ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   الإسلام محجوب بأهله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=223865)

ابوالوليد المسلم 29-01-2020 05:46 PM

الإسلام محجوب بأهله
 
الإسلام محجوب بأهله


عبدالله راشد البوعينين





في الحديثِ الصحيح عن عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً مِن اليهود قال له: يا أميرَ المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا - معشرَ اليهود - نزلتْ لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا قال: أي آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمرُ: قدْ عرَفْنا اليوم والمكان الذي نزلتْ فيه على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو قائمٌ بعرفةَ يوم جُمُعة.

نُدرِك من خلال هذه المحاورة وهذا المشهَد مدَى أسف اليهودي وتحسُّره على التِّيه والتخبُّط الذي يعيشه قومُه، وفقدان الثقة والمصداقية لدَيهم؛ ولذلك عدَّ كمال الدِّين وتمام النِّعمة مغنمًا لا يُقدَّر بثمن، فهو يستحق أن يُتَّخذ له عيد؛ لتبتهج النفوس على ديمومة المصدَر وثبات الدِّين، وترسُّخه في الأرْض أمامَ محاولات العبَث والتشويه، أو إدْخال الأفْهام في النصِّ المقدَّس، والإضافة عليه كما فعَل الأحبار والرُّهبانُ في اليهودية والنصرانيَّة، فشرعوا ما لم يأذنْ به الله أمورًا ما كتَبها الله عليهم، وأثْقلوا فيها كواهلَ الناس، سواء على عِلم منهم بجهلهم أو تجاهُل منهم لعِلمهم؛ لذلك استوجبوا غضبَ الله ومقْتَه؛ قال الله - عزَّ وجلَّ - عن اليهود: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13]لماذا؟ لأنهم ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13]، أمَّا المسلمون فقد تكفَّل الله بحِفظ دِينهم، وهو باقٍ ما بقِي الليل والنهار، ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فلدَيْنا ربَّانيَّة المصدر وربَّانية الحِفْظ وربَّانية العلماء المخلِصين الصادِقين الحافظين له بحِفْظ الله مِن كلِّ تشويش أو تشكيك أو عبَث، وفي سنن أبي داود بسندٍ صحيح أخْبَر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنَّه على رأسِ كلِّ مائة سَنَة يبعث الله لهذه الأمة مَن يُجدِّد لها أمر دينها)).

أدركتْ طليعةُ الإسلام الأولى أنَّ حفظ الله لدِينه مقترنٌ بسواعد الرِّجال وإرْخاص الأنفُس في سبيلِ الله، وتُفتيق العقول لإدراك عظمَته والذبِّ عنه ومراغمة أعدائه، ومقارَعة العقول والحُجَّة بالحجَّة والشُّبهة بالبيِّنة، وأنَّ مَن تخلى وانسحَب عن هذا الميدان، فسوف يبدِّل الله به خيرًا منه، ويستعيض به مَن هو أثبت قدمًا وأزْكَى نفسًا يَعصب على جبينه شارةَ التضحية وشِعاره ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].

ولئنْ مرَّت على المسلمين مراحلُ ضعْف وتراجُع، إلا أنَّهم سرعان ما يؤوبون إلى دِينهم ويثوبون إليه، ومَن تتبَّع التاريخ أدْرك هذا، وهو أنَّ الباطل إلى اضمحلال، وإنْ كانتْ له صولة، والإسلام له المآل وإنْ كان له كَبوة، وهذه سُنة الله، ولن تجدَ لسُنة الله تبديلاً ولا تحويلاً.

وهذا الدِّين لن يتشرَّف بخدمتنا له، بل هو الذي يُلبسنا ثوبَ الشرف متى ما استمسكنا به ودعَوْنا إليه، كم مِن ملايين المسلمين وُلِدوا ثم ماتوا ونسيهم أقرباؤهم، فضلاً عن باقي الناس! ولكن كم مِن العظماء الذين هم عصيون على النِّسيان بسبب بلائِهم وجهادهم وحُسن سِيرتهم! سواء كانوا علماء أو مفكِّرين أو قادة، ما زالوا يتربَّعون على عرْش القلوب:
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ليس الخوفُ على الإسلام، فنحن نرَى امتدادَه ونفوذه وانفِساحه في شرْق الأرض وغرْبها، ولكن الخوف على المسلمين حينما يتخلَّفون عن ركْبه، وقد قال الله - عزَّ وجلَّ - لنبيِّه: ﴿ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 89]، كفَر بها صناديدُ قريش فأخْمد الله ذِكرَهم، وآمن بها صهيبٌ وعمارٌ وبلال، فكسبوا صولةَ الشرف وعزّ الاتِّباع، وخلود الذكر وعقبى الدار، فهل يُدرك المسلمون أصالةَ دِينهم فيلزموا غرْزَه؟

في كثيرٍ من الأحيان يُرفَض الحق ويُستهجن لا للجهل به، ولكن لرعونة وسوء تصرُّف مَن يحمله، وقد يُمرَّر الباطل ويُقبل لا للجهل بأنَّه باطِل، ولكن للين وحُسن تصرُّف من يمرِّره، إنَّ الإسلام في بعضِ الدول محجوبٌ بأهله، بمعنى أنَّ جماليات الإسلام ونضارته وحُسن تعاليمه قد يحجُب رؤيتَها وإدراكها المسلمون أنفُسهم، ومَن يطعن في الإسلام لو سبرتَ حاله وأصبْتَ محزَّ مطعنه لاتَّضح لك جليًّا أنَّه مفلس الحُجَّة، وليس لديه مستمْسَك عقلي يُثبت دعواه، وإنَّما الذي حمَله على ذلك إما جهلٌ أو ظُلم أو ردَّة فعل مِن تصرُّفات بعض المسلمين.

وأقول ختامًا: إذا لم نُحسن الدعوة إلى دِيننا، فلا أقلَّ مِن أن نحسن الكفَّ عن الصدِّ عنه، والسلام.






الساعة الآن : 05:20 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.42 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.10%)]