ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   إدمان الأفلام والمعاصي (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=222885)

ابوالوليد المسلم 21-01-2020 12:16 AM

إدمان الأفلام والمعاصي
 
إدمان الأفلام والمعاصي


أ. عائشة الحكمي




السؤال
السلام عليكم ورحمة الله، أتمنى أن تفيدوني - جزاكم الله خيرًا - في مشكلتي؛ وهي أني أعاني من ضعفٍ عام في الدِّين، ولستُ راضيةً عن حالي؛ صلاتي ليست بصلاةٍ؛ ليست في وقتها، ولا أحضرها بقلبي أبدًا، لا أستطيع أن أدعو وأناجي الله، صوم رمضان صعب عليَّ، وأيضًا قراءة القرآن، أشعر بالعجز الشديد والصعوبة في العبادات الشعائريَّة كهذه، عاقَّة لوالديَّ، ورغم إحساسي بهما فإنِّي أستمرُّ في تجاهُلِهما، ربَّما المشكلة الأخيرة تكون بسببهما، لكن بشكل عام لا أستطيع أن أُكوِّن غايةً لربِّي خالصةً.

أعلم يقينًا أنَّ سبب بُعدي هو المعاصي، لكن قلبي متعلِّق بهذه المعاصي، أنا أشعر بالوحدة، وليس لديَّ ما يملأ عليَّ حياتي غير بعض هذه المعاصي؛ كإدماني للأفلام والمسلسلات الأجنبية، ليست سيِّئة جدًّا أو إباحيَّة، لكن تتخلَّلُها المنكرات.

وأعلم أن أهونَ السيِّئات مع تجمُّعِها تصبح ثقلاً، لم أستطع إيجادَ البديل، فكما قلت: أنا وحيدة، وأشعر بالاختناق من وحدتي هذه، علمًا بأن لديَّ ما يشغلني طوال الوقت من دراسةٍ وعمل، لكن الشُّعور بالتسلية والشعور بالناس، كل ذلك أفتقده، فما النصيحة؟ وما البديل؟




الجواب
بسم الله الهادي للحقِّ

وبه الاستعانة



أيّتُها العزيزة:

قال بعضُ السَّلف: "ما من عبدٍ إلاَّ وله عينان في وجهه، يُبصِر بهما أمرَ الدُّنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمرَ الآخِرة، فإذا أراد اللهُ بعبدٍ خيرًا، فَتح عينَيْه اللَّتيْن في قلبه، فأبصرَ بهما من اللَّذَّة والنَّعيم ما لا خطَر له؛ مما وعدَ به مَن لا أصْدَقَ منه حديثًا، وإذا أراد به غير ذلك، تركَه على ما هو عليه، ثم قرأ: ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]".

ومن أقفال القلوب: ألاَّ يتفكَّر العبدُ بغير مُسلِّيات الدُّنيا ومُلهياتها ومَلذَّاتها؛ على أنَّه ليس في الدُّنيا ما يُسلِّي القلبَ قدر القُرب منه - سُبحانه وتعالى - والتلذُّذ بعبادته وطاعته، ولكنَّها أحوال القلوب المُقفَلة بأقفالٍ صدِئة من المعاصي والآثام، والأقفالُ الصَّدِئة لا تُفتَح، بل تُكسَر، وكَسْر القفل لا يكون بضَعفٍ بل بقوَّة، والقوَّة لا تُستمَدُّ من البشر، بل من ربِّ البشر، فتضرَّعي إلى الله - سُبحانه - أن يقوِّيكِ على طاعته، ويشغلكِ بعبادته، ويَقْسِمَ لكِ من خشيته ما يحول بينكِ وبين معاصيه، ويهديَكِ، ويُصلح شأنكِ كلَّه، ولا تعجزي عن الدُّعاء؛ فهو أسهل ما يَتعبَّد به المُسلم ربَّه.

تعلمين - أيَّتُها العزيزة - أنَّ قلبكِ لن ينشط للعبادة وهو مُكبَّل بالخطايا، ومُثقَل بالذُّنوب؛ كالبدَن، لا ينشط للعمل وهو مُعتلٌّ بالأمراض والأسقام، وكالعقل؛ لا ينشط للتَّفكير والبحث وهو مُثقلٌ بالأشغال والهموم، فاستعيني على فكِّها وحلِّها وقطعها وتمزيقها بالاستغفار؛ ففي الحديث الكريم: ((إنَّه لَيُغان على قَلْبي, وإنِّي لأَسْتغفِر الله في اليَوْم مائة مرَّة))؛ رواه مسلم.

