رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (25) الحلقة (32) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (121) من عقيدة المؤمن الصادق أن يؤمن بعرش الرحمن الذي تحمله الملائكة، وأن هذا العرش فيه الكرسي، وهو في العرش كالحلقة الملقاة في فلاة، ورغم ذلك فهو أوسع من السماوات والأرض، بل إن السماوات السبع لا تتجاوز حجم الدرهم في وسط الترس بالنسبة للكرسي، ومع ذلك فإن الله مطلع على خلقه، محيط علمه بهم، لا تعزب عنه مثقال ذرة في السماوات أو في الأرض، فتبارك الله الملك الحق المبين. تابع تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليالي ندرس كتاب الله جل جلاله وعظم سلطانه، وها نحن مع آية الكرسي وبعدها آيتان. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:255-256]. عظمة آية الكرسي وفضل قراءتها معاشر المستمعين! آية الكرسي عرفنا أنها أعظم آية في كتاب الله، ولعلكم تذكرون ذلك السؤال من رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بن كعب ، وكان من حفظة القرآن، فقال له: ( أي آية في كتاب الله أعظم يا أبا المنذر ؟! قال: آية الكرسي، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر ! ). وعرفتم أن آية الكرسي من واظب عليها وحافظ على قراءتها بعد كل صلاة فريضة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أنه ما مات، المانع له الموت، لو جاء لدخل الجنة، وهذا الحديث حسن وعمل به الصالحون، ولن يكون من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا يقول هذا إلا من يوحى إليه ويتلقى العلم من ربه. أسماء الله تعالى الحسنى وكيفية إدراك الاسم الأعظم وقوله تعالى في الجملة الأولى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] مقتضى الخبر: أن الله تعالى أخبرنا عن نفسه أنه لا إله إلا هو، وعرفنا أن لفظ الجلالة (الله) علم على ذاته عز وجل، إذ كل ذات يوضع لها اسم تعرف به، ما ذات من الذوات حتى في غير الأحياء إلا ولها اسم، كشجرة الزيتون، لا بد من اسم تعرف به.فالله عز وجل له مائة اسم إلا اسماً واحداً، وأعظمها: (الله)، وقد ورد وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من سأل الله باسمه الأعظم لا ترد له دعوة، وأخفى الله هذا من أجل أن يدعوه عباده بكل أسمائه، إذ لو عرف المسلمون الاسم الأعظم لتركوا الدعاء بكل الأسماء، ولم يأخذوا إلا بالاسم الأعظم.ونظير هذا الساعة التي في يوم الجمعة، لا يوافقها عبد يصلي فيسأل الله تعالى فيها شيئاً إلا أعطاه، هذه الساعة لم تضبط، هل هي بعد العصر، هل هي بعد الظهر، هل هي في الضحى؛ من أجل أن يطلبها الراشدون والراغبون في الخير، يطلبونها في كامل النهار، إذ لو ضبطت أنها بعد العصر بساعة لظفر بها كل الناس، وسيعطلون الوقت الآخر من العبادة.ونظير هذا ليلة القدر، ليلة القدر هذه الليلة خير من ألف شهر، من أقامها من أولها إلى آخرها كأنما عبد الله بثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، عمر كامل، أضاف إلى عمره عمراً آخر، وإذا ظفر بها في كل رمضان صامه فمعناه: أنه أصبحت له أعمار، إذ ورد في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم تقالَّ أعمار أمته من الستين إلى السبعين، والأمم السابقة يعيش أحدهم ثمانمائة سنة، خمسمائة سنة، سبعمائة، فأعطاه الله هذه الليلة، نصوم رمضان ونقوم ليله كل عام فيسجل لنا ثلاث وثمانون سنة، يصبح أحدنا إذ صام أربعين أو خمسين رمضان وشهد ليلة القدر قد صار له آلاف السنين من عمره! استحقاق الله تعالى العبادة وحده http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg إذاً: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] هل عرفنا معنى: لا إله إلا هو؟ معناها: لا معبود بحق يستحق أن يعبد إلا الله؛ لماذا؟ هل هذا احتكار، هل هذا تحجير، هل هذا تعصب؟ الجواب: لا؛ إذ لا يوجد من خلقنا وخلق الحياة لنا إلا هو، فلا يعبد إلا هو، فلا معبود بحق إلا هو، وهذا الحق الذي يستحق به العبادة هو أن يكون قد خلقني، وخلق هذا الكون من أجلي، حينئذ إذا كان أحد شارك الله في الخلق والإيجاد فلا بأس أن يشركه في عبادته، لكن بالاستقراء والتتبع والنظر لا تجد من خلق مع الله بعوضة فضلاً عن جمل أو إنسان، فهل من خالق غير الله؟ لا أحد.فلما كان هو الخالق لنا، والرازق لنا بإيجاد الغذاء الذي نعيش عليه، والهواء الذي نستنشقه، والماء، وعناصر الحياة هو خالقها؛ فكيف يعبد معه غيره؟ بأي حق؟! فلهذا ارفع صوتك -ولن تنقض كلمتك- وقل: لا إله إلا الله، ومن ادعى غير ذلك فليتفضل ليأت بأدلة تثبت أن غير الله إله مع الله!فمن ادعى أن عيسى عليه السلام هو الله تعالى؛ قيل له: كان الله ولم يكن عيسى، ثم رفع إلى السماء، فتبقى الحقيقة أنه: لا إله إلا الله. أما قولنا: بحق؛ فلأن الآلهة المعبودة لا حق لها، عبدت الكواكب في السماء، عبدت المياه في الأرض، عبدت البشرية، عبدت حتى الفروج كما قدمنا، لكن معبودات بدون حق، بدون موجب، بدون شرع ولا قانون، تدفن الميت وتبني على قبره وتعبده؟ أنت الذي دفنته، فكيف تناديه وتستغيث به وتسأله حاجتك؟ إذاً: تقرر بقوله: لا إله إلا هو أنه لا ينبغي أن يعبد مع الله أحد، واصرخ بها وصرح: لا إله إلا الله! حياة الله تعالى الكاملة وقيوميته على خلقه وقوله: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] سائر أنواع الحياة هو واهبها، حتى حياتي هذه هل أنا أوجدتها؟ من أهدانيها وأعطانيها غيره؟ كل حي بيننا وفينا وفي العوالم العلوية والسفلية من وهبه حياته؟ إنه الله.إذاً: فما دام يهب الحياة ويعطيها فلن يكون إلا حياً، وهل ميت يعطي شيئاً؟ وحياته تختلف عن حياة مخلوقاته، فهو الحي حياة لم يسبقها موت، فنحن قبل مائة سنة ما كان واحد منا موجوداً، حياة الله حياة كاملة تامة، لا تسبق بعدم، ولا يأتي بعدها أو يلحقها موت وانقطاع، هذه هي الحياة الحقة. والقيوم: القائم على كل الأكوان، يديرها ويدبرها، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يرفع ويضع، كل الكون من يديره؟ من يقوم عليه؟ الله. فهل عثرت البشرية على قيوم مع الله يدير كوكباً فقط في السماء؟ فهو تعالى الحي الدائم الحياة، القيوم على كل المخلوقات، لولا قيوميته لارتطمت الحياة وتمزقت من آلاف السنين! انتفاء السنة والنوم عن الله عز وجل ثالثاً: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] فلهذا هو تعالى منزه عن صفات المخلوقين، لا تأخذه سنة يعني: نعاس، مقدمة النوم، إذ لو كان ينام لخرب العالم.إذاً: بهذا أصبح الإله الحق، ومن عدا الله ينام وتأخذه السنة، فليس -إذاً- كمخلوقاته. اختصاص الله تعالى بملك ما في السموات والأرض رابعاً: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] هذه اللام لام الملك، فهذا المسجد لمن؟ لله، وتلك السواري لمن؟ لله، له ما هو موجود في السماوات والأرض، فهذا البيت الذي تملكه كنت أنت ولم يكن، وسوف تموت وتتركه، فمن مالكه إذاً؟ الله تعالى. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] ومعناه: أيها الطماعون! عليكم بالله، اطمعوا فيما عنده؛ لأنه يملك، أما أن تطمع في مخلوق وتقول: أعطني عمارة، وابن لي داراً؛ فإنه لا يستطيع، لا يملك هذا، ومن هنا يجب على القلوب كلها أن تتجه نحو الله، نقف نسأل بالبلايين من البشر وكلمتنا كلها: اللهم، ما هناك إلا هو؛ لأن له ما في السماوات وما في الأرض من الذرة إلى المجرة، إلى السماوات السبع إلى دار السلام، لا يخرج شيء عن ملك الله سبحانه وتعالى، كل شيء مملوك لله تعالى.فمن أراد شيئاً فليتملق إليه وليتزلفه، يناديه بأسمائه وصفاته، يسجد له بين يديه، يكثر من ذكره، هكذا حتى يسترضيه، أما غير الله فلا يملك شيئاً.له ما في السماوات من كائنات وما في الأرض من نباتات وحيوانات ومياه وجبال، الكل له، فلا تطلبن -بني- شيئاً من غير الله، فإنه لا أحد يملك شيئاً إلا الله. امتناع الشفاعة يوم القيامة بغير إذن الله تعالى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg خامساً: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]؟ الجواب: لا أحد، فهذا الاستفهام بمعنى: النفي، وهنا نكرر الكلام في الشفاعة لنكون منها على علم.الشفاعة بمعنى: الوساطة، فلان يشفع له فلان عند الغني الفلاني أو الحاكم الفلاني ليقضي حاجته، يشفع نفسه بآخر، يصبح شفعاً أو زوجاً.ينفي تعالى أن يكون يوم القيامة من يشفع في أبيه أو أمه أو أخيه أو قريب أو بعيد بدون إذن الله تعالى نفياً كاملاً، والله العظيم! لا يوجد من يشفع يوم القيامة في أي كائن بدون أن يأذن الله له.والعوام يقولون: يا رسول الله! الشفاعة، اشفع لنا يا رسول الله. وهذا السؤال باطل، اسألوا الله: اللهم شفع فينا نبيك، اللهم اجعلنا ممن يشفع فيهم نبيك. أما أن تقول: يا رسول الله! الشفاعة؛ فهو لا يملك هذا. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الشفاعة العظمى، وتقرر عندنا أنها لا يستطيعها أحد من الأنبياء والرسل سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد امتنع عنها آدم، وامتنع عنها نوح، وامتنع عنها إبراهيم، وامتنع عنها عيسى، ولما انتهوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا لها! )، فكيف عرف أنه لها؟ لأن الله تعالى أعلمه، جاء من سورة بني إسرائيل أو الإسراء قول الله تعالى له: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] رجاء أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، و(عسى) من الله تفيد التحقيق، فمن هنا فحين تأتي البشرية تطلب إليه أن يشفع لها يقول: ( أنا لها )، لكن كيف شفع؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( فآتي تحت العرش فأخر ساجداً، ويلهمني ربي تعالى محامد لم أكن أعرفها، فيقول لي: يا محمد! ارفع رأسك، واشفع تشفع )، فماذا تسمى هذه الشفاعة؟ تسمى الشفاعة العظمى لفصل القضاء والحساب بين البشرية وهي في صعيد واحد، ثم ورد أن أهل القرآن حفظته العاملين به يشفعون في أقربائهم، يأذن الله لهم، وعرفنا أن شهيد المعركة يشفعه الله فيمن شاء، ويشفع الأنبياء والرسل والصالحين، لكن كيف يشفعهم؟ هل يأتي سيدي عبد القادر يقول: يا رب! هؤلاء مريدي وإخواني، أدخلهم الجنة؟! والله! ما يستطيع أن يتكلم، ومن يقوى على أن يتكلم؟ إذاً: إذا أراد الله عز وجل إكرام عبده قال: يا فلان! اشفع في فلان، وفلان المشفوع له كان قد رضي عنه، وقبله في جواره، وإنما ليرفع من مقدارك ويعلي من قيمتك، فيقول لك: اشفع في فلان، وهو قد رضي به أن يدخل الجنة.والآية التي توضح هذا من سورة النجم: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [النجم:26] أن يشفع وَيَرْضَى [النجم:26] في المشفوع له، هذه القاعدة، لا يستطيع أحد في عرصات القيامة أن يقول: هذا أبي يا رب فأدخله الجنة، أو: هذه والدتي البارة الصالحة أدخلها الجنة، فيقول الله تعالى: نعم. وإنما الله تعالى هو الذي يمن على عبده الصالح، فيقول: أي عبدي! اشفع في فلان وفلان وفلان، أو أخرج أباك من النار، عطاء الله وفضله، إلا أن الشافع هذا له درجة ومنزلة، فلو لم يكن من أولياء الله وصالحي عباده لما يشفع.والشفاعة النبوية المحمدية متعددة: يشفع في أناس دخلوا النار فيخرجون من النار ويدخلون الجنة بإذن الله تعالى، ويشفع في أناس درجتهم هابطة، يشفع فيهم فيرتفعون درجات عالية، فللنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات أكرمه الله تعالى بها، نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء.أما أنت فمن الجائز أن تكون عبداً صالحاً، ويشفعك الله في أمك؛ لأنها كانت مؤمنة بارة صالحة، ونقص ميزانها؛ فيشفعك فيها فتشفع، فتقول: أمي! ادخلي الجنة. أذن الله لك؛ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]؟ الجواب: لا أحد. معنى قوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg ثامناً وتاسعاً: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255] من هم هؤلاء؟ الكائنات كلها يعلم ماضيها ومستقبلها وحاضرها، أنا الآن قد أعرف ما أمامي، لكن ما ورائي لا أعرفه، الآن لا أدري ما ورائي، فعلم الله يحيط بكل الكائنات، ما هناك جانب ما يرى الله فيه أحداً حيث يكون بإمكانك أن تختبئ فيه، يعلم ما بين يدي خلقه وما خلفهم، بمعنى: لا يعزب عنه مثقال ذرة، لا تفكر أنك تختفي عن الله، أو تخفي شيئاً.هذه الجملة فاصلة في هذا الباب، إذاً: فانتبه، ولا تحاول أن تخفي شيئاً من أعمالك عن الله عز وجل، بخلاف الآلهة الأخرى المعبودة، فإن علموا ما في اليوم فإنهم لا يعلمون ما في غد، إن يعلموا ما أمامنا فإنهم لا يعرفون ما وراءنا، فكيف يعبدون مع الله ويؤلهون؟ هذه آية الكرسي: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ [البقرة:255] وإن قل مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255]، نحن الآن نعلم شيئاً كثيراً بإذنه، هو الذي علمنا سورة الفاتحة فحفظناها، علمنا هذه الآية فتلوناها، علمنا كيف نغرس الشجرة، أو كيف نحصد الزرع، فهو عز وجل أحاط بكل شيء علماً، وعباده من الملائكة والإنس والجن لا يحيطون بشيء -وإن قل- من علمه إلا بما شاء هو أن يطلعهم عليه ويعلمهم إياه، أما استقلالاً فلا والله. معنى قوله تعالى: (وسع كرسيه السموات والأرض) عاشراً: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] من أهل العلم من يقول: وسع علمه السماوات والأرض. ولا داعي إلى هذا التأويل، لو كان النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذا وقال لأصحابه أو لـعلي أو لـفاطمة أو لـعائشة مثلاً: كرسي الله علمه؛ لقلنا: آمنا بالله، لكن ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفسر الكرسي بالعلم فكيف نقول: وسع علمه السماوات والأرض؟ نعم يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255].فالكرسي يقول فيه عبد الله بن عباس تلميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لو أخذنا السماوات السبع ومزقناها وألصقنا قطعة بقطعة والأرضين كذلك وأصبحت رقعة واحدة، ووضعنا الكرسي عليها لما وسعته! آمنا بالله. وأما العرش فسرير الملك، فنسبة الكرسي إلى العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، ولكيلا تندهش أقول: أغمض عينيك وفكر في أنك هابط إلى الأسفل، فبعد مليون سنة إلى أين تصل؟ تقول: لا أشعر، ما أعرف، ولولا أن العرش فوقنا لقلنا: وبعد العرش ما هو أيضاً؟ فحالنا كحال جنين في بطن أمه، فلو تتصل بهذا الجنين وتقول: أيها المسكين! أنت في ظلمة، أنت في ضيق، فلو خرجت من بطن أمك؛ لكان يقول: هاه! ويسخر منك، يقول: أين هذا؟ الدنيا كلها في ذلك الرحم، لا يرى إلا ذلك، فنحن الآن محصورون في هذه الكرة كأننا في رحم، لا نشاهد الانطلاقة الواسعة إلا إذا فاضت أرواحنا.فمن هنا قال تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255]، والكرسي ليس مثل هذا الذي أنا جالس عليه ونسميه كرسياً، هذا ليس المراد بقول الله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ [البقرة:255]، إنما قالت العلماء: قال أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم: الكرسي موضع قدمي الملك، السرير يجلس عليه الملك ويدلي رجليه، فيوضع له كرسي يضع قدميه عليه، فبهذا فسر ابن عباس الكرسي: موضع القدمين، هو على عرشه سرير ملكه، ويضع قدميه على ذلك الجزء المسمى بالكرسي.والعرش: السرير، كما قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقد كان الله ولم يكن شيء، فيا عبد الله! أين يذهب بعقولنا؟! كيف نحصر هذه العوالم وما وراءها؟ عجزت العقول عن التفكير والإدراك، طاقاتنا محدودة، ما نستطيع أن ندرك إلا ما أعطانا الله القدرة عليه، فقد قلت: صوتك أنت كم ميلاً تسمع به؟ بصرك كم ميلاً تبصر به؟ عقلك كذلك يدرك أشياء ويعجز عن غيرها، وهناك أشياء ما نبصرها وهي معنا كالهواء؛ لضعفنا وعدم قدرتنا، إذاً: لا يسعنا إلا أن نقول: آمنا بالله .. آمنا بالله! ونمسك بلحانا إن كان لنا لحى، فيا أيها الحالقون من أبنائنا! أعفوا لحاكم، ائتسوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت لكم أنه لما كان جالساً يعلم أصحابه أوحي إليه ( أن رجلاً من بني إسرائيل كان يركب على بقرة )، والبقرة عندنا نحن الفلاحين ما نركب عليها، نحرث عليها أو نسقي بها الماء، ( فرفعت رأسها إليه وقالت: ما لهذا خلقت! فلما وصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بلحيته فوراً وقال: آمنت به، آمنت به، آمنت به ). بقرة تنطق وتقول لراكبها: ما لهذا خلقت! فقد خلقت للحرث والسقي لا للركوب عليها، وكان أبو بكر وعمر غائبين عن المجلس، فقال: ( وآمن أبو بكر وعمر ) ثقة في إيمانهما، وهو كذلك. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg معنى قوله تعالى: (ولا يئوده حفظهما) وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255] ما معنى: ولا يئود الله حفظهما؟ أي: لا يثقله ولا يعجزه حفظ السماوات والأرض، لولا أنه حافظ لهما لتبخرتا من ملايين السنين، هذه الشمس كم لها؟ لم ما تبعثرت وثقلت وهي نار، لم ما احترقت وشاهدنا الدخان يملأ الكون؟! إذاً: ولا يثقله أو يعجزه حفظ السماوات والأرض، الكل محفوظ بحفظه عز وجل، فأبشروا؛ فمن مات منكم ودخل الجنة فسوف يرى وجه الرحمن عز وجل؛ لأن الأبصار يومئذ ليست كهذه المخلوقة خلقاً مؤقتاً لخمسين وسبعين وثمانين سنة وتعمى، بل مخلوقة خلقاً أبدياً، فلهذا: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، وجوه يومئذ مشرقة، إلى ربها ناظرة، يزيل الحجاب عن وجهه، ويسلم عليهم، واقرءوا من سورة يس: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58] ما هو بسلام بالكتاب والواسطة، سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]، ولم يذق أهل الجنة طعاماً ولا شراباً يدخل عليهم سروراً وبهجة كسرور نظرتهم إلى وجه الله عز وجل، يغمرهم فرح لا حد له لرؤية الله عز وجل. معنى قوله تعالى: (وهو العلي العظيم) وأخيراً يقول تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] هل هناك من هو أعلى من الله؟ والله! ما كان، هو العلي الأعلى، والخلق كله دونه، وهو العظيم، وكيف تعرفون عظمة الله؟إنه إذا تكلم الله بالكلمة فإن الملائكة يغمى عليهم، مع أن منهم جبريل الذي سد الأفق بأجنحته! واقرءوا قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23] هذه جاءت تعقيباً على آية الشفاعة: وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]. حيث يقول تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [سبأ:22] تفضلوا، اسألوهم المال والولد والحياة الطويلة. لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:22]، والذي لا يملك مثقال وزن ذرة هل تقول له: أعطني ولداً، أو زوجني امرأة، أو رقني في وظيفة؟! لا يملك مثقال ذرة، والله! لا يملكون مثقال ذرة، إذاً: ما الفائدة من دعائهم؟ أنلعب؟ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ [سبأ:22]، وليس لآلهتكم من شرك مع الله لا بالخمس ولا بواحد في المائة ولا بواحد في المليون أبداً، لا يوجد إله من آلهة الباطل يملك بالشركة مع الله ولو بواحد من مليار، إذاً: كيف نطلبهم، من أين يعطوننا؟ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22]، هذه أخرى: لا يوجد من الآلهة المزعومة من هو ظهير لله يستعين الله به أو يعتز به أو يساعده أو يقوم معه فيجوز له حينئذ أن يشفع لنا عنده، وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22] من معين كوزير وما إلى ذلك، فكيف ندعوهم إذاً؟ثم قال تعالى: وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]. وقفة مع آيات سورة سبأ العائبة على المشركين دعوتهم آلهتهم هذه الآيات ينبغي أن نعنى بها، هذه من سورة سبأ بين الأحزاب وفاطر اسمعوها وتأملوا، وفيها يقول تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، نحن منهم إن شاء الله، وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ [سبأ:21] ما ساق الناس إلى المقاهي بالعصا، اعلموا أن الشيطان لا يملك قوة يدفعك بها إلى المعصية، والله! ما يستطيع، ما هو إلا الوسوسة والتزيين.ونستطرد معاشر المستمعين والمستمعات فنقول: إبليس عليه لعائن الله في جهنم يخطب خطبة عجيبة، ويوضع له أفخم سرادق ما عرفه الملوك والوزراء، ويجلس عليه ويخطب، وخطبته -والله- بالحرف الواحد عندنا، سبحان الله! من أين أتانا هذا؟ اقرءوا من سورة إبراهيم: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ [إبراهيم:22] وانتهى كل شيء ودخلوا النار، وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم:22]، وهذه الجملة الأولى، وهو والله صادق، إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22] لا قدرة ولا طاقة عندي أبداً، لا عصا ولا شهاب، إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22] قلت تعالوا فجئتم تهرعون، إذاً: فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22]، وأخيراً: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22] فأنا أستغيث وأنتم لا تغيثونني، وتستغيثون وأنا لا أغيثكم، كلنا في هذا العالم الشقي، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22].فهل سمعتم أن خطبة مسجلة لإبليس تستطيع البشرية أن تحضرها وتأتي بها؟ أتصل عقول البشر إلى هذا؟ فقولوا: الحمد لله على كتابه الذي أنزله إلينا. فإبليس يوضع له سرادق في النار وأهل النار بالمليارات يسمعون الخطبة للزعيم اليوم، وقد سمعتموها بالحرف الواحد.وفي هذه السورة الكريمة -سورة سبأ- يقول تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سبأ:20-21].ثم تبدأ آية الشفاعة: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [سبأ:22] الله تعالى يأمر رسوله أن يقول للمشركين: يا معشر المشركين! ادعوا واطلبوا واستغيثوا بمن زعمتم أنهم آلهة من دون الله، ادعوهم.ثم قال لهم: لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:22] كيف ندعو من لا يملك شيئاً؟ أمجنون أنا؟ آتي إلى خربة ما فيها إنسان ولا طعام وأصيح عند الباب: يا أهل البيت! أطعموني؟ فهؤلاء الذين دعوهم يقال لهم: اعلموا أنهم لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [سبأ:22] فيطعونكم.ثالثاً: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ [سبأ:22]، وليس لآلهتكم شرك في السماوات أو في الأرض ولا واحد من المائة أو المليار، هل يوجد ولي له شرك في الملكوت، له منطقة خاصة به، أو عنده ربع مع الله أو ثمن أو سدس؟ والله! لا وجود لهذا. وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22] وآلهتكم الذين لا يملكون شيئاً لا يوجد إله واحد منهم الله في حاجة إليه اتخذه وزيراً له أو ظهيراً يستنصر به ويعينه، وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22]، إذاً: كيف تدعونهم؟ لو كانوا يملكون لأعطوكم مما يملكون، لو كان منهم الظهراء والوزراء فسيشفعون لكم، فكيف إذاً تدعونهم؟ بأي حق؟ثم ختم هذا بقوله: وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ:23] زال ذلك الرعب، قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]، الملائكة تضرب بأجنحتها تخفق ثم تفيق بعد فترة لا ندري كم هي، يقول بعضهم لبعض: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ [سبأ:23]؟ أجيبونا، قَالُوا الْحَقَّ [سبأ:23] وهو قطعاً لا يقول إلا الحق، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23].وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (26) الحلقة (33) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (122) لما انتشر الإسلام وقويت شوكته صار المسلمون يخشى جانبهم من قبل اليهود والنصارى ممن هم حولهم في الجزيرة، فأراد نفر من المؤمنين إلزام قرابتهم ممن تهود أو تنصر قبل الإسلام بالدخول في الإسلام كرهاً، فأنزل الله عز وجل أمره لهم بعدم إلزام أحد من الكتابيين بالدخول في الإسلام، مبيناً لهم أن الحق واضح وأن الضلال بيّن، وأنه يكفي المؤمنين ولاية الله عز وجل لهم، وافتقار الكافرين إلى هذه الولاية، واستحقاقهم للنار وغضب الجبار. قراءة في تفسير آية الكرسي من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء يا ربنا ورب العالمين.وها نحن مع هاتين الآيتين الكريمتين من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:256-257].قبل دراستنا لهاتين الآيتين نقرأ هداية الآية الكريمة التي هي آية الكرسي. هداية الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية:أولاً: أنها أعظم آية في كتاب الله تعالى ]، ولا تتردد في هذا، فهي أعظم آية في كتاب الله عز وجل، [ وقد اشتملت على ثمانية عشر اسماً لله تعالى ما بين ظاهر ومضمر ]، آية واحدة اشتملت على ثمانية عشر اسماً من أسماء الله تعالى، بعضها مضمر وبعضها ظاهر، [ وكلماتها خمسون كلمة، وجملها عشر جمل كلها ناطقة بربوبيته تعالى وبألوهيته وبأسمائه وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه.ثانياً: تستحب قراءتها بعد الصلاة المكتوبة، وعند النوم، وفي البيوت لطرد الشيطان ].تستحب قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة، وهي الصلوات الخمس، وعند النوم، وفي البيوت، فحين تدخل بيتك اقرأ آية الكرسي فتطرد الشياطين من بيتك، ولن تستطيع بعد قراءتها لطرد الشياطين أن تفتح الفيديو وتشاهد العاهرات يغنين، ما تقوى على هذا، ما تستطيع ما دمت تريد أن تطهر بيتك من الشياطين فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] ترفع صوتك وأنت في بيتك فما يبقى مجال للشياطين أن يدفعوك إلى أن تشاهد عواهر النساء وظلمة الرجال وكفارهم.إذاً: الحمد لله الذي رزقنا هذا النور وجعلنا من أهل آية الكرسي نتلوها دبر الصلوات الخمس، وعند النوم، ونتلوها في البيوت، فالحمد لله. تفسير قوله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ...) والآن مع هاتين الآيتين الكريمتين:قال تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] هذا خبر ومعناه: الإنشاء، أي: لا تكرهوا أحداً على الدخول في الدين، كقوله: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233]، خبر ولكن معناه الإنشاء، أي: على الوالدات أن يرضعن أولادهن، جملة خبرية ومعناها إنشائي. سبب نزول الآية http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg وسبب نزول هذه الآية: أن سكان المدينة النبوية تنصر أو تهود أفراد منهم، فلما دخل آباؤهم وإخوانهم في الإسلام أرادوا أن يكرهوهم بالعصا على أن يدخلوا في الإسلام، وقد أصبحوا يهوداً من فترة أو نصارى، فنزلت هذه الآية الكريمة تقول: لا تكرهوهم على الدخول في الإسلام، إن دخلوا بإراداتهم واختيارهم ورغبتهم فذاك، وإن أبوا إلا اليهودية أو النصرانية فاتركوهم. لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]؛ إذ أنزل الله كتابه ورسوله ونصر دينه وأولياءه وطلعت الشمس واتضح النهار وعرف الحق، إذاً: فما هناك حاجة إلى الإكراه، فالذي يتأمل أصول هذا الدين وفروعه وشرائعه وما يحويه من الهدى والنور يدخل في الإسلام بدون عصا أو كرباج كما يقولون. خلاف الفقهاء في شمول الآية الكريمة غير أهل الكتاب وهنا اختلف أهل العلم: هل هذا عام في اليهود والنصارى وفي غيرهم من المشركين؟الجمهور على أن هذا خاص بأهل الذمة اليهود والنصارى أهل الكتاب، وقد علمتم يقيناً أنه يوجد يهود أو نصارى في بلاد المسلمين ولا يكرهون على الدخول في الإسلام، ولا يؤمرون بصلاة ولا زكاة ولا غسل من جنابة، ولا يسمح لهم بأن يرابطوا في ثغورنا ولا أن يحملوا السلاح معنا؛ لأنهم كالأموات لا قيمة لهم، ميت وتقول له: صل! أين يذهب بعقلك؟ ميت تقول له: زك، لماذا يزكي؟ نفسه خبيثة منتنة بأوضار الشرك والكفر، ما يزكيها شيء ولو أنفق ماله كله.وأما المشركون الكافرون فالجمهور على أنهم يقاتلون حتى يدخلوا في الإسلام، ومالك رحمه الله يرى أنهم لا يلجئون إلى الدخول في الإسلام بالقوة، وقد يؤخذ برأي مالك في بعض الظروف، وهذا خارج الجزيرة، أما قبة الإسلام وبيضته هذه الديار فلا يجتمع فيها دينان ولا يبقى فيها مشرك ولا كافر، وإليكم نص الآية الكريمة التي يفهم منها هذا: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:1-3]، إذاً: أعطاهم فرصة أربعة أشهر: اذهبوا إلى الشرق إلى الغرب أو ادخلوا في الإسلام، فإذا انقضت الأشهر الأربعة وجب قتالكم، أو تدخلون في الإسلام، إذ قال تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]؛ لأن وفاة الرسول أصبحت على الأبواب قريبة جداً، هذه السورة من آخر ما نزل.إذاً: ولا يموت الرسول صلى الله عليه وسلم وفي دار الإسلام كفر وشرك وكافرون ومشركون، أما خارج الجزيرة فالأمر واسع، فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ [التوبة:5]، أعطاهم مدة أربعة أشهر، يلتحق بالأحباش.. يلتحق بفارس.. يلتحق بالروم، يدخل في الإسلام، أما أن يبقى كافراً في دار الإسلام فلا، ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب )؛ لأنها قبة الإسلام وبيضته. خطوات ومراحل قتال المشركين إذاً: خلاصة ما عرفنا: أن أهل الذمة من اليهود والنصارى لا نكرههم على الدخول في الإسلام؛ لأن الله تعالى قال في هذه السورة من آخرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التوبة:123] لبيك اللهم لبيك. قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، هذا أمر الله للمؤمنين، ناداهم ثم أمرهم: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]، يلون دياركم وبلادكم، قاتلنا الروم في الشام فتصبح حدودنا أوروبا فندخل إليها. ولهذا مثل: بركة أو بحيرة ماء حين تلقي فيها حجراً تنفتح فيها دائرة وتأخذ في الاتساع حتى تصل إلى أطراف ذلك الحوض أو البركة، فهذا النور الإلهي وهذه الرحمة الربانية لا تحرمها البشرية، ومن أجلهم نزلت لأنهم عبيد الله، فلا يصح أبداً أن نتركهم تعبث بهم الشياطين من عقول هابطة وأفكار فاسدة بالظلم والخبث والشر والفساد، ومصيرهم بعد هذا البلاء والشقاء إلى عالم الخلد في عذاب الله أبداً، فرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما جاءت إلا لإنقاذ البشرية.إذاً: كلما دخل إقليم في الإسلام فحدودنا وراءه، سنعسكر سواء غزونا من طريق البر أو البحر، نعسكر ونراسل أهل الإقليم: تدخلون في الإسلام فتنقذون أنفسكم من الشقاء والبلاء والفتن والهون والدون والظلم والخبث والشر والفساد، وتنقذون أنفسكم من عذاب النار يوم القيامة، فإن قالوا: مرحباً وأهلاً وسهلاً؛ دخل رجالنا ووضعوا محاكم وأخذوا يعلمون ويهدون تلك الأمة، وتمر فترة من الزمن وكلهم أولياء الله، لا كذب.. لا خيانة.. لا خمر.. لا زنا.. لا فجور، كالملائكة.فإن رفضوا نقول لهم: لتسمحوا لنا أن ندخل، نحن نتكلم مع الملك أو الحاكم وجيشه، والأمة المسكينة ما ذنبها، فاسمحوا لنا أن ندخل لتعليم هذه البشرية سبيل نجاتها وسلم كمالها ورقيها، فإن قالوا: لا بأس؛ دخلنا وأخذنا نعلم ونربي ونوجه، ما هي إلا أيام -ولا أقول: أعوام- وإذا بالناس يدخلون في رحمة الله أفواجاً؛ لما يشاهدون من الطهر والصفاء والكمال البشري الذي ما كانوا يحلمون به؛ لأن حاملي هذه الرسالة كالملائكة في صفاء أرواحهم وفي تهذيب نفوسهم وزكاة آدابهم، بالنظر إليهم يجذبونك فتقتدي بهم، ما هي إلا فترة وقد دخلوا في الإسلام.فإن رفضوا فالثالثة: القتال حتى يدخلهم الله في رحمته، فتستقبل الجيوش الجيوش كرة وكرتين ويومين وثلاثة شهر حتى ينهزم الكفر والكافرون ويدخل المؤمنون بصلاتهم بأنوارهم بكلامهم الطيب بعدلهم برحمتهم فيتدفق الناس على الإسلام ويدخلون فيه.فلما غزونا أفريقيا والأندلس والشام والعراق هل هناك من أجبر على الإسلام بالعصا؟ والله! لا أحد أبداً، بل كان ينهزم الجيش الكافر فيدخل المسلمون فيشاهد الناس صلاتهم واستقامتهم وابتساماتهم فيدخلون في رحمة الله، فما لهم الآن لا يدخلون؟ لأنهم ما شاهدوا أنوار الإسلام، لو شاهدوا الطهر والصفاء والرحمة والمودة والإخاء في العالم الإسلامي؛ حيث أمرهم واحد على لا إله إلا الله، وغايتهم واحدة؛ لتدفقوا في بلاد الإسلام ودخلوا في رحمة الله، ولكن -مع الأسف- هم الذين مزقونا وفرقونا وشتتونا وأقعدونا عن الكمال ليحرموا هم أيضاً ويدخلوا جهنم، أيديهم هي التي فعلت بالمسلمين هذا حتى يحرموا من رحمة الله ويعيشوا على الخبث والدمار، وفي النهاية إلى مصير العياذ بالله منه. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
الموقف من أهل الكتاب والمشركين والمرتدين إذاً: فنقول: خلاصة القول: أن الجزيرة لا يبقى فيها دين إلا الإسلام، ومن لم يرد الإسلام فليرحل ولييخرج منها، لا يبقى فيها، وأهل الذمة إذا حكمناهم ودخلوا في ظل راية لا إله إلا الله لا يكرهون على الدخول في الدين أبداً، يبقون على مسيحيتهم أو يهوديتهم حتى يشاء الله رحمتهم ودخولهم في الإسلام، والمشركون هل نواصل قتالهم ولا نقبل لهم ذمة ولا يبقون في ذمتنا؟الجمهور على ذلك، ومالك يقول: نعاملهم معاملة أهل الكتاب. وهذا قد يستفاد منه في ظروف خاصة حيث يعجز المسلمون حين تحدث أحداث فيأخذون بهذه الفتيا. فلا إكراه في الدين، ومن ارتد من المسلمين فإنه يستتاب ثلاثة أيام، يقال له: ترجع إلى دين الله أم لا؟ فإن رفض قتل كافراً ولا يحل بقاؤه بيننا أبداً، لا يقاس على اليهودي والنصراني؛ لأنه أسلم وارتد، إذاً: جزاؤه القتل، ولكن يطلب منه الرجوع والندم والعودة ثلاثة أيام متتالية، يحضر في المحكمة ويبقى هناك محبوساً، فإن أصر على ردته وخروجه من الإسلام وتنصر أو تهود أو تبلشف فإنه يقتل بحكم الله عز وجل وقضائه. لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]، الرشد: الهدى والنور بنزول الكتاب وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تبين الغي وعرف الشرك والجهل والظلم والخبث، اتضح هذا وهذا، فلا معنى إذاً للإكراه على الدين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg معنى قوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ...) ثم قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ [البقرة:256]، ما الطاغوت هذا؟لفظ الطاغوت والطاغية والطاغي من: طغى الشيء: إذا ارتفع، فالصنم يعبد، ارتفع وطغى وأصبح إلهاً يعبد، والرجل يعبد ويقدسه الناس ويعبدونه حيث ارتفع وطغى، أصبح كالإله إذاً، فلهذا كل ما عبد ويعبد من دون الله سمه طاغوتاً من الطغيان، وهو الارتفاع والتكبر والعلو، إذاً: كل ما عبد من دون الله من سائر الألهة والأهواء هو طاغوت.إذاً: عباد الله، أيها الناس! اعلموا أن من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فيقول: لا إله ثم يقول: إلا الله، يقول: (لا إله حق) فيحطم كل الآلهة الباطلة، ثم يقول: (إلا الله)، كفر بالطاغوت ثم آمن بالله؛ ولهذا يقول الحكماء: التخلية تجب قبل التحلية، أنت عليك أوساخ في بدنك من عملك، فلا تأتي وتلبس ثيابك الجميلة وتتضمخ بالطيب وعليك الأوساخ، خطأ هذا ما ينفعك، أولاً: اغسل بدنك بالماء والسدر والصابون، وحين يطهر جسمك وينظف البس الثياب النظيفة وتطيب بالطيب، أما وعليك أوساخ وتلبس فما ينفع.إذاً: تخل أولاً عن الأوساخ والأدناس وتطيب بعد ذلك بالطيب، أولاً: اكفر بكل الآلهة الباطلة وقل: (لا إله) أعترف به أبداً، ثم قل: (إلا الله) فذلك إلهي الحق الذي أذل له وأخضع وأعبده بما أمرني أن أعبد، هذا معنى: التخلية قبل التحلية، تخل عن المسكرات وبعد ذلك خذ الأوراد والأذكار، أما وأنت قائم على المعاصي وتقول: أعطوني ورداً أذكر الله به فما ينفع، فالتخلية قبل التحلية؛ لأن الله تعالى قال وقوله الحق: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ [البقرة:256] أولاً وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة:256] ثانياً؛ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، والعروة معروفة، واستمسك بها: أمسكها، فلن يسقط أبداً في النار. ذكر رؤيا عبد الله بن سلام في استمساكه بالعروة الوثقى هذه الآية يفسرها ما روي: أن عبد الله بن سلام حبر اليهود رضي الله عنه وأرضاه رأى رؤيا منامية وأخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه، ماذا رأى؟ رأى أنه تحت دوحة خضراء، وهذه الدوحة الخضراء في وسطها عمود إلى السماء مرتفع، وفي رأسه عروة، وعبد الله بن سلام متمسك بتلك العروة، ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم بأن تلك الدوحة الإسلام، والعروة: لا إله إلا الله، فأنت مبشر بالجنة، فأصبح أهل المدينة إذا مروا بـابن سلام يقولون: هذا من أهل الجنة ولا يشكون.إذاً: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256] التي لا تنحل ولا تسقط يا عبد الله منها، لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ [البقرة:256] لأقوال عباده، عَلِيمٌ [البقرة:256] بأحوالهم وأمورهم، فليخش وليتق، ولنؤمن بهداية الله لمن شاء هدايته، وإضلال الله لمن شاء إضلاله لواسع علمه وقدرته ولسمعه لكل أشياء الكون، فلا يخفى عليه شيء. ذكر بعض ما اشتملت عليه الآية الكريمة من الأحكام هذه الآية الأولى عرفنا منها أنه لا يكره أحد على أن يدخل في الإسلام، يؤمر ويوجه وينصح ويدعى، أما ان تخرج المسدس وتقول: قل: لا إله إلا الله وإلا فسأقتلك؛ فهذا لا يجوز أبداً.وأما أهل الديار المشركة التي ليست ديار أهل كتاب فالجمهور على أنهم يدعون إلى الدخول في الإسلام أو يقاتلون حتى يسلموا. وهل عرفتم ما الطاغوت؟ مأخوذ من الطغيان، أما قال تعالى: لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11]؟ أي: ارتفع، فكل ما عبده الخلق من دون الله يقال فيه: طاغوت، والذي يعبد ورضي بأن يعبدوه هو طاغوت، إلا إذا أنكر عليهم ولم يقبل منهم ذلك.إذاً: من يكفر بالطاغوت أولاً فيقول: لا أؤمن بغير الله، لا أعترف بمعبود سوى الله، لا أقر أبداً أحداً على عبادة غير الله، هذا أولاً، ثم يعبد الله، أما أن يقول: أنا لا أعترف بعبادة كائن من كان إلا الله ثم لا يعبد الله؛ فما تمسك بالعروة، ما وصل إليها حتى يحقق معنى: لا إله إلا الله، لا بد أن ينفي وجود إله مع الله يعبد معه، ويعبد الله عز وجل، ولو قال: لا إله إلا الله ولم يعبد الله فهل تنفعه هذه الكلمة؟ ما تنفعه، هو كاذب كاذب كاذب.إذاً: التخلية قبل التحلية، تبرأ من كل معبود سوى الله، لا تعترف بعبادة كائن من كان إلا الله عز وجل فاعبده. تفسير قوله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ...) ثم قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] الله جل جلاله ولي الذين آمنوا، الذين آمنوا بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، آمنوا بلقاء الله والوقوف بين يديه للاستنطاق والاستجواب والحساب والجزاء، آمنوا بوحيه وشرعه، هؤلاء المؤمنون الله وليهم، والولاية تتحقق بشيئين: الإيمان والتقوى، وهنا ما ذكرت التقوى؛ لأنها لازمت الإيمان، والله! ما آمن عبد حق الإيمان إلا اتقى الله عز وجل، لا تتصور أن عبداً عرف الله وآمن بجلاله وكماله ثم يعيش على معصيته وعبادة غيره. أركان الولاية آية سورة يونس عليه السلام بينت أن ولاية الله تتحقق لمن طلبها بالإيمان والتقوى، أي: بالإيمان والعمل الصالح واجتناب الشرك والمعاصي، إذ الآية هي قوله تعالى من سورة يونس عليه السلام: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وكأن سائلاً يقول: من هم يا رب أولياؤك؟ فأجاب قائلاً: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى في الحياة الدنيا بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له، إما يراها هو قبل أن يموت أو يراها عبد آخر ويقول: رأيت لك كذا وكذا، أما البشرى التي وهو على سرير الموت فهذه البشرى في الآخرة، إذا كان الولي في سكرات الموت وأصبح لا يقوى على أن يخبر ويتكلم بما يشاهد فإنه يأتي الوفد الكريم مع ملك الموت، واسمع كلماتهم بالحرف الواحد: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] أي: قالوا: لا إله إلا الله وعبدوا الله، آمنوا وأطاعوا، قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] على دين الله لا اعوجاج ولا انحراف، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30]، بماذا؟ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، الله اجعلنا منهم.من هؤلاء؟ هل هم بنو هاشم .. بنو تميم .. البيض .. السود؟ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، والاستقامة هي أداء الواجبات والتخلي عن المحرمات، وامش في طريقك إلى دار السلام، وسر هذا معلوم، لأن العبادات تزكي النفوس وتطهرها، والبعد عن مدسيات النفس من الشرك والذنوب والمعاصي يبقي ذلك الصفاء وذلك الطهر للروح البشرية، فإذا جاءت الملائكة تقبضها تجدها طاهرة كأرواحهم، فيعرجون بها إلى الملكوت الأعلى وتفتح لها أبواب السماء، أما إذا كانت مظلمة منتنة متعفنة كأرواح الكافرين والشياطين فهذه الأرواح مستحيل أن تدخل الجنة، واقرءوا آية سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، من يدخل البعير في عين الإبرة؟ مستحيل، كذلك مستحيل على أصحاب الأرواح الخبيثة أن يدخلوا دار السلام الطاهرة، هذا حكم الله. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg الولاية والفلاح في زكاة النفس والخسران في تدسيتها وصدر حكم الله على الإنس والجن بأن من زكى نفسه بالإيمان والعمل الصالح دخل الجنة، ومن أخبثها بالشرك والمعاصي دخل النار، فقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، هذا حكم الله أقسم عليه بأعظم إقسام في كتابه: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8]، كل هذه يمين لله تعالى؛ لعظم هذا الحكم، والبشرية عمياء تقودها الشياطين إلى المصير المحتوم، إلى جهنم، إلى عالم الشقاء، وقد صدر حكم الله: قَدْ أَفْلَحَ [الشمس:9] فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة من زكى نفسه من أبيض أو أسود، في الأولين أو الآخرين؟ زكاها وطيبها وطهرها بمواد خاصة ألا وهي الإيمان والعمل الصالح، وقد خاب وخسر خسراناً أبدياً من دساها، أفرغ عليها أطنان الذنوب والآثام، حتى أصبحت منتنة عفنة كأرواح الشياطين، والله! لا تفتح لها أبواب السماء، يعرجون بها في موكب يناسبها فيستأذنون فلا يؤذن لهم، فيعودون بها إلى القبر ثم إلى المصير المحتوم في الدركات السفلى من الكون في سجين، فكيف لا تعرف البشرية هذا الحكم وقد صدر عليها؟ لأنهم كفروا بالله وكتابه ورسوله.يقول تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257] يخرجهم من ظلمات الكفر والشرك والجهل إلى نور الإيمان والعلم والمعرفة، أيما مؤمن آمن بصدق واتقى الله عز وجل أصبح عالماً ربانياً. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] من الشكوك والأوهام والهواجس والخواطر السيئة والمسالك المنتنة والفكر الهابط، كل هذه يخرجهم منها إلى نور اليقين، نور العلم. معنى قوله تعالى: (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ...) وفي الجانب الآخر قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:257] بمعنى: غطوا وجحدوا، جحدوا عبادة الله فما اعترفوا بها، جحدوا رسالات الله، هؤلاء الكافرون الجاحدون من أولياؤهم؟الطاغوت، والطاغوت هنا هو الأكبر وهو الشيطان، الشيطان هو أعظم طاغوت؛ لأنه هو الذي عبد من دون الله عبادة حقيقية، إذ كل من عبد كوكباً.. شجراً.. حجراً.. فرجاً هو في الحقيقة عابد للشيطان، إذ الشيطان هو الذي سول ذلك وحسنه ودفعه إليه، أما هذا الذي عبد عبد القادر فهل قال له: اعبدوني؟ والذي قال: هذه شاة سيدي عبد القادر هل الشيخ عبد القادر أمرهم بهذا؟ من أمر بهذا؟ الشيطان هو الذي عُبد. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر، من نور العلم إلى ظلمات الجهل؛ لأن الكافر أجهل الخلق، لو كان يعلم لعرف من خلقه، ومن دبر حياته، ومن قاده ويقوده إلى مصيره.والخاتم الأخير: أُوْلَئِكَ [البقرة:257] البعداء، أولئك أولياء الطاغوت أهل الكفر والشرك والجهل أَصْحَابُ النَّارِ [البقرة:257] لا يفارقونها ولا تفارقهم أبداً، وصاحبك هو الذي يلازمك أم لا؟ فمن أصحاب النار الذين لا تفارقهم ولا يفارقونها؟ أهل الشرك والكفر والعياذ بالله، أولياء الشيطان. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ [البقرة:257] لا سواهم فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]، والله! لا نهاية أبداً، خلود أبدي. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات هاتان الآيتان لهما هدايتهما، فتأملوا:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:أولاً: لا يكره أهل الكتابين ومن في حكمهم كالمجوس والصابئة ]، لا يكرهون [ على الدخول في الإسلام إلا باختيارهم، وتقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم.ثانياً: الإسلام كله رشد وما عداه ] كله [ ضلال ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ [البقرة:256] وطلعت شموسه بالكتاب والنبي المرسل والشريعة القائمة، تبين الرشد من الغي، فالإسلام كله رشد، وما عدا الإسلام ضلال من يهودية أو نصرانية أو بوذية أو صابئة، قل ما شئت من الملل الهابطة، فكله -والله- ضلال لا رشد فيه؛ لأنه لا يزكي النفس ولا يعد صاحبه للجنة؛ لأنه لا يطهر الأرواح والقلوب والعقول أبداً، فالكفار هابطون كالحيوانات.[ ثالثاً: التخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل. [ رابعاً: معنى لا إله إلا الله وهي الإيمان بالله والكفر بالطاغوت ]، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، هذا معنى لا إله إلا الله.رابعاً: ولاية الله تعالى تنال ] بماذا؟ هل بالحسب والنسب.. بالبطولات.. بالشجاعات؟ تنال ولاية الله بشيئين: [ بالإيمان والتقوى ].ما هي التقوى يا أبناء الإسلام ورجالاته؟ التقوى: فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، بذلك نتقي غضب الله أولاً ثم عذابه ثانياً، ما هناك حصون ولا أسوار ولا جيوش نتقي بها عذاب الله أبداً، ما يتقى إلا بطاعته.هل يستطيع من تحت السماء أن يتقي الله وهو لا يعرف ما أمر الله به ولا نهى عنه؟ مستحيل، لا يمكنك يا عاقل أن تتقي الله إلا إذا عرفت بم تتقيه.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (27) الحلقة (34) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (123) إن من آمن بالله عز وجل واتقاه، وجاء إلى ما أمره به سبحانه فأتاه مخلصاً لله فيه، وجاء لما نهى عنه سبحانه فاجتنبه وتوقاه ابتغاء وجهه سبحانه، فإنه مستحق لمحبة الله تعالى، جدير بولايته سبحانه، ومن تولاه الله أيده ونصره وأدخله جنته، وأما من كفر بالله وأعرض عن داعيه، وارتكب المعاصي والمنكرات، فإنه مستحق لولاية الطواغيت؛ إبليس وأعوانه وأتباعه، جدير به ان يحشر معهم، ويتشارك معهم منازلهم في النار. تابع تفسير قوله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا المطلوب يا رب العالمين.والآية التي أجملنا القول فيها ولم نفصله هي قول الله عز وجل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]. ولاية الله تعالى للمؤمنين معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] من وليكم يا عباد الله؟ الله هو الذي يتولى أمركم، هو الذي يسددكم، هو الذي يخرجكم من ظلمات الجهل وظلمات الفسق والشرك والكفر إلى أنوار الإيمان والعمل الصالح. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] بخلاف غيرهم فوليهم الشيطان، وهكذا تقرر ما علمناه من قبل أن البشرية إما أن يوالوا الله ربهم ويواليهم مولاهم، وإما أن يوالوا الشيطان ويواليهم الشيطان عدوهم، ما هناك وسط. الإيمان والتقوى طريق تحقيق الولاية وولاية الله عز وجل تتحقق بأمرين، من أراد أن يكون ولياً لله فليحقق أمرين اثنين، فإذا حققهما ثبتت له ولاية الله، وهذان الأمران هما: الإيمان والتقوى، فهل هناك من رغبة في معرفتهما؟ إي والله، ما منا أحد إلا ويريد أن يكون ولياً لله، فالأمران هما: الإيمان والتقوى، الإيمان بالله وبما أمر الله أن نؤمن به من الغيب والشهادة، والإيمان حقيقته: التصديق الجازم الخالي من الغيب والشك بأن الله هو رب العالمين وإله الأولين والآخرين، ونؤمن بلقائه وهو يوم القيامة أو اليوم الآخر، ونؤمن بما أمرنا أن نؤمن به من ملائكته وكتبه ورسله وقضائه وقدره؛ ولهذا أركان الإيمان التي ينبني عليها ستة جاءت في القرآن الكريم في البقرة وغيرها، إلا الركن السادس -وهو القضاء والقدر- فجاء في سورة القمر، إذ قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].وقد عرفنا القدر، فالقدر كتبه الله في كتاب يسمى كتاب المقادير، كتب فيه كل ما أراد أن يخلق ويوجد من ذرات الحياة والدار الآخرة وهو مكتوب، ويسمى باللوح المحفوظ، فوالله الذي لا إله غيره! لا يحدث حدث في السماوات ولا في الأرض إلا وقد سبق أن كتبه الله، ويستحيل أن يوجد حادث غير موجود في كتاب المقادير، هذا مظهر من مظاهر عظمة الله وقدرته، هذا الله رب العالمين، من آمن به وصدق في إيمانه اتقاه، ولا تستطيع أن تأتينا بإنسان أو جني عاقل ويؤمن بالله ولا يتقي عذابه ولا سخطه؛ فلهذا ما ذكر هنا التقوى مع الإيمان، لا يعقل أبداً أن شخصاً يؤمن بالله ويعرف أن مصيره إليه، وأن حياته بين يديه، وأنه مولاه وسيده، وأنه يحبه، ثم يتمرد عليه ويفسق عن أمره ويعصيه، كل من آمن بالله حق الإيمان وجد نفسه مضطراً إلى تقواه. وأضرب مثلاً للعامة: إذا تحققت يا عبد الله أن هذه القارورة أو هذا الكأس فيه سم قاتل، فهل ستقدم على شربه؟ ستتقيه، لو علمت أن لصاً يحمل سلاحاً يريدك وأيقنت، فهل ترضى بأن تواجهه، أو تمشي وراءه، أو تظهر له؟ الجواب: لا. فمن عرف الله عز وجل معرفة الحب والولاء فإنه يستحيل أن يخرج عن طاعته، ومن عرف قدرة الله وعظمته خاف منه ورهبه، ولا يستطيع أن يعصيه ويخرج عن طاعته؛ إذ التقوى لله عز وجل بها يتحقق الإيمان، فلا وجود لمؤمن غير تقي.والآية المبينة لهذه الحقيقة آية سورة يونس، وهي قول ربنا تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، ذكر صفتين هما الإيمان والتقوى، والكافر لن يكون لله ولياً، هذا وليه الشيطان، ولا يوجد مؤمن حق الإيمان يفجر أبداً. إذاً: وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، يتقون ماذا؟ غضب ربهم وسخطه، لا يرضون أن يغضب الجبار عليهم أو يسخط، يتقون عذابه ونكاله في الدنيا والآخرة، هؤلاء هم أولياء الله. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg بشرى المتقين من أولياء الله تعالى لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64] أيضاً، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى في الحياة الدنيا: بأنها الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له، إما أن يراه هو بنفسها، أي: يريه الله عز وجل في منامه ما يبشر به من أنه من أولياء الله، أو يراها عبد صالح ويقصها عليه: لقد رأيتك يا فلان في كذا وكذا.وبين الآخرة والدنيا بشرى عظمى وهي عند سكرات الموت، المريض على سرير الموت كما يقولون وقد انقطعت صلته بالحياة فما أصبح يكلم عواده ولا جيرانه ولا أولاده، انقطع، ثم تنزل الملائكة تحمل البشرى، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، هذا هو الإيمان والتقوى، فالذي قال: ربي الله آمن واستقام واتقى الله فما فجر ولا فسق عن أمره ونهيه، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] بماذا؟ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]. اللهم اجعلنا منهم. هذه عند سكرات الموت، وحسب تلك الروح الطاهرة أن يزفها الملكوت الأعلى وفد من الملائكة الأطهار وتفتح لها أبواب السماء وتصل إلى أن تخر تحت العرش ساجدة، ويسجل اسمها في ديوان عظيم هو عليون: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18]، ومن هم الأبرار؟ المؤمنون المتقون الصادقون في تقواهم لله أولئك الأبرار. ثم يعاد بها إلى القبر إلى حيث الجثة وإن تمزقت وتلاشت، وتستقر فيها الروح ويجري امتحان، وثم تبشر بدار السلام ويكشف لها عن مجلسها وعن مقامها في الجنة وتشاهده في القبر، ثم يرجع بها لتعيش في الملكوت الأعلى بقية هذه الحياة إلى أن تنتهي، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64].إذاً: الإيمان والتقوى، الإيمان عرفناه فصدقنا بوجود الله وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وجلاله وعظمته، حتى أوجد لنا هذا خوفاً في نفوسنا منه وحباً في قلوبنا له. كيفية التقوى وبيان أن العلم وسيلة تحصيلها وكيف نتقي؟ هنا تأملوا أيها السامعون وأيتها السامعات ولا تتألموا، اعلموا أنه لا يتأتى لإنسان أن يتقي الله قبل أن يعلم فيم يتقيه، لا يمكنك يا ابن الإسلام أن تتقي الله وأنت لا تعرف في أي شيء تتقيه؟ وبم تتقيه؟ نتقي الله عز وجل بفعل ما يحب وترك ما يكره، والذي لا يعرف محاب الله ولا مكارهه فقولوا لي: كيف يتقي الله؟ بماذا؟ فالذي لا يعرف محاب الله من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات والذوات كيف يحبها وهو ما عرفها؟ والذي ما عرف مكاره الله ومساخطه تعالى من المعتقدات الفاسدة والأقوال الباطلة والأفعال السيئة الفاسدة والصفات الذميمة كيف يتقي الله؟والآن وقفنا عند العقبة الكئود، فماذا نصنع؟ أعلموا الشرق والغرب أنه والله! لا تتم تقوى إنسان ذكر أو أنثى وتتحقق إلا إذا عرف أولاً ما يحب ربه ليفعله ويقدمه له، وعرف ما يكره ربه حتى يتجنبه ويتركه؛ ولهذا فأين ولاية الله؟ لو كنا أولياء الله فهل سيسلط الله علينا اليهود ليهينونا ويذلونا، هل سيسلط علينا الكفار والمشركين فنهون ونذل؟ أين الولاية؟ هل الله يهين أولياءه؟ حاشاه، ما هو السبب إذاً؟ لقد جهلونا، فما علمونا ما هي محاب الله لنفعلها طلباً لحبه ومرضاته، وما هي مساخط الله من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات والذوات حتى نتجنبها ونبتعد عنها فتتم لنا ولاية الله، فهل أنتم شاعرون بما أشعر به أم لا؟ لا يمكنك أن تكون ولي الله إلا إذا عرفت ما يحب وما يكره وفعلت المحبوب في قدرتك وطاقتك وابتعدت عن المكروه الذي يكرهه، والجاهل ما يعرف ما يحب الله حتى الكلمة، فكيف يتقرب إليه، ما يعرف ما يكره الله فينغمس فيه ويعمله وهو لا يدري، فما المخرج يا أبناء الإسلام؟العلم العلم، نعم والله! لهو العلم، وهذا المبين الكريم صلى الله عليه وسلم المبين للناس يقول: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، والله يخفف وييسر ويقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فنحن لا نطلب العلم ولا نسأل العلماء، ومنا من يسخر من العلماء ويستهزئ بهم. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
