ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   القيامة قائمة والساعة آتية فماذا أعددنا لها؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241374)

ابوالوليد المسلم 26-09-2020 03:19 AM

القيامة قائمة والساعة آتية فماذا أعددنا لها؟
 
القيامة قائمة والساعة آتية فماذا أعددنا لها؟


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد




الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].



﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].



أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم من البدع والضلالات، والشركيات والكفريات وسائر اللا أخلاقيات والسيئات، اللهم آمين.



عباد الله! الصحابة رضي الله تعالى عنهم نهوا أن يكثروا من الأسئلة والاستفسارات بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101]، لذلك كانوا يحبون أن يأتي الرجل من البادية، لا يعلم حكم النهي عن السؤال فيأتي فيسأل، فيحبون ذلك رضي الله تعالى عنهم أجمعين.



وهذا رجل من البادية من الأعراب يأتي ويسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، سؤال يحب الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين الجواب عليه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) - وفي رواية: (من الأعراب)، أتى - (إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟) قَالَ: "وَيْلَكَ وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟! فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ؟!" (فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ)، ثُمَّ قَالَ: (مَا أَعْدَدْتُ لَهَا، مِنْ كَثِيرِ عَمَلٍ؛ مِنْ صَلَاةٍ، وَلَا صَوْمٍ، وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ)، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكَ مَا احْتَسَبْتَ". قَالَ أَنَسٌ: (فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟!) قَالَ: "نَعَمْ! وَأَنْتُمْ كَذَلِكَ"، قَالَ أَنَسٌ: (فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ")، قَالَ أَنَسٌ: (فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ)، قَالَ أَنَسٌ: (ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ)، قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟"، (فَأُتِيَ بِالرَّجُلِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْبَيْتِ، فَإِذَا غُلَامٌ مِنْ دَوْسٍ مِنْ رَهْطِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، يُقَالُ لَهُ: سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ، فَعَسَى أَنْ لَا يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ".



حديث مجموع من عدة روايات، هذا الحديث عظيم في بابه، كبير في معناه، يرويه أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وهو يخدم النبي صلى الله عليه وسله، يقول أنس: (والله ما قال لي كلمة أف قط، ولا في شيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء تركته لم تركته)، عشر سنين لم يلُمْ أنسا على شيء فعله، أو تركه، يروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) أو (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى) (م) (2639) - وأهل البادية والأعراب لهم خير كثير على الأمة، فمنها هذا الحديث، ومنها حديث الأعرابي الذي كان سببا في صلاة الاستسقاء عندما دخل أعرابي وقال: هلكت الأموال، وانقطعت السبل...، فعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الأعرابي صلاة الاستسقاء.



وأعرابي يخطئ كالمسيء صلاته فنتعلم أركان الصلاة، وهكذا فعد يا عبد الله.

(أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى) جاء وقد حمل حملا ثقيلا في صدره، عندما سمع: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ [الزلزلة: 1 - 5]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2]، وأمثال هذه الآيات قرعت قلب هذا الأعرابي البدوي.



جاء يسأل متى الساعة؟ متى سيكون يوم القيامة، لذلك القيامة كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم آتية لا محالة، فماذا أعددنا لها يا عباد الله؟ جاء هذا الأعرابي - (إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟!) قَالَ: "وَيْلَكَ وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟". (خ) (5815)، السؤال: يا رسول الله؛ متى الساعة؟ متى الساعة قائمة، فقال له: (ويلك وما أعددت لها) - "فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ؟"، (حم) (12738)، (فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ)، [أَيْ: خَضَعَ، وَهُوَ مِنْ السُّكُون الدَّالِّ عَلَى الْخُضُوع. (فتح)] - أصابه السكون والهدوء والخضوع، لأنه كان ينتظر جواباً، فإذا به يفاجئ بسؤال، وما أعددت لها، تسأل عن شيء وأنت لم تعد له شيئا، أو أعددت له ماذا يا عبد الله؟ - (ثُمَّ قَالَ) - الأعرابي -: (مَا أَعْدَدْتُ لَهَا)، (خ) (6734)، (مِنْ كَثِيرِ عَمَلٍ)، (حم) (12032)؛ - وفي رواية: (من كبير عمل) -؛ (مِنْ صَلَاةٍ، وَلَا صَوْمٍ، وَلَا صَدَقَةٍ)، [أَيْ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَثِيرَ نَافِلَةٍ؛ مِنْ صَلَاة وَلَا صِيَام وَلَا صَدَقَة. (النووي)]، - والناس يحسبون أن الذي ينجيهم عند الله سبحانه وتعالى كثرة الصلاة، وكثرة الصيام، وكثرة التصدقات وكثرة التطوعات، الكثرة لا تنفع إلا بالإيمان بالله، وبالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهما، والعمل بما أمرا، والانتهاء عما زجرا ونهيا، والعمل بشرع الله سبحانه وتعالى.



