ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   الدنيا فوضى" مسرحية سخرت من دعاة تحرير المرأة" (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=199358)

ابوالوليد المسلم 13-04-2019 12:35 AM

الدنيا فوضى" مسرحية سخرت من دعاة تحرير المرأة"
 
الدنيا فوضى" مسرحية سخرت من دعاة تحرير المرأة"



علي محمد الغريب


كتب الشاعر والمسرحي الكبير الأستاذ "علي أحمد باكثير" (1910 ــ1969م) ــ رحمه الله ــ مسرحية "الدنيا فوضى" في عام 1952م في وقت اشتدت فيه الحملات الضارية على نسائنا وبناتنا، تغرر بهن وتدعوهن للخروج على الدين والتحلل من قيمه بدعوى التحرر وممارسة الحقوق المشروعة، وحضهن على أن يستبدلن بالتستر العري، وبالخفر التبجح ، فزلت أقدام كثيرة، عاد بعضها، وأكثرها ذهب مع الريح!
وليس معنى هذا أنّ هذه الحملات توقفت الآن، فهم ما زالوا بيننا نراهم كل يوم يطالعوننا في كل وسائل الإعلام، الوجوه نفسها والعبارات نفسها، لكن الفرق بين أهل هذا الزمن والزمن الماضي على مستوى الطرفين، أن أصحاب هذه الدعاوى طوروا أنفسهم، ولغة خطابهم، أما الطرف الآخر وهم الفتيات والنساء فإنّ أكثرهن اكتشفن بطلان هذه الدعاوى بعد سقوط الكثير من أقنعتها، ولم يعد يتبع هذا اللغو الفارغ إلا اللواتي أردن السباحة في لجج آسنة، وهن على دراية بما يفعلن، لكن لا يخلو الأمر من بعض النماذج المهزومة التي تسير مع القطيع في كل زمان ومكان.
المسرحية من "الكوميديا" الاجتماعية الراقية، وهي تقع في ثلاثة فصول، متقاربة الحجم، يبدأ الفصل الأول بدخول "أحمد مختار" ـ بطل النص ـ جمعية "لافام موديرن" أو: المرأة الحديثة، التي ترأسها خطيبته وابنة عمه "سونيا".. يتجول في المكتب فتقع عينه على صورة للملكة "حتشبسوت" وقد ركبت لها لحية فبدت مضحكة. يختبئ أحمد خلف إحدى الستائر على إثر سماعه وقع أقدام سونيا، ليراقب ما يحدث في هذا المكتب. تدخل سونيا والدكتورة "غندورة" العانس التي حصلت على الدكتوراة في العلوم من جامعة السوربون، وعادت حديثاً حاملة اختراعاً جديداً يحول الرجال إلى نساء والنساء إلى رجال، ما يجعل سونيا تحتفي بها وتتحمس لها، وتعرض عليها كل ثروتها من أجل إنفاذ هذا المشروع الضخم.
ورغبة سونيا لم تأت من فراغ، وإنما وراءها شذوذها وتمردها على طبيعتها الأنثوية، ورغبتها في التحول إلى رجل. يبدو ذلك من علاقتها بسكرتيرتها - الفتاة الرقيقة الحالمة "مهجة"- التي تبالغ في تدليلها ولا ترفض لها طلباً، أما مهجة فمندفعة وراءها عن جهل بما يدور في نفسها، وتسعى أيضاً لتحرير نفسها من تسلط أمها وأبيها؛ لذلك كانت من أوائل اللائي سجلن في الجمعية.
أمّا كاتب الحسابات الأستاذ "سوسو" فمثله مثل سونيا، كلاهما يرغبان التحول عن جنسهما إلى الجنس الآخر، فسونيا تقوم بعمل تمارين رياضية لتقوية العضلات، وسوسو يبالغ في اقتناء المناديل المضمخة بالعطر النسائي النفاذ، ويضحك في نعومة ويمشي في تكسّر!