المسجد موطن العلم المحصل للتقوى كيف نحصل على العلم؟لا تقل: يا شيخ! أنت ما تدري، أصغر بلد في العالم الإسلامي فيه آلاف المدارس، بل فيه الجامعات والكليات. فأقول: لكن هذا ما يكفي، ولا يداوي جراحاتنا ولا يشفينا، لم؟ لأننا ما بنيناها وجمعنا أبناءنا عليها من أجل أن يعرفوا الله ومحابه ومكارهه، ما بنيت لله، وما طلب العلم فيها في الجملة لله؛ ولهذا ما لاحت الأنوار ولا تجلت في أي بلد ولا في أي قرية من قرى الإسلام، فما هو المخرج؟الجواب وبلغوا إن أهلكم الله للبلاغ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )، رحل جابر بن عبد الله على ناقته إلى حمص بالشام من أجل حديث واحد. فالطريق -معشر المستمعين والمستمعات- هو ما قررناه سنة وزيادة: أهل القرية الإسلامية عرباً كانوا أو عجماً يتعاهدون أنهم إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة يحملون نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم إلى الجامع، ويوسعونه حتى يتسع لهم، وليس شرطاً بالحديد والإسمنت، بل بالخشب والحطب، ويجلسون بعد صلاة المغرب جلوسنا هذا، ويجلس لهم عالم مرب فيتعلمون ليلة آية من كتاب الله يحفظونها وتشرح لهم وتفسر وتبين، فيفهمون مراد الله منها، وإن كانت تحمل عقيدة عقدوها لا تنحل من قلوبهم إلى أن يلقوا ربهم، وإذا كانت تحمل أدباً تأدبوا به على الفور، أو خلقاً تخلقوا به، أو تحمل أمراً نهضوا به، أو تحمل نهياً انتهوا وابتعدوا عنه، أو تدعو إلى معرفة عرفوا، ويعودون مطمئنين بأطفالهم ونسائهم مستبشرين خيراً؛ لأنهم كانوا أين؟ في مسجد ربهم، كانوا في بيت ربهم، يعودون مستبشرين يسأل بعضهم بعضاً: أنا نسيت الآية فذكرني بها، أنا نسيت معنى قوله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] فاشرحه لي يا أبتاه، يتحدثون بتلك الرحمة حتى يناموا، ثم يأتون من الغد فيجلسون بعد صلاة المغرب فيصلون المغرب كما صليناها ويجلس لهم العالم المربي كي يعلمهم حديثاً فقط من أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم، وليكن موافقاً لتلك الآية أمس يؤدي معناها يفسرها ويشرح ما فيها، فيتغنون به ربع ساعة وثلث ساعة، فيحفظوا حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، النساء كالأطفال كالفحول حفظوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، ويشرح لهم المربي: أن المراد من هذا كذا وكذا، إذاً: هيا نطبق هذا الحديث، إن أمرنا بخير فعلناه، وإن نهانا عن شر تركناه، وإن أمرنا بأدب تأدبنا به، أو بخلق تخلقنا به، ويصلون العشاء ويعودون وكلهم ألسن ذاكرة وقلوب شاكرة، هموم الدنيا وأوضارها اختفت عن وجوههم، فما يشاهدونها، يدخلون بيوتهم فيطعمون ما يسر الله طعامه وهم يتساءلون: حديث الليلة عظيم، أنت يا أختي هل تحفظينه؟ قالت: نعم، قال: أسمعينيه، فأسمعته، قال الأب: أبنائي! أنتم على علم بما في هذا الحديث، وهكذا من الغد، وأعمالهم الدنيوية من صلاة الصبح إلى الساعة السادسة مساء ما عدا ربع ساعة للظهر وربع ساعة للعصر، فحولوا التراب إلى جنات.وبين المغرب والعشاء لا تجد رجلاً ولا امرأة ولا طفلاً في الشوارع ولا في الأزقة ولا الحارات، الكل في بيت ربهم يستمطرون رحماته، تمضي عليهم سنة فتتحقق لهم ولاية الله ويصبحون قطعاً أولياء الله، لو رفعوا أكفهم يسألون ربهم أن يزيل الجبل لأزاله، ولا يقدر إنسي ولا جني أن يقربهم أو يزلزل التراب تحت أقدامهم؛ لأنهم أولياء الله، وأهل المدن التي خمت وتعفنت ما نستطيع أن نصفهم.فخطيب أهل الحي من المدينة يقول يوم الجمعة: إخواني! إن البلاء عظم والكرب اشتد ونحن لا ندري مصيرنا، وقد حصل الذي حصل فتحولت بيوتنا إلى صور العواهر وسماع الباطل والشر وألوان الكفار، ونسينا ذكر الله، هيا نرجع إلى الله عز وجل، فمن الليلة لا يتخلف منكم يا أبنائي وآبائي رجل ولا طفل ولا امرأة، الكل يأتون بيت الله، والمرأة إذا كانت حائضاً فإنها تجلس وراء الجدار ونرفع إليها صوتنا بمكبر صوت، ويتعلمون ليلة آية وليلة حديثاً وهم يعلمون ويعملون، ففي أربعين يوماً فقط ستتحقق لهم ولاية الله.سلني عن هذه المدينة والقرية بعد سنة: ما هي نسبة الزنا فيها؟ لا وجود له، ما هي نسبة الخيانة والسرقة؟ والله! لا وجود لهما، فالذي جلس بين يدي ربه يتعلم الكتاب والحكمة ويزكي نفسه عاماً كاملاً وقد عرف وكشف له كل شيء هل يفجر ويخرج عن طاعة الله؟ أنى له ذلك، ما يتأتى له ولا يريده، وهل يبقى حسد؟ هل يبقى بغض؟ هل يبقى كبر وتعال؟ هل يبقى نزاع وصراع على أوساخ الدنيا وأوضارها؟ الجواب: لا؛ لأنهم أولياء الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لا في الدنيا ولا في القبر ولا في الآخرة. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg سهولة تلقي العلم النافع في المساجد دون تعطيل الأعمال الدنيوية والآن ماذا يكلفهم هذا؟ هل عطلوا مصانعهم.. أوقفوا مزارعهم.. عطلوا وظائفهم؟ الجواب: لا، نحن لسنا كاليهود والنصارى، نحن إذا فرغنا من صلاة الصبح أقبلنا على أعمالنا، ما عندنا ساعة سابعة ولا ثامنة ولا عاشرة، ميزاننا أن نصلي الصبح وننطلق نعبد الله، نعبد الله في المزرعة، نعبد الله في المصنع، إذ كل حركاتنا وسكناتنا هي لله، لا تظن أنني إذا صنعت وأخرجت الصناعة وبعتها أني عملت لغير الله، إذ حياتنا موقوفة كلها على الله، وقف على الله، اقرءوا قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، المسحاة بيده وهو يذكر الله، ويضرب الأرض من أجل الله ليعيش أو يعيل امرأة وأولاداً صغاراً كلفه الله بذلك، كناس يكنس في الشارع وينظفه وتعطيه البلدية قدراً من المال هو كناس لله، نمر برجل يبني بيته لله، ما عندنا غير الله، وآخر يهدم بيتاً آخر، لم؟ لله، أمره بهدمه للضرر الذي فيه، فالله أكبر، هذا هو الإيمان، وهؤلاء هم المؤمنون.فمن منعنا أن نكون هكذا؟ منعنا أعداء الإسلام وخصومه، وتعاونوا مع شياطين الإنس والجن فصرفوا هذه الأمة عن طريق سعادتها وكمالها؛ لتذل وتهون، وتصبح تعيش أسوأ الأحوال، ثم يكتبون ضد هذا الكلام في الصحف ويقولون: هذه خيالات وأوهام.فهيا نستعمل عقولنا: إذا أوقف أهل القرية أو المدينة العمل عند الساعة السادسة عند غروب الشمس فما الذي توقف من أعمالهم؟لا شيء، حملوا أطفالهم ونساءهم وذهبوا إلى بيت ربهم، أي عز أكثر من هذا العز، وأية كرامة أعظم؟ واليهود والنصارى يذهبون إلى دور السينما ودور المراقص واللهو والباطل والعبث، ومناظر السوء، وشرب الخمر والسموم، فهؤلاء ما نتكلم عنهم ولا نقول: هؤلاء خياليون! والذين يذهبون إلى بيت الطهر والصفاء يجلسون بين يدي ربهم يمطرهم برحماته، يتعلمون الكتاب والحكمة، نقول عن فعلهم: هذا خيال! فما الذي يكلفهم؟ جيل الصحابة أنموذج التربية المسجدية فلا طريق ولا سبيل إلى عودة كمالنا وعليائنا في الملكوت الأعلى إلا من هذا الطريق، إذ هو الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه وأولادهم وأحفادهم، من هذا المسجد تخرّج رجال لم تحلم الدنيا بمثلهم عدلاً، كرماً، شجاعة، طهراً، صفاءً، يضرب بهم المثل، أين درسوا؟ في جامعات بريطانيا؟أكثرهم لا يكتب ولا يقرأ، وإنما امتثلوا قوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، كان أبو القاسم يجلس لهم بأمر الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، فتعلموا، فهذا هو الطريق، لو أن عالماً أخذ هذه الحقيقة وانتقل إلى قرية من القرى وطلب من أهلها بلطف أن يجلسوا؛ ليتعلموا شيئاً فشيئاً، وصبر على دعوتهم؛ فأنوار العلم ستتجلى فيهم، بعد سنة كاملة سيقال: القرية الفلانية أصبحت كتلة من نور، لم تر فيها رجلاً ولا امرأة بعد المغرب في الشارع أبداً، الكل في بيت الله، وما أصبحت تسمع صوت عاهرة تتكلم في تلفاز ولا راديو، والله! لنذهبن لزيارتهم نتبرك بوجودنا بينهم ساعة، ونشاهد أنوار الحقيقة كما هي تلوح. دعوة إلى إقامة الحلقة التعليمية التربوية في البيوت قد تقولون: الحكومات ما تسمع لنا والأحزاب تناهضنا؟ فأقول: إذا صليت المغرب عد إلى بيتك واجمع أطفالك الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة وأمك إن كانت إلى جنبك أو أباك واجلس بينهم وتغنّ معهم بآية أو حديث وعلمهم مراد الله منه، وقل لهم: هيا نعمل! هيا نطبق! وصلوا العشاء، واسألهم بعد صلاة العشاء وتناول العشاء: ماذا تعلمنا اليوم؟فسيقول أحمد في عمر سبع سنين: تعلمنا الآية من سورة الأعراف. ما هذه الآية؟ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].فقل: يا زليخا! ما معنى (ربنا)؟ خالقنا ورازقنا ومدبر الحياة، هذا ربنا. ماذا يجب لربنا يا عمر؟ يجب علينا أن نحبه بقلوبنا فنطيعه إذا أمرنا، فإذا قال: اسكتوا سكتنا، وإذا قال: صوموا غداً صمنا.وليلة بعد ليلة وإذا بذلك البيت تلوح أنواره وتطيب نفوس أهله ويتعلمون، وتطرد الشياطين من حولكم ولن تطلبكم بعد ذلك، أفسدتم عليها خططها، وأبعدتم عنها مسالكها، لو فعل أهل كل بيت هذا لانتهينا، يخرجون من البيوت كأنهم ملائكة؛ لا ظلم لا كبر لا حسد لا غش، ولكن رحمة وتطامن وتواضع وتعاون، وهل يتم هذا؟ إي ورب الكعبة، لم لا يتم؟ أليست سنن الله لا تتخلف؟ أما قال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62]، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، أليس الطعام يشبع؟ والماء يروي؟ والنار تحرق؟ والحديد يقطع؟ هل تبدلت هذه السنن؟ لم تتبدل، إذاً: فالكتاب والحكمة من شأنهما أن يوجدا الربانية في قلوب البشر. وبعد هذا ما عندنا مطلب، أبيتم المساجد فقلنا: البيوت، كل مؤمن في بيته، وسوف يتسرب النور والهداية، في سنة واحدة تشعر في القرية أو المدينة أن أهلها تغيروا، كان صاحب دكان يبيع الشيشة والحشيشة فأغلقه بسبب هذا، كان فلان يصيح ويشتم ويسب في الشارع فانتهى وما سمعنا باطلاً أبداً، كان الأولاد يقولون البذاء ويلفظون بالسوء وهم يلعبون، فأصبحت كلماتهم كلها طيبة، ما الذي حصل؟عرفنا سر هذه الحياة الطيبة الطاهرة، لقد تحققت الولاية: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، ظلمات الشرك والكفر والفسق والفجور والجهل، إلى أين؟ إلى أنوار الإيمان والعلم واليقين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg عاقبة الكفرة أولياء الطاغوت وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ [البقرة:257] من؟ الطَّاغُوتُ [البقرة:257] إبليس أبو مرة وأعوانه ورجاله وأتباعه، وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت. يُخْرِجُونَهُمْ [البقرة:257] من أين؟ مِنَ النُّورِ [البقرة:257] نور الفطرة إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، وأخيراً يأتي الختم الأخير: أُوْلَئِكَ [البقرة:257] البعداء أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257].وقد جاءنا كتاب من فرنسا فيه أن طالب علم يقول لهم: هذه الآية دليل على أن الكفار يخرجون من النار! فسألوني قالوا: رد عليه؛ لأن الله ما قال: خالدين فيها أبداً، قال: أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]، فمعناه: أنهم يخرجون! فقلنا لهم: هذه الآية مطلقة وجاءت آيات مقيدة، ويحمل المطلق على المقيد، آيات فيها كلمة (أبداً). وهل تعرفون عن النار شيئاً؟ من خلقها؟ الله. من أوجد مادتها؟ الله.اخرج في الساعة العاشرة نهاراً من بيتك وارفع رأسك إلى السماء وشاهد الشمس، هذا الكوكب الملتهب إذا دنا في أوقات معينة ترتفع الحرارة إلى أربعين وإلى خمسين، هذا الكوكب كله نار، وهو أكبر من الأرض هذه بما فيها من بحارها وأوديتها وجبالها بمليون ونصف مليون مرة، لو أخذنا البشرية كلها ورميناها فيها ما سدت زاوية منها ولا ملأتها، أبعد هذا تسألني عن النار ما هي؟ ادخل أصبعك فقط في جمرة أو في نار لتشعر بالنار، من خلقها؟ أمك أم أبوك أم عمك؟ من أوجدها؟ أما سمعت عنها شيئاً؟ هذا كتاب الله يفصّل لك القول تفصيلاً، ويبين لك البيان الكافي؛ لتعرف النار ما هي: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:1-4].أين العقول؟ اهتزت الأرض وزلزلت، الناس كالفراش المبثوث هنا وهناك، لا يعرف الجائي من جاء، والذاهب أين ذهب ولا الطالع ولا الهابط، كالفراش المبثوث. وَتَكُونُ الْجِبَالُ [القارعة:5] الشامخات الرواسي كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة:5]، الصوف الذي يضرب بالعصا ليتفتت، تتفتت وتكون الجبال كالعهن المنفوش الآن. فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [الحاقة:6-7]، في الجنة دار السلام. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:8-11]. الحث على سماع القرآن الكريم من الآخرين لم لا يقرأ كتاب الله؟ نحن نقرؤه على الموتى، مضى أكثر من ثمانمائة سنة والقرآن لا يقرأ عندنا إلا على الميت، أما الحي فما يقرأ أبداً، عداوة كاملة، لقد قلت لكم: عشنا عشرات السنين ما عثرت على واحد قال لي: أسمعني شيئاً من كلام الله، إلا مرة واحدة، وأنتم أيها السامعون من منكم قال لأخيه وهو جالس في المسجد أو تحت ظل شجرة أو حين فرغ من العمل: يا أخي! أسمعني شيئاً من كلام ربي؟أنا أقول: أي مؤمن تاقت نفسه إلى ربه وإلى كلامه سيطلب من أخيه أن يسمعه شيئاً من كلام الله ليتأمل ويبكي ويتدبر، ومن ذلك ما يكون في شهر رمضان، فالناس يجيء أغلبهم لسماع القرآن وللتراويح، والحمد لله.أنا أقول: ها هي الصورة الحقة: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عبد الله بن مسعود فقال: ( يا ابن أم عبد ! ) ، دعاه بكنية أمه، ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن. فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! ) تعجب، قال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري )، وقرأ ابن مسعود : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ... [النساء:1] إلى أن انتهى إلى قول الله تعالى بعد أربعين آية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء:41] يشهد عليها وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، قال: ( فالتفت فإذا بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان وهو يقول: حسبك )، أي: يكفي. فإن رأيتم هذه الظاهرة في بلادكم فبشرونا بالخير، هذا هو الطريق، أما أن يقرأ على المقبرة وليلة الموت يهزئون بالقرآن ويسخرون؛ فنعوذ بالله من الجهل وما أصابنا.والله تعالى أسأل أن يجعلنا من أوليائه وصالح عباده نؤمن به وبما يحب أن نؤمن به، ونتقيه بفعل محابه وترك مكارهه.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (28) الحلقة (35) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (124) إن من ابتلاه الله عز وجل بظلمة القلب وفساد العقل لا يقبل الحق مهما كان واضحاً، ومن ذلك ما فعله النمرود بن كنعان حين ناظره إبراهيم عليه السلام في تفرد الله عز وجل بالخلق وتصريف أمور الكون والمخلوقات، فجادله أولاً في حقيقة أن الله وحده الذي يحيي ويميت، فلما استمر في ضلاله وأذعن في مكابرته وكفرانه سأله إبراهيم أن يأتي بالشمس من المغرب كما أخرجها الله من المشرق، فبهت الكافر ولم يحر جواباً، واندحر ولم يقل خطأ ولا صواباً. تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) ، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا وولي المؤمنين.وها نحن مع هذه الآية الكريمة من سورة البقرة، وهي قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]. حجاج إبراهيم مع قومه في سورة الأنعام معاشر المؤمنين والمؤمنات! حجاج إبراهيم لم يكن فقط مع هذا الطاغية النمرود ملك البابليين، بل كان مع والده، وكان مع قومه، ولو أمكن أن نستعرض تلك المواقف من سورة الأنعام التي ذكر تعالى لنا فيها هذه المحاجة.فقد قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأنعام:74]، هذا يواجه به والده آزر، وإذ قال [الأنعام:74]، اذكر يا رسولنا واذكر أيها المؤمن وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ [الأنعام:74-76] ذهب قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:76-79].وهكذا يستدرجهم من النجم إلى القمر إلى الشمس وهم عبدة الكواكب، لما رأى القمر قال: هذا ربي؛ من أجل جذبهم إلى أن يتأملوا؛ لا أنه يعتقد أنه ربه، لما أفل وذهب قال: ما ينبغي هذا ولا يصلح أن يكون إلهاً، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي [الأنعام:77] وهم يسمعون ويشاهدون، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [الأنعام:77] معناه أنه يطلب الهداية من أجلهم حتى يفيقوا ويصحوا من غفلتهم. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ [الأنعام:78] وانتهت وغابت ماذا قال؟ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:78-79].هذا كان مع والده وقومه، قال تعالى: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ [الأنعام:80] في مواقف متعددة، وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا [الأنعام:80] ، قالت العلماء: هذا الاستثناء لو أنه عثر أو أصابته شوكة لقالوا: آلهتنا هي التي أصابته، فاحتاط وقال: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ [الأنعام:80]، ثم قال لهم: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81]، أي الفريقين أحق بالأمن من عذاب الله وعذاب النار؟ وكان الجواب: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، قال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:83]. حجاج إبراهيم مع قومه في سورة الأنبياء ومن سورة الأنبياء حجاج آخر: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء:51-57]، ونفذ فعلته، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:58-71]. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg حجاج إبراهيم مع قومه في سورة الصافات ومن سورة اليقطين؛ إذ قال تعالى: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ [الصافات:83]، أي: من شيعة نوح في الدعوة إلى عبادة الله وحده، وبين نوح وإبراهيم آلاف السنين: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:83-100]، وذهب إلى أرض الشام. حجاج إبراهيم مع أبيه في سورة مريم وفي سورة مريم حجاج إبراهيم مع أبيه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا [مريم:41-49]، حجاج طويل، فهذا هو إبراهيم الأب الرحيم السرياني عليه السلام. وقوع الحجاج مع النمرود بعد الحكم بإلقاء إبراهيم في النار ولما حكموا عليه بالإعدام وسجنوه وذهبوا يشعلون النيران ويجمعون الحطب ويوقدونها، إذ أوقدوا ناراً ما رأتها الدنيا، كان الطائر إذا طار فوقها يحترق، وكان النساء ينذرن للإلهة بحزمة الحطب: يا إلهي! إذا حصل كذا وكذا فأنا أحمل حزمة حطب في نار إبراهيم! والعجب أنه حتى الحيوانات الساقطة أيضاً كانت تساعدهم، فالوزغة الخبيثة كانت تنفخ في نار إبراهيم، وباقي الحيوانات الأخرى ما فعلت، فلهذا أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن من عثر على الوزغة فليقتلها؛ لأنها كانت تنفخ في النار لتتأجج على إبراهيم عليه السلام، والوزغ معروف.إذاً: ولما سجنوه ينتظرون إصدار الحكم عليه وقع هذا الحجاج بينه وبين الملك النمرود ، فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمته: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ [البقرة:258]، أي: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا ما تم ما بين إبراهيم والنمرود ؟ معنى قوله تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ [البقرة:258]، وكيف يحاجون في الله؟ يقولون: لا يعبد وحده بل يعبد معه هذه الآلهة التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا.وعبادة الله عز وجل هي سر الحياة وعلة هذا الوجود، فقد خلق كل شيء من أجل أن يذكر ويشكر، فكيف إذاً يعبد غيره؟! بأي منطق أو قانون أو شرع أو حق؟ أيخلق ويرزق ويدبر الحياة كلها من أجل أن يذكر ويشكر وإذا بالشياطين تجتال الآدميين وتجعلهم يعبدون من لا خلق ولا رزق ولا أعطى ولا منع ولا ضر ولا نفع؟ هذا كيد الشياطين ومكرهم.إذاً: قوله تعالى: أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، المفروض أنه يشكر الله الذي ملّكه وأعطاه وأصبح سلطاناً في تلك الديار، لا أنه يحارب أولياء الله ويصرف عن عبادة الله من أجل أن آتاه الله الملك.واللفظ أيضاً يحتمل معنىً آخر، وهو: أنه لما ملّكه الله وطغى وتجبر وتكبر أعرض عن عبادة الله وحارب أولياءه.وكلا الحالين مذموم، المفروض أن من أعطاه الله يشكر الله ويعبده ويدعو إلى عبادته، لا أن يعرض عن عبادته ويعبد معه غيره، لكن الطغيان ناتج عما أوتي من الملك والسلطان، والآثار والأخبار تدل على أن هذا الطاغية أهلكه الله وجيشه بالبعوض، فسلط عليهم بعوضاً مزق ذلك الجيش بكامله، نقمة الله عز وجل، والنمرود نفسه دخلت بعوضة في أذنه وأصبح لا يطيق النوم ولا الأكل ولا الشرب، وعن يمينه وعن شماله رجلان يضربانه على رأسه بأشياء، إما بخشبة وإما بحذاء؛ حتى يهدأ، حتى هلك على تلك الحالة. معنى قوله تعالى: (إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ [البقرة:258]، فهو سأله: من ربك يا إبراهيم الذي من أجله فعلت وفعلت وفعلت؟ قال إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، الذي يحيي من شاء ويميت من شاء هو ربي، أو الذي يحيي الأموات ويميت الأحياء، ذلك خالقي وذلك ربي وإلهي ومعبودي وهو حق. فقال الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، فأطلق سراح من كان محكوماً عليهم بالإعدام لجرائمهم وادعى أنه أحياهم فقال: أنا أحييت هؤلاء، وأتى بمن حكم عليهم بالموت فقتلهم، وادعى أنه بهذا يحيي أيضاً ويميت، وهذا مغالطة تشمئز منها العقول، فالإحياء: أن تهب الحياة وتوجدها، والموت: هو أن تميت من تخلق فيه الحياة، فالله تعالى خلق هذا وخلق هذا وحكم بالموت على هذا وأجل هذا، وأنت ما فعلت شيئاً، ما هي قدرتك التي فعلت؟ يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فائت بها من المغرب فبهت الذي كفر ...) قال تعالى: قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].لقد كانت تلك مغالطة عرفها الخليل وعدل عنها، فقال له: إن ربي يأتي بالشمس من المشرق فائت بها أنت من المغرب، الله يأتي بالشمس عند طلوعها من شرق الكرة الأرضية، فعاكسه أنت وائت بها من المغرب، وبذلك تتجلى قدرتك ويعلو سلطانك وتكون المستحق لئن تطاع، فوقف مشدوهاً حيراناً كما أخبر تعالى: فَبُهِتَ [البقرة:258]، انقطع كلامه ولم يقو على أن يتكلم، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة:258]، لولا كفره ما كان يبهت، كان يفتح الله عليه ويجيب، كما مر بنا في آية الأنعام قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [البقرة:258]، ما من مؤمن ذي بصيرة وربانية صادقة ويحاجه ظالم أو كافر إلا غلبه، ولا يستطيع أن يهزمه. ذكر حادثة في خيبة كل كافر مناظر لمؤمن صادق وأذكر هنا حادثة تكررت: كان مسيحي مع مسلم على السيارة يتحدثان، فقال المسيحي: يا مسلم! أنتم تعتقدون أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون، فكيف تكون بطونهم هذه؟ لأن معتقد الصليبيين النصارى من القسس وغيرهم أن أهل الجنة لا يأكلون ولا يشربون؛ لأنهم ليسوا أبداناً وإنما هي أرواح فقط كما هي الآن في دار السلام، أرواح المؤمنين الطاهرة إذا مات المؤمن أو المؤمنة تترك في الجنة إلى أن تنتهي هذه الدورة ويخلق الله الأجسام من جديد وتدخل فيها وتعود الحياة كاملة، والسعادة بالروح والبدن معاً؛ فالآن في الدنيا السعادة تحصل للبدن، وفي القبر للروح فقط، ويوم القيامة السعادة للروح والبدن معاً، الآن سعادتنا في أبداننا، وفي القبور والبرزخ للأرواح فقط، وفي يوم القيامة السعادة كاملة، فالروح تسعد والبدن كذلك يسعد.فهذا المسيحي يسخر من الإسلام فيقول: كيف تكون بطونهم مملوءة وهم يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون؟ وحقاً إن تلك الأغذية تتحول إلى عرق أطيب من ريح المسك. فقال له العربي الأمي: هل الجنين في بطن أمه حين يتخلق ويصبح يتغذى من دم أمه وينمو بذلك الغذاء أربعة أشهر -السادس والسابع والثامن والتاسع- هل يبول أو يتغوط؟ والله! ما يبول ولا يتغوط، بمجرد أن يخرج من بطن أمه يبول، إذاً: كيف بطن أمه؟ هل امتلأ بالبول والعذرة؟! فانقطع الصليبي واندهش وذهل. فالولد في بطن أمه تمضي عليه أربعة أشهر وهو يتغذى وعلى الغذاء ينمو، وبمجرد أن يخرج يبول ويتغوط، فلم ما بال أولاً ولا تغوط، لو كان يبول ويتغوط فكيف سيصبح رحم أمه أو بطنها؟! ولكن تقدير وتدبير العزيز العليم.والشاهد عندنا أنه إلى اليوم لا يحاج كافر مؤمناً إلا انهزم، وقد تمت محاجة عظيمة مطبوعة في جامعة الإمام محمد بن سعود ووزعت في مجلد، فهذا صليبي كبير بريطاني حاج مؤمناً عالماً من علماء المسلمين في الهند، واجتمع للحجاج خلق كثير؛ لأنها محاجة ذات قيمة، ونصر الله عز وجل المسلم وانهزم ذلك الصليبي شر هزيمة.والذي يذكر بخير: أن السلطان عبد الحميد العثماني ترجم تلك المناظرة إلى تسع لغات عالمية ووزعها ونشرها بين الناس، وهذه هي الحقيقة؛ لأن الله عز وجل ولي الذين آمنوا يخرجهم من ظلمات الجهل والحيرة إلى نور العلم والبصيرة، ما من مؤمن يقف لله عز وجل إلا وينصره الله ويؤيده، وليس هذا خاصاً بإبراهيم ولا بغيره. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg طغيان الإنسان بالملك والغنى إذاً: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ [البقرة:258]، من هو هذا؟ هذا النمرود ملك البابليين، هذا الذي قال ما تسمعون، أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، تأملوا هذه الجملة: أمن أجل أن آتاه الله الملك يقف هذا الموقف؟ أما ينبغي له أن يستحي من المنعم المتفضل المحسن، كيف يقف يحاج في الله عز وجل يريد أن يبطل عبادته ويصرف الأمة عن ذكره وعبادته، أين العقل؟ أين الفطرة؟وقلنا:إن قوله تعالى: أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، فيه إشارة إلى أن الذي يؤتى السلطان والقدرة إذا لم يعصمه الله، إذا لم يحفظه الله، إذا لم يتوله الله؛ فإنه إن كان مؤمناً يصاب بالطغيان، وقد شاهدتم وسمعتم، ويصاب بالتعالي والتكبر والإفساد في الأرض، إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6]، متى؟ أن رأى نفسه استغنى، كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] ، أي: رأى نفسه استغنى عن الناس، يتكبر ويتعالى عليهم. إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21]، إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]. الوصفة الناجعة لعلاج طغيان الغنى وجزع المصيبة وهذه القضية معاشر المستمعين ينبغي أن نرددها: إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، ظلوم جهول، ظلوم كفّار، يطغى أن رآه استغنى، هلوع: إذا مسه الخير يمنع، وإذا مسه الشر يجزع، وما العلاج؟ وما الدواء؟توجد وصفة طبية والطبيب هو الرب تعالى، هي ذات ثمانية أرقام، أيما مؤمن يستعملها بإشراف طبيب فإنه يخرج من أصح الخلق وأكملهم، وإن لم يجد الطبيب المشرف عليه واستعان بالله واستعملها شيئاً فشيئاً فإنه يبرأ أيضاً من أسقامه: من الظلم والجهل والكفر والشح والبخل والجزع، لكن قد تطول مدته أو لا يكمل برؤه على الوجه المطلوب، بل لا بد من إشراف طبيب.أين توجد هذه الوصفة الطبية بأرقامها الثمانية؟ توجد في القرآن العظيم، في كتاب الله الذي نقرؤه على الموتى! في سورة المعارج، يقول تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21]، والجزوع: كثير الجزع، والمنوع: كثير المنع، ما قال: إذا مسه الخير جزع وإذا مسه الخير منع، بل جزوع ومنوع.ثم ذكر الأرقام الثمانية: أولاً: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23]، الذي يصلي ويديم صلاته على الوجه المطلوب فهذه الصلاة تبرئ من ذلك الجزع وهذا المنع، وتبرئ من ذلك الظلم والكفر، ومن الطغيان والتعالي.ثانياً: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25]، الذي يؤدي الزكاة كما شرع الله وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينفق على أسرته واليتامى والمساكين ولا يبخل ويعطي للسائل والمحروم فهذا الرقم أيضاً يفعل العجب في النفس، صاحب هذا الرقم والله! لا يكذب ولا يغش ولا يخدع، كيف يصرف هذا المال لوجه الله وهو يسرقه؟! ما هو بمعقول أبداً.ثالثاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، الذي يصدقون بيوم القيامة يوم الجزاء يوم الحساب والجزاء، هذا الرقم أيضاً يفعل في النفس العجب في تزكيتها وتطهيرها، لم؟ هو موقن أنه سيسأل ويحاسب، فكيف إذاً يضن أو يبخل؟ كيف يظلم ويكفر؟ كيف يطغى؟ كيف يجزع؟ هذا يؤثر فيه أعظم تأثير.رابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:27-28] قطعاً، فالذين يعيشون على هذا الإيمان وأنهم يخافون من ربهم أن يعذبهم إذا خالفوا أمره وإذا فسقوا عنه وإذا خرجوا عن طاعته يعيشون ليل نهار مشفقين من عذاب الله؛ لأن عذاب الله من يؤمننا منه؟ فلهذا لا يقتحمون أودية الضلال والشرك والباطل والكفر؛ لخوفهم، فصاحب هذا الرقم أيضاً يتعالج بإذن الله تعالى ويبرأ من الأمراض الستة المذكورة في الآية.خامساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:29-30]، من يلومهم وقد أذن الله لهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم.إذاً: فهذا الذي يحفظ فرجه من الوقوع في الفاحشة يفعل ذلك فيه العجب من تزكية نفسه وتطهيرها.سادساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، الذي يعيش كراعي الغنم يرعى أمانته وعهوده لو تضع تحت يديه ما شئت من المال فوالله! لا ينقصك درهماً واحداً، لو تودع عنده امرأة حتى تعود من جهادك أو سفرك فوالله! لا ينظر إليها ولا يلتفت إليها، تودعه كلمة يصونها ويحفظها، هذا الذي يحافظ على الأمانة وعلى العهد هل يعصي الله فيظلم أو يجزع أو يسخط؟ سابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33]، لا يميل يميناً ولا يساراً، لا مع أخ ولا عم ولا قريب ولا بعيد ولا غني ولا فقير، يؤدي شهادته كما علمها وليكن ما يكون.وأخيراً: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، الإدامة غير المحافظة، يحافظون على أوقاتها وآدابها وشروطها وأركانها حتى تثمر لهم الزكاة في نفوسهم.هذه الوصفة لا يضعها إلا الله، إن طبقتها بإشراف العالم الرباني المزكي نجحت في أقرب وقت، وإذا ما وجدته وأخذت أنت تستعملها فسينفعك الله تعالى بها.إذاً: ظلم الإنسان وكفره وجهله وجزعه وطغيانه؛ هذه الطبائع هذه الغرائز التي تقويها وتذكي نارها الشياطين، إذا لم يعالجها الإنسان من ذكر أو أنثى بهذه الأرقام فإنه لا ينجو منها ولا يسلم أبداً، والحمد لله؛ فهو الذي وضع هذا، خلق الداء والدواء، وأرشد إلى استعمال الدواء للبعد والنجاة من الداء.مرة ثانية: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:19-20]، يجزع، ما تستطيع أن تمشي معه ولا تجالسه من الصراخ والتأمل والتحسر، لا صبر أبداً، ولا يفوض أمره إلى الله أبداً؛ لأنه مريض.وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ [المعارج:21] منع فلا يعطي ولا يبذل ولا ينفق؛ لأنه مريض، فإذا أراد الشفاء فالوصفة الربانية موجودة: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ [المعارج:22-35]، الأعلون السامون فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:35]. اللهم اجعلنا منهم. انتهاء مناظرة إبراهيم للنمرود بانتصار الموحد وخذلان الكافر والظالم نعود إلى قصة إبراهيم عليه السلام، حيث يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، الطاغية سأل إبراهيم لما أخرجه من السجن قبل إلقائه في النار، حاجه وسأله، فقال إبراهيم: ربي ومعبودي الحق الذي أعبده هو الذي يحيي ويميت، خالق الحياة والموت، فقال الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة:258] وانقطع.قالت العلماء: في هذه الآية بيان جواز الحجاج في الدين مع المبتدعة مع المعطلين مع الكافرين ولا حرج؛ لتظهر حجة الله عليهم، فهذا إبراهيم يحاج النمرود.قال تعالى: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]، دائماً وأبداً إلى يوم القيامة، والظالمون الخارجون عن عبادة الله عقيدة وقولاً وعملاً، هؤلاء الظلمة. الشرك أعظم الظلم وإذا أطلق الظلم في الغالب يطلق على الشرك؛ لأنه أفظع أنواع الظلم، فحين تسلب مال فلان وتقتل فلاناً فذلك ظلم، والذي يسلب الله تعالى حقه كيف يكون موقفه؟ويتحداه ويعطيه لغيره، مع أن الله خلقه ورزقه ودبر حياته وكلأه وحفظه ورعاه وهو عبده ومخلوقه، ويغمض عينيه عن ربه الخالق الرازق المدبر، ويفتحهما في صنم أو كوكب أو فرج أو شهوة أو إنسان أو حيوان، أي ظلم أعظم من هذا؟ويدل لذلك أنه لما نزل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] اندهش المؤمنون فقالوا: يا رسول الله! أينا لم يظلم نفسه؟ إذا كان لا أمن من عذاب النار إلا لمن لم يخلط إيمانه بظلم؛ فأينا ما ظلم؟ هذا ظلم أخاه، وهذا ظلم حيواناً، لا بد أن يقع ذلك، فقال: ليس الأمر كما فهمتم، المراد من الظلم هنا: الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان الحكيم لما كان يعظ ولده بين يديه يربيه ويعلمه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فلا أعظم من ظلم عبد يترك ربه ويعبد غيره، مع أن هذه المخلوقات كلها مربوبة مخلوقة، فيعبد عيسى وهو مخلوق خلقه الله، وتعبد مريم وهي مخلوقة، الله خلقها، ويعبد روح القدس جبريل، أليس جبريل مخلوقاً لله من جملة ملائكته؟ والذين يعبدون العزير كاليهود، والذين يعبدون الأولياء. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg مقارنة بين شرك الأولين وشرك المعاصرين هل يوجد في المسلمين من يعبدون الأولياء؟ أي نعم، إلى ما قبل خمسين سنة منذ خمسة قرون، ما تستطيع أبداً أن تجد من لا يقول: يا سيدي فلان إلا نادراً، عند أبواب الأسواق يرفع يديه السائل الفقير يديه: يا سيدي فلان! أعطني لوجه فلان! ولا يذكر الله، بأعيننا رأيناهم.وأعظم من هذا أن المرأة والطلق يهزها وقد ربطوا حبلاً في سارية العمود؛ إذ ما هناك مشاف ولا ممرضات ولا مقبلات وهي تصرخ: يا ألله! يا رسول الله! يا رب! يا سيدي عبد القادر! يا فلان! ولو تموت هذه فكيف ستموت؟يقولون لك إذا أصابتك مصيبة: يا مغربي! استقبل القبلة وناد: يا راعي الحمراء! يا مولى بغداد! فيأتيك ويفرج ما بك.وإن شككتم فهذا تفسير المنار للشيخ: رشيد رضا وبعضه للشيخ: محمد عبده ، يقصان عليكم قصة عملية واقعية، قال: كانت سفينة تحمل الحجاج أيام الدولة العثمانية من طرابلس الغرب إلى طرابلس الشام، ترسو في الموانئ وتحمل حجاج البلاد من طرابلس والإسكندرية ويافا وحيفا واللاذقية، قال: وجاءت عواصف بحرية بأمواج، والسفينة ما هي كما هي الآن بالهيدروجين، إنما كانت بالفحم أو بالشراع، قال: وماجت السفينة واضطربت، فأخذ الحجاج يقولون: يا رسول الله! يا بدوي! يا عبد القادر ! يا مولاي فلان! يا عيدروس ! يا فاطمة ! يا حسين ! وكان يوجد بينهم فحل قوي، فوقف ورفع يديه إلى الله وقال: يا رب! أغرقهم فإنهم ما عرفوك.ورحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، يقول في رسائله: شرك الأولين أخف من شرك الحاضرين، والله! لأخف، وإليكم الصورة: لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ودخلت جيوشه الاثنا عشر ألفاً، فالطغاة هربوا، ما استطاعوا أن ينتظروا، خافوا، وعلى رأسهم عكرمة بن أبي جهل ، وكان كأبيه أبي جهل ، الابن كالأب في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهرب إلى ساحل البحر فوجد سفينة تريد أن تقلع إلى الحبشة أو إلى الهند، المهم ألا يشاهد محمداً صلى الله عليه وسلم في مكة، فلما انطلقت السفينة ومشت كيلو أو كيلوين اضطربت وجاءت الأمواج، فقال الربان أو الملاح: يا جماعة! يا عباد الله! ادعوا ربكم قبل أن تغرقوا. فأخذوا يقولون: يا ألله! يا ألله! يا رب الكعبة! يا رب إبراهيم! وهم مشركون، ما قالوا: يا لات ولا عزى، فقال عكرمة : هذا الذي هربت منه يلحقني حتى وأنا في السفينة، أنا هارب من هذا التوحيد، والله! لترجعن بي إلى الساحل، ولأقبلن يد محمد صلى الله عليه وسلم، وردّه إلى الساحل، وانطلق رأساً إلى مكة واطّرح بين يدي الرسول يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واقرءوا لذلك: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، ونحن الآن بالعكس، ما هناك فرق بين البر ولا البحر، عند المصيبة الكل: يا سيدي فلان، والحمد لله أن أنقذنا الله عز وجل بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي كان يتقزز منها الغافلون والغالطون، وانتشر هذا النور وأصبحت ما تسمع بمؤمن يقول: يا سيدي عبد القادر إلا بعض العوام. وقد خرجنا ذات مرة وكان شخص معنا، وركبنا في السيارة وهو يسوق، فخرجت السيارة عن الطريق فإذا به يقول: يا رسول الله! يا رسول الله! فقلت: وأين الله؟ كيف نسيته؟ الجهل علة الشرك بالله تعالى إذاً: العلة الجهل، والنجاة بالعلم، فكيف نطلب العلم؟ والله! ما هناك مشقة ولا كلفة أبداً، لا تحمل قرطاساً ولا قلماً، ولا توقف أبداً مصنعك ولا مزرعتك ولا متجرك، إنما إذا مالت الشمس إلى الغروب يأتي المؤمنون بأبنائهم ونسائهم إلى بيت ربهم، ويوسعونه، ويتلقون الكتاب والحكمة بين المغرب والعشاء كل ليلة.اليهود والنصارى والمشركون إذا دقت السادسة وقف العمل وذهبوا إلى المقاهي والملاهي والمراقص والمقاصف؛ إذ هذا دينهم وهذا باطلهم، ونحن إلى أين نذهب؟ إلى بيوت الرب عز وجل، نتلقى الكتاب والحكمة ونزكي أنفسنا، ما تمضي سنة واحدة على أهل القرية إلا وكلهم أولياء الله، فلم ما نفعل هذا؟ أهذا ينغص الحياة؟! أهذا يوقف العمل؟! الجواب: لا. بل هذا الذي يوجد الإخاء والمودة والمحبة، لا سيما إذا وجد صندوق حديد في المحراب وقيل: يا معشر المؤمنين والمؤمنات! من أراد أن يتصدق فليضع في هذا الصندوق، يا معشر المؤمنين والمؤمنات! من زاد على قوته ريال فليضعه في هذا الصندوق، حتى يمتلئ وينمو في تجارة أو مصنع أو مزرعة، وإذا به يدر عليهم اللبن والخير، وفقراء القرية لا يبقى لهم وجود، وتنتهي السرقة والتلصص والبكاء والجزع أبداً، كأسرة واحدة، فلم ما نفعل هذا؟ لأننا ما عرفنا، ما أيقنا بهداية الله. والله تعالى أسأل أن يعود بنا إلى جادة الصواب، وأن ينجينا من محننا؛ إنه رءوف رحيم.معشر المؤمنين والمؤمنات! أحدهم مريض سألنا أن ندعو الله تعالى له، فاللهم يا ولي المؤمنين ويا متولي الصالحين اشف عبدك شفاءً عاجلاً غير آجل، وبارك في صحته وعمله يا رب العالمين، واشف اللهم مرضانا في بيوتنا وبين أيدينا، اللهم اشفنا ظاهراً وباطنا، اللهم اشفنا ظاهراً وباطنا، اللهم زك نفوسنا أنت وليها وأنت مولاها وأنت خير من زكاها، اللهم ارزقنا البصيرة واليقين واجعلنا من عبادك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ربنا علمنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما تعلمنا، واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من الراشدين من أوليائك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (29) الحلقة (36) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (125) إن تطلع الإنسان إلى معرفة قدرة الله والنظر في إعجازه مما فطر عليه الإنسان، لكن فرق بين من تطلع إلى ذلك مستبعداً له وشاكاً فيه، وبين من تطلع إليه موقناً به ومؤمناً إيماناً صادقاً، أما مثال الشاك فهو ما وقع من عزير عليه السلام حين مرّ على القرية التي دمرها البابليون فاستبعد عودتها كما كانت، فضرب الله له مثلاً في إماتته ثم إحيائه ونظره إلى حماره والحياة تعود إليه شيئاً فشيئاً حتى آمن وأيقن، ومثال المؤمن المصدق إبراهيم عليه السلام الذي سأل ربه أن يريه مثالاً لإحياء الموتى، فأراه سبحانه قدرته وعظيم صنعه في تلك الطير التي أعاد إليها الروح بعد تقطيعها وتفريقها في الأرض. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم حقق لنا هذا الرجاء يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.وها نحن مع هذه الآية المباركة من سورة البقرة المباركة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259].هذا الكلام من يستطيع أن يأتي به؟ هذا كلام الله رب العالمين، فقولوا: آمنا بالله!ومحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الأمي العربي فرد من أفراد الأميين يقص هذا القصص كأنه حاضر وشاهد الأحداث كما هي، كيف يتم هذا لولا أنه رسول يوحي الله إليه بالأنباء والأخبار التي يستحيل على البشر أن يردوها بمنطق أو حجة أو دليل؟ أثر ولاية الله تعالى لعباده المؤمنين وهذه الآية كسابقتها دليل على قوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]، من ظلمات الجهل إلى نور العلم.وبالأمس كان الخليل إبراهيم في السجن ويسأله ملكهم النمرود عن ربه: من ربك؟ قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، قال الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، فألهم الله الحجة لإبراهيم صاحب الإيمان والنور فقال: إن ربي يأتي بالشمس من المشرق فائت بها أنت غداً من المغرب! فبهت الذي كفر، انقطع ولم يستطع الجواب أو يتكلم بكلمة، وكيف يرد هذا؟ هل يقول: سنعمل ذلك؟ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]، وهذه الجملة المذيل بها الكلام تزن الدنيا وما فيها، اسمع: إن الله لا يهدي القوم الظالمين إلى ما فيه سعادتهم وكمالهم، إلى ما فيه عزهم وانتصارهم، إلى ما فيه سعادتهم، إلى أي خير؛ لأنهم ظلموا وخرجوا عن الطريق وهم يتقلبون، فمن يهديهم؟ آمنا بالله. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] إلى ما فيه كرامتهم وطهرهم وصفاؤهم وعزهم وسعادتهم ونصرتهم على أعدائهم، ولكن الله هدى إبراهيم للجواب المفحم القاطع الذي بهت به العدو أمامه. أثر ولاية الله تعالى لإبراهيم الخليل في محاجة النمرود أعيد تلاوة الآية: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، يكفر ويتعالى ويطغى، وهذه لفتة أيضاً عجيبة: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، وجربنا هذا حتى في إخواننا، ما إن يحصل على قرش أو مركبة حتى يتكبر، كان بهلولاً من الصالحين يكنس المسجد ويمشي مع الناس، ما إن يرتفع حتى يتكبر، ما استعمل تلك الأرقام الثمانية في قوله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] إلى آخر الآيات. كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، والأمة ما تعالج في هذه المستشفيات وما يعرفونها ولا سمعوا بها، فكيف تراهم إذاً؟ الظلم والشر والخبث والفساد والخيانة، مرضى وما عولجوا في مستشفيات النفس، فعلاج النفس في المستشفى الرباني الإلهي، ودعنا من البكاء فإنه لا يجدي، وهيا نتمم الآية تلاوة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]، هذا مظهر من مظاهر ولاية الله لأوليائه ونصرتهم، الطاغية النمرود بكل قواه فشل وما استطاع أن يجيب، فأمر به فألقي في النار، فقال الرب جل وعز خالق كل شيء: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فوالله! لم تأت النار إلا على كتافه في رجليه ويديه، وخرج وجبينه يتصبب عرقاً، وتركهم وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:99-100]، فأول هجرة في الله تعالى عرفتها البشرية هجرة الخليل إبراهيم.فلم المسلمون ما يعرفون هذا؟ لأنهم يقرءون القرآن على الموتى فقط، أما على الأحياء فممنوع، القرآن يقرأ على الموتى، وهناك نقابة، فبالتلفون اتصل: مات عندنا ميت، فيقول: من فئة المائة ليرة أو من فئة خمسمائة، فإذا كان فقيراً فمن فئة المائة، والغني من فئة خمسمائة، وأبناؤنا يقرءون القرآن في الكتاتيب لهذا الغرض، لا ليعرفوا الله وما عنده، أكثر من ثمانمائة سنة ونحن هابطون.فالقرآن حين يقرأ على الموتى فإني أسألكم بالله: هل سيقومون ليعبدون الله؟! والله يقول وقوله الحق: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69]، رد على من قالوا: القرآن شعر، وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:69-70]، أم قال: لتقرأه على الموتى؟ وقال: لينذر من كان حياً أو من كان ميتاً؟ونحن إذا مات فلان قيل لطلبة القرآن: احضروا سبع ليال، وإن كان غنياً فإحدى وعشرون ليلة وهم يقرءون القرآن ويضحكون. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير قوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ...) ثم قال تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259]. المراد بالقرية والشخص صاحب الحادثة في الآية الكريمة إذاً: بعد تلك الآية من آيات الله المحققة لوعده بولايته لأوليائه جاءت هذه الآية: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ [البقرة:259]، والقرية في عرف القرآن: المدينة الكبيرة، وفي عرف الجغرافيين المتتلمذين للغربيين: القرية دون المدينة؛ حتى يبعدوا الناس عن القرآن، القرآن هو أول من قرر القرية وأنها المدينة الكبيرة، أما قال: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى [الأنعام:92]، فما هي أم القرى؟ مكة المكرمة.إذاً: مر على قرية، فمن هذا المار؟ ذكر أهل العلم أقوالاً كثيرة: كالخضر، وفلان، وعزير، والراجح أنه عزير عليه السلام.إذاً: مر بقرية وهي مدينة القدس، ولم سميت المدينة قرية؟ لأن هذا مشتق من التقري الذي هو الجمع، قريت الماء في الحوض: أي: جمعته، وسمي القرآن قرآناً لجمع كلماته ونظمها في جمل وآيات، إذاً: القرية هنا ما هي بمدينة صغيرة، هي مدينة القدس. قال تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259]، وخاوية ليس معناها: جائعة بلغة المغرب، يقولون: خوى بطنه: فرغ فهو جائع، فخاوية هنا بمعنى: خالية، وهي كذلك، خوى البطن: فرغ. وخوت المدينة: ما بقي فيها سكانها، لكن قوله تعالى: خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259] لأن السقوف التي كانت تعرّش للظل والوقاية من الحر والبرد وقعت على الأرض فهي خاوية على العروش. معنى قوله تعالى: (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها) قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:259].هذه القرية من هدمها؟ هذا الذي هدمها يقال له: بختنصر ، هو الذي غزا المسلمين هناك من بني إسرائيل وانتقم منهم وخرب بيت المقدس، حتى التابوت هو الذي أخذه كما تقدم، والتوراة أخذها، والعزير ألهمه الله إياها فأملاها على بني إسرائيل فقالوا: إذاً: هذا ابن الله، هذا سر اتخاذه ابناً لله من سورة التوبة، لم؟ اندهشوا، التوراة أخذها الطغاة الجبابرة ومزقوها، وهذا قال: تعالوا أمليها عليكم، فأملاها عليهم فقالوا: هذا ابن الله؛ فكفروا.إذاً: العزير عليه السلام مر بهذه المدينة فقال: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:259]؟ أي: كيف يحييها؟ من باب التطلع إلى المعرفة، وفيه معنى الاستبعاد، هذا الأمر بعيد، فما تعود هذه أبداً، كيف تعود كما كانت؟ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:259]؟ ماتت القرية، انقطعت الحركة والكلام، كما يقال: مات الشخص: إذا ما بقي له كلام ولا حراك. معنى قوله تعالى: (فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم) فماذا فعل الرب تبارك وتعالى؟ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ [البقرة:259]، وكان على رأسه سلة من العنب وأخرى من التين، فوضعهما وربط الحمار ليستريح في القيلولة، فأغمض عينية فخرجت روحه مائة عام وهو كذلك، وممكن أن يمر الناس به فيقولوا: هذا نائم، أو أنه أعماهم الله ودفعهم فلم يروه، فأصحاب الكهف ماتوا ثلاثمائة سنة! إذاً: فلا عجب، أماته الله تعالى مائة سنة ثُمَّ بَعَثَهُ [البقرة:259] أحياه، لما أحياه قال له: كَمْ لَبِثْتَ [البقرة:259]؟ سأله ربه بالوحي الإلهي أو عن طريق الملك: كم لبثت في نومك هذا؟ قال: يوماً أو بعض يوم؛ لأن الشمس ما غربت ولا يدري أهو نام من الضحى أم من طلوع الشمس، إذاً: حتى لا يكذب قال: يوماً أو بعض يوم حسب علمه؛ لأنه نام واستيقظ، لا آلام في المفاصل ولا غبار في الشعر ولا في الوجه، محفوظ بحفظ الله تعالى. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ...) قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ [البقرة:259]، مائة عام، والعام أطول من السنة، وكيف يعرف؟ من يدريني أنني لبثت مائة عام على الأرض ميتاً؟ قال له: إذاً: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ [البقرة:259]، الطعام: عنب وتين، والتين عندنا نحن جربناه، يقولون: التين إذا بات كاليهودي إذا مات، إذا مات يهودي فالماء يسيل من فمه، والرائحة الكريهة، والوسخ، أعوذ بالله! فمن يقدر على أن يشاهده، والتين كذلك إذا بات في غير ثلاجة، ما كان هناك ثلاجات في العالم، فيتعفن ويتغير لونه، ما يؤكل، كالذي رأيته أمس فرميناه اليوم، جاءنا مؤمن من مصر بزنبيل أو سلة تين من هذا النوع، فما قدرنا عليه. إذاً: وشرابه عصير، قال تعالى: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259]، ما معناه؟ لم يتغير بمرور مائة سنة عليه، ما أثرت فيه السنون، مائة سنة والعنب والتين كما هما، والعصير والعنب كما هما، هذه عناية الله عز وجل، هذا حفظ الله عز وجل، يصرف القلوب من الإنس والجن، يصرف الحيوانات، يريهم ما يفزعهم حتى لا يقربوا إليه ولا يدنوا منهم، وهو يقول للشيء: كن فيكون، فاندهش الآن وتأكد أنه نام مائة سنة، كيف؟ إنه فعل الذي قدر على إماتتك مائة سنة وأحياك، انظر إلى العجب الذي هو أكثر منك: تين وشراب ما يتغير على مر عشرات السنين.وأعظم آية هي الأخرى: وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259]، أين الحمار؟ فنظر وإذا بالعظام بيضاء تلوح هنا وهناك، هذا مشاهد، إذا مات الحمار تأتي الحيوانات تأكله وتبقى عظامه بيضاء تلوح في الأرض. وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259]يا عبدنا، وإذا بتلك العظام تتجمع آلياً أوتوماتيكياً العظم إلى العظم، وتناسبت كل الأجزاء، وغشيت باللحم والجلد وإذا بالحمار يقف، فاركب وكل واشرب وامش. وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259]، وقراءة نافع وغيره: (ننشرها)، كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259]، أي: نرفعها، والمعنى كله صحيح. وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259]، وعادت تلك المدينة كما كانت، وأعظم مما تكون، وأخزى الله بختنصر وجيشه ورجاله، آية من آيات الله عجب. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg ملخص لما جاء في تفسير الآية يقول تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ [البقرة:259]، هذه مدينة القدس الطاهرة، وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259]، سقطت مبانيها وسقوفها على الأرض.قال عزير: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ [البقرة:259]، والبرهنة: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259]، الطعام والشراب مر عليهما مائة سنة وما تغيرا؟! عجب هذا، ولا عجب مع قدرة الله عز وجل وعلمه وحكمته. وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259]، وهل تعرفون بعض خبر الحمار؟ إن الذين يقرءون القرآن ويحفظونه ويقرءونه على الموتى ولا يعملون به هؤلاء هم الحمر، واقرءوا قول الله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة:5]، يحفظ القرآن ولا يفهم منه كلمة، ولا يقوم بواجب، ويقرؤه فقط على الموتى، هذه حالنا دهراً طويلاً حتى أنقذنا الله بما شاء أن ينقذنا، كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5].وعندنا لطيفة: أيام كنا ندرس النحو، كان المعلم يضرب المثل دائماً بالحمار، يقول: ضرب زيد الحمار، مررت بحمار، فلماذا الحمار فقط؟ قالوا: لأنه أبلد مخلوق، وتمضي الأعوام، وجاءت السيارات وأصبحنا نركب السيارة، فتمر على الحمار في الطريق فتضرب له جرس السيارة وتنادي ليبتعد فلا يفهم أبداً، يمد رأسه ويمشي، فقلنا: سبحان الله! ألهم الله تعالى النحاة هذه، فقلنا: نعم، وقد يكون فلان أشد بلادة من الحمار.والرسول صلى الله عليه وسلم ركب الحمار، وأذكركم بحمار عبد الله بن عمر ، فـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان قادماً من مكة أو ذاهباً إليها، ثم نزل ليستريح، أو جاء الليل لينام، فنام واستراح وإذا بأعرابي، فنظر إليه ابن عمر فقال له: ابن من أنت؟ قال: أنا ابن فلان، فقام فأخرج عمامة كان يربط بها رأسه في الليل يشده بها، وأعطاه العمامة وأعطاه حماره، فـنافع مولاه رضي الله عنه تعجب: يا مولاي! هذا أعرابي يكفيه حفنة تمر، كيف تعطيه عمامتك وتعطيه حمارك؟ هذا الحمار تروح به على نفسك. أي حين يمل ركوب البعير فيركب الحمار للترويح على النفس.فقال: يا نافع ! أتدري من هذا؟ هذا والده كان صديقاً لـعمر ، وهنا تتجلى حقيقة، وهي بر الوالدين، فأصدقاء أبيك وأمك ينبغي أن يبقوا أصدقاء تزورهم وتكرمهم، وتبجلهم وتحترمهم كاحترامك لأبويك، هذه الروابط والصلات الربانية، أبوه كان صديقاً لـعمر ، فأعطاه حماره وعمامته. وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259]، أي: انظر إلى حمارك لتتأكد من صحة ما سمعت أولاً، وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259]، آية على ماذا؟ على وجود الله رباً وإلهاً، وعلى قدرته على كل شيء، حيث لا يعجزه شيء، وعلى علمه الدقيق الذي أحاط بكل شيء، وعلى حكمته التي لا يخلوا منها شيء، وبهذا استحق بأن يعبد وحده ولا يعبد غيره، واستحق أن يطاع ويطبق شرعه، لما فيه من الإكمال والإسعاد للبشرية، لا أن تطاع الفروج والأهواء والشهوات والضلال والملاحدة والكفار. وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259] دالة على قدرتنا وعلمنا وربوبيتنا وألوهيتنا موجبة لعبادتنا وحدنا؛ فلا إله إلا الله، وهو أيضاً آية من آيات النبوة المحمدية، لو لم يكن رسول الله فكيف يتلقى هذا العلم؟ من أين يأتيه؟ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا [البقرة:259]، أغمض عينيك فقط وشاهد وانظر فتتجلى الحقيقة كما هي.إذاً: لما شاهد قال: أَعْلَمُ [البقرة:259]، وفي قراءة: (اعلم) أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259]، والكل واحد، فهذه آية. دلالة الآية على ولاية الله تعالى للمؤمنين وبقيت أخرى إليكموها: هي أن كل هذا لتعلموا أن الله ولي الذين آمنوا، أما مؤمن ويشرب الحشيش، مؤمن ويركل المؤمنين برجليه، مؤمن ولا يشهد الصلاة مع المؤمنين؛ فهذا كذاب، المؤمن: الذي يدفعه إيمانه إلى أن يطيع الله ورسوله، فلا يخرج عن أمرهما ولا يفسق عنهما بحال. ولهذا في آية يونس قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لا في الحياة هذه، ولا في البرزخ ولا يوم القيامة، ومن هم أولياء الله؟ هل سيدي عبد القادر ، مولاي إدريس ، العيدروس ؟ يا رب! بين لنا أولياءك لنعرفهم حتى نمشي وراءهم، ونقتدي بسلوكهم ونتعلم الهدى والعلم منهم، لا نعبدهم بالحلف بهم، والذبح لهم، والنذور لهم، والعكوف على قبورهم. لقد مررنا ببلد ما أيام الدعوة وإذا بالنساء والأطفال والرجال مخيمين، قلنا: ما هذا؟ قالوا: هؤلاء زوار سيدي فلان، سبعة أيام وهم عاكفون يدعون غير الله، ويمر بهم علماء، بل ويشاركونهم أيضاً! فمن أبعدنا عن نور الله؟ الثالوث الأسود: المجوس واليهود والنصارى، فهيا نكرههم ونبغضهم ونتخلى عنهم، لسان حالنا: ما نستطيع، نمشي وراءهم حتى نهلك كما هلكوا، هذه حالة أمة الإسلام، صرفوها عن مادة حياتها وسعادتها. تفسير قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ...) ثم قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ [البقرة:126]، من إبراهيم هذا؟ هذا أبو الأنبياء، هذا أبو الضيفان، هذا الخليل هذا جد نبيكم.مداخلة: .. الله.الشيخ: الحمد لله، هذا الأب الرحيم باني الكعبة.إذاً: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ [البقرة:260]، أي: يا رب، لم حذف ياء النداء؟ لا يحتاج إليها؛ لقرب الله تعالى، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، أما الذين يحتاج إلى الياء فهو البعيد: يا فلان، يا فلانة، أما الله تعالى فما يحتاج إلى ذلك، تقول: رب هب لي من لدنك رحمة. قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]، لا تلوموه وهو الخليل، تخلل حب الله خلاياه وثغرات جسمه وقلبه، يعيش مع ربه، رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]، حتى يطمئن قلبي وتهدأ أعصابي ونعرف كيف يتم هذا، أنا مؤمن بأنك تحيي الموتى وأحييت وتحيي، لكن نريد أن نعرف ليرتفع منسوب إيماني ويقيني.وقد ذكرت لكم مثلاً وضحت لكم به القضية: هل فيكم من لا يؤمن بأن الشاشة في التلفاز تنقل حقيقة من هم في المركز، هل هناك من يشك؟ لا أحد، لكن قد تقول: كيف يتم هذا؟ لو وجدت من يبين لك وهم لا يعرفون، وما يستطيعون أن يبينوا لقلت: كيف هذا؟ هو في الشرق وأنا في الغرب، ونشاهده يتكلم أو يرقص! فلا عجب في قول الخليل عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]؛ لأن إحياء الموتى أعظم آية، والله! لو يجتمع العالم بأسره وابدأ بالذين يقولون: لا إله، وهم البلاشفة الحمر، لو اجتمعوا بأطبائهم وكل ما لديهم على أن يردوا الحياة لميت؛ فوالله! ما يستطيعون، والله! ما يقدرون ولا لذبابة، إذاً: قولوا لهم: قولوا: لا إله إلا الله، لم الفرار والهروب حتى لا تعبدوه فتكملوا وتسعدوا؟ فإنكم تخسرون وأنتم لا تشعرون. معنى قوله تعالى: (قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260]، فقال الله عز وجل له: قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ [البقرة:260]، أتقول ما تقول ولم تؤمن؟ قَالَ بَلَى [البقرة:260]، كيف لا؟ نؤمن بك أنك تحيي الموتى، وأنك على كل شيء قدير، وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، ماذا قال أبو القاسم؟ ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )، لو كان إبراهيم شك فنحن أحق بالشك، ونحن -والله- ما نشك، إذاً: والله! ما شك إبراهيم أبداً.وماذا قال عن يوسف عليه السلام؟ قال: ( ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي )، يوسف عليه السلام لبث سبع سنين في السجن، وجاءه رسول الحكومة، فقال: لا حتى يمتحن هذا الحادث وتظهر الحقيقة، وأنني بريء.إذاً: قال إبراهيم: وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، وتسكن روحي وتهدأ بالمشاهدة، فأجابه الرحمن، وكيف لا وهو وليه؟! اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، من الجهل، الشك، الارتياب، إلى نور اليقين والعلم، وهذا كائن إلى الآن وإلى يوم القيامة، من والى الله ولاية حقه لن يخزيه ولن يذله، ولن يخيفه ولن يحزنه، على شرط أن يوالي الله موالاة حقيقة، ما يفضل عليه كأس اللبن. معنى قوله تعالى: (قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ...) إذاً: قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ [البقرة:260]، ولسنا في حاجة أن نقول: غراب، عقاب، وحمامة.. ما هناك حاجة إلى هذا، هذا علم لا ينفع والجهالة به لا تضر، وهذه القاعدة محروم منها المسلمون، وخاصة طلبة العلم، يقضي الساعة والساعات والجدال في شيء ما ينفع، في علم لا ينفع والجهالة به لا تضر، أيما شيء علمك به لا ينفعك اتركه، أو جهالته لا تضرك اتركه، لم تضيع فكرك ووقتك؟ وهذا يلهينا عن طلب الحق وبيانه للناس، ونحن مشغولون بهذه، علم لا ينفع وجهالة لا تضر، فإذا عرفنا العقاب والغراب وسائر الأربع فماذا استفدنا؟ فهل العبرة بها أو بحياتها بعد تمزيقها؟ يا أبناء الإسلام! إذا كانت القضية في الحديث والتفسير، في السياسية، في أي موضوع، وتعلم أن علمك بها ما ينفعك، وأن جهلك بها ما يضرك؛ فاتركها، والقاعدة: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، في كل مجالات الحياة. قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ [البقرة:260]، اجمعهن إليك واذبح ومزق، ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا [البقرة:260]، جاءت الطيور، حصل عليها وجمعها، فذبحها وجزأها واحتفظ برءوسها، وخلط العظام والأفخاذ والظهور والسيقان، ووزعها على أربعة جبال، ما هذه الجبال الأربعة؟ علم لا ينفع وجهالة لا تضر، ممكن أنه لو عرفناها سنمشي لنعبدها أيام كنا ضلالاً ونتبرك بها، فمن الخير ألا تعرفها، علم لا ينفع وجهالة لا تضر، أيام كان الهبوط كان -والله- أكثر علماء المسلمين يشتغلون بهذه، والصراع والجدال فيها؛ لأنهم موقوفون، ما هناك دعوة دافعة إلى أن يعبد الله وحده، إلى أن تستقيم الآداب والأخلاق، هذا ما هو من نصيبهم، جدالهم يدور في هذه المسائل، وإن شئتم حلفت لكم على أنا رأيناهم كذلك.إذاً: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ [البقرة:260]، أي: من الطيور الأربعة جُزْءًا [البقرة:260]، ليس بشرط أن يكون بالمقادير، بل جزء منها. ثُمَّ ادْعُهُنَّ [البقرة:260]، نادهن: يا طيور! تعالي. وما هي إلا لحظات، وقد سبق في الحمار كيف تم خلقه في لحظات، وإذا بالطيور تتكامل في الخلقة، لحم العقاب مع العقاب، ولحم الغراب مع الغراب وعظامه، وتأتي واحداً بعد واحد، وما ظهر منها كاملاً وضع رأسه عليه وانطلق. ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا [البقرة:260]، ليست جريحة تململ. معنى قوله تعالى: (واعلم أن الله عزيز حكيم) وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260]، (عَزِيزٌ): غالب لا يقهر، عزيز لا يمانع في شيء أراده أبداً، قادر على أن يذل الأعزاء ويعز الأذلاء.(حَكِيمٌ): يضع كل شيء في موضعه، الشمس وضعها في ذلك المجال، لو تزحف بالزيادة بالنقصان فسيخرب العالم، كل شيء في موضعه، وهذا هو الحكيم، وهذه هي الحكمة، فكيف يعرض عن كتابه وشرعه ودينه؟ كيف تطلب الحكمة من الفساق والفجار ويقتدى بهم ويؤتسى بهم؟ الحكمة أين توجد؟ توجد عند أهل القرآن، أهل الإيمان والتقوى.اسمع هذا البيان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، إعلان عن أعظم جائزة في الدنيا، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، كل واحد عنده جهاز رباني، ينظر إلى الشيء فيعرف خطأه من صوابه، هؤلاء هم الذين يجب أن يسوسوا العالم الإنساني، والعالم الإسلامي أولاً، أما أصحاب الظلمة التي آثارها واضحة في السلوك، الظلمة الناتجة عن الفسق والفجور والكفر بالله ولقائه، والإعراض عن ذكره وكتابه؛ فهولاء كيف يسوسون، إلى أين يسوقون البشرية؟ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، عمر يقول عنه عبد الله ولده: ما قال أبي في شيء: أظنه كذا إلا كان كما ظن! فما سبب هذا؟إنه صفاء الروح، زكاة النفس؛ لأنه أبعد عنها ما يدسيها ويلوثها من الكذب والخيانة، والباطل والشرك والمنكر، فصفت فانكشف أمامه كل شيء، فالمؤمن ينظر بنور الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (30) الحلقة (37) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (126) يوجه الله عز وجل عباده المؤمنين إلى الإنفاق في سبيله من الأموال التي وهبهم إياها، ومن الرزق الذي استخلفهم فيه، وبين عز وجل أنه يضاعف لمن أنفق في سبيله إلى سبعمائة ضعف، وقد بين سبحانه وتعالى أنه ألزمهم بآداب معينة عند الإنفاق، وهي أنهم إن وجدوا ما ينفقونه فلا ينبغي لهم إتباع ذلك بالمن والأذى، وإن لم يجدوا ما ينفقون فليقولوا قولاً معروفاً، بل إن القول المعروف دون إنفاق خير من الإنفاق المصحوب بالأذى والمن. تفسير قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا وولي المؤمنين.ها نحن مع هذه الآيات الثلاث من سورة البقرة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:261-263]. المراد بالإنفاق في سبيل الله تعالى معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:261]، الأموال معروفة، وإنفاقها: إخراجها وفي سبيل الله: المراد من سبيل الله هنا: الجهاد، الإنفاق على المجاهدين؛ لإعداد العدة، وللخروج للقتال في سبيل الله، وسبيل الله عام، كل ما يصل بالعبد إلى رضا الله هو سبيله، كل عمل تنفق فيه من أجل أن يعبد الله تعالى وحده فهو سبيل الله، الطريق الموصل إلى رضا الله عز وجل بعبادته وحبه والخوف منه حتى تقرع باب دار السلام، فذلكم سبيل الله.هذه الآية وإن قيل: إنها نزلت في عثمان وفي عبد الرحمن فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن هذا الكتاب كتاب هداية ربانية للبشرية جمعاء، وإلى أن تنتهي هذه الحياة. مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:261]، هذا القيد نِعمَ القيد، أما في سبيل الهوى والشهوات والدنيا، أو السلطان والتراب والطين؛ فلا، هؤلاء شأنهم آخر، ما أنفقوا لله. معنى قوله تعالى: (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) هؤلاء المؤمنون صدقتهم ونفقتهم التي أنفقوها مثلها في التضاعف والتكثير والزيادة كمثل حبة من بر أو ذرة أو شعير، والغالب أنها البر، حبة في أرض طيبة، ليست سبخة ولا ملحة، تربة صالحة للبذر والزرع والحصاد. كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة:261]، لما خرج ذاك الفسيل تفرع عنه سبع سنابل، السنبلة الواحدة فيها مائة حبة، سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261]، إذاً: الحسنة بسبعمائة، حبة من القمح أنتجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، إذاً: الحسنة هنا بسبعمائة حسنة. معنى قوله تعالى: (والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) هذا الإنفاق خاص بالجهاد، ومع هذا يقول تعالى: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، فقد تنفق في غير الجهاد ومع طيب النفس والرغبة فيما لدى الله، ولسد حاجة المحتاج، وتنفق ونفسك طيبة، وتريد بالإنفاق رضا الله ووجهه ليحبك، وترزق حبه، فقد يضاعفها لك مثل هذه المضاعفة وأكثر، ولهذا يقول: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذا الأمة: يضاعف الله الحسنة إلى ألف ألف، أي: إلى مليون؛ لأنه فتح باب الإفضال والإنعام: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261] من عباده، هذه المضاعفة لا تشك في أنها قامت على أساس زكاة النفس وطيب الروح وسلامة القلب، ومن المال الطيب الحلال، وابتغاء مرضات الله، يضاعف الله لك ما يشاء، درهم من نفس طيبة ومن حلال قد يعدل ألف درهم فيها شبهة. وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ [البقرة:261] واسع الفضل والعطاء والجود والكرم، عَلِيمٌ [البقرة:261]: عليم بخلقه وبمن هو أهل للمضاعفة فيضاعف له، فنِعمَ هذا التعقيب: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، ما هو بضيق العطاء، يده سحاء الليل والنهار ينفق ما يشاء. مقاصد الجهاد في سبيل الله تعالى وافتقاره إلى بيعة الإمام معاشر المستمعين! هنا كلمة لا بد أن نذكرها، وإن شئتم نقلتموها أو قبرتموها كما هي عادة أمتنا لما هبطت: فهذا الإنفاق في الجهاد؛ لأن عثمان رضي الله عنه في غزوة العسرة جهز ألف بعير، وجهز ألف غازٍ بسلاحه وطعامه وأثاثه.والآن: أين الجهاد؟الجهاد معشر المستمعين والمستمعات: بذل الجهد والطاقة والسعة البشرية، كل ينفق بحسب طاقته وقدرته، ولكن المراد من كلمة الجهاد المعهود المعروف ذي الفضل العظيم والدرجات العالية: هو ما كان من أجل الله تعالى ليعبد في الأرض، أو ليرفع الظلم عن أوليائه وصالحي عباده، هذا الجهاد يفتقر إلى الإمام، إلى إمام للمسلمين، إذ لم يأذن الله عز وجل أبداً أن يجاهد الناس فرادى أو كتلاً هنا وهناك، لا بد من إمام يرجع إليه، لا فوضى في الإسلام، الإسلام مبني على الأنظمة التي من شأنها تحقيق السعادة والكمال، والطهر والصفاء، والعز في الدنيا ودخول دار السلام الجنة في الآخرة، فمال المسلمين ما بايعوا إماماً لهم في هذه الروضة؟ مع المواصلات المتوافرة، أصبح العالم كأنه بلد واحد، هذه الوسائل التي أصبحنا نطير بها في السماء كالملائكة وأصبحت أصواتنا نتلقاها كأننا في يوم القيامة، فلم لا يجتمع المسلمون ويبايعون إماماً لهم وينظم حياتهم، وينتظمون في سلك لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يعبد إلا الله ولا يتابع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟هناك أسباب كثيرة منعت من هذا، أسباب قوية وصعبة، كيف نستطيع معها أن نجتمع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايع إمامنا وننتقل إلى ديارنا نطبق شرع الله وقوانينه المسعدة، المزكية، المطهرة، المعزة، الرافعة؟والله العظيم! ما من أمة أقبلت في صدق على الله، وطبقت شرعه وقوانينه إلا أورثها الأرض وأعزها ونصرها، وها هو وعد الذين سمعوه في تلك الروضة: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، لما نزلت هذه الآية كان أحدهم ما يستطيع أن يخرج من بيته ليبول من الخوف، وما إن أقبلوا على الله في صدق، ومشوا وراء رسول الله يحبونه أكبر من حبهم لأنفسهم،فإذا أمر أطاعوه، وإذا نهى أطاعوه، في خمس وعشرين سنة فقط حتى امتد ظل راية التوحيد من المدينة العاصمة إلى ما وراء نهر السند شرقاً، وإلى ديار الأندلس غرباً في ربع قرن لا أقل ولا أكثر، هذا مصداق قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55]، وكلمة: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55] أي: طبقوا شرائعه في أنفسهم وأهليهم، وفي كل ظروفهم وأحوالهم؛ لأنها قوانين وضعت وضع السنن التي لا تتبدل، فالطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، سنن لا تتبدل، إذاً: تطبيق هذا التعاليم الإلهية والله لا يتخلف.وعرف العدو هذا فكاد للإسلام وأهله، فمزقوهم، شتتوهم، فرقوهم، المذهب الواحد أصبح مذاهب، وصراط الله الواحد أصبح طرقاً متعددة، والقرآن النور أبعد عن ساحة العمل، أخرج من كل مكان، ووضع على القبور والموتى، فحصل الذي حصل، فمن بعد القرن الثالث والأمة هابطة. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg مقترح بتشكيل لجنة عالمية لرفد الدعوة الإسلامية في العالم والآن: عدنا إلى ما أردت أن تسمعوه وتبلغوه، أقول: هل الإمام غير موجود؟ إنه موجود، ولكن الكبر والعصبية والجهل والمرض ما يسمح للمسلمين أن يتعاهدوا عند بيت الله في داخله فيقولوا: يا فلان! أنت إمام المسلمين! نقول: تعالوا إلى الروضة، وهذا الكلام كتبه شيوخكم من خمس وثلاثين سنة، ووزعناه على الملوك والرؤساء، والكتابة موجودة في رسائل معروفة.إذاً: كيف يقال: هيا نجاهد الآن؟ نجاهد بدون إمام؟ جهاد باطل، مصيره ومآله الخسران ظاهراً وباطناً، والحمد لله. ما هناك حاجة الآن إلى الجهاد بالسيف أبداً، لم؟ كيف نقول: هيا نخرج بسفننا الحربية، بالغواصات، بالبوارج لنرسو أمام دولة كافرة كفرنسا مثلاً؟ لماذا؟ لم نغزوها؟ فرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد، ويذكر فيها الله، ويؤذن فيها باسم الله، وأبوابها مفتوحة، فلم نغزو إذاً؟ لا معنى لذلك أبداً، هل نرسو بسفن حربية في موانئ بريطانيا، لم وفيها يذكر الله ويعبد، وفيها آلاف المساجد، لم إذاً نغزوها، باب الله مفتوح، ما هناك حاجة -والله- للغزو في هذه الظروف أبداً.إني أتكلم *والله- على علم، فأسبانيا فيها المساجد وبيوت الله مفتوحة والناس يعبدون الله فيها، إذاً: كيف نجاهد؟ والذي أريد أن تفهموه وتعوه وتبلغوه أن الفرصة ذهبية، ويخشى أننا نفقدها في يوم ما من الأيام، هذه الفرصة هي: أن يتكون لنا مجلس علمي، ويشارك فيه كل إقليم وكل دولة من دول العالم الإسلامي بعالم رباني، عالم بالله ومحابه ومساخطه، يخشى الله ويخافه ويرغب في حبه وطاعته، هذا المجلس الذي أسهم فيه كل إقليم بعالم، وقد بلغت دولنا نيفاً وأربعين دولة، المجلس يتكون من خمسة وأربعين عالماً، اجتمعوا في الروضة المحمدية، هذا المجلس فيه سرية أيضاً، ولسنا في حاجة إلى التبجح والإعلانات؛ حتى لا نثير الصليبية ضدنا، أو نخيف اليهودية والمجوسية فتكيد وتمكر كما فعلت من قبل، ثم ننتقي اللجان كل لجنة من ثلاثة أنفار، لجنة إلى أمريكا ودولها من كندا إلى البرازيل، ولجنة إلى أوروبا الغربية، وأخرى إلى الشرقية، ولجنة إلى الصين، وأخرى إلى اليابان، وخامسة إلى أفريقيا، هذا اللجنة تذهب تدرس وضع الجاليات الإسلامية، كم يوجد في هذا البلد من مسلم؟ مليون، أو ثلاثة ملايين، أو مائة ألف؟ يزورون الإقليم بكامله، ويتعرفون إلى المسلمين، ويعودون وقد عادت كل لجنة بخارطة رسمت فيها كم مسجداً، في كم مدينة، بل المدينة الفلانية فيها كذا مسجد، والأخرى فيها كذا، وعدد المسلمين كذا، ويعودون بعد ثلاثة أشهر فيقدمون تلك الخرائط فيعرف ذلك المجلس الأعلى الرباني، يعرف كيف يجاهد الجهاد العملي، وحينئذٍ اللجنة تكون لجنة أخرى تطوف بدول العالم الإسلامي، وتطالب كل مسلم ومسلمة أن يسهم بدولار أو ربعه. معاشر المؤمنين والمؤمنات! لا يحل لأحدنا اليوم ألا يسهم في هذا الجهاد، الإقليم الفلاني تعداد أنفاره عشرة ملايين نسمة، إذاً: كل سنة يقدمون لنا عشرة ملايين دولار، الإقليم الفلاني أفراده مليون يقدمون المليون، فيشارك كل مؤمن في هذا الجهاد السري العملي، وإذا بها ميزانية عظيمة، ونحن حددنا دولاراً أو ربع دولار، ولكن إذا لاحت أنوار هذا الجهاد وتجلت فسينفق الناس أموالهم ويخرجون منها، حينئذٍ تكونت الميزانية، فاللجنة تذهب إلى أسبانيا مثلاً وتأتي بالعلماء الربانيين، تنزل في كل مسجد أو ناد أو مركز للدعوة عالماً ربانياً، فتوزع المربين والدعاة الهداة الذين لا ينظرون إلا إلى الله، وتوزع الكتاب الذي يدرس ويلقن ويعلم على غرار كتاب (المسجد وبيت المسلم) أو (منهاج المسلم)؛ حتى لا تبقى فرقة، ننسى كلمة: أنا حنفي، أنا مالكي، أنا حنبلي، أنا إباضي، أنا كذا.. انتهت، عدنا إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأبنائهم وأحفادهم؛ لأن العدو لما مزقنا وذبحنا عرف مصدر قوتنا، إنها الكتلة الواحدة، المذهب الواحد، فمزقنا فأصبحنا شراذم هنا وهناك، ومن ثم ركبوا ظهورنا، وساسونا، وفعلوا فينا الأعاجيب، وأصبحنا مسخرين لهم لضعفنا وعجزنا.إذاً: وتبدأ الأنوار تلوح، فالصيني والياباني والأمريكاني والأوربي من المسلمين كشخص واحد، كلمة واحدة هي: المسلم، وينفقون تلك الأموال على تنمية تلك الروح وتزكيتها، والناس إذا عرفوا أنه ينفق عليهم في سبيل الله لإعلاء كلمة الله تتغير طباعهم وأخلاقهم، ويأخذون في مظهر الإسلام الحق: الصدق، الوفاء، التنزه، الشجاعة، الكرم، تنتهي مظاهر الخبث والشر والفساد، ليس هناك مسلم ما يصلي، ومسلم يشرب الخمر لا وجود له، ولا مسلم يهون ويذل، والله! لتصبحن تلك الأمم تعتنق الإسلام وتفرح به، وينتشر الإسلام بصورة عجيبة. فالمناسبة قائمة؛ لأن البيان والهداية آثارها في المواطنين، جارك بريطاني أو أمريكي يمتحنك العام والأعوام فتتجلى له في الطهر والصفاء والكمال والعفة والصدق فيحبك، وإذا أحبك سلك مسلكك وطلب النجاة من ورائك، في ربع قرن خمس وعشرين سنة من الجائز أن يظهر الإسلام ظهوراً كاملاً. وعندنا وعد تقدم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى لا يبقى بيت وبر ولا مدر إلا دخله الإسلام، بعز عزيز أو بذل ذليل )، ومن ثم نكون قد أدينا واجب الجهاد. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
طريق تحقيق الإسلام الحق في ديار المسلمين وقد نستحي إذا رأينا العالم يزدهر، نستحي نحن في بيوتنا أن تظلم وتصاب بالظلام، فنعود إلى الاستقامة على منهج الله، والطريق عندنا أيضاً أسهل من الأول، الطريق إلينا سهل.وقد قررنا هذه الحقيقة وأعدنا القول فيها، وهي أن أهل القرية كأهل الحي، يجتمعون في بيت ربهم من المغرب إلى العشاء، وذلك كل ليلة وطول العام، ولا يتخلف أحد أبداً إلا ذو عذر شرعي يمنعه من الحضور، وندرس كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سنة واحدة كيف تكون حالنا؟ لا خيانة، لا كذب، لا كبر، لا عجب، لا حسد، لا جريمة أبداً، ومن ثم يوضع صندوق من حديد في محراب مسجدنا، ويقال: معاشر المؤمنين والمؤمنات! من زاد على قوته درهم واحد فليضعه في هذا الصندوق، وبعد ستة أشهر يمتلئ، فننتقي لجنة من صالحي الحي أو القرية ونقول: ماذا ترون لتنمية هذا المال؟ قالوا: الساحة تقتضي مزرعة تنتج البر واللحوم والبيض والدجاج؛ فهيا باسم الله، فلا تمضي سنة إلا وقد نما ذلك المال وارتفعت نسبته، ويوزع ذلك الربح على أهله بقدر إيداعاتهم، صاحب الدرهم يأخذ قدره، وصاحب الألف يأخذ قدره.ثم الزكاة، يقال: معشر المؤمنين والمؤمنات! هذا أوان الزكاة. فتأتي الزكوات، ومن ثم يتوافر المال أولاً، فلم يبق بينا يا أهل القرية من يسأل ويطلب غير الله، لا يبقى بيننا من يبكي من شدة الجوع، أو من شدة ألم العري؛ لأننا نعيش مجتمعين، وجوهنا إلى بعضها، يعرف بعضها بعضاً، نعيش على الحب والولاء والطهر والسلام. هذا هو الطريق لإعادة ديار المسلمين إلى الإسلام، لا بالأحزاب، ولا بالجمعيات ولا بالتكفير ولا بالحروب، والله! ما تنتج هذه ذلك أبداً.إنما يقول الخطيب: يا معشر المستمعين من أهل لا إله إلا الله! من الليلة لا يتخلف مؤمن ولا مؤمنة عن هذا المسجد، فإن قيل: يا إمامنا! المسجد ضيق؟ قال: الليلة وسعوه، لا تطلع الشمس إلا وقد زدتم فيه مسافة أخرى، ولو بالخشب والحطب، لسنا بحاجة إلى الرفاهة، ونفرش من الحصر ويجلس المؤمنون والمؤمنات ويجتمعون في بيوت الله، وقلوبهم كلها مع الله والدار الآخرة، ويأخذ المربي ليلة آية وليلة حديثاً، وهم ينمون وترتفع معنوياتهم وهممهم وآمالهم، فتنتهي مظاهر الضعف فينا، الشح والبخل والشره والطمع والتكالب على الدنيا وزخارفها، والتنافس في المطاعم والمشارب والملابس كل هذا ينتهي؛ لأننا مقبلون على السماء نريد الملكوت الأعلى، فهل يكلف هذا المسلمين شيئاً؟اليهود والنصارى خصومنا أعداؤنا إذا دقت الساعة السادسة مساءً أوقفوا دولاب العمل، وحملوا أطفالهم ونساءهم إلى دور الرقص، السينما، اللهو، الباطل، ولا لوم؛ لأنهم ما عرفوا السماء ولا ما فيها، ولا رغبوا في الرقي إليها، عرفوا الأرض، أخلدوا إليها، وهم لا يعرفون إلا شهواتهم، فسيعملون بجهدهم لتحقيق شهواتهم في الطعام والشراب واللباس والسكن والنكاح، فلهذا إذا دقت الساعة السادسة أقبلوا على الباطل، ونحن الذين نزعم أننا نريد الملكوت الأعلى لنرتقي مسافة سبعة آلاف وخمسمائة عام بأرواحنا اليوم وبأبداننا غداً ما نستطيع أن نجلس في بيوت ربنا؛ لنزيل آلام الحزن والكروب والمخاوف والأحزان، لنطهر أنفسنا ونزكيها لتصبح أهلاً للملكوت الأعلى، كما قال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30]، هذا النداء للنفس الطاهرة الزكية، فهل تطهر النفوس وتزكو على الباطل؟ على الأغاني والرقص؟ على الكذب والباطل؟ كلا. بل على هذه العبادات المقننة تقنين الكيمياويات، لتعمل عملها في تهذيب الإنسان وتزكيته وتطهيره، فنعرض عنها أو نأتيها بصور لا تنتج الزكاة أبداً، ونحن نأمل أن ندخل الجنة! http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg دور الإنفاق في الدعوة العالمية وإصلاح أوضاع العالم الإسلامي معاشر المؤمنين! هنا تتجلى حقيقة الإنفاق في سبيل الله، مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، فهل عرفتم الجهاد الآن؟ خارج الديار الإسلامية بم يكون؟ بالبواخر؟ بالهيدروجين؟ لا، يكون بالدعوة، بنظامها، بربانيتها، بأهلها، لجنة عليا يتفرع عنها لجان يطوفون بالعالم شرقاً وغرباً يضعون خرائط للجاليات الإسلامية بالتفصيل، وميزانية سرية يسهم فيها كل مؤمن ومؤمنة، والله! لو تمت وصدقت لرأيتنا نخرج من أموالنا، لا إنفاق عشرة أو مليون، بل يخرج الرجل من ماله كاملاً؛ لما يتحقق به من الهداية الإلهية للبشر، فهذا هو الجهاد في الخارج. فلم ما يتكون هذا؟ ما المانع؟ من الذي يقوم بهذا؟ العلماء، والأذكياء، والفطناء، والربانيون يقدمونه إلى الحكام والحكام يوافقون ويأمرون. والجهاد في الداخل كما قلت لكم: جهاد النفس فقط، أهل القرية كأهل الحي في المدينة، في خطبة الجمعة يقول الإمام: معشر الأبناء والإخوان! من الليلة لا يفارق أحدنا هذا المسجد ليصلي المغرب والعشاء بامرأته وبناته وأولاده، ونتعلم ليلة آية وأخرى حديثاً من الكتاب والسنة، فتنتهي المذاهب ومقتضيات الفرقة والخلاف والنزاع نهائياً، كما انتهت في العالم الذي رفعناه إلى قمته بدعاتنا وكتبنا فاتحدت الكلمة والعقيدة والمنهج، فتتحد أيضاً بلاد المسلمين من باب أولى، بـ(قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم).ونصبح أحياء بعد الموت، وتتجلى حقائق الإسلام، تدخل القرية فما تستنكر فيها أحداً ولا صورة ولا صفة، تتعامل معنا في متاجرنا، في معاملنا فلن تسمع كلمة سوء، ولن تشاهد منظراً باطلاً، وإن وقع شيء من الشذوذ فلا قيمة له.نعود إلى الآية الكريمة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، هذه للإنفاق في أوروبا وأمريكا والصين واليابان. تفسير قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذىً ...) والآن مع الآية التي هي للإنفاق في داخل القرية والمجتمع والحي، قال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، لا بد من هذا القيد وإن كان من حديد، فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، ما معنى (سبيل الله)؟ أي: من أجل أن يعبد الله وحده، من أجل أن يتقرب الناس إليه ليعبدوه، فيكرمهم ويعزهم، ويهيئهم للملكوت الأعلى، فيسكنهم دار السلام، هذا سبيل الله. الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، اسمع القيد: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى [البقرة:262]، ينفق ماله أولاً لا يريد إلا وجه الله، لا أن يسمع فلان أو فلانة، ولا أن يقال: فلان يعطي وفلان يتصدق، ما يريد إلا وجه الله، ثم حين ينفق على المسكين، على المحتاج، على اليتيم، على الأعرج، على المريض، على الذي لا يستطيع أن يعيش لعلة قامت به أو ظروف لزمته، بعد ذلك لا يتبع ما أنفقه مناً، وما المراد من المن؟ المن: أن يذكر له العطاء الذي أعطاه، فهذا المؤمن، هذه الرباني، هذا الحي إذا كسوته بثوب، أو وضعت على رأسه عمامة، أو وضعت له في جيبه درهماً أو عشرة، هذا له عزته وله كرامته، هذا ولي الله، وإنما هو تحت الامتحان، هو ممتحن من سيده ليصبر أو يضجر، لا أقل ولا أكثر، وعما قريب ينجح وتزول المحنة، في هذه الحال إذا أعطيته لا تقل: تذكر كذا يوم كذا؟ هذا كأنما تقتله به، وما يرضى الله أن يهان وليه، أعطيته عطاء تريد به وجه الله لا وجهه هو، إذاً: فلا تمن عليه بما أعطيته، لا تذكره أبداً، ولا تقل للناس: أعطينا فلاناً وأعطينا فلانة، هذا المن حرام، الذي يمن هو الله ليُشكر، أما أنت فتمن لماذا؟ كل ما في الأمر أنك أعطيت من عطاء الله فقط وتريد وجه الله، هل تطلب أكثر مما تعطي، إن كنت تريد أن يرضى الله تعالى عنك ويحبك فلا من ولا أذى.والأذى ما هو؟ أن يعطيه ويسبه، يعطيه ويدفعه، يعطيه ويعيره، يقول: أنتم ما تستحون، فهذا الإنفاق باطل باطل باطل، ما يزكي النفس، كالذي يتوضأ ويبول، هل يبقى وضوؤه؟ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى [البقرة:262] لا يعقبون عليها بمن ولا أذى لمن أعطوه. جزاء المنفقين بغير منٍّ أو أذى وأخيراً: ما الجزاء؟ قال تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:262]، أجر نفقتهم عند ربهم مدخر، ممكن أن يعجل لهم منها في الدنيا، وكم من منفق يبارك الله في ماله وإنفاقه، هي عنده فيعجل منها ويدخر الباقي لدار السلام، هذه الحور، هذه القصور، هذه الأنهار، هذا العالم أكبر من الأرض عشر المرات تعطاه يا عبد الله في ذلك الملكوت مقابل هذه الصدقات، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:262]، هذا أولاً.وثانياً: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262]، لا يخافون عدواً، ولا يخافون فقراً، ولا مرضاً، ولا موتاً، ولا يحزنون لما يفقدون أبداً؛ لأن قلوبهم مطمئنة، نفوسهم زكية، لا خوف عليهم في الدنيا هذه ولا في الحياة الثانية البرزخ بين الحياتين ولا يوم القيامة.ولا تفهم يا بني أنه يتكلم مع اليهود والنصارى والفساق والفجار والمشركين، لا، بل يتكلم مع المؤمنين، إذا كانت العقيدة فاسدة فلا ينفع العمل، فانتبه! الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، والحقيقة أنه ما ينفق عبد في سبيل الله إلا وهو مؤمن على مستوى أعلى في إيمانه بالله ولقائه، لو كان ينفق في سبيل الوطن والبلاد والعصبية فهذا شيء ثان، لكن فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، لا يلتفت إلى غير الله، والله! إنه لمؤمن، ولن يكون إلا مؤمناً ومرتفعاً في نسبة الإيمان، هؤلاء ينفقون في سبيل الله أموالهم، والله! قد يكون أحدهم في حاجة إلى هذا الطعام ويقدمه لمن هو جائع، في حاجة إلى هذا المال ويقدمه لآخر؛ لأنه يريد وجه الله عز وجل، ولا من ولا أذى، ينفقون ما ينفقون ولا هم لهم إلا أن يرضى الله عنهم ويحبهم فقط، ولهذا ينفقون حتى على فقراء اليهود والنصارى؛ لأنهم يريدون الله لا غيره.قال تعالى: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262]. تفسير قوله تعالى: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ...) وأخيراً: الآية الثالثة: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، من الذي قرر هذه الحقيقة؟ الله عز وجل. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ [البقرة:263]، جاءك المحتاج فتقول له: يا بني إن كان صغيراً، أو: يا أخي إن كان مساوياً لك، أو: يا أبت إن كان أكبر منك، تقول له: الله عز وجل يرزقك، ما عندنا ما نعطيك، أنا آسف، اسأل الله. هذا هو القول المعروف، قول معروف ما فيه ما يستنكر، ما فيه ما ينكر، ما فيه عيب، ولا شتم، ولا تعيير ولا تقبيح.وإخوانكم اليوم تعرفونهم؛ لأن الأخلاق هبطت، وكيف تهبط والقرآن موجود والسنة موجودة؟ ذلك لأنهم هجروا الكتاب والسنة، ما يجتمعون عليهما طول الحياة، هل بين المسلمين من يجلس مجلساً كهذا أربعين سنة، فكيف يتعلمون؟ كيف تتهذب الأخلاق؟ كيف تزكو النفوس؟ حالنا كالذي يقول: شخص لا يأكل ولا يشرب ويقوى ويسمن! فهل ممكن هذا؟ لا يأكل ولا يشرب ويحيا؟ لا يدرس كتاب الله وسنة رسوله في بيت الرب وهو جالس بين يديه ويصبح ذا أخلاق فاضلة، والله! ما يكون أبداً؛ حتى لو ورثها من أبويه، لكن ما تزكو النفس كما هي في بيت الرب.إذاً: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] لمن زلت قدمه أو أساء في الكلام؛ لأن بعض السائلين أيضاً يسبون: يا بخيل! فاغفل أنت وتجاوز، وقل: عفا الله عنك، هذا العفو وهذه المغفرة خير من صدقة ولو كانت مليون ريال، قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] والله! أفضل عند الله من صدقة بالملايين يتبعها ويجري وراءها أذى لمن تصدقت عليه، بإهانته أو سبه أو شتمه أو تعييره واحتقاره.سبحان الله! هذا كلام من؟ كلام ربنا، هل عرفه المؤمنون والمؤمنات؟ ما عرفوه، من قرون والقرآن العظيم لا يقرأ إلا على الموتى، لو تغمض عينيك ويحيا عدد من علماء القرن الحادي عشر والعاشر والتاسع ويجدونني أتكلم فسيغلقون آذانهم ويهربون، سيقولون: كيف يتكلم بكلام الله هذا الصعلوك؟! من أين له؟ لأنهم وضعوا قاعدة، قالوا: تفسير القرآن العظيم صوابه خطأ، إذا فسرت وأصبت فأنت مخطئ، وخطؤه كفر، وراجعوا حاشية الحطاب على خليل فستجدون هذه الفقرة موجودة.فكيف تتهذب أخلاقنا وما جلسنا بين يدي المربين والمهذبين؟ مستحيل، أما قال إبراهيم وإسماعيل: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، الآن المدارس فيها تعليم الكتاب بعض الشيء، ولكن ما هناك من يزكي النفوس ويطهرها بالتربية والتهذيب والإصلاح، فهل سمعتم هذا الكلام؟ اللهم اشهد علينا.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (31) الحلقة (38) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (127) بعد أن رغب الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين في الصدقات ونبه إلى ما يبطل أجرها من المنّ والأذى، نادى عباده هنا مبيناً لهم أن المنان بما أعطى يبطل الله عز وجل صدقته كما يبطل صدقة المرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر، وضرب سبحانه وتعالى لذلك مثلاً بالحجر الأملس الأصم الذي عليه تراب، فأصابه مطر شديد فأزال عنه التراب وتركه أملس ليس عليه شيء، وذلك كمثل الصدقة الباطلة التي لا ينتفع بها صاحبها يوم القيامة. قراءة في تفسير قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ...) من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا المأمول.وها نحن مع هذه الآية المباركة الكريمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264].سبقت هذه الآية أيضاً في هذا المعنى هذه الآيات الثلاث، ولنستمع إليها ولنستذكر ما قد كنا قد علمناه، قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:261-263]، سبحانه لا إله إلا هو. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:أولاً: فضل النفقة في الجهاد وأنها أفضل النفقات ]، أفضل النفقة -أي: الإنفاق- في الجهاد، وهذه النفقة أفضل النفقات، بدليل أن الحسنة بسبعمائة، بل وقد يضاعف الله بأكثر، فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].وهل تذكرون معنى سبيل الله؟ إنه الجهاد. ومتى يكون الجهاد في سبيل الله؟ إذا كان من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض بأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه سواه، فترسو سفننا في ميناء دولة كافرة ونراسلهم، نجري سفارة بيننا وبينهم: جئناكم من أجل هدايتكم وإنقاذكم من عذاب الخلد يوم القيامة، جئناكم من ربنا وربكم، فإن قبلوا الإسلام دخلنا وعلمنا وبينا وأرشدنا وقضينا بالعدل وحكمنا، وما هي إلا أربعون يوماً وإذا بهم ربانيين، فإن قالوا: لا، فديننا قبل دينكم، لا نقبل ديناً غير دين آبائنا وأجدادنا، فإنا نقول لهم: ادخلوا في حمايتنا، ادخلوا في ذمتنا ونسوسكم بالعدل والرحمة والخير، وتطهر بلادكم وتصفو من الظلم والشر والفساد، ونتولى حمايتكم حماية كاملة، إذا اعتدى عليكم معتد فنحن الذين نقاتله وأنتم آمنون، فإن قالوا: في هذا خير؛ دخلنا وعلمنا وربينا وهذبنا، وما هي إلا سنيات وإذا الإقليم كله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، حين يشاهدون بأعينهم مظاهر العدل والرحمة والطهر والصفاء والمودة والإخاء، فينجذبون انجذاباً كلياً.ومن قال: كيف؟ فقل له: ما دخل في الإسلام إنسان بالعصا أبداً، ما دخل إنسان في الإسلام إلا باختياره وطيب نفسه، إذ لا إكراه في الدين، ما بلغنا أن أحداً ضربوه حتى يسلم، والله! ما كان. فإن رفضوا فالحرب حتى ننقذ غير العسكريين من الأميين المساكين الذين يعيشون في ظلمة الكفر والفسق والفجور والشر والفساد ومصيرهم الخلود في عذاب النار، ننقذهم استجابة لأمر ربنا، هذا هو الجهاد في سبيل الله. فهل إخواننا الأندونيسيون لما حاربوا هولندا حاربوها من أجل أن يعبد الله وحده؟ من أجل أن يقوم دين الله وشرعه؟ من أجل أن يستقيم المؤمنون على منهج الله؟ الجواب: لا، فما هو في سبيل الله إذاً، لو كان في سبيل الله لأنبت الطهر والصفا والعزة والكمال والأمن والرخاء والسيادة، فهل حصل من هذا شيء؟ لا شيء، وعليه فقس كل بلاد العالم الإسلامي التي استعمرت بسبب الفسق والفجور والشرك والباطل والشر والفساد والإعراض عن ذكر الله، استعمرت من قبل الغرب ثم أخذت تستقل، أروني إقليماً قام أهله بإعلاء كلمة الله لأن يعبد الله وحده، وإياك أن تقول: هناك إقليم، فهاته. لو جوهد في سبيل الله فإنه ما إن تخرج الدولة الكافرة إلا وأنوار الإسلام تلوح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة وجباية الزكاة وإقامة الحدود، والأمة متوالية متآخية متحابة، ولكن ما كان القتال في سبيل الله لا في العرب ولا في العجم، وإن شئت حلفت لكم بالله. نعم الأفراد هنا وهناك قالوا لهم: جهاد في سبيل الله بدون فهم ولا وعي، فبذلوا أموالهم ودماءهم، هذا موجود، لكن حامل الراية والمجاهدون لإنقاذ البلاد هل كانوا يعملون لإقامة دين الله؟ خرجت بريطانيا فهل أعلنوا عن كلمة لا إله إلا الله؟ بل قالوا: في سبيل الوطن، والإسلام ما يعترف بالوطن أبداً، بلاد العالم كلها أرض الله يعبد فيها الله عز وجل. واسمحوا لي إذا أسأت إليكم في بيان هذه الحقيقة والواقع شاهد: استقل لنا نيف وأربعون دولة، ما فرضت الصلاة فقط في دولة منها ولا ألزم بها عسكري ولا مدني، ولا تكونت هيئة في قرية فقيل: يا رجال القرية! هؤلاء الثلاثة يأمرونكم بالمعروف وينهونكم عن المنكر! فوا حسرتاه! وا أسفاه! فالأمة الإسلامية تحت النظارة إن لم تتراجع، والفرصة متاحة وهي قادرة على أن ترجع في أربع وعشرين ساعة إلى الله وتتضامن وتعلن عن الخلافة الإسلامية، وإلا فسوف تنزل بها رزايا وبلايا ما عرفتها فيما مضى،فالله بالمرصاد، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].قال: [ ثانياً: فضل الصدقات وعواقبها الحميدة ]، الصدقات التي تنفق لوجه الله.[ ثالثاً: حرمة المن بالصدقة ] ما المن؟ يقال: من يمن: إذا أعطى؛ إذ المن هو العطاء، والله المنان المعطي الخير، فهذا يعطي العطاء ثم يأخذ يلدغ من أعطاه: انظر إلى الذي أعطيناك، كيف أنت؟ هل وجدته طيباً؟ نحن أكرمناك، نحن عملنا معك كذا حتى يذوب عواطفه؟ فهذا حرام في الإسلام، ومعنا دليل وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق ولا منان )، ثلاثة لا يدخلون الجنة وإن صاموا وصلوا وعملوا ما عملوا، لا بد أن يكونوا متأخرين، أو بعد أن يقتحموا النار ويعيشوا فيها أحقاباً ثم يخرجون إذا كانوا من أهل الإيمان الحق.أولهم العاق: الذي قطع صلة الأبوة والأمومة مع أمه وأبيه، ثم مدمن الخمر الذي لا يصحو، دائماً البرميل في البيت يشرب منه والعياذ بالله. [ رابعاً: الرد الجميل على الفقير إذا لم يوجد ما يعطاه، وكذا العفو عن سوء القول منه ومن غيره خير من الصدقة يتبعها أذى ]، كونك تقول للفقير: سامحنا، ما عندنا شيء، الله يرزقنا وإياكم، معذرة، هذه خير من ألف ريال تقول معها: أعطيناك، أنت كذا، أنت كذا. فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] عن زلة أو عن إساءة خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg إرادة الله تعالى الطهر للمؤمنين وبيان طريق تحصيل ذلك سبحان الله! يريد الله تعالى من المؤمنين أن يساووا الملائكة في الطهر والصفاء، ويتحقق هذا إذا نحن أقبلنا على كتاب الله ندرس ونعلم ونعمل ونطبق، ما هي إلا أيام والقرية كلها نور، لا تسمع سباً ولا شتماً ولا تعييراً ولا تقبيحاً ولا يقول فلان: أوذيت ولا ضربت أبداً، كالملائكة. فإن قلت: هذه أوهام، فما الدليل؟ قلت: اذهبوا إلى أية قرية في العرب والعجم واسألوهم: من أتقاهم لله؟ من أصفاهم؟ سيقولون: فلان العالم، أعلمهم أتقاهم وأصفاهم، وأفسقهم وأفجرهم أجهلهم بالله وأضلهم، وهل تحتاجون إلى يمين؟ يقول تعالى من سورة فاطر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] هل العلماء بالفيزياء؟ أو بالقانون؟ علماء بم؟ علماء بالله ومحابه ومكارهه، عرفوا الله وعرفوا ما يحب وما يكره، وعرفوا ما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه، فحملهم ذلك على حبه وخشيته، فلهذا لم يقدروا على الفسق عن أمره والخروج عن طاعته، والذين ما عرفوا الله كيف يحبونه؟ ما عرفوا جماله ولا كماله ولا عظمته ولا قدرته ولا إعطاءه وإفضاله فكيف يحبونه؟ ما هو بمعقول، والذين ما عرفوا ما يحب ولا ما يكره كيف يتقربون إليه بتقديم المحبوب وتأخير المكروه؟إذاً: الذي يريد من المؤمنين أن يكملوا ويطهروا بدون العلم كالذي يريد أن يقول للجمل: يا جمل! احلب لنا اللبن، والجمل ما فيه لبن، فلهذا يجب أن نتعلم. قد يقال: يا شيخ! نحن مشغولون بمتاجرنا، بمزارعنا، بالصناعة، كيف نتعلم؟ فات الوقت. نقول: لا، فقط حين تميل الشمس إلى الغروب في الساعة السادسة ويذهب الكفار إلى المقاهي والملاهي والمراقص احملوا أزواجكم وأولادكم إلى بيوت ربكم وتجمعوا فيها، صلوا المغرب واجلسوا كجلستنا هذه وتلقوا الكتاب والحكمة يوماً فيوماً طول العمر، فهل يبقى جاهل؟ والله! ما يبقى، وإذا انتفى الجهل انتفى الفسق، الفجور، الظلم، الشر، الفساد، الهون، الدون، الذل، هذه كلها تنتفي. ولكن لسان الحال: ما نستطيع يا شيخ، كيف نجتمع في المسجد ونقرأ كل ليلة؟ لأن القضاء والقدر نافذان، فابقوا على ما أنتم عليه من الضعف والهون والدون والفساد والشر.صدرت فتيا من أحد العلماء البررة الصالحين فقالوا: هذه فتيا عالم الملوك والسلاطين، عالم كذا! هبوط في الأخلاق ولا إله إلا الله، يقولون: هذا ذَنَب، هذا من علماء السلطان، وهذه كلمات يحفظونها ويرددونها بلا علم، بلا بصيرة، بلا تقوى، بلا خوف من الله. فلا تلمنا يا شيخ، ما ربينا في حجور الصالحين، إي والله، لا لوم ولا عتاب، ما ربينا في حجور الصالحين، ربينا في الأسواق والشوارع والأندية والباطل والسوء أمام التلفاز والفيديو والرقص، فماذا ترجو منا؟ عفواً ومعذرة، نستغفر الله لنا ولكم.فعدنا من حيث بدأنا، هل عرفتم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقرءون ولا يكتبون، وكانوا فلاحين ومجاهدين، ولكن يجلسون عند فراغهم في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فتخرجوا ولم تكتحل عين الوجود بمثلهم في العالم البشري من أتباع الأنبياء والمرسلين، والتاريخ شاهد، وإن لطخ وشوه تاريخهم عملاء الاستعمار الذي هو الثالث الأسود: اليهود والنصارى والمجوس، لطخوا تاريخ الصحابة وشوهوه حتى إن الجاهل المسكين ليفزع، والله! ما عرفت الدنيا أطهر ولا أصفى ولا أعدل ولا أرحم ولا أعلم من تلك الأمة التي تربت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فقط. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ...) شرف المؤمنين بنداء الله تعالى لهم إذاً: اسمع هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:264] لبيك اللهم لبيك، الله أكبر! هل نادانا ربنا؟ إي والله، فالحمد لله؛ ما نحن ومن نحن حتى ينادينا رب العزة والجلال والكمال؟ الرب الذي يحيي ويميت، الذي علق الشمس بالسماء، هذا الرب العظيم خالق كل شيء ينادينا؟ الله أكبر! أي فضل أعظم من هذا؟ فالحمد لله، نادانا بعنوان الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:264].وعند السامعين والسامعات سر هذا، نادانا بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمنين أحياء يسمعون النداء، ويبصرون الآيات، ويقدرون على التكليف لكمال حياتهم، أما الكافرون فأموات، وهل تنادي ميتاً؟ هل تكلف ميتاً أن يقول أو يفعل؟ كلا أبداً، فلهذا نادانا تعالى في كتابه، وقد نادانا تسعين مرة، ما نادانا إلا ليأمرنا بما فيه سعادتنا وكمالنا، ولا نادانا إلا لينهانا عما فيه شقاؤنا وخسراننا في الحياتين، وما نادانا إلا ليبشرنا بما يزيد في انطلاقنا في ميادين البر والخير والإحسان، ما ينادينا إلا ليحذرنا من عواقب السوء ونتائج الباطل والشر والفساد لنحذر، وما ينادينا إلا ليعلمنا العلوم والمعارف التي تسمو عليها أنفسنا ونتسابق في الصالحات حتى نصبح أمة الطهر والصفاء، هكذا تتبعنا نداءات الرحمن لعباده المؤمنين فما خرجت عن هذه الميادين الأربعة أو الخمسة. ونداءات الرحمن جمعت في كتاب واحد، تسعون نداءً ضعها عند رأسك قبل أن تنام واسمع ربك يناديك. فماذا يقول ربي هنا؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] فمن ثَمَّ لا تمن ولا تؤذ فقيراً حتى لا تبطل صدقاتك، واستمر طول حياتك.نداءات الرحمن تسعون نداءً في العقيدة، في الآداب، في الأخلاق، في العبادات، في السياسة، في الحرب، في السلم، في الاقتصاد، لو أن مؤمناً يعرف ويقرأ ويفهم ويقبل في صدق على تلك النداءات فيحفظها قولاً وعملاً واعتقاداً فوالله! ليصبحن من أعلم أهل الأرض، ولكن:لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تناديقلنا: ترجموها إلى اللغات الحية، يا جماعة المسلمين! وزعوها في الفنادق العالمية، لنقول لكل مخلوق: خالقك وربك سواء كنت إيطالياً أو أسبانياً هو الذي يناديك، ولكن ما استطعنا، ما زالت أمتنا هابطة، فدعنا من البكاء يا هذا. بطلان أثر الصدقة المتبعة بالمن والأذى فالله عز وجل ينادينا فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] من تصدق بريال أو بدينار أو بمليار إذا هو منَّ على من تصدق به عليه أو آذاه بكلمة بطل مفعول صدقته، والله! لا تقبل. وعندنا سر من أسرار الشريعة، وهو أن بطلانها معناه: لا تولد الطاقة النورانية للقلب والنفس البشرية؛ لأن هذه العبادات مولدات للنور القلبي، فإذا فسد مفعولها أو بطلت لا تولد الحسنات، ويبقى القلب في ظلمة والنفس في عفن. قلنا لكم: قم صل المغرب أمام فقيه أربع ركعات، سيقول: صلاتك باطلة لأنك زدت ركعة، فما تولد لك الحسنات، عملك باطل ما تأخذ عليه شيئاً. فإن صلى المغرب ركعتين قال: يا ولدي! صلاتك باطلة، زد ركعة، فإن قال: يكفي وصلاها ركعتين فهي باطلة، ما تولد الحسنات، أو تصدق بألف ريال وقال: خذا يا هذا، نحن دائماً نعطيك ونفعل؛ فبطلت، فما تولد النور المطلوب؛ لأن النفس البشرية تزكو وتطيب وتطهر على هذه العبادات التي شرعت لأجل ذلك: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فإذا هذه العبادات داخلها ما يطفئ نورها ولم تولد نوراً فهي باطلة. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] فما يحدث في نفسك شيء من النور أبداً، بل الظلمة هي هي. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg معنى قوله تعالى: (كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر) ثم قال تعالى: كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264] الكاف بمعنى: مثل، كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264] ما معنى رئاء الناس؟ راءاهم يرائيهم رئاءً: أراهم عمله، ينفق ماله مراءاة للناس ليعلم الناس أن فلاناً يتصدق أو ينفق أو يبني مساجد أو ينشئ أربطة أو يشتري كذا للفقراء والمساكين، همه أن يعلم أهل البلاد أو أهل الإقليم ليمدحوه ويثنوا عليه، وليقللوا من ذمه أو احتقاره أو اتهامه بالبخل أو بالشح مثلاً، ليقولوا: هذا أنفق ألفاً وألفين وعشرة، والدافع له الباعث له على الإنفاق هو أن يحمده أهل البلاد: فلان سخي، فلان كريم، فلان يفعل كذا، أو خشية أن يذموه وقد أغناه الله وجيبه مملوء بالدراهم والدنانير فيقال: شحيح، بخيل، ما فيه خير، فيدفع هذه المذمة فيوزع ويعطي المال، لا يريد تزكية نفسه وتطهيرها، لا يريد إرضاء ربه ليرضى عنه، هذا أعمى عنه لا يلتفت إليه، كل ما في الأمر أنه يريد أن يبرز في المجتمع ويظهر.ونظير هذا أرباب المال والتجارات والمصانع يتصدقون للتشهير والإعلان عن تجاراتهم وأعمالهم، ما يريدون وجه الله، بل حتى تروج البضاعة ويقبل الناس على هذه السلعة يشترونها، فهذه مراءاة. كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:264]، تستطيع أن تحلف بالله على أن الذي ينفق ماله رئاء الناس لمدحهم والثناء عليه أو لعدم تعييرهم وذمهم له ما آمن بالله واليوم الآخر، لو حقق الإيمان بربه ولقائه والوقوف بين يديه فوالله! ما يرضى أن يعمل حسنة يفوته أجورها، فتستطيع أن تقول: إذا رأيت الرجل طول حياته لا ينفق إلا من أجل أن يراه الناس فاعلم أنه ما آمن حق الإيمان بالله ولا باليوم الآخر. معنى قوله تعالى: (فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً ...) كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ [البقرة:264] كماذا؟ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ [البقرة:264] الصفوان: الحجر الأملس الصلب، الحجارة الملساء، ومنه جبل الصفا بمكة، هذا الصفوان عليه تراب ناعم، رمال أو أتربة، الغافل يجيء يزرع ويبذر فيه وإذا بمطر ينزل فيسحبه كاملاً ويبقى صلصالاً مجرداً كصلعة الأصلع ما عليه شيء، فهذا تعبير عجب. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ [البقرة:264] من الحجارة عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ [البقرة:264] وهو المطر إذا اشتد وغزر، الوابل: الغزير الكثير، أصابه وابل أي: من المطر، فتركه صلداً لا شيء عليه، ما بذره وزرعه كله زال، والله! لكما أخبر تعالى، لو أنفق مليون ريال في رمضان وهو لا يريد إلا الشهرة والسمعة ليحمد ويشكر أو لئلا يذم فأجره لا شيء، ما زالت نفسه مظلمة خبيثة كما هي، ما طهرها هذا الإنفاق أبداً؛ لأنه إنفاق باطل أريد به غير وجه الله. وهذا كلام الله أو كلام الناس؟ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264] الذي كسبوه وأنفقوه لا يحصلون منه على شيء، ويبعثون يوم القيامة ولا حسنة واحدة، ما أنفقوا لوجه الله، وهناك مثل آخر في سورة إبراهيم: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [إبراهيم:18] مثل ما ينفقه الكافرون من أموال، في المستشفيات، توزيع الأدوية، توزيع الصدقات، كسوة الفقراء والمساكين، فرجال المسيحية أما يفعلون هذا؟ جمعيات التنصير أما تنفق الأدوية وتأتي بالأطباء والأكسية والأغذية، هل يريدون وجه الله؟ يريدون نشر الباطل، أعمالهم هذه كرماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء، وهكذا كل ما أنفق لغير الله هو باطل الثواب ولا ينتج لصاحبه طهارة نفسه وزكاة روحه أبداً، ولا يتخلف هذا القانون أبداً. معنى قوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الكافرين) قال تعالى: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] لا يهديهم إلى ما يكملهم ويسعدهم، ما يهديهم إلى ما يطهرهم ويزكيهم، لماذا؟ أعرضوا عنه، عموا، أبوا أن ينظروا إلى الله، أبوا أن يؤمنوا به، أن يؤمنوا بشرعه، حاربوه، عاندوه، فهل سيهديهم؟ لا يهديهم، والله لا يهديهم حتى يطلبوا هدايته ويقرعوا بابه ويطرحوا بين يديه، حينئذ لا يخيب من قرع بابه وسأله، أما مستكبر معرض عن الله فوالله! لا يهديه الله أبداً، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [آل عمران:86]، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المائدة:108]، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] لم؟ لأنهم ما أرادوا، ما طلبوا، لو أراد أن يهديهم بدون سعي لخلقهم كالملائكة مهديين أطهاراً أصفياء، لكن خلقهم للامتحان، إن أجابوا دعوته وأقبلوا عليه قبلهم، وإن أعرضوا أعرض عنهم؛ لأن لهم مصيراً خاصاً، ما خلقت النار إلا لمثلهم، والمقبلون ما خلقت الجنة إلا لمثلهم، والدار دار امتحان، لو شاء الله أن يخلقنا كلنا من أهل النار لفعل، أو من أهل الجنة كالملائكة لفعل، ولكن أراد أن يبتلي: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ [الملك:1-2] لم؟ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] فإذا سمعت أن الله لا يهدي القوم الفاسقين والمجرمين والكافرين فمعناه: إذا ما طلبوا الهداية، عرضت عليهم ورفضوها، دعوا إليها فأنكروها، كذبوا بمصدرها؛ هؤلاء والله! لا يهديهم الله حسب سنته إلا إذا جاءوا مذعنين ودخلوا في رحمته واستغفروه وطلبوا هدايته. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية: بعد أن رغب تعالى في الصدقات ونبه إلى ما يبطل أجرها وهو المن والأذى؛ نادى عباده المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:264] ] ناداهم [ ناهياً عن إفساد صدقاتهم وإبطال ثوابها، فقال: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] مشبهاً حال إبطال الصدقات بحال صدقات المرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر في بطلانها، فقال: كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:264]، وضرب مثلاً لبطلان صدقات من يتبع صدقاته مناً أو أذى أو يرائي بها الناس أو هو كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر فقال: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ [البقرة:264] أي: حجر أملس عليه تراب، فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا [البقرة:264] أي: نزل عليه مطر شديد فأزال التراب عنه فتركه أملس عارياً ليس عليه شيء، فكذلك تذهب الصدقات الباطلة ولم يبق منها لصاحبها شيء ينتفع به يوم القيامة، فقال تعالى: لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264] أي: مما تصدقوا به، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] أي: إلى ما يسعدهم ويكملهم من أجل كفرانهم به تعالى ]. هداية الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية: من هداية الآية:أولاً: حرمة المن والأذى في الصدقات وفسادها بها ]، الصدقة بالمن حرام، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يتصدق بقرش واحد لغير وجه الله، فهي صدقة باطلة، ولا يحل لمؤمن أن يعطي أخاه ما يعطي ثم يمن عليه.[ ثانياً: بطلان صدقة المان والمؤذي والمرائي بهما ]، باطلة هذه الصدقة، وإذا تاب فليعد صدقة أخرى، فهذه لا تقبل، صدقة المان والمؤذي والمرائي، وقد عرفنا أن ثلاثة لا يدخلون الجنة، وهم: المنان كثير المن، والعاق، قاطع الصلة لوالديه، يسب ويشتم ويعير ويفعل الأعاجيب. وقفة مع شكوى ممن حرمهن آباؤهن من الزواج وقد وردتنا شكوى: مؤمنات معلمات الكتاب والسنة حرمهن والدهن من الزواج، فيا معشر المستمعين! يا معشر المؤمنين! إذا بلغت ابنتك سن الزواج فزوجها، ابحث لها عن زوج ولو أن تعطيه المال ليمهرها من مالك، لا تعقها عن حياتها، ما خلقت إلا لتنجب البنين والبنات ليعبدوا الله، وإذا لم يكن بنون وبنات فمن يعبد الله؟ كيف يعبد؟ وحذرت وقلت لكم: لا تعلموا بناتكم علماً يؤهلهن للوظائف؛ فإنها الذابحة، فإنها الطاحنة الحالقة، البنت لا تتوظف في أكثر من دائرة منزلها، البنت ما هي في حاجة إلى وظيفة لتحصل على ريال أو عشرة، لها من يكفلها، والدها يعرق الليل والنهار من أجلها، فإن تزوجت فزوجها هو الذي ينفق عليها، وإن ولدت فأولادها ينفقون عليها، لا تذبحوا بناتكم، ولكن تصاممتم وأبيتم، ومنكم من يسخر من هذا الشيخ.قلنا: إذا درست البنت وبلغت العاشرة من السنين قلنا: الزمي البيت، اشتغلي مع أمكِ، ربِي أخواتكِ وإخوانكِ، أحسن من أن تأتي بخادمة كافرة تفسد عليك بيتك، واتركها تعبد الله، وإذا بلغت الخامسة عشرة وجاء خاطب يخطب فزوجها. وهذا الوالد حرم بناته من الزواج لأنهن موظفات يأخذن كل شهر مبلغاً مالياً، وأخرى متزوجة تتكبر عن زوجها وتتمرد عليه لأنها تنفق عليه وتجلب المال، فلا إله إلا الله! إلى أين يذهب بنا؟ إلى أين نساق؟ اعلموا يرحمكم الله أنكم في خير ما دامت الوظيفة لا تخرج عن دائرة التعليم، فكيف بالموظفة تعمل مع الرجال؟ هل بقي شرف أو إيمان أو إسلام؟ آهٍ! ماذا فعل بنا الجهل؟ ماذا صنعت بنا أصابع الماسونية وجمعيات التنصير؟ إلى أين يذهب بنا؟ هيا نتوب إلى الله، ولكن لسان الحال: ما نستطيع يا شيخ، نحن مسحورون، سحرونا فما نستطيع، وما دمنا ما نستطيع أن نجتمع في قريتنا ونبكي بين يدي ربنا وننشئ صندوقاً في محرابنا نجمع فيه زكواتنا وصدقاتنا وننميه في القرية لنسد حاجات المؤمنين والمؤمنات، ما دمنا لا نستطيع أن نتعلم الكتاب والحكمة في ساعة من الأربع وعشرين ساعة بين المغرب والعشاء حتى تتجلى مظاهر الإيمان والطهر والصفاء؛ كل هذا نعجز عنه؛ فكيف نسمو؟ كيف نكمل؟ كيف نرتفع؟ كيف نعود لقيادة البشرية؟ آمنا بالله، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، احتس السم وإذا لم تمت فاذبحني، امش إلى المقهى والعب وإذا لم تسب فتعال اضربني، وهكذا سنن لا تتبدل، إما أن نصدق ربنا في إيماننا به، وإما في متاهات حتى نحترق.