العمل لا ينفع إلا مع الإيمان، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [البقرة: 25]، فلا تطمئن على عملك؛ مهما عملت فاتهم نفسك يا عبد الله.



وهذا الأعرابي من أهل البادية يعترف؛ لم يعد كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، وما أكثر الناس يسألون في شعبان عن صيام قبل النصف وبعد النصف من شعبان، ويريدون الاستكثار، ولا يسألون عما هو أهم من ذلك، هذا مهم، الذي يسألون عنه مهم، لكن هناك أهم، كيف أنت مع الله وأوامر الله؟ كيف أنت مع أوامر رسول الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كيف أنت ومعاملتك مع جيرانك مع إخوانك مع أهلك وأصدقائك؟ فلذلك يا عبد الله لا تغتر بالكثرة، ولكن عليك بالتوحيد والإيمان.



واستمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال الرجل ونفى كثرة الصيام والأعمال الصالحات، وهي النوافل، وليست الفرائض، الفرائض قائم بها، لكن القيام في الليل أو صلاة الضحى، أو تطوع صيام أو صدقات لكن الفرائض لا نتكلم عنها لأنها أركان الدين، قال الأعرابي - (وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ)، (خ) (5819)، - هذا الذي هو رصيد عند الأعرابي، لم يجد غيره قد أعده لهذا اليوم، يحب الله ورسوله، فإذا قامت القيامة أين يكون؟ مع من يكون؟ المحب لله ورسوله، أين يكون يوم القيامة؟ يسأل عن هذا، (ولكني أحب الله ورسوله) - (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ")، (خ) (5815)، (م) (2639)، [أَيْ: مُلْحَقٌ بِهِمْ حَتَّى تَكُون مِنْ زُمْرَتهمْ. (فتح)]، - أي تلحق بهم وتحشر مع من أحببتهم، وتجمع في صفهم إما في المتقدمين منهم، أو في أواسطهم، أو في المتأخرين منهم، لكن لن تبتعد عنهم، أنت رفيق أحبائك، فإنه مع من أحب، لم يقل له أنت معي، وأنت مع الله؛ لأنه قال: (أُحبُّ اللهَ ورسوله)، فهذا إيحاء؛ هل هو حقيقة أو ادعاء، فلذلك أجابه بجواب عام، شامل تامٍّ كافٍ: (المرء مع من أحب، قال: فإنك مع من أحببت) - "وَلَكَ مَا احْتَسَبْتَ"، (حم) (13386)، (ت) (2386)، [أَيْ: أَجْرُ مَا احْتَسَبْتَ، وَالِاحْتِسَابُ: طَلَبُ الثَّوَابِ، وَأَصْلُ الِاحْتِسَابِ بِالشَّيْءِ: الِاعْتِدَادُ بِهِ، وَاحْتَسَبَ بِالْعَمَلِ: إِذَا قَصَدَ بِهِ مَرْضَاةَ رَبِّهِ. (تحفة)]، - وهذا من قلة الأعمال التي تقوم بها، وإن كانت قليلة إن كنت فيها محتسبا الأجر عند الله فلك ما احتسبت. - قَالَ أَنَسٌ - وفهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن هذا خاصٌّ بهذا الأعرابي: أنت مع من أحببت، قال أنس: -: (فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟!) - يا رسول الله أي أن نحشر مع من أحببناه - (قَالَ: "نَعَمْ!") (خ) (5815)، ("وَأَنْتُمْ كَذَلِكَ"). (حم) (13016)، قَالَ أَنَسٌ: (فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ)، (خ) (3485)، (بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ")، قَالَ أَنَسٌ - رضي الله تعالى عنه، وانظر إلى القمَّة والقدوة الذين يحبهم أنس رضي الله تعالى عنهم، ويحبهم الصحابة، ويحب أتباعهم إلى يوم القيامة، من كانوا على ذلك، وعلى طريقة أنس وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، قال أنس: - (فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما). (م) (2639)، - قمة المحبة بعد محبة الله ورسوله، ممثلةً في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنها، فتعسا لمن كرههما أو آذاهما أو أبغضهما، ليس له من الإيمان شيء إلا أن يشاء الله أمرا آخر.



