ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   توكل الأرزاق (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=247050)

ابوالوليد المسلم 02-12-2020 07:28 PM

توكل الأرزاق
 
توكل الأرزاق
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم




إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ... ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ... ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا... ﴾ [الأحزاب: 70].

أيها المؤمنون!
همُّ الرزق همُّ يلازم الأنام؛ يُنشّأ عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، وتغص بخبره وتباثِّ تباريحِه المجالسُ ومواقع التواصل. وذلك من سنّة الكبد التي خلق الإنسان فيها. وكان لذلك الهم بالغ الأثر في تباين سبل بحث الخلق عن مظان الأرزاق، مع ما صاحبها من شؤم تنكّب الهدي الرباني في ذلك؛ حين يتملّك الهمُّ قلبَ صاحبه؛ فيسوء ظنه بربه، ويبخل بالحق، ويعتدي على الخلق، وتخيّم سحبُ اليأسِ القاتمةُ على سماء فؤاده العليل إن قُدِر عليه رزقه. هذا وقد أرشد الرزاق الكريم لسبب عظيم من أسباب الرزق، مضمون الأثر، حلو الثمر، ويصلح به حال الدنيا والآخرة؛ وذلك ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصاً (أي: جياعاً)، وتروح بطانا (أي: شباعاً) " رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح". يا لروعة هذا المثل اليومي المقنع لمن تأمله؛ حين تُرى هذه الطيورُ سابحةً كلَّ يوم في جو السماء تبحث عن رزقها الذي خبأه الله لها؛ تبصر العيون ذلك المشهد، ولكنّ القلوب قد لا تدرك السر الذي أحرزت به تلك الطيور الصامتة رزقها؛ ذلكم هو التوكل على الله حق توكله. وقد سئل الإمام أحمد عن حقيقة ذلك التوكل الذي يجلب الله به الرزق؛ فقال: " أن يتوكل على الله؛ ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء، فإذا كان كذلك كان الله يرزقه، وكان متوكلاً "، وذلك الرزق من كفاية الله المتوكلين عليه، ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وجزاء حسن ظن المتوكل به، والله عند ظن عبده به، وفيض من محبته لأهل التوكل، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]. وليس ذاك التوكل مدعاة لترك الأسباب، بل مباشرتُها من حسن التوكل وتمامه؛ إذ هو ابتغاء لفضل الله ورزقه، يحدوه حسنُ ظنٍ واعتقادٌ أن رزق الله من عطائه الذي لا يسوقه حرص حريص، ولا يمنعه كراهية كاره.

أيها المؤمنون!
إن التوكل في طلب الرزق راحة معجلة في الدنيا؛ إذ أنعم العيش عيش المتوكلين. أوصى عامر بن عبدالله ابنيْ عمٍ له فقال: " فوضا أمركما إلى الله؛ تستريحا "؛ وذلك أن القلب إذا اعتقد اختصاص الله بالرزق وانتفاءه مما عداه، وأن الله أقرب من دُعي، وأجود من سُئل، وأجزل من أعطى، وأقدر من ملك - استسلم له، وانقطع رجاؤه فيما عداه، وطفق يلتمس الأسباب بطمأنينة ويقينٍ؛ ذلك أن السبب لا يستقل بالأثر إلا إن شاء الله ذلك. فهل يمكن لليأس والحزن والهلع أن يجد درباً على ذلك القلب؟! شكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله، فقال له إبراهيم: " يا أخي، انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوله إلى منزلي "، فسكت الرجل. والعبادة تصفو حين يباشر التوكلُ قلبَ صاحبه؛ فلا يحمله استبطاء الرزق على تعجل الحرام، أو يقنّطه من رحمة الله التي يرجوها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله؛ فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته " رواه البزار وحسنه الألباني. وقال عبد الله بن إدريس: " عجبت ممن ينقطع إلى رجل، ويدع أن ينقطع إلى من له السماوات والأرض ". والكرامة والعز شعار عيش المتوكل على ربه في رزقه وإن كان قليل ذات اليد؛ ليقينه أن الله وحده هو الرزاق وأن ما عداه فقير مرزوق كائناً من كان. قال بعض الأمراء لأبي حازم: ارفع إلي حاجتك، قال: هيهات هيهات! رفعتها إلى من لا تُحجز الحوائجُ دونه؛ فما أعطاني منها قنعت، وما زوى عني منها رضيت ".

وكيف يبلغ رجاء المخلوق في قلب المتوكل وقد عمر قلبَه اليقينُ بسعة خزائن ربه الرزاق القائل في الحديث القدسي الذي رواه مسلم: " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ". وكيف يطمح المتوكل في عطاء المخلوق النكد المتبوع بالمن والضجر وإظهار الفقر وقد استقر في وجدانه سخاء يد الخالق بالعطية وهناؤها ومحبة المولى سؤالَه النوال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يد الله ملأى لا تغيضها (أي: تنقصها) نفقة، سحاءُ (أي: دائمة العطاء) الليلَ والنهارَ. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؛ فإنه لم يغض ما في يده " رواه البخاري.

بارك الله...

الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
أيها المؤمنون!
إن بركة التوكل على الله في طلب الرزق تفيض على المتوكل قوة في نفسه، وتفاؤلاً يغمر قلبه، حين يعتري الضعف واليأس والطمع قلب من عرى قلبه منها، مع ما وعد الله به المتوكل من سوق الرزق له والغنى. قال محمد بن علي بن الحسين: «الغنى والعز يجولان في قلب المؤمن، فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أوطناه».
يجول الغنى والعز في كل موطن ♦♦♦ ليستوطنا قلبَ امرئ إن توكلا

هذه بعض ثمار التوكل على الله في طلب الأرزاق؛ فهل يعلّق مخلوق بعد ذا أمله في رزقه على مخلوق مثله؟! وهل يبقى للقلب مطمع في غير المولى الكريم؟! ألا ما أحرانا بالتذكير بهذه القضية المسلَّمة ونحن نرى الدنيا آخذة بشعاب قلوبنا التي تقطّعت أوصالها تعلقاً بالخلق في أمر لا يقدر عليه سوى الله! وأنباء ندرة فرص العمل وقلة ذات اليد والدخل المحدود والتخويف من المستقبل الاقتصادي أصمّت أسماعنا وسوّدت مساطرنا! ذكر القرطبي أن قوماً زرعوا زرعا فأصابته جائحة فحزنوا لأجله، فخرجت عليهم أعرابية فقالت: ما لي أراكم قد نكستم رؤوسكم، وضاقت صدوركم، هو ربنا والعالم بنا، رزقنا عليه يأتينا به حيث شاء! ثم أنشأت تقول:
لو كان في صخرة في البحر راسية https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صما ململمةٍ ملسا نواحيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رزقٌ لنفس براها الله لانفلقت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حتى تؤدي إليها كلَّ ما فيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أو كان بين طباق السبع مسلكُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لسهّل الله في المرقى مراقيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حتى تنال الذي في اللوح خُط لها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن لم تنله وإلا سوف يأتيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


﴿ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 7].







الساعة الآن : 11:26 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 12.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.39 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.75%)]