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (32) الحلقة (39) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (128) بعد أن ضرب الله مثلاً لمن ينفقون أموالهم ثم يبطلون ذلك إما بالمن والأذى وإما بالرياء والسمعة، ذكر هنا سبحانه من ينفق في سبيل الله ابتغاء مرضاته، والفوز بأجره ومثوبته، وضرب لذلك مثلاً كجنة قائمة على ربوة خصبة التربة فأصابها مطر شديد فآتت ضعف جنيها وثمراتها، وحتى لو لم يصبها وابل وإنما أصابها الهواء البارد المحمل ببخار الماء فإنها تقبله وتنبت زرعها وتؤتي ثمرها في كل الأحوال. تفسير قوله تعالى: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عادتنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع قول ربنا عز وجل في آيتين من سورة البقرة: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:265-266].الحمد لله؛ هكذا يبين الله لنا الطريق، ولا يضل عنه إلا من أعمت الدنيا والشيطان بصره وبصيرته، ما ترك الله عز وجل شيئاً تتوقف عليه سعادة البشرية وكمالها إلا بينه في هذا الكتاب، ولكن تركوا الأخذ به، بل وتركوا حتى قراءته والتدبر فيه.والنداء الذي سبق هاتين الآيتين أذكركم به: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] فلا يحل لمؤمن أن يتصدق بصدقة يريد بها وجه الله عز وجل ثم بمن بها على من تصدق بها عليه، أو يؤذيه بالكلم السيئ والنظرة الشزر مما يهين هذا الفقير أو يضعف من كرامته.ومثل هذا مثل الذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فهل يثاب على شيء؟ الجواب: لا، إذ حقيقته: كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا [البقرة:264]، أنفق ما شئت من الملايين والمليارات فلن تحدث في نفسك زكاة ولا طهراً ولا يتقبلها رب العالمين إلا إذا أخلصتها لله وحده، فإن التفت إلى غيره وراءيت بها غير الله رفضها الله ولم يقبلها، ولم تولد لك النور والحسنات في نفسك.إذاً: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] يا ويل الكافرين بالله ولقائه، ويا ويل الكافرين بنعمه وآلائه؛ إنهم لا يهتدون إلى سبل سعادتهم وطرق نجاتهم. ابتغاء رضا الله وتقوية الإيمان مقصد المؤمنين في الإنفاق وهنا مثل آخر: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:265] همه فيما ينفق أن يرضى الله عنه، وهذا شأن العالمين العارفين، لا هم لأولئك إلا أن يرضى الله عنهم، فينفقون أموالهم طلباً لمرضاة الله، فإن العبد إذا كان يشعر أن سيده غاضب عليه فوالله! لا يسعد ولن يلتذ بطعام ولا شراب ولا غيره، ونحن ما ندري أهو راض عنا أم ساخط، إذاً: فلنطلب رضاه متملقين متزلفين إليه، والله! لا نشعر بالسعادة حتى نعلم أنه عنا راض، فهؤلاء ينفقون أموالهم بحسب ما عندهم، القليل من صاحب القليل والكثير من صاحب الكثير، ينفقون ابتغاء -أي: طلب- مرضاة الله عز وجل، يطلبون رضا الله ويطلبون المثوبة والأجر بتلك الصدقة لتكفر سيئاتهم وترفع درجاتهم. وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265] تقوية لإيمانهم، وتقوية لرجائهم في الله وطمعهم فيما عنده أن يقبل صدقاتهم ويثيبهم عليها، ما هم بغافلين ولا تائهين يفعلون ولا يدرون ما يفعلون، ما يضع صدقته في اليد التي تستحقها حتى يكون طالباً رضا الله بها وراغباً أن يظفر بالحسنة التي تكفر ذنبه وتزيل ظلمة نفسه. وهل لهؤلاء مثل كما للأولين مثل؟ فالذين أنفقوا رئاء الناس كالذي جاء إلى أرض صلبة ما فيها شيء ولكن عليها تراب فزرعه فجاء مطر وابل فمسحها كلها وتركها صلداً مجردة، فالذي ينفق ولا يريد وجه الله هكذا، ولو أنفق الملايين لا يستفيد ولا يثاب منها على درهم، وهذا مثال من أنفق ابتغاء مرضاة الله أولاً وتثبيتاً من نفسه، طلباً لرضا الله وحبه والمثوبة والأجر والحسن. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg مثل المنفق الطالب لرضا الله تعالى قال تعالى: كَمَثَلِ جَنَّةٍ [البقرة:265] أي: بستان، ولم سمي البستان جنة؟ لأن أشجارها تجن وتغطي من يدخل تحتها، كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ [البقرة:265] والربوة والرُّبوة: المكان العالي المرتفع كالجبال. أَصَابَهَا وَابِلٌ [البقرة:265] المطر الغزير، كما تقدم في المثل الأول.إذاً: لم اختير هذا المكان؟ لأن الأرض المرتفعة إذا لم يكن مطر فالمطر القليل يكفيها، بل الهواء البارد الطلق كذلك يساعد على إنمائها وعلى زرعها، بخلاف التي في المنخفضات من الأرض. كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ [البقرة:265] أعطت أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ [البقرة:265]، كانت مثلاً تنتج صاعاً فأنتجت صاعين، أو ألف قنطار فأنتجت ألفي قنطار مضاعفة. فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] والمطر القليل يقال فيه: طل أو رشاش أو رذاذ، إذا ما هناك مطر غزير فالمطر الخفيف مع ارتفاعها يساعدها ذلك على الإنبات؛ لأنها ليست كالمنخفضة تضرها حرارة الشمس وتؤثر عليها. فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] التفت إلينا نحن لأن هذا الخطاب لنا ونحن نظن أنه يتكلم عن آخرين، قال: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ [البقرة:265] أيها المؤمنون بَصِيرٌ [البقرة:265] مطلع عليم، إذاً: فتقربوا إليه وتزلفوا، وأغمضوا أعينكم عما سواه، وإن أعطيتم أو أنفقتم فأعطوا لوجهه وأنفقوا من أجله، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] ويشمل هذا كل عمل، يشمل العمل الصالح والعمل الفاسد. تفسير قوله تعالى: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار ...) ثم واجهنا أيضاً: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ [البقرة:266] والود: الحب مع الرغبة في الحصول على المحبوب وتمنيه. أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ [البقرة:266] بستان مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ [البقرة:266]، وكل أنواع الفواكه من المشمش إلى التفاح إلى البرتقال لا تعادل التمر والعنب، العنب يتحول إلى زبيب يغذي، يصنع منه ألوان الأشربة، والتمر جاء فيه: ( بيت لا تمر فيه جياع أهله )، ما يحتاج إلى طبخ، متى شئت طعمت. مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:266] التي تسقيها لتنتج وتثمر، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [البقرة:266] أي: في تلك الجنة غير العنب والتمر، العنب والتمر هما رئيسان، وتوجد أنواع من الثمار الأخرى من التين والزيتون وما إلى ذلك. وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ [البقرة:266] تخطى السبعين فهو في طريقه إلى القبر. وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ [البقرة:266] ما ولد إلا بعد أن بلغ الستين، له سبعة أو ثمانية أطفال بنين وبنات أعمارهم بين خمس وست وسبع سنين، فأصاب تلك الجنة إعصار فيه نار، شدة الحر الملتهب، إذ جاء في الحديث: ( أبردوا بصلاتكم في الحر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم )، فما تجدون من حر فهو من لهبها ورائحتها. أصاب تلك الجنة إعصار وريح شديدة، والريح هذه فيها نار، إذاً: فاحترقت تلك الجنة، فكيف حال هذا الشيخ؟ سنه كبير ما يستطيع أن يعمل، لا يزرع، لا يتجر، لا يحمل، شاخ مثلي، وتحته أولاد ضعفاء بنون وبنات ما بلغوا سن العمل والتكليف، والبستان الذي كانوا يعيشون منه ويأملون فيه احترق، فكيف يكون حالهم؟ إذاً: من منا يود هذا؟ والله! لا يوجد. من منا يرغب في هذه الحال؟ المفارقة بين إنفاق المرائين وإنفاق المؤمنين تلك حال من ينفق أمواله من أجل تحطيم شرع الله وهدم أسواره، هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يلتفتون إلى من أنعم عليهم وأعطاهم، أمثال هؤلاء نفقاتهم مآلها ومصيرها وخيم، يظنون أنهم أنفقوا المليارات، وما إن يدخلوا القبر حتى تتجلى تلك الحقيقة، ما إن يقفوا في عرصات القيامة ينظرون إلى جزائهم حتى يجدوها هباءً منثوراً لا شيء فيها.وأما المؤمنون فكما قال تعالى: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265]، هذه صدقات المؤمنين والمؤمنات التي ما أريد بها إلا وجه الله عز وجل، سواء كانت في الجهاد والرباط أو كانت في سد حاجات الفقراء والمساكين، أو في إنقاذهم من بلية أصابتهم أو نازلة حلت بديارهم. هذه دعوة ربانية، إذا أنفقنا ألا نريد إلا وجه الله، لا نؤذي إخواننا بالكلمة النابية والنظرة الشزر أو بالكلمة المؤذية المؤلمة، أنفق إن أنفقت ولا ترى إلا الله، هكذا يؤدبنا ربنا. وقفات مع إعراض المسلمين عن الانتفاع بالقرآن دور اليهود والنصارى في صرف المسلمين عن القرآن الكريم لم ما انتفع المؤمنون بهذه الآداب؟ لأنهم ما يقرءون القرآن ولا يدرسونه، ولا يعرفون ما فيه، ما الذي صرفهم؟ أولاً: الثالوث الأسود المكون من: المجوس واليهود والنصارى، أعداء الإسلام وخصومه هم الذين صرفوا المؤمنين عن روح حياتهم ونور بصائرهم، والقرآن -والله- روح ولا حياة بدونه، والقرآن -والله- نور ولا هداية بدونه، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ [الشورى:52]، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]. أسألكم بالله: هل الذي يمشي في الظلام يهتدي إلى أغراضه ويصل إلى مطلوبه؟ بل يخسر في الطريق ويتحطم، والذي يفقد الروح هل يبقى حياً؟ أروني حيواناً خرجت روحه وبقي حياً، فالقرآن روح ولا حياة ولا طهر ولا سعادة ولا صفاء ولا كمال إلا به، متى أعرض عنه البشر وكفروا به ماتوا، ولو تعرفون حياة الفساق والفجار والمشركين والكفار كيف هي لتأكدتم من صحة أنهم أموات ما هم بأحياء، ما ذاقوا طعم الحياة ولا عرفوها. هذا هو القرآن الذي صرفنا عنه الثالوث، وقد عجزوا عن إسقاط حرف واحد، حاولوا عبر جمعيات التنصير من قديم أن يسقطوا كلمة (قل) المكونة من حرفين اثنين: القاف واللام، فما استطاعوا، وشرقوا وغربوا وتشاءموا وتيامنوا، فأعلنوا عن عجزهم؛ لأن هذا القرآن مكتوب في السطور ومحفوظ في الصدور، لو أخذوا المصاحف كلها وأحرقوها فموجود مثلها في صدور المؤمنين والمؤمنات، فكيف يفعلون؟ هذا اعترافهم؛ لأنهم قالوا: لولا كلمة (قل) لكان في الإمكان أن نضلل الناس ونقول: هذا الكلام من كلام محمد فقط، ليس من كلام الله، عاش في الصحراء ذات الحرارة فالتهبت قرائحه وأنتج هذا الكلام، لكن أيكون من المعقول أن يقول متكلم لنفسه: قل؟ قل يا أيها الناس، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، فما يمكن أن يتكلم بنفسه فيقول: قل، إذاً: هناك أحد يأمره قطعاً، فلما عجزوا عن إبعاده من الصدور فماذا يفعلون؟ احتالوا وحولوه إلى الموتى، وسلوا كبار السن في دياركم، مضت قرون ثلاثة وأربعة لا يقرأ القرآن إلا على الموتى فقط. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
ضياع سنة الاستماع لتلاوة القرآن الكريم ومدارسته وما زلت أقول آسفاً: إلى الآن لا تجد من يجلس تحت ظل جدار أو شجرة ويقول لأخيه: من فضلك أسمعني شيئاً من القرآن! أو يجلس في مجلس ويقول: أيكم يسمعنا شيئاً من كلام الله! إلا ما قل وندر، والرسول صلى الله عليه وسلم وعليه نزل وأنزل يقول لـابن مسعود : ( اقرأ علي شيئاً من القرآن، فيعجب الصاحب ويقول: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فيقول: إني أحب أن أسمعه من غيري )، ويقرأ عليه وإذا بالرسول يبكي وعيناه تذرفان الدموع وهو يقول: ( حسبك ). فانتهى أمر سماع تلاوة القرآن من قرون، يقرءونه على الموتى، لا تسمعه في بيت من البيوت إلا إذا كان فيه ميت، من إندونيسيا إلى موريتانيا، أكثر من ثمانمائة سنة، أما الاجتماع عليه ودراسته هكذا فلا، ووضعوا قاعدة فقالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر! فمن يفتح فاه ويقول: قال الله؟ لو تجلس في مجلس يدرسون الفقه أو النحو وتقول: قال الله تعالى فإنهم يغلقون آذانهم، يقولون: اسكت. فهل نجح الثالوث الأسود في إماتة أمة القرآن أم لا؟ والله! لقد نجحوا، أما ما استعمروهم؟ أما حكموهم وسادوهم من إندونيسيا إلى موريتانيا؟ أين ممالك الهند؟ حتى أقل بلد، استعمروهم وحكموهم، وسادوهم، نكلوا بهم وعذبوهم، وكيف يسلطهم الله عليهم؟ لأنهم ماتوا، أماتوهم فلما ماتوا ركبوا ظهورهم، فهل هذا يحتاج إلى برهنة أو تدليل؟ فالقرآن الروح، وانظر إلى أربع آيات أو خمس آيات كلها في تأديبنا حتى يصبح المؤمن حقاً مؤمناً، فإذا أنفق ما زاد عن قوته وقوت أهله ينفقه لوجه ربه، حتى لا يؤذي ذلك المؤمن حتى بكلمة نابية، حتى لا يمن عليه في يوم من الأيام ويقول: أعطيناك وألبسناك أو فعلنا كذا؛ لأن المؤمنين أولياء الله، والله عز وجل والله لا يرضى أن يهان وليه أو يذل وليه بحال من الأحوال، الله ولي الذين آمنوا وما يرضى أن يهانوا أو يدانوا أو يعذبوا أو يضطهدوا وهم أولياؤه، فلم يسمح أبداً لمؤمن أن يؤذي مؤمناً تصدق عليه بصدقة قلت أو كثرت، عظمت أو حقرت، وانظر كيف ضرب الأمثال ليعقلها البشر وتبلغ إلى نفوسهم. دعوة إلى العودة إلى الله تعالى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265] مثلهم: صفتهم، ما هي؟ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ [البقرة:265] الحسنة بعشر، الحسنة بسبعمائة، الحسنة بألف ألف، فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] والطل كافٍ، والندى كافٍ، والجو البارد كافٍ في أن تواصل ثمارها ونتاجها؛ لأنها زرعت باسم الله، وأعطيت هذه الصدقة باسم الله، فلهذا لو نرجع إلى الله ما شعر بيننا فقير بهون ولا دون، ولا شعر بألم ولا بكى ولا دمع ولا تأسف ولا تحسر، ولذا كان المؤمنون يندر أن يوجد بينهم من يمد يديه ويقول: أعطوني، فمتى نرجع؟ حتى يذهب الاستعمار، كنا نقول هكذا: حتى نستقل، أما استقللنا؟ هل بقي بلد محكوم بسلطان الكفر؟ الجواب: لا، كل العالم الإسلامي يسوده رجاله وأهله وهم الحاكمون فيه، إذاً: ماذا ننتظر؟ هيا نستقم على منهج الله ونسر في طريق كمالنا وسعادتنا، ولكن ما عرفنا كيف نتحرك، تحركنا بتكفير الحكام والضجيج عليهم والسخط على سلوكهم فنكلوا بنا وعذبونا وخسرنا الجانبين، فماذا استفدنا؟ كيف نعمل؟ هل فيكم من يرغب في كيفية العمل أم لا حاجة بنا؟ الجهل علة كل شر وفساد أولاً: اعلموا أن علة كل شر وظلم وخبث وفساد واحدة، ألا وهي: الجهل، علة كل شر يقع في الأرض أو ظلم أو فساد أو خبث والله! لهي الجهل، وقد قررنا وكررنا القول وقلنا: لو نجمع مؤتمراً لعلماء النفس وعلماء السياسة وعلماء الكون وعلماء الحياة من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين ونطرح عليهم هذا السؤال: ما علة هذا الخبث الذي خمت الدنيا به من اللواط والزنا والفجور؟ ما علة هذا الظلم الذي انتشر في العالم؟ ما علة هذا الفساد؟ ونترك لهم الجواب، فهل سيعرفون الجواب؟ والله! لا يعرفون، هذا يقول: الفقر، هذا يقول: الظلم، هذا يقول: الحكام، هذا يقول كذا ويتخبطون، ونحن نعرف، والله! إنا لعلى علم، علة كل شر وخبث وفساد وظلم هي الجهل، ولكن هل الجهل بمسائل التقنية والفيزياء، بالتجارة والفلاحة؟ إنه الجهل بالله تعالى، ما عرفوه فلم يحبوه، ولم يرهبوه، والذي لا يحب الله ولا يرهبه أنى له أن يستقيم في الحياة، والله! ما استقام ولن يستقيم ولن يعيش إلا وهو يتخبط يميناً وشمالاً، ما عرفوا الله فما أحبوه لجهلهم به، ولا خافوه، ثم معرفة محابه، وهذا تابع للأول، أيما إنسان أبيض أو أسود عرف الله والله ليطلبنك بإلحاح أن تعرفه بما يحب ربه من اعتقاد أو قول أو عمل حتى يتملقه ويتقرب إليه بفعل ما يحب، وما من عبد يعرف الله معرفة يقينية إلا طلب منك أن تدله على ما يكره ربه ولا يحبه، إذاً: فإذا أحب الله وخافه وعرف ما يحب ففعله وعرف ما يكره فتركه؛ فوالله! لهذا هو الصراط إلى دار السلام. نظرة في واقع التعليم المدرسي والجامعي إذاً: العلم، فقد بعث الله الرسول فقال: مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165]، وقد تقول: يا شيخ! العلم متوافر عندنا، أيما دولة صغيرة فيها آلاف المدارس، هذه هي الحجة، الدنيا كلها مدارس وجامعات وكليات، فأين آثار هذا العلم الذي تزعم؟ فماذا نقول؟ ما هناك جواب. والجواب عندنا: هل فتحت هذه المدارس والكليات والجامعات من أجل الله تعالى؟ الجواب: لا. وهل بعثوا أبناءهم وبناتهم ليطلبوا العلم من أجل أن يعرفوا الله ويعبدوه؟ الجواب: لا. إذاً: كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:264].من منكم أيها الفحول ويا أيتها المؤمنات أخذ بيد طفله وقال: تعلم لتعرف ربك فتحبه وتخافه وتطيعه؟ وإنما يقول: تعلم لتكون كذا وكذا، تعلم لتنال كذا، لتكون في المستقبل كذا وكذا.وقد بلغني أحد الإخوة أن طلاب العالم الآن في الامتحانات، وكذلك في المملكة، وقال: ادعوا الله لهم اليوم بالنجاح، فقلت: لن ندعو؛ لأن نياتهم ما هي بتلك النيات التي يريدون بها وجه الله، إذ لو أرادوا وجه الله فوالله! ما طلبوا النجاح ولا فكروا فيه أبداً، إذ هم يطلبون المعرفة والعلم ليعبدوا الله عز وجل، فما دام أن الوظيفة مستقبلي يا بابا إذاً: فما لله منه شيء، وهذا واقع مر، هذا في ديارنا ديار القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف بديار الغافلين ومادة الفقه فيها مرة في الأسبوع؟!إذاً: هل نفعت هذه المدارس؟ ما نفعت. فماذا نصنع إذاً؟ كيف نخرج من هذه الظلمة؟ سوف تعلمون، والله! ما إن تصل الروح إلى الحلقوم وتأتي الغرغرة حتى ينكشف الغطاء ويظهر أمامك كل شيء، واقرءوا: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الواقعة:84-87]. تحدانا الله، فهل استطاعت روسيا أو اليابان أو الصين أن يقفوا في وجه الله فيردها؟ قل لهم ليردوها. المساران العلميان في الحياة الإسلامية إذاً: متى نعود إلى الله؟ هل نغير مناهج التعليم؟ ما نستطيع، ما نقوى عليها، قد يقال: هل تدعوننا إلى أن يعود إلينا الاستعمار ونذل ونهون للغرب والشرق، ماذا هذه الدعوة الجافة الرجعية اليائسة، نحن نريد أن نقفز أكثر مما وصلنا إليه؟! فنقول: لا، دعوا مدارسكم، حولوها إلى مدارس صناعات وفيزياء وزراعة وتجارة، ثم الطريق الذي نريده والمسلك المنجي والذي ينجينا هو أن نسلك فقط مسلك رسول الله وأصحابه وأولادهم وأحفادهم، فمن صلاة الصبح ونحن مشمرون عن سواعدنا، هذا يزرع وهذا يبني وهذا يفعل، فاعمل، ومن نهاك أو لامك على هذا فلا تصغ إليه، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، لتزدهر الصناعات والفلاحة؛ لأن جهودنا قوية، ولأننا ربانيون عملنا لله، لا غش ولا تلاعب ولا ضحك ولا لهو ولا باطل، فإذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة اغتسلنا، توضأنا، تطهرنا، وقف دولاب العمل، من صلاة الصبح والدكاكين تشتغل، فهيا لنستريح، يتوضأ أحدنا ويلبس أحسن ثيابه ويأتي بامرأته وأولاده إن كانت له امرأة وله أولاد، إلى أين؟ إلى بيت الرب جل جلاله وعظم سلطانه، إلى المسجد الجامع. فإن قيل: يا شيخ! المسجد لا يتسع؟ قلنا: وسعوه، قد يقال: كيف نوسعه، نحتاج كذا شهراً؟ فأقول: رسول الله بنى مسجد قباء في سبعة أيام أو ثمانية، فإذا أذن المغرب دخلنا في مناجاة الله عز وجل وصلينا، فإذا فرغنا من الصلاة اجتمعنا كاجتماعنا هذا، ويجلس لنا عالم بكلام الله وكلام رسوله يعطينا آية ويقول: تغنوا بها أيها المؤمنون والمؤمنات، فنحفظها، آية من آياته من كتابه تحفظ، ثم تشرح لنا وتفسر، وتبين لنا، وأخيراً يقول: معشر المستمعين والمستمعات! معشر المؤمنين والمؤمنات! ضعوا أيديكم على المطلوب، الآية تطلب منكم أن تعتقدوا أنه لا إله إلا الله فاعتقدوا، الآية تطلب منكم أن تغضوا أبصاركم وتحفظوا فروجكم فغضوا أبصاركم عن نساء المؤمنين واحفظوا فروجكم عنهن، الآية تأمر بالإخلاص في الصدقة وإرادة وجه الله، فمن الآن لا يتصدق واحد منكم وهو لا يريد وجه الله. وغداً حديث نبوي نتغنى به ونحفظه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه ) ويتغنون به ويحفظونه نساءً ورجالاً وأطفالاً، ويقول المعلم: كل المسلمين إخوانكم، وهل الأخ يذبح أخاه؟ هل الأخ يكشف عورة أخيه؟ هل الأخ يسب أخاه؟ الجواب: لا، إذاً: كلكم إخوان، فمن الليلة لا يشكو مؤمن أخاه إلى ربه، لا سرقة، لا كذب، لا غش، لا خداع، لا كبر، لا ظلم، لا اعتداء أبداً. وبعد غدٍ آية، وبعده حديث، وطول العام وهم يتلقون الكتاب والحكمة، أهل القرية بجميعهم، أهل الأحياء كلهم، أسألكم بالله: هل يبقى بيننا جاهل أو جاهلة؟ ماذا أنفقنا على طلب هذا العلم؟ كم ديناراً؟ لا شيء أبداً، بل وفرنا المال وكثر عندنا لأن نفوسنا تهذبت وانقطع الشح وانقطع البخل وانتهى الإسراف والبذخ والتطاول في الدنيا والتكالب على مظاهرها، فهذا كله يموت، فماذا نصنع بالمال؟ لم يبق بيننا فقير يذل أو يهون. أسألكم بالله: هل هذا الطريق يتعب؟ والله الذي لا إله غيره! لن يستقيم أمر أمة من أممنا في شعوبنا وديارنا الاستقامة الحقة الربانية إلا على هذا المنهج، أحببنا أم كرهنا، وقد جربوا الاشتراكية وجربوا الرأسمالية وجربوا وجربوا، وكل التجارب باءت بالفشل، أليس كذلك؟ قولوا لي: ما المانع أن نفعل هذا؟ دعوة إلى العلم المنير لمحاربة الجهل قد يقول بعض الحاضرين: الحكومات مانعة التجمعات للفتنة التي أشعلتم نارها وما عرفتم كيف تهتدون أو تهدون غيركم، فلما واجهتم الحكام بالنقد والطعن والتكفير والقتل غضبوا فمنعوا! فأقول: بدأ هذا من الجهل، وعدم البصيرة، فهيا لنعود إلى العلم لنحيا، والطريق بيناها، فيا قروي! اذهب إلى قريتك واتفق مع إمامك وشيخ القرية وقل لهم: هيا نرجع بأمتنا إلى الكمال والسلام، من الليلة نأتي بنسائنا وأطفالنا ونجتمع على تلاوة كلام ربنا وتدبره، والقرية الفلانية والفلانية، ما هي إلا سنة واحدة حتى تشاهد أنوار الإيمان، تشاهد الطهر والصفاء، تشاهد المال لا يطلب، ما بقيت لنا رغبة فيه، القليل من الطعام يكفينا، والذي يستر عوراتنا من اللباس يكفينا، وهكذا.. والله! لا طريق إلا هذا، بلغوا العلماء والأمراء والحكام والساسة، وبلغوا أوروبا والصين واليابان، والله! لن يسعدوا ولن يطهروا ولن يكملوا ولن يخرجوا من دائرة الظلام إلا بالعودة إلى هذا الكتاب الإلهي، والأيام تمضي وهم في بلاء وشقاء وعفن وشر وفساد، ما ذاقوا طعم الحياة، وإن طلبوا البرهنة فما نستطيع أن نقول إلا إذا بدأت هذه الخطة الربانية، وحينئذ ائت بريطانيا وشاهد هذه القرية فهل ستشاهد منكراً؟ امش معي صباح ومساء فهل ستسمع كلمة نابية؟ أو صوتاً مزعج؟ أو ترى منظراً خبيثاً؟ والله! ما يشاهد، امش معنا إلى دائرة الحكومة وقل لهم: أعطوني الجرائم التي تمت في هذا اليوم، والله! لن تجد جريمة، وإن شذ واحد في العشرة أيام أو في العشرين فلا قيمة للشذوذ، لا سرقة ولا خيانة ولا كذب ولا تكفير ولا سب ولا شتم، وهكذا كان أسلافنا. وإن قلت: كيف؟ فإنا نقول: كيف انتشر الإسلام في نصف الأرض شرقاً وغرباً لولا طهارتهم وكمالهم؟ هل دخل أهل المغرب والأندلس والمشرق في الإسلام بالسيف؟ والله! ما دخل أحد بالسيف، ولا أكره إنسان على أن يؤمن بالله ولقائه، ولكن لما دخلوا البلاد شاهدوا الأنوار التي يحملها الغزاة الفاتحون، صدق في القول، وفاء في العهد، طهر في السلوك، رحمة في القلوب، مشاهد الأنوار جذبتهم ودخلوا في رحمة الله، ما هو العصا والحديد، شاهدوا العدل في القضاء والحكم الرحيم العادل الرباني. فمن يدعو الآن بهذه الدعوة؟ من يقوم بها؟ العلماء كثير منهم يتقزز من هذا، الحكام يقولون: هذه أوهام، الأغنياء ما هم في حاجة إلى هذا، الفقراء هاهم يركعون ويسجدون، فمن يتحرك؟ من يبكي؟ لا أحد، إلا إذا أراد الله شيئاً وهو على كل شيء قدير.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (33) الحلقة (40) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (129) يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين بإخراج زكاة ما أنعم الله به عليهم مما يخرج من الأرض من النبات والثمار، وحذرهم سبحانه وتعالى من أن يعمدوا إلى الخبيث منه فيخرجوه، مع أنهم لو قدم لهم مثله فإنهم لا يقبلونه، ثم حذرهم تعالى من اتباع الشيطان؛ لأنه إنما يأمرهم بالفحشاء ويخوفهم من الفقر إن هم أنفقوا في سبيل الله، بينما الله عز وجل بفضله وكرمه يعد عباده المنفقين بالمغفرة والفضل العظيم. تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، ولنا رجاء في ربنا أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). فهنيئاً لهم ولنا معهم إن شاء ربنا جل جلاله وعز.وها نحن مع ثلاث آيات، وإليكم تلاوتها فتدبروها وتأملوا ما فيها، واعزموا على العمل والتطبيق.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [البقرة:267-269].ثلاث آيات قرآنية نورانية، الأولى مفتتحة بهذا النداء الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:267] لبيك اللهم لبيك، نادانا مولانا، خالقنا، رازقنا، خالق الكون والحياة من أجلنا، نادانا فمرحباً بندائه، ماذا يريد منا؟نحن مستعدون، يا رب! مر نفعل، انه نترك، بشر نستبشر، أنذر نحذر، علم نتعلم؛ إذ نداءات الرحمن التسعون تدور على هذه، ينادينا ليأمرنا بما يكملنا ويسعدنا، ينادينا لينهانا عما يشقينا ويردينا ويخسرنا، ينادينا ليبشرنا، ينادينا لينذرنا، ينادينا ليعلمنا فنعلم.الحمد لله أن لنا رباً ينادينا، ويعلمنا، ويأمرنا وينهانا، ويبشرنا وينذرنا، وغيرنا من تلك الأمم اللاصقة بالأرض كيف حالهم؟ آيسون قانطون، جهلاء في الظلام، أحياء إلا أنهم أموات، وبئس المصير يصيرون إليه في عالم الشقاء. اختصاص الله تعالى بخلق الخارج من الأرض قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] فهل سنطيع أم لا؟ أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] هذه الكلمة الربانية أوجبت -بلا نزاع- إخراج الزكاة مما تنبت الأرض من البر، الشعير، الذرة، التمر، الزيتون، العنب.. هذه كلها مما تخرج الأرض أم لا؟ فمن الذي أخرج هذه؟ الله. لو تجتمع البشرية كلها على أن تنتج حبة عنب فوالله! لما استطاعت، فمن أخرج هذه الغلال وهذه الثمار وهذه الحبوب؟ الله عز وجل. واحذر أن تقول: سيدي عبد القادر أو عيسى؛ والله! ما أخرجها إلا الله، هو الذي خلق التربة وخلق الماء وصب الماء، وأمره أن يتفاعل مع التربة فتفاعل وخرج القصيل والسنبل، فهل نحن نفعل هذا؟ هل نملك هذا؟ ما يقتضيه قوله: (أخرجنا لكم) من وجوب شكر نعم الله تعالى وقوله تعالى: أَخْرَجْنَا لَكُمْ [البقرة:267] أي من أجلكم أنتم، تحتاجون إلى الغذاء أو تموتون.إذاً: هل ينبغي ألا نقول: الحمد لله؟ والله! ما ينبغي، يخرج هذه الأنواع من الثمار ونأكل ولا نقول: باسم الله، ولا الحمد لله؟ أعوذ بالله من إنسان لا يحمد الله على إنعامه، ولا يشكره على بركاته، ولا يذكر اسمه عند أكله وشربه.وممن ينتسبون إلى الإسلام جهلاً يأكلون ويشربون ولا يعرفون باسم الله ولا الحمد لله، ما لهم؟ ما عرفوا، من علمهم؟ من أرشدهم؟ وها نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع ابن أم سلمة عمر قال: ( يا غلام! سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك ) لا تمد يدك إلى جهات أخرى في القصعة والناس يأكلون معك. فهذه الآداب التي ما يتلقاها أطفالنا وهم صغار، فكيف يعرفونها وهم كبار؟ وهل تعرفون لم نقول: باسم الله؟ هذا من أسرار الشريعة، نقول: باسم الله؛ إذ لو لم يأذن لنا في هذا الطعام فوالله! ما أكلناه، هل تستطيع أن تتناول كأس خمر وتقول: باسم الله؟ أعوذ بالله! أتكذب على الله؟ آلله أذن لك؟والغافل ممكن أن يشعل السيجارة ويقول: باسم الله! آلله أذن لك؟ كيف تقول: باسم الله؟فأنت تأكل هذا الطعام باسمه تعالى الذي خلقه وأوجده وأذن لك في أكله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] لا من الخبائث، وحاشا الله أن يرزقنا من الخبائث. ما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض يقول تعالى: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] والكسب يكون باليد والعقل والطاقات، سواء كانت تجارة أو كانت زراعة وفلاحة، مما كسبتم، وهذا يتناول أنواع الأموال، حصل لك بإرث، حصل لك بتجارة أو بعمل، بأي شيء كسبته، وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]: البقول، الحبوب، الثمار ، النخل وما إلى ذلك.ولنعلم أن علماء الفقه الإسلامي من أئمة الإسلام جمهورهم على ألا زكاة فيما كان مثل البقول كالبصل والثوم والخردل والطماطم والفلافل والقثاء على اختلافها، والبطيخ، والحبحب.. وما إلى ذلك؛ لأنها ما هي بمقتاتة ولا مدخرة، لا يقتاتها الإنسان ويعيش عليها العام والأعوام، ولا تدخر ويحتفظ بها، فمن هنا عفا الله عز وجل على لسان رسوله عن الزكاة منها، والذي بين لنا هذا الإجمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أمر أهل المدينة أن يزكوا البطيخ أو القثاء أو البصل أو الثوم وهم ينتجونه، لكن أمرهم بزكاة العنب إذا كان زبيباً، وزكاة التمر، أما التين فهذا أيضاً لا يزكى، وقس عليه البرتقال، وهكذا الفواكه والخضار.إلا أن المسلمين الربانيين إذا جنوا ثماراً من بساتينهم أو أراضيهم يعطون منه لجيرانهم وأقاربهم وفقرائهم ومساكينهم، لا على أنها زكاة مقننة مقدرة، ولكن استجابة لأمر الله العام: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] وهذا هو المنهج السليم، فالحبوب، الذرة، البر، الشعير هذه تزكى بالإجماع؛ لأنها غذاء مدخر، أما البصل والثوم فهذه كل ما في الأمر أنه يقال فيها: يا صاحب البستان، يا صاحب المزرعة، يا صاحب الحقل! حين تأخذ كمية إلى بيتك أعط منها لجيرانك أو للفقراء حولك، فتكون استجبت لأمر الله عز وجل على سبيل الإنفاق تقرباً إلى الله وتزلفاً. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg وجوب إخراج الزكاة في الأموال الزكوية إذاً: قوله تعالى: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] يدخل فيه أنواع الإبل والبقر والغنم، وهذه تسمى بالناطقة، الحيوانات: الغنم ومعها الماعز، والبقر، والإبل هذه زكاتها بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب فيها للولاة كتباً واضحة في الفقه الإسلامي، فخمس من الإبل أخرج عنها شاة من الغنم، وعشر أخرج عنها شاتين، وخمسة عشر بعيراً أخرج عنها ثلاث شياة، وعشرون بعيراً أخرج عنها أربع شياة، وخمسة وعشرون أخرج عنها بنت الناقة المولودة في عامها الأول: بنت مخاض.وهكذا الغنم، فمن ملك أربعين شاة ماعزاً أو ضأناً صغيرة أو كبيرة وحال عليها الحول فيجب أن يخرج منها شاة، وكذلك البقر، فمن ملك ثلاثين بقرة عداً فإنه يخرج منها تبيع أو تبيعة، وهل الدجاج يزكى والبط والطيور؟ لا زكاة فيها، فهذه هي الأموال الناطقة.والصامتة: الذهب، الفضة، العملات على اختلافها، ففيها زكاة، فزكاة الذهب إذا بلغ سبعين جراماً، إذا كان عندك ذهب ووزنته في ميزان الذهب فقالوا: هذه سبعون جراماً وجبت الزكاة، وفي أقل من سبعين جراماً لا زكاة عليك؛ لأن النصاب بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصاب الفضة أربعمائة وستون جراماً، فإذا كان عندك كمية من الفضة سواء في شكل ملاعق، أو في شكل أدوات، وإن كنا نقول: لا يحل للمؤمنين أن يأكلوا بملاعق الذهب والفضة، ولا أن يصنعوا الصحاف من ذهب أو فضة، هذا ليس لنا، هذا لغيرنا، للمحرومين منها يوم القيامة؛ إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة )، والله! ما يشاهدون ذهباً ولا فضة ولا أواني في عالم الشقاء والعياذ بالله، أما المؤمنون والمؤمنات فيعوضهم الله، والله! ما هي إلا صحاف الذهب وآنية الفضة. مقدار نصاب الذهب والفضة من أهل العلم من يقول: نصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، وهذه اجتهادات فقط، وأما نحن أهل الدرس فقد قمنا بهذا الواجب، وجئنا بحب الشعير الذي كان يقدر ووزناه وعرفنا الجرام كم يكون من حب شعير، ومن ثم وجدنا النصاب سبعين جراماً.أقول: علماؤكم جزاهم الله خيراً يفتون بأن النصاب ثمانون أو خمسة وثمانون، ثم لما ذهبنا وجئنا بالشعير ووزناه، ونظرنا أيضاً إلى أن الفضة نصابها أربعمائة وستون جراماً، ويجوز أن تزكي بالفضة أو بالذهب، ما بينهما فرق، فلو زكينا أربعمائة وستين جراماً فمعناه أن خمسين جرام ذهب تعدل هذا أو أقل، فبالتحري كانت النتيجة أن من ملك سبعين جرام ذهب فأكثر وجبت عليه الزكاة إذا حال عليها الحول كالدراهم والدنانير.وقد يقولون لكم: النصاب خمسة وثمانون، وهذا تقليد فقط، أما عملياً فهو سبعون جراماً، وهذا أرحم بالفقراء والمساكين وأحوط لرب المال، هذه هي الحقيقة. حكم زكاة الحلي والذهب إذا كان حلياً تتحلى به المؤمنات ويتزين به لأزواجهن فلا زكاة فيه، ولكن من زكته كان لها أجرها ومثوبتها، واطمأنت نفسها؛ إذ (75%) من الصحابة والتابعين والأئمة مجمعون على ألا زكاة في الحلي، ويوجد من يقول: فيه زكاة، ولأن يخطئ خمسة وعشرون أقرب أن يخطئ خمسة وسبعون. ثم لو كان هذا المملوك يزكى فلم ما نزكي الأسرة التي ننام عليها والزرابي التي تبلغ الآلاف، والسيارة التي تركبها، وأواني البيت؟ لا زكاة فيها؛ لأنها مستعملة، فالذهب إذا كان مستعملاً فما هو بكنز يباع ويدخر للاستعمال، فهو كالقصعة إذاً وكالإبريق وكالآنية، وأي فرق؟ هذا فقه المسألة، ومع هذا فأيما مؤمنة تريد أن تزكي حليها فإنا نبارك لها في ذلك.وشيء آخر: إذا كان الذهب اشترته للقنية والادخار؛ إذ بعض المؤمنات تقول: الزمان حواج، سأحتاج في يوم من الأيام، فإذا كان عندها دريهمات فإنها تشتري بها قطعة من الذهب، لا على نية أن تلبسها، بل على نية أنه إذا جاء الزمان وأحوجها فستبيعها، فهذه بالإجماع تجب زكاتها، هذا كنز، والله يقول: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ [التوبة:34-35] الآيات، وبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ما أخرجت زكاته لا يقال فيه: كنز، أيما دراهم، ذهب، فضة تخرج زكاته كل عام فلا تخف أنك تكوى به يوم القيامة.فتأملوا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] أولاً: الإبل، البقر، الغنم، الذهب، الفضة، الدراهم، والخارج من الأرض كذلك: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] ما هو؟ التمر، العنب، الذرة، الشعير، القمح.. وما إلى ذلك، أخرجها الله لنا من الأرض. معنى قوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) وقوله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] ولا تقصد الرديء الذي لا يعجبك من شعيرك أو برك أو تمرك وتخرج منه، عيب كبير ونقص وسوء خلق هذا، وهذه الآية لا تفهم منها أن المؤمنين الصادقين يفعلون هذا، هذه الآية نزلت إذ كان هناك مكان يقال فيه: الصفة، كان يجلس فيه المهاجرون الذين لا مال لهم ولا ولد ولا نساء، يأتون مضطهدين من مكة ومن غيرها، فيجلسون هناك، إذا جاء الجهاد خرجوا، وإلا جلسوا، فمن أين يأكلون؟ ما عندهم بيوت ولا نساء، وإنما كان من زاد عن طعامه شيء يأتي به إلى الصفة، فجعلوا خشبة في المسجد بين عمودين، وأصبح كل من عنده عرجون تمر يعلقه هناك، هذا يأتي بعرجون، بعرجونين، بثلاثة، فيأتي أهل الصفة عندما يجوع أحدهم ويتألم يأتي بعود ويضرب ذاك القنو فيتساقط منه البلح والرطب، فيأكل ويمشي.فبعض المرضى والمنافقين كان يأتي بعرجون الحشف والدقل ويعلقه، في الظاهر أنه دخل يحمل أقنية من التمر للفقراء، وفي الباطن هو حشف ودقل، ففضحهم الله، فقال: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ [البقرة:267] لو قسم لكم أنتم إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا [البقرة:267] أعينكم، وهذا عام، أيما صدقة تصدق بها يجب أن تكون نقية طاهرة صالحة نافعة، فطعام لا يؤكل هل تقدمه للفقراء والمساكين تضرهم وأنت ما تأكله؟ هذه ترفع همم المؤمنين وآدابهم إلى القمم، فمن ربانا هذه التربية؟ الله، ما وكلنا إلى زيد أو عمرو، هو الذي ربانا وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة:267] الرديء غير الجيد، ضد الطيب، مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ [البقرة:267] لو قدم لكم أو أعطيتموه لقلتم: هذا ما نأكله ولا نلبسه ولا نشربه، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267] أغمض عينيك وامش، العامة يعرفون هذا، هذا معنى قوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267]. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (واعلموا أن الله غني حميد) معنى قوله تعالى: وَاعْلَمُوا [البقرة:267] أخيراً أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267]. إياك أن يخطر ببالك أن الله محتاج إلى طعامك أو شرابك أو مالك، ولهذا يلح عليك ويطالبك، بل هذا من أجلك أنت وأجل إخوانك، أما هو فغني غنى مطلقاً، والله! لا يفتقر الله إلى شيء؛ إذ كل شيء خلقه هو بيده، وهو حميد أيضاً محمود على خلقه وإيجاده المخلوقات، الملائكة يحمدونه، لو لم يحمده البشر فالملائكة أكثر منهم بمليارات المرات، فهو محمود في الأرض والسماء.فهذه الجلسة التي أنا جالسها يحمد عليها الله أو لا؟ من خلق هذا الشيء؟ من علمه؟ أنتم أيها الجالسون من خلقكم؟ من علمكم؟ من أتى بكم إلى ها هنا؟ الله. هذا هو الحمد. فذكر المحامد؛ لأن المنافقين والمرضى يقولون: لم يطلب منا هذا ويلح علينا في أن نخرج طعامنا وشرابنا؟ ألحاجته إليه؟! فأبطل هذه الوساوس بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267]. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير قوله تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ...) ثم قال تعالى في الآية الثانية: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268] أعوذ بالله منه، ما الشيطان هذا؟ الشيطان: مشتق من: شطن يشطن، أو من: شاط الشيء إذا احترق، والصواب أنه ليس من الشيطنة بمعنى البعد، لكن من: شاط إذا احترق.الشيطان هذا هو المكنى بأبي مرة، وإبليس وصف له؛ لأن الله أبلسه، كان له اسم أيام كان يصلي ويعبد الله مع الملائكة والجن، ثم أبلسه الله، أي: أيأسه من كل خير، ما أصبح فيه خير قط.فهذا الشيطان أخبر تعالى عنه أنه يعدنا بالفقر، إذا أردت أن تنفق قال: تنفق وغداً ماذا تأكل وتشرب؟! مهمته أن يعدنا بالفقر، فيخوفنا من الإنفاق، فما يستطيع المرء أن ينفق وهو يفهم أنه إذا أخرج ماله اليوم فغداً من يعطيه؟ غداً يصبح يمد يديه! غداً يموت بالجوع أو بالعري! هذه وساوسه يعد بها أولياءه والذين يستجيبون له، من أخبر بهذا؟ خالقه، يقول تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268]، لم يعدنا بالفقر بمعنى: أنه يحذرنا من الفقر، يحذرنا من الإنفاق حتى لا نفتقر؟ لأنه يريد منا أن نهلك، أن نشقى، أن نخسر، أن نجاوره في عالم الشقاء؛ يقول: لم أنت يا آدمي تنجو وأنا وجماعتي نهلك ونخسر؟ المراد بالفحشاء الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] الفحشاء إذا أطلقت فالمراد بها: الخصال القبيحة الشديدة القبح كاللواط، والزنا، وكل خصلة قبيحة شديدة القبح، على سبيل المثال: لو يقوم الآن أحدنا ويكشف عن سروايله وجسمه ويبقى عارياً ويمشي، فهل هذه قبيحة أو لا؟ أشد قبح هذا، لكن لو كشف عن فخذه فتلك قبيحة لكن ما هي بفاحشة.إذاً: كل خصلة قبيحة شديدة القبح هي من الفواحش، والآية تريد من الفاحشة هنا البخل، والعرب يسمون البخل فاحشة، والبخيل: فاحش.إذاً: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالبخل، ولو نستجيب له لما أنفقنا درهماً، بما يلقي في النفس من هذه الخواطر، يهدد بالفقر والحاجة وما إلى ذلك. وسوسة الشيطان للإنسان الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] ليس شرطاً أن يناديك: يا فلان! أنا الشيطان، لا تنفق خشية كذا، بل هو يدخل إلى المحطة ويتصل بك، فالمحطة إذا أنت دمرتها وخربتها ما يبقى له مجال، وما توجد محطة خربت إلا محطة واحدة، وأما محطاتنا فإنه يتصل بنا من بعيد، كيف اتصل بآدم وآدم في الجنة وهو خارج منها؟ الأولون ما عرفوا، قالوا: كيف هذا؟ قالوا: دخل في صورة حية، أو دخل في كذا.. يبحثون عن كيف دخل، والآن نحن عرفنا، فهي محطة في النفس عند القلب يستطيع أن يتصل بك وهو خارج عنها، ولهذا لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بادية بني سعد رضيعاً أجريت له عملية تحطيم هذه المحطة والقضاء عليها، فجاءه ملكان ومعهما جبريل، وشق صدره، ونزعت تلك اللحمة أو القطعة أو المحل نهائياً، فما يصبح للشيطان مكان لأن يلقي بشيء أبداً.أما نحن فما زالت المحطة فينا صالحة، فإذا كان عندك رادار قوي فما إن يحوم حولك حتى تطرده، وإذا كان ما هناك رادار ولا حراسة فإنه يسكن هناك ويغني. وسيلة النجاة من وسوسة الشيطان ويوجد لذلك رادار يباع عندنا، فالذي يرغب فيه وعنده ثمن فليتفضل، فيصبح آمناً، هذا الرادار لا بد له من ثمن، ما هو الثمن يا شيخ؟ نريد أن نشتري.الثمن: أن تخاف الله فلا تعصيه بترك واجب أوجبه ولا بفعل حرام حرمه من العقائد والأقوال والأفعال، إن كان هكذا حالك فاعلم أنك تملك هذا الرادار، وإليكم الآية القرآنية التي تدل على هذا الرادار، قال تعالى من سورة الأعراف: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200] إذا شعرت به فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيطير كالبرق، ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] إخوان الشياطين.فهذا الجهاز العظيم تكتسبه بتقوى الله عز وجل، أنت عاقل، أنت قوي، أنت قادر، أنت عالم، لا تخرج عن طاعة الله ورسوله، لا بترك واجب مأمور بفعله أو قوله أو اعتقاده، ولا بفعل المنهي عنه والمحرم عليك اعتقاداً أو قولاً أو عملاً، بهذه تصفو نفسك وتزكو وتطيب، ويصبح عندك رادار أشد حساسية، فإذا حوّم العدو عندك فقط تعرفه وتطرده.والآن هناك رادارات للجيوش، فإذا حومت طائرة العدو عرفوها، فالحمد لله، ولهذا لا يهلك على الله إلا هالك. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ [الأعراف:201-202] إخوان الشياطين يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202] لا يقصرون أبداً عن فعل المعاصي والجرائم والموبقات؛ لأنهم عمي، الشياطين تؤزهم أزاً، وتدفعهم إلى الباطل والمنكر.فهل عرفتم هذا العدو؟ من أخبر بهذا الخبر؟ الله العليم الحكيم، يقول: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268]؛ حتى لا تنفقوا أموالكم في سبيل الله، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] والخصال القبيحة كالبخل وما إلى ذلك. معنى قوله تعالى: (والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) وَاللَّهُ [البقرة:268] عز وجل يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268] فماذا تختار يا عاقل؟ أن تصبح عبداً للشيطان يأمرك فتفعل، أو تكون ولياً لله يعدك فتستبشر بما وعدك الله به؟والله يعدكم بمغفرة ذنوبكم وبفضل، وهو الجنة ونعيمها، الرزق الواسع الطيب.. قل ما شئت، فضل من هذا؟ فضل الله، ولا تشك إذا قال، فالله واسع الفضل، عليم بالمستحقين، لا تقل: لعل ما عند الله قد انتهى، فهو واسع عليم، لا تقل: ممكن أنه ما يعرف عني شيئاً، ما يدري أننا في نواكشوط مثلاً، أنت معلوم لله عز وجل في أي مكان؛ لأن العوالم كلها بين يديه، إذاً فاطمئن إلى صدقه ووعد الرب تبارك وتعالى.والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما نقصت صدقة من مال ) فمن يرد على رسول الله؟ كل مال تزكيه ينميه الله ويبارك فيه، وتنتفع به أكثر من الأموال المحرمة، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]. تفسير قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ...) وأخيراً قال تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:269] يعطي الحكمة من يشاء هو، ومن هم الذين يشاء الله أن يؤتيهم الحكمة؟ هل نحن منهم؟الجواب: الذين يطلبونها ويقرعون باب الله سائلين طالبين، هم الذين يؤتيهم الحكمة، أما المعرض واللاهي والمشغول عنها وغير الراغب فيها فما يشاء الله له ذلك، هذه سنته، أتريد الحكمة؟ اطلبها تعط، وأما وأنت مستكبر ومعرض وغير مبال فلن تعطى، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ [البقرة:269] أي يعطها فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]. المراد بالحكمة وما هي الحكمة؟أولاً: القرآن والسنة، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا حسد إلا في اثنتين ) الأولى: ( رجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه الليل والنهار )، فتقول: لو يعطيني ربي مالاً كما أعطاه فسأنفقه، فأنت وإياه في الأجر سواء بالنية الصادقة، ( ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها الليل والنهار )، إذا قلت: يا رب! لو تؤتيني هذه الحكمة لقضيت بها الليل والنهار، وهي هنا القرآن، فأنت وإياه في هذا سواء، وهذا ليس بحسد، هذا غبطة؛ لأن الحسد أن تتمنى أن تزول النعمة من فلان لتحصل لك، وبعضهم يتمناها أن تزول من فلان ولو لم تحصل له، وهذا شر الحسد والعياذ بالله، المهم ألا يرى فلاناً في خير، أما الغبطة فلا تكون إلا في شيئين. والشاهد عندنا في أن القرآن حكمة؛ لأنه ما وضع شيئاً في غير موضعه قط، والله! لا كلمة ولا حرف؛ إذ الحكمة وضع الشيء في موضعه، والحكيم يضع الشيء في موضعه، فحين يصب الحليب أو اللبن لا يصبه في الأرض، يصبه في الكأس.إذاً وضع الشيء في موضعه هو الحكمة، والحكيم من كانت هذه صفته، الكلمة لا يقولها حتى يبحث عن المكان اللائق بها، وحتى يعرف ما تنتجه فيضعها في موضعها، وهذه الحكمة تكتسب، فأولاً القرآن الكريم والسنة النبوية، احفظ ما شاء الله أن تحفظ وافهم ما شاء الله أن تفهم، وطبق واعمل، ولا تزال كذلك حتى تصبح حكيماً في كل تصرفاتك، في البيع، في الشراء، في الرحيل، في الإقامة.. في كل شيء، لا تضع الشيء إلا في موضعه؛ لأنك حكيم.قال تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] ولهذا من أعطي القرآن فحفظه وفهمه وعمل بما فيه وقال: إنه فقير فأدبوه، فأين الفقر مع القرآن؟ أغنى الناس أهل القرآن. معنى قوله تعالى: (وما يذكر إلا أولوا الألباب) ثم قال تعالى: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [البقرة:269] ما الألباب؟ جمع لب، وهو العقل، القلب؛ مصدر الوعي والفهم، فمن يتذكر بهذه المذكرة الإلهية؟ أصحاب القلوب الحية، هذا إخبار الله تعالى، وما يذكر بهذه التذكرة الربانية في هذه الآيات إلا أصحاب العقول الراجحة، والفهوم الصاعدة الطيبة، وهذا مبني على طهارة الروح وزكاة النفس؛ لأن أصحابها متقون لا تتلوث أرواحهم ولا تخبث نفوسهم. ملخص لما جاء في تفسير الآيات أعيد تلاوة الآيات وتأملوا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]. واسمعوا التنبيه: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] تقصد الرديء غير الجيد الذي ما يصلح وتعطيه الفقراء والمساكين، واذكروا قصة العراجين التي كانت تعلق في الصفة، يدس معها قنواً فاسد ليقولوا: فلان جاء بقنو من بيته أو من بستانه.إذاً: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267] إذا أغمضت عينيك فستأخذ الرديء.ثالثاً: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267] لا يخطر ببالك أن الله محتاج إليك أو إلى مالك، ما أعطاك هو حقه وماله، فإن طلب منك أن تنفق لتزكية نفسك أو إسعادها فليس معناه أنه في حاجة إليه. الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] كل قبيح الشيطان يدعو إليه، فالذي يفتح مخمرة في بلاد المسلمين أليس هو الشيطان؟ الذي يفتح بنكاً ربوياً يلقي الناس في جهنم أما أمره الشيطان؟ الذي يستورد المحرمات من الحشيش أو الدخان ويبيعها بين المسلمين أما أمره الشيطان؟ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268] فقولوا: الحمد لله.وأخيراً: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] يا صاحب العلم والمعرفة! لا تقل: أنا فقير، انتبه، استح! أنت تملك ما لا يملك ملايين البشر، تملك الكتاب والحكمة. وَمَا يَذَّكَّرُ [البقرة:269] من يفهم هذا الكلام ويعيه ويعمل به؟ هل المجانين؟ بل أصحاب العقول، أرباب الألباب والنهى، وصدق الله العظيم.إليكم هذا الحديث: يقول ابن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة، يقول في هذه الآية: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268] إلى آخرها، يقول: اثنتان من الله واثنتان من الشيطان. وهو كذلك، ويفسر هذا الحديث عند الترمذي ؛ إذ فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن للشيطان لمة بابن آدم ) يلم به: يحوط به كما قدمنا، ( وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ).من وجد في نفسه لمة الملك فليقل: هذه لمة الملك، أنه يشجعه على النفقة، وعلى رجاء الله وعلى طلب الفضل والخير، إن وجدت هذا في نفسك فاحمد الله، فهذا من الملك، وإن وجدت حال النفقة خاطراً يقول: كيف تخرج ما في جيبك؟ من يعطيك كذا؟ فذلك -والله- من الشيطان؛ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268]، إن وجدت في نفسك العزوف عن الشهوات وترك الرغبة فيها ودوافع تبعدك عن هذه المحرمات فاعلم أن هذه من لمة الملك الذي يدخل قلبك. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات لهذه الآية هدايات: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات:من هداية الآيات:أولاً: وجوب الزكاة في المال الصامت من ذهب وفضة وما يقوم مقامهما من العمل ] على اختلافها، [ وفي الناطق من الإبل والبقر والغنم؛ إذ الكل داخل في قوله: مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]، وهذا بشرط الحول وبلوغ النصاب.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