عباد الله؛ من كره الله كره الله لقاءه، من أحبه الله أحب الله لقاءه، من كره الله فهو كافر خارج من الدين والملة، من كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يظهر ذلك فهو منافق، والعياذ بالله، من كره أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فهو ضال مبتدع، خارج من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فهل تحبون الله ورسوله وأبا بكر وعمر؟

أجيبوا بنعم وأبشروا، وإن كانت الأخرى - وهي بعيدة عنكم إن شاء الله - فنعوذ بالله من ذلك.



أبشروا يا عباد الله! يا من تحبون الله ورسوله! وأبا بكر وعمر وبقية الأربعة الخلفا، والعشرة المبشرين بالجنة، وآخر الصحابة، ومن أولهم إلى آخرهم لا نفرق بين أحد منهم، ولكنهم درجات عند الله سبحانه وتعالى، قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما - (وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ). (خ) (3485)، (م) (2639)؛ - لأننا - إن شاء الله - مع محمد صلى الله عليه وسلم فهل عملنا عمله؟ لا نستطيع، هل العلماء يعملون عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا يستطيعون، هل أبو بكر والصحابة يفعلون ذلك؟ لا يستطيعون وإلا كانوا أنبياء، ولكنهم يلحقون بمن يحبون، ونلحق بمن نحب؛ وإن لم نعمل بأعمالهم، أي لن نستطيع أن نحيط بأعمال من قبلنا، فالنبوة درجة عالية، ودرجة في وسط الدائرة، دائرة الكمال الإيمان والتوحيد، وفريق منهم أبو بكر والعشرة وبقية الصحابة في الدائرة نفسها، قريب من الكمال، وأبعد قليلا منهم تلاميذهم، وتلاميذ تلاميذهم، ومن اهتدى بهديهم، يقترب منهم حينا، ويبتعد منهم حينا آخر، يقترب منهم بالطاعات والمحبة، والإكثار من الخيرات، ويبتعد بالسيئات، وارتكاب المعاصي والذنوب والخطيات، لذلك قد يدعي الناسُ أو بعضُهم حبَّ الله، فاختبرهم الله بهذه الآية، ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]. - قَالَ أَنَسٌ: (ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ)، قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟" - ما أجابه عن الساعة، وإنما أجابه عن العمل لهذا اليوم، الأعرابي يسأل عن يوم القيامة، عن الآخرة، وانظروا بماذا أجابه بعد أن دلَّه على الطريق الصحيح، طريقِ العمل إلى الآخرة، قال عليه الصلاة والسلام: أين السائل عن الساعة؟ - (فَأُتِيَ بِالرَّجُلِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْبَيْتِ)، - أي بيت يجلسون فيه، وكان فيه غلام من دوس - (فَإِذَا غُلَامٌ مِنْ دَوْسٍ) - أي من قبيلة أبي هريرة - (مِنْ رَهْطِ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله تعالى عنه -، (يُقَالُ لَهُ: سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي). (حم) (14044)، (م) (2953)، [أَيْ: مِثْلِي فِي السِّنّ]، - أي قبل المراهقة. - (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ، فَعَسَى أَنْ لَا يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ"). (م) (2953)، (خ) (5815)، انظر الصَّحِيحَة: (3253).



[الْمُرَاد بِالسَّاعَةِ، سَاعَة الَّذِينَ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ الْمُرَادَ مَوْتُهُمْ، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى يَوْمِ مَوْتِهِمْ اِسْمَ السَّاعَةِ؛ لِإِفْضَائِهِ بِهِمْ إِلَى أُمُورِ الْآخِرَة. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ اِسْتَأثَرَ بِعِلْمِ قِيَامِ السَّاعَةِ الْعُظْمَى، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَة. (فتح)].



وبالفعل عاش الغلام، وكان قرنا لأنس وعاش أنس، وكان الموجودون منذ تلك اللحظة التي كان يخاطب فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ لم يبقَ منهم أحد، وأنهم قد ماتوا جميعا، وقامت قيامتهم، وقامت ساعتهم، فلكل إنسان قيامتان وساعتان، القيامة الأولى عند الموت، ولا ندري متى هي، والأخرى لجميع خلائق الله سبحانه وتعالى، فالأعرابي سأل عن القيامة الكبرى، فأجابه عن القيامة الصغرى؛ ليذكرك يا عبد الله! بما عليك قبل أن تموت، وليس أن تؤجل الأمور إلى القيامة الكبرى، وإنما إلى قيامتك الصغرى التي هي بين نَفَسٍ يخرج فلا يدخل، أو نَفَسٍ منك يدخل فلا يخرج، فجأة، أو بسبب من الأسباب يموت الإنسان، "إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة"، وبالفعل لما مات هذا الغلام بعد أن كبُرَ وعمَّر مائة عام وإذا بمن كان موجودا لم يكن موجودا، من كان موجودا أثناء كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا، لم يكن موجودا عندما مات هذا الصحابي، الذي كان صغيرا في السن في ذلك الزمان، فلكل إنسان قيامتان، فلذلك الساعة آتية، والقيامة قائمة فماذا أعددنا لها يا عباد الله؟

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الآخرة

الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها سبحانه وتعالى كيف يشاء، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا، فنسأل الله أن يثبتنا قلوبنا على طاعته، اللهم آمين، ونسأل الله عز وجل أن يصرِّف قلوبنا إلى محبته، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة من المؤمنين والمسلمين إلى يوم القيامة، اللهم آمين.



عن صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ المُرَادِيَّ، - رضي الله تعالى عنه -... (قَالَ:... كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ؛ إِذْ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ) - أعرابي من البادية، يرفع صوته عاليا جدا، جهوري، فماذا ينادي فيقول: - (يَا مُحَمَّدُ!) - يعني لم يقل: يا رسول الله، ولا يا نبي الله، وإنما قال: يا محمد - (فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ) - يعني رفع صوته بما يشابه صوته، قال -: ("هَاؤُمُ!")، - أي ها أنا ذا، أنا هنا - (وَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ؛ فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا)، - الناس المسلمون منهيون عن رفع الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومأمورون بغض أصواتهم عند رسول الله، والذي لم يغض صوته لم يعقل، كما جاء في سورة الحجرات، فانظروا ماذا قال الأعرابي - (فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَغْضُضُ). - يعني يريد أن يسمَعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويظنّ أنه إن خفض صوته أنه لن يسمع - (قَالَ الأَعْرَابِيُّ) - وانظروا ماذا أهمَّه وجعله يرفع صوته -: (المـَرْءُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟!) - المرء أي الإنسان يحب القوم، يحب الجماعة من أهل الخير والعطاء، والإيمان والتوحيد، فهو يحب قومه، وأظنه يحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه، لكن الرواية هنا ما وضحت، يقول: (يحب القوم ولما يلحق بهم)، يعني يعمل أعمال لا تساوي أعمالهم، ما لحق بهم - (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ القِيَامَةِ")، (ت) (3535)، هذا جوابه فقط.



فاللهم إنا نسألك حبَّك، وحبَّ من يحبُّك، وحبَّ كلِّ عملٍ يقرِّبنا إلى حبِّك.

اللهم إنا نسألك حبَّ رسولِك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأصحابِه الأخيار، وجميعِ المؤمنين الأخيار الأطهار الأبرار، اللهم آمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم وحِّد صفوفَنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغلَّ والحقد والحسدَ والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.


اللهم ثبتنا في الحياة الدنيا على قول: لا إله إلا الله والإيمان بها، وثبتنا يا ربنا عند الممات، وعند الصراط، وثبتنا يا ربنا يوم يقوم الأشهاد، وثبتنا يا ربنا بعد الصراط، وبعد جهنم عند القنطرة لندخل الجنة بسلام يا رب العالمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].




الساعة الآن : 02:04 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 26.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.94 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.36%)]