أمَّا العضوات "زينب ونادية وعائدة"، فهن من المنتسبات إلى الجمعية لتحقيق رغبات متفاوتة، فهذه نادية أعلنت انتصارها على زوجها عندما استطاعت أن ترتدي "الجابونيز" ــ نوع من اللباس المتهتك ــ في حضرته، وأنه ما عاد يجرؤ أن ينطق بنصف كلمة، فيهنئونها على هذا الإنجاز، أمَّا زينب فما زالت تجاهد أخاها الرجعي المتسلط عليها، لكنها لم تذعن له برغم رجعيته، فخرجت بلباسها العادي وحملت الجابونيز معها إلى بيت خالتها وارتدته هناك!
أما عائدة فجاءت في فستان أقرب إلى الحشمة (بنصف كم!) وعندما رأينها غرقن في ضحك صاخب، شغلهن عن رد تحية المساء، فاستفسرت عائدة عن سبب ضحكهن:
عائدة: ماذا جرى يا جماعة؟
نادية: أين نسيت البرقع يا عائدة؟ كيف جئت هنا من غير برقع؟
مهجة: والمنديل أبو قوية.. ما الذي أطاره من رأسك؟
عائدة: هيه فهمت.. كل هذا من أجل الفستان الذي عليّ؟ (في غضب)
تباً لكن! أما تحسنّ غير السخرية والتندر على عباد الله؟ أو كفرت عندكن إذ لبست هذا الفستان؟
يحتدم النقاش بين عائدة وبينهن إلى الحد الذي جعل عائدة تنفر منهن فتلقي باستقالتها في وجه الرئيسة..
سونيا: (محتدة متحمسة) هذا جهل فاضح بتاريخ جهاد المرأة.. ألم تعلمي يا هذه أنّ الرجال كانوا يرغموننا على الحجاب ويمنعوننا حتى من كشف وجوهنا وأيدينا فأخذنا نجاهدهم.. فكلما كشفنا جزءاً من جسدنا.. كسرنا قيداً من قيودنا.. واستخلصنا حقاً من حقوقنا.. فلنمض في جهادنا هذا إلى النهاية!
عائدة: (ساخرة) يا خبر! إلى النهاية؟!
سونيا: (في حدة وإصرار) نعم إلى النهاية!
عائدة: يا ساتر يا رب! لا لا لا لا! أنا عندي زوج وأولاد. خذي استقالتي من اليوم! (تنطلق صوب الباب لتخرج).
سونيا: في ستين داهية أنت وزوجك وأولادك (تومئ للعضوات بأن يهتفن معها) في ستين داهية!
في الفصل الثاني تتطور الأحداث فيتظاهر أحمد بتفاعله مع الجمعية وحضوره اجتماعاتها، وهي محاولات جادة منه لإجهاض هذه الدعوة، ولكن بدهاء ولطف، فهو يخاطب في كل العضوات صوت الفطرة الأنثوية، ويعمل على تحويل أفكارهن بهدوء، فهذه مهجة قد أوقعها في حبه!!
ولاشك في أن هذه الخطوة غير مرضية - فالغاية لا تبرر الوسيلة - لكن بطل العمل وجميع شخوصه والبيئة التي تدور فيها الأحداث بعيدة عن الفهم الصحيح لمقتضى الإسلام، لذلك تركها المؤلف تتصرف على سجيتها، فنجد أحمد يسعى على قدر فهمه وبضاعته القليلة في هذا الجانب، وبما تمليه عليه ظروفه الخاصة، محاولاً انتشال مهجة وغيرها من مستنقع الشذوذ ومحاربة الفطرة.
يبدأ أحمد في إقامة علاقة جديدة مع إحدى رؤوس الجمعية وصاحبة الدواء الجديد الدكتورة غندورة التي هي في حقيقة أمرها غير مقتنعة بما تفعله، وإنما شبح العنوسة الذي أيأسها من العثور على زوج جعلها تحقد على الرجال الذين لم يقدروا علمها وأنوثتها، وانصرفوا عنها.