جاء في "لسان العرب": "وغِينَ على قلبه غَيْنًا: تغَشَّتْه الشَّهْوةُ، وقيل: غِينَ على قلبه: غُطِّيَ عليه وأُلْبِسَ، وغِينَ على الرجل كذا؛ أَي: غُطِّيَ عليه، وفي الحديث: ((إِنه ليغان على قلبي حتى أَستغفر الله في اليوم سبعين مرَّة))؛ الغَيْنُ: الغَيْمُ، وقيل: الغَيْنُ شجر ملتفٌّ، أَراد ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو منه البشر؛ لأَن قلبه أَبدًا كان مشغولاً بالله تعالى، فإِن عَرَضَ له - وَقْتًا ما - عارضٌ بشري يَشْغَلُه من أُمور الأُمَّة والملَّة ومصالحهما، عَدَّ ذلك ذنبًا وتقصيرًا، فيَفْزَعُ إلى الاستغفار؛ قال أَبو عبيدة: يعني أَنه يتَغَشَّى القلبَ ما يُلْبِسُه؛ وكذلك كل شيء يَغْشَى شيئًا حتى يُلْبِسَه فقد غِينَ عليه".

وفي التَّنْزيل العزيز: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، فالاستغفار كما تشير الآيةُ لا يكفِّر الذنوبَ وحَسْب؛ بل يُقوِّي القلوب على الطَّاعة، والأبدانَ على أداء العِبادة، فلا يفترنَّ لسانُكِ عن الاستغفار وهو مفتاحُ ما استُغلِق عليكِ، فإن عَجزْتِ فبقلبكِ؛ فإنَّ الله وهو علاَّم الغيوب يعلم أنَّكِ تسبِّحين وتستغفرين وإنْ لم تعلم ملائكتُه التي تكتب الحسنات بذلك، والله - سبحانه - أرحمُ مِن أن يسمع قلبكِ المُتعَب مُستغفِرًا ثم لا يغفر لكِ، والله - تعالى - أكرم من أنْ يراكِ تكتبين هذه الاستشارة تطلبين الرُّشد والهداية، ثم لا يهديكِ إلى الطَّريق المُستقيم.

لن أعظكِ الوعظ الذي أوقن أنكِ تعرفينه أكثر منِّي، مما تحفل به "الألوكة" في كلِّ زاوية من زواياها المباركة، ولكنِّي أذكِّرك بأمورٍ صغيرة رأيتُكِ لا تلتفتين إليها؛ رغم عظم تأثيرها على حياتكِ التعبُّديَّة، كالدُّعاء والاستغفار؛ فهما يَعْملان في الذُّنوب والخطايا عمل الأحماض المُخفَّفة، وأوراق الصَّنفرة في إزالة صدأ الحديد.



أيَّتُها العزيزة:

تقولين: إنكِ أدمنتِ مشاهدة الأفلام والمُسلسلات؛ بحجَّة الفراغ، وما الأفلام والمُسلسلات إلاَّ نصوصٌ روائيَّة تم تحويلها إلى أعمالٍ سينمائيَّة، ولو أنَّكِ قرأتِ النَّصَّ الأصليَّ قبل أن تشاهديه فيلمًا أو مسرحيَّة، لذُهِلتِ من البَوْن البعيد بين ما يُشاهد ويُقرأ، فإن شئتِ التخفيف من هذا الإدمان السَّينمائيِّ، والتَّخفيف من حمل الأوزار، فاستعيضي عن هذه المُسلسلات بالبديل الإبداعيِّ الأرقى، وهو: "أدب الرِّواية"، أو بالبديل الثقافيِّ الأصدق وهو: "الأفلام الوثائقيَّة".



أولاً - أدب الرِّواية:

يزخر الأدب العالميُّ بروائع خالدة؛ مثل:

1 - "أعمال شكسبير" (من الأدب الإنجليزيِّ).

2 - "أعمال ديستويفسكي" (من الأدب الرُّوسيِّ).

3 - "أعمال غابرييل غارسيا ماركيز" (من الأدب الكولومبيِّ).

4 - "ذهب مع الريح"، لمارغريت ميتشل (من الأدب الأمريكيِّ).

5 - "آلام فرتر"، ليوهان غوته (من الأدب الألمانيِّ).

