ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   حكمة الحج (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=223681)

ابوالوليد المسلم 28-01-2020 05:04 AM

حكمة الحج
 
حكمة الحج



أ. د. عبدالله بن محمد الطيار




أما بعد:
فاتقوا الله - أيها الناس - وأدوا فريضة الحج قبل أن تزل بكم القدم؛ قال الله - تعالى -: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28 - 29].


{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ}؛ أي: ناد وارفع صوتك في الناس بدعوتهم فريضة الحج إلى البيت الحرام.


{رِجَالاً}: جمع راجل وهو الماشي على قدميه غير راكب.


{ضَامِرٍ}: هو خفيف اللحم من كثرة السير وهو يشمل الذكر والأنثى من الإبل.


{يَأْتِينَ}؛ أي: هذه الضوامر وقد نابت عن هذه الرواحل السيارات والطائرات والسفن، وهذا من تمام نعمة الله علينا.


{فَجٍّ}: هو الطريق الواسع.


{عَمِيقٍ}؛ أي: البعيد المسافة.


{مَنَافِعَ لَهُمْ}: من تجارة وغيرها؛ مما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم.


{لِيَشْهَدُوا}؛ أي: ليحضروا ويباشروا.


{أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}؛ أي: أيام عشر ذي الحجة.


{بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}؛ يعني: الهدايا والضحايا ولا تكون إلا من النعم وهي الإبل والبقر والغنم.


{فَكُلُوا مِنْهَا}: الأمر هنا للإجابة وقيل للوجوب، وقد كان أهل الجاهلية لا يأكلون من هداياهم، وأما الدماء الواجبة لترك واجب أو ارتكاب محظور، فهذه لا يجوز أن يأكل منها، بل هي خاصة لفقراء الحرم.


{الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}: الذي اشتد بؤسه، والبؤس شدة الفقر.


وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه))؛ رواه البخاري ومسلم.


أيها المؤمنون:
إنَّ في الحج إظهار التذلل لله - تعالى - ذلك أن الحاجَّ يترك أسبابَ الترف والتزين، ويلبس ثيابَ الإحرام، مُظهرًا فقره وخضوعه وذله لربه، ويتجرد في هذا السفر من الشواغل، بل من الدنيا كلها التي تصرفه عن الله، وهو في كل موقع يتعرَّض لمغفرة الله ويرجو رحمته.


إن في أداء الحج شكر نعمة المال وسلامة البدن، وهما أعظم ما يتمتع به الإنسان من نعمٍ في الدنيا، ففي الحج شكر لهاتين النعمتين العظيمتين؛ حيث يجهد الإنسان نفسه، وينفق ماله في طاعة ربه والتقرب إليه.


إن الحجَّ يربِّي النفس على روح الطاعة بكل ما تحتاج إليه من صبر جميل، وتحمل الأذى وهو نظام دقيق يتعاون به المرء مع الناس، ألاَ ترى الحاج يتكبَّد مشقات الأسفار، حتى يتجمع الحجاج كلهم في مكة حرم الله، ثم ينطلقون جميعًا ويتحركون جميعًا، ويقيمون جميعًا وهم بذلك مسرورون، ولا تزعجهم أعباء تلك التنقلات، إنَّه تجمُّع عظيم، ونظام دقيق يضرب فيه المسلمون المثل الأعلى في الطاعة، والانضباط، والدقة في السير.


يجتمع المسلمون من أقطار الدنيا في مركز اتجاه قبلتهم ملتقى أرواحهم، ومهوى أفئدتهم، فيتعرف بعضهم على بعض، ويألف بعضهم بعضًا في موقف تذوب فيه الفوارق، وتنمحي تلك الألقاب: فوارق الغنى والفقر، وفوارق الجنس واللون، وفوارق اللسان واللغة، وتتحد كلمة المسلمين، وينطقون بلسان واحد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك".


حقًّا إنه ملتقى عظيم، ملتقى خير وبركة وتشور وتناصح، وتعاون على البر والتقوى. هدف هذا الملتقى الإصلاح وغايته العبودية الحقَّة لله ووسائله التجرُّد من الدنيا وشواغلها، إنه ملتقى فيه ذكريات غالية تغرس في نفس كل مسلم روح العبودية الكاملة، والخضوع الذي لا حدود له للخالق العظيم، والمنعم المتفضِّل - سبحانه وتعالى.


فعند هذا البيت العتيق حط أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - رحلة بزوجته هاجر وولده إسماعيل؛ أخرج البخاري عن ابن عباس: جَاءَ بِهَا - أي هاجر - إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفا إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: أالله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعنا ثم رجعت، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنيَّة؛ حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه، فقال {رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: 37] حتى بَلَغَ {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].


واستجاب الله دعاء إبراهيم، فكانت معجزة زمزم الخالدة، فبينما كانت هاجر تبحث عن الماء تتردد بين الصفا والمروة وقد أجهد ولدها العطش، وقطع كبده الظمأ، هناك في ذاك القفر الأجرد نبعت من تحت قدمي إسماعيل عين أصبحت له ولأمه وللمؤمنين عِبرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.


لقد أصبحت هذه الأسرة الصغيرة نواة الحياة وبذرة العمران في هذا المكان العظيم، وحُق لمن خضع لأمر الله أن يحصل له هذا التكريم العظيم، ويحظى بشرف النبوة، وبناء البيت الذي أصبح مهوى أفئدة المسلمين على مر الزمان إلى يوم القيامة.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الحجاج والعمار وفد الله - تعالى - إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم)).
وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديث والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة)).


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 125 - 126].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.


أقول ما سمعتم، فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي من علم عباده بمواسم الخيرات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - واغتنموا مواسم الخير، فقد أقبلت عشر ذي الحجة التي قال فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه العشر، قالوا ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء))؛ رواه البخاري.


فأكثروا من الصلاة والصيام والتسبيح والتهليل والتكبير.


وعلى من أراد أن يضحي ألا يأخذ من شعره وظفره وبشرته، وهذا خاص بمن سيضحي، أما من يضحى عنه من النساء والأولاد، فلا بأس أن يأخذ وليعلم أن من وكَّلَ شخصًا لذبح أضحيته، فالوكيل له أن يأخذ من شعره وظفره، وأما الموكِّل صاحب الأضحية، فلا يأخذ حتى ولو كان حاجًّا، اللهم إلا عند انتهاء عمرته وحجه، فيقص شعر رأسه أو يحلق، وأما الأظافر وغيرها، فلا يأخذ منها شيئًا حتى يتأكد من ذبح أضحيته.


عباد الله:
لقد وردنا تعميم من المملكة بتحري هلال ذي القعدة ليلة السبت، فإن لم يرَ قليلة الأحد، فاحرصوا على ترائي الهلال؛ فذلك من التعاون على الخير، وفيه مصلحة للمسلمين جميعًا للتثبت من يوم عرفة.


أسأل الله أن يبلغنا حج بيته الحرام، وأن يتقبَّل منَّا ومنكم.


اللهم أعز الإسلام والمسلمين.







الساعة الآن : 08:46 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.42 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.69%)]