ينجح أحمد في النفاذ إلى قلبها والتأثير عليها، وها هي قد ضربت له موعداً في الجمعية قبل حضور العضوات ليتبادلا أحاديث الغرام، التي تكشف لنا عن حقيقة مشاعر أحمد تجاهها من خلال تعريضه في الحديث كما سنرى:
غندورة: أنت يا أحمد، أنت الرجل الوحيد الذي استطاع أن يفتح قلبي بعدما أغلقته عن الرجال طوال عشر سنين!
أحمد: وأنت يا غندورة! أتدرين ما مثلك حين غزوت قلبي بحبك؟
غندورة: هيه؟
أحمد: مثل القنبلة الذرية لما ألقيت على هيروشيما، فاستسلمت اليابان بعدها من غير قيد ولا شرط!
غندورة: ما هذا يا أحمد؟ ألم تجد إلا هذا التشبيه الفظيع؟
أحمد: إنه من حبك!
غندورة: (محتدة) من حبي؟!
أحمد: نعم.. أنت يا حبيبتي دكتورة في العلوم، والقنبلة الذرية من معجزات العلم.
غندورة: إن كان هذا مقصدك فلا بأس.
أحمد: ما قصدت غير هذا يا أجمل دكتورة في العالم.
غندورة: ثق يا حبيبي أنك أنت الرجل الأول والأخير الذي أحببته في حياتي!
ثم تبدي غندورة قلقها على هذا الحب من تلك الفتاة ـ مهجة ـ التي تقف بينهما، لكن أحمد يوهمها أنه يمثل عليها فقط، وأنه لا يحب غيرها، فتنخدع الدكتورة بكلامه أو تنخدع له، فهو تمكن من قلبها واستطاع أن يلامس أوتار الأنثى في فطرتها التي طالما عاندتها وادعت عكسها، ثم تخبره بأنها تخلت عن رغبتها في إنفاذ المشروع، بعدما اهتدت إليه حبيباً وزوجاً في المستقبل، ولا داعي لتجارب تجلب التعاسة للناس، لكن أحمد يتمسك بالمشروع إمعاناً في كشف نفسيتها التي تؤكد أنَّ المرأة مهما حاولت التمرد على فطرتها، فهي لن تكون غير ما أرادها الله تعالى، ولو حاربت نفسها بنفسها.
ولا يقنع أحمد بانقلاب السحر على الساحر مع غندورة وحدها، فيسعى إلى إذعان رئيسة الجمعية ــ سونيا ــ ومن معها كما أذعنت غندورة. توافق غندورة على مواصلة المشروع، لكنها تحذره من الوقوع في الفخ الذي نصبته له سونيا، إذ إنها قررت أن تجرب هذا الدواء عليه، وهنا يتبين لأحمد سر تودد سونيا إليه في الفترة الأخيرة. تنظر إليه غندورة ثمّ ينخرطان في أحلام اليقظة:
أحمد: هل تصورت يا حبيبتي كم تكون سعادتنا إذا تحوَّل الناس جميعاً من جنس إلى جنس، وبقينا أنا وأنت وحدنا على فطرتنا الأولى؟
غندورة: أجل.. سنكون الزوجين الطبيعيين الوحيدين في هذا العالم!
أحمد: يا لها من ميزة لم يحلم بها ملك في الأولين ولا في الآخرين، ولا كسرى ولا قيصر.
غندورة: أتدري يا أحمد ماذا ستنطوي عليه هذه الميزة بالنسبة لك؟
أحمد: هيه..
غندورة: إذا ما تحولت نساء العالم إلى رجال والرجال إلى نساء، فستنتقل السلطة كلها إلى أيدي أولئك الرجال الجدد!
أحمد: الذين كانوا نساء فيما سبق؟
غندورة: نعم.. وحيث إن هؤلاء رجال مصنوعون، فسوف تتغلب عليهم برجولتك الفطرية فتتزعمهم جميعاً..