6 - "البؤساء"، لفيكتور هيوغو (من الأدب الفرنسيِّ).

7 - "دون كيشوت"، لسرفانتس (من الأدب الأسبانيِّ).

8 - "جسر على نهر درينا"، لإيفو أندريتش (من الأدب اليوغسلافيِّ).

9 - "باهيا"، لجورج أمادو (من الأدب البرازيليِّ).

10 - "النفق"، لأرنستو ساباتو (من الأدب الأرجنتينيِّ).

11 - "الساعة الخامسة والعشرون"، لكونستانتان جيورجيو (من الأدب الرُّومانيِّ).

12 - "صحراء التتار"، لدينو بوتزاتي (من الأدب الإيطاليِّ).

13 - "العمى"، لساراماغو (من الأدب البُّرتغاليِّ).

14 - "جنوب الحدود، غرب الشمس"، لهاروكي موراكامي (من الأدب اليابانيِّ).

15- "بجعات برِّيَّة"، ليونغ تشانغ (من الأدب الصِّينيِّ).

16 - "السَّنوات الرَّهيبة"، لجنكيز ضاغجي (من الأدب القرميِّ الترُّكيّ).

17 - "من أعاد دورنتين؟"، لإسماعيل كاداريه (من الأدب الألبانيِّ).

18 - "الحوالة"، لصنبين عُثمان (من الأدب السِّنغاليّ).

19 - "الأشياء تتداعى"، لغينوا اتشيبي (من الأدب النَّيجيريّ).

20 - "خزي"، لـ ج.م كويتزي (من الأدب الجنوب إفريقيّ).

21 - "إله الأشياء الصغيرة"، لأروندهاتي روي (من الأدب الهنديِّ).

22 - "لا مصير"، لإمره كيرتس (من الأدب المجَريِّ).

23 - "الحبُّ والظِّلال"، لإيزابيل الليندي (من الأدب التّشيليّ).

24 - "المرأة العسراء"، لبيتر هاندكه (من الأدب النِّمساويّ).

25 - "باراباس"، لبار لاغركفيست (من الأدب السُّويديّ).



ثَمَّة إشارات صغيرة أودُّ تثبيتَها على هذا الطَّريق؛ تنبيهًا لمن يَقرأ الرِّواية العالَميَّة، وهي ملاحظاتٌ نابعة من وجهة نظرٍ شخصيَّة، ومحض خبرة قرائيَّة، لا من باب التخصُّص في آداب اللُّغات الأوروبيَّة:

إنَّ أفضل الرِّوايات العالميَّة ما نُقِل إلينا بترجمةِ أديبٍ عَربيٍّ عن أديبٍ غرْبيٍّ، فمسرحيَّات عظيمة مثل مسرحيَّات شكسبير لا تُستساغ ولا تُفهَم بغير ترجمة الأديب "خليل مطران" أو الأديب "جبرا إبراهيم جبرا".

لا تُستلذُّ الرِّواية إلا بترجمتها ترجمةً كاملة ووافية؛ أداءً للأمانة الأدبيَّة فيها، فروايةٌ فريدة غاية في الإبداع الأدبيِّ مثل رواية "البؤساء" لا يمكن بحالٍ أن يتمتَّع القارئ بقراءتها بين دفَّتي كتابٍ واحد كما وجدْتُها في بعض الدُّور والمكتبات، فهذا اقتضابٌ مُجحِف لجماليَّة السَّرد، وخصائص المعاني، واختزال للتَّاريخ الذي بُنِيت عليه الرواية "الثورة الفرنسيَّة"، ولولا الترجمة الفريدة التي لم يُتمها الشَّاعر "حافظ إبراهيم" لرواية البؤساء؛ كنتُ أعدُّ الترجمة الصادرة عن دار الكتاب العربي - إن لم تخنِّي الذاكرة - في 4: 5 مجلدات من القطع المتوسط هي الأفضل حتَّى الآن للبؤساء.

من الروائيِّين مَن لم يُوفَّق سوى بكتابة روايةٍ واحدة، رغم وفرة محصوله الروائيِّ، من أولئك - حسب رأيي - الرِّوائيُّ البرازيليُّ "باولو كويلو" الحائز على جائزة نوبل في الأدب على روايته "الخيميائيِّ"، وهي بحقٍّ تستحقُّ الجائزةَ؛ لا من إبداعها، بل من استلهامها للتُّراث العربيِّ والإسلاميِّ، في حين لو أُلقيت بقيَّة أعماله في أفواه الكلاب ما تُحسِّر على المال الذي دُفع لشرائها؛ لِفَرط ما فيها من انحرافات عقديَّة خطيرة.

