًا.. فكان طبيعيا أن تدافع الحركة عن نفسها، وتؤسس دولة خاصة بها تدعو إلى التوحيد وتقارع القوى المناوئة، في بيئة بدوية قاحلة متشددة لا تعرف التنوع الإثني.. ومن الطبيعي أن تخرج فتاوى أئمة هذه الدعوة في مرحلة الصراع شديدة ضد تلك القوى، وأن يحكموا على بعض المخالفين أحيانًا بالردة والشرك الأكبر.. لأن طبيعة الصراع الحادة، واضطهاد العثمانيين للدعوة ودعاتها، ومناوئة بعض العلماء المعاصرين حينها للدعوة وتحريضهم ضدها، دفعتهم إلى هذه المواقف دفعًا، ولا ننسى فجور الحملة المصرية التي قادها إبراهيم بن محمد علي باشا على نجد وتخريبهم لمدينة الدرعية، وقتْلِهم لبعض العلماء، وارتكابهم للمنكرات إغاظةً لأهل نجد الذين يميل طبعهم البدوي إلى التشدد والمحافظة. ولو أن الدعوة نشأت وترعرعت في بيئة صحية هادئة لنحتْ منحىً آخر، وقد تحقق هذا الهدوء عندما هدأت الأوضاع واستقامت الأمور في نجد، فعادت الدعوة هناك إلى اعتدالها، وهذه كتب علماء نجد مليئة بالمباحث العلمية والتأصيلات السلفية، فهم حنابلة أصولاً وفروعًا.


هذه بعض الأفكار التي علّقتها على عجل.. إسهامًا في وضع النقاط على الحروف في هذه القضية الخطيرة التي يلتبس فيها الحق بالباطل، ويقع فيها كثير من الناس بخطأ التعميم في الأحكام، وهو الظلم بعينه.

والله المستعان، عليه توكلت وإليه أنيب.




الساعة الآن : 08:38 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 12.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.38 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.75%)]