ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى العلمي والثقافي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=54)
-   -   من ذاق عرف، ومن عرف اغترف (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240336)

ابوالوليد المسلم 14-09-2020 02:00 AM

من ذاق عرف، ومن عرف اغترف
 
من ذاق عرف، ومن عرف اغترف


بادية شكاط







لطالما كان هذا الوجود الفلَكَ الذي تسبح فيه كل التساؤلات، والكِتاب الذي يَنطِق بجميع اللغات، والبحر الذي تتلاطَم فيه كل التناقضات، فكان - ولا ريب - سجن العقل، هذا الأخير الذي جمَّل الله - عز وجل - به الإنسان، فكان دليلاً على مُبدِعه، وخير برهان، فهو هِبة الرحمن التي ينبغي على الإنسان تقديرها والعِرفان بحقها في كل زمان ومكان، فكما أن الإنسان يتعرَّف على ذاته أمام المرآة، فهو أيضًا يتعرَّف على الوجود أمام العقل؛ فالعقل هو الصدى المُرتدُّ بين شاهد ومَشهود عن أعظم خلود.



فهو يَبقى مذهولاً حين يُحلِّق في أجواء هذا الخَلق البديع، ويخشى أن يضيع كما الرضيع؛ لأنه يشعُر أنه في زخم من الإتقان الرّفيع الذي لا يُضاهيه صنيع؛ لذلك فهو - تبارك وتعالى - يقول في محكم تنزيله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191].



فكلُّ متأمِّل لهذا الكون لا يَملِك إلا الاعتِراف بتلك القدرة الخفيَّة، وهي تتراءَى أمام العقل جليَّةً.



فأين هذا الإنسان مِن هذا الكون المترامي الأطراف، الذي لا يَعرف منه سوى الأرض التي ينام عليها، والشَّمس التي يتغطَّى بلِحافها؟! فهذه الأرض ما هي إلا كوكب بين مجموعة كواكب تتراقَص جميعها حول النجمة الأم "الشمس"، ومثيلات هاته الأخيرة في مجرَّتنا وحدَها أكثر من مائة مليار نجم، تمتدُّ جميعها في قُطْر قَدرُه ثمانون ألف سنة ضوئية، والسنَة الضوئية هي مِقدار ما يَقطعه الضوء خلال سنَة، ولما كانت الثانية الضوئية تُقدَّر بـ 299 ألف كم، كانت السنة الضوئية تُقدَّر بـ9.331.200.000.000 كيلو متر أو 63240 وحدة فلَكيَّة، فهل مِن اليسير على العقل تصوُّر مثل هذا الاتِّساع الرهيب؟!



أما عن حجم كُرَتنا الملتهبة الشمس، فهي تفوق حجم الأرض بمليون و3500 مرة، لكن ثمَّة مِن النجوم ما يُقارب حجمُه 27مليون مرة حجم الشمس؛ كنجم "ألفا السيار"، أو نجم "الهواء" الذي يفوقها بـ90 مليون مرة، ناهيك عن المادة الداكِنة في الفضاء التي مِنها ما يفوق الشمس بـ300 مليون مرة، هاتِه الأخيرة التي يَعتقد العلماء أنها أصل كل شيء في الكون، والتي نجمَت عن انفجار نجم عملاق يتمتَّع بطاقة جذْب كبيرة، جمَعت كل عناصره، وحينما زاد ضغطه وارتفعت حرارته، انفجَر؛ لكنه لم يتمكَّن مِن الانفلات مِن قوة جاذبيته، فكل جسم يقترب مِن هذا الثُّقب سوف يُسحَق إلى الأبد؛ فهو بمثابة مقبَرة للنجوم، ويتمتَّع بكثافة عالية جدًّا حاول العلماء تقريبها للأذهان، فقالوا: إن مِلعقَة صغيرة مِن غُبارها يُعادل 200 فيل، وأنه بإمكانها سحب 600 أرض في الساعة الواحدة، ثم إنه ما زاد مِن غرابة هذه الثُّقوب أنها لا تُشبِه أيَّ قانون فيزيائي معروف، حتى مِن العلماء مَن اعتقد أنها عوالِم نحو المستقبل، وأن الإنسان لو أمكَنه وُلوجها، سوف يُمكنه السفر عبر الزمن؛ ذلك لأن الضوء لم يتمكَّن مِن النفاذ مِن خلالها فبقيَت مُستغرِقة في الظلام، ما يعني أن سرعتها تفوق سرعة الضوء، وذلك ما استغرَبه العلماء؛ لأنه - عادةً - الجاذبية والضوء يَسيران على وتيرة واحدة، وهو ما قد يَلفت انتباه أيِّ متدبِّر إلى قوله - جل وعز -: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ [البقرة: 257]، فحرف الجر "إلى" يشير إلى الظرفية المكانية، ما قد يعني أن الظلام كما النور قد يكون زمانًا ومكانًا حتى يمكن للإنسان أن ينتقل مِن الظلام إلى النور، كما ينتقل مِن النور إلى الظلام؛ فالأمر محتمَل، وقد يُبدِّد العلم الحُجب َعن ذلك بمشيئته - جل وعلا - وما يَنبغي أن يُحرِّك بصيرتَنا هو تلك الأبعاد السحيقة في الكون؛ إذ إن الشمس - وهي أقرب نجم إلينا - تبعُد بمقدار150 مليون كيلو متر، وهي الوحدة الفلكيَّة، أما بُعدها عن المجموعة الشمسية بأَسرِها، فيُقدَّر بـ590 ألف بعد 580 مليون كيلو متر.



فكم هو ضئيل عمر هذا الإنسان إذا عرفْنا أن الأرض تدور حول نفسها في زمن قدره 23ساعة و56دقيقة و4 ثانية و9أجزاء مِن الثانية، وهو اليوم مِن عمر الإنسان، أما السنَة فهي الزمن الذي تستغرِقه الأرض خلال دورانها حول الشمس مسافة 950 مليون كيلو متر، والذي يُقدَّر بـ365 يوم و6 ساعات و9 دقائق و9 ثواني و54 جزء مِن الثانية، والشمس بدورها تَقطَع ما مقداره 250 مليون سنَة حول مجرَّتنا درب التِّبانة، بسرعة 220 كيلو متر في الساعة، فما قيمة المائة سنَةً التي يُعمِّرها الإنسان إذا ما قيست بـ250 مليون سنة؟! فكم هو ضئيل حجم هذا الإنسان!! إنه كنملة تسبَح في قعر محيط!




ألم يأنِ للإنسان بعْدُ أن يَعرف حجم نفسه، ويَقدُر الله فاطر السموات والأرض حقَّ قدره، فيسبِّحه بُكرة وأصيلاً؟! كم هو جليل وعظيم وبديع هذا الخالق! الذي خلق كل شيء بقدر فأحسن خَلقه ورفع السموات بغير عمد نَراها، وأمسَكَها أن تقع على الأرض، إنه (الله) ليس كمثله شيء، وحدَه على كل شيء قدير، وبالتقديس جدير، مَن جعل هذا الكون كتابًا انتظمت حروفه لتَنطِق إلى الأبد بأنه الواحد الأحد الفرد الصمد؛ يقول - جل شأنه - وتقدَّست أسماؤه: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق ﴾ [فصلت: 53].





الساعة الآن : 12:08 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 10.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.97 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.93%)]