من علامات الفاسقين قال الله: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ قال تعالى بعد ذلك مبيناً علامات الفاسقين الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27]، ولنبدأ بعلماء اليهود وعلماء أهل الكتاب عامة؛ إذ هم قد عرفوا أن هذه الدعوة المحمدية، وأن هذا الدين هو امتداد لأديان الله الأولى، وليس بشيء جديد، وأمر الله بصلة الأديان وعدم قطعها، وهم قطعوها وكفروا بالإسلام. إذاً: قطعوا ما وصل الله: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]. وقد قرأنا آية آل عمران: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187].كما أخذ الميثاق على لسان عيسى وموسى ومن قبلهم، أي: من الأنبياء أنفسهم، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].فالذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه هم الذين ارتدوا بعد الإسلام، فالذي يعيش يوماً أو دهراً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا هو الميثاق الأول، ثم ينقضه ويرتد ويصبح ملحداً أو زنديقاً فهذا نقض العهد.قلت غير ما مرة: كل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقد عاهد الله، وأعطى العهد والميثاق ألا يعبد إلا الله، فإن ترك العبادة نقض عهده .. إن عبد مع الله غيره نقض عهده .. إن اعترف بعبادة غير الله نقض عهده .. إن لم يتبع رسول الله، ولم يمش وراءه، ولم يطبق شريعته وأحكامه نقض عهده؛ ومن قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم لا يمشي وراءه، ولا يأخذ عنه، ولا يقتدي به، فقد كذب نفسه، لم تقول: أشهد أن محمداً رسول الله؟! وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27] هذه آثار الفسق، فإذا فسق المرء عن طاعة الله، وانغمس في المعاصي والجرائم فلا تعجب، قد يذبح أمه؛ لأنه فسق وخرج عن الطريق، وعلة هذا الفسق: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]. وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ [البقرة:27] أيضاً، وقد علم السامعون والسامعات معنى الفساد في الأرض، يحرفونها؟ يزيلون الجبال؟ يقطعون الأشجار؟كيف يكون الفساد في الأرض؟ إنه -والله- بمعصية الله ورسوله؛ لأن طاعة الله وطاعة الرسول، كما هو القانون الإلهي والسماوي أنه لا سعادة ولا كمال إلا بالانتظام فيه والسير على منهاجه، فمن أهمله وأضاعه، وأعرض عنه، وخرج بعيداً يتخبط، يعمل الموبقات، وهذا أفسد في الأرض أو أصلح؟ والله أفسد. وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، وهذا نقوله؛ ليس من يفتح ماخوراً في بريطانيا، كالذي يفتحه في بلاد إسلامية سواء بسواء، لا والله العظيم، لم؟ لأن هذه البلاد أصلحها الله بالإيمان، وطاعته، وطاعة رسوله، فالذي يحدث فيها فجوراً أو باطلاً أو شراً أفسد فيها بعد إصلاحها، أما الذي يفسد في أمريكا أو بريطانيا فهي أرض فاسدة من أولها، ما أصلحها الله بالإسلام، وكيف -إذاً- بالذي يفسد في أرض صالحة إلى الآن.فلهذا نقول لأبنائنا وإخواننا: اسمعوا يا سكان هذه المدينة، يا سكان هذا العالم الطاهر! من أراد أن يعيش على الفسق والفجور يخرج ويرحل من هذه الديار، وينزل في غيرها. لا يستطيعون؟ إذاً: فليتوبوا إلى الله، وليرجعوا إليه، أما أن يطهر الله أرضاً كهذه ويأتي عبد الله بالفساد والشر فيها، فهذا ذنب عظيم.والآية ناصعة واضحة: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، أما ما كانت جاهلية وثنية؛ فالمعصية فيها خفيفة لا قيمة لها بالنسبة إلى الكفر والشرك والعياذ بالله.إذاً: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [الأعراف:56] يا أهل المدينة! يا أهل مكة! يا أهل الرياض! يا أهل هذه الديار! من لا يستطيع أن يترك المحرمات فليرحل، فإن كان لا يستطيع أن يعيش في بلاد أخرى يتوب إلى الله، ويذعن له ويستسلم، أما أن يفسد في أرض صلحت فهذه جريمة قد لا تغتفر له، وقد يموت على سوء الخاتمة، والعياذ بالله. الخسران الحقيقي http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg وأخيراً جاء الختم: أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:27] إي نعم، الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27] حتى من صلة الأرحام: أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:27]، وقد عرفنا أن الخسران ليس فقد الشاء، ولا البعير، ولا المرأة، ولا الولد، ولا الوظيفة، ولا المنصب، ولا.. ولا، وهل معلوم لدى السامعين حقيقة الخسران؟ اسمعوا؛ قال تعالى لرسوله بلغ أعلن: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]، وقد سمعتم كيف يؤتى بالرجل أو المرأة فيوضع في صندوق من حديد، ويغلق عليه، ويرمى في أتون الجحيم مليارات السنين لا يأكل، ولا يشرب، ولا يسمع، ولا ينطق ولا.. ولا، ولا يموت، يبقى أحدهم في عالم الشقاء لا أم هناك، ولا أب، ولا أخ، ولا أخت، ولا امرأة، ولا ولد؛ وحده يعيش في عالم، ونسبة ذلك العالم إلى هذا كأن يغمس أحدنا أصبعه في البحر، فالبلل الموجود في أصبعه عندما يجمعها هي جزء من مائة من مليون جرام، ولينسبها إلى البحر، لا إله إلا الله! قولوا: آمنا بالله. تقرير الألوهية ثم جاء بيان تقرير الربوبية الإلهية، تقرير الإلهية لله عز وجل؛ لا يعبد إلا الله، جاء تقرير مبدأ الحياة الثانية والجزاء الأخروي؛ لأن المشركين منهم من ينكرون البعث والدار الآخرة كالملاحدة، ومنهم مشركون ويؤمنون بالبعث والجزاء، فقال تعالى موبخاً، مقرعاً، مؤدباً: و كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ [البقرة:28] أي: بالله ولقائه: وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ [البقرة:28]، هل هناك من يقول: لا أنا ما كنت ميتاً، أنا كنت حياً منذ آلاف السنين؟ نقول له: هات براهينك وأدلتك، نحن كنا غير موجودين عدماً، فأوجدنا، وأحيانا، وأصبحنا أحياء.قال: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ [البقرة:28]، هل هناك من يقول: لا نموت؟ هانحن ندفن إخواننا كل يوم تباعاً، واحداً بعد واحد، والله لا يبقى منا واحد، نموت أو لا؟ إذاً: من أحيانا .. من أماتنا؟ الله، أيعجز أن يحيينا مرة ثانية؟ لا، والإعادة أسهل بكثير من البداية. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] رغم أنوفكم مريدين أو رافضين لابد من الرجوع لتتم عدالة الله وحكمته في الجزاء على الكسب في الدنيا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28]. خلق الله ما في الأرض للبشر قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، مناظر ومظاهر، فانظر يا عبد الله وتأكد، هو لا غيره وحده لا ثاني له، قال: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]؛ من البر إلى الزيتون .. إلى ذوات اللحوم والألبان بل والمعادن، فكل ما في الأرض مخلوق مربوب، الله الخالق. ولمن خلقه؟ للملائكة؟ له هو؟ لكم، ومع هذا لا يستحون من الله ولا يخجلون، ويرفعون أكفهم إلى غيره، ويسجدون لسواه. إنها محنة الجهل وظلمة القلب، والمطلوب منا دائماً أن نقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، طول النهار والليل.ثم قال: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [البقرة:29]، هذه العظمة، هذا الجلال والكمال، هذه القدرة التي لا يعجزها شيء، هذا العلم، وكلمة سبع سماوات تعني: سماء فوق سماء، وغلظ السماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء والأخرى مسيرة خمسمائة عام، ولما أراد الله أن يجتازها رسول الله اجتازها في دقائق معدودات. لا إله إلا الله! وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، هذا الذي يستحق أن يعبد أو لا؟ هذا الذي يستحق أن يطاع .. أن يذعن له .. أن يذل له .. أن يستجاب نداؤه، لا المخلوقات المربوبة، المتهالكة، العاجزة الضعيفة، سبحان الله! فلهذا هذا القرآن روح، والله لا حياة بدونه، وهذا القرآن نور، فلا هداية بدونه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].فما حييت أمة العرب إلا على هذا الروح، ولا اهتدت إلى عزها، وكمالها، وسيادتها، وطمأنينتها إلا على هذا النور، ومع هذا يجحدون هذا ويغطونه! فأين يذهب بعقولهم! وما زلنا نقول: والله العظيم! لن يستقيم أمر أمة ولا جماعة ولا أسرة في الأرض إلا على هذا الروح وهذا النور، وجربوا في الشرق والغرب.وهنا انتهينا إلى الآية التي بدأنا درسها وشرحها في الدرس الماضي. اشتقاق اسم الملائكة ومادة خلقهم قال ربنا تبارك وتعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ... [البقرة:30]، هذه علوم ومعارف ينزل بها هذا القرآن، ويتلوها هذا الرسول، ويتلقاها النساء والرجال؛ فيخرجون من ظلمة الجهل والبعد عن الحق والمعرفة، فيصبحون عالمين ربانيين يعلمون ذرات الكون العلوية والسفلية، بأية واسطة؟ إنها القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم.وقد عرف العدو هذا فصرف المسلمين من قرابة ألف سنة صرفاً كاملاً عن مصدر حياتهم وهدايتهم؛ حتى هبطوا، وذلوا، وأصابهم ما أصابهم، وما أفاقوا إلى الآن! ما زلنا.فانظر واذكر يا رسولنا لهؤلاء البشر للسامعين وغيرهم: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]. تكلمنا في جزء الكلام عن الملائكة: من الملائكة؟ من أين اشتق هذا الاسم؟ وقلنا: إنه من ملأك كشمأل، ويجمع على شمائل، أي: ملائكة، ومأخوذ من الألوكة وهي الرسالة؛ إذ الملائكة رسل الله.وهؤلاء الملائكة مادةُ خلقهم من النور، ومادةُ خلق الجان من النار، ومادةُ خلق الإنسان من الطين، وهل بقي شيء آخر؟ لا شيء، خلق الله عز وجل الناس بني آدم من الطين، إذ خلق أباهم آدم من الطين، وتناسلوا من ماء مهين، وخلق الجان من شواظ من نار، وتناسلوا وتوالدوا وملئوا الأرض.وخلق الملائكة من النور، ولا يتوالدون إذ جنسهم خاص، لا يأكلون، لا يشربون، لا يتزوجون، لا يلدون، لا يمرضون، مخلوقون -أستغفر الله- كالآلة لا تعرف إلا طاعة الله عز وجل، ولكن يرهبون الله ويخافونه، وترتعد فرائصهم، ويغمى عليهم إذا سمعوا كلام الله عز وجل. الكلام عن حملة العرش هذا العالم ذكرنا أن منهم -وبدأنا بأعلاهم- حملة العرش أربعة، عرش من؟ سرير من؟ عرش ربنا .. سرير مولانا، أيدير هذا الملكوت بلا سرير ملك؟! يعلمنا، لمَ نحن عندنا أيضاً كراسي وأسرة؟ فالله عز وجل يعلمنا هذا ويرشدنا: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].وقد عرفنا قيمة هذا العرش ومقداره، لما ضرب لذلك ابن عباس من مثل، قال: الكرسي أخبر تعالى أنه وسع السماوات والأرض: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255]، فهذه السماوات وهذه الأرضين كلها لو جعلت رقعة إلى جنب الأخرى، وألصقت بها ووضعنا الكرسي لكان الكرسي أكبر؛ لأن الله محيط بكل شيء: وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج:20] ونسبة الكرسي إلى العرش كحلقة من صفر ملقاة في صحراء .. في فلاة، فما هي نسبتها إلى الأرض؟!ومع هذا أخبرنا الله ورسوله أن للعرش حملة وهم أربعة، ويوم القيامة يضاعفون بأربعة، فيصبحون ثمانية، إذ قال تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]. واليوم أربعة، والملائكة يحفون بالعرش طول الدهر: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر:75] فلا يعرف عددهم إلا الله. من خلقهم؟ خلقهم الرب العظيم الذي يقول للشيء: كن فيكون.أتريد أن تعرف قدرة الله؟ هذا الكوكب الناري؛ الشمس التي نستفيد من حرارتها أكبر من الأرض بمليون ونصف المليون مرة، فمن جمع لنا نارها، وأوقدها، وعلقها مناراً في السماء؛ تدب كعقرب الساعة إلى يوم الساعة، من فعل هذا؟ السحرة! من ذاك؟! الله. فلهذا لو يزول الحجاب عن قلوبنا إذا ذكرنا الله يغمى علينا! وعلى الأقل المؤمنون إذا ذكر الله تضطرب نفوسهم، واقرءوا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2].أما الأموات: خاتم الذهب في يده، تقول له: يا عبد الله! حرام عليك. يسخر ويقول: هذا رجعي.يا عبد الله! أنت تحلق، لا تحلق وجهك، خل علامة الرجولة، يسخر!ففرق بين الحي والميت أم لا؟ وفرق بين المؤمن والكافر أم لا؟ فرق بين المهتدي والضال أم لا؟ نعم.إذاً: المؤمن إذا وعظته خاف: يا عبد الله! أما تخاف الله! تجده -والله- يرمي المعصية من يده، ولا يصبر أبداً، فالمؤمن حي، والميت اقرأ القرآن كله عليه لا يشعر!وعرفنا أن الملائكة ملئوا السماوات، فما من موضع قدم في السماء إلا وعليه ملك راكع أو ساجد. الكلام عن الملائكة الحفظة عرفنا أن الملائكة في الأرض معنا: ( يتعاقب فينا ملائكة بالليل وملائكة بالنهار )، وكل واحد منا معه أربعة ملائكة قد اختصوا به، لا يتناولون غيره، مع الحفظة الذين بين يديك ومن ورائك، ولولا الحفظة لالتهمتنا الشياطين؛ لأنهم يقدرون علينا ولا نقدر عليهم، يروننا ولا نراهم، لكن هؤلاء الحفظة حفظنا الله تعالى بهم حتى تتم حياتنا.وهنا ذكرت لكم لطيفة! إذا قال القائل: ما فائدة الحفظة ونحن نموت ونمرض ونهلك؟قلنا: فائدة الحفظة أعطيتها في الرئيس .. الملك له حرس يحرسه خمسون .. مائة، ما الفائدة مادام لابد من الموت ولابد من قضاء الله؟ الجواب: لما يعرف الملك أو الرئيس أنه محروس تطمئن نفسه، ولا يبقى يلتفت، ولا يبقى في حيرة ولا يستطيع أن يقوم ولا يقعد، يكون هادئاً مطمئناً؛ لوجود حرس. وهذا غير مانع أن ينفذ أمر الله فيه، فكذلك نحن لما علمنا أننا محروسون لولا هذا العلم لكان أحدنا لا يستطيع النوم، كيف ينام والجن حوله وفوقه؟ كيف يمشي؟ كيف يستطيع؟ لكن عرف أنه محروس: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11]. كم عدد الملائكة إذن في الأرض فقط؟ولا تسأل عن وظائف الملائكة الكرام الكاتبون والحفظة، ثم من مع الأرواح، مع الأمطار، مع السحب، من ملك الموت، من أعوانه؟ قلنا: الكثير، وما ذكرنا إلا قطرة من بحر، عالم كبير، نحن ما نساوي فيه ولا العشر.وعرفنا أنهم كما أخبر تعالى عنهم: لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينامون، و لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، و لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:27]، وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:28]، وكلهم نور. خروج الملائكة من البيوت بسبب المعاصي وهنا نبهت إلى أنهم ينزلون بيوت المؤمنين؛ ليحفظوهم وليستجيبوا، وإذا دعا المؤمن قالوا: آمين! فإياكم أن تطردوهم بأيديكم! فيا معشر المستمعين والمستمعات! أغلقوا أبواب بيوتكم عن الشياطين، لا تفتحوها لهم أبداً، وكيف يدخلون يا شيخ ونحن نقرأ القرآن، ونردد آية الكرسي، وأصواتنا مرتفعة بالتهليل والتكبير؟الجواب: لا يدخلون، لكن يدخلون بيتاً فيه التلفاز، والعواهر تغني وترقص، وأصوات الكفار والماجنين تملأ الحجرة، والفحل مع بناته وامرأته يجلسون يتفرجون ويضحكون! فهنا ترحل الملائكة، والله لا تبقى! ويصبح ذلك البيت بؤرة من بؤر الفساد، ولو نعرف عاقبة ذلك لقلنا: قد يموتون على سوء الخاتمة.أتعرفون التأثير أم لا؟ يتكلم الإنسان بكلمة تؤثر في نفسه، والفحول يعرفون إذا سمع صوت امرأة أجنبية يرتفع ويهيج في باطنه، ولهذا حرم الله على المؤمنة أن ترفع صوتها للأجانب: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، والعميان، والضلال، والملاحدة لا يفهمون هذا، لم لا تتكلم؟ يا بشر! تعالوا فتعلموا، نحن نريد أن نحفظ زكاة أنفسنا لنرتقي إلى السماء والملكوت الأعلى، ولو كنا نريد الأرض فقط، والهبوط إلى المستوى الأسفل ما قلنا: هذا حرام ولا حلال، كل، وانكح، وافعل ما تشاء! لكنك تعد نفسك لترقى إلى السماء، وتنزل الدار دار الخلد .. دار الأبرار مع النبيين والصديقين، فكيف بالذي يجمع بناته وأولاده وامرأته وأمه ويشاهدون الكفار يتكلمون ويضحكون، والعاهرة ترقص، فهل يبقى الملائكة؟! يستطيع أهل هذا البيت أن يضمنوا أنهم يموتون على حسن الخاتمة؟! ومن يضمن أن قلوبهم لا تفسد، وأن لا يصابوا بالنفاق -والعياذ بالله- ويصبحوا كالحيوانات؟يا شيخ! لم تشدد هذا التشدد؟ الجواب: أنا سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة )، ما هي الصورة؟ ليست عاهرة أو كافرة تتكلم، بل صورة موجود في ستارة على نافذة منسوجة بالخيوط، ما لها ملامح ولا صوت، منعت الملائكة! وعاهرة كافرة في بيتك ترقص، وأنت تضحك مع امرأتك وأولادك، يبقى إيمان .. يبقى نور؟ ما ندري، ولكن الذي نعلم حسب سنة الله أن من استمر هكذا في بيته أن يحصل له ما يموت به على سوء الخاتمة، فاحذروا. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (35) الحلقة (42) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (130) إن الله عز وجل عليم بعباده، خبير بما تعالجه نفوسهم، فمن أنفق نفقة أو نذر نذراً فإن الله يعلم إن كان يريد بذلك وجهه تعالى، فيكفر بذلك سيئاته، ويرفع به درجاته، وإن كان يريد بذلك غير وجه الله فإنه يحرم أجر ما أنفق أو نذر، ورب العزة يبين هنا أن من أنفق نفقة فأظهرها مريداً بها وجه الله فهو خير، وإن أخفاها فهو أفضل وأجدر أن يكفر الله به سيئاته ويجزل مثوبته. قصة بقرة بني إسرائيل الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق رجاءنا إنك ولينا.وها نحن وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:270-271].معاشر المستمعين والمستمعات! أليس هذا كلام الله؟ إي والله، كلام الرب تعالى، وصل إلينا والحمد لله، فملايين البشر محرومون، لا يسمعون عنه ولا يعرفون، ومن عرف كفر وكذب وأنكر ليحترق ويخسر، ولكن منة الله على المسلمين أن أنزل كتابه على رسوله وأورثه فيهم، يحفظونه في صدورهم، ويحفظونه بسطورهم؛ حتى يرفعه الله حيث لم يبق من ينتفع به في آخر ساعات هذه الأيام. من القائل: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ [البقرة:270] أليس الله؟ بلى؛ لأن هذا كلامه في كتابه، وهذه الآيات من سورة البقرة، وهي ثاني سورة من سور كتاب الله عز وجل، الأولى الفاتحة، والثانية البقرة، هذه البقرة لا تتصور منها ذات اللبن واللحم، هذه السورة ذكر فيها لفظ البقرة؛ فسميت بذلك.وحادثة البقرة حادثة عظيمة، تليت على الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأها في الكتاب ولم يشهد أيامها ولم يعرف عن أهلها ولا عن تاريخها، إلا أن اليهود وهم أهلها كانوا يسكنون هنا ويجادلون، والله! ما استطاعوا أن يردوا حادثة ذكرت في القرآن وهي من أحداث آبائهم وأجدادهم، فلهذا قل: آمنت بالله.وحادثة هذه البقرة: أن رجلاً كان يحب الدينار والدرهم مثلنا، وكان له ابن أخ يرثه، وطالت المدة، فمتى يموت هذا؟ فاستعجل فقتله وأخذ يصرخ: ابن أخي قتل!وتمضي القرون وعشراتها ويحدث هذا في قرية كنا نقيم بها، رجل من أهل القرية له ابن أخ يشترك معه في بستان، فوالله! لقد ذبحه تحت نخلة في حوض، وخرج يندب ويصرخ ويبكي: ابن أخي ذبحوه، وقامت البلاد وقعدت، وجاء الباحثون أو المحققون، وما هي إلا جولة واعترف بأنه هو الذي ذبحه؛ لأن طباع البشر هي هي، إذا لم يمتلئ قلبك بنور الله فأنت في الظلام، والماشي في الظلام كيف ترون مشيته؟ يتخبط، يقوم ويقعد. إذاً: فلما رفعت القضية إلى نبي الله موسى عليه السلام بم حكم؟ أوحي إليه أن: اذبحوا بقرة من خيرة ما تملكون. وأخذوا يتشددون: ما وصفها؟ ما سنها؟ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو رضوا بأول بقرة ذكرت وذبحوها لأجزأتهم، لكن انتهوا إلى أن اشتروا بقرة من يتيم بملء جلدها ذهباً، وذبحوها وأخذوا قطعة لحم وضربوه بها فاعترف، لهذا سميت بسورة البقرة، ولا بأس بأن نسمعكم تلك الآيات، وهي قصة عجب، ولم يستطع اليهود أن يردوا فيها حرفاً واحداً.قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة:67-70] قالت العلماء: لولا هذا الاستثناء فوالله ما اهتدوا، لكن ألهمهم الله فقالوا: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى [البقرة:70-73]، ضربوا المقتول بقطعة منها فقال: قتلني فلان ومات، ومن عجيب أسلوب القرآن أنه قدم القصة وأخر سببها؛ لتبقى النفس متشوقة، ولو ذكرت الحادثة من أولها فقد لا تقرأ الآيات بعد، فآمنا بالله. انصراف المسلمين عن الاجتماع على مدارسة القرآن الكريم فهذا القرآن، هذا النور الرباني حرمه المسلمون من قرون لا يجتمعون عليه ولا يقرءونه ولا يعلمون ما فيه، ولا يحكمونه ولا يطبقون شرائعه، وإنما يقرءونه على الموتى، إذا مات أحد في العائلة يأتون بطلبة القرآن يقرءونه ويطعمونهم ويضعون في أيديهم ما شاء الله من النقود، هذا هو القرآن، فمتنا، من فعل بنا هذا؟الثالوث المكون من المجوس، واليهود، والنصارى، لم فعلوا بنا هذا يا أبنائي؟ عرفوا أن حياة هذه الأمة كانت بالقرآن، فقالوا: هيا نبعدها عن القرآن، أما أن نبعد القرآن عنها فما نستطيع، حاولوا أن يسقطوا حرفين وهي كلمة (قل) وانعقدت مؤتمراتهم السرية مئات المرات وعجزوا، فكيف يصنعون؟قالوا: إذاً نبعدهم عن قراءته فقط، فحولوه إلى المقابر، وإلى المآتم، وإلى بيوت الموتى، أما التفسير فإن قلت: قال الله؛ فإنه يقال لك: اسكت، هل أنت تعرف ما مراد الله؟ قل: قال سيدي فلان، قال الشيخ! ووضعوا قاعدة أيضاً حفظناها، يقولون: تفسير القرآن العظيم صوابه خطأ، إن فسرت وأصبت فأنت آثم، وخطؤه كفر، ومن فسّر فأخطأ فقد كفر، فألجموا أهل القرآن وأسكتوهم، فضلت الأمة وهوت وسقطت، فمزقوها وشتتوها وعذبوها واضطهدوها، وما زالت إلى الآن ترزح تحت كلكل معتقداتهم.وإلى الآن أروني اثنين أو ثلاثة يجتمعون تحت سارية، تحت شجرة، في ظل جدار ويقول أحدهما للآخر: من فضلك أسمعني شيئاً من كلام ربي.إذاً: ما زال الموات هو هو، ولهذا ما زلنا أذلة فقراء منحطين، اليهود يضحكون علينا، والمسلمون أذل الناس، من أذلهم؟ الله. لم يذلهم؟ أعرضوا عنه، ما عرفوه، جهلوه، ما هم بأولياء، إذاً: سلط عليهم أعداءه إلا من رحم الله، فهيا مع هذه الآية. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير قوله تعالى: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ...) يقول تعالى لنا معشر المؤمنين والمؤمنات، وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270] صغيرة أو كبيرة، ذهب أو تمر، أو ثوب؛ لأن التنكير هنا للتعميم، وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ [البقرة:270] مطلق النفقة، أنفقتموها أولاً: على الفقراء والمساكين، ثانياً: لأجل رضا الله وحبه لكم ورضوانه عليكم، أما إذا أنفق للرياء والسمعة، أو أنفق على الكفار والمنافقين فهذا ليس لله، وما أنفقتم أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات من نفقة صغيرة أو كبيرة، هذا أولاً. النذر الجاهلي الشركي ثانياً: أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ [البقرة:270] النذر هذا في لغة العامة يسمونه العينة وهي لغة فصيحة، ويسمونه الوعدة وهي بين بين، فالعينة فصيحة والوعدة لا بأس بها، ولفظ النذر نسيناه، ما أصبح أهل القرآن ولا غيرهم يقولون: النذر، في أكثر قرى العالم ومدنه أيام الهبوط يقال: العينة والوعدة، فما هذه الوعدة؟ كانت المرأة إذا ما يسر الله زوجاً لابنتها وتريد زواجها تعد سيدي عبد القادر بوعدة: يا سيدي عبد القادر ! إذا تزوجت ابنتي ذبحت لك كبشاً.وإن كانت في خصومة مع زوجها تقول: يا سيدي إدريس، يا مولاي كذا! إذا غلبته وخاصمته في المحكمة فسأذبح بقرة، وقد سمعت أذني وأنا طفل أمشي مع عجوز، فمرت بولي في قبة فواجهته فقالت: إذا انتصرت على زوجي فسأفعل كذا، واسألوا العجائز.هذا هو النذر، لا يعرفون نذراً لله قط، إلا للأولياء، لسيدي فلان ولسيدي فلان، من إندونيسيا إلى موريتانيا، حتى المدينة قبل دخول عبد العزيز وتطهيرها.هذا النذر الجاهلي، وهو في الحقيقة شرك في عبادة الله تعالى، من نذر لغير الله فقد أشرك، أي جعل المنذور له إلهاً وأقبل عليه، ورغب أن يقضي حاجاته ويعطيه سؤله، فجعل له شركاً محضاً.هذا النذر الشركي زالت غيومه وسحبه إلا القليل بفضل الله تعالى ثم بفضل هذه الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، واتسع نطاقها، وانتقل رجالها، وعانوا من كلمة وهابي، ففي السودان وفي كل بقعة كل من يدعو إلى الله يقال له: هذا وهابي إذا كان يحارب الخرافات والضلالات، ولكن بقضاء الله وقدره انتشر الكتاب وجاءت هذه المواصلات العصرية، وأصبح الناس يحجون ويعتمرون ويعودون، فانتشرت دعوة التوحيد، وإلا فقد مضت قرون والأمة هابطة، والله! ما يعرفون الله كما يعرفون غيره، فالحمد لله.فالنذر لغير الله شرك، أن تقول: يا سيدي فلان، أو يا رسول الله، أو يا فاطمة، أو يا مولاي، أو يا معشر الصالحين! إن فعل الله بي كذا فسنفعل لكم كذا وكذا، هذا شرك محض، صاحبه لو لم ينقذه الله بالتوبة أو بالإقرار بالتوحيد فيموت وقد تبرأ من ذلك الشرك فهو خالد في جهنم، أما قال الرب تبارك وتعالى: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] وهذه الكلمة قالها عيسى عليه السلام في اليهود، هذه كلمة ابن مريم سجلها الله في القرآن وأسمعنا إياها؛ إذ جاء من سورة المائدة: وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].ومن سورة النساء آيتان لنا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وفي آية: فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، فمن هنا ما أصبح بين العارفين والعارفات من يقول: يا رسول الله. وقد كان الشيخ الكبير يقول والمسبحة في يده: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله في غمرة من الأنوار، وحين ينعس وتسقط المسبحة يقول: يا سيدي فلان! فيمسح كل ذلك، ويسقط الفنجان من يده أو الكأس أو الملعقة فيقول: يا فلان! وهل الله ما يسمعون به أم ماذا؟! وقد ذكرت لكم أن أحد الإخوان حضر دروسنا وظنناه تفوق وتعلم، ركبنا معه السيارة وهو السائق رحمة الله عليه، وخرجت السيارة عن الطريق فقال: يا رسول الله! يا رسول الله! بأعلى صوته، فقلت له: أين الله؟ ولو مات على هذه الحال لمات مشركاً، وهو عامي؛ لأن العوام إذا لم يتربوا تربية في حجور الصالحين زمناً طويلاً فما يكفيهم السماع؛ إذ لا بد من الصدق في الطلب، والرغبة في تحقيق العلم والعمل به، ويجلس العام والأعوام، أما في أيام محدودة أو مواسم معينة فما ترسخ هذه العلوم في النفس البشرية. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
النذر المكروه وهناك النذر الجائز ولكنه مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل ) أن يقول: يا رب! إن نجح ولدي وأخذ البكالوريوس أو الماجستير فسأذبح بعيراً للفقراء والمساكين، فإن نجح ولده وأخذ الماجستير وجب أن يذبح لا محالة، وإذا ما نجح ولده ورسب مع الراسبين فليس عليه شيء، لا يذبح ولا يصوم.وآخر يقول: إن يسر الله لي ووجدت سكناً أو بنيت غرفة أسكنها فسأصوم شهراً لله رب العالمين، وتمضي الأيام وتحقق مطلوبه وحصل، يجب أن يصوم ذلك الشهر وجوباً، فإن لم يتحقق مطلوبه فلا شيء عليه، لا يصوم.امرأة تقول: لو يرزقنا الله ولداً لأصومن عاماً كاملاً، وهي عاقر ما تلد، وإذا بها تحمل وتلد، يجب أن تصوم عاماً، هذا النذر جائز، لكن مكروه؛ لأنك تقول لربك: إن تعطني أعطك، وإن لم تعطني فلن أعطيك، أليس هذا سوء أدب؟ أنت تخاطب سيدك ومولاك وحبيبك وتقول: إن تعطني أعط، وإلا فلن نعطي! الله يقبل هذا، لكن فيه سوء أدب، وإذا أعطاك الله ما طلبت فما أعطاكه من أجل نذرك، بل أعطاكه قبل أن يخلقك ويخلق الملكوت كله، هذا في قضائه وقدره، فالنذر لا يأتي بشيء.هذا النذر دون الأول، الأول شرك محض أعوذ بالله منه ومن أهله، والثاني جائز، فالعجز، والضعف، والحاجة تجعل الإنسان ينذر هذا النذر رجاء أن يعطيه الله، فلا بأس، وتركه أولى. النذر المحمود المعني في الآية الكريمة ثالثاً: النذر الذي يعنيه تعالى هنا كما في قوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7]، هذا النذر يا أبنائي ليس عندنا، هذا النذر هو أن يتكلم مع الله سراً ويقول: يا رب! لك علي أن أحج هذا العام على رجلي، أعذب نفسي من أجلك، وجاء الحج وخرج، فيقال: اركب. فيقول: ما نركب، تقف السيارة والبعير فيقال: اركب يا شيخ! فيقول: دعوني أمشي، فيحج ماشياً يريد أن يرضى الله عنه، أن يحبه الله، أن يسجله في ديوان أوليائه الصالحين.وآخر يقول: لك يا رب علي أن أبيت هذه الليلة راكعاً ساجداً حتى يطلع الفجر، ويصلي العشاء ويبدأ، فيصلي ويبكي إلى أن يطلع الفجر، لماذا فعل هذا؟ هل ليزوجه؟ لا. بل ليرضى عنه، ليحبه، يتملق إلى الله ويتزلف إليه.أو يقول: لك يا رب من الآن ثلث ما أملك، كلما جاءه خير تصدق بثلثه، لم يفعل هذا؟ يتملق الجبار، يتزلف إلى الجليل العظيم ليرفع مستواه ويعلي مقامه، وينزله في مستويات أوليائه الصالحين، هذا النذر الثالث هو الممدوح، هو المحبوب، هو المرغوب، لكن هذا قل من يراه أو يفعله؛ لأننا طماعون نريد أشياء حاصلة.فالنذور ثلاثة: أولها: شرك وحرام، وثانيها: جائز ومكروه، وثالثها: مرغوب ومحمود.هذا الثالث هو الذي عناه ربنا تعالى في قوله: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] أهذا هو الجزاء: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]؟ هذا ما هو بالجزاء، الجزاء فوق ما تتصور، فلهذا ما ذكر الجزاء، واكتفى تعالى بقوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]، وإذا علمه فهل سيضيعه؟ هل سيفرط فيه؟ كلا. معناه: اتركوا لي هذا الجزاء، فهذا هو النذر الثالث لا الأول ولا الثاني؛ فإن الله يعلمه ويجزي به أعظم الجزاء وأوفاه وأوفره؛ لأنك نذرت من أجل أن يحبك أو يعلي شأنك أو ينزلك في منازل الصالحين، فأبشر بما نذرت لله.وأما من نذر أن يعصي الله فلا يعصه، هذا مجنون، يقول: لله علي أن أضرب الشيخ الفلاني على وجهه، فهل هذا يجوز؟ هذا كلام باطل، ومن نذر نذراً آخر لسيدي عبد القادر وسيدي علي؛ فهذا لا يجوز الوفاء به أبداً، ويحرم الوفاء به. معنى قوله تعالى: (وما للظالمين من أنصار) وقوله تعالى: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270] لم هذه الجملة هنا في هذا السياق؟ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270]، لا يوجد من نصير ولا ناصر للظالمين أبداً، الظالمون هنا هم المشركون الذين ينذرون لغير الله، الذين يتقربون إلى غير الله، يتزلفون ويتملقون لسوى الله، هؤلاء ما لهم من نصير.إذا نذر أحدنا لسيدي عبد القادر فهل سيتحقق له شيء؟ إذا نذر أن يجدد قبة مولاي إدريس، ويصبغها بالخضرة لا بالحمرة، فهل سيثاب؟ هذا ظلم، فمن ينصره؟ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270].والظالم: الذي يضع الشيء في غير موضعه، ومن الظلم أيضاً أن تنذر لله وأنت قادر ولا تفعل، تعد ربك وتخلف وتعدل عن ذلك! فهذا ظلم، ووضع للشيء في غير موضعه، فلنحذر أيها المستمعون ويا أيتها المستمعات من الظلم؛ فإن الظالم لا ناصر له أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بإخبار الله تعالى وتقريره: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270]. تفسير قوله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي ...) ثم قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271] إن تتصدقوا وتعلنوا صدقاتكم وتظهروها فلا حرج، فنعم تلك الصدقات. إِنْ تُبْدُوا [البقرة:271]: أي تظهروا صدقاتكم، سواء كانت لحماً أو ثياباً أو مالاً أو تمراً أو طعاماً، إن تبدوها وتظهروها فلا بأس ما دمتم لا تريدون إلا وجه الله، لا تنظر إلى وجه علي ولا عمر ولا فلان ولا فلان حتى تمدح، أو يدفع عنك الذم ويقال: فلان ما هو ببخيل، إن أعلنتها أديتها والناس يشاهدون أو يسمعون وأنت لا تريد إلا رضا الله فلا حرج، فنعم الصدقة هي، فنعم ما تصدقتم به، وهذا تشجيع للمؤمنين على أنهم يتصدقون، فمتى فتح باب الصدقة ووجد من يطلبها وهو مستحق لها لا يقل: آتيه في الليل فقط، أو ما دام الناس ينظرون إلي فلن أتصدق! إذ الشيطان أحياناً يفعل بالعبد هذا، يقول: ما دام الناس يشاهدونني فلن أتصدق؛ حتى لا أكون قد راءيت، يأتي بهذا حتى يمنع الصدقة، فأغلق الله الطريق في وجهه، وأذن لعباده المؤمنين أن يتصدقوا علناً، وبشرهم بأنه نعم الصدقة هذه.وأحياناً إذا كانت الصدقة واجبة فالإعلان عنها وإشهارها أفضل؛ حتى يتتابع الناس، ولعلكم تذكرون ذاك الرجل الذي جاء بزنبيله أو كيسه في الروضة، والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب، وأخذ الأصحاب يتتابعون حتى امتلأت جمع كوم من الطعام وآخر من الثياب.فلا بأس أن تتصدق والناس يشاهدونك، أي: واحد أو اثنان أو عشرة، ليس في السوق أو في المسجد، فلا تخف ما دمت لا تريد إلا وجه الله، وقد يأتيك الشيطان ويمنعك من الصدقة بحجة أن الناس يشاهدونك كأنك ترائي، إذا سمعت هذا النغم فاعرف ما هو ومن صاحبه، وامض في صدقتك. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg معنى قوله تعالى: (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم) ثانياً: الصدقة السرية، كما قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صدقة السر تطفئ غضب الرب )، صدقة السر -أي الخفاء- تطفئ غضب الله عز وجل، من فعل فعلة تغضب ربه عليه وأراد أن يخرج من هذه فليتصدق في ليله، هذه الصدقة السرية تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى.وبلغنا عن أهل المدينة أنهم كانوا يأتون في الليل بالصدقة، يأتي أحدهم بعد المغرب أو بعد العشاء ويقرع الباب فيفتح الباب فيرمي كيس النقود أو السكر أو الدقيق ويمضي وما يلتفت، هذه مأثورة عن ديارنا هذه، يأتي في الليل والأموال في يده أو في كيسه فيقرع الباب فيفتحون الباب فيرميه ويذهب، ويجري وراءه الأولاد فما يلتفت إليهم، عرفوا أنها صدقة يريد صاحبها أن يخفيها؛ ليعظم الجزاء عليها، نظراً إلى قول الله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271]. ومن هم الفقراء؟الفقراء: جمع فقير، وهو الذي لا يجد قوته، ولا ما يستر به عورته، ولا ما يكنه، هذا المحتاج، هذا الفقير، هذا الذي إذا كتمت صدقتك ووضعتها بين يديه حيث لا يراك إلا الله فأبشر بالجزاء الحسن، فهو خير لكم من إعلانها؛ لأن الإعلان ذكرنا له علة، فقد لا يسلم منها الإنسان، لكن إن تشجع بذلك غيره فلا بأس، كما أن الإعلان الثاني مستحب ليشجع الحاضرين على الإنفاق، فقير وقف بين أيدينا فتصدق واحد ليتابعه الآخرين، من أجل هذا أعلن عن صدقته: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] حالاً ومآلاً، في الدنيا وفي الآخرة، خير لكم تنالونه وتظفرون به اليوم قبل يوم القيامة، ويوم القيامة؛ إذ هذا أسلم من الرياء والسمعة، حتى الفقير حين تعطيه ولا تواجهه يفرح بذلك، أما إذا قلت: خذ يا عدنان فإنك تؤلمه بها، وقد تقدم لنا وعرفنا أنه لا يجوز أبداً المن على المتصدق عليه، هذا ولي الله ابتلاه الله بالفقر لينظر أيصبر أم يجزع، فهو في أيام محنته وأنت تتصدق عليه وتقول: أنت كذا وكذا، فعلنا معكم كذا وكذا! فتذله وتكسر شرفه، هذا لا يجوز.والأذى كالمن أيضاً، يعطيه ويدفعه بيده، أو يرمي له الفلوس أو كيس التمر وهو متكبر عليه مترفع، فهذا حطم هذا الولي وأذله وأهانه وهو ولي الله.قال تعالى: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] حالاً ومآلاً، ومن الخير: أن الفقير ينشرح صدره وتطمئن نفسه ولا يشعر بإهانة ولا بذل ولا بصغار؛ لأنك أخفيتها عن غيره حتى ما يسمع الناس أن فلاناً محتاج وفقير. دلالة التبعيض في قوله تعالى: (ويكفر عنكم من سيئاتكم) وأخيراً: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271]، لماذا قال: (من) وما قال: (ويكفر عنكم سيئاتكم) فتستريحون مرة واحدة؟ قال: مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271]؛ لأن من السيئات ما هي حقوق للآدميين، كضرب المؤمن وكسلب ماله، كانتهاك عرضه، كإذلاله وإهانته، كسجنه وتعذيبه، هذه ما تكفرها الصدقات، فحقوق الناس لو تتصدق بملء الأرض ما ينفعك ذلك حتى تتحلل منهم، وترد ما أخذت منهم أو تضع خدك على الأرض ليضربوك كما ضربتهم، أو ليشتموك ويسبوك كما شتمت وسببت، أو يعفوا عنك ويتكرموا بفضلهم وإحسانهم عليك، فكونك تتصدق وتقول: هذه الصدقة تكفر سيئاتي مطلقاً غير صحيح؛ لأن الحكيم العليم قال: مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271] و(من) للتبعيض، ولو شاء لقال: (ويكفر عنكم سيئاتكم) وهو على ذلك قدير، لكن مراعاة لحقوق عباده من رجال ونساء من المؤمنين والمؤمنات، فكونك تتصدق كل يوم بمليار دولار وتظن أنه يكفر ما أخذت من أموالهم أو اضطهدتهم وعذبتهم وأن هذه الصدقة تكفي؛ فوالله! ما تكفي.وقد بين هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعرض عرضاً كاملاً في عرصات القيامة، إذ يجاء بالرجل له الحسنات الكثيرة، ويأتي المظلومون يأخذون من حسناته، والميزان يهبط، وحين لا تبقى له حسنة يأتون بسيئاتهم ويضعونها عليه فيغرق ويهلك، ذلكم هو المفلس، إذ قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( هل تدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار. قال: المفلس من يأتي بحسنات كالجبال، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ويؤخذ لهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )، هذا هو المفلس، والإفلاس معروف. معنى قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير) قال تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271]، لا تفهم أنك تستطيع أن تخادع الله، وأن تدعي أنك أنفقت في الخفاء، تقول: أنا الآن أعطيت فلاناً كذا وكذا، انتبه، فالله تعالى بما تعملون من خير وغيره خبير، إذاً: فراقبوه، لا تفهم أنك وحدك، والله! لا يخفى عليه من أمرنا شيء، فلهذا إذا قوي هذا الشعور عندك، أو إذا ارتفع هذا المستوى للإيمان عندك فإنك تستحي أن تقول كلمة لا ترضي الله عز وجل، تستحي من الله أن تكشف سوأتك أو عورتك وحدك أيضاً، تخاف من الله أن ترتكب أدنى ذنب من الذنوب؛ لأنك مع الله والله معك، هذه هي المراقبة، وفضلها الله حتى على الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله في آية التربية الإلهية؛ إذ قال تعالى وهو يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته تابعة له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]، تلاوة القرآن في ليل أو نهار من شأنها أن تحفظ الإنسان من السقوط في مهاوي الشر والفساد، تعصمه من زلات القدم؛ لأنه مع الله يتلو كتابه، ويعرف ما بين الله وما أحل وما حرم، وما أوجب وما منع، فكيف يعصيه؟ ثانياً: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45] أقم الصلاة، ما قال: صلّ؛ لأن إقامة الصلاة تحتاج إلى طهارة بدن، طهارة ثوب، طهارة مكان، وقت معين، مكان معين، وتقف بين يدي الله تتكلم معه وقد نصب وجهه الكريم إليك وأنت بين يديه، ثم تبكي، وتسجد وتركع، ويأتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في حلقة من حلق الاتصال بالله عز وجل، أين الوقت الذي تعصي الله فيه؟ ما تستطيع، وعلل لذلك بقوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] بما توجده من طاقة النور في القلب البشري، لأنها أكبر مولد للنور، أكبر من الصيام: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].ثالثاً: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45] أي: مما سبق، أكبر في الحفاظ على قلب العبد حتى لا يزل ولا يسقط، والدليل عندنا أننا نقول: من منكم يذكر الله ويمد يده إلى ما حرم الله؟ يذكر الله وينكب على جريمة يفعلها، لا يتأتى أبداً.وما يقع على المعصية إلا في حال نسيانه لله، وعدم ذكره لله، فلهذا من لازم الذكر ما يستطيع أن يقع في سيئة أبداً، الذكر بقلبه ولسانه، بشروط الذكر.وأخيراً قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]، هذه هي المراقبة، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271]، إذاً مراقبة الله العصمة الكاملة، الذي يراقب الله لا يضجر، لا يسخط ولا يكذب ولا يفجر، ولا يترك واجباً أبداً؛ لأنه مع الله، فكيف أنت مع الله وتعصيه؟ أنت تمشي بين حراس خمسة أو ستة من البوليس فهل تستطيع أن تسرق وأنت بينهم؟ أو تقوم وتسب وتشتم وتضرب أحد المارة وأنت بينهم؟ ما تستطيع، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].وقوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271] أصلها: نعم ما، فأدغمت الميم فيها، نعم شيء عظيم، فأصلها: (نِعم) ما هذا، فسكنت الميم وأدغمت في الميم، فكانت (نعما). قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآيات والآن مع معنى الآيتين الكريمتين من التفسير.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيتين:بعدما دعا تعالى عباده للإنفاق في الآية السابقة أخبر تعالى أنه يعلم ما ينفقه عباده، فإن كان المنفَق جيداً صالحاً يعلمه ويجز به، وإن كان خبيثاً رديئاً يعلمه ويجز به، وقال تعالى مخاطباً عباده المؤمنين: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]، فإن كان مبتغىً به وجه الله ومن جيد المال فسوف يكفر به السيئات، ويرفع به الدرجات، وما كان رديئاً ونذراً لغير الله تعالى فإن أهله ظالمون، وسيحرمون أجر نفقاتهم ونذورهم لغير الله تعالى ولا يجدون من يثيبهم على شيء منها؛ لأنهم ظالمون فيها حيث وضعوها في غير موضعها: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270].وأما الآية الثانية فقد أعلم تعالى عباده المؤمنين: أن ما ينفقونه لوجهه ومن طيب أموالهم علناً وجهراً هو مال رابح، ونفقة مقبولة يثاب عليها صاحبها، إلا أن ما يكون من تلك النفقات سراً ويوضع في أيدي الفقراء يكون خيراً لصاحبه لبعده عن شائبة الرياء، ولإكرام الفقراء وعدم تعريضهم لمذلة التصدق عليهم، وأنه تعالى يكفر عن المنفقين سيئاتهم بصدقاتهم، وأخبر أنه عليم بأعمالهم، فكان هذا تطمينًا لهم على الحصول على أجور صدقاتهم وسائر أعمالهم الصالحة ]. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:أولاً: الترغيب في الصدقات ولو قلت ] لأنه تعالى قال: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ [البقرة:270]، [ والتحذير من الرياء فيها، وإخراجها من رديء الأموال وخبيثها.ثانياً: جواز إظهار الصدقة عند سلامتها من الرياء.ثالثاً: فضل صدقة السر، وعظم أجرها، وفي الحديث الصحيح: ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) ] في سبعة رجال ونساء: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) وذكر منهم: رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (36) الحلقة (43) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (131) وعد الله عز وجل الذين ينفقون أموالهم في سبيله بالليل والنهار سراً وعلانية بالأجر العظيم والثواب الجزيل، لما في إنفاقهم على إخوانهم من التوسيع على فقرائهم، خاصة ممن لا يستطيعون الضرب في الأرض طلباً للرزق، وهم مع ذلك متعففون عن سؤال الناس، ولا يعرفهم إلا من أنار الله قلبه وهيأه لأن يكون سبباً في التوسيع عليهم، والله عز وجل يوفيهم أجرهم يوم القيامة. تفسير قوله تعالى: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) ، اللهم حقق رجاءنا يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ * لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:272-274].أين هؤلاء؟ لقد مضوا، فهل حلف الزمان أن لا يأتين بمثلهم؟ الجواب: لا، بل يوجدون إن شاء الله تعالى، فهيا نتدارس هذه الآيات الطيبات المباركات.من القائل: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272]؟ الله. ومن المخاطب بهذا الكلام؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهل أمته معه؟ إي وربّ الكعبة. سبب نزول الآية الكريمة يقول تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272] لِم؟ هذه الآية لها سبب في نزولها، وإذا عرف السبب اتضح المعنى أكثر.فقد كان يوجد من اليهود ممن بينهم وبين أهل المدينة أرحام ومصاهرة ومصادقة، ويوجد أيضاً من المشركين أقارب للمؤمنين، وحسبنا أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما جاءتها أمها من مكة وهي مشركة، وكانت ترغب في أن تساعدها ابنتها أسماء، فاستشارت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: ( صلي أمك ) فأعطتها ما شاء الله أن تعطيها، فلما تحرج المسلمون من الصدقة على الكفار من يهود أو من مشركين من إخوانهم وأقاربهم أنزل الله هذا البيان الشافي: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272] أيها المتصدق، كونك لا تتصدق إلا على مؤمن ولا تتصدق على فقير كافر كتابياً أو غير كتابي؛ فالهداية بيد الله ليست بيدك.إذاً: فأذن لنا أن نتصدق على فقراء الكفار الذين يسكنون معنا ونشاهد فقرهم وحاجتهم، ونحن في غنى عما نعطيهم إياه، والأمر كما علمتم لم ينسخ، يجوز للمؤمن والمؤمنة أن يتصدق على المشرك إذا كان فقيراً محتاجاً إلى سد حاجته، وأما هدايته فبيد الله، ليس لك أنت حتى تمنع الصدقة عنه. حكم دفع الزكاة لفقراء الكفرة وهذا أضيف إليه: أن الصدقة التي يجوز التصدق بها على الكافرين هي صدقة التطوع، وليست هي الصدقة الواجبة، فالزكوات كلها واجبة فلا يصح أن تعطي كافراً من زكاة مالك درهماً ولا ديناراً، لِم؟ لأنها حق فقراء المسلمين، فليست حقك أنت فتعطيها لمن تشاء، هذا المال الذي أعطاك الله فرض عليك فيه (2.5%) لعباده الفقراء، فلا حق لك في أن تعطيه لغير المؤمنين، ما هو بمالك، والمال الذي هو بيدك تصدق به على الفقراء والمساكين. أعيد واحفظوا وبلغوا: أن الزكاة الواجبة على المؤمن لا يصح أن يخرج منها للفقراء والمساكين الكافرين، لماذا؟ لأن هذا حق للفقراء والمساكين المسلمين، فمن أين لك أن تتصرف فيه أنت، ما هو مالك ، وجب هذا القدر من المال في مالك الصامت أو الناطق، فليس من حقك أن تعطيه من تشاء، هذا بين الله تعالى مصارفه الثمانية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، على أن يكون هؤلاء مؤمنين وليسوا بكافرين، واختلف في صدقة الفطر، زكاة الفطر، فمن رأى أنها فرض واجب منع أن تعطى لفقراء اليهود والنصارى والكافرين، ومن رأى أنها ليست بفرض كأبي حنيفة فإنه يقول: يجوز أن تعطى للفقراء أهل الكتاب وغيرهم.وحديث ابن عمر في الموطأ: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ..)، الحديث، فكلمة (فرض) توقف الإنسان عند حده.إذاً: عرفنا أنه يجوز التصدق على الفقراء والمساكين الكافرين، إي والله، وهذه الآية هي الدليل: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، من شاء الله هدايته هداه، أنت لا تستطيع أن تهديه، كأن تقول له: اسمع: إن تسلم الآن وتدخل في الإسلام فسأكسوك، سأشتري لك بغلة أو سيارة، ليس هذا لك. حكم دفع الزكاة لتارك الصلاة وإنما قد يعترض علينا بكلام سبق لنا أن قلناه، وهو: إذا كنت في بلد لا تقام فيه حدود الله كسائر العالم الإسلامي باستثناء هذه الديار، وأخوك لا يصلي، أو عمتك لا تصلي، جارك لا يصلي، وهم فقراء، لو كانوا هنا فسنقول: يجب أن تعلم الهيئة وأن تنقل إليهم حتى يصلوا رغم أنوفهم، أو يقتلوا، لكن ما دام أن الحدود لا تقام ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، أقول: قل لأخيك: إن تصل فسأعطيك، يا فلانة! إن تقيمي الصلاة فإن شاء الله سأعطيك من الزكاة ومن الصدقة، فهذا لا بأس؛ لأنه مؤمن لكنه فاسق، أو جاهل، فإن أنت قلت له: الزكاة لا تصح لغير المصلي، فصل وسنعطيك؛ فلا بأس أن تقول ذلك حتى يصلي؛ لأنك لا سلطان لك عليه وهو ما هو بكافر بالصلاة، مؤمن بها، لكن التقليد الأعمى والكسل والجهل جعله ما يصلي، فإن أنت قلت له: اسمع يا جاري: أنت فقير، وعندنا الزكاة، ولكن لا تصح لتارك الصلاة، إن صليت فإن شاء الله سيكون لك نصيبك مع إخواننا.هذا القول قلناه مرات، وهو إن شاء الله من الصواب بمكان، أما في المملكة فالذي يقول: إن ابني ما يصلي أو امرأتي؛ نقول: يجب أن تبلغ الهيئة، وحرام أن تسكت، فضلاً عن أن تعطيهم الزكاة أو لا تعطي، يجب أن يصلوا، لكن البلاد التي ما فيها حكم إسلامي ما يستجيبون لك، تبلغ بهم الشرطة فيقولون: اذهب، وما يستمعون لك. معنى قوله تعالى: (ولكن الله يهدي من يشاء) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg إذاً: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272]، هذه الآية نزلت في الصحابة لما تحرجوا: هل يعطون الصدقات للفقراء من اليهود من جيرانهم، وللمشركين الكفار أو لا؟ لما تحرجوا أزال الله الحرج والضيق في القضية، وأذن لهم وقال: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، من هم الذين يشاء الله هدايتهم؟دائماً أنبه على أن الذي يرغب في الهداية ويطلبها ويطرح بين يدي الله، ويبكي بين يديه يسأله؛ لا يحرمه الله الهداية، الذي يقرع باب الله: ربّ تب عليّ، رب ارحمني، رب اهدني؛ هذا الذي يهديه الله، أما المعرض الذي يعطي دبره ولا يلتفت إلى الله ولا يسأله ولا يرغب في الهداية فلن يهتدي، وهذا البيان نافع بإذن الله، فالذي يقبل على الله ويسأل الهداية ويطلبها كسلمان الفارسي تنقل كذا سنة يبحث عن الدين الإسلامي من فارس إلى الشام حتى وصل المدينة، وانتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فأسلم.فالذي يقرع باب الله: يا ربّ تب عليّ، يا رب ارحمني، يا رب اهدني، هذا يشاء الله هدايته، وحاشا لله أن تطلبه ويردك عن الهداية، ومن أعرض أعرضَ الله عنه، هكذا نفهم مشيئة الله في باب الهداية. وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] هدايته، فإذا شاء هدايته جعله يطلب الهداية ويقرع أبوابها، ويسأل عنها. معنى قوله تعالى: (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) إذاً: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، هذه فاصلة أخرى، أنت حين تعطي للفقير اليهودي أو الكافر إنما أعطيتَ لنفسك، فافهم هذا. وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:272] مطلق خير، طعام أو شراب أو غيره، فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، أنتم الذين تستفيدونه، وتدخرونه، ويسجل لكم عند الله، وتحاسبون به وتجزونه، لا تفهم أنك إذا أعطيت لكافر لا تثاب عليه، بل ثوابك كامل، أنت ما أعطيت إلا لنفسك، هذا الواقع: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، فإذا تصدقت على فقير أو مسكين فلا تفهم أنه الذي انتفع، أنت الذي انتفعت، هو يأكل وتنتهي، أما أنت فتسجل لك وتضاعف حسناتك بها ويزاد فيها، هذا إخبار الله تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272] لا لأولئك الفقراء ولا المساكين، لأنفسكم أنتم. معنى قوله تعالى: (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) وقوله: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:272]، يا عباد الله! لا ينفقن أحدكم نفقة صغيرة أو كبيرة إلا وهو يريد وجه الله بها، لا للوطن ولا القرابة ولا الصلة ولا الطمع ولا الشكر، ولا الثناء، لا ينفق إلا طلباً لرضا الله عز وجل، يجب هذا، ومن أنفق نفقة ليمدح .. ليثنى عليه.. ليقبل على سلعته.. ليشكر بين الناس؛ فهذه ولو كانت قناطير فوالله! لا تزن حسنة واحدة، ما أراد بها وجه الله: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:272] أي: طلباً لوجه الله ليقبل عليك.إذاً: الصدقة الواجبة أو صدقة التطوع يجب أن يكون المراد بها: طلب رضا الله عنك، أما إذا التفت في صدقتك أدنى التفات إلى غير الله فقد بطلت ولو كانت قناطير، هذا تعليم الله، فهل استفاد منه المؤمنون؟الذين عرفوا استفادوا، ينفق النفقة ولا يريد أن يسمع به أحد، أو يطلع عليه أحد، لا يريد إلا أن يرضى الله عنه: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272]. وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:272]، الماء، الطعام، الشراب، اللباس، قل ما شئت في كلمة خير، حتى الكلمة الطيبة: ( والكلمة الطيبة صدقة )، الابتسامة في وجه الفقير صدقة، إذاً: كلمة (خير) منكرة لتشمل كل ما ينفع: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ [البقرة:272] كاملاً الحسنة بعشر يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ [البقرة:272] والحال أنكم لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272] جراماً واحداً، ولا حسنة، لو أنفقت ملياراً فلا تخف أن تحرم ثواب درهم واحد، لا يظلم الله عبده بأن ينقص من حسناته أبداً، ما دام قد أنفق لله لا لغيره فالله عز وجل لا يبخسه شيئاً مما أنفق.هذا واضح الدلالة: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [البقرة:272]، والحال أنكم لا تظلمون بنقص حسنة ولا بزيادة سيئة، عدالة الله عز وجل اقتضت هذا، لا تفهم أنه يزاد عليك سيئة ما فعلتها، أو ينقص من حسناتك حسنة وأنت ما تريد نقصانها؛ لأن الله حرم الظلم على نفسه: ( يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا )، فهذا مما حملته الآية الأولى من النور. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
ملخص لما جاء في تفسير الآية لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272] أي: أولئك الفقراء الكافرين، إذا احتاجوا إلى طعام وشراب وكسوة فأعطهم، لا تقل: ما داموا كافرين فلن نعطيهم، لا، فهدايتهم ليست إليك أنت، هذا لله، أليس كذلك؟والصدقة الواجبة -الزكاة- هل تعطى للفقراء والمساكين من الكافرين؟ لا، لماذا؟ لأن هذا حق للفقراء المسلمين في ذمتك، فكيف تعطيه لغيرهم، من أين لك؟ لا بد أن يعطى لأهله وهم إن شاءوا تصدقوا.والهداية بيد الله، من هو الذي يشاء الله هدايته؟الذي يتعرض لها، يرغب، يطلب، يجري وراءها، أما المعرض فقد أعرض الله عنه.وعرفنا: أن ما ننفقه من خير على الفقراء والمساكين لا تفهم منه أنك أنفقت عليهم، بل أنفقت على نفسك، فهو لك أنت، هو يأكل ويشرب ويبول ويتغوط، وأنت أخذت الأجور وسجلت الحسنات في ديوانك، إذاً: أنفقت لنفسك أنت: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272].وهنا تنبيه آخر: لا بد عند الإنفاق وعند الصدقة ألا تلتفت أبداً إلى غير الله، لا تريد بريالك ولا درهمك إلا وجه الله، فإن أنت التفت لتحمد أو يثنى عليك أو تدفع عن نفسك المذمة والعيب والعار بطل مفعول صدتك بالتزكية والتطهير؛ لأن هذه العبادات -كما علمتم وزادكم الله علماً- سرها أنها تزكي النفس البشرية، فإن كانت فاسدة فكيف تزكي؟ فلا بد أن تكون صالحة.فلو صليت صلاة ما أتممتها وما أديت شروطها فهي باطلة، ما معنى باطلة؟ ما تولد الطاقة ولا تزكي، والصيام كذلك، والجهاد كذلك، والصدقة كذلك، وصدقة ما أردت بها وجه الله بطل مفعولها، لن تنتج في نفسك طهارة أبداً. وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [البقرة:272]، هذا وعد الله، ما أنفق مؤمن خيراً إلا وفاه الله إياه، وما بخسه جراماً واحد من قناطيره: وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272]. تفسير قوله تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض ...) وفي الآية الثانية يقول تعالى: لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، هذا أمر آخر: أنفقوا للفقراء، لتكن نفقاتكم للفقراء، ارعوا هذا الجانب من الفقراء، وهم الذين أحصروا في سبيل الله.وقد كان هناك مكان يقال له: الصفة، في مكان دكة الأغوات الآن، مكان عريض لاصق بالمسجد، لكن منفصل عنه، يجلس فيه المهاجرون الذين جاءوا من مكة، أو جاءوا من الطائف أو جاءوا من جدة، هربوا من الكافرين ولحقوا بالمسلمين، هؤلاء لا يستطيعون أن يخرجوا من المدينة للتجارة ولا للعمل، البلاد كلها ضد المسلمين من شرق وغرب، وليس عندهم في المدينة ما يقومون به من أعمال، فهم محصورون، ما سبب إحصارهم؟ في سبيل الله، فروا بدينهم، هربوا من بلاد الكفر والتعذيب والضغط إلى بلد يأمنون فيه، هؤلاء قد يكونون في بلادهم أغنياء، عندهم أموال، لكنهم الآن محصورون، ما يستطيعون أن يعودوا إلى بلادهم أبداً فسيقتلون، هؤلاء رغب الله تعالى المؤمنين في الإنفاق عليهم: لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:273]، ما قتلوا وما جنوا وما ظلموا وهربوا إليكم، هؤلاء ما هربوا إلا من أجل الله عز وجل، لينصروا رسوله ودينه، أحصروا في سبيل الله، فإيمانهم.. تقواهم هو الذي جعل العدو يحاربهم ويضطهدهم ويخرجهم من بلادهم. لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ [البقرة:273]، الضرب في الأرض ما هو هذا؟ يعني: يمشي برجليه ويضرب بالأرض، فالمسافر يضرب في الأرض، كم ضربة يضرب على وجهها؟ آلافاً، كل مرة يرفع رجله ويضعها على وجه الأرض، فهذا ضرب أم لا؟ وإذا كان على فرس أو سيارة فإنه يضرب الأرض، ولهذا أطلق على السير في الأرض بالسفر أنه ضرب الأرض، أو ضرب في الأرض، وهذا شائع عندهم في لغتهم. لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ [البقرة:273]، أي: لا يستطيعون مشياً، لا يشرقون ولا يغربون؛ لأن الكفار محاصرون الإسلام وأهله في المدينة، من أين لهم أن يسافروا إلى الشام أو إلى العراق أو إلى كذا؟ ما يستطيعون. معنى قوله تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة:273]، هذا الجاهل ما هو بالجاهل الذي نندد به، إنما الجاهل بحالهم، غير العالم بهم فقط وإن كان علي بن أبي طالب ، الجهل هنا بحال القوم، لا بالله ومحابه ومساخطه وشرائعه، هذا الجهل ما هو بمذموم كالأول. يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة:273]، بسبب التعفف. معنى الإلحاف في المسألة لا يَسْأَلُونَ [البقرة:273]، لا يتعرضون لك، لا تفهم منهم أنهم يطلبون أبداً. لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] ولا غير إلحاف، فضلاً عن الإلحاف، وما هو الإلحاف؟ الإلحاف مأخوذ من اللحاف الذي تتلحف به المرأة ويحيط بجسمها، فهذا الملحف والعياذ بالله، يسألك من هنا، ويأتيك من ورائك، يأتيك عن يمينك، يأتيك عن شمالك، يقول: يا عم، فهل ألحف أو لا؟ أصبح كاللحاف يدور بك من كل جنباتك! عجب هذا القرآن! لا إله إلا الله، لا يسألون الناس إلحافاً ولا إلحاحاً ولا إحفاءً، الإلحاح معروف، يلح عليه: من فضلك أعطنا كذا أعطنا كذا، هذا الإلحاح، والإحفاء يتعبك أكثر، فلا إلحاح ولا إلحاف ولا إحفاء، لا يسألون الناس ملحين ولا ملحفين ولا محفين ولا غير ذلك، فقد يمضي عليه اليوم والليلة وما أكل ولا شرب ولا يقول: أعطني، لكمالاتهم. قصة صبر أبي هريرة رضي الله عنه على الجوع ولعلكم تذكرون صورة أبي هريرة الدوسي من اليمن ، لما هاجر في السنة السابعة قال: كنت أجوع فأصرع في المسجد، فيأتي أولاد المدينة فيصعدون على ظهري، يركبون على بطني، ويقولون: جُن أبو هريرة ، جن أبو هريرة ! قال: والله! ما بي جنون، ولكن بي الجوع، ما أستطيع أن أمشي.وفي مرة ماذا صنع؟ مر به أبو بكر فقال: يا أبا بكر ! ما معنى قوله تعالى كذا وكذا؟ وإنما سأله لعله يقول: تعال إلى البيت عندنا، فما التفت إليه أبو بكر ، فجاء عمر فقال: يا عمر ! ما المراد من كذا وكذا؟ قال: والله! ما أريد أن أعرف قط، وإنما لألفت نظرهم إليّ، فما التفت إليه، ثم جاء أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وما إن نظر إليه وتفرس في حاله حتى عرفه بسيماه، فقال: أبا هريرة ! امش ورائي، قال: فمشيت وراءه.وهنا نعرف أننا ما نحن بشيء، ولا نعد شيئاً أبداً، فدخل مع رسول الله إلى حجرته فجلس، فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لأهله: هل عندكم شيء؟ قالوا: أهدانا فلان لبناً، لا تمر، ولا زبدة ولا خبز.أحد الأنصار أهدانا قدح لبن، فقال: هاتوه، ثم قال: أبا هريرة ! أخرج فادع أهل الصفة، فقال في نفسه: ماذا سنشرب الآن؟ وكانوا ثلاثين رجلاً، فناولهم أبو هريرة القدح واحداً واحدًا، يقال للأول: سمّ الله واشرب، فيشرب ويشرب، فيقول: أعطه الثاني، سم الله واشرب.. حتى دار على ثلاثين رجلاً، ثم قال: أبا هريرة ! اشرب. قال: فشربت فقال: اشرب فشربت، ثم قال: اشرب. فقلت: لم يبقَ له مسلك يا رسول الله! صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأهله على الجوع http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg هذه أمنا الصديقة عائشة الحبيبة أم المؤمنين تقول: كان يمضي علينا الشهر والشهران، الهلال والهلالان لا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، وإنما كان طعامنا التمر واللبن.ولما اتسعت الحال ورزقهم الله وفتح عليهم بعث لها معاوية رضي الله عنه خليفة المسلمين بكذا ألف درهم فضة، وكانت صائمة، فقالت لمولاتها: وزعيه، فظلت تلك المولاة كالديدبان من بيت إلى بيت توزع الدراهم، وجاء الليل وأذن المغرب فقدمت لها خبزاً بلا مرق، فقالت: يا فلانة! لو اشتريت لنا بدرهم زيتاً نأكل به الخبز! فأين نحن من هؤلاء؟ ولا نحمد الله ولا نثني عليه، ولا نبكي بين يديه، فلا إله إلا الله! إننا هابطون وكنا في علياء السماء نسامي الملائكة، فهبطنا إلى الأرض كالحيوانات نأكل ونشرب ونلبس ونركب ونطير في السماء، وقلّ منا من يقول: الحمد لله في صدق.ونسرق ونفجر، ونأكل الربا ونكذب ونغش ونخدع ونمنع الحقوق، ونمنع حتى الزكاة، فكيف نحن؟ معنى قوله تعالى: (تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً) وهؤلاء المحاصرون في سبيل الله: لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ [البقرة:273] أيها السامع بِسِيمَاهُمْ [البقرة:273]، والسيما: العلامة، قال تعالى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ [الفتح:29]، لو تفتح التوراة صفحة بعد أخرى لوجدت هذه الصفة لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإنجيل، لوجدت هذا الوصف بالحرف الواحد: وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]، وأغاظ بهم الكفار من المجوس والمشركين واليهود والنصارى. سِيمَاهُمْ [الفتح:29] من السيما إن كنت من ذوي البصائر، إذا نظرت إلى أخيك وهو جائع أو عطشان فإنك تستطيع أن تتفرس فيه ذلك، كالطبيب ينظر فيشخص ويعرف المرض، فذو البصيرة إذا نظر إلى المؤمن يعرف أنه محتاج، هذه علامات خاصة: تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] ولا غير إلحاف، لا يلحون ولا يسألون. وهنا أفتى الإمام أحمد وغيره أنه يجوز للمؤمن إذا لم يتغدّ وجاع، أو لم يتعش وجاع، له أن يقول: أي فلان! ما تغديت، فيعطيه قرص عيش، أو حفنة تمر، أو يقول: فلان! ما تعشيت، أو مضى عليّ يوم ما أكلت، فلا بأس، إن كان صادقاً يجوز هذا لإحياء نفسه، والإبقاء على عبادة الله عز وجل، أما أن يطلب ليدخر ويوفر فلا، لا يحل هذا. معنى قوله تعالى: (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) ثم قال تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:273] أيما نفقة تنفقها لا تفهم أنها تخفى على الله ولا يجزيك بها، ولا يثيبك عليها، كلا أبداً، والله! ما يخفى عليه درهم واحد تنفقه في الليل أو في النهار، في الخفاء أو في العلانية، لا تفهم أنك إذا ما أعلنت نفقتك لا يعرفها الله، فقد طمأننا أننا ما نفعل من خير فهو تعالى به عليم، أفضل من (عالم)، ويجزي به أوفى الجزاء، إذ قال: يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272].فالمؤمن مطمئن النفس هادئ البال، إذا أخرج درهمه أو قرصه فهو مطمئن إلى أن الله عرفه وعلمه وهو الذي أعانه على ذلك وأنفقه ويثيبه عليه، سبحان الله!هذا القرآن إذا لم ندرسه هذه الدراسة في العالم الإسلامي ونعيش عليه فهل سنكمل؟ والله! ما نكمل.طريق كمالنا أغلقناه، انصرفنا عنه، كيف بشخص عاش أربعين سنة ما سمع هذا الكلام، كيف يتعلم، كيف يكون وفياً طاهراً نقياً يحسن إذا أعطى، ويحسن إذا أخذ؟ مستحيل، فهيا نتعلم، كم ليلة بكينا، هيا بنا نتعلم. وقد تقول: يا شيخ! مدارسنا الآن بالملايين، أصغر بلد فيه الجامعات والمدارس، فأي تعليم تنادي به أنت؟ أقول: أين آثار ذلك العلم؟ أين مظاهره في الآداب والأخلاق، في العدل والرحمة، في الصدق والوفاء في الطهر والصفاء، أين آثار ذلك العلم؟ وجوده كعدمه، لِم؟ لأنه ما أريد به وجه الله، فلن يثمر، أريد به الدنيا، حتى البنت يقال لها: تعلمي يا بنت لمستقبلك! هذه البنت مستقبلها مضمون بإذن الله، ما دامت في حجر أبيها فهو الكفيل، وزوجها هو الكفيل لها، فإن ولدت فأولادها الضامنون، أي مستقبل يا بابا! هل يبعث بها لتتعلم كيف تعبد الله، كيف تستحي، كيف تطيع زوجها، كيف تربي أولادها؟ لا، بل للمستقبل، للوظيفة! وزاحم النساء الرجال في الوظيفة، فلا إله إلا الله، ماذا أصابنا؟ الجهل، فهيا بنا لنزيل هذا الجهل، هل نحتاج إلى مليارات الدولارات؟ لا، والله ولا ريال واحد، كيف الطريق؟اسمعوا: كتبنا هذا وأعلناه وصحنا به وضحكوا علينا وسخروا منا، واستهزءوا بنا، وحسبنا الله، ولن نترك هذا، ما هو الطريق إلى أن يتعلم المسلمون ليكملوا، ويسعدوا يطيبوا ويطهروا، وتتحقق ولاية الله لهم، فينتفي من بينهم الحسد والغل والغش، والكفر والبدع والضلال؟ هل الطريق أن نقتدي باليهود والنصارى؟ الطريق إذا دقت السادسة مساءً، أي: مالت الشمس إلى الغروب؛ نوقف العمل، كاليهود والنصارى، أغلق الدكان، أغلق المقهى، أغلق المطعم، ارم المسحاة من يدك يا فلاح، ارم القلم يا كاتب، ارم المرزبة يا حداد، يا صانع، اغتسلوا، تطهروا، توضئوا، واحملوا بناتكم وأولادكم ونساءكم إلى بيوت ربكم فقط، فما يؤذن للمغرب إلا والقرية ما يوجد فيها رجل ولا امرأة ولا ولد خارج المسجد، والأحياء في المدن، حي بني فلان، الحي الفلاني رقم (6) أو رقم (10) إذا أذن المغرب لا تجد في الحي رجلاً ولا امرأة في الشارع ولا في البيت، كلهم في بيت الرب، فهل هذا شرف أو لا؟ في الرب يصلون المغرب كما صلينا، ويجلسون كما نحن جالسون، النساء وراء الستارة، ومكبرات الصوت بينهن، والأولاد بيننا، ونحن نتعلم الكتاب والحكمة كتعلمنا هذا، وكل ليلة وطول العام، وعلى مدى حياتنا، فهل يبقى والحال هكذا جاهل أو جاهلة؟ والله! ما يبقى، لا نكتب ولا نقرأ، كما كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، نتلقى الكتاب والحكمة بأسماعنا، ونتفاعل في نفوسنا، ونحوله إلى آيات النور والهداية بيننا، فهل هذا يكلف المسلمين شيئاً؟ وأما عوائده فوالله! فوق ما تتصور، أقسم بالله: إن ميزانية الدولة سيكتفى بنصفها إذا أقبلنا على الله، وينتهي الفقر والخلف والكبر والكذب والغش والخداع، والتكالب على الدنيا، ونصبح أشباه الملائكة في الأرض، تسودنا الرحمة والصفاء والمودة والإخاء والحب والطهر والصفاء، فما المانع أن نفعل هذا؟ لا ندري.اليهود والنصارى ما يقبلون قطعاً، ولو يشاهدون هذه الأنوار فإنهم ما يطيقون، لكن دائماً نمد أعناقنا لهم ليذبحونا، فهل عرفتم كيف يزول الجهل، فهل هناك غير هذه الطريق؟ كلا. تفسير قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ...) وأخيراً: يقول تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً [البقرة:274]، أبو بكر فعل هذا، علي فعل هذا، من يفعل منكم هذا لينطبق عليه هذا اللفظ؟ تصدق بعشرة ريال في النهار، وبعشرة ريال في الليل، تصدق بعشرة ريال أمام الناس علانية، وتصدق بعشرة في الخفاء، أربع مرات فقط، أصعب هذا؟ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً [البقرة:274]، والمقصود: أنهم ينفقون دائماً، ما ينتظرون إلى العام الفلاني والشهر الفلاني وكذا، أو حتى يطلع النهار، أو حتى يجيء الليل، هذه حالهم، صدقة بالليل والنهار سراً وعلانية حسب الحاجة، هؤلاء يقول تعالى عنهم: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، نفى الخوف عنهم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، ونفى الحزن عنهم كذلك، أهل هذا الإيمان وهذا الطهر هل يحزنون؟ هل كان أبو هريرة حزيناً؟ والله! ما كان حزيناً أبداً، جاء يتألم وقلبه منفتح، وهو ينتظر رحمة الله، هذا وعد الله: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً [البقرة:274]، على من ينفقونها؟ على الفقراء والمساكين كافرين ومؤمنين، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، والله! لا يخافون كما يخاف غيرهم، ولا يحزنون كما يحزن غيرهم، لصلتهم بالله، وولايتهم المتأكدة لله، فهم في ذلك دائماً مطمئنون، لا يخافون ولا يحزنون عندما يخاف غيرهم ويحزن.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