أحمد: الله.. هذا صحيح يا غندورة.. سأكون إذن إمبراطوراً.
غندورة: وأنا؟
أحمد: ستكونين الإمبراطورة! الإمبراطورة غندورة.
من الحوار السابق يتضح لنا عدم قناعة غندورة بالرجال المصنوعين، وأنَّهم بحاجة إلى رجل فطري يقودهم! يمر الوقت بالحبيبين ويأتي باقي أفراد الجمعية للالتقاء بالدكتورة واختراعها الجديد الذي سيغير الحياة. تطلب سونيا من الدكتورة تقديم القارورتين فتضعهما أمامهم، ويترقب الأعضاء من يتشجع ويعقد لواء البطولة ويقدم نفسه فداء للجميع. تقطع سونيا الصمت وتطلع الحاضرين في وجوه بعضهم بعضاً معلنة أنها وأحمد سيجربان الدواء، فترتاع مهجة خائفة على أحمد وتبدي استعدادها للتضحية بنفسها مع سونيا، لكن سونيا التي تطمع في الزواج من مهجة بعد تحولها إلى رجل ترميها بنظرة قاسية كأنّها تحذرها.
يستقر الجميع على أنَّ أحمد وسونيا سيتناولان المشروب فتأخذ سونيا القارورة الخاصة بتحويل النساء إلى رجال وتشربها دفعة واحدة، ثم تطلب من أحمد أن يتشجع مثلها؛ فيمسك أحمد قارورته ويرفعها إلى فمه؛ فيهب في وقت واحد سوسو ومهجة والدكتورة غندورة ويقبضون على القارورة ويمنعون أحمد من شربها، وعندما تستنكر سونيا هذا الفعل، تتعلل الدكتورة بأنّ هناك إقراراً يجب كتابته قبل شرب الدواء.
تأمر سونيا مهجة بإحضار الأوراق لكتابة الإقرار، وبينما هم مشغولون بكتابة الأوراق يتلصص سوسو ويخطف القارورة ثم يدفعها إلى جوفه وهم ينظرون إليه في دهشة.
سوسو: (يرسل القارورة) خلاص .. شربتها! شربتها كلها .. خلاص .. خلاص!
في الفصل الثالث تبدأ الأحداث في التحدر نحو الحل، فهذه غندورة التي أصبحت رئيسة الجمعية خلفاً لسونيا سابقاً وحسني حالياً، قد سئمت هذا الحب غير المعلن أمام الناس، وما يزيد مخاوفها وقلقها أنَّ الجميع يعرفون أنَّ مهجة تحب أحمد، وأحمد يحب مهجة، بالرغم من ملاحقة حسني ــ سونيا- لها ومحاولته الانفراد بها، وهو سيجن بها ولن يفرط فيها، فقد شرب أو شربت الدواء من أجلها! وهنا يحتدم الصراع بين أحمد وحسني على الفوز بمهجة التي تريد أحمد وتخاف من حسني!
ينشغل جميع الأعضاء بإعداد حفل نجاح عملية تحول سوسو إلى سوسن، وسونيا إلى حسني، لكن غندورة كانت ممتعضة مما نشرته صحافة الغرب عنها وعن اختراعها، فهذه صحيفة "نيويورك تايمز" تقول: "إذا ثبت في المستقبل أن المدعوة سونيا قد تحولت إلى رجل كامل الرجولة، والمدعو سوسو كان امرأة تامة الأنوثة، فإنّ ذلك يرجع لا محالة إلى أنّ سونيا كانت في الأصل رجلاً منحرفاً، وأنّ سوسو كان امرأة منحرفة، فساعد هذا الدواء الجديد على إعادتهما إلى وضعهما الأصلى، أما الادعاء بأن الدواء يمكن أن يحول أي رجل إلى امرأة وأية امرأة إلى رجل فهذا لغو باطل لا يقره العلم بأي حال، وإذا ادعت الدكتورة المصرية ذلك فهي قطعاً دجالة".
