ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الحوارات والنقاشات العامة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=49)
-   -   ( متقاعدا ) أم ( مت قاعدا ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241646)

ابوالوليد المسلم 29-09-2020 02:14 AM

( متقاعدا ) أم ( مت قاعدا )
 
( متقاعدا ) أم ( مت قاعدا )


نانسي خلف







للمرة الأولى في ذاكرة الإنسان دائمًا مكانة خاصة، ولكن لأول مرة في التقاعد أنفاس غاصَّة، تغص على فراغ منتظر، وأيام عمل ونشاط تُحتضر.



وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال:

لِمَ نستعجلُ الأمور، ونتوقع أن يسرق منا التقاعد سعادة فتزول؟




لعلها ثقافة تسري في مجتمعاتنا؛ لتبعث الخوفَ والقلق في نفوس آنَ لها أن تطمئنَّ، بعدما جاهدت بصحتها ووقتها وعقولها، وتفانت في أعمالها لتثمر على أغصان عمرها مؤسسة وأسرة وفكرة، فأضاءت للمجتمع دروبَ الخير، وسَقَت من ينابيعها النفعَ للغير.



وإلى من قال للمتقاعد: مُتْ قاعدًا أتوجه بالسؤال له وأقول:

هل يُعقَل لمن حفِظ العمرَ والأوقات بعمل نافع وفكر لامع، وسعَى بجد متواصل - أن يقف سعيُه وتنفَد همَّتُه عند أبواب التقاعد؟



وإذا لم يفرِّطْ في شباب عمره، أيُفرِّط فيما بقي من هذا العمر؟

لا لن يفرط، بل سيستقبله بكل عزمٍ وبدون تقصير ولا تبذير, فما التقاعدُ إلا انعطاف في المسير، ولن يأسرَني التقاعد عن متابعة المسير.



فها هو في الستين، وهو ينطلق كعادته في كل يوم وهو نشيط النفس، مكتمل العزم، ويغتنمُ الوقت من طلوع الشمس بعدما خطَّط لهذه المرحلة، فكأي مرحلة جديدة في حياته كذلك هو التقاعد مرحلة جديدة، وفرصة ثمينة للتنظيم والتخطيط، بوضع البدائل على كل المستويات، سواء على مستوى البديل المالي؛ كمشروع خاص يؤمِّن له المؤونة الكافية، وتنويع النشاطات، فتزدهر الحياة الاجتماعية والأعمال التطوعية.



فكما انتفع في شبابه الماضي، فلن يرضى إلا أن ينتفعَ بعمره الحاضر، ولن يقبل إلا أن يسجِّلَ لنفسه خلودًا في تقاعده.



وبعد أن وضَع الخطوط، ولم يترُكِ الأمرَ للحظوظ، آن له أن يتذوَّقَ نكهة جديدة في حياته بالتقاعد عن الحسرة والضجر.



أيها القراء الأكارم، التقاعدُ عملة ذات وجهين، وجهُها الأول صورةٌ لمناوشات زوجية متوالية ومتكاثرة، وموت صامت بين جدران المنزل، وهذا الوجه للعُملة يتعامل به صاحب الهدف الهابط والنفس المتأففة، فينفقها في مجالسِه؛ لينقُل عدوى القلقِ والخوف من مرحلة التقاعد.



أما من علَتْ همَّتُه، وارتقى هدفه، فيرى الوجهَ الثاني لعملة التقاعد؛ فهو الفرصة الذهبية في عمره؛ ليسكب أجملَ الأوقات في طاعة، ويتاجر بأربحِ بضاعة.




فالتقاعد الحقيقي ليس بعمر وعدد سنين، ولكن بعمر تقاعدت فيه النفسُ عن طاعة رب العالمين!



ويقولون: انتهت خدمته؛ فالخدمة لم تنتهِ بعدُ، والإرسال متواصل، ولكن هذه المرة إرسال من رب الأرض والسموات.



يبثُّ معلنًا عن استكمال الرحلة الإيمانية في زيادة الطاعات لرب البرية، رحلة يملؤها الأنسُ بالله، فما بين أُنس زمان بالأعمال، وأنس آنٍ برب الأكوان، لا أعتقد أن للاختيار مكانًا.





الساعة الآن : 02:57 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 9.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.16 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.01%)]