أنواع الربا والآن هيا مع الآيات الثلاث:يقول تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [البقرة:275] ما هو هذا الربا؟ هل يأكلونه كما يأكلون اللحم والخبز؟ لا، اللفظ بالأكل يطلق ويراد به التعامل، يشتري به سيارة، يشتري به ثوباً، ومنه ربا النسيئة وربا الفضل فالربا نوعان: ربا النسيئة وربا الفضل، فهل تعجز أن أن تقول: النسيئة والفضل؟ وإذا غنيت فإنك تغني بعشرين كلمة! وهذا جربناه، يصلي وراء الإمام خمسين سنة ما يحفظ الفاتحة، خمسين سنة يصلي ما يحفظ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ [قريش:1-2]، و تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ [المسد:1]، ويسمع أغنية من عاهرة فيأتي بنفس اللحن والصيغة، وإياكم أن تفهموا أن هذا الشيخ الذي يودعكم في آخر أيامه يكذب في مسجد رسول الله، إياك أن تفهم هذا الفهم. هذه أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت: ( صليت وراء رسول الله فقرأ في صلاة المغرب بـ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] فحفظتها )، ائتني بأذكى الناس اليوم يسمع المرسلات ويعيدها ويحفظها وأعطيك مليار دولار! وكم من شبيبتنا وشاباتنا يتغنون بأغاني العهر والباطل ويحفظونها بنفس الألحان، ولا يحفظ سورة المرسلات ولا العاديات، ما السر؟ إن أم الفضل تعلق قلبها بربها وبكلامه وأحبت أن يغمرها نوره فأصبحت كلها متهيئة فحفظت، والذي غمره حب الزنا والفجور والباطل ما إن يسمع ذاك الصوت حتى يملأ قلبه ويفيض على لسانه وحواسه. فربا النسيئة مثاله: أن يكون لي على فلان خمسون ألف ريال، أجلها الموسم إما الحصاد وإما جذاذ التمر، فيأتي الموسم وما يستطيع الأداء، فيقول: أخرني وزد برضا، هذا ربا النسيئة. مقارنة بين ربا الجاهلية وربا البنوك قلت: وغضب الناس فقالوا: كيف يقول: ربا الجاهلية أفضل من ربا البنوك؟! فأقول: والله! لربا الجاهلية أفضل من ربا البنوك، فربا الجاهلية ما هو؟ أن تأتي إلى غني فتقول: أقرضني ألفاً أو ألفين إلى الموسم أو إلى شهرين أو عام، فيقرضك، فإن جاء الموعد وأنت الصدوق وأنت صاحب المروءة والشهامة وما وجدت المال فهل تهرب؟ تأتيه معتذراً وتقول: أخرني سنة أخرى وزد علي برضاك. وأما ربا البنوك فمن أول ساعة تحسب الزيادة، فإن كنت تريد عشرة آلاف قيل: سجل عليه أحد عشر ألفاً وأعطه العشرة عاجلاً، فأيهما أفضل؟ ربا الجاهلية أفضل. وإذا تأخر مرة ثانية زادوا نسبة مئوية، هذا الربا وضع بني عمنا اليهود الحذاق؛ لأنهم يعبدون الدينار، ولا تلوموهم، فهم يريدون أن يسودوا العالم ويحكموا البشرية كلها، فكل ما يبذلون ويحتالون ما هو بشيء كبير، يريدون أن يسودوا العالم بأسره لأنهم شعب الله المختار كما يزعمون، يريدون مملكة سليمان الذي ملك الشرق والغرب، يريدون أن يعتزوا ويسودوا؛ فهم -كما يقولون- أبناء الله وأحباؤه، فيبذلون كل ما يستطيعون بذله فيضعون هذه الحيل، واسألوا المؤرخين من صنع البنوك بأنظمتها؟ اليهود، وإن كانت جنسيته بريطانية، فهو يهودي، والله عز وجل ندد بهم في القرآن أنهم يأكلون الربا؛ في سورة النساء في غير ما آية، والمقصود اليهود. أمثلة للربا وذكر بعض ما لا يجري فيه الربا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg فربا النسيئة أن تعطي لأخيك عشرة أو خمسة وحين يتأخر عن الأداء تزيد عليه، وربا الفضل هو أن تبيع ربوياً بآخر بزيادة، تبيع تمراً بتمر فتعطيه عشرة قناطر فيقول: أعطني خمسة عشر مثلاً؛ لأنه تمر برني أو عجوة وأنت تمرك دونه، فلا يجوز ذلك. تعطي هذا مائة ريال سعودي وتقول له: أعطني مائة وعشرة، فما يجوز، وهكذا ربا الفضل في الذهب والفضة والطعام والملح وسائر الربويات، الطعام هو التمر والشعير والبر، فهذه الأطعمة ما يجوز التفاضل فيها، تبيع شعيراً صاعاً بصاع وقنطاراً بقنطار، لا بقنطار وزيادة؟ وفي الريالات ألف ريال بألف ريال، لم ألف وزيادة؟ بأي حجة؟ وإذا اختلفت الأجناس فقد قال: بيعوا كيف شئتم، تبيع قنطار تمر بعشرة من قمح حسب حاجتك وظروف الناس، تبيع -مثلاً- قنطار ملح بقنطارين من قمح، بشرط أن يكون في المجلس الواحد يداً بيد، هذا الشرط لا بد منه. فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم في الزيادة والنقص، لكن لا بد أن يكون في مجلس واحد، هذا ربا الفضل، ولا ربا سوى هذين النوعين: ربا النسيئة وربا الفضل فقط، والحيوان ليس فيه ربا، تبيع بقرة باثنتين لأنهما أقل منها شحماً ولحماً مثلاً. لكن الذهب والفضة والقمح والشعير والملح والتمر وما قيس عليها مثل ما هو مدخر ومطعوم كالذرة مثلاً أو أي حبوب أخرى يجري فيها الربا. حال أكلة الربا يوم القيامة قوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [البقرة:275] ما لهم؟ قال: لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] هل المراد أنهم لا يقومون الآن من بيوتهم؟ أو من على مكاتبهم؟ وإن كان بعض أهل العلم فهم هذا، لكن المراد: لا يقومون من قبورهم؛ لأن الساعة ستأتي وسوف ينفخ الله الأرواح في أبدان خلقها وهيأها، تقوم البشرية ويقوم أصحاب الربا وبطونهم كالخيام، فانظر إلى هذا المرابي صاحب هذا البنك، ثم إنه يقوم ويقع، يمشي خطوتين ويصرع إلى أن ينتهي الموقف وهو في هذا البلاء. لا يَقُومُونَ [البقرة:275] أي: من قبورهم إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] يقال: فلان به مس جنون، أما تعرفون الصرع؟ وهذا واضح للعرب بالذات، كانوا يشاهدونه، هذه محنة الصرع يصاب بها بسبب الجني يمسه في تيارات دمه فيصرع، هذه حال آكلي الربا إذا لم يتوبوا وماتوا وهم على ذلك. الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [البقرة:275] ما لهم يا رب؟ لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]. معنى قوله تعالى: (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا) ما سبب أكلهم الربا يا رب؟ قال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة:275] ما الفرق بينهما؟ الآن يقولونها، يقولون: هو كالتجارة، تشري القنطار بعشرين ريالاً وممكن أن يباع بأربعين! هذه الكلمة قالها أهل الجهل، قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة:275] تشتري بعيراً بألف وتبيعه بألفين بحسب الأسواق، وتشتري قنطار القمح بعشرة ريالات وتبيعه بعشرين حيث السوق كذلك، قالوا: والربا مثل ذلك. معنى قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) فأبطل الله دعواهم وقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] البيع أذن الله فيه وأحله، وأما الربا فما زال محظوراً حراماً، لأن الربا يمنع التعاون والإخاء والمودة والرحمة والصدق، كل هذه انتهت مع الربا، فلهذا حرمه الله عز وجل لأنه أذية مؤمن وأكل ماله بدون حق وبدون عوض إلا بالتأخير فقط. ثم قال تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى [البقرة:275] أيها المستمعون والمستمعات! هل جاءتكم موعظة من ربكم؟ أمر ونهي إلهي، فمن تاب الليلة فكل ما أخذه وأكله حلال، يأكل ويتصدق، لأنه تاب، فمن جاءه موعظة وفتوى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]، كله، ولا أقول: أرجعه للناس وابحث عنهم، بل يكفيك التوبة. وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275] إلى من أمره؟ إلى الله، إن شاء آخذ وإن شاء عفا، والظاهر أنه يعفو ويغفر، وإنما يبقى الباب مفتوحاً لترتعد النفس وتضطرب، فما يطمئن ويضحك، يجب أن يتوب بالبكاء والدموع والاستغفار وفعل الخيرات. معنى قوله تعالى: (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ [البقرة:275] البعداء أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، هل هذا كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ أو كلام الصوفية الخرافة؟ هذا كلام الله عز وجل، فمن يعقب؟ وَمَنْ عَادَ [البقرة:275] ورجع بعد أن تاب فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، فلهذا لن تجد عبداً عرف الله تعالى وبكى واطرح بين يدي الله وترك الربا ثم يعود، لن يعود، قلما يعود، ومن عاد فباب السجن مفتوح: فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] . هل هذا الكلام ما يفهمه المسلمون؟ لو قرءوه وتدارسوه أما يفهمونه؟ سيفهمون، لو فهموه فهل سيعملون بالربا؟ والله! لا يفعلون، لكن الجهل والظلمة، فالماشي في الظلام يتخبط وما يسلم أبداً من العثور والهلاك. فهيا نعود إلى دراسة كتاب الله؟ وقد تقول: هذا موجود في الجامعات والمدارس يا شيخ! وأقول: لا، نريد أن نصدق ربنا في إيماننا به وبلقائه ونعمر بيوته بنسائنا وأطفالنا كل ليلة وطول العمر، والنصارى إذا دقت الساعة السادسة ذهبوا إلى المقاهي إلى المراقص إلى المقاصف إلى دور اللهو إلى العهر، ونحن إلى أين نذهب؟ نذهب لبيوت الرب لتلقي الكتاب والحكمة لتزكية نفوسنا وتهذيب أخلاقنا وسمو آدابنا، والعدو يذهب إلى العهر والباطل والشر والفساد، أنى لهذا العدو أن يعلو فوقنا أو ينال من كرامتنا؟ والله! ما كان، لا تفهموا أن هذه العودة أن نبقى هكذا وهكذا، والله! لنسودن البشرية كلها وبلا شيء، وإنما بالعودة إلى بيوت الرب، فتستقيم العقائد والآداب والأخلاق ونرتفع، وحينئذ إذا قلنا: الله أكبر رددها العالم الإسلامي. لا شك أن هذا الدرس ممكن أن يصل إلى اليهود والقسس فيحتفلوا ويهتموا، أما نحن فلا، يدخل الكلام من هنا ويخرج من هنا، فذلك غير مهم؛ لأن لهم أملاً أن يعملوا أم لا؟ وهل نحن لا أمل لنا! آيسون؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.هيا نعيد هذه الآية العظيمة أطول الآيتين، يقول تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] . تفسير قوله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) وفي الآية الثانية قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276] يسحقه ويمحوه، لا بركة فيه أبداً، وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]، الصدقات يربيها وينميها ويرفعها حتى تغدو كالجبال، هذا وعد ممن؟ من الله تعالى القادر على أن يعطي، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276] لا يبارك فيه أبداً: أولاً: أي بركة في مال تدخل به النار؟ أية بركة هذه؟ مال لا يطيب نفسك ولا يزكي روحك ولا تشعر معه بقلة الحياة فهذا مال مسحوق. والصدقة ينميها الله كما أخبر رسول الله عز وجل؛ إذا تصدق المتصدق بصدقة وقعت في كف الرحمن عز وجل فيربيها له كما يربي أحدنا مهره ابن فرسه، وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] والختام وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276] كفار: جحود للنعم يجحد الله وشرعه وقوانينه وما دعا إليه وما أمر به ويتنكر له. وأثيم: مغموس في الآثام من إثم إلى آخر من زلة إلى زلة، خبث وتعفن ونتن، فالله ما يحبه وأنت تحبه؟ هل فيكم من يحب كل كفار أثيم؟ أعوذ بالله! يحبه من هو مثله في الخبث. تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ...) وأخيراً: الطابع الأخير لكم أيها المؤمنون ويا أيتها المؤمنات: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277] ، فالحمد لله، الحمد لله، اللهم اجعلنا منهم، الحمد لله. أعيد هذا البيان؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277] هؤلاء أولياء الله، ما هم أعداءه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (38) الحلقة (45) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (133) إن حرب الله عز وجل على الربا لا تقتصر على الكافرين وحدهم، وإنما يدخل في ذلك أهل الإسلام، فالحرب على كل مرابٍ، وقد وجه الله عباده المؤمنين إلى تقواه عز وجل وترك ما بقي لهم من أموال عند الآخرين ناتجة عن الربا، ويكتفون برءوس أموالهم، فلا يأخذون شيئاً زائداً عليها، ولا يتركون شيئاً منها لغيرهم، وحضهم تعالى على إنظار المعسر من المدينين، وأفضل من ذلك التصدق عليه بهذا الدين، والله عز وجل يجزي المتصدقين. تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن يتحقق لنا ذلكم الموعود الذي أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.وقد انتهى بنا الدرس ونحن ندرس سورة البقرة مواصلين دراسة كتاب الله حتى ننتهي بإذن الله، وها نحن مع هذه الآيات الأربع: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:278-281]. أهلية المؤمنين لنداء الله تعالى لهم معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا نداء الله عز وجل موجه إلينا بوصفنا مؤمنين، وكوننا مؤمنين هذا يؤهلنا لأن ينادينا ربنا تعالى؛ لأن المؤمنين أحياء يسمعون ويعون ويقدرون على أن يمتثلوا الأمر والنهي؛ وذلك لحياتهم بإيمانهم، أما الكافرون فلا ينادون بمثل هذا النداء ليأمرهم أو ينهاهم؛ لأنهم أموات غير أحياء وما يشعرون. فهذه نعمة من نعم الله فالحمد لله عليها وعلى غيرها من نعمه التي لا نحصيها؛ لأننا مؤمنون، أي: مصدقون به عز وجل وبربوبيته وألوهيته وأنه رب كل شيء ومليكه، مؤمنون بكتابه الذي نتلو آيه ونتدارسها ونعلم مراده تعالى منها رجاء أن نمتثل الأمر ونجتنب النهي لنكمل ونسعد، وآمنا برسوله وبكافة رسله، آمنا بلقائه والوقوف بين يديه للاستنطاق والاستجواب ثم الجزاء إما بالنعيم المقيم وإما بالعذاب الأليم. يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:278] لبيك اللهم لبيك، مر نفعل، انه نترك، أعلم نتعلم، بشر نستبشر، حذر نحذر؛ لأننا عبيدك وأنت سيدنا فلا تنادينا إلا لصالحنا. مقاصد النداءات القرآنية وبالتتبع والاستقراء لآي كتاب الله وجدنا في القرآن الكريم تسعين نداء، ودرسناها بمنه وفضله هنا ثلاثة أشهر، كل يوم ندرس نداء، فوجدناها تدور على تحقيق ما يلي: أولاً: على أمره لنا باعتقاد أو بفعل أو بقول ما من شأنه إعدادنا للسعادة والكمال، أو لينهانا عما من شأنه أن يخسرنا ويضيعنا ويكسبنا الشقاء والخسران، أو ينادينا ليبشرنا لتنشرح صدورنا وتطمئن نفوسنا ونقبل في سرعة على الصالحات وتنافس في الخيرات، أو ينادينا لينذرنا من الأخطار والعواقب السيئة والمدمرات والهلاك في الدنيا وفي الآخرة، أو ينادينا ليعلمنا ما نحن في أمس الحاجة إلى علمه ومعرفته. هذه النداءات الإلهية التسعون نداء، وقد يسر الله طبعها مرات ووزعت، والله أسأل أن يحيي بها موات قلوب إخواننا. أيناديك ربك ولا تصغي ولا تسمع؟! إنه قد يناديك أبوك أو ابنك أما تسمع له؟ فكيف يناديك خالقك مالكك سيدك، من بيده حياتك وموتك وإليه مصيرك وأنت تعلم، لا يناديك للهو ولا للباطل ولا لإضاعة الوقت ولا لإرهاقك وإشقائك، والله! لا ينادينا إلا ليكملنا ويسعدنا. إذاً: هيا ندرس هذه الآيات، وهي مختومة بآخر آية نزلت من السماء، آخر آية نزلت من الله عز وجل هذه الآية: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]، أول آية نزلت: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] وآخر آية نزلت من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية هذه الآية: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] . كيفية امتثال الأمر بتقوى الله تعالى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:278] نادانا ليأمرنا بتقواه إذ قال: اتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:278]، كيف نتقيك يا رب وبماذا نتقيك؟ هل بالأسوار والحصون، بالجيوش الجرارة، بالسراديب تحت الأرض؟ بم نتقي الله ونحن بين يديه وفي قبضته؟ يقول لنا العالمون: اتقوه فقط بالإيمان به وطاعته وطاعة رسوله وأنتم مؤمنون، لا يتقى الله بشيء سوى هذا، لا تعصه، لا تخرج عن طاعته، فإن كنت كذلك فأنت آمن فلا تخف؛ إذ لا يغضب ولا يسخط إلا على من عصاه وتمرد عليه وخرج عن طاعته وفسق عن أمره وهو عبده مملوك له يغذوه ويسقيه ويكسوه، يحفظه من شياطين الجن لو تركه لاختطفوه، ثم لا يسمع نداءه ولا يمتثل أمره ولا يجتنب نهيه، فما لهذا المخلوق، ما لهذا الإنسان؟ إذاً: عرفنا بم نتقي ربنا، أي: بم نتقي عذابه وبلاءه وسخطه وغضبه وناره وجحيمه، نتقيه بطاعته وطاعة رسوله، لا تستمر على المعصية ولا تداوم عليها، وإن زلت قدمك وسقطت فعد إليه طالباً العفو والصفح وهو كريم حليم، يكفيك أن ترفع صوتك: غفرانك ربي وإليك المصير، أستغفر الله .. أستغفر الله .. أستغفر الله، وأنت تبكي، فيعفو ويصفح ويتجاوز ويغفر؛ لأنه حليم عظيم.أما أن تستديم معصيته غير مبال بقدرته عليك ولا بنعمه التي أغدقها عليك، فتكفرها وتجحدها وتواصل التمرد عليه، يقول: قف فتمشي، يقول: نم فتستيقظ، يقول: كل فلا تأكل؛ فأين يذهب بك يا عبد الله؟ تريد أن تتمزق وتتلاشى؟ وذلكم هو الخسران المبين: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]، إن أحدهم يلقى في عالم لا يلتقي فيه بأب ولا أم ولا أخ ولا صديق ولا قريب ولا بعيد لمليارات السنين، وأفظع من هذا أن الرجل الكافر قد يوضع في صندوق من حديد ويغلق عليه ويرمى في ذلك العالم فلا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يبصر وهو في الجحيم مليارات السنين؛ إذ الحياة هناك غير قابلة للفناء، الحياة الدنيا -بحسب سنة الله فيها- قابلة للفناء، لا يبقى شيء إلا ويتلاشى ويتمزق، وها أنت تشاهد طفلك يشب ويكبر ثم يموت، وأما الحياة الآخرة فالذي أوجد هذه أوجدها غير قابلة للفناء، فأهل دار السلام لا يكبرون لا يهرمون لا يمرضون لا يشيخون لا يموتون لا ينامون، غير قابلة لهذه الظواهر في الحياة الدنيا الزائلة الفانية. حاجة العباد إلى العلم بشرع الله لتحقيق التقوى إذاً: والسؤال المكرر لعله ينفع الله به: هل الذي لا يعرف أوامر الله ونواهيه وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ونواهيه يستطيع أن يتقي الله؟ والله! ما يستطيع، إذاً: فمن الضروريات أن يعرف عبد الله وأمة الله ما أمر الله ورسوله به من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات، وأن يعرف أيضاً ما حرم الله وكرهه من المعتقدات والأقوال والأفعال والصفات والذوات. وهنا وقفنا عند الباب، فهيا ندخل، وهو مغلق فلا بد من العلم، نحن مأمورون بأن نتقي ربنا حتى لا نخسر حياتنا وحتى لا نلقى في عالم الشقاء أبد الآبدين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] في أي شيء نطيع؟ لا بد من معرفة ما نطيع الله ورسوله فيه، أي: معرفة الواجبات ومعرفة المنهيات في هذين المجالين من الاعتقاد والقول والفعل والصفات. وإذا ما وجدنا من يعلمنا فلنذهب نشرق ونغرب ونسأل عن الذي يعرف محاب الله ومكارهه، فإن قالوا: إن رجلاً يقال له: فلان يوجد في جبال التبت من القارة الهندية هذا الذي يعرف ما يحب الله وما يكره؛ فوالله! لو آمنا حق الإيمان لمشينا حتى نجلس بين يديه ليعلمنا ما يحب ربنا لنأتيه وليعلمنا ما يكره ربنا لنذره ونتركه، فلم لا يتعلم المؤمنون؟ سأشرح لكم: إن مظاهر الضعف والعجز، بل مظاهر الخبث والظلم والشر والفساد كلها نتيجة الجهل بالله وبمحابه ومكارهه، من عرف الله خافه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، ومن خاف الله عمل على ألا يخرج عن طاعته ولا يفسق عن أمره؛ لأنه علم أن حياته ومصيره بيد ربه، فكيف يجرؤ على أن يتمرد عليه ويخرج عن أمره؟ ونعيد القول: لم لا نتعلم في بيوت ربنا؟ اليهود والنصارى والمشركون والكافرون إذا انتهى العمل الدنيوي ودقت الساعة السادسة مساءً أوقفوا العمل كما هو مشاهد في أوروبا وأمريكا واليابان والصين، ونظفوا أنفسهم ولبسوا أحسن ملابسهم وذهبوا إلى دور الباطل من المراقص والمقاصف والسينما والملاهي والأباطيل ينفسون عن أنفسهم يروحون عنها من آثار البلاء النفسي؛ لأنهم كالبهائم لا هم لهم إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح واللهو والباطل، آيسون من رحمة الله جاهلون بالله والدار الآخرة، يذهبون للترويح على أنفسهم، ومصيرهم معلوم هو جهنم خالدين فيها أبداً. ولتعرف صورة توضيحية لجهنم اخرج في الساعة الثانية عشرة ظهراً وارفع رأسك وانظر إلى الشمس، هذه الشمس أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، وكلها لهب وسعير، ولا شجر فيها ولا حطب، نار ملتهبة، لو اجتمعت البشرية كلها خمسين مرة ما سدت زاوية من زوايا الشمس، وتسألني عن النار؟ فإذا كشطت هذه السماوات وأبعدت فالعالم الآخر الذي لا نهاية له. وإن ارتبت فأغمض عينيك وضع رأسك بين ركبتيك وفكر وتصور نفسك وأنت هابط إلى الأسفل، فإلى أين ستنتهي؟ إذاً: قولوا آمنا بالله .. آمنا بالله .. آمنا بالله. فنحن الربانيون أولياء الله أهل الطريق والصراط المستقيم، إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة لم لا نتوضأ في بيوتنا ونلبس أحسن ثيابنا ونأتي بنسائنا وأطفالنا إلى بيوت ربنا، فنجلس الساعة والساعتين نتلقى الكتاب والحكمة، نزكي أنفسنا بهذه الأنوار الإلهية، سنعود شباعا إلى بيوتنا لا رغبة لنا في وافر الطعام والشراب، ولا هم لنا إلا أن يرضى ربنا عنا، لم ما عملنا هذا؟ أهل القرية في الجبل في السهل في الوادي حيثما كانوا أليسوا مؤمنين؟ ويزعمون أنهم المسلمون! فلم يعيشون على الجهل فيستبيحون الغش والخداع والغيبة والنميمة والشح والبخل والسب والشتم في أمراض لا يرضاها الله لأوليائه؟ لأنهم ما عرفوا -والله- وما علموا، ما طلبوا العلم حتى يعلموا، ما صدقوا حتى يصدقوا، هذه حال أمتنا، وقد شاهدنا ما فعل الله بنا في الشرق والغرب، وما زلنا في سكرتنا ما أفقنا، ما زالت السكرة هي هي، والجهل مطبق وآثار الجهل مشاهدة، كل ظلم كل خبث كل شر كل فساد مرده إلى الجهلبالله وبمحابه ومساخطه، فكيف نتقيك يا ربنا ونحن لا نعرف الكلمة التي إذا قلناها ترضى بها، أو تسخط ولا ترضى؟ فلا بد أن نتعلم، وما نحتاج للمدارس والأقلام والأوراق، هذا العلم الضروري فقط نتلقاه من فم المربي من وجهه إلى وجوهنا ونعزم على العمل في ساعته، فلا نزال نتلقى الحكمة يوماً بعد يوم حتى ما يبقى في قريتنا رجل ولا امرأة لا يعرف الله ولا ما يحب ولا ما يكره. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
أمر المؤمنين بترك الربا بعد بيان حكمه وحال آكليه ونعود إلى الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278] هذا أولاً، وقد بين لنا قبل إذ قال متوعداً: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] يقومون من قبورهم ساعة الانتشار والخروج من الأرض حالهم كالمصاب بالصرع كلما وقف وقع، كلما أفاق هلك؛ لأنهم قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة:275] وهم المتمسكون بالباطل أيام نزول الآيات، فقال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275] وإن ملك مليارات، وأمره إلى الله، ومن عاد بعد التوبة فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:275-277]. بعد هذه البيانات الإلهية نادانا مرة أخرى، فماذا قال؟ يا من علمتم وآمنتم! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا [البقرة:278] اتركوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278]، من بقي له شيء فليتركه إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278] أما غير المؤمن فليس هذا من شأنه، ما يقدر، فإن كنتم حقاً مؤمنين فاتركوا ما بقي من الربا عندكم وتخلوا عنه. تفسير قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ...) إذاً: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:279] فتكبرتم وترفعتم وأبيتم أن تذعنوا لنا وتسلموا وجوهكم وقلوبكم، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ [البقرة:279] اعلموا أن الحرب دارت بيننا وبينكم، والذي يحارب هل الله ينتصر؟ أمعقول هذا الكلام؟اعلموا أن الحرب قد دارت رحاها بين الرب تبارك وتعالى وبين العصاة المرابين من عباده، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] وكلمة (ورسوله) تعني الرسول ومن ينوب منابه من الأئمة والحكام، إذا رأوا من يستحل الربا يستتيبونه ثلاثة أيام، فإن لم يتب قتلوه نيابة عن رسول الله، من عرفوا أنه يتعاطى الربا يستتيبونه بالضرب حتى يتوب، أما إذا استحله فقد ارتد وكفر، مستحل الربا كافر، والذي يقول: إنه حرام ويفعله فهو عاص فاسق يستتاب ويرد، أما الذي ينكر شرع الله فهو مرتد. معنى قوله تعالى: (وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) قال تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279]. مثال ذلك: أنا رابيت خمسين رجلاً في قريتنا، لي على كل واحد عشرون ألفاً، منها خمسة عشر حق مالي هي رأس مالي وخمسة آلاف ربا، فماذا نصنع؟ قال لي ربي عز وجل: خذ رأس مالك واترك الباقي، فتقول: يا جماعة! ردوا علي خمسة عشر فقط، والخمسة الآلاف التي كانت فوائد ربوية لا آخذها، تركتها لله، بذلك أمرني ربي، وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] لا تظلمون بأن تزيدوا ريالاً واحداً لا حق لكم فيه، ولا ينقص من رأس مالكم ريال واحد أيضاً، تسترده كما هو، لا تظلمون من داينتموهم بالربا ولا يظلمونكم هم فيأخذون من رأس مالكم ريالاً واحد. تفسير قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) ثم قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280].وإن فرضنا أنه كان ذو عسرة استدان منك وفي ذمته عشرون ألفاً، ثم ما استطاع أن يسدد شيئاً، لا يملك ديناراً ولا درهماً، فماذا نصنع مع هذا الرجل وقد تبنا؟ قال الملك الحق جل جلاله: فَنَظِرَةٌ [البقرة:280]، من أنظره ينظره: إذا أمهله، فمتى يسر الله عليه أعطاه، فنظرة إلى متى؟ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]. والميسرة: اسم من اليسر، أي: حتى ييسر الله عليه بعد عام أو عامين أو بعدما يحصد، فإذا يسر الله عليه أعاد لك رأس مالك فقط ولا تأخذ درهماً واحداً زائداً على رأس مالك. ثم جاء الكرم الإلهي وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280]، وأن تتصدقوا بذلك المال الذي عند معسر ذي عائلة وما يستطيع أن يجمع هذا المال، فقلت له: تركته لله، فبات منشرح الصدر يعبد الله ويشكره ويدعو لك بالخير وزوجته وأولاده فيحصل لك خير عظيم، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280] . فهذه التوجيهات توجيهات ممن؟ من الله، فكيف يكفرون بالله؟ من أين يأتي هذا الكلام وهذه العلوم والمعارف، ثم يقولون: لا إله والحياة مادة! ألا لعنة الله عليهم. ولقد استجاب الله لنا فتحطمت الشيوعية البلشفية الحمراء وانتهت، لا عودة ولا رجعة، ومع هذا ما زال الهالكون بين المسلمين يسبحون بحمدها ويقدسون، أين الشيوعية؟ حفنة من الشيشان دمروا روسيا هذه الأيام، أذاقوها المر، فصفقت الدنيا. يقولون: لا إله؟! مجانين، أنت من أوجدك؟ كيف تقول: لا إله؟ أمجنون أنت؟ الذي يقف بيننا نقول له: أنت مخلوق، فإن قال: لا، أنا غير مخلوق، قلنا: أخرجوه، فهذا مجنون! وإن قال: أنا مخلوق؛ قلنا: من خلقك؟ هل جبال الألب أو البحر الأسود تتفنن في وجودك هكذا وفي سمعك وبصرك وعقلك ولسانك ومنطقك؟هذا الخالق لا بد أن يكون ذا علم وقدرة لا يعجزها شيء، فقل: آمنت بالله خير لك. تفسير قوله تعالى: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg وأخيراً جاء الطبع والختم: وَاتَّقُوا يَوْمًا [البقرة:281] عظيماً يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281] يقال: فلان مات، رجع إلى ربه، أول خطوة هي القبر، وتتم محنة فيه من أعجب المحن وفتنة لا تقابل بفتنة أبداً، ثم يلي المشكلة إما نزول إلى أسفل سافلين وإما علو إلى عليين، وتبقى النفس مرهونة فقط إلى أن تنتهي هذه الدورة، وهي أوشكت على نهايتها، شاخت الدنيا وشابت، وحينئذ يقع الزلزال العام وتتحلل الكائنات كلها وتعود سديماً وبخاراً كما كانت، ثم يعيد الله عز وجل الحياة لتخلد وتبقى، امتحن الكون وأهله فترة من الزمان ثم استقر في ملكوته، أهل الجنة في جواره يكشف الحجاب عن وجهه الكريم ويسلم عليهم فيسعدون سعادة لا يعرفون الشقاء بعدها أبداً: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:55-58]. وقفة مع نعيم أهل الجنة وهنا نعيد هذا البيان من سورة يس الذي تقرءونه على الموتى وتحرمون الأحياء منه، مضت أربعمائة سنة أو ستمائة سنة والمسلمون لا يقرءون القرآن إلا على الموتى، هل الميت ينهض ويقوم ليغتسل من جنابة ويصلي ويعترف بحقوق الناس ويردها؟ أما الأحياء فلا يقرءون عليهم القرآن أبداً، يقرءونه على الموتى. إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ [يس:55] ما هذا الشغل؟ هل يبنون يحرثون يخيطون الثياب يطبخون الطعام؟ ما هذا الشغل؟ قال العلماء: إنه افتضاض الأبكار، الله أكبر، بشراكم أيها الفحول! إنه افتضاض الأبكار، والبكر هي التي ما تزوجت. إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:55-58] قول لا بالكتابة أو بواسطة الملك، مباشرة يكشف الحجاب عن وجهه الكريم ويسلم عليهم فتغمرهم فرحة وسعادة لم يعرفوا لها معنى أبداً قبل ذلك. استحقاق الجنة بزكاة الأنفس وطهارة الأرواح فمن هؤلاء؟ هل هم البيض؟ هل هم بنو هاشم؟ من هؤلاء؟ أصحاب النفوس الزكية والأرواح الطيبة الطاهرة، والله العظيم! لهؤلاء هم أهل هذا النعيم؛ لأن الله عز وجل أصدر حكمه وأعلمنا أنه إذا أصدر حكماً لا يعقب على حكمه ولا استثناء ولا مراجعة أبداً؛ لعظيم علمه وحكمته وإرادته. اسمع هذا الحكم الصادر عليك وأنت غافل، يقول تعالى بعد أيمان مغلظة: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8] كم قسماً هنا؟ أحد عشر قسماً من أجل هذا الحكم الصادر على البشرية العمياء التائهة في متاهات الحياة: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فمن يعقب على الله؟ قد أفلح من زكى نفسه وقد خاب من دسى نفسه. أفلح بماذا؟ هل في تجارته؟ في مصنعه الجديد؟ الفلاح حقيقته أن تبعد عن عالم الشقاء وتدخل دار السلام والنعيم المقيم أبداً، وبينه تعالى بنفسه ما تركه للناس؛ إذ قال -وقوله الحق- من سورة آل عمران: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]. مواد زكاة النفس وتطهير الروح قد تقول: يا شيخ! ما هي المواد التي نزكي بها أنفسنا يرحمك الله؟ هل الصابون (تايت)، أم العطور (الكلونيا)؟ هل هذه تزكي النفس؟ هل الأغاني وأصوات العواهر والماجنين تزكي النفس؟ بم نزكي أنفسنا؟ دلونا يرحمكم الله، ما هي المواد التي تزكي النفس؟ الجواب: النفس تزكى بما وضع لها من أقوال وأعمال واعتقادات، هذا الذي قلنا: إنه به يتقى الله، كلمة لا إله إلا الله هذه أكثر من طن من الصابون لتغسل بها جسمك، إذا قلتها مؤمناً موقناً تحولها إلى كتلة من النور، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، تحولها إلى أطيب من الطيب وأطهر من الطهر، كما أن كلمة الكفر تحيلها إلى مزبلة منتنة لا تطاق روائحها. فالعليم الحكيم شرع من العبادات بالأقوال والأفعال ما شرع لتزكية النفس وتطهيرها، وما حرمه من ذلك فلأنه يدسي النفس ويخبثها ويعفنها، فبفعل الإيمان والعمل الصالح تزكو النفس البشرية، وعلى الشرك والفسق والفجور تدسى وتخبث النفس البشرية. هذه هي الحقيقة، فهل عرفها المسلمون؟ ما عرفوها، ما يسمعون بهذا الكلام أبداً، لو سمعوا هذا لما كان يقتل بعضهم بعضاً، ولما كان يزني بعضهم بنساء بعض، ولما كان يسرق بعضهم أموال البعض، ولما تكبر بعضهم على بعض، وقل ما شئت؛ فكل الأمراض والأسقام والعلل هي ثمرة الجهل بالله وبمحابه ومساخطه، وكلمة واحدة تبين لك الطريق: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]. في قريتك ذات الألف ساكن اعلم وفتش فستجد أن أعلمهم بالله أتقاهم له، أقلهم جريمة وكذباً وسرقة، فهيا نتعلم. فإن قيل: ما نستطيع، قلت: أما نستطيع أن نجمع نساءنا وأطفالنا في بيت ربنا؟ في الحي الذي نسكن فيه أو في القرية؟ ونتعلم الكتاب والحكمة؟ لم ما نستطيع؟نعم في أوقات معينة عند إثارة الفتن الحكومات توقف هذا التيار، لكن سينتهي، وكان غير موجود قروناً وأبينا أن نتعلم.فهيا نتلو الآية مرة أخيرة نسمع هذا البيان الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278] إن بقي عندكم، والحمد لله فليس عندنا، ما انغمسنا فيه ولا هو عندنا، لكن إن كان واحد منا فربنا تعالى يقول: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:278-279] وأصررتم وتكبرتم فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:279-280].وأخيراً: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]. فالطريق يا أبناء الإسلام للنجاة أن نعود إلى كتاب الله وسنة رسول الله، نغتنم أوقات الفراغ، لا نوقف مصنعاً ولا مزرعة ولا متجراً، فقط من المغرب إلى العشاء في صدق نتعلم الكتاب والحكمة على هذا المنظر الذي تنظرون إليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) ثم قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282] الكتابة ضرورية، والإشهاد عليها ضروري أيضاً، الكتابة وحدها ما تكفي، ففي الإمكان أن تنكر، لكن إذا كان عليها شاهدان شهداها، ووضعا ختمهما عليها فما يستطيع أحد أن ينكر، لا بد من الشاهدين على الكتابة، وليس شرطاً أن يكون هذا الصك بمليون ريال، بل ولو كان ألف ريال، ولو كان مائة ريال، صغيراً أو كبيراً كما سيأتي.قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282] أي: اطلبوا شهيدين، فالهمزة والسين والتاء أحرف استفعال بمعنى الطلب، ابحث عمن يشهد من إخوانك. معنى قوله تعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ [البقرة:282] ما وجدنا من الشهود رجلين، وجدنا رجلاً واحداً، والرجال سافروا أو في غزو، ونحن اضطررنا لأن نكتب هذه الصك وهذا السند، قال تعالى: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282] الرجل موجود، والثاني غير موجود، إذاً: نأتي بامرأتين من الصالحات المؤمنات القانتات تشهدان، فشهادتهما تعدل شهادة الرجل الذي انعدم وما وجدناه.وإذا ما وجدنا المرأتين ووجدنا الشاهد فحسب فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بيمين وشاهد، هذا في باب القضاء والتحاكم، أما الآن فإما رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة، وأما الكاتب فإن كان غير صاحب الحق؛ فإنه يكتب لهما ويتخذانه شاهداً يشهد. والشاهد عندنا: أنه إن لم يكن الشهداء رجلين وإنما وجد رجل واحد فيقوم مقام الرجل الثاني امرأتان، فتشهدان ويمضي البيع: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282] كل جملة لها مفعولها، ممن ترضون، لا بد أن يكون الشهود صالحين عدولاً بررة أتقياء، أما تاجر يتعاطى الخمر ويتعاطى الجريمة فما تصلح شهادته. وحد العدل عند أهل العلم: الرجل الذي يجتنب الكبائر كلها، ما يعرف كبيرة من كبائر الذنوب، ويتجنب الإصرار على الصغائر أيضاً، هذا هو العدل. أما من عرف بجريمة من الجرائم فلا يستشهد ولا تقبل شهادته، ولما هبطنا بلغنا أن بعض الصعاليك يجلسون حول المحكمة يلعبون الكيرم أو الورق، وإذا احتاج إليهم واحد من المحكمة قال: تعال لتشهد بعشرة ريال أو خمسين ريالاً، ويدخل ويشهد معه، وهذا وجد في العالم الإسلامي، ولا غرابة ولا عجب، فما عرفوا الله حتى يخافوه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg معنى قوله تعالى: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) قال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ [البقرة:282] إذاً فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ [البقرة:282] مخافة أو كراهة أن تضل إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]؛ لأن المرأة بطبعها الذي طبعها الله عليه ضعيفة في إرادتها وفي عقلها، كثيراً ما يسري إليها النسيان وتنسى. فالذي يقول: المرأة والرجل سواء عندنا نحن كفر وخرج من الإسلام، والذي يقول: يجب أن تتفوق فوالله! لا حظ له في الإسلام، يقول تعالى في امرأة لوط ونوح: كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ [التحريم:10] ما معنى (كانتا تحت عبدين)؟ هل يعني أنهما مساويتان لهما، أو فوقهما؟ إذاً: فالذي يقول: المساواة؛ هذا كاليهودي وكالنصراني، بل اليهود والنصارى كانوا يستحون من هذا، لكنه عمل البلشفة الحمراء واللادينيين الذين حلموا بهذا الحلم: المساواة، فهل أنت رب الناس؟ هل أنت الخالق؟ أما تستحي إذاً؟ ما خلقت أنت ولا رزقت ولا دبرت الكون، وخالقهم فضل هذا على هذا، فتقول: أنت يا رب ما تعرف! فهل هذا يبقى مسلماً؟ هل يدخل في رحمة الله؟! ويتبجح الغافلون والمقلدون والعميان الذين لا بصائر لهم، ويطالبون بالمساواة وحرية المرأة، فكما أن الرجل يعهر ويفجر فلها حق هي أن تعهر وتفجر، أهذا دين؟!قال تعالى: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282] لم يا رب؟! أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا [البقرة:282] تنسى، أو تخطئ لصغر عقلها وطاقة فهومها؛ فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282] حين تكونان اثنتين إذا نسيت الأولى فالثانية تذكرها: أما تذكرين كذا وكذا؟ فيثبت الحق لأهله، ولا تضيع حقوق الناس. معنى قوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) ثم قال تعالى: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282]، إذا استدعاك القاضي وقال: هل أنت شهدت البيع الفلاني؟ فتعال لتشهد، يجب أن تأتي، لا ترفض فتقول: أنا لا أشهد! إخوانك يكتبون كتاباً، فقالوا: تعال اشهد معنا، وأنت مؤمن تقي، فتقول: سامحوني، فلن أشهد؟! وأذكر أني عوقبت بهذه؛ فقد كنت في دكان عند المحكمة، فجاءتني امرأة فقالت: قم يا شيخ لتشهد معي، فأنا تضايقت وكرهت أن أشهد وما أعرفها، فاعتذرت وامتنعت، فقالت: إذاً: والله! لأدخلنك المحكمة بنفسها، وتمضي الأيام، وزوجها من البهاليل، فكان يزورني في البيت ويطلعني على خفايا أمره، ثم مات، فقالت: إن الشيخ الفلاني عنده مال زوجي، وهو مدخر عنده، وفجأة يجيء العسكري فيقول: القاضي يريدك في المحكمة! فحضرت المرة الأولى فما نجحت، وشاء الله ذلك، ولو جاءت بشاهد آخر علي لكانت تأخذني، لكن الله صرفها صرفاً كاملاً، إذاً: فلم يبق إلا أني حلفت بالله الذي لا إله غيره ما ترك عندي فلان شيئاً، فصدر الحكم بإلغاء شكواها. أرأيتم كيف عوقبت؟ لأنني ما شهدت لها، والله يقول: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282] احضر، وأد شهادتك، فالحمد لله؛ أرانا الله مصداق آياته. معنى قوله تعالى: (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا) قال تعالى: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ [البقرة:282] لا تقل: هذه ألف ريال ما هي بذات قيمة، أو خمسة آلاف ما هي بشيء، فلا نشهد ولا نكتب، وَلا تَسْأَمُوا [البقرة:282] لا تملوا ولا تضجروا أن تتركوا الكتابة إلى أجل وإن كان المبلغ ما هو بشيء، لأن المبلغ وإن كان ما هو بشيء فإنه إن أنكرك أخوك أو جحدك تبغضه فتحدث الفتنة، فلهذا كما سمعتم توجيه الله عز وجل، يقول تعالى: وَلا تَسْأَمُوا [البقرة:282] والسآمة: الملل والإعياء وعدم الرغبة، أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا [البقرة:282] لا تقل: هذا شيء تافه ما نكتبه، بل اكتب، واكتبوه إلى أجله، حددوا الآجال.ثم يقول تعالى: ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:282] ذلكم الذي علمتم من الكتابة والإشهاد أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا [البقرة:282] لا إله إلا الله! هذا كلام الله، ذلك الذي سمعتم أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:282] يعني: أكثر قسطاً وعدلاً، وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ [البقرة:282] حتى لا يظلم صاحبها أو يضيع حقه، وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا [البقرة:282] أقرب ألا تشكوا، فالكتابة وحدها ما تكفي، فلا بد من الإشهاد، كتبتم الصك فأشهدوا من عدولكم رجلين، وإذا ما وجدتم إلا رجلاً واحداً فأضيفوا إليه امرأتين من نسائكم. معنى قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) ثم قال تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282] الذي يبيع التمر والبر في بقالة، تشتري منه مثلاً عشرة كيلو، خمسة كيلو، أو جزار تشتري منه مثلاً خمسة كيلو لحم، وتقول: سآتيك بالمبلغ بعد أسبوع؛ فهذا ما يحتاج إلى كتابة؛ لأن الأصل: خذ وهات. فإن اضطر أخوك إلى أن أجلته يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً فما هناك حاجة إلى كتابة؛ لأن هذه التجارة حاضرة، ونحن كنا نتكلم عن بيع السلم.إذاً: في هذه الحالة إذا كانت تجارة مدارة: خذ وأعط، كحال الدكاكين، فلو فرضنا أنه استلف منك كذا؛ فإذا ما كتبتم فلا شيء فيه: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282] لا إثم عليكم في عدم الكتابة، ولا مضايقة ولا إرهاق وإتعاب، هذا ما هو في بيع المنازل والدور والسيارات، هذا في البصل والثوم والسكر والزيت، هذه تجارة حاضرة، فهذه إذا ما كتبتم فيها فلا شيء عليكما، أما ما كان من إبل وبقر وغنم مثلاً وبساتين ودور، وسيارات؛ فحين تبيع سيارة وما تكتب الدين ولا تشهد؛ فإنها تضيع. معنى قوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) ثم قال تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282] هذا -كما قلنا- في المنازل والبساتين وأنواع الإبل والسيارات؛ هذه الأموال، فالآن إذا باع إنسان لآخر سيارة -مثلاً- إلى أجل ألا يكتب؟ يجب أن يكتب ويشهد: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282] أي: باع بعضكم لبعض. معنى قوله تعالى: (ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم) وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282] لنتأمل هذه الفقرة، أي: لا يضر أحدكم الكاتب ولا الشهيد، مثلاً: نحن الآن في المدينة بين المغرب والعشاء، لكن بعدما نصلي العشاء وننام هل يجوز أن تقول: تعال يا فلان لتكتب لي أو لتشهد لي؟ أضررت به أم لا؟ أقمته من نومه، اترك هذا إلى غد، كيف توقظه؟ أو شهد معك في المحكمة، وحصل خلاف بينك وبين الخصم في أبيار علي، فتقول للشاهد: تعال عندنا إلى أبيار علي، وهو عاجز أو مريض ما يستطيع أن يمشي، فهل أضررت به أم لا؟ أو أن فلاناً معروف أنه كاتب في القرية، فتأخذه إلى قرية أخرى ليكتب لك؟ أما أضررت به؟ فسبحان الله العظيم! بين الله تعالى كل جزئيات هذه القضية! وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282]، فالذي يكتب لك لا تكلفه ما لا يطيق، تأتي به في نصف الليل، أو في وقت برده شديد، انظر إلى الوقت المناسب له، والشهيد كذلك، لا تقل: تعال لتشهد معنا، وتمشي به خمسين كيلو؟! آذيته، فلا بد أن يكون الكاتب الذي كتب والشاهد الذي شهد أن يكون ذلك ميسوراً سهلاً عليهما، ما فيه ما يكلفهما عناء أو مشقة أو فقد مال مثلاً.لا تفهم أنه بما أن الله أمرنا أن نشهد وأن نكتب ففي هذه الحال نلزم كل واحد أن يكتب لنا ويشهد، ونكلفه ما فيه مشقة عليه، عجب هذا الكلام الإلهي! وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ [البقرة:282] إن أضررتم بالكتاب أو بالشهود فهذا فسق منكم وخروج عن طاعة الله ورسوله. وما المراد بالفسوق؟ هل هو الخروج عن الأدب؟ عن اللياقة؟ الفسوق: هو ترك أمر الله أو انتهاك ما حرم الله.فإبليس فسق عن أمر ربه، أبى أن يسجد لآدم فقط، ما ترك صلاة ولا صياماً، بل قال له: اسجد فقال: لن أسجد، أنا أفضل منه، وتكبر، قال تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50] فكل من ترك واجباً وهو يعلمه وقادر على فعله يقال فيه: فسق، أي: خرج عن الطاعة. والفسق مأخوذ من قولهم: فسقت الفأرة: إذا خرجت من جحرها، ولذا تسمى الفويسقة، تأتي في الليل وتحرق عليهم المنزل، أيام كانوا يستصبحون بالفوانيس، تأتي على الفانوس فتحترق، وحين تشعل فيها النار تدخل بين النائمين في فرشهم فتحرق عليهم الفراش، فلهذا سماها النبي صلى الله عليه وسلم بالفويسقة، فهي تأتي على الفانوس، وحين تشتعل في شعرها النار ماذا تصنع؟ تبحث عن النائمين فتدخل بينهم، فالفسق: الخروج عن طاعة الله ورسوله عن عمد وعلم. معنى قوله تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم) ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:282] هذا خطاب لنا، اتقوا الله في هذه التعاليم، ما كان أمراً فأنجزوه، وما كان نهياً فاجتنبوه، وما كان رغيبة فارغبوا فيها وافعلوها، وما كان مكروهاً فاكرهوه وتباعدوا عنه، بذلك تتم لكم تقوى الله عز وجل، واتقوا الله في هذه التعاليم، احفظوها، افهموها، طبقوها، امشوا عليها، علموها، بهذا تحصل لنا تقوى الله عز وجل. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] أخذ منا وأعطانا، أخذ وعطاء، اتقوا الله ويعلمكم الله، والله! ما اتقى الله عبد إلا علمه، وعدنا إلى تلك القضية، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علمه، والله يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]؛ لأنه إذا أراد الله أن يتخذك ولياً له فإنه يعلمك، أنت أحببته ورغبت فيما عنده وخفته ورهبته، فأصبحت تطلب معرفته ومعرفة محابه ومساخطه، وتفعل المحبوب، وتتخلى عن المكروه، يوماً بعد يوم ستبلغ مستوى الولاية وتصبح تقياً ولياً لله تعالى.فاتقوا الله ويعلمكم الله، فما تنسونه أو تجهلونه أو يُحدث لكم تعباً أو يحدث لكم سوءاً، فالله يعلمكم. التصرف العسكري لخالد بن الوليد أنموذج لنور التقوى وهذه أيضاً كالآية التي تحمل لنا الفرقان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، فما الفرقان هذا؟ طاقة أكبر من هذه الطاقات الكهربائية، نور في القلب، ما إن تنظر حتى تميز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين السيء والصالح، وبين الضار والنافع، بهذا النور الذي أنتجته لك طاعة الله وطاعة رسوله.وضربنا لهذا أمثلة: كـخالد بن الوليد ، ولم تكتحل عين الدنيا بقائد عسكري يقود الجيوش كما قادها خالد بن الوليد ، حتى كفار الشرق والغرب كانوا يتمثلون حياته ويعرفونها، خالد بن الوليد سيف الله في أرضه، في وقعة مؤتة كان المسلمون فيها ثلاثة آلاف، خرجوا من المدينة يقودهم زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه جعفر ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثلاثة آلاف واجهوا مائتي ألف، ما هناك مدافع ولا صواريخ، بل وجهاً لوجه بالرماح والسيوف، ثلاثة آلاف مع مائتي ألف! واستشهد القادة واحداً بعد واحد، فتولى خالد القيادة، فاستل تلك البقية من ثلاثة آلاف استلال الشعرة من العجين.فخالد بن الوليد كيف حصل على هذا العلم؟ في أي كلية حربية درس؟ من هم أساتذته؟ ما هو إلا تقوى الله عز وجل، اتقى الله فيما أسند إليه، فيما أمر به، فأداه على الوجه المطلوب كما يحبه ربه الذي أمره به، فأوتي هذا الفرقان، فأصبح يعرف القتال وكيف ينتصر فيه على أعدائه.فاتق الله، فإن فعلت فوالله! لن تخلو من هذا الفرقان، وستصبح تميز في بيتك ومع إخوانك النافع من الضار؛ نتيجة تقوى الله. وهل تقوى الله تتم بدون علم؟ مستحيل! لا بد أن تعرف الله عز وجل بأسمائه وصفاته، بآياته في الكون والكتاب، فيصبح قلبك مملوءاً بحبه والخوف منه، ثم تعرف ما يحب من الكلام من القول، من العمل، من النيات، من الاعتقادات، من الصفات، من الذوات، فتعرف ذلك وتصبح تحب ما يحبه، وتكره ما يكره، وتفعل المحبوب وتكره المكروه، وشيئاً بعد شيء تتم لك ولاية الله، وتصبح ولي الله، فلو سألته أن يزيل الجبال لأزالها.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (40) الحلقة (47) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (135) شرع الله عز وجل لعباده عند التبايع فيما بينهم بنوع من أنواع بيوع الأجل أن يكتبوا بينهم عقداً وأن يشهدوا شاهدي عدل على هذا العقد، وإذا كانوا في سفر ولم يجدوا كاتباً لهذا العقد فلهم عند ذلك أن يقدموا رهناً مقابل تأجيل الثمن، يستلمه بائع العين المتفق عليها، فإذا انعدمت الكتابة والرهن وتبايع المتبايعان بالثقة وطيب النفس، فيجب على من عليه حق أن يؤديه ولا يجحد منه شيئاً؛ لأن المؤمنين الأتقياء، مؤدون للآمانات حافظون للعهود والمواثيق. قراءة في تفسير آية الدين من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق رجاءنا فيك، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. البلاغة القرآنية المتجلية في آية الدين سبق أن درسنا آية الدين، وهي آية طويلة من أكبر آي القرآن، ولا بأس أن أسمعكم تلاوتها، ثم نراجع ما علمناه فيها، فهل ما زلنا على علم، أو تحولنا إلى جهل بالنسيان وعدم البصيرة؟ إليكم تلاوة هذه الآية المباركة، ثم نراجع ما دلت عليه وما كنا قد علمناه.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282].آية عجب، والقرآن كله عجب! إذ قال إخواننا من جن نصيبين: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1] إي والله! وقد قلت لكم: لو يجتمع علماء الاقتصاد والسياسة وعلم النفس وعلم الأحياء على أن يضعوا آية كهذه فوالله! ما استطاعوا، ولن يقدروا، هذه آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية، فما لهم لا يؤمنون بالله منزلها؟ ولا بالرسول الذي أنزلت عليه، وهم عاجزون عن محاكاتها، فضلاً عن الإتيان بمثلها؟! ما لهم لا يؤمنون؟ نحن الذين صرفناهم، أيام كنا أطهاراً أصفياء أوفياء أعزاء عدولاً كانوا يدخلون في دين الله أفواجاً وجماعات باختيارهم وطيب نفوسهم، فلما هبطنا من علياء كرامتنا وسادونا وأصبحنا نمثل العجز والضعف -بل والخبث والشر والفساد- فكيف يقبلون على الإسلام ويطلبون كتابه ويعملون به؟! إلا أننا نقول لهم: أنتم الذين هبطتم بنا، أنتم الذين مزقتم صفوفنا، وشتتم جماعاتنا، ومزقتم راية وحدتنا، وسلطتم علينا الشياطين منكم ومن غيركم؛ فهبطنا فأصبحنا سواسية، فأنتم المحرومون من دار السلام ونعيم الإسلام بما فيه من العدل والمودة والإخاء والعلو والكمال. فهم الذين فعلوا بنا هذا، فليذوقوا الحرمان الأبدي لا يشمون رائحة رحمة الله، ولا تنالهم في الحياة ولا في الممات، فهل فهم السامعون والسامعات هذه؟ هذا هو الواقع.وبعد: فماذا نصنع؟! ما الطريق؟ الجواب: أن نراجع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كيف سموا؟ كيف علوا؟ كيف ارتفعوا؟ كيف سادوا؟ هل بعلم التقنية؟ أم بعلم الذرة والهيدورجين؟ أم بعلم الفلسفة؟ لقد سموا بعلم الكتاب والحكمة، بعلم الكتاب القرآن العظيم والحكمة المحمدية.يسمعون فيعون ويوقنون ويعملون؛ فترسخ تلك الفهوم والمعارف في نفوسهم، وتتجلى ظاهرة في سلوكهم، في أسماعهم، في أبصارهم، في منطقهم، في كل حياتهم، فسموا وارتفعوا وارتفعوا؛ وحسدهم العدو فقالوا: والله! لننزلن بكم، فأوجدوا المذاهب والطوائف والطرق، وها نحن هابطون.فحرمنا نحن، ولكنهم حرموا أكثر منا، نحن بيننا من يدخل دار السلام بإيمانه، وهم لا يشمون رائحة الجنة، وبيننا من هو سعيد بإيمانه وطهارة نفسه، وسمو آدابه وإن كان فقيراً وإن كان مريضاً، وهم لا يوجد بينهم من هو سعيد في نفسه قط، دمار كامل! هذا جزاؤهم، فمن يبلغهم؟ هداية الآية والآن نعود إلى تلكم الآية العظيمة، إذ لها خلاصة تحت عنوان: هداية هذه الآية الكريمة.قال المؤلف غفر الله له ولكم وحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية:من هداية الآية:أولاً: وجوب كتابة الديون سواء كانت بيعاً أو شراء أو سلفاً وقرضاً، هذا ما قرره ابن جرير الطبري ] في تفسيره، [ ورد القول بالإرشاد والندب ]، والقول الصحيح: أن من المعاملات ما يجب كتابته، ومنها ما يسن ويستحب فقط، فليست على الإطلاق، فكتابة الدور والمصانع والبساتين لا بد عند بيعها من كتابتها وجوباً، لكن كتابة بيع بقرة أو بعير ديناً يستحب أن يكتب، فإن أمن وقال: ما نحتاج، أنا أثق فيك فقد فاته الأجر ولكن لا إثم عليه.فما كان من الأموال ذا أثر وتأثير على المجتمع بعد صاحبه فهذا يتعين الكتابة فيه ما دام ديناً، وما كان لا أثر له من الأمور التي ما هي ذات قيمة كبيرة، فلو لم يكتبوا فإن شاء الله لا إثم عليهم؛ لأن الله تعالى قال في السلم الذي عرفنا أولاً -ومثله القروض-: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282] العام والعامين والعشرة فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، لم يا رب نكتب؟ رحمة بكم، إبقاء على مودتكم، حفاظاً على اتحاد كلمتكم، لأنكم حاملوا راية الحق وراية العدل في العالم، فوجود فرقة وخلاف يسبب العداوة وينتج البغضاء، ويومها تفشلون فما تستطيعون أن تهدوا البشرية وتقودوها. الربا باب قطع العلائق بين المؤمنين وقد حرم علينا الربا أم لا؟ وتوعدنا بالنار أم لا؟ وبإعلان الحرب علينا، لم؟ ما السر؟ (95%) ما عرفوا سر هذا التحريم وهذا التهديد. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279] لأن مجتمعكم طاهر نقي صاف، يعيش على المودة والإخاء: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )، فكل ما من شأنه أن يفرق الكلمة، أن يذهب الإخاء ويبعد المودة حرام؛ لأننا حملة رسالة النور إلى البشرية.فالربا: وهو أن أسلفك ألفاً على أن تردها بعد ستة أشهر ألفاً ومائة، أو بعد سنة ألفاً ومائتين، هذا هو الربا، فقد يقول أحدنا: ما دمنا نجد من يقرضنا إلى أجل وآجال مع زيادة ولو بسيطة؛ إذاً: لم أستلف من فلان وأستقرض من فلان؟ لا حاجة إلى أن أذل نفسي! التربية المسجدية وسيلة إعادة لحمة التعاون بين المسلمين http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg إذاً: لكي ترتبط قلوب المؤمنين ارتباطاً سليماً صحيحاً يجب أن يسلف بعضنا بعضاً، وأن يقرض بعضنا بعضاً، وأن نتعاون بأنواع المضاربات، أهل القرية في مسجدهم الجامع الذي يجتمعون فيه كل يوم خمس مرات، يجتمعون فيه بين المغرب والعشاء كل ليلة، بنسائهم وأطفالهم، أغنياؤهم كفقرائهم، علماؤهم كجهالهم، مسئولوهم كغيرهم، من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، يتلقون الكتاب والحكمة، يتعلمون الكتاب والحكمة؛ لأنهم لا يعرجون إلى السماء إلا بطهارة أنفسهم وزكاتها، وسلم ذلك هو أن يعرفوا محاب الله ومساخطه معرفة يقينية، يقدرون معها على فعل كل محبوب لله، وعلى اجتناب وترك كل مبغوض لله، هذا سلم الرقي إلى الملكوت الأعلى حيث الجنة ذات النعيم المقيم. هل أهل الحي يجتمعون كل ليلة؟! يا شيخ! هذه خيالات، كيف نترك أعمالنا من صلاة المغرب؟! هذا هو السؤال؟ الجواب: إن الذين اقتدينا بهم، وسرنا في ركابهم، وأصبحنا نعتز حتى بلباسهم والمشي وراءهم إذا دقت الساعة السادسة مساء وقف دولاب العمل، وتطيب أولئك اليهود والنصارى، ولبسوا أحسن ملابسهم، وأخذوا أطفالهم ونساءهم إلى دور الرقص والعبث واللهو إلى نصف الليل، ولم أنتم لا تذهبون إلى بيت ربكم لتتعلموا الكتاب والحكمة، حتى تقووا وتقدروا على تزكية أنفسكم وتطهيرها، لتتأهلوا للعروج إلى الملكوت الأعلى، والنزول في تلك المكانة؟ من جهة نقلدهم ونمشي وراءهم ونجلهم في أعمالهم ونقتدي بهم، وفي هذه القضية لا! يبقى الدكان مفتوحاً بعد صلاة المغرب إلى العشاء إلى نصف الليل، وا حسرتاه! متى نفيق؟ متى نصحو؟ ما عرفنا متى! قد تقول: يا شيخ! ما هذه المبالغات؟ تلطف يا شيخ! أقسم بالله الذي لا إله غيره على أن كل ما نشكوه من عجز وضعف، بل وخبث وشر وفساد علته واحدة: الجهل بربنا ومحابه ومكارهه، يستحيل أن تزكو نفس مؤمن أو مؤمنة بغير استعمال أدوات التزكية والتطهير، وعلى النحو الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف إذاً لا نتعلم؟فنقول: أهل القرية كأهل الحي، إذا أذن المغرب فلن تجد رجلاً في شارع ولا في دكان، ولا طفلاً، أين هم؟ في بيت الرب جل جلاله وعظم سلطانه، يفعلون ماذا؟ يتعلمون الكتاب والحكمة ليزكوا أنفسهم، ويطهروها، فيقبلهم المولى في جواره في دار السلام. أما قال تعالى في منته على عباده: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]؟ مقترح الصندوق المسجدي الخيري فأهل القرية أو الحي إذا طابوا وطهروا لا يبقى كذب ولا غش ولا خداع ولا حسد ولا شرك ولا نفاق ولا رياء ولا إسراف ولا بذخ، إي والله! سنة الله لا تتبدل، عرفوا، صدقوا الله فسموا. أهل هذا الحي في المحراب يضعون صندوقاً من حديد، يقول الإمام وأعضاء لجنة المسجد ولجنة الحي: معشر المستمعين والمستمعات! هذا الصندوق قد أقمناه في محرابنا، من زاد عن قوته درهم فليضعه في هذا الصندوق، اشتغلوا وقوموا بواجباتكم، وتسلموا أرباحكم ورواتبكم، وأنفقوا حسب ما يريده الله لكم في غير إسراف ولا بذخ ولا شهوات، ومن زاد عن قوته درهم فليضعه في صندوق مسجد الحي أو القرية، ثم من أراد أن يربح فسوف يستعمل هذا المال في سبل الربح وطرق النجاح وله فوائده، ومن أراد أن يودعه ليستفيد إخوانه ولتطيب نفسه حيث المال ينتفع به إخوانه فليفعل! إذاً: أهل القرية إذا كانت بلادهم زراعية يكونون لجنة لإنشاء مزرعة تنتج ما هو خارق للعادة، وإن كانت الأرض غير زراعية فإنهم ينشئون مصنعاً لإنتاج أي مادة، ومن تلك الفوائد والأرباح ينفقون على فقراء الحي ومحتاجيهم ومساكينهم، ومن ثم تتحقق كرامة المؤمن التي أرادها الله له: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، أصبحوا أتقياء تمام التقى، وفي نفس الوقت إذا جئت إلى أخيك وقلت: أي أبي! إن كان أكبر منك سناً، أي بني! إن كان أصغر منك سناً، أي أخي! إن كان يساويك، ثم قلت: أنا في حاجة إلى مبلغ كذا، وسأرده إن شاء الله يوم كذا، في تاريخ كذا؛ فوالله! ليفرحن بذلك أخوك، وينشرح صدره، يقول: الحمد لله، ويضع ذلك المال في يدك، وأنت أيها المؤمن الطاهر النقي سوف تعمل ما تعمل، وإذا كان الوقت ودقت ساعته فلتأتين بذلك المال بنفسك وتقدمه، وإن أصابك ما أصابك وضاع فسوف تأتي وأنت تبكي بين يدي أخيك وتطلب منه أن يتفضل بالمسامحة وعدم المؤاخذة إلى أن يتأتى لك تسديد هذا المبلغ. توثيق الديون وأثره في منع الربا وإشاعة التعاون بين المسلمين إذاً: الربا فيه منع القرض، وهذا تخطيط اليهود، فحين أشاعوا الربا بين المسلمين والكافرين أفسدوا أخلاقهم وآدابهم وأرواحهم، ما بقي وفاء ولا التزام بعهد ولا بمبدأ، أصبح الطابع العام هو النكث وعدم الوفاء، فلما هبطوا كان لا بد من الربا، فأحرقونا أحرقهم الله عز وجل.من هنا هذه تعاليم الله عز وجل؛ للحفاظ على المودة والإخاء والتعاون والطهر والصفاء، فماذا فعل بنا؟ أوجب كتابة الديون سواء كانت بيعاً أو شراء أو قرضاً وسلفاً، لا بد؛ أخذاً بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] يحفظها العامي، لم نكتب؟ حتى ما يقع نزاع وخلاف وينتشر الحقد والحسد والبغض بينكم وأنتم جسم واحد. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
وجوب رعاية النعم بشكرها قال: [ ثانيا: رعاية النعمة بشكرها ]، هذه الآية فيها هذا المعنى، في قوله تعالى: وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ [البقرة:282]، تعال يا فلان اكتب بيني وبين أخي سنداً، أقرضته ألفاً، فتقول: أنا مشغول ما أستطيع، اطلبوا غيري، حرام عليك! اشكر نعمة الله، كما علمك الله الكتابة اكتب، ففيه معنى شكر النعمة، فكما علمك الله اكتب لعباده المؤمنين وقد احتاجوا إليك.وهكذا كل من أنعم الله عليه بنعمة يجب أن يشكرها على نحو تتطلبه تلك النعمة، فالماء البارد تصبه من هذا الجدار بين يديك وتشربه وما تقول: الحمد لله؟! يا كافر النعمة وجاحدها! نعلك فقط جميل وصالح عليك، تدخل رجليك وما تقول: الحمد لله؟! كل نعمة تتطلب شكرها للمنعم بكلمة: الحمد لله.فهنا ألاحظ كلمة في هذه الآية الطويلة أفادتنا أن المنعم ينبغي أن يشكر على ما أنعم، وأن المنعم عليه يجب أن يشكر المنعم ولو بكلمة (الحمد لله)، فهذا علمه الله الكتاب وأصبح كاتباً في القرية أو الحي، فجيء إليه فقيل له: اكتب، فيقول: أنا مشغول! اطلبوا غيري. أيجوز هذا؟ أين شكر النعم؟ حكم النيابة في إملاء الدين وحكم الإشهاد على الكتابة [ ثالثاً: جواز نيابة الإملاء؛ لعجز عنه وعدم قدرة عليه ]، ما معنى هذا؟ جواز الإملاء عن شخص، تملي على الكاتب وهو يكتب؛ لماذا؟ لأنه ضعيف أو صغير ما يستطيع، طفل صغير ما يحسن، فالذي يحسن يقوم مقامه ويملي، فيقول: لفلان علي كذا وكذا وكذا، وأشهدت فلاناً وفلاناً. [ رابعاً: وجوب العدل والإنصاف في كل شيء، لا سيما في كتابة الديون المستحقة المؤجلة ]، العدل والإنصاف في كل شيء، حتى في الأكل والكلام! ولكن بخاصة في كتابة الديون، عليك ألف فتقول: ألف إلا مائة؟! عليك ألفان فتقول: إلا كذا؟! يجب أن تعدل أيها الكاتب، لا بد من العدل الذي هو ضد الحيف والجور والانحراف، العدل هذا شأن المؤمنين؛ حتى لا ينتشر بينهم مرض الحسد والغل والغش والخداع، فتهبط رايتهم وتتمزق حياتهم، هذه رعاية المولى عز وجل.[ خامساً: وجوب الإشهاد على الكتابة لتأكدها به، وعدم نسيان قدر الدين وأجله ]، الإشهاد لا بد منه، كونك أمليت على الكاتب وكتب فالإشهاد لا بد منه، الإشهاد أقله اثنان، هذا في الأموال، أما في الزنا فأربعة شهود، سبحان الله العظيم! قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282]، مؤمنان يشهدان بأن ما في هذه الورقة أو هذا الصك أو هذا الكتاب هو حق، حتى لا يحاول المؤمن أو يخطر بباله أن يجحد أو ينكر هذا المال. عدد الشهود في الديون المالية [ سادساً: شهود المال لا يقلون عن رجلين عدلين من الأحرار المسلمين لا غير، والمرأتان المسلمتان اللتان فرض شهادتهما تقومان مقام الرجل الواحد ]، والذي يقول: هذا ما ينبغي، هذا تخلف وهذا كذا؛ كفر، مسخ ولم يبق له دين ولا إسلام؛ لأنه عقب على الله العليم الحكيم خالق الإنس والجن وطابع الطبائع، والله يقول: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282] فقال هو: لم؟ امرأة كافية، لم لا نسوي بين النساء والرجال؟! فمن يقول هذا الكلام كفر وخرج من الإسلام ولا حظ له فيه، وإن أراد أن يرجع فليتب إلى الله وليستغفره وليبك بين يديه.والذين يطالبون بالمساواة هل هؤلاء أسلموا قلوبهم لله؟ ما عرفوه حتى يسلموا قلوبهم، ضُلَّال كغيرهم من اليهود والنصارى، أيخلق الله ويربي وينمي ويرزق ويخلق الجو والأرض كاملاً لهذا الإنسان وتقول بعد ذلك: يا رب! نحن أعلم منك؟! هذا كفر بشع، وهو أقبح كفر، يستحي العاقل أن يقف هذا الموقف. ما تتناوله الكتابة من أنواع الديون [ سابعاً: الحرص على كتابة الديون والعزم على ذلك، ولو كان الدين صغيراً تافهاً ]، وقد بينا أنه إذا كان صغيراً فالكتابة مندوب إليها، لكن إذا كان ذا أثر فالكتابة واجبة في كل الديون.[ ثامناً: الرخصة في عدم كتابة التجارة الحاضرة ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282]، فصاحب الدكان يبيع في البقالة، هل كلما باع كيلو سكر يكتبه ويشهد عليه؟ لا، هذا فيه مشقة، لكن بيع العقارات والأشياء ذات القيمة إذا كان لأجل فلتدون وتكتب حفاظاً على أموال المسلمين، وعلى وحدتهم وولائهم لبعضهم وحبهم، أما التجارة المدارة، فكل يوم تأخذ من الدكان كذا أشياء ولا تكتبها ولا تشهد عليها وتعود إليه وتسدد ثمنها: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282]. حكم الإشهاد وحكم الإضرار بالكاتب والشهيد [ تاسعاً: وجوب الإشهاد على بيع العقارات والمزارع والمصانع مما هو ذو بال ] وشأن.[ عاشراً: حرمة الإضرار بالكاتب والشهيد ]، لا تضر بكاتب يكتب لك، ولا بشهيد يشهد لك، كأن تقول: يا فلان! عندنا قرية في جدة، تعال لتشهد معنا هناك، كيف يترك أهله ويمشي إلى جدة ليشهد؟! أما أضررت به؟ أو تأتي في يوم مطر والجو بارد وتقول: تعال إلى المحكمة! اتركه ليوم آخر، المهم أن أخاك إذا شهد لك فلا تتعبه ولا ترهقه بهذه الشهادة، انظر إلى ظرفه وحاله وخذ منه ذلك. أو كاتب تقول له: تعال لتكتب عندنا وتذهب به مائة وخمسين كيلو! لم هذا الإتعاب؟ انظر إلى كاتب في تلك القرية، أما أن تكلف كاتباً ليمشي هذه المسافة فقد أضررت به.المهم: ( لا ضرر ولا ضرار )، لا يحل لمؤمن أن يؤذي مؤمناً، حرام على المؤمن أن يؤذي أخاه، أن يرهقه، أن يتعبه، أن يذله، أن يزعجه، أن يغضبه، لم هذا؟ لأنهم جسم واحد، كل ما من شأنه أن يؤذيهم فيفرق جمعهم ويمزق قلوبهم حرام لا يجوز. أثر تقوى الله تعالى ووسيلة اكتسابها http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg [ وأخيراً: تقوى الله تعالى تسبب العلم وتكسب المعرفة بإذن الله تعالى ]، أما قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]؟ وهناك معاشر المستمعين ما ينبغي أن نعيده: هل في الإمكان لإنسان عربي أو أعجمي ذكر أو أنثى أن يتقي الله وهو لا يعلم ما يتقي الله فيه؟ مستحيل! فنجد أنفسنا مضطرين ملجئين إلجاء صادقاً إلى أن نتعلم الكتاب والحكمة، أي: نعرف ما يحب الله وما يكره الله، إذ تقوانا له بهذا، بفعل ما يحب وبترك ما يكره، أليس كذلك؟ فإذا كنا ما نعرف ما يحب فكيف نتقيه؟! أو نعرف ما يحب ولكن لا نعرف ما يكره، فسنأتي المكروه ونفعله، إذاً: ما اتقيناه، لا بد من معرفة ما يحب الله تعالى من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات معرفة حيقية؛ حتى نتمكن من فعل ذلك المحبوب لله تقرباً إليه أو اتقاء لغضبه وعذابه، ولا بد من معرفة ما يكره الله ويغضب الله من قول فاسد، عقيدة فاسدة، قول باطل، عمل غير صالح، صفة مذمومة عند الله، حتى نتجنب ونبتعد عن كل ما يغضب الله تعالى علينا. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]، اذكر السر، فبمجرد أن تعزم يا عبد الله على أن تتقي الله لتصبح من أوليائه؛ في نفس الوقت تبدأ تسأل وتتنقل من بيت إلى بيت، ومن مسجد إلى مسجد، تسأل أهل العلم عن محابه ومساخطه، فإن اتقيت الله علمك الله، إذا عزمت على أن تتقيه وجدت نفسك مضطراً إلى أن تقرع أبواب العلماء وتسألهم واحداً بعد آخر عن محابه ما هي؛ لتعرفها، وعن مكارهه ما هي؛ لتتركها.فهل عرفتم هذا الوعد الإلهي: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]؟ لا تشك، هذه هي الآية. تفسير قوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة ...) ومعنا الليلة آيتان جليلتان، فاسمعوا الآيتين، فهذه علوم ومعارف، أين تتعلم؟ في الجامعات؟ في كليات السياسة؟ في كلية الحقوق؟ هل تصل البشرية إلى هذه العلوم والمعارف بدون وحي الله؟قال تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]. يا معاشر المؤمنين! إن كنتم على سفر؛ لأن المسافر قد لا يوجد معه قلم ولا قرطاس، قد لا يوجد من رفاقه من يحسن الكتابة، أما في الحضر فقد عرفنا وجوب الكتابة لديوننا ذات القيمة، ولبيعنا وشرائنا، لكن إن كنا على سفر فماذا نصنع؟ أفتانا ربنا تعالى، قال: وإن كنتم يا معشر المؤمنين على سفر متمكنين منه فتركتم البلاد وراءكم، وتوغلتم في الفضاء والصحراء؛ إذ لو كانت البلاد قريبة وما نحن على سفر فإنا نرجع، لكن إذا كنا على سفر فماذا نصنع؟قال: وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا [البقرة:283] الرفقة ثلاثة نفر أو خمسة ما يوجد فيهم أحياناً كاتب يعرف الكتابة، أو وجدنا كاتباً فقال: ما عندنا قلم ولا قرطاس، فماذا نصنع؟ قال: العوض عن الكتابة التي تحفظ الديون ولا تضيع هو الرهان المقبوضة، والرهان: جمع رهن، تقول: من فضلك أعطني خمسة آلاف ريال وأنا وأنت في طريقنا إلى الشام، فيقول: نريد أن نتوثق من كونك ستردها علي، فتخرج من حقيبتك صك منزلك، أو بستانك، تقول: اجعل هذا عندك، فإذا ما سددت فبع ما في هذا الصك وخذ حقك أو دينك. قال تعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] ما هو بالوهم، أو بعد شهر، تكون مقبوضة. ويجوز فيها الكفالة، يقول آخر: أنا ضامنه، وهو مليء وعنده أموال. فهذا التعليم الإلهي، أوجب الكتابة وإن كنا على سفر، فإن ما وجدنا من يكتب فماذا نصنع يا رب؟! علمنا، قال: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] ارهنه، ضع عنده ما يرد عليه ماله الذي أسلفكه وأقرضك إياه، إن كان بستاناً يأخذ من غلته حتى يستوفي دينه، إذا كان عمارة يأخذ أجرة السكن حتى يستوفي دينه. معنى قوله تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه) ثم قال الرحمن الرحيم: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة:283] لا إله إلا الله! أعظم برحمة الله تعالى الرحمن! لا عسر ولا مشقة، فإن أمن بعضكم بعضاً، وثق بعضكم ببعض، والمؤمنون أتقياء أولياء لله لا خيانة بينهم، فلا حاجة إلى الرهن.فإن أمن بعضكم بعضاً فليعط الذي أعطي أمانته وليتق الله ربه، فالديون كالسلم والقرض والبيوع توثق بالكتابة، وإن كنا في سفر وما وجدنا من يكتب، أو ما عندنا قلم فرهان، وإن كانت القلوب طيبة والنفوس متراضية وأمن بعضكم بعضاً فلا حاجة إلى الرهن. معنى قوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) ثم قال تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ [البقرة:283] يا من شهد في قضية من قضايا الدماء أو الأعراض أو الأموال! انتبه أن تجحد شهادتك وأن تكتمها، أو تزورها وتلبسها ثوباً غير ثوبها، شهادة الزور وشهادة الباطل والكذب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم صلى الله عليه وسلم وهو يعلم الكتاب والحكمة، كان جالساً بين أصحابه، بل كان متكئاً يستريح من عناء الحياة، ثم أراد أن يعلمهم طريق السؤال والجواب، وهذا أمكن وأكثر استقراراً للمعرفة، أسلوب السؤال والجواب، ثم جاء الغرب يركض وقال: هذا أسلوب راق، هذا سبقكم محمد صلى الله عليه وسلم إليه، ما هو بجديد، قال: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! ) نبئنا؛ لم يقول: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ لأن الكبائر مدمرات، هي القاضية على المجتمع، ممزقة للوحدة، قاضية على طهارة الأرواح، هابطة بالأمة إلى الحضيض في الدنيا وإلى الجحيم في الآخرة. عظيم جرم الشرك بالله تعالى ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك بالله ) إي والله! لا أكبر من الشرك بالله، لم؟ لأن الشرك بالله معناه أنك سويته بالمخلوقات، وأصبحت تعطيه وتعطيهم بالسوية، لأنك تجاهلت ربوبيته للخلق كلهم، تجاهلت سر الوجود بكامله، وهو أن يعبد ويشكر، وأتيت بمخلوق مربوب وسويته به، وأصبحت تخافه وترتعد بين يديه، وتخر ساجداً له، وهذا لا ينبغي لمخلوق، هذا للخالق العظيم.فالشرك بالله اعتداء على حق الله، سلب حق الله وإعطاؤه للمخلوقات الهابطة، فكيف يقر هذا العقل؟ فأقبح أنواع الظلم وأسوؤها الشرك في عبادة الله، واقرءوا لذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]، بل قال تعالى عن عيسى ابن مريم وهو يخطب في بني إسرائيل: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].ووقعت أمتنا في الشرك، يحلفون بكل شيء، بالقهوة وبالشاي، بالوقت وبالحليب، برأس أمه وبحياته، كل شيء إله! والله واحد فقط، وفي الحديث: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، ( فقد كفر ) من قال هذا؟ هل محمد بن عبد الوهاب ؟ لا والله! قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا في سنن الترمذي : ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، والمسلمون ما يعرفون معنى (أشرك)، ومعناه: عظم هذا المحلوف به بتعظيم اليمين فجعله مساوياً لله، لأن الحلف بالشيء تعظيم له، لولا التعظيم فكيف ستحلف به؟ فطرة الإنسان تقتضي هذا، فأشركت في عظمة الله مخلوقاً من مخلوقاته. فالشرك ما هو؟ هو قولك: يا ألله! يا رسول الله! يا رب! يا سيدي عبد القادر! فكم إلهاً تدعو؟ أو يا ألله! يا رسول الله! هل رسول الله إله مع الله تدعوه؟ هل يمد يده إليك لينقذك؟ أما اكتفيت بالله؟!هذا هو الشرك، تجد المؤمنة والمؤمن يقولان: يا رب! يا سيدي فلان! يا كذا، كأنها ما عرفت لا إله إلا الله، مع أنه لا يدخل إنسان الإسلام حتى يعرف لا إله إلا الله، من أول مرة يقول: لا معبود إلا الله، هذا علمي ويقيني، فينقضها حتى في الذبح، هذا الخروف لسيدي عبد القادر، يشتري قطيعاً من الغنم، ولأن السنة حافلة يقول: هذا الكبش لسيدي فلان، حتى يحفظ، أو ما تلده هذه النعجة لسيدي فلان! ويجعلونه لغير الله. فلا تلمنا لأننا ما عرفنا، إي والله ما عرفوا، مضت دهور وقرون لا يجتمعون على كتاب الله ولا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (41) الحلقة (48) تفسير سورة البقرة (136) شرع الله عز وجل للمتبايعين بأي نوع من أنواع البيوع المؤجلة أن يثبتا هذا البيع بعقد ويوثقاه بشهادة شاهدين عدلين، أو يقدم المشتري رهناً يستوثق به البائع ويحفظ به حقه، ثم بين سبحانه أن في هذا حفظاً للحقوق وسلامة للنفوس، فهو سبحانه وتعالى عليم بما في نفوس عباده، وما أسروه في نفوسهم معلوم عنده كالعلانية، ثم يحاسبهم عليه، فيغفر لمن يشاء سبحانه ويعذب من يشاء وهو العزيز الحكيم. فضائل مجالس الذكر الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وأذكركم بالجوائز الرحمانية: الأولى جاءت في قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ). والثانية: ما علمتم من أن الملائكة تستغفر لنا إلى أن نصلي العشاء، ما من مؤمن صلى المغرب وجلس في بيت الله يذكر الله ويتعلم الطريق إليه حتى يصلي العشاء إلا والملائكة تستغفر له؛ تصلي فتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، فإذا انتقض وخرج وقفت الملائكة، فإن استمر على طهارته يسمع كلام الله، يتلوه، يذكر الله ويدعوه، وهو على وضوئه؛ فوالله! إن الملائكة لتصلي عليه، فتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى يخرج من المسجد.لو أردنا أن نحصل هذه الجائزة بالأموال فكم سننفق؟ والله! لو أنفقنا ما في الأرض جميعاً، فمن نحن وما نحن حتى تصلي علينا الملائكة الأطهار وباستمرار لساعة ونصف؟ سبحان الله! كيف نعرف هذا ونجلس في بيوتنا ومقاهينا وملاهينا؟ أمسحورون نحن أم مصابون؟وأعظم من ذلك ما جاء عن الحبيب صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة )، والله! لقد نزلت، تعال أريك هذا المجلس، والله! لو كان في مقهى أو ملهى لكان الضجيج والصياح والكلام، ولا تسأل، فالملائكة نزلت علينا. قال: ( وغشيتهم الرحمة )، إي والله، أسألكم بالله: هل يقع عذاب بينكم الآن؟ قال: ( وحفتهم الملائكة )، تدور بنا، وتسمع كلامنا، لو كنا قادرين على رؤيتها فوالله! لرأيناها.وأعظم من ذلك: ( وذكرهم الله فيمن عنده )، ما نحن ومن نحن حتى يحدث الملائكة عنا؟ الله أكبر! المسلمون ما عرفوا هذا، وأعداؤهم عرفوه، فعملوا على إجلائهم وإبعادهم عن بيوت الله منذ ثمانمائة سنة وهم في المقاهي والملاهي والعبث واللعب والدنيا، وحرموهم من مجالس بيوت الله، ومن ثم جهلنا، فلما جهلنا هبطنا، كنا في علياء السماء قادة وسادة وهداة للبشرية، شعارنا: الصدق والطهر والوفاء، فلصقنا بالأرض، وهم الذين أهبطونا، وما عرفنا بعد إلى الآن، فلا إله إلا الله! آمنا بالله.لو سألتني: يا شيخ! في بلادنا السرقة والزنا والكذب والغش والخداع والعداوات والأحزاب والجماعات، فدلنا يرحمك الله على العلاج السريع؟ فهل ممكن بالسحر، ما يستطيع السحر أن يجمعهم على قلب واحد، هل بالبوليس؟ بالرشاش؟ والله! ما تجمعهم تلك ولا تنفع، فما الذي يجمعهم؟ يجمعهم كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا اجتمعوا نساءً ورجالاً يطلبون الهدى ويتمنون العلو والرقي في الملكوت الأعلى، ويتعلمون الكتاب والحكمة، ليلة آية وليلة حديثاً، وكلهم شوق وكلهم حبٌ في الله وما عند الله، وهم ينمون نماءً عجباً في آدابهم، في أخلاقهم، في عقيدتهم، في كمالاتهم، في سنة واحدة تنفر الجريمة نفوراً كاملاً من بينهم، ومن شك فيما أقول فليجرب، وإن أراد اللوحة الواضحة فلينظر إلى أصحاب رسول الله وأولادهم وأحفادهم، هل رأت الدنيا منذ أن كانت أكمل منهم؟ والله! ما رأت، هل تعلموا بالهراوة أو بالرشاش، هل ألزموا كالشيوعيين؟ كيف تعلموا؟ كانوا يجلسون بعد صلاة المغرب، يوقفون المزرعة والمتجر، ويجتمعون على الكتاب والحكمة يزكون أنفسهم، هذا هو الطريق، فأعلموا الساسة والقادة وهداة البشرية أنه لا طريق للإكمال والإسعاد في الدنيا والآخرة إلا هذا الطريق، ومن قال: توجد طرق فليتفضل، فشلت الشيوعية أو لا؟ خربت العالم، خربت الدنيا كلها، أين الصليبية، أين الماسونية، أين الاشتراكية، أين الطرق والجماعات والأحزاب، ماذا أنتجت، أرونا نتاجها الطيب، دلونا على طهر أو صفاء؟ الجواب: لا شيء. إذاً: الكتاب والسنة، قال الله وقال رسوله. تابع تفسير قوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة ...) ها نحن مع قول ربنا جل جلاله وعظم سلطانه: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284]. علة تحريم الربا سبق هذه الآية ما علمتم من تحريم الربا، وتهديد وإعلان للحرب على أهله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:278-280].فلم حرم الربا بهذه الصورة؟ لأن المجتمع رباني إسلامي؛ مجتمع كأنه أسرة واحدة في بيت واحد، فهل المسلم المؤمن يأكل مال أخيه، يقول: أقرضني، فيقول: أقرضك بفائدة؟ أسلفني، فيقول: أسلفك بفائدة؟ أيجوز هذا؟ لو فعلوا هذا ما بقيت مودة ولا محبة ولا تلاق، وما بقي من ينظر إلى الله والدار الآخرة.إذاً: حرم الله الربا؛ لأنه يمنع ويحول دون تلاقي المؤمنين وتحابهم وتعاونهم، فإذا بطل الربا حلت محله المؤسسات الإسلامية: المضاربة، الشركات؛ تعمل على مودة وإخاء، وتتعاون على الإنتاج وتوفير الطعام والشراب والكساء للمؤمنين، وقد عرف هذا اليهود، فقالوا: هيا نمزق الصلات بين المسلمين. أولاً: جهلونا بربنا ومعادنا ولقائنا معه، فما أصبح من يصدق في حديثه، المتكلم يتكلم إلى عهد قريب والسامعون يقولون: هذا عميل، هذا وهابي، هذا كذا، والله! لكما تسمعون، يقولون: هذا ضد الصوفية، هذا ضد كذا! هذه هي الأخلاق الهابطة، من نشرها بيننا، من نماها وغرسها؟ أعداء الإسلام: اليهود والنصارى والمجوس، ومددنا أعناقنا واستجبنا لهم، فجهلونا، فأصبحنا إذا استقرضتُ من أخي فقلت: أقرضني كذا؛ فإنه يمضي الشهران والعام والثلاثة وما أرى وجهه، فمن يقرضنا إذاً؟ نقول: هيا نتعاون على إنشاء دكان أو مزرعة ننتفع بها وننفع المسلمين، فخذوا المال أيها الشبان وأنتجوا وأعطونا الربع معكم، فيأكلونه ويعبثون به ويقولون: مع الأسف أفلست التجارة وعلينا ديون! فمن يستطيع بعد ذلك أن يعطي ماله لنا ويقول: اعملوا والربح بيننا؟إذاً: ماذا نصنع؟ المتجه إلى الربا، البنك يعطيك ما تحب، تحب أن يعطيك مليوناً فإنه يعطيك مليوناً، وتطلب عشرة فيعطيك عشرة، وترد المال وإلا فستمزق في السجن، وهكذا. أرأيتم ما فعلوا بنا، ومددنا أعناقنا وسلمنا، فما علة هذا السكون والهبوط؟ إنها الجهل، أبعدونا عن معرفة الله وما عنده وما لديه، فوقع الذي وقع، فانظر إلى قيمة المال: ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله )، ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ).إذاً: فجاءت هذه الآية تقضي على الربا بين المسلمين وتنهيه، خذوا رءوس أموالكم واسحبوها فقط، وإذا كان لكم دين على آخرين فتنازلوا وتصدقوا فذلك أفضل لكم. الأمر بتوثيق الدين بالكتابة والإشهاد ثم جاءت الآية الطويلة النورانية التي تطلب منا أن نكتب الديون ونشهد عليها، وحرام عليك أن يأتيك من يقول: اكتب بيننا صكاً بكذا فتقول: لا؛ أنا مشغول، لا يحل لك، واذكر نعمة الله عليك كما علمك الله الكتابة، وأصبحت كاتباً، دعاك أخوك المؤمن أن تكتب له فاكتب. والذي يملل إن كان ضعيفاً ما يستطيع فإنه يتولى عنه من يقدر على الإملاء ويملي، ويملل الذي عليه الحق ليعترف بما عليه في ذمته من الديون، ولنشهد على ذلك رجلين، فإن لمن نجد الرجال ووجدنا امرأتين جعلناهما بمثابة الرجل؛ للتأكد الكتابة بالإشهاد، لم؟ حتى لا يحدث بين المسلمين شيء اسمه غضب وعدم رضا عن بعضهم، حتى لا يوجد بين المسلمين عداوة، ونفرة، وعدم حب وولاء، وكل الأسباب التي توجد العداوة بين المسلمين وتمسح لوحة الحب والولاء بينهم محرمة بالكتاب والسنة. تحصيل العلم النافع بطلب التقوى وأخيراً: قال لنا: اتقوا الله ويعلمكم الله، إذا لم تعلموا فقد أرشدكم إلى تقواه فستصبحون تعلمون، وبينت لكم سر هذه: فأيما مؤمن أو مؤمنة رغب في أن يتقي الله عز وجل؛ لأنه علم أن مصيره إلى الله، أن غناه، فقره، صحته، مرضه بيد الله، علم أن من لم يتق الله غضب عليه ورماه في أتون الجحيم لا يخرج منها أبداً، فوجد نفسه في حاجة إلى تقوى الله ليتقي بها عذابه وسخطه، هنا سوف يسهر ويبحث عن أهل العلم ويسألهم: ما الذي يحب ربي حتى أفعله ليرضى عني؟ قالوا: الله يحب الصدق فلا تكذب، فوالله! لا يكذب أبداً؛ لأنه أراد أن يتقي الله ليواليه وليقيه المكاره.وسأل عما يحب الله تعالى فقالوا: إن الله يحب أن تقول بعد كل صلاة: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة، فوالله! ما يتركها حتى يموت. ماذا يحب ربي؟ قالوا: يحب الإحسان ويحب المحسنين، وما معنى الإحسان؟ قالوا: إذا كنت تعبد فأحسن العبادة حتى تنتج لك النور، إذا كنت تتناول الطعام فأحسن تناوله بقلة اللقمة وبمضغها مضغاً جيداً، وبعدم الإسراف وامتلاء البطن، حتى الكلمة الطيبة والابتسامة بالوجه الباسم، ولا يزال يسأل عن محاب الله فيعلم ويعمل، ويسأل عن مساخط الله ومكارهه، فيعلم ويترك، فوالله! ما تمضي عليه سنة إلا وهو من أتقياء البشر، ويتم وعد الله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]. نور التقوى فرقان بين الحق والباطل اتق الله ويعلمك الله خفايا الأمور وبواطنها، يريك عجائب الحياة؛ لأن التقوى تولد طاقة قوية من الأنوار الإلهية، يصبح صاحب هذا النور يعرف حتى التجارة هل تُربح أو لا تربح، أراد أن يبحث في الأرض ليزرع فيعرف بإذن الله هل تنبت أو لا؟ وبرهان هذا في ذلكم النداء العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، والله! لو يجتمع ساسة اليهود والنصارى والمجوس بين رباني لما استطاعوا أن يؤثروا فيه، وليهزمنهم ويكشف سوأتهم؛ لأنه ذو نور وهم أصحاب ظلمة؛ لأنه بصير وهم عميان، فتركنا هذا وعدلنا عنه لنتعلم السياسة في كليات الملاحدة والعلمانيين! قد تقول: يا شيخ! كيف تقول هذا، هذا ما وقع! فأقول: هذا الذي يجري في عالم الإسلام، أما أهل النور فانعدموا، ثانياً: إن وجد منهم أحد فما يؤبه له، يقال عنه: هذا أفكاره هابطة ورجعية ومتخلف، ما شاهد العالم، والناس وصلوا إلى القمر .. إلخ.يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، ما الفرقان؟ نور قوي تفرق به بين الملتبسات والمتشابهات، وتعرف الحق من الباطل والنافع من الضار والخير من الشر، ويجهله العميان عميان البصائر ولا يعرفونه، ومن شك من السامعين فليتصفح لوحة العالم وينظر إلى الخبث والدمار والشر والفساد والفقر والبلاء والحروب والدماء، أين الساسة والسياسيون إذاً؟ أين وصلوا بأممهم؟ هل ارتقوا؟ يبولون من قيام، ويأكلون الدمار والخراب، الحشيشة تباع بالسيارات وبالبواخر، والإيدز نتيجة اللواط والزنا، الإيدز -والعياذ بالله- كلمة خبيثة. دولة عبد العزيز أنموذج لأثر تطبيق الكتاب والسنة ما هي الدولة الراقية التي تريدون أن تكونوا مثلها؟ أسبانيا؟ أعوذ بالله! بلجيكا؟ اليابان؟ أين هي؟ ما عندنا إلا هذه الدولة التي أنشأها الله وأوجد عبد العزيز وأولاده لتكون الحجة لله تعالى، والله! لو سألت علماءنا ما عرفوا سر هذه، السر: لتقوم الحجة لله على الناس، اليوم الذي قالوا فيه: لن يسود الإسلام ولن يحكم، ولن يحقق أمناً ولا طهراً ولا رخاء ولا عدلاً، وبدأنا ندرس القوانين ونطبقها في ديارنا الإسلامية، فجاء الله بهذه الدولة، ما عندهم فلاسفة ولا مناطقة ولا سياسيون، والله! ما كان ذلك، إنما هو فقط نور الله في الكتاب والسنة، فتحقق في هذه الديار أمن والله! ما تحقق في بلد في العالم بكامله، ولا آلات سرية ولا حربية، والله! لقد عشنا أياماً وبيوتنا بلا أبواب، والله! لقد رأيتنا نشاهد دكاكين الذهب ما عليها إلا خرقة من قماش، تحقق أمن ما عرفته الدنيا، وتحقق بعد الأمن طهر وصفاء، قد تعيش سنة ما تسمع بفلان زنا، أو فلان فعل كذا، كيف تحقق هذا؟ بالمنطق؟ بالدراسة السياسية؟ بالكتاب والسنة يا هؤلاء، قال الله وقال رسوله، ما بقيت قبة تعبد ولا قبر ولا شجرة، ولا بقيت حزبية ولا جماعات ولا عنصريات ولا مذهبية، أقامها الله عز وجل لتقوم الحجة له يوم القيامة، فإذا قالوا: ما عرفنا، ما ظننا أن هذا يحقق هذا؛ كان الجواب: أما شاهدتم؟ومما يدل على هبوطنا أنه يوم ظهرت هذه الدولة في الأفق كان العالم الإسلامي مستعمراً، أي: خاضعاً لدول الغرب كبريطانيا وبلجيكا وأسبانيا وفرنسا، فحكموهم وسادوهم؛ لأنهم أعرضوا عن الله وكتابه، كان المفروض -واذكروا هذا ولعلكم يوم القيامة لا تنسونه- كان المفروض أنه لما ظهرت هذه الدويلة وساد الطهر والصفاء، والرجل يمشي من أقصى الشرق والغرب فيها لا يخاف إلا الله، كان على كل إقليم يستقل من فرنسا، من إيطاليا، من أسبانيا، من بريطانيا، أن يأتي رجاله الصلحاء فيقولوا: يا عبد العزيز ، أو يا ولده ممن ناب منابه! لقد استقل القطر الفلاني، فلينظم إلى دولة الإسلام، ابعثوا لنا من يطبق شريعة الله، ابعثوا لنا رجال الأمر بالمعروف لنكون هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تصبح تلك القطعة من رقعة العالم الإسلامي وذلك البلد كالمدينة النبوية يطبق فيه شرع الله ويسوده الكتاب والسنة، وانتهت المذهبية والعنصرية والخلافات، وعاشوا أطهاراً أتقياء، فهل فعلوا هذا؟ ما استقللنا في يوم واحد، بل في عامين وثلاثة استقل الإقليم الفلاني، وبعد عامين أو خمسة استقل الإقليم الفلاني، وما جاء أهل إقليم وقالوا فقط: نريد قضاة، بل استقل إقليم وطلبوا القضاة من بريطانيا، والله العظيم! بآذاننا نسمع، استقل إقليم فطلبوا من بريطانيا قضاة بريطانيين في بلد عربي إسلامي! نبكي ولا نضحك بحقائق كالشمس، ومن ثم استقل العالم الإسلامي على نظام غربي كافر؛ دويلات هنا وهناك، لا تلاقي ولا حب!وأزيد: ما كفاهم أنهم ما انضموا إلى السعودية وطالبوا بالقضاء الإسلامي؛ بل يعلنون عن بغضها والسخرية بها والاستهزاء بها، سمعنا هذا بآذاننا في الشرق والغرب! فلا إله إلا الله، أين يُذهب بنا؟!انتبهوا أن تظنوا أن الشيخ يودعكم في هذه الأيام ويكذب، والله! لا أكذب، وإني على علم مما أقول، فانزعوا من أذهانكم تلك الضلالات.وبعد: ما هي الحصيلة؟ أنتم تعرفون عالمكم الإسلامي، هل هو في سعادة؟ في طهر وصفاء؟ النار تشتعل من بلد إلى بلد، ولن تنطفئ أبداً حتى تحرق كل شيء، إلا إذا أسلمنا قلوبنا ووجوهنا لله، واطرحنا بين يديه، وقلنا: احكم ربنا فينا بما تشاء. فيحكمنا بوحيه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا بأهل الإقليم كجسم واحد، لا عداوة لا حسد لا بغضاء لا باطل لا منكر. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
التقوى وسيلة جني ثمار الولاية قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:282] وعد من الله أو لا؟ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]، اعزم على أن تتقي الله فوالله! لتتعلمن، وستصبح عالماً عارفاً بمحاب الله ومساخطه، وإذا علمتَ واتقيت فالجائزة العظمى معروفة؛ هل هي جائزة نوبل؟! كلا. بل تصبح ولي الله في الأرض، تتحقق لك ولاية الله، تصبح أفضل من عبد القادر الجيلاني ، تصبح ولي الله، إذا رفعت يديك إليه ما ردهما خائبتين، تصبح لا تحب إلا ما يحب الله، ولا تكره إلا ما يكره الله، وهل من فوز أعظم من هذا الفوز؟ أسمعكم الإعلان الإلهي في هذا الباب: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، أَلا [يونس:62] ونحن نقول: ألو، بناتنا وأطفالنا يحفظون: ألو.. ألو! أليس كذلك؟ والقرآن سبق (ألو) بألف وأربعمائة سنة، وكل العرب يفهمون (ألا)، بمعنى أنها أداة استفتاح وتنبيه، هل أنت تسمع، هل أنت واعٍ لألقي إليك الكلام أو لا؟ أما (ألو) فسألنا عنها بالفرنسية فما عرفوها، بالبريطانية بالأمريكانية ما عرفوها، كل ما قالوه أن (ألو) هكذا خلقت مع التلفون!اسمع هذا البيان الرسمي الإلهي: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، إذا نفى الله عنهم والحزن فهل هناك من يخيفهم أو يحزنهم؟ والله! ما كان، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، الذين آمنوا، الإيمان الشرعي الحقيقي كما بينه الله وهدى إليه عباده، وكانوا طول حياتهم يتقونه، يتقون الله، فالكلمة ما يقولها حتى يعلم أن الله أذن له بأن يقولها، واللقمة ما يلقيها في فيه حتى يعلم أن الله أذن له فيها، والمشية يمشيها لا يمشي تلك المشية ويتحرك تلك الحركة حتى يعلم أن الله أذن له في ذلك، فإذا لم يأذن له لم يمش تلك المشية، أولئك الذين يعيشون على تقوى الله، ما هي جوائزهم؟ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا [فصلت:30]، وهم على سرير الموت أو في غرفة الإنعاش، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:64]، تقبض الروح وقبل أن تقبض تبتسم وتضحك، وملك الموت يسلم عليك، وأعوانه معه، وترفع إلى الملكوت الأعلى، فيرحب بها أهل كل سماء حتى ينتهوا بها إلى العرش، ثم تدون في ديوان عليين، هؤلاء هم أولياء الله. آثار غياب المفهوم الصحيح لمعنى الولي هل تعرفون أولياء الله في بلادكم من هم؟ هل ولي الله مصري، سوري، عراقي، باكستاني، جزائري؟ من هم أولياء الله؟ أصحاب القباب والتوابيت على القبور، فالشموع والعكوف حولها والذبح والنذر لها، والاستغاثة بها، والحلف بها، هؤلاء أولياء الله عند كثير من الناس، ولكن هل يوجد أولياء لله أحياء في السوق يبيعون ويشترون؟ ما يعرفون ولياً أبداً إلا إذا مات وعبدوه، فلا إله إلا الله! ماذا أصابنا؟أيها المستمعون! ما سر هذا الهبوط؟ إنه الجهل، من أجل أن يزني الرجل بامرأة أخيه من المسلمين، من أجل أن يسبه ويشتمه، من أجل أن يصفعه على خده، من أجل أن يسلبه ماله؛ لأنهم لو كانوا يؤمنون بأني أنا ولي الله سيرتعدون أمامي فما يسبونني ويشتمونني، فضلاً عن أن يزنوا بامرأتي أو يذبحوا ولدي، لكن العدو سلب الولاية عن الأحياء ووضعها على الأموات؛ ليعبد الأموات أولاً وتكفر الأمة وتشرك بالله حتى يتمكنوا من الركوب على ظهرها كما فعلوا.ثانياً: فشا بيننا الزنا، الربا، الغش، الخداع، السب، الشتم كأننا أعداء، ولو عرفنا أن كل مؤمن ولي الله فما نستطيع أن نقول له كلمة تسيء إليه أبداً، فضلاً عن أن نفجر بابنته أو امرأته، فضلاً عن أن نحتال على ماله ونأخذه، فسلبوا هذه الصفة من الأحياء ووضعوها للأموات لنعبد الأموات ويأكل بعضنا بعضاً، فهل فهم السامعون والسامعات هذا أو لا؟وإن شككتم فهيا لندخل إلى إسطنبول غداً، فأول تركي نلقاه نقول له: من فضلك نحن جئنا من بلاد بعيدة، دلنا على ولي من أولياء الله في هذه البلاد. فوالله! ما يدلنا إلا على قبر، ولا يعرف أن ولياً بين الناس، فماذا نقول؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرنا في مصيبتنا. مشروعية أخذ الرهن في الدين حيث لا تمكن كتابته ثم قال الله تعالى لنا: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة:283].أذن الله تعالى لنا إن كنا مسافرين في طريقنا إلى لندن أو أمريكا أو الهند واحتجنا إلى قرض من إخواننا، فتقول: يا فلان! أقرضني فما عندي شيء، أو نفد ما عندي، فهذا القرض يجوز، ونكتبه، وإذا ما وجدنا من يكتب وكلنا عوام، أو ما عندنا قلم ولا مداد ولا حبر والفرصة ضيقة فماذا نصنع؟ نرهن، أعطيه ثوبي، أو عمامتي، أو سيارتي، أقول: دع هذا عندك حتى أسدد، فهذا الرهن أذن الله فيه تطييباً لخواطرنا، وتطميناً لنفوسنا، وإبقاءً على المودة والمحبة والإخاء بيننا، فقال عز من قائل: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [البقرة:283] فلا حاجة إلى الرهن، إذا وثقتَ في ووثقتُ فيك وعرفتني وعرفتك فلا حاجة إلى الرهن، لكن فيما لو حدث أنني ما أعرفه، ما جربته، أخاف أن يأخذ نقودي، إذاً: ارهن شيئاً عندي، فهذا تعليم الله تعالى. وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة:283]. حرمة كتمان الشهادة وجريمة شهادة الزور ثم قال تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ [البقرة:283] يا رب! إننا هبطنا في كثير من المحاكم يحوم حولها هؤلاء الصعاليك، وإذا أراد أحدهم شهادة قال: تعال، فيشهد معك بعشرة ريالات، يدخل معك فيقول: والله! أنا حاضر القضية، ويأتي بأبناء عمه وقبيلته يشهدون بالباطل في المحكمة، ويسكت بعضهم عن بعض، فيشهدون بالزور، فلا تلمهم، ما عرفوا. المعنى البلاغي في إسناد الإثم إلى القلب (( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا ))[البقرة:283] منكم (( فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ))[البقرة:283]، ما قال: فإنه آثم، بل قلبه مصدر حياته، المحطة اللاسلكية التي تتصل بالعالم العلوي والسفلي تخرب، وإذا فسد القلب فسد كل شيء، وفي هذا يقول الحكيم أستاذ الحكمة صلى الله عليه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب )، من هذا؟ أستاذ الحكمة، لو يجتمع علماء النفس والسياسة لينقضوا هذه القضية فوالله ما استطاعوا ولن يستطيعوا. فإذا فسد القلب فاللسان يهذي ويقول الباطل، العين تنظر، الفرج يطلب، وهكذا، فالجوارح كلها خاضعة للقلب، فما أذن له فعل، وما لم يأذن له لا يفعل، فسبحان الله! فلم قال: (( فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ))[البقرة:283]، ما قال: (فإنه آثم)؟ لأن هذه الشهادة التي تؤخذ بها حقوق المؤمنين وتهدر بها تنصب على القلب فتعميه، يصبح لا يفرق بين الخير والشر ولا بين الحق والباطل، وإذا فسد القلب فسد كل شيء والعياذ بالله. خطر شهادة الزور في الإسلام وقد ذكرنا بعض الحديث في هذه القضية، حيث كان صلى الله عليه وسلم جالساً وحوله أصحابه، كان متكئاً مستريحاً لكثرة أعماله، ثم أراد أن يعلمهم ولا يفوت الوقت بدون تعليم وهو جالس، فقال: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين )، لماذا جمع بين الشرك بالله وعقوق الوالدين؛ لأن الشرك بالله هضم لحق الله عز وجل، أخذت حق الله الخالق الرازق المدبر، واهب الحياة، وأعطيتها لصعلوك من صعاليك الخلق، أي ظلم أعظم من هذا؟ وعقوق الوالدين لأن الوالدين أصل وجودك وعلة وجودك، أنت من دمهما ولحمهما ثم تعقهما؟ لا خير فيك بالمرة، وأنت شر الخلق.قال: ( الشرك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور )، حتى ارتعدت فرائصهم وقالوا: ( قلنا: ليته سكت ) خافوا؛ لأن هذه دعامة المجتمع الذي يحمل راية الحق وينشرها في العالم، إذا أصبحوا يكذبون ويزورون من أجل المادة فهل سيحملون راية لا إله إلا الله؟ والله! ما يستطيعون، أرأيتم العجب العجاب؟ معنى قوله تعالى: (والله بما تعملون عليم) إذاً: قال تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283].إياك أن تفهم أن هذا الكلام ما يصيبك أنت؛ لأنك تعمل في الخفاء، وتشهد شهادة بدون أن يطلع عليها أحد، لا، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283]، ما تعملونه في السر والعلن، في الحضر، في السفر، في الجلاء، في الخفاء معلوم له؛ لأننا بين يديه كالبعوضة، والله! لا يخفى عليه من أمرنا شيء أبداً، فلهذا قال تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، وإن أردت أن تفهم فامش في رابعة النهار، وقل: أنا بعيد من الشمس فالشمس لا تراني! فإذا كانت السماوات والأرضون كلها يضعها الجبار في يده فأين البعد؟ تفسير قوله تعالى: (لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ...) ثم قال تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:284] ما هو في حاجة إلى أموالكم، هل يحرم الربا، يأمر بالكتابة، يأمر بالقرض، يأمر بكذا؛ لأنه في حاجة إلى المال؟! إياك أن يخطر ببالك ذلك، هو في غنىً كامل؛ لأن له ما في السماوات وما في الأرض، وإنما هذه التوجيهات هي من أجلكم أنتم؛ لتتم سعادتكم وكمالكم، أما هو فله ما في السماوات وما في الأرض، هذه أول خطوة، ونحن سوف نموت ولا نذهب إلى البقيع إلا بخرقة الكتان، فأين المال؟ معنى قوله تعالى: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ...) ثم جاء التوقيع الأخير: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:284] أي: تظهروه وتعربوا عنه وتفصحوا، أَوْ تُخْفُوهُ [البقرة:284] وتجحدوه وتكتموه يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] الحساب الدقيق، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284].هذه الآية لما نزلت في أولئك الأصحاب أصحاب تلك الأنوار؛ لما نزلت اضطربت نفوسهم، قالوا: كيف ننجح؟ إذا كنا نؤاخذ بما في داخل أنفسنا فمن يفوز منا؟ فجاءوا إلى الرسول وبركوا على ركبهم بين يديه، وقالوا: يا رسول الله! أمرنا بالجهاد فجاهدنا، وبالصلاة فصلينا، وبالصدقة فتصدقنا، والآن إذا كنا نؤاخذ بما في صدورنا فمن ينجح منا؟ من ينجو يا رسول الله؟ هذا الوفد الذي جاء يبكي، ما جاء ليحاج، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما زدتم أن قلتم كما قال أهل الكتاب: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا، فقالوها: سمعنا وأطعنا وسلمنا )، وهدأت القلوب، ونزلت الآية بعدها التي سندرسها إن شاء الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، قال الله: نعم، رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال: نعم.. إلى آخر الآية؛ لأنهم حقاً صدقوا الله ورسوله، وأسلموا لله قلوبهم ووجوههم، وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285]، لو أمرنا بذبح أولادنا لذبحناهم، ما لنا رأي مع الله.إذاً: فنزلت هذه الآيات والرسول يخبر عنها أنها نزلت من كنز تحت العرش، ولهذا من تلاها عند نومه فكأنما قام الليل، ولهذا لن نتركها ما حيينا.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (42) الحلقة (49) تفسير سورة البقرة (137) من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أنه لم يكلفهم ما لا يطيقون، فهو سبحانه لما أمرهم بأمره كلفهم بالإتيان بالمستطاع في ذلك، ولما نهاهم عن المحرمات والمكروهات وغيرها لم يكلفهم عدم ورودها في خواطرهم أو مرورها على أذهانهم، ولم يحاسبهم على شيء من ذلك، كما أنه سبحانه لم يؤاخذ عباده على النسيان والخطأ، ورفع عنهم التشديد في الأحكام الذي ابتلي به من قبلهم من العصاة والمتمردين، وهيأ لهم سبحانه أسباب التوبة والرجوع بعد العصيان، ومكنهم ونصرهم على عدوه وعدوهم. تابع تفسير قوله تعالى: (لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بتلكم الجوائز التي جاءت على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم:الأولى: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).والثانية: أن من صلى صلاة المغرب وجلس يذكر الله حتى صلى العشاء فالملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، فإن أحدث وانتقض وضوءه خرج للوضوء وتركت الملائكة الصلاة عليه، وهذا حاصل بحمد الله لأهل الحلقة، فإنهم صلوا المغرب وهم ينتظرون صلاة العشاء.وثالث الجوائز وأعظمها: ما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا ما رجونا يا رب العالمين. ها نحن مع هذه الآيات أو مع هاتين الآيتين الكريمتين من خاتمة سورة البقرة، فقد ابتدأناها من أولها، وأعاننا الله حتى نختمها في هذه الليلة المباركة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:285-286].أذكركم بفضيلة هاتين الآيتين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرأهما عند نومه في ليلته كفتاه، أي: كفتاه قيام الليل ومن الشياطين، وورد أن من قرأها مرتين في الليلة الواحدة كفتاه من قيام الليل ومن الشيطان؛ وذلكم أن هاتين الآيتين لم يعطهما نبي سوى نبينا صلى الله عليه وسلم كما أخبر بذلك عن نفسه، وأنهما كانتا في كنز تحت العرش، فأعطيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته. المناسبة بين قوله تعالى: (لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ...) مع آية الدين وآيات الربا واذكروا ما تقدم لنا من قول الله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284]، لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:284] من كل الكائنات؛ يملكها ويتصرف فيها، إذ هو الموجد لها، فإن منعكم من تصرف خاص في الأموال فهل ستغضبون؟ لم وهو ماله، فما أذن فيه فتصرفوا فيه، وما لم يأذن فيه فلا حق لكم في المطالبة به، فكيف إذا منع وحظر وحرم وتتعدى ذلك وتفعل ما نهى عنه وحرمه الله، فهذا تعقيب على آية الدين بعد آية الربا وتحريمه، فقال تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:284]، ثم قال تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:284] والعياذ بالله من النفاق، من الكفر، من البغض، من الحسد، تظهرونه أو تخفونه وتسرونه في داخل نفوسكم، فإنه تعالى يحاسب به، ثم بعد ذلك يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وهو على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء. وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:284]، أي: تظهرونه علناً وتنطقون بألسنتكم وتباشرونه بأعمالكم وجوارحكم، فيحاسبكم به ويجزيكم، إلا أنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. سبب نزول الآيتين من خواتيم سورة البقرة وعلاقتهما بالآية قبلهما هذه الآية لما نزلت وسمعها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تضايقت نفوسهم وارتجت، وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وبركوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله! أمرنا بالصلاة فصلينا، بالجهاد فجاهدنا، بالصدقة فتصدقنا، والآن إذا كنا نؤاخذ بما في نفوسنا فلن ينجو منا أحد؟ فقال لهم صلى الله عليه وسلم: ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا )، فقالوها وذلت بها أنفسهم، ونطقت بها ألسنتهم، فلما رأى الله سبحانه وتعالى ذلك منهم أنزل هاتين الآيتين، وفيهما قوله: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فقال تعالى: نعم لا أؤاخذكم بما نسيتكم أو أخطأتم.. الآية، والحمد لله.وهنا يفسر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فيقول: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )، تجاوز الله عنا فيما تحدثت به أنفسنا ما لم نقل بألسنتنا أو نعمل بجوارحنا. أحكام حديث النفس ثم لا بد من بعض البيان، فما حدثت به النفس هل المراد به ما يستقر ويصاحبه عزم وإرادة على أن يفعل، أو مجرد خاطر وهاجس ووسواس؟ الذي يبدو -والله أعلم- أن ما في النفس إن كان كفراً، إن كان بغضاً لما يحب الله ورسوله، إن كان تكذيباً لله ورسوله كحال المنافقين، أما كانوا يضمرون الكفر، ويضمرون عداوة الرسول والمؤمنين وبغض شريعة الله؟ فهذا يؤاخذ العبد به، إلا إذا تاب منه وتخلى عنه وأعرض، أما إذا أصر على بغضه للإسلام والمسلمين في نفسه وإن لم ينطق، وإذا أصر على تكذيب الله عز وجل ولو في قضية من القضايا، أو تكذيب رسوله؛ فهذا هو الكفر بعينه.ويبقى ما دون الكفر، مثلاً: خطر ببالك أن ترتكب معصية من المعاصي دون الكفر والشرك، هذه المعصية هممت بها، ثم تركتها لله؛ خوفاً من الله، حياءً من الله، حفاظاً على طهارة روحك وزكاة نفسك، فهذه تكتب لك حسنة، وإن فعلتها تكتب سيئة.وعلى العكس: هممت أن تفعل حسنة من الحسنات؛ صلاة أو صدقة أو ما شاء الله من أنواع البر والخير، ثم لم تعملها، حال حائل دونها، فتكتب لك حسنة، فإن عملتها كتبت عشر حسنات، وهذا من إفضال الله تعالى على هذه الأمة. يبقى الذي بكى منه الصحابة، أفصحوا للرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه شيئاً لأن يخر من عنان السماء إلى الأرض خير له من أن ينطق به؟ وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقول الشيطان: هذا الله خلق السماوات والأرض، فمن خلق الله؟ فإذا وحد أحدكم ذلك في نفسه فليستعذ بالله وليقل: آمنت بالله، آمنت بالله، آمنت بالله )، ثم أعلمهم أن هذا لا يكون إلا لأهل الإيمان، هذه الهواجس والخواطر التي تتنافى مع أصول الدين وعقائد الإسلام الشيطان هو الذي ينفخها في قلب العبد ويجعلها تدور على قلبه، فهي من مس الشيطان، فإذا وجد ذلك عبد الله أو أمة الله قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، آمنت بالله، آمنت بالله، آمنت بالله، ويعرض عنه فلا يضره ذلك.إذاً: ما كان عقيدة في النفس من الشرك والكفر وبغض الله ورسوله والمؤمنين فهذا وإن لم يفعل فسوف يجزى به؛ لأنه بإرادته، أما ما كان خاطراً يخطر بالبال ولا يستمر، وإن عاد عاد العبد إلى طرده بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ فإن هذا لا يضره أبداً، وهذا الحديث الصحيح يوضح القضية تمام التوضيح: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )، فمن قال أو نطق سجل ذلك عليه وأخذ به، ومن عمل ولو لم ينطق أخذ بذلك وعذب به، إلا أن يغفر الله لمن تاب. تفسير قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ...) شرف الصحابة الكرام باقتران إيمانهم بإيمان رسول الله قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285]، والكرامة الإلهية التي أكرم الله بها أولئك الأصحاب أن قرن إيمانهم بإيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285]، إذ المؤمنون ما إن قال لهم الرسول: لا تكونوا كاليهود الذين يقولون: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا، ما إن قال لهم ذلك حتى قالوها ولانت بها ألسنتهم وخضعت لها قلوبهم، فهذا إيمان، فأخبر تعالى عن واقعهم: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:285] من الشرائع والأحكام كلها، والمؤمنون كذلك، معناه: أنه رضيهم ورضي بإيمانهم وقبل ذلتهم وخضوعهم له، فكان في ذلك شرف عظيم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين إلى يوم القيامة، المؤمنين صادقي الإيمان. آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ [البقرة:285]، أي: كل فريق وكل واحد منهم؛ كل من الرسول والمؤمنين آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285]، هذه بعض أركان الإيمان، وأركان الإيمان كما هو مقرر ومعلوم للمؤمنين والمؤمنات ستة أركان: الإيمان بالله، الإيمان بملائكته، الإيمان بكتبه، الإيمان برسله، الإيمان بالقضاء والقدر، الإيمان المنجي المنقذ من الكفر الذي يجمع أصحابه مع الرسل والأنبياء والمؤمنين مبناه ستة أركان، لو سقط ركن فقط لبطل الإيمان؛ وحديث جبريل معلوم ومعروف، إذ جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، ودخل وشق الحلقة وانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم الناس، وسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، فأجاب الرسول وجبريل يصدق، ويقول: صدقت.. صدقت. معنى قوله تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله) ثم تعالى: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285]، إذ اليهود ما آمنوا بعيسى ولا آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلم يفرقون بين رسول ورسول؟ فالذي يكفر برسول واحد، أو بنبي واحد يعتبر كافراً بالجميع، والرسل ثلاثمائة وأربعة عشر، من كذب رسولاً ولم يصدقه، أنكر رسالته ولم يؤمن بها؛ فإنه يصبح كافراً بالإجماع ولا حظ له في الإسلام، والنصارى آمنوا بالأنبياء والرسل، وكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم وما ارتضوا به، فهم -والله- كافرون.المهم في القضية: أن الذي يكذب برسول أو نبي يعتبر كافراً ولا حظ له في الإسلام، ولهذا قال تعالى: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285]، وكالرسل الكتب، ما علمنا منها وما لم نعلم، وما نزل ذكره منها في القرآن هو: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم، هذه أربعة كتب، ما وعدا ذلك كصحف إبراهيم عشر صحف، وصحف موسى غير التوراة، وصحف شيث، فنحن نؤمن بكل ما أنزل الله من كتاب، لا نقول: هذا الكتاب نزل على نبي ليس هو بنبي لنا فلا نؤمن به، فعقيدة المسلم الحق أنه يصدق بكل ما أنزل الله من كتاب أو صحيفة، الكتب الأربعة لا يحل جهلها؛ لأنها في القرآن الكريم بأسمائها: التوراة، والإنجيل، والزبور، فالتوراة: أنزلها الله على موسى عليه السلام، والزبور: أنزله على داود عليه السلام، والإنجيل: أنزله على عيسى عليه السلام، والقرآن أو الفرقان: أنزله على خاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285]، هذا هو معتقد المؤمنين مع رسولهم، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285]. معنى قوله تعالى: (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، قالوها وأذعنوا لحكم الله وذلوا، إذاً: فأكرمهم الله أن جمع بينهم وبين رسوله في الإيمان: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، أنزلها الله تعالى وقد رددتها ألسنتهم وآمنوا بها.إذاً: إذا بلغك عن الله أو رسوله شيء فهل يمكنك أن تقول: لا أقبل هذا؟ أو تقول: سمعت ما قلت عن الله والرسول، ولكن لا أعمل أنا بهذا؟! صاحب هذا الموقف ما هو بالمؤمن، لا بد أن تقول: سمعت ما جاء عن الله ربي، وعن رسول الله نبيي ورسولي وأطعت، إن كان أمراً فعلت، وإن كان نهياً تركت في حدود طاقتك وما تستطيعه. فالصحابة قالوا: سمعنا وأطعنا، وطلبوا غفران الله لهم فقالوا: غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]. تفسير قوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ...) يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
