ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   كف ذهب (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=251661)

ابوالوليد المسلم 28-01-2021 05:35 AM

كف ذهب
 
كف ذهب

فاتن فاروق



أمام المِرآة تقف بنت العشرين تُمعن النظر في شبْكتها؛ "كفٌّ مِن الذهب": سوار موصولة بخواتم بعدد أصابعها، يَبرق فوق كفٍّ أبيض بضٍّ يَشي بعُمرها الغض النَّضِر، كأنها يدُ غانية منعَّمة، مُترَفة بينما هي في الشقاء وُلدت!





أمُّها تَفترش الأرض بخضرواتها، ذات وجه مُغضن ممهور بشمس بلادنا الفتيَّة، وصبرِها على مرارة الأيام؛ فهي الأرملة التي تُنفق على بناتها الأربع، جاهدَت حتى تربَّين وتزوَّجَ ثلاثتُها الكبار، وورثْنَ منها الكدَّ وشظَف العيش، بينما صُغراهنَّ شفَعَ لها جمالها الفَتَّان، الذي أدركَت وأمُّها كنهَه مُبكِّرًا فنشأت مُتمرِّدةً، مُدلَّلة، وكثيرًا ما ردَّدت أمُّها: "لن أزوجها إلا مَن سيُقدِّرها"، إنها (القشدة الصابحة)!





فتمدَّد داخلها إفك التميُّز المضلِّل، فباتت تفاضل بين خطَّابها، تَثور لأتفه الأسباب، حتى جاءها مَن تتمنَّى، ذلك المهاجر هجرةً غير شرعية إلى إيطاليا، فلبَّى لها ما طلبَت هي وأمها، فكانت تَرتدي كفَّ الذهب وتسير كعادتها مُستمتِعةً بأنوثتها الفواحة، داخل ثيابها المُكتنزة، مبرزةِ القسمات، مُتقَنة الصُّنع؛ فما بين صدر ناهد، يَليه خصر كاد يَختفي، يليه رِدفاها المتكوِّران، فساقان مقسمة داخل بنطال صُنع ليُظهر أكثر مما يَستر، فيُصاب الناظر إليها بجحوظ العينين، وانفِراج الشفتين، وتصلُّب الوجه، والتوقف عن الحركة حتى تمرَّ، والصغيرة خبرَت هذه المشاهِدَ، فأصبحت تبحث في ملبسها عما يَجعلها تَحتفظ دومًا بهذه الوجوه أينما ذهبَت.





وما بين رغبة الأم في إخفاء كفِّ الذهب مِن الأعين المستديرة، ورغبة الصغيرة في إغاظة مَن يكيدون لها - برَعَت الصغيرة في إظهار مهارتها بنَظْم فنون كيد النساء "لمُجايلاتها".





وإمعانًا في الأخذ النَّهم على الدوام؛ طرقَت بابَهم ظُهرًا سيدةٌ في نهاية العِقد الرابع، تسأل عمَّا إن كان هُنا مَن تستعدُّ للزواج أم لا، فأجابتها الصغيرة بأنها تستعدُّ للزواج عما قريب، فقالت لها: أنتِ مِن المحظوظات؛ فنحن جمعية خيرية نقوم بتجهيز الفتيات المُعسرات، فقالت في صلف: "خطيبي يعمل في إيطاليا، وسيقوم بتجهيزي جهازًا لم يأتِ لبنْتٍ في حيِّنا كلِّه"، فقالت لها: وأنتِ، ألن تَشتركي في التجهيز بأي شيء؟!


فقالت لها: بل سنَشتَرِك بالطبع!


وهنا وجدَت المرأة ضالتها، فقالت لها: إذًا فنحن من سيتكفَّل بالنفقات!





تنظر إليها الصغيرة وتتهلَّل أساريرُها، كأنها غير مصدِّقة، تعود المرأة التي قرأَت الدهشة على وجهِ الصَّغيرة، فتقول: "زميلي يقف أمام البيت بالخارج، أعطِني الشبكةَ كي يَراها فقط، فيتأكَّد أنك تَستعدِّين للزواج، ثم أُعيدها إليكِ حالاً"!





خلعَت الصغيرة كفَّ الذهب وأعطتها إياه، وهرولَت الأخرى غير مصدِّقة لما اغتنمَت.





وانتظرَت الصغيرة عودتها فلم تَعُد! وبعد نصف الساعة أصابها جزعٌ.. فرَكَت يدَيها، وزمَّت شفتَيها، وهروَلت خائفةً من مجهول يَنتظرها تتوجَّس منه، وتُبعد شبحَ وسوستِه داخلها، تنظر هنا وهناك باحثةً مُستقصيَة، مُتسائلة عن السيدة التي أخذَت منها كفَّ الذهب ولم تَهتد!





طوَتِ الأرض بأقدامها متفحِّصةً الوجوه التي تَمرُق هنا وهناك حتى تبلغ درجة اليأس، تَنقلب إلى أمها باكيةً مُنهارة، فتخبط صدرَها بيدها غير مصدِّقة، ولم تلبَث في التخبُّط كثيرًا، وإنما حسمت أمرها مُسرعة إلى الشرطة لعمل محضر.





تمرُّ الأيام بطيئة دون عودة كفِّ الذهب، فبلغ بها اليأس مبلغَه، فانكسرت نفسُها المُنتشية، وتوارت أنوثتها المتورِّمة، وتبلَّدت خطواتها الوثَّابة، وبقيَت يدُها دون كفِّ الذهب، وبقيت رتوقٌ داخلها دون الْتئام، لاكَتِ الألسنُ خطبَها؛ من الشامتات والمُشفقات، بينما توارت الحسناء من أعينهنَّ.




الساعة الآن : 12:02 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 9.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.46 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.98%)]