ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القصة والعبرة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=32)
-   -   الخير فيما نحب أم فيما نكره ؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=244280)

ابوالوليد المسلم 30-10-2020 09:37 PM

الخير فيما نحب أم فيما نكره ؟
 
الخير فيما نحب أم فيما نكره ؟


هنادي الشيخ نجيب





ما أجملَ أن يكون الواحد منا مُشرقَ النفس، مبتهجًا بالحياة، مطمئن الخاطر، بعيدًا عن كل ما يكدر عليه صفوه، مقبلاً على الله، حريصًا على ما ينفعه في أمور دِينه ودنياه.

ولكن هيهات أن نستقر على تلك الحالة، طالما أن هناك من يترصد لنا دون كلل أو ملل، لإدخال الحزن علينا.
إني بُليتُ بأربع يرمينني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بالنَّبل قد نصبوا عليَّ شِراكا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إبليس والدنيا ونفسي والهوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من أين أرجو بينهن فَكاكا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


نعم، إن من أعظم مقاصد الشيطان إغراقَنا في الحزن، أليس يقول ربنا:
﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [المجادلة: 10]، ومع أن الآية قد قيدت ﴿ وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 10]، فإننا نسهو عنها في كثير من الأحيان.

إن الحزن على ما فات، والخوف مما هو آت، إذا استحكما بنا، فلن يرتاح لنا بال، ولن يستقر لنا حال، وستفتح أمامنا أبواب الشيطان: لو كان كذا، وإذا فعلنا كذا، وإن صار كذا...
فلماذا نقلق من المجهول إذا كان كل شيء عند الله معلومًا؟
ترى: ما هو الحل لنغلق تلك المداخل ونرضى بما هو حاصل؟
وما هي الخطوة الأولى في تحليل هذه المسألة قبل البدء بحلِّها.


على ألا ننسى أن منهجنا في حل المعضلات هو:
إما أن نجد الطريق، وإما أن نشقَّها بأنفسنا...
فتعالوا معي في أول خطوة على طريق الحلِّ...

قصة اليوم بعنوان:
(اختاروا واقعَكم)!
يروى أن عجوزًا حكيمًا كان يسكن في إحدى القرى الريفية البسيطة، وكان أهل القرية يثِقون به وبعلمه، وبإجاباته عن كل أسئلتهم لمواجهة مخاوفهم.

في أحد الأيام، قصده فلاح من القرية وقال له بصوت حزين: (أيها الحكيم، ساعدني، لقد حدث لي شيء فظيع، لقد مات ثَوري، ولا أملك حيوانًا يساعدني على حَرث أرضي، أليس ذلك أسوأَ شيء يمكن أن يحدث لي؟!).

أجاب الحكيم: (ربما يكون ذلك صحيحًا، وربما غير صحيح!).

أسرع الفلاح ليخبر جيرانه أن الحكيم قد جُنَّ، فكيف لم يرَ الحكيم أن موت الثور هو أسوأ ما قد يحدث للفلاح؟ أين بُعد نظره؟ أين نفاذُ بصيرته؟

في مساء ذلك اليوم، شاهد الفلاح حصانًا بالقرب من مزرعته، ولأنه لم يعُد يملِك ثورًا يعِينه في عمله، خطرت له فكرة اصطياد الحصان ليحل محل الثور، وبالفعل قام بذلك.

لقد كانت سعادة الفلاح لا توصف، فلم يحرث الأرض بمثل هذا اليُسر من قبل، فما كان من الفلاح إلا أن عاد للحكيم وتأسف له قائلاً: (لقد كنتَ محقًّا أيها الحكيم، إن فقداني للثور لم يكن أسوأ شيء يمكن أن يقع لي، لقد كان نعمةً لم أستطع فهمها، فلو لم يحدث ذلك، لما خطر ببالي أن أصيد حصانًا لحراثة الأرض، ألا توافقني على أن هذا هو أفضل شيء يمكن أن يحدث لي؟!

أجاب الحكيم: ربما نعم، وربما لا...
قال الفلاح لنفسه: كلا... مرة ثانية! لا بد أن الحكيم قد فقد صوابه تمامًا!

بعد عدة أيام، وبينما كان ابن الفلاح يمتطي الحصان، وقع عن ظهره، فكسرت ساقه، ولم يعُد بمقدوره أن يساعد أباه في أعمال الحصاد.

ومرة ثالثة ذهب الفلاح إلى الحكيم وقال له: (كيف عرفت أن إمساكي بالحصان لم يكن أمرًا جيدًا؟ لقد كنت على صواب، لقد وقع ابني وكسرت ساقه، ولن يتمكن من مساعدتي في الحصاد... وهذه المرة، أنا متأكد بأن هذا هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي، ما رأيك؟

نظر الحكيم إلى الفلاح وأجابه بصوت تعلوه الشفقة: (ربما نعم، وربما لا...).
غضب الفلاح غضبًا شديدًا من جهل الحكيم، وعاد من فوره إلى القرية.

في صباح اليوم التالي، قدم المسؤول في الجيش واقتاد جميع الرجال القادرين على المشاركة في الحرب التي اندلعت بين قريتين متجاورتين، وكان ابن الفلاح هو الشابَّ الوحيد الذي لم يصطحبوه معهم، وقد كتبت له الحياة في حين أصبح مصير غالبية الذين ذهبوا للحرب أن يكونوا في عداد الأموات.

قرَّاءنا الكرام، لو أنَّا أُعطِينا نظارةً تكشف لنا الغيب، فثِقوا بأننا لن نختار إلا الواقع، كيف لا، وكل المقادير خيرها وشرها، هي حُكم مَن بيده الخير، وهو على كل شيء قدير؟!

فلماذا نحزن على ماضٍ نستطيع أن نأخذ منه ما يدفع ويرفع وينفع؟!
ولماذا نخاف مما سيكون، وأقصى ما قد يفعله الناس معنا هو إنفاذُ قضاء الله فينا؟!
على أننا يجب أن نكون على حذرٍ من الاستغراق؛ لأنه من علامات الإخفاق...
فالاستغراق في الماضي نوم وجمود...
والاستغراق في المستقبل وَهْم وجنون...
والاستغراق في الحاضر عجز وقعود...

إننا نريد أن نستمد:
من الماضي دافعًا وحافزًا.
ومن المستقبل موجِّهًا ومرشدًا.
ومن الحاضر عمادًا وسندًا.

واستعيذوا بالله - قراءنا الأفاضل - من الشيطان الرجيم، وفي كل مرة يقول لكم فيها: (فاتكم القطار)، فلا تستسلموا له، واستدركوا المسار؛ لأن كل القطارات تذهب وتعود، طالما أن في الصدور قلوبًا بالتوكل تفيض.

توكلوا على الله، وسيِّروا في كل حينٍ مراكبَ الاعتماد؛ لتعود محمَّلة بالخير والرشاد...








الساعة الآن : 06:34 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.25 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.70%)]