حكم الوساوس في العقائد وعلاجها ثم كان الدواء في قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فهل الوساوس والهواجس والخواطر يستطيع الإنسان أن ينفيها، هل له مناعة فلا تخطر بباله؟ لا يملك أحد هذا، إذ هذا ليس في طاقته ولا في قدرته، يأتيه ذلك من حيث لا يريد، فالمطلوب فقط ألا يستمر معه فيعمل به أو ينطق به، فإن عمل أو نطق حقت عليه كلمة العذاب، وأصبح كافراً غير مؤمن. والعلاج كما سمعتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا خطر ببالك خاطر سوء فقل: آمنت بالله.. آمنت بالله ثلاث مرات، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، واله عنه وأعرض فإنه يرحل من ساحتك، واحذر أن يحملك على أن تنطق بحرف أو تعمل بمقتضى ذلك الوسواس، فإن ذلك مما يؤاخذ العبد به ويحاسب ويجزى به، أما مجرد خاطر وهواجس ووسواس فهذا من الشيطان، ولا يوجد هذا إلا عند المؤمنين، بل صرح الرسول بأن هذا دال على قوة إيمان العبد وصدقه في إيمانه؛ لأن العدو يأتي إلى القلب الذي فيه إيمان فيحاول أن يفسده، أما القلب الفاسد فماذا يعمل الشيطان فيه.وقالت الحكماء: اللص السارق ما يأتي إلى بيت خرب ما فيه شيء ويحاول أن يسرق، فماذا يسرق منه؟ ولا يأتي إلى جيب ما فيه فلس، يبحث عن مكان فيه المال والدينار والدرهم، فلهذا هذه الخواطر هذه لا تكون إلا لذي الإيمان، ومع عدم الإيمان ما يوجد هذا أبداً. التجاوز عن الأمة المحمدية في الخطأ والنسيان والإكراه وهكذا تجاوز الله عن أمة محمد عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تعمل، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، فلنحفظ هذه، تجاوز الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم: أولاً: الخطأ، ثانياً: النسيان، ثالثاً: الإكراه. وهذا فيه تفصيل: فالنسيان كمن أكل أو شرب ناسياً لا شيء عليه، فالصائم إذا أكل أو شرب ناسياً لا يؤاخذ بذلك، لا كفارة عليه ولا صيام، إلا إذا كان في رمضان وأراد أن يقضي يوماً فله ذلك كما يرى ذلك مالك ، أما النوافل فبالإجماع لا يطالب بقضاء صومها أبداً، أكل وشبع وهو ناسٍ أو مخطئ. والخطأ: مثاله: أراد أن يتناول التمر فيضعه في الصندوق فوضعه في فيه، هنا الخطأ والنسيان. وما استكرهوا عليه: إذا أكره العبد بالضرب، بالسجن، بالتعذيب على أن يقول كلمة الكفر وقالها ليدفع عن نفسه ذلك ونفسه مطمئنة بالإيمان فإنه لا يؤاخذ بذلك، فقد كانوا يكرهون بعض أصحاب رسول الله في مكة على كلمة الكفر، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بـعمار بن ياسر رضي الله عنهما وهو يعذب، فقال له الرسول: ( أعطهم يا عمار )، يقولون: سب رسول الله وامدح آلهتنا لنرفع السيف عنك والعذاب! والله يقول: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، فبعض الإخوان يشكون أنهم في ديارهم يلزمونهم بحلق لحاهم، فنقول لهم: إذا صبرت فلا مانع، وإذا عجزت وما استطعت فاحلق وأنت تكره ذلك وتحب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعرض نفسك للسجن والضرب والتعذيب، وهذه حالة فتن وستنتهي الفتنة وينتهي هذا، فهذا ما كان موجوداً أبداً، وليس هناك حاكم يلزم الناس بأن يحلقوا لحاهم، لكن إذا حدثت فتنة يترتب عليها مثل هذه الأمور فماذا يصنع المؤمن؟ إذا ترك هذا الواجب أو السنة اتقاء للضرب والسجن والعذاب فلا حرج عليه؛ لأنه مكره، فما هو بإرادته واختياره: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ [النحل:106]، فقط، والإكراه بالقتل: ( كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل )، إذا قال الحاكم: اقتل هذا وأنت تعلم أنه لا يستحق القتل وما وجب عليه، فقل: اقتلوني ولا تقتلوه. تفصيل أحكام الخطأ إذاً: الخطأ فيه تفصيل، مثلاً: شخصٌ قتل آخر خطأً، هل يعفى عنه مرة واحدة؟ أولاً: عليه كفارة صيام شهرين متتابعين، ثانياً: عليه الدية، يقوم بها، أو عقيلته وعشيرته، كل ما في الأمر أن الله لا يؤاخذه؛ لأنه ما قتل عمداً، أراد أن يرمي غزالاً فأصاب مؤمناً، في يده بندقية يصلحها فتتفجر في يده، فقتل الخطأ فيه الدية بلا خلاف، إلا أن يعفو أولياء الدم، وفيه صيام شهرين متتابعين، والله عز وجل لا يؤاخذ صاحب هذه الخطيئة؛ لأن الله رفع عن أمة محمد الخطأ.مثلاً: أنت بسيارتك صدمت صندوقاً فيه حليب يساوي ألف ريال، فالخطأ معفو عنه، لكن هنا لا بد أن تغرم وتؤدي قيمة هذا اللبن، فصاحبه ماذا يصنع؟ ضاع لبنه وضاع ماله، فليس عليك إثم، اطمئن، ولكن تعين حق للناس عليك فأد هذا الحق، فإن لم تؤده كنت كمن أخذ حق إنسان، أما الإثم من حيث هو فمرفوع؛ لأنك مخطئ، فالغرامات هذه كمن أفسد مالاً من أموال المسلمين مطلقاً بدون عمد ولا رغبة في ذلك، وقع ذلك بدون إرادته، فلا يعذب بهذا ولا يتلطخ قلبه بالإثم، ولكن تعين حق لمؤمن ينبغي أن يؤديه.والديات أساساً تقوم بها العاقلة: أقرباؤه، ورثته، أعمامه، أبناء أعمامه، أبناء إخوانه يشتركون ويسددون الدية، فإن كان ما عنده أحد فإمام المسلمين يسدد عنه؛ لأن المقتول ورثته حقهم ضاع، كان يعمل ويأتيهم بالطعام والشراب، وقد قتلته، فبقوا مفتقرين محتاجين، فلا بد أن يعوضوا، وإذا قالوا: عفونا وتنازلنا وسامحنا فخير كثير. فهنا أحببت أن يفهم المستمعون والمستمعات قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، النسيان كما عرفتم: أكل وشرب وهو صائم، فلا شيء عليه، نسي وهو محرم فلبس سروايل أو ثوباً ثم ذكر، فإنه ينزع ولا شيء عليه، أو نسي صلاة ما صلاها، فلا يؤاخذ ولكن يقضيها: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها ). وأما ذاك الذي كسر إناء أحد فلا إثم عليه، ولكن الحق ترتب، فلا بد أن يدفع قيمة هذا الإناء، كذلك إذا كان في رمضان وأخطأ، حال دون الشمس سحاب فقال: الآن دخل الليل، فأفطر ثم طلعت الشمس، هل يقضي؟ حدث هذا هنا في المسجد على عهد عمر ، أفطروا حيث ظنوا أن الشمس غابت، وحين كانوا يأكلون طلعت الشمس، فأمرهم عمر بالقضاء؛ لأن هذه فريضة، ولا إثم عليهم، بخلاف ما لو أكلوا متعمدين، فاليوم يقضى بشهرين. معنى قوله تعالى: (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) فقوله صلى الله عليه وسلم: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) مأخوذ من هذه الآية الكريمة: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله: نعم، وفي بعض الأخبار، قال: قد فعلت.وقوله تعالى: وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286] استجاب الله وقال: قد فعلت. ومعنى الإصر: هو التكليف الشاق الذي يعرقلك ولا يسمح لك بالحركة؛ لأن الإصر: الحبل يربط به الشيء، ولهذا تتبع شرائع الله في الإسلام فلن تجد شريعة أو فريضة يعجز عنها العبد ولا يقدر على فعلها، فإن وجدت ذلك فاعلم أنه ليس من الشريعة، إذ قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]. على سبيل المثال: الصلاة هي عماد هذا الدين، فإذا ما استطاع أن يتوضأ لأن الماء بارد، أو ما وجد الماء، فماذا يصنع؟ يضرب الأرض ويمسح وجهه وكفيه، فهل في هذا مشقة؟ رفعت المشقة، الماء بارد ويخاف الزكام والمرض، ولا يغتسل بالماء البارد، ما تعود عليه لأنه يمرض، فيتيمم. وكذلك صلاة فريضة لا تصلى إلا من قيام، فلو صلى قاعداً أو ركع قاعد بطلت صلاته، لكن إن عجز فكيف يصلي قائماً؟ هل يربطونه بالحبال؟ إن عجز عن القيام صلى قاعداً، وإذا ما استطاع القعود صلى على جنبه، وإذا ما استطاع على جنب صلى وهو مستلقٍ. والحج فريضة الله عز وجل، فإن حال دون هذه الفريضة حائل فما هو بمكلف حتى يزول الحائل. صور من مشقة التكليف في الأمم السابقة والشاهد عندنا في قوله تعالى: وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286] من الأمم السابقة؛ إذ كان في بني إسرائيل إذا وقع بول في ثوب أحدهم قطعه بالمقص، ما يكفي فيه الغسل، إذا تلطخ ثوبه الذي يصلي فيه فما يكتفي بأن يغسله، بل يقطع تلك القطعة بالمقص حتى يصلي، كلفوا بحسب وضعهم بإرادة الله تعالى بأعمال شاقة بمعنى الكلمة؛ لأنهم متمردون عصاة، قتلوا الأنبياء، فما بالك بما أخبر به الرسول عنهم من أنهم كانوا يقتلون في اليوم الواحد سبعين نبياً ويقيمون أسواقهم في المساء كما هي! فمن هنا جاءت الشرائع تؤدبهم، حملهم الله تكاليف شاقة تعذيباً لهم، وهذه الأمة رحمها الله؛ لأنها الأمة المرحومة ونبيها هو الرءوف الرحيم بالمؤمنين، فدعوا الله فاستجاب لهم وقال: فعلت. وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286] قال: قد فعلت. وعلى سبيل المثال: اليهود إذا قتل أحدهم وقالت القبيلة: عفونا كان الحكم الشرعي: لا عفو، إذا قال أبو الولد: أنا تنازلت لم يقبل منه، فهذا هو الإصر، وفي عهد عيسى في الإنجيل ما هناك إلا العفو، فإذا قتل أخاك فقل: سامحته، لا تطالب بشيء غير هذا، إذاً: هذه من الآصار والتكاليف الشاقة التي امتن الله علينا فرفعها عنا وما أنزلها فينا. مغفرة الله تعالى لعباده وعفوه عن التائب منهم وها هو ذا تعالى يخبر عن نفسه: وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت، وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا [البقرة:286] والله يقول: قد فعلت. فأيما مؤمن تزل قدمه ويخطئ في سلوكه فيعصي ربه أو رسوله في أية معصية ويطلب العفو من الله إلا عفا الله عنه، فكلمة: (أستغفر الله) تمحو كل ذلك الأثر وتزيله إن كان العبد صادقاً فيما يقول. وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا [البقرة:286] لا مولى لنا سواك، أنت مولانا لا مولى لنا غيرك. نصر الله تعالى عباده المؤمنين على القوم الكافرين إذاً: فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286] ونصرهم، أولئك الأصحاب الذين ذلوا بين يدي الرسول وقالوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا، نصرهم بالحجة والبرهان على كل من جادل أو خاصم، وإلى اليوم لن يستطيع يهودي أو نصراني أو بوذي مهما كان أن يجادل المؤمن في الحق وينتصر عليه أبداً، لن يستطيع أن يأتي بأدلة عقلية أو منطقية أو شرعية ويرد بها ما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. ونصرهم أيضاً في الحروب، فما قاتل أصحاب رسول الله أعداء الله ورسله إلا نصرهم الله، ويكفي أنه في ظرف خمس وعشرين سنة وصل الإسلام إلى السند وإلى الأندلس، فلولا النصر فكيف سيتم هذا؟ الموقف من طلب النصر مع ترك بذل الأسباب ومن اللطائف أنه أيام الاستعمار كان يقال: (انصرنا على القوم الكافرين)، فنقول: يا جماعة! هذه ليست لنا نحن، فحين نحمل السلاح ونقاتل المشركين الكافرين نقول: (انصرنا على القوم الكافرين)، أما الآن ونحن لا نقاتلهم ولا نحمل سلاحاً لقتالهم فما معنى: (انصرنا على القوم الكافرين)؟ فمن الذي يطلب النصر؟ الذي يريده، أما التارك للجهاد والمعرض عنه فكيف يقول: انصرنا؟ لا معنى للطلب هذا، فالمسلمون إذا حملوا راية الحق راية لا إله إلا الله محمد رسول الله وقادهم إمامهم الذي بايعوه ووقفوا في وجه الكفار ثم طلبوا من الله النصر فإنه يحققه لهم ولا يخزيهم ولا يذلهم، أما وهم لا يحملون راية ولا يقاتلون ويقولون: (انصرنا على القوم الكافرين)؛ فهذا لا معنى له بالنسبة إلينا، كما لو أنك ما تأكل ولا تشرب وتقول: رب أشبعني وروني والطعام والشراب بين يديك.وهنا لطيفة من لطائف العامة: كسول نائم في ظل شجرة أو جدار، فطلعت الشمس وأخذت تزحف حوله فوصلت إلى قدميه، فما استطاع أن يجذب رجليه إليه، فيمر به شخص فيقول: يا عم، يا أخي! أبعدني عن الشمس، فيقول له: جر رجليك إليك، فيقول: انظروا إلى البخل؟! ويبقى، ثم يأتي الثاني والشمس قد وصلت إلى ركبتيه أو إلى صدره، فيقول: أبعدوني عن الشمس، فيقول له: ما لك؟ أمجنون أنت؟ قم من هنا وابتعد عن الشمس! فيقول: انظر إلى البخل! فكذلك وضع العالم الإسلامي إلا من رحم الله، يقولون: (انصرنا على القوم الكافرين)، فما بايعتم إماماً ولا التففتم حوله ولا أعلنتم الحرب على دولة كافرة وتقولون: انصرنا!نعيد تلاوة الآيتين الكريمتين: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285] اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، ربنا إنا آمنا بك إلهاً لا إله غيرك ولا رب سواك، وآمنا بما أنزلت على رسولنا من كتابك وشرعك يا رب العالمين. كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285] وقد سبق أن عرفنا الملائكة في العقيدة، وأكثر المسلمين لا يدرون من هم الملائكة؟ ولكن لا بد من طلب العلم، فنحن نخبر عن إيماننا بملائكته، وكل يوم نصلي على إخواننا، فمن أخذ أرواحهم؟ الملائكة، وهل هناك من ينكر هذا؟ النطفة في رحم المرأة بعد أربعة أشهر من ينفخ فيها الروح؟ تبقى لحمة ثم تتحول إلى بشر، فكيف تصبح حية وفيها الروح؟ ملك ينفخ فيها. والقرآن الذي بين أيدينا نزل على أمي لم يقرأ ولم يكتب، فكيف وصل إليه؟ وفوق هذا رأى الصحابة جبريل بينهم يمشي، والشاهد عندنا: أننا نؤمن بملائكة الله وأنهم خلق من خلقه أطهار أصفياء، كلهم أنوار، لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، ونؤمن بكتب الله كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، هذا معتقدنا. لطيفة في المغايرة بين فعل الكسب في الخير والشر وهناك لطيفة في قوله تعالى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة:286]، لم قال في الخير: لها ما كسبت، وفي الشر: ما اكتسبت؟ اللطيفة التي لا ننساها: أن الخير فعله فطري في الإنسان، فعل الخير ما تجد له كزازة في النفس ولا شدة ولا انقباضاً، إن أردت أن تفعل الخير، لكن الشر هو الذي تجد فيه ذلك حتى تجاهد الفطرة وتغلبها. مثلاً: الآن أي واحد أراد أن يقول لأخيه:كيف حالك، هل أنت طيب، هل أنت بخير؛ فإنه لا يصعب عليه هذا، ولو أراد أن يسبه لا يجده يفعله بسهولة، فهذا مثال سهل؛ لأن الله قال: لَهَا مَا كَسَبَتْ [البقرة:286] من الخير؛ لأنها تكسبه بدون تكلف، بخلاف الشر فلها ما اكتسبته وافتعلته وانفعلت حتى فعلته، والمثال كما علمتم، تستطيع أن تعطي ريالك في يد أي مؤمن بكل سهولة، ولا تستطيع أن تخطفه من يد مؤمن، ما تقدر إلا إذا جاهدت نفسك، وهكذا فعل الخير لين سهل مبارك طيب يتناسب مع الفطرة، وفعل الشر بضد ذلك، كل شر لا يقدم عليه الإنسان إلا بعد مجاهدة نفسه والتكلف ليخرج عن فطرته وبشريته حتى يفعل ذلك الشر: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة:286] لأن الافتعال هذا تكلف.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (43) الحلقة (50) تفسير سورة البقرة (14) من مظاهر علم الله وحكمته الموجبة لعبادته سبحانه وحده أنه خلق آدم، وجعله خليفة في الأرض، وقد استفهم الملائكة ربهم عن جدوى كونهم أكرم المخلوقات، فهم يسبحون الله ويقدسونه، بخلاف هذا المخلوق وذريته الذين سيفسدون في الأرض لكن الله سبحانه أظهر لهم شرف آدم بأن عرض المسميات وسألهم عنها، فعجزوا وأجاب آدم، فعاتبهم ربهم بأنه يعلم الغيب كله، فكيف يستغربون حكمه. تابع تفسير قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء. وقراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:30-33].. إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم. حقيقة أنه لا إله إلا الله معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هنا في هذا السياق الكريم تتأكد حقيقة أنه لا إله إلا الله، فلا كفر ولا شرك ولا نفاق، إذ تلك المعبودات أوهام باطلة، لا تستحق أن تعبد أبداً بحال من الأحوال.وهاهنا تتجلى مظاهر الربوبية والألوهية الإلهية، وتتجلى مقتضيات عبادته؛ وهي القدرة التي لا يعجزها شيء، والعلم الذي أحاط بكل شيء، والحكمة التي لا يخلو منها شيء، والرحمة التي تتجلى في كل المخلوقات، فهذا الذي يستحق أن يعبد، وهذا الذي ينبغي أن يحب، وأن يبجل، ويرجى، ويعظم، أما من عداه من تلك الآلهة المزعومة المدعاة فعبادتها باطلة، وأهلها مبطلون.وها هي ذي آيات الله تبين لنا عظمة ربنا عز وجل، وعلمه، وقدرته، ورحمته، وحكمته، وتقرر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله، فلولا أنه غير رسول الله فمن أين له أن يأتي بهذه العلوم والمعارف؟ وكيف تأتيه؟! فهي علوم لا تتلقى إلا من طريق السماء، وليست هي علوم كونية في الأرض أو في السماء، هذه علوم إلهية، ولولا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء بهذا العلم الإلهي. خطاب الله تبارك وتعالى للملائكة يقول تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً أي: اذكر يا رسولنا لهؤلاء المنافقين والمشركين، والكافرين، والمرتابين، والفاسقين، والمفسدين؛ إذ الكل يشملهم الضياع والخسران، وقل لهم، واذكر لهم. وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ جل جلاله وعظم سلطانه، (ربك) أي: خالقك، ورازقك، ومدبر أمرك، والموحي إليك، والذي نبأك وأرسلك، وفي هذا تشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلاء لمكانته، إذ يتكلم عن الله بما علمه الله. وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ وقد عرفنا من هم الملائكة؟ هم عالم مادة خلقه وتركيبه النور، وهذا العالم لا يحصي عدد أفراده إلا الله، وحسبنا ما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع شبر أو موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد )،وقد عرفنا أن كل آدمي معه عشرة ملائكة.هذا العالم الأطهر الله عز وجل يقول لهم: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً يريد أن يعلمنا أسلوب السؤال والجواب، إذ هما طريقتا العلم والحصول عليه، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يورد الأسئلة على أصحابه ثم يجيبهم، فطريق السؤال والجواب للحصول على علم طريقة رحمانية ربانية. خلافة الإنسان في الأرض وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ماذا قال لهم؟ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً أية أرض هذه؟ هذه الأرض قبل أن يعمرها بنو آدم، إذ علمنا أنها أعدت إعداداً خاصاً للحياة فيها، وأنها مخلوقة مع السماوات .. قبل السماوات أو بعدها كما علمتم، وهذا لا يهمنا، فقط يهمنا أنها أعدت إعداداً خاصاً ليحيا عليها هذا الإنسان، فهي دار ضيافة ونزل من أجل ابن آدم.إذاً: هذه الأرض هي المقصودة بقول ربنا تعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ المعروفة المعهودة لهم. خَلِيفَةً خليفة يخلف من؟ لأهل العلم طريقان نسلكهما معاً، ولا منافاة؛ لأن القرآن حمال وجوه.الطريقة الأولى: هي أن الجن سكنوا هذه الأرض قبل بني آدم، امتحنهم الله فأسكنهم هذه الأرض، فلما سكنوها ما كان منهم إلا الحروب والفتن، وسفك الدماء، والجرائم المتنوعة المتعددة، وهذا يشهد له قوله تعالى: يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30]، قالوا هذا لعلمهم السابق بما حصل من عالم الجن وأنهم أفسدوا في الأرض بالمعاصي، وارتكاب المحرمات، وإضاعة الواجبات، كما هو الفساد المعروف، وبسفك الدماء بقتال بعضهم بعضاً، وهذا ورد، وأن الله أرسل مع إبليس قبل أن يبلس جيشاً من الملائكة قاتلوا معه، وأجلاهم من الأرض.فلما علمت الملائكة هذا وسألهم الله مختبراً لهم ومستشيراً، وليس في حاجة إلى أن يستشير، ولكن من باب التعليم: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا [البقرة:30] أي: بارتكاب المعاصي. وعرفنا الفساد في الأرض بم يكون؟ بالكذب، بالخيانة، بالغش، بالخداع، بالفجور، بأكل الربا، بسفك الدماء، هذا هو الفساد في الأرض دائماً وأبداً. فقالوا هذا لما علموا مما وقع من ذلك العالم عالم الجن بامتحان من الله وتدبير. هذه طريقة، ولا بأس بها، وهي مروية عن الصحابة أيضاً.والطريقة الثانية: أنهم تفرسوا، والعلم يكون أيضاً علم فراسة، شاهدوا هذا المخلوق وهو طينة، ونظروا إليه، وعرفوا أن هذا النوع ينتج عنه الفساد وسفك الدماء، وهذا من باب الفراسة.ومن الجائز أن يكون الله تعالى أعلمهم، ثم لما علموا ما أعلمهم جاء دور الامتحان والسؤال والجواب، قالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30] فكان رد الله تبارك وتعالى عليهم أن قال: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]. فما دمت أعلم وما تعلمون فأنا فاعل وخالق ما أريد، وأنتم لا علم لكم، بحسب ما عندكم قلتم كلمتكم، وأنا أعلم ما لا تعلمون. أهمية وجود خليفة في حياة الناس على هذه الأرض موضوع (خليفة) تكلم فيه أهل العلم وبإيجاز، فقالوا:أولاً: خليفة لأن الجن الذين سكنوا في الأرض أجلوا منها وهلكوا، فإذا نزل آدم إلى الأرض مع ذريته أصبح خليفة لمن سبق، وهذا معقول ومقبول، خليفة لمن سبق أن نزل الأرض، وحصل الذي حصل، وأجلوا منها إلى الجزر.ثانياً: خليفة عن الله في إجراء أحكامه بين خلقه، فالله شرع قطع يد السارق، ورجم الزاني، وقتل القاتل، ومن ينفذ هذا؟ لابد من خليفة، يخلف في ذلك، ولا حرج أبداً.وهنا مما ينبغي أن يعلم أنه لابد للبشرية من خليفة، فهذا فرض، أما نحن المسلمين فالإجماع على أنه لابد من خليفة يحكم المسلمين بشرع الله، ولا يحل أبداً أن يعيش المسلمون على الفوضى، بل لابد من خليفة، وتجب طاعته، وهو المذكور في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، إلا أن هذا الخليفة لابد وأن يكون من مستويات عالية، فلا يكون صعلوكاً من صعاليك الناس، ولا مجهول النسب، ولا أمياً وجاهلاً، ولا فاسقاً ولا فاجراًً، ولا كافراً ولا ساحراً، وهذا أمر مفروغ منه؛ بل يكون خلاصة ما عندنا من الصلحاء، والأطهار، والأصفياء.فإذا أراد أهل إقليم مبايعة حاكم لابد وأن تكون فيه صفات الكمال؛ لأنها أمانة لا توضع إلا في يد من هو أهل لها، وهذا أمر معلوم بالضرورة.ومتى كان الحاكم شريف النسب، معروف الأصل والحسب، ذا حياء وعلم ومعرفة، ييسر الله له الأمر، ويسود المسلمين بالهدى والخير.ودل على هذا: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، فلا يحل للمسلمين أن يعيشوا بلا إمام يقودهم، ولا حاكم يحكمهم.وكونهم يختارون نعم. إلا إذا حاكم قهرهم وغلبهم وحكم، فبمجرد ما يستتب له الأمر وجبت طاعته والإذعان لأمره والمشي وراءه وجوباً؛ لأن الإسلام لا يسمح أن تراق دماء المسلمين، وأن تسلب أموالهم وتنتهك أعراضهم في الفوضى، لابد من حاكم، والآية صريحة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً . سبب استفهام الملائكة ابتداء عن جعل خليفة في الأرض لم قالت الملائكة: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30]؟إما لما لاحظوه من علم سابق أعلمهم الله، وإما لما علموا من أهل الأرض الذين سكنوها وسفكوا الدماء وأفسدوا فيها. فهذا هو جوابهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ؟ فرد الله تعالى بقوله: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].وهنا يا معشر المستمعين والمستمعات! من سئل عما لا يعلم فليقل: الله أعلم. ما أبردها على الكبد كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فإذا سئلت عما لا تعلم فقل: الله أعلم، وذلك خير لك. إذ قال تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ فرضوا بتدبير الله وحكمه وقضائه، وسكتوا، وفوضوا الأمر لله العليم الخبير. تسبيح الملائكة وتقديسهم لله تبارك وتعالى ثم قال تعالى: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30]؟ معنى (نسبح بحمدك) نقول: سبحان الله وبحمده، وهذا ورد يردده المؤمنون والمؤمنات إلى يوم القيامة، وهو قولك: سبحان الله وبحمده، وجاء في التبشير بهذا الورد أن من قالها مائة مرة حين يصبح وحين يمسي حط الله عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر! سبحان الله وبحمده. وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ أي: نقول: سبحان الله وبحمده، والملائكة طول الدهر وهم يسبحون بهذا التسبيح. ليل نهار.وقوله: وَنُقَدِّسُ لَكَ الأصل: ونقدسك، والتقديس: التنزيه والتطهير عما لا يليق، وزيدت اللام لتقوية الكلام، إذ زيادة المبنى تزيد في المعنى في لسان هذه الأمة؛ اللسان العربي.وسبحه: نزهه عما لا يليق به من الشرك، وقدسه في ذاته بحيث تبعد عنه كل ما يعرف بنقص، فالتسبيح كالتقديس، إلا أن التقديس يتعلق بذات الله عز وجل، والتسبيح يتعلق بصفاته وما له من حقوق، وهي عبادته وحده. وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ بمعنى: ما هناك حاجة إلى خلق هذا المخلوق وإنزاله في الأرض من أجل أن يعبدك، فنحن نسبح لك ونقدس، فهذا رأيهم، وهذا منتهى علمهم، فلا علم لهم، فقالوا قولتهم هذه، ولو فوضوا الأمر إلى الله لكان خيراً، ولكن هذا اجتهادهم، لما استشارهم سألهم: إني جاعل كذا، ليسمع منهم ما يرون وما يقولون، فلما أعلمهم قالوا: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ فأسكتهم. وسوف يبين لهم أيضاً مراده من خلق هذا المخلوق. تفسير قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها ...) قال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] أهل العلم المفسرون وغيرهم يقولون: كيف هذا؟ كيف يعلم آدم الأسماء كلها؟! ثم كيف يعرض الأسماء -أي: الذوات-؟أما الآن فأصبح الذي يشك في هذا أو يرتاب ويضطرب لا عقل له.أولاً: أليس قد كتب الله في كتاب المقادير كل ما هو كائن من اسم وذات وصفة؟ كل ما كان ويكون إلى يوم القيامة قد جرى به القلم، وهو محفوظ ومعروف. فعلم آدم الأسماء، وعرفه ذوات المسميات حتى شاهد الذوات وعرف الأسماء. الآن التلفاز يعرض لك فتشاهد الأسماء والمسميات، هذا اسمه إبراهيم، وهذه اسمها النخلة. أسماء الأجناس كلها!وكونه تعالى قديراً، عليماً، حكيماً على أن يلهم عبده آدم في ذلك العالم أن يحفظ كل ما عرض عليه هذا أمر سهل على الله، الآدمي في هذه الظروف يحفظ آلاف الكلمات بل ملايين!إذاً: فعلم آدم الأسماء كلها من الماء إلى الطين .. إلى اللبن .. إلى النخلة .. إلى الإنسان كما هو في كتاب المقادير. ثُمَّ عَرَضَهُمْ [البقرة:31] أي: الأسماء والمسميات بها عرضهم على الملائكة كأنها شاشة تلفاز، وأمرهم أن يبينوا أسماء تلك المسميات. فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31] في علمكم ومعرفتكم. ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ [البقرة:31] ما قال: فعرضها؛ لأن فيها الأنبياء والرسل والبشر وذوي العقول، وليست كلها لا عقل لها. أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ عجزوا، وما استطاعوا الجواب، ولم يستطيعوا أن يقولوا شيئاً ولم يسعهم إلا أن يقولوا: الله أعلم! تفسير قوله تعالى: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ...) ماذا قال الملائكة؟ سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32]. وبهذا خرجوا من المأزق الضيق، فوضوا الأمر لله، وقدسوه ونزهوه عن العبث واللهو والباطل .. عن الجهل .. عن كل ما هو نقص في ذاته وفي صفاته: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا وهو كذلك، فلا علم لمخلوق من الملائكة أو من الإنس أو الجن إلا ما علمه الله، ونحن إذا عندنا علوم فهذه العلوم من أين أتت؟ ولولا أن الله علمنا نعلم؟! والله لا يعلم أحدنا شيئاً لولا أن الله علمه، حتى كيف يلبس ثوبه أو نعله؛ لأن العلم مصدره الله، فهو الذي يغرز الغرائز، ويطبع الطبائع، ويلهم ويوجد الأفكار في المفكرين، هو خالق كل شيء.فسلمت الملائكة لله: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا لو علمتنا كما علمت آدم لقلنا: هذا فلان وهذا فلان، وهذا اسمه كذا وهذا كذا.وعظمة الله وربوبيته وإلهيته تتجلى في كون آدم الذي خلقه من طين، ونفخ فيه من روحه، وأصبح ذا منطق وذا سمع وذا بصر، علمه في زمن لا ندري مقداره، في ساعة، في دقيقة، في لحظة، لكن نعلم أن الله يقول للشيء: كن فيكون، فعلمه الأسماء كلها، أسماء الأجناس كلها باللغة التي أراد الله؛ ولأن تكون العربية أولى؛ لأنها لغة أهل الجنة، هذا اسمه كذا وهذا كذا، وانظر إلى الملائكة مع طهارتهم، وصفائهم، ووجودهم قبل آدم -ممكن بملايين السنين- ما استطاعوا أن يقولوا كلمة، فسلموا الأمر لله، ونزهوا الله وقدسوه: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا وأكدوا ذلك بقولهم: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ العليم بكل شيء، الحكيم في كل شيء، فلا عبث، ولا لهو، ولا باطل، ولا..، وإنما العلم والحكمة مع بعضهما البعض. تفسير قوله تعالى: (يا آدم أنبئهم بأسمائهم ...) ثم قال تعالى لآدم: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [البقرة:33] آدم هذا الاسم مأخوذ من الأدمة، وهي بياض مع حمرة، وهذه هي طينة التراب؛ ولهذا سبق أن علمنا أن الله تعالى لما أراد أن يخلق آدم أمر الملائكة أن يأتوه بأجزاء من الأرض: من الرمل، من التراب الأحمر، الأبيض، الأسود، الحزن، الخشن، اللين، الرقيق، فمن مجموع تلك التربة خلق الله آدم، فذريته أصبحوا يحملون تلك الصفات، منهم الحزن الشديد .. منهم اللين .. منهم الأحمر والأسود والأبيض، بحسب الطينة الأولى.وإن قلت: الأجواء والأهواء تؤثر؟ هذا شيء عارض فقط، لكن الأصل أن بني آدم كما هم أمامنا، وآدم مأخوذ من الأدمة التي هي بين الحمرة والبياض.إذاً: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ أي: بأسماء هذا العرض من المخلوقات، أسماء ومسميات، فأخذ يقول: هذا فلان، هذا فلان، هذا كذا، هذا كذا، هذا كذا! أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [البقرة:33]، قال تعالى لهم: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33]، وهذا التقرير الذي تم أمام الملائكة باق، وهو لنا أن نعلم علم يقين أن الله يعلم غيب السماوات والأرض، وهو ما غاب عن العيون، وبَعُدَ عن الحواس، وعجز الآدمي أو الجني أو حتى الملك عن معرفته، فهذا الغيب يعلمه الله عز وجل، سواء كان في السماوات أو كان في الأرض، فهذا الذي يستحق أن يعبد، وأما مخلوق؛ مصنوع في حاجة إلى وجوده وبقاء حياته فلا؛ إذ الآيات تقرير عبودية لله عز وجل، فلا يستحقها مخلوق ولا كائن من الكائنات؛ لأن الله أبطل الشرك والكفر، وندد بذلك، وقاد البشرية إلى أن تعرف الذي يستحق أن يعبد، وهو الله عز وجل. وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31]، كيف يتم هذا لولا أن الله الذي علمه؟ وهل يوجد الآن من يستطيع أن يتكلم بلغات العالم، ويعرفها كلها؟ هل يوجد من يعرف الذرات الموجودة في الأرض وبأسمائها؟ هذا لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، وهو الذي ينبغي أن يعبد، وأن يحب، وأن يعظم، أما المخلوقات كيف تعبد مع الله؟!العلم والقدرة والحكمة والرحمة هي مقتضيات أن يعبد الله عز وجل؛ فلهذا بطل أن يعبد غير الله؛ ولهذا عامة الرسل أول كلمة تقولها لأقوامها: اعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً.وقد علمنا وعرفنا أن هذه العبادة ليس الله في حاجة إليها، ولا كماله، ولا ربوبيته، ولا ألوهيته مفتقرة إليها، هذه العبادة فقط من أجل أن يكمل عليها العابدون ويسعدوا! يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
الشرك ظلم عظيم من الظلم بل أبشع الظلم أن يعبد من لا يخلق ولا يرزق، ولا يهب ولا يعطي، ولا ينفع ولا يضر، ومن منكم يرضى بالظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه! فعبادة غير الخالق ظلم من أفظع أنواع الظلم! وقد عرفها المؤمنون من أمة الإسلام منذ أن كانت إلى اليوم.ولا ننسى قول الله تعالى من سورة الأنعام في الحِجاج الذي دار بين إبراهيم وبين قومه: قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ [الأنعام:80-81] أنا أم أنتم؟ من يعبد الله، أم من يعبد غير الله؟ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81]، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بظلم، وكيف يخلط الإيمان بالظلم؟ أي: بأن يعبد مع الله غيره، وبأن يشرك في عبادة الله، سواء عبادة القلب أو اللسان أو الجوارح، بأن يعبد مع الله غيره.وهذه الآية لما تلاها الأصحاب رضوان الله عليهم اضطربوا، وقالوا: من ينجو منا إذن؟! إذا كان لا نجاة .. لا يتحقق الأمن من عذاب الله وسخطه إلا من آمن ولم يخلط إيمانه بظلم فمن ينجو؟! كلنا يظلم، وظنوا أنها معاصي كسبة، أو شتمة، أو غيبة، أو نميمة، أو ذنب من الذنوب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ( ألم تسمعوا قول العبد الصالح إذ قال لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ) ظلم عظيم، فالظلم يتفاوت فيه الصغير والكبير، نعم، هل شتمك فلاناً في الشارع كشتمك أباك؟! إذاً: الظلم يتفاوت، وأعظمه أن تسلب حق الله، وتعطيه لغير الله، إذ الظلم حقيقته -يا معشر المستمعين والمستمعات- وضع الشيء في غير موضعه.وقد مثلنا أمثلة: هل يجوز لأحدكم الآن أن يدفع الجالسين يميناً وشمالاً وينام؟! هل هذا مكان نوم؟!هل يجوز لأحدنا أن يعرض بضاعته الآن في المسجد يبيعها؟! هذا ظلم، فقد وضع الشيء في غير موضعه.هل يجوز لعاقل أن يجلس أمام باب المسجد ويرفع ثيابه ويتبول؟! هذا ظلم، ووضع الشيء في غير موضعه هو الظلم.والظلم حرام بالإجماع، ومنذ أن هبط آدم إلى الأرض لم يقر الظلم ذو عقل بحال من الأحوال.وأي أنواع الظلم أفظع وأبشع؟أن يخلقك الله ويرزقك، ويربيك وينميك، ويجعلك عبده؛ فتغمض عينيك عنه وتلتفت إلى غيره! وبدل أن تحلف به تعظيماً له وتمجيداً تحلف بسواه؛ إغاظة له.وبدل أن ترفع كفيك إليه ضارعاً سائلاً: يا رب! تلتفت إلى غيره وتسأله.وبدل أن تركع ساجداً معلناً عن ذُلِّك وافتقارك وحاجتك إليه تفعل ذلك أمام كائن من الكائنات، ومخلوق من المخلوقات. فهل تصورتم أن أفظع أنواع الظلم هو الشرك، والعياذ بالله؟! وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] قال العلماء: من هو الذي كان يكتم بينهم شيئاً؟ قالوا: إبليس قبل أن يبلس، وقبل أن ييأس، فما إن شاهد آدم وهو في طينته وعرف بالفراسة أن لهذا المخلوق شأناً، تعهد بأن لا يطيع، وكتم هذا في نفسه، فأعلمهم الله أنه يعلم ما يكتمون. استحقاق الله للعبادة دون سواه معاشر المستمعين! هنا مسائل لابد من العودة إليها:أولاً: لم استحق الله تعالى العبادة دون من سواه؟ لعلمه الذي أحاط بكل شيء، فالذي لا يعلم الغيب كيف يعبد؟! ثانياً: لقدرته التي تجلت في خلق السماوات والأرض .. في خلق الملائكة .. في خلق أبينا آدم.القدرة التي لا يعجزها شيء، فالذي لا قدرة له أو له قدرة محدودة، وطاقة محدودة لا تتجاوز فكيف يستحق أن يعبد؟! كيف يشرك مع الله في عبادته كما يفعل المشركون؟والحكمة ما خلا منها شيء، فافهم يا عبد الله أنه لا يوجد كائن مخلوق إلا لحكمة! لا عبث، ولا لهو، ولا باطل، ولا سدى ولكن كل شيء لحكمة.ومن يرقى إلى هذا المستوى حتى يعبد مع الله بأي نوع من أنواع العبادة؟! هذا أولاً. أهمية وجود خليفة للمسلمين ثانياً: الخليفة. وقد بينا في إيجاز أنه لا يحل للمسلمين أن يعيشوا بدون خليفة، لماذا؟ لأن الفوضى تدمرهم، وتقضي على حياتهم، فيفقدون الأمن والطهر والصفاء، ولو استفاق المسلمون من غفوتهم، وعادوا إلى صوابهم لأعلنوا عن بيعة خليفة لهم، وتصبح البلاد الإسلامية كلها ولايات ومناطق تابعة للخليفة المسلم، ولما شتتهم العدو ومزقهم نكاية بهم، وتدميراً لهم، وحصل الذي حصل؛ وجب على أهل الإقليم أنهم هم الذين يختارون من يحكمهم، من أصلحهم .. من أعلمهم .. من أشرفهم .. من أكملهم؛ حتى يستتب أمرهم، وتكمل سعادتهم وحياتهم.فالدعوة إلى الفوضى محرمة ولا تحل، ومن هنا حرم النبي صلى الله عليه وسلم تحريماً قطعياً الخروج على الحاكم، ولم يأذن فيه إلا في صورة واحدة، فعليكم بالسمع والطاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا أمر الحاكم بمعروف يجب أن يطاع، نهى عن منكر يجب أن يطاع، أمر بمباح أو نهى عن مباح يجب أن يطاع.والحمد لله! هذه الحكومات التي تحكم العالم الإسلامي ما ظهر إلا مرة، حكم شيوعيون في جنوب اليمن حقيقة أمروا بالمنكر، وقلنا: لا طاعة، أما من عداهم ما هناك من أمر المسلمين بأن يعبدوا غير الله! فما هناك من أمرهم بأن لا يصوموا، ولا أن لا يصلوا، ولا أن لا يزكوا، ولا أن لا يأمروا بالمعروف ولا أن لا ينهوا عن منكر، لكن فقط جهل المسلمين هو الذي وقف بهم.يقول صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالسمع والطاعة إلا أن تروا كفراً بواحاً ) صراحاً واضحاً، لا يختلف فيه اثنان إذا ناقشوه، أو أرادوا أن يفهموه: ( عندكم فيه من الله برهان ).هنا ماذا يصنعون؟ لو كانوا على المستوى المطلوب منهم بوصفهم مسلمين أنه الحاكم إذا أعلن عن كفره وردته، وقال: لا أؤمن بهذا الدين، ولا بهذه الشريعة، حينئذ يجب أن يخلعوه ويبعدوه، وينصبوا غيره.وهل هذا يتم لأمة مختلفة متفرقة؛ أحزاباً، وجماعات؟ لا يتم لهم.إذاً: محنتنا أننا فقدنا الأخوة الإيمانية .. الأخوة الإسلامية، فالمسلمون في أي بلد ما هم بمتآخين، ولا متحابين ولا متعاونين، فكيف يستطيعون أن يخلعوا حاكماً ارتد،وكفر بالله وخرج عن الإسلام؟!فلابد إذاً من وجود أمة حية تسمع وتبصر، تعطي وتمنع، تستطيع أن تخلع وتنصب، أما أمة ممزقة، مفرقة، مختلفة كيف تخلع حاكماً وتنصب غيره؟! أنى لها ذلك، وكيف يتم؟إذاً: فكل من يدعو إلى الفرقة والصراع والنزاع وسفك الدماء خرج عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن نذعن للحاكم ونستسلم وننقاد، لكن في حدود ما هو مأذون له فيه، أن يقول الحاكم: اشرب المحرم، أو البس الحرام أو قل الحرام، فلا يطاع، والله عز وجل ما يسلط على المؤمنين حاكماً يكفرهم أو يحملهم على الفسق والفجور إذا كانوا قد حققوا ولاية الله عز وجل، ولكن إذا وجدوا أنفسهم تائهين في صحاري الحياة لا معرفة، ولا بصيرة، ولا استقامة؛ قد يسلط الله تعالى عليهم عدوهم. وجوب تحقيق ولاية الله إذاً: نعود إلى الحلقة المفقودة. وهي أنه يجب أن نوالي الله عز وجل، وأن نحقق ولايته، وإذا ما أصبحنا أولياء الله فالله عز وجل يؤدبنا .. يعذبنا بما شاء .. يسلط علينا أفسقنا وأفجرنا .. يسودنا بالحديد والنار، ولا نلوم إلا أنفسنا.ما هي ولاية الله؟ولاية الله أن نحقق إيماننا، ذاك الإيمان المطلوب، الذي إذا عرضناه على الكتاب والسنة، وعلى أهل العلم والبصيرة وافقوا عليه وقالوا: هذا هو الإيمان!أولاً: الإيمان، وثانياً: تقوى الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه.الإيمان والتقوى بهما تتحقق ولاية العبد للرب تعالى، وولاية الرب للعبد.أما إذا فجرنا وفسقنا، وخرجنا عن طاعة ربنا وطاعة رسولنا وانتهت الولاية؛ ماذا نريد من الله سوى أنه يسلط علينا من يسومنا الخسف والعذاب، ولو أن المؤمنين استفاقوا وأفاقوا حقيقة لأقبلوا على الله بنسائهم وأطفالهم ورجالهم يحققون أولاً ولايتهم لله تعالى، إيمان وتقوى، وهذا يا معاشر المستمعين والمستمعات! يتطلب منا العلم، وها نحن في هذه الآيات سنعرف كيف شرف الله آدم، ورفع قدره بالعلم، والذين جهلوا من الملائكة أصبحوا دون مستوى آدم عليه السلام.العلم كيف نطلبه، وكيف نحصل عليه؟ كما علمنا وقدمنا، كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه؟يجمعهم بين يديه في مسجده ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فإذا أراد المسلمون في الشرق والغرب أن يحققوا ولاية الرب تعالى لهم عليهم أن يحققوا إيمانهم، فيؤمنون إيماناً كإيمان نبيهم وأصحابه، ويعبدون الله عبادة عبده بها نبيه وأصحابه، إذ هذه الفرقة الناجية، هم الذين يكونون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، عقيدة وعبادة وسلوكاً وآداباً.معاشر المستمعين! تحقيق الولاية أن نقبل على الله في صدق ونطلب منه أن يعلمنا، فنقرأ كتابه وسنة نبيه في بيته، فلا نتخرج بعد العام والعامين إلا علماء وأولياء لله، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أما مع التمرد والعصيان على الله فأنى لنا أن نكون أولياء لله، لا خوف علينا ولا حزن في دنيانا وأخرانا؟ قراءة في تفسير قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ...) من كتاب أيسر التفاسير معاشر المستمعين! ما قرأنا الآيات في الكتاب فإليكموها كما هي.يقول تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]. شرح الكلمات قال المؤلف: [شرح الكلمات: الملائكة: جمع مَلْأك، ويخفف فيقال: مَلَك، وهم خلق من عالم الغيب، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلقهم من نور.الخليفة: من يخلف غيره، والمراد به هنا: آدم عليه السلام.يفسد فيها: الإفساد في الأرض يكون بالكفر وارتكاب المعاصي.يسفك: يسيل الدماء بالقتل والجرح.نسبح بحمدك: نقول: سبحان الله وبحمده، والتسبيح: التنزيه عما لا يليق بالله تعالى.ونقدس لك: فننزهك عما لا يليق بك، والتقديس: التطهير والبعد عما لا ينبغي، واللام في (لك) زائدة لتقوية المعنى، إذ فعل قدس يتعدى بنفسه، يقال: قدسه] وإن قلت: قدس له كان زيادة في المعنى. المعنى الإجمالي قال المؤلف: [المعنى الإجمالي: يأمر تعالى رسوله أن يذكر قوله للملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] يخلفه في إجراء أحكامه في الأرض، وأن الملائكة تساءلت متخوفة من أن يكون هذا الخليفة ممن يسفك الدماء ويفسد في الأرض بالكفر والمعاصي؛ قياساً على خلق من الجن حصل منهم ما تخوفوه، فأعلمهم ربهم أنه يعلم من الحِكم والمصالح ما لا يعلمون. والمراد من هذا التذكير: المزيد من ذكر الأدلة الدالة على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة للإيمان به تعالى، ولعبادته دون سواه]. هداية الآيات قال: [هداية الآيات: أولاً: سؤال من لا يعلم غيره ممن يعلم ]. كما علمنا، واجب وجب على من لا يعلم أن يسأل حتى يعلم.[ ثانياً: عدم انتهار السائل، وإجابته أو صرفه بلطف ]، من سئل يجب أن لا ينتهر السائل، فيحمر عينيه فيه، كما تقول العامة، بل يجب أن يتلطف في إجابته، إن كان يعلم علم، لا يعلم يقول: يا بني! الله أعلم.[ ثالثاً: معرفة بدء الخلق ]، ما عرفنا بدء الخلق؟ لما قال: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، هذه بداية الخلق عندنا.[ رابعاً: شرف آدم وفضله ]. وكيف وقد أسجد له الملائكة كما سيأتي. قراءة في تفسير قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها ...) من تفسير أيسر التفاسير قال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:31-33]. شرح الكلمات قال: [ شرح الكلمات: آدم: نبي الله أبو البشر عليه السلام.الأسماء: أسماء الأجناس كلها كالماء والنبات والحيوان والإنسان.عرضهم: عرض المسميات أمامهم، ولما كان بينهم العقلاء غلب جانبهم؛ وإلا لقال: عرضها]، قال: (عرضهم)؛ لأن فيهم العقلاء.قال: [أنبئوني: أخبروني.هؤلاء: المعروضين عليهم من سائر المخلوقات.سبحانك: تنزيهاً لك وتقديساً.غيب السماوات: ما غاب عن الأنظار في السماوات والأرض.تبدون: أي: تظهرون من قولهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا [البقرة:30].تكتمون: تبطنون وتخفون، يريد ما أضمره إبليس من مخالفة أمر الله تعالى، وعدم طاعته] في قضية آدم [الحكيم: الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه ولا يفعل ولا يترك إلا لحكمة]. معنى الآيات الإجمالي قال: [معنى الآيات الإجمالي: يخبر تعالى في معرض مظاهر قدرته وعلمه وحكمته الموجبة لعبادته دون سواه، أنه علم آدم أسماء الموجودات كلها، ثم عرض الموجودات على الملائكة، وقال: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31]؛ في دعوى أنكم أكرم المخلوقات وأعلمهم، فعجزوا وأعلنوا اعترافهم بذلك، و قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا [البقرة:32]. ثم قال تعالى لآدم: أنبئهم بأسماء تلك المخلوقات المعروضة، فأنبأهم بأسمائهم واحداً واحداً، حتى القصعة والقُصَيعة، وهنا ظهر شرف آدم عليهم، وعتب عليهم ربهم بقوله: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33]]. هداية الآيات قال: [من هداية الآيات: أولاً: بيان قدرة الله تعالى، حيث علم آدم أسماء المخلوقات كلها فعلمها.ثانياً: شرف العلم وفضل العالم على الجاهل.ثالثاً: فضيلة الاعتراف بالعجز والقصور.رابعاً: جواز العتاب على من ادعى دعوى وهو غير متأهل لها ]. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (44) الحلقة (51) تفسير سورة البقرة (15) أكرم الله آدم بالعلم، وأمر الملائكة بالسجود له، فسجدوا جميعاً إلا إبليس، بقي متسمراً مكانه حسداً وكبراً، فكانت عقوبته الطرد من رحمة الله، فأقسم ليضلن آدم وزوجه وذريتهما، وسعى سعياً حثيثاً في إغواء آدم وحواء، ووسوس لهما حتى أوقعهما في شراكه، فأخرجا من الجنة، وأهبطهم الله جميعاً إلى الدنيا، ليعيشوا فيها بعضهم لبعض عدو إلى نهاية الحياة الدنيا. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:34-37]. تقرير مبدأ التوحيد والنبوة والبعث الآخر معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! في هذه الآيات تقرير مبدأ التوحيد والنبوة لنبينا صلى الله عليه وسلم، والبعث الآخر.هذه الآيات نزلت لغرض .. لهدف، وقد ندرك ذلك وقد لا ندركه، ولكن النظرة العامة في مثل هذا السياق أنه تقرير لمبدأ: لا إله إلا الله، ومبدأ: محمد رسول الله، ومبدأ: الحياة الثانية التي هي دار الجزاء بعد هذه الدار التي هي دار العمل، إذ اليوم عمل، وغداً جزاء.والبشرية أيام نزول هذه الآيات وبعثة هذا النبي صلى الله عليه وسلم كانت ضالة، تائهة في أودية الضلال، اللهم إلا بقايا من أهل الكتاب.البشرية منهم المشركون الذين يعبدون الأوهام كالأصنام، والتماثيل، والشمس، والقمر، والنجوم .. وما إلى ذلك، وهذه أغلبية البشرية .. مشركون.وأهل الكتاب زيادة على أنهم أشركوا فهم كافرون، إذ كذبوا رسل الله، فالنصارى -والعياذ بالله تعالى- ضللهم اليهود فضلوا، وأصبحوا وثنيين يعبدون ثلاثة آلهة، واليهود مع علمهم غضب الله عليهم ولعنهم؛ لأنهم عرفوا لكنهم عموا عن الحق، وأعرضوا عنه، فهم أيضاً مشركون وكافرون.فكيف تنقذ البشرية؟ أنقذها الله عز وجل ببعثة هذا النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أرسله إلى الناس كافة، من ذلك قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، ومن ذلك قوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158].فمثل هذه الآيات: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [البقرة:30] يخاطب الله عز وجل محمد بن عبد الله بن هاشم القرشي العدناني من ذرية إبراهيم. وَإِذْ قُلْنَا القائل رب العزة والجلال والكمال، وتقدم: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [البقرة:30].إذاً: الله عز وجل خالق الخلق، ومدير الكون، ومدبر الملكوت؛ هو الذي أرسل هذا الرسول، وإلا كيف يخاطبه وينزل عليه وحيه، ويعلِّمه؟!فالآية بمجرد ما تسمعها تقرر مبدأ أنه لا إله إلا الله، أما الإلحاد العام الذي ظهر منذ ثمانين سنة، وهو لا إله والحياة مادة، فهذا ما كان موجوداً على سطح الأرض، لا بين الإنس ولا بين الجن، بل الخليقة كلها تؤمن بخالق رازق مدبر، فلما ما عرفوه اتخذوا رموزاً يعبدونها تحت شعار التقرب إلى الله العليم الحكيم، والذين يعبدون الأصنام ما عبدوها لذاتها، بل هم يبحثون عن الله خالقهم، رازقهم، معطيهم ومانعهم، محييهم ومميتهم، فلما ما عرفوا زينت لهم الشياطين عبادة الأصنام.. وما إلى ذلك، فعبدت الشعرى -كوكب معروف- في ديار اليمن، وعبد المجوس النار، أما الإلحاد بمعنى: لا إله، فهذه فرية يهودية أرادوا أن يطمسوا بها معالم التوحيد، وأخيراً بعدما بلغت مبلغها في الشرق والغرب انفضح ستارها، وظهرت أنها لعبة يهودية!إذ الفطرة التي فطر الإنسان عليها تشهد أن لا إله إلا الله، وتؤمن بوجود الله، ولكن عبدت الأصنام والأوثان تقرباً إلى الله عز وجل، وهؤلاء كبار المشركين، بل وأئمتهم في قريش في مكة قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وكيف وهم يحجون بيت الله؟ ويقفون في عرفات لله؟ ويعبدون اللات والعزى ومناة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً؟! ولكل قَبيل إله يعبده.فخطاب الله عز وجل في مثل قوله: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] هذا يثبت وجود الله، فهاهو ذا يتكلم، وهذا كلامه، وكيف وصل هذا الكلام؟ أوحاه، إلى من؟ إلى محمد بن عبد الله ورسوله، فهو رسول الله، فتم مبدأ لا إله إلا الله محمد رسول الله.وهذه الأنباء، وهذه الأخبار غيبية، تعجز البشرية عن الوصول إليها، أو الحصول عليها بحال من الأحوال، إذ كان هذا قبل أن يكون الإنسان، فكيف نعلم هذا ونصل إليه؟! إنه من طريق الوحي الإلهي الذي نزل بهذا الكتاب العظيم القرآن الكريم. إخبار الله ملائكته في جعل خليفة في الأرض وجوابهم قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، تقدم أن عرفنا أن الله يؤدبنا ويعلمنا كيف يستشير رجالنا، وعلماؤنا، وعظماؤنا من دونهم؟ وفي الحديث الصحيح: ( ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار )، فالله يقول في عباده المؤمنين: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]. فالله عز وجل يقول للملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، خليفة يخلفني في تطبيق شرائعي، وإنفاذ أحكامي، ولا حرج، خليفة من شأنه أن يموت ويخلفه غيره: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ [الأنعام:165]، والكل كما علمتم صحيح، وتدل عليه الآية الكريمة.. يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً [ص:26] خليفة ماذا؟ يطبق شرائع الله، وينفذ أحكامه في عباده.فالملائكة كأنهم استغربوا هذه القضية وتعجبوا منها، وقالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30]! وقد علمنا أنه بلغهم علم سابق أن هناك من سكن هذه الأرض من عالم آخر -عالم الجن-، وما كان منهم إلا أن فسقوا عن أمر الله، وخرجوا عن طاعته، وتقاتلوا وأجرموا، فالملائكة فهموا أن هذا المخلوق الجديد الذي سيعمر الأرض قد يسفك الدماء، ويفسد فيها بارتكاب المعاصي، وغشيان الذنوب؛ فأبدوا ما عندهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا وليس هذا -والله- من باب الاعتراض على الله، وإنما هو من باب التقرير: أتجعل هذا، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30]، فما هناك حاجة إلى أن تخلق مخلوقاً يعصيك، ويخرج عن طاعتك، ويفسق عن أمرك، ونحن نسبحك الليل والنهار ونقدسك يا رب العالمين!فهذا مجرد إبداء رأي، ومن حقهم أن يقولوا، وهم مع ربهم يناديهم ويكلمهم.فرد تعالى عليهم بقوله: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] فعلمه أحاط بكل شيء، وعلمهم محدود في نطاق ضيق، فهم سمعوا أو شاهدوا ما حدث في الأرض، فخافوا أن الذي ينزل بعد الآن يفعل مثل الذي فعل الأولون، وقد حصل، فقد سفكنا الدماء، وأفسدنا في الأرض الأمر الذي لا يