ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأخت المسلمة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=45)
-   -   لماذا نخسر السعادة ؟ وكيف نظفر بها ؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=227642)

ابوالوليد المسلم 27-02-2020 10:25 AM

لماذا نخسر السعادة ؟ وكيف نظفر بها ؟
 
لماذا نخسر السعادة ؟ وكيف نظفر بها ؟
مالك فيصل الدندشي

الحمد لله رب العالمين الذي خلق فسوى، وجعل الذكر والأنثى، ومن ذريتهما تكونت الشعوب والقبائل ليتعارفوا، والأكرم عند الله منهم هو الأتقى، وأصلي وأسلم على سيد ولد آدم، محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:
يقول الله -جلّ شأنه-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[سورة الروم].
إن من يمعن النظر في الآية السابقة ليخلص إلى حقيقة لا يختلف فيها اثنان من ذوي العقول الناضجة؛ وهي أن الهدف من الزواج هو تحقيق السعادة المادية والمعنوية، والتي تتمثل في هذا السكن، وتلك المودة والرحمة.
سبحان الله! ويبدو أنّ المخاطب -بادئ ذي بدء- هو الرجل، وتأمل معه قوله - تعالى -: (لتسكنوا إليها)، فالرجل يبحث عن سعادته، وربما يتوهم أنها تنشد في المال والجاه والمنصب، والشهوات والولد والثمرات، والمركب الفاهر والحرث، فيعتزم على تناولها، ويكدح ويتعب للوصول إليها، ولكنه يفاجأ أنها لا تساوي قطرة واحدة من ماء السعادة الذي يجده عند زوجة صالحة، إذا نظر إليها سرّته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا ائتمنها لم تخنه.
كيف تتحقق السعادة الزوجية
إذا تحققت المودة والرحمة بين الزوجين إثر سكونه إليها، فتلكم هي السعادة الزوجية، ومن المودة والرحمة تنتج منهما كل مظاهر الهناء في بيت الزوجية.
إن هذا الهدف السامي الذي يتطلع إليه كل عاقل من ولد آدم ليس الحصول عليه سهلاً، ولا يوفق إليه إلا من لزم شرع الله واتقاه.
ولا ريب أنّ الأبوين عندما يشب ابنهما ويكبر، ويبلغ مبلغ الرجال، يتشوقان إلى إسعاده، وهما يعلمان أنّ لا سعادة له إلا في زوجة صالحة يسكن إليها، وكذلك البنت عندما تصل إلى سن البلوغ، وتظهر عليها سمات الأنوثة الكاملة، يلجأ أبواها إلى البحث عمن يسعدها سواء بالإفصاح أم بالإضمار، وهما متيقنان أنّ بقاءها في بيت أبيها لن يجلب لها سعادة إلا في بيت زوج يسكن إليها، ثم تسكن إليه، وتنشأ بينهما علاقات تتأصل فيها حبال الرحمة والمودة.
فالأم إذا رأت أنّ ابنها أو ابنتها لا يفكران في السعادة الحقيقية، أصابها الهم والغم، ومثل ذلك الأب؛ لذلك يظلان يلحان على ابنهما كي يفكر في ابنة الحلال كما يقال، وبالنسبة للفتاة إن جاءها خاطب كفء، ولم تكن راغبة فيه، فإنهما يبذلان قصارى جهدهما كي توافق على الاقتران به، وكم تكبر سعادتهما إذا حققا لأبنائهما السعادة الزوجية، ورأيا أنّ الأبناء والبنات وجد كل واحد منهم مطلوبه.
لقد تحقق بيت الزوجية، ووجد الرجل امرأة يسكن إليها، ووجدت المرأة الرجل الذي تسكن إليه، وها هي السعادة طائر يرفرف في أجواء البيت، أو سحابة هتون تصب ماء السعادة عليه، لذلك يعلو البشر وجوه الآباء والأمهات والأصدقاء وهم يهنئون الزوجين بهذه الهدية المسداة من رب العالمين.
متى تعصف بالسعادة
إنّ الرضا عن حياة الزوجين السعيدين قد يمتد أياماً وشهوراً، أو سنين من قبل الأبوين، إلا أنّ دوام الحال من المحال كما يقال، فقد تعصف في بيت السعادة الزوجية عواصف تهدد أركانه، أو تقوّضها، وربما تملؤه غباراً وأوساخاً، فيتحوّل البيت من بيت هنيء إلى بيت شقي، وتتغير الأحوال، ويكفهر الجو، وتتزلزل الحياة الأسرية، وتتوتر العلاقة بين الزوجين، فيصيبها الكثير من التشنج والانفعال، وإذا أرادا أن يبحثا عن السبب، فإنهما - في بعض الأحيان - لا يهتديان إلى من تسبب في شقائهما بعد أن كانا متوادين متصافيين.
يا الله! بالأمس كان كل شيء على ما يرام، حياة هادئة، كلام معسول، صفاء ونقاء، ابتسامات، تخطيط لمستقبل مشرق، لقد تغيّر كل شيء، وأمسى كل واحد منهما عبوساً قطوباً، فعمّ الصباح، والنكد، والنفور، والهروب من البيت، ثم غضب لأتفه الأسباب، فمشادة، وممارة، ومضارة.
ما الذي حدث؟ ومن أين جاء الخلل؟ ومن الذي عكر الأجواء في هذا البيت السعيد، وكيف حصل؟ ولماذا؟ ومن المستفيد؟ وما آثار هذا الوضع السيئ على الأولاد وعلى العلاقات الاجتماعية وعلى صلة الأرحام؟
وما أضرار هذه الحال على الزوج أو الزوجة، وأخيراً ما وقعه على نفسية الزوجين؟!
إنها مأساة تحتاج إلى علاج، وإلى البحث عن جذور المشكلة، كما يجب تشخيص ما حدث، ومن ثم إيجاد مخرج لهذه الأزمة التي أكلت الأخضر واليابس في البيت.
هناك مقولة ـ تبدو في كثير من الأحيان صحيحة ـ تقول: إن أيّ خلاف بين الزوجين السعيدين مرده إلى عوامل خارجية، وإن أي تدخل من الآخرين في حياة البيت السعيد، وأعنى بيتاً يكون راعياه على وفاق تام، يؤثر على سعادته ويخدشها، ولقد قيل: إذا ترك الزوجان المختلفان في قضية ما وحدهما يفكران في حلها لوصلا إليه، لذلك كره الإسلام خروج المرأة من البيت في الطلاق الرجعي.
مخطئ من يظن أنّ البيت السعيد يخلو من المشكلات، لكنها تحسم في وقتها من قبل الرجل والمرأة، ما لم تمتد أيد خارجية تحول دون ذلك.
إنني في هذه المقالة سأتناول هذه المعضلة، وأضع يدي على الجراح، وألتمس الدواء لها.
وإذا كنت قد أرجعت أسباب العاصفة التي عصفت ببيت الزوجية السعيد إلى عوامل خارجية، فليس معنى هذا أني أبريء العوامل الداخلية والتي تخص الزوجين.
وأعتقد أن أهم عامل خارجي يحرج الرجل والمرأة في البيت يأتي من قبل أم الزوج، وأخواته وربما من إخوانه وأصدقائه، أو أبيه، أو من العمل الوظيفي، أو من نازلة أو من همّ، كما أنني لا أعفي أمّ الزوجة وأبيها من المسؤولية.
لن أتحدث ـ الآن ـ عن العوامل الداخلية، وسأتطرق إلى العوامل الخارجية والتي تلعب دوراً رئيسياً في زعزعة استقرار البيت السعيد، سواء عن حسن نية أم سوء قصد وابدأ بالأم.
قلت ـ سابقاً ـ إن الأم والأب يسعيان إلى إسعاد ابنهما في الحياة لا شك في ذلك، وأهم طرق السعادة ـ كما أسلفت ـ هو الزواج السعيد، وهذا ما يريده الأبوان، وأجزم أنّ الأم تحرص على ذلك أكثر من الأب، وعلى الرغم من ذلك، فهي أول من يحرج الحياة الزوجية، ويكسيها أردية من المشكلات التي تستعصي على الحل، إلا إذا تحصن الزوجان بالتقوى والصلاح، وكانت الأم ممن يخاف الله - تعالى -، ويخشى عقابه، ولم تسمح لأحد بأن يلعب بالنار من أي طرف كان، وهناك من البشر لا يسر إلا إذا أتعس غيره، ولا يهنأ إلا إذا أشقى غيره وآذاه.
أعتقد أنّ الزوجة لها دور فعال في إخماد كل حريق يود أن يأتي على المنزل من داخله، وهي أول من يحترق ثم أبناؤها وزوجها.
وأكاد أجزم أن حكمة الزوج لها أثر كبير في إطفاء جذوة أي خلاف ينشأ بينه وبين زوجته قد يعصف بحياتهما، ويهددها بالخطر والزوال. كما أنّ الأرحام لكلا الطرفين (الزوج والزوجة) بما يمتلكون من فضائل، وذخائر خلقية طيبة تقف سداً منيعاً أمام النار التي تشتغل في بيت السعادة، فيحصرونها وراء الجدران ولا يفتحون لها السبل لتدخل إلى المنزل.
نحن أمام معضلة لم يسلم منها إلا القليل، وقلت: إن أول إحراج يطل برأسه في البيت الجميل الهادئ يأتي من الأم!! معاذ الله أني أسيء هنا إلى الأمهات، وأبريء الزوجات، لكنني أمام مشكلة لا بد لي من مواجهتها بصراحة، ولا سيما أنها من المشكلات التي تؤرق مضاجع الأبناء، إذ هم حيارى في أمر ذي بال. كيف يوفقون بين آمال الأم - بعد زواج ابنها- وآلامها، ورغبات الزوج وتطلعاتها.
أجل، إن الأم تسعى لإسعاد ابنها، وتنظر إليه على أنّه المصباح الذي سيكشف أمامها ظلمات الحياة، وفجأة يتغير كل شيء من حولها. ها هو ابنها قد أصبح ألعوبة -كما تتخيل- في يد امرأة نالته دون تعب وعناء، بل أضحى -في نظر أمه- ملكاً سهلاً لزوج لم تشق يوماً واحداً في بناء حياته، وأنّ ابنها لم يعد هو الابن الطائع العطوف السؤول عن أحوالها، بل إنه -في نظرها- صار ميله وعطفه وكل طاقاته إلى امرأته، وبالمقابل فإنّ الزوجة ترى في أم زوجها - للأسف - مصدر إزعاج لها، وسبب تنغيص لحياتها؛ بل تحملها أي سوء علاقة تنشب بينها وبين زوجها، والأدهى من ذلك فهي تطلب من زوجها - بعد أن أصبحت أم أولاد - أن يبعد والدته عن مسيرة حياته كي تسعد هي!! وتزين له بأن أفعالها هي التي تخرب البيت، وتحوله إلى نار وتصل الأحوال أمام الزوج إلى معضلات تستعصي على الحل.
إنني ومن خلال معايشتي كثيراً من الأشخاص من جميع الجنسيات - وجدت هذه المشكلة (ظاهرة) تستحق الدراسة، وتستحق التشريح والتحليل، وكما قلت: قلما سلم منها أحد؛ وكلٌّ يشكو، والجميع يؤكد أن لا حل لهذا المرض، وقد حاول بعضهم أن يضع حداً لتفاقم المشكلة، فلم يستطع ووقف عاجزاً حائراً يتأوه، ويتمنى ألا يكون قد تزوج، ويلقي باللائمة على أمه التي اختارت له زوجته، وهي - الآن ـ غاضبة عليه وعليها، أو يسفه عقل امرأته؛ لأنها لم تستطع أن تتأقلم مع مشاعر أمه، وهي ستصبح مثلها - في المستقبل - (حماة) لزوج ابنها، كما أن الزوجة تتهم زوجها بأنه ضعيف أمام تطلعات أمه ومداخلاتها في حياته، وحبها في مشاركته شؤون المنزل، وحرصها على ألا يبرم أمراً إلا بعد الرجوع إليها! وتعد نفسها سيدة بيتها، ولا علاقة لأحد في ممارسة أي ضغط عليها، وعلى سيرورة الحياة في البيت.
ولقد تفنن كثير من الأبناء في تصرفاتهم وأبدعوا، وحسبوا أنهم قد وضعوا أيديهم على الجرح؛ لكنهم تراجعوا، ولم يحققوا مما يرجون شيئاً.
قال لي أحدهم: - وهو الابن الوحيد لأمه -: اتفقت أنا وزوجتي أن نغلق باب الغرفة، ثم انهال عليها بالضرب، وتصيح كي يصل صراخها إلى أذني أمي لتفرح أن ابنها رجل!! لكنه لم يستفد، وفوجئ بأنّ أمه تقول له: إنّك تمثل.
وقال آخر: لقد اخترت حلاً صعباً، وهو الفصل الكامل بينهما؛ لأني فشلت في التوفيق بينهما، فماذا أفعل إلا هذا.
وثالث يحرص على أن يصحب أمه في كل تحركاته، ولكنها لم تكن مسرورة، إذ كانت تحس بأنّ ابنها عبد مطيع لمتطلبات امرأته في كل ما تطلبه وتشتهيه؛ فعليه ألا يفرط في نفسه، ويلبي لها رغباتها على الرغم من أن ابنها يضع أمامها كل ما تريد من مال، لكن ذلك لم ينفع، فالمرأة في نظرها ـ سؤول لحوح شغوف بكل شيء. !
ورابع يكتم أنفاس امرأته، فلا تسمع لها ركزاً ولا حساً، ومع ذلك ما تحقق له ما يريد.
وخامس خبط رأسه على جدار؛ لأنه لم يتمكن من التوفيق بين زوجه وأمه - وهي التي اختارتها له، وألحت عليه أن يقترن بها - وهي سافرة - فابنها لا يريدها إلا بعد أن تلبس الحجاب، فأقنعته أمه بأنها ستلبي رغبته بعد الزواج، فقبل فكانت النتيجة - بعد الخبطة - أن جلستا تبكيان عليه، إذ أصابه دوار وغدت حالته بحاجة إلى نقله إلى المستشفى.
وسادس يهمل امرأته إهمالاً كاملاً لكي ترضى أمه، فهي الأثيرة عنده في كل تصرفاته، وعلى الرغم من ذلك فالريح تسير في غير الاتجاه الذي يريد، فماذا يفعل؟
وبالمقابل فهناك زوجات لا يطيب خاطرهن إلا إذا أغضب زوجها أمه!! والعياذ بالله..وأعطاها مما يملك قدراً يسيراً يسد الرمق وكثير عليها ذلك، ولا يهنأ لها عيش إلا إذا حاصرها في مرغوباتها ومطلوباتها، أو إذا أخرجها من بيته وأسكنها في منعزل يتصدق عليها بالزيارة (نسأل الله العافية).
ولا تفرح إلا إذا نأى عن أمه، ولم يسامرها، ويلاطفها، ويطيب نفسها بالكلام المعسول، فهي تتصور أن مثل هذا ينبغي أن يكون لها وحدها دون سواها، والحقيقة أن هذا النوع من الأزواج سبق فرعون في جبروته، وهامان في دهائه، وغرور أبي جهل، وبطش أبي بن خلف، وحماقة أبي لهب.
ولقد حاولت بعض الزوجات أن تلطف من حرارة أم زوجها، وأن تحقق لها السعادة في بيت ابنها، فهي تقدمها في كل موقف، وتشعرها بأنها سيدة البيت، وأنّ من حولها دونها، وذللت أمام زوجها كل عقبة كؤود تزعج أمه ولو على حسابها، وأفهمتها بأنها مثل ابنتها، تؤمر فتطيع، فاعملي ما تشائين، وأنت أصل البيت، ولا يبرم أمر دون رأيك ومشورتك.
وهذا ابنك (وهو زوجها) أنت أولى به من غيرك، وتتوارى عن أي مظهر يؤذي مشاعرها، ومع ذلك فلم تنفع كل هذه الممارسات في إخماد نار الغيرة في نفس الأم.
أقول: لتتذكر الأم أنها كانت يوماً (ما) زوجاً لرجل له أم، كما تتذكر كل زوجة أنها ستصبح أماً لابن سيقترن بامرأة، وهذه سنة الحياة، فلا بد من التعايش والتصالح والتفاهم، وإلا فإنّ مركب الحياة سيغرق ويقضي على الجميع.
فالأم لا يعدلها إنسان مهما تصرفت، ما لم يكن ظلماً وعدواناً، والزوجة الصالحة لا يجوز التفريط فيها مهما أخطأت، ما لم يكن إزعاجاً وإرهاقاً وبغياً وإغضاباً.
والسعادة لا تتحقق إلا إذا سعى جميع أطراف المشكلة إليها، رجاء حلها، ولن يتأتى ذلك إلا برفع شعار يقول: ليسعد كل واحد منا الآخر، وليحرص على ألا يشقيه، ولا يستغضبه أو يؤذيه، وليتصور كل إنسان أنه مكان الآخر، هو في صورته فكيف يقبل الحيف لغيره، ويرفضه لنفسه. فالعدالة تقتضي أن يؤدي كل مخلوق حقوق غيره عليه، وأن يرد الآخرون له الجميل بمثله.
أيها العقلاء من الطرفين، إنّ الله جلّ شأنه حرّم الظلم على نفسه، وجعله بين الناس محرماً، والظلم قد يقع من أي إنسان، وليست الأم بمنأى عن الوقوع في لون من ألوانه، فليتق الظالم ربه، وليعلم أنّ الله جامع الناس ليوم لا ريب فيه، يأخذ من الشاة القرناء للشاة الجلحاء.
لا ينبغي للأم أن تقول: إنني أم، وأني تعبت، وربيت، ومن قبل حملت وأرضعت وسهرت، لذلك على الجميع أن يخضع لسلطاني، وإن ظلمت وأعنفت، فلقد أمر الله بطاعتي، فليحذر من يخالف أمري غضب الرب.
لقد نسيت تلك الأم أنّ الإسلام عندما حرّم العقوق على الأبناء، أوضح أنّ هناك عقوقاً يمارسه الآباء والأمهات من نوع آخر؛ إذ كيف تحاسب أم ابنها على سلوك زوجته التي اختارتها بعيدة عن الله وهو لا يرغب فيها، لقد عقّت ابنها قبل أن يعقها.
ذلك نموذج قدمته ليتفكر فيه أولو العقول، وهناك صور كثيرة لمثل هذا العقوق، نسأل الله العفو والعافية.
وكيف يعد عاقاً لأب أهمل ابنه، وسلمه لأصدقاء السوء، واختار له أماً سيئة، ثم اغترب هذا الأب ـ بذريعة كسب المال ـ في بلاد قد يمكث فيها سنين لا يرى فيها أسرته، ويريد بعد ذلك أن يكون ابنه باراً به.
إنّ تحقيق السعادة الزوجية هدف لا مناص من الحرص عليه، ولن تبلغ الأسرة هذا المطلب إلا بالاعتراف بالخطأ الذي يقع من أحد أفرادها، ومن ثم يتخذ المخطئ قرارات حاسمة حازمة لتغيير سلوكه، واسترضاء من وقع في عرضه، ونال منه، فالزوجة ينبغي عليها أن تراقب سلوكها، وأن تضغط على أعصابها وتكظم غيظها، وتطلب الأجر من الله، ولترفع شعار العفو، وأن تسأل الله مرتبة المحسنين.
والأم يجب أن تراقب الله في جميع تصرفاتها، وأن تشعر زوج ابنها بأنّها ابنة لها، فابنتها تخطيء معها، فتصفح عنها، والله يحب العافين.
والزوج وهو المستهدف مما يحصل، يحسن به أن يكون حكيماً عادلاً متوازناً رؤوفاً بالجميع، وليكن حظ أمه عنده كبيراً، فإذا دخل البيت بدأ بالسلام عليها مبتسماً.. بشوشاً.. متفقداً أحوالها.. قريباً منها.. يعزها ويكرمها شريطة ألا يجحف حقوق زوجه، فإذا انفرد بها بشّ، وانفرجت أساريره، ويشكرها على ما تقوم به من جهد، ويسألها عن أحوالها وصحتها ومطالبتها، وليعطها قسطاً كبيراً من السلوك العاطفي الذي يطفئ جذوة الحنق الذي ألمّ بها، وليس معنى هذا أن يكون عبوساً في البيت.
وإذا كان الأب حياً، فعليه أن يمارس سلطة الأب الرزين الذي يوزع نظراته على الجميع، كأنه غمامة تظل وتطل، فينتفع بها البنون والبنات، ومن أصبح من أهل البيت من زوج ابن، أو أخت أو خالة، أو عمة.. الخ.
إنّ طغيان حق على حق هو مفسدة ما بعدها مفسدة، فليس من العدل أن يلجأ الإنسان إلى التضحية بحق رجاء إسعاد حق آخر.. أليس بالإمكان أن يأخذ كل حقه، وهذا هو العدل الذي تقوم عليه الدنيا، وما البيت سوى الخلية الصغرى في خلايا البيت الكبير (الحياة).
أراني قد أطلت في هذه المسألة، وهذا هو الحق، لكنها قضية تستحق تلك الإطالة، وهي من أهم منغصات الحياة الزوجية السعيدة، فإذا نجح الزوج في سياسة بيته، واستطاع التغلب على مشكلاته (مشكلة الأم والزوجة من أعقد المشكلات)، فهو السعيد، وأسرته سعيدة، ومهما تعب خارج المنزل، فلسوف يأوى إلى بيته الذي يتنفس فيه السعادة الحقة، فيستروح بها.
والحمد لله ربّ العالمين


الساعة الآن : 10:35 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 21.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.37 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.44%)]