ثمة قامات أدبيَّة باسقة في الأدب العالميِّ نالت من الشُّهرة ما نالت، وحصدَتْ من الجوائز ما حصدت، إلاَّ أنني برغم ذلك لم أستسِغْ طعم النُّصوص التي كتبوها، من أولئك: الروائيُّ الإنجليزيُّ الشهير "تشارلز ديكنز"؛ فهو لا يفتأ يُكرِّر الفكرةَ الواحدة في كلِّ أعماله من واقع خلفيَّةٍ اجتماعيَّة عايشَها هي "الحياة في المَيْتم"؛ لذا لا تكاد تخلو رواياته من بطلٍ صغير مُعذَّب عاش في الميتم، وهو تكرار عقيم يشبه التكرار المحفوظ في روايات عبير!



ثانيًا - الأفلام الوثائقيَّة:

الفيلم الوثائقيُّ سجلٌّ واقعيٌّ، ومِرْآة عاكسة لقصص حقيقيَّة من الحياة، لَم ينسجها خيالُ أديب، وقد تابعتُ بعضًا منها على قنوات مختلفة، فلم أجد أغنى من الأفلام الوثائقيَّة على قناة "الجزيرة الوثائقيَّة" من حيث جِدَّة المواضيع، وآلية المُعالجة، وجمال اللُّغة، وبَراعة الإخراج.

النُّقطة المُهمَّة هنا أن تكوني مُشاهِدة ناقِدة وانتقائيَّة، فلا يَكُن غرضكِ من المشاهدة مجرَّدَ التَّسلية، وقطْعَ وقت الفراغ، بل لغرض الفائدة والثَّقافة وتعلُّم القيم والمبادئ؛ إذْ لا يمكن التغاضي عن الفائدة الثقافيَّة لبعض الأفلام والمُسلسلات، مِمَّا قد يفوق في بعض الأحيان ما يمكن جَنْيُه من كتابٍ في التاريخ أو السِّيَر، أو السِّياسة، أو الاجتماع، ولكن كم فيلمًا أو مُسلسلاً استطاع أن يحقِّق ذلك الهدف؟ قليل جدًّا، ولا يكاد يتعرف على هذه الزُّمرة السينمائيَّة الهادفة إلاَّ مَن فُتِح قلبه وعقله للبحث عن الحكمة.

من المهمِّ كذلك أن يكون لديكِ أهدافٌ تسعين لبلوغها، وهواياتٌ تسعين لتنميتها، فهذا هو عُمْر التنمية والإنجاز والإبداع قبل أن تحصركِ شغول الزَّواج والتربية والوظيفة، صدِّقيني ليس مثْلَ وقت الدِّراسة وقتٌ لِمُمارسة الهوايات؛ خاصةً لأولئك الذين يمقتون أنظمة الدِّراسة والمناهج الدراسيَّة، أقولها لكِ عن تجربة!

ولا تقولي: إنكِ لا تملكين هوايات؛ لأنَّه ما من شخصٍ إلاَّ ولديه هواية وموهبة، ولكنَّ أكثر الذين يقطعون حياتهم بلا هوايات لم يُدْركوا بعدُ كم في دواخلهم الخصبة من جواهر ثمينة دفينة، ورِكازٍ لم يُستخرج، ومَثاقيل من الذَّهب الخالص بلغَت النِّصاب زكاةً!

في الواقع، لا يمكنني أن أقول لكِ: "تلك هي هوايتكِ" من دون أن تَذْكُريها لي بنفسكِ، ولو تلميحًا، ولا يمكنني أن أُسمِّي لكِ هواياتٍ كي تُمارسيها؛ فالهوايات تخصُّ الأشخاص وحدهم، ولا يكون لها معنًى إن لم تَنْبع من دواخلهم واهتماماتهم الشَّخصيَّة.

أترى حين أفقأ عينيْكِ، ثم أُثبتُ جوهرتَيْن مكانهما؛ هل تَرين؟! هي أشياء لا تُشترى!

