ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   نقد العقل الصحوي (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=222543)

ابوالوليد المسلم 16-01-2020 09:22 PM

نقد العقل الصحوي
 
نقد العقل الصحوي (1)


يوسف الألمعي






الصحوة تقتل أبناءها







يحكى في كتب العرب قديمًا أن رجلاً يملك أرضًا واسعة، وكان له عبدٌ، فأراد أن يمتحن ذكاءه وحكمته في الحياة، فقال له: لو شئتَ أخذتَ من هذه الأرض إلى حيث تصل بك قدماك، ثم تعود فتخبرني بقدر ما سرتَ، على أن تأتي إليَّ قبل أن تغرب الشمس.

فاغترَّ العبد بكرم سيده، وقال: سأسير حتى لا يبقى له شيء وأمتلك الأرض كلَّها، فسار مسرعًا لا تكاد تحمله قدماه، فلما بلغ به التعب، وهو لم يزل في بداية الطريق، قال مصبِّرًا نفسه: لعلي أسير قليلاً فتكون لي، وهكذا قال لنفسه، ونسي الوقت وأخذه الطمع، فجعل يمشي ويمشي حتى وافاه العطش، وكاد أن يموت من الإعياء، فقرَّر أن يعود، ولكنَّه لم يبلغ بعدُ منتصف الأرض والشمس قاربت المغيب، فأدرك هنا أنه أخطأ، حاول الرجوع، ولكنه لم يكن قادرًا على أن يكمل الحياة، فضلاً عن إدراك المجيء.

هذا ما يصدق على أبناء الصحوة، اغترارًا وسعيًا إلى امتلاك المجهول، ساروا حيث لا يدرون، ولا أين سينتهون، لم تكن المعرفة المضمونة وحدها دومًا السبيل إلى الوصول، ولا الحافز على السير بدون مراجعة أو بحث أو حتى سؤال.

والصحوة في بدايتها مزيج من الأفكار الذاتية والانعكاسية، كذلك لم تخل مثيلاتها من الدعوات والأفكار، والحديث هنا بوصفها تجربة لم تنتهِ بعدُ، وأيضًا بوصفها نتاجًا فكريًّا وثقافيًّا ولغويًّا، وتحليليًّا ونفسيًّا لمفهوم مقدس، وغيره من معطيات العصر، وأدوات الحياة التي لا تعدو أن تكون مؤثرًا لا صانعًا للعقل الصحوي.

فهي بذلك فهمٌ لا يحوي العصمة، وتعتريه نقائص العقول ومقتضيات الزمان، ولم يسلم هذا الفهم من شهوة الانتماء، ولا من دخائل النفس والشيطان، وكان حقًّا أن تُعرض للنقد والمساءلة، ولطائل التحليل والتقويم.

لم تزل الصحوة تكبر في تصوراتها ونظرياتها التي جارت على أبنائها، لم تعد ذمًّا على أحد ولا مدحًا له، وصعُب عليهم تقييمها، والتعامل مع التقسيم حيال الأفكار والممارسات التي ينبغي تصنيفها من منظورهم، على أن سعة المفهوم "الصحوة" واختلافه لم يكن قادرًا على أن يجمع، بل فرَّق وجعل من تعدد أبنائه نزاعًا، بدل أن يكون ثراءً وتنوعًا.

فالتشظِّي من سمات الفكر الصحوي المحدود، ودليله الانقسامات غير المبررة، والاختلافات التي تبدو في أصلها متساوية.

وكان لزامًا أن تتكون لذلك العقلية الصحوية البسيطة التي لا تقرُّ بالاختلاف، ولا بالآخر كوجود "فكري ودعوي"، فلا طريق للقيمة الفضلى إلاَّ من خلالهم، ولا فهم يدعو إلى الإسلام إلاَّ بتعبيرهم وتفسيرهم إياه.

لا بدَّ من فصل الصحوة عن الدين كممارسة وكبنية إصلاحية، فمفردات الخير وإرادة المعروف يمكن أن تكون في إطار "الإنسانية" ومن جنسها، فلا يُحتكر الإنسان المُعطي في حدود الأيديولوجيا.

والطريق في فهم الصحوة طويل، ليس بالعميق لوضوح دوافعه، ولكن معرفة النتائج ليس بالسهل ولا بالهين؛ إذ يتطلب وضوح الغاية والعمل عليها، وما أرجوه أن أوفق في القادم.



الساعة الآن : 08:48 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 6.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 6.58 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]