وبعدما شعرت سونيا بأنَّ رغبتها تحققت وأنَّها تخلصت من كابوس الأنوثة الذي كان يلاحقها تقرر تصفية الجمعية، وإهداء مقرها إلى إحدى الجمعيات النسائية المعتبرة، وعندما تفاتحها الدكتورة غندورة في أمر تمويل المشروع الذي وعدت به من قبل، تنصحها بطيه والتكتم عليه؛ لئلا يكون مصيرها السجن. في هذه الأثناء تفشل سونيا أو حسني في الوصول إلى مهجة، وتفشل سوسن أو سوسو في الوصول إلى أحمد، فيقرران (سوسن وحسني) أن يتزوجا.
تعود غندورة وتحاول - من جديد - إقناع حسني بالإبقاء على الجمعية وتمويل مشروعها، لكن حسني يرفض، فهو قد قرر الزواج من سوسن، ولا وقت لديه لهذا العبث، فتخاطب الدكتورة العضوات لتثيرهن:
غندورة: (يبدو في وجهها الغضب فتطل صائحة) يا حضرات العضوات.. إني أحتج على هذا القرار غير المشروع.. هذا انتصار للرجعية! هذا اندحار للتقدمية! هذه خيانة للمرأة.. هذه مؤامرة سافرة للرجوع بنا إلى عصر الحريم..! يا بنات القرن العشرين، أيرضيكن أن تعشن في القرون الوسطى؟
أصوات: كلا.. كلا..
غندورة: أيرضيكن أن تمنعن غداً من "الجابونيز والديكولتيه" وغيرهما من ثمار جهادكن الطويل، لترجعن إلى لبس البرقع والملس؟
أصوات: كلا.. كلا.. لن نرضى أبداً.
غندورة: ماذا تقول نساء العالم عنا؟ .. متوحشات؟ متبربرات؟ نسكن الخيام ونركب الجمال، وتجول بيننا التماسيح في الطرقات؟
أصوات: كلا لن نكون مضغة في أفواه نساء العالم! لن نكون عاراً على جبين مصر!
حسني: (يتقدم إلى الفرندة) يا بنات القرن العشرين.. اسمعن الآن مني كلمة واحدة مفيدة.. هيا ارجعن الآن إلى بيوتكن، إن كان لكن بيوت! واتركن النادي لأصحابه وإلا دعونا لكن البوليس!
عند هذا تحس غندورة أنَّها ستفقد كل شيء حتى أحمد، فتسرع إليه.
غندورة: أحمد.. راح المشروع يا أحمد.. وانهار كل ما بنيناه من الآمال.. لكن لا بأس يا أحمد.. أنت عندي بالدنيا وما فيها!.. لا داعي للتكتم الآن يا أحمد بعد ما انكشف كل شيء.. يجب أن نكشف سرنا ونعلنه للجميع!
أحمد: أي سر يا دكتورة؟
غندورة: الله! .. السر الذي بيننا.. سر الحب.
أحمد: حب؟ أي حب؟!
غندورة: (تنفجر غاضبة) يا خائن! يا غادر! يا فاجر! أهكذا أنت يا خداع تعبث بقلوب الفتيات؟!
تنهار الدكتورة غندورة وتصيح في تشنج عصبي، وتكاد تقع على الأرض لولا أن إحدى العضوات سندتها وأخذتها وخرجت.. أما أحمد فيقول لمهجة في النهاية:
أحمد: اسمعي يا بنت.. أنا طول عمري رجعي كما يزعمون.. فإذا كنت تريدين حقاً أن تتزوجيني فالتزمي الحشمة وتمسكي بالحياء.. أنا لا أطيق هذه المسخرة (يشير إلى فستانها الجابونيز).
مهجة: طيب يا أحمد.. طيب.
يقول باكثير في كتابه "فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية": "لكي يوفق الكاتب في رسم شخوصه ينبغي أن يتعرَّف إليهم واحداً واحداً، ويعيش معهم في ذهنه برهة كافية، حتى يقرر أو يكتشف لكل واحد منهم أبعاده الثلاثة: البعد الجسماني أو الشكلي والبعد الاجتماعي والبعد النفسي، فعلى معرفته الدقيقة بهذه الأبعاد الثلاثة يتوقف نجاحه في رسم شخوصه".
والقارئ لـ"الدنيا فوضى" يتضح له مدى معرفة باكثير الجيدة بشخوصه، فهو عرفهم عن قرب وتعايش معهم وقتاً كافياً سبر فيه أغوار كل شخصية على حدة.
وإذا أردنا تقسيم الشخصيات إلى رئيسية وثانوية، فإنَّ أحمد مختار، وسونيا، والدكتورة غندورة، هم الشخصيات الرئيسية، وهناك عدد من الشخصيات الثانوية، مثل سوسو ومهجة وعائدة.
أحمد مختار: هذه هي الشخصية المحورية في المسرحية، والتي تمسك بخيط العمل وتتحرك به وتنميه، فهو شاب يمتلئ بالفتوة والحيوية والرجولة، كان يحب ابنة عمه سونيا التي ما كانت تنسجم معه لاعتبارات في تركيبتها السيكولوجية وربما الفسيولوجية أيضاً، وهو رمز لإنسان لم تلوث فطرته ويعرف ماذا يريد.
الدكتورة غندورة:عانس دفعها حقدها على الرجال الذين رغبوا عنها إلى الرغبة في الانتقام منهم، وهذه الشخصية من الشخصيات الأكثر ثراء في هذا النص بما تحتويه من معاناة داخلية وصراع مع الذات؛ لأسباب كثيرة، منها أنَّها ــ وهي العالمة القديرة ــ لم تحظ بالحب مثل أية امرأة عادية. وهذه قاصمة الظهر عند أية امرأة ترى نفسها تقدمت وتفوقت على الكثيرين من الرجال في بعض الميادين المهمة، فيما أخفقت في أهم ميدان تسعى إليه كل امرأة بغض النظر عما بلغته من مرتبة علمية أو عملية.
ونموذج الدكتورة غندورة لا نستطيع إسقاطه على الواقع كما هو، إذ ليست كل عانس حاقدة على الرجال، ولم تكن العنوسة وحدها الدافع الرئيسي وراء حقد الدكتورة، فهي شخصية مهيأة للانتقام عانساً كانت أو لم تكن، ومما ساعد على اشتعال هذه الرغبة داخلها مركزها العلمي الذي لا ينطلق من خلفيات إيمانية متجذرة في شخصيتها، وهذا الكلام يمكن أن ينسحب على الآخذين بزمام العلوم من غير المؤمنين بالدين وقيمه وأخلاقه في هذا الزمن.
سونيا (حسني فيما بعد): شخصية مضطربة، شديدة التوتر، دائمة القلق، غير راضية عن جنسها كأنثى، فهي لا تفرح، ولا تهتم بخطيبها، ولا تحتفي بكلمات الغزل، وتتطلع لأن تكون رجلاً كامل الرجولة يحب النساء ويتزوجهن؛ فهي نموذج شاذ للمرأة أراد المؤلف أن تكون انعكاساً لما تعيشه الكثيرات من النساء الداعيات إلى التحرر والسفور.
سوسو (أو سوسن): شخصية مريضة، متشابهة إلى حد كبير مع سونيا.
مهجة: شخصية نلقاها كثيراً في مجتمعاتنا، فهذه النوعية من الشخصيات ستجدها أينما التفتّ، إنها نموذج الفتاة المغيبة، التي تنخدع بالشعارات، ولا تملك إرادة، لكنها تملك قلباً طيباً، وخيالاً نظيفاً، وتحتاج إلى من يقودها ويوجهها.
عائدة: هذه الشخصية موجودة بيننا أيضاً، وهي من نفس نوعية مهجة من حيث نقاء السريرة وطيبة القلب، إلا أنَّها تملك الإرادة وحرية في القرار، فها هي تخرج من الجمعية عندما اكتشفت أنها لا ترضي تطلعاتها، وأنَّها تريد أن تجرفها إلى منزلقات لا يرضاها الشرفاء.
والناظر إلى اختيار باكثير في أسماء شخوصه يجدها مختارة بعناية، فأحمد مختار وعائدة من الأسماء ذات الدلالات المتفائلة الراغبة في الخير والعاملة من أجله وكذلك مهجة. أما غندورة فهذا الاسم عند المصريين صفة تطلق على المرأة المدللة المتعالية التي تشعر بذاتها أكثر من اللازم إلى درجة تصل حد الغرور.
تمثل نقطة الهجوم التي انطلق منها الكاتب من حيث الزمان والمكان أهمية عند قراءة المسرحية، فالمسرحية تتعامل مع حقبة زمنية معينة تختلف عن عصرنا، وإن كان وجه الاختلاف ليس كبيراً، فزمان المسرحية في الخمسينيات من القرن الماضي، إبان اشتعال دعوات تحرير المرأة وخروجها على طبيعتها، ومكانها هو إحدى هذه الجمعيات التي تزعم القيام بدور تنوير النساء وتبصيرهن بحقوقهن.
وأثر الزمان يبرز في سلوك الشخصيات وعادتها، أكثر من بروزه في أفكارهم، إذ الفكرة واحدة، لكن السلوك والعادات كانت تجنح وقتها إلى صدام المجتمع المحافظ بالخروج عليه بالملابس التي تبدو فيها المرأة شبه عارية، وهذه كانت من علامات الاستهجان في ذاك الزمن، أمَّا الآن فإنَّها ــ مع بلادة الألفة ــ لم تعد تسترع الانتباه في كثير من البلدان الإسلامية.
أول ما يلفت الانتباه في الحوار في هذا النص، سهولته وقربه من لغة الواقع، مع احتفاظه بسلامته اللغوية، وخلوه من المفردات العامية، كما أنَّه يتميَّز بالفكاهة والدعابة التي تجعلك تضحك من أعماقك، فهو مشحون بالعديد من المواقف الكوميدية غير المفتعلة والمقاطع الطريفة.
كما كان الحوار مناسباً لمستوى الشخصيات وأفكارها، وقد وظفه الكاتب بطريقة جيدة في نقل الحركة ودفع الحدث وتوضيح هوية الشخوص.
يقول الكاتب المسرحي الأمريكي "هوار دلندس": "إنَّك إذا أردت أن تكتب مسرحية للترويج لفكرة ما، فمن الخير ألا تدع أياً من شخصيات المسرحية يعرف ما هو موضوع الفكرة، وإن كان ثمة ما يُضاف إليها فهو أنَّ الأمور تسير سيراً أفضل إذا لم يعرف الكاتب هو الآخر ما هو موضوع الدعاية، فإن أقرب طريق لقتل المسرحية هو إكراهها على إثبات شيء ما؛ لأنَّها ستظل عندئذٍ مكرهة دائماً، فالحياة بما لها من قوة معقدة، لا تقدم نفسها لنا في صورة معادلة حسابية متساوية" (2).
وكاتب كباكثير لا يحتاج إلى التنبه لمثل هذا الأمر، فقد كان عموداً من أعمدة الكتابة المسرحية في بلادنا، وكان هذا نهجه في سائر مسرحياته، فهو لم يتدخل قط بين شخوصه، ويتركهم يتدرجون بالعقدة ومن ثم الوصول بها إلى الحل.
أبدع باكثير هذه المسرحية وكشف دواخل دعاة تحرير المرأة المريضة، في وقت كانت مثل هذه الكتابات من أكبر الكبائر عند كتاب اليسار.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ

(1)علي أحمد باكثير ــ فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية.
(2)عيوب في التأليف المسرحي ــ وولتر كير.



الساعة الآن : 09:20 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 26.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.94 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.36%)]