نعم، هي أشياء لا تُشترى، ولا تُمنَح، فابحثي عنها في داخلكِ، واعملي على توظيفها، وامتلاك أدواتها التي تساعدكِ على تطويرها، ولو كلَّفك الأمر أن تدفعي الأموالَ الباهظة ثمنًا لبلوغها؛ ما دامَتْ تَحُول بينكِ وبين اقتراف الشرِّ، وتقرِّبكِ إلى الله - عزَّ وجلَّ.

فقط أدلُّك هاهنا على شيءٍ جميل قد يكون نافعًا، وهو المشاركة في خدمة التَّدوين على موقع تمبلر؛ والموقع عبارة عن مُدوَّنة مُصغَّرة جدًّا، تسمح بِنَشْر النُّصوص والصُّور والمقاطع الصَّوتيَّة والمرئيَّة بشكلٍ فاتن، وقد اطَّلعتُ على بعض المُدوَّنات التابعة للموقع باللُّغة الإنجليزيَّة، ورأيتُ إقبالاً جيِّدًا لغير المسلمين؛ لمتابعة مُدوَّنات المسلمين وسؤالهم عن الإسلام، كما وجدتُ الكثير من الفتيات العاقلات في مثل عمرك يستعمِلْنه في المَجال الدَّعويِّ، فإنْ شئتِ شَغْلَ وقتكِ بشيءٍ كهذا، فأنعِمْ به من عمل؛ لكونه يساعد على التعبير عن الذات، والدِّفاع عن الدِّين من خلال الكلمة والصوت والصورة معًا.

وككلِّ الأشياء في الدُّنيا؛ يمكن استعمال هذا الموقع في الخير كما يمكن استعماله في الشرِّ، والله مُطَّلِع على نِيَّتي، إن أردتُ إلاَّ المساعدة ما استطعتُ، وعلى نيَّتي سأُحاسَب يوم القيامة لا على ما يقع في قلوبكم من ظنونٍ ونيَّات، وما أُحِلُّ لأحدٍ أن يصرف الخيرَ الذي أردتُه في كلامي في الشرِّ الذي يريده في فِعَاله؛ ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى ﴾ [النجم: 39 - 41].

وبعد، فإنَّ الغاية هي الوصول إلى رضا الله - سبحانه وتعالى - وليس رضاكِ الذاتيِّ أو رضا الآخَرين عنكِ، فأسرعي في بلوغها ابتغاءَ وجه الله، وحبًّا وطاعةً له - سبحانه وتعالى - وليكن حالكِ مع الله كحال الكليم موسى - صلوات الله على نبيِّنا وعليه - إذْ يقول: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].

فعجِّلي بالتوبة، وسارعي بالطَّاعة؛ فالدُّنيا سريعة المُضيِّ كومض البرق، لا تنتظرُ إفاقة غافل، ولا توبة مُسرف على نفسه؛ من أجل ذلك حضَّ القرآنُ على التعجُّل بالعمل الصالح، والمسابقة على فعل الخيرات قبل فوات الوقت:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].

﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21].

﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61].

﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 32].

وفي حديث حذيفةَ أَنه خطب، فقال: "اليَومَ المِضْمارُ، وغدًا السِّباق، والسابقُ من سَبَقَ إِلى الجنَّة"؛ قال شمر: "أَراد أَن اليوم العملُ في الدُّنيا للاسْتِباق إِلى الجنَّة؛ كالفرس يُضَمَّرُ قبل أَن يُسابَقَ عليه"؛ ويُروى هذا الكلام لعليٍّ - رضي الله عنهما.

نعم، هي الدُّنيا، مضمارٌ طويل وشاقٌّ، وأعمالنا فيها خيولٌ قد ضُمِّرتْ لخوض السباق، ونجائِبُ إبلٍ يُسابَق عليها، فأين موضعكِ الآن في هذا المضمار سباقًا إلى جنَّات عدن؟!

إن شئتِ أيتها العزيزة سبَقْتِ، أو شئتِ تأخَّرتِ؛ فهذا اختيارُكِ، وتلك رغبتكِ؛ كما يقول الحقُّ سبحانه: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ [المدثر: 37]، ولن يستطيع أحدٌ سواك أن يغيِّرك نحو الأفضل، وإن كنتُ آمل أن نستبق معًا إلى الجنَّة، ونصل معًا إلى حيث لا نألم ولا نُظلَم، ولا نشعر بفراغ الوقت رغم خلود الحياة.



والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وفوق كلِّ ذي علمٍ عليمٌ.



الساعة الآن : 01:33 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 23.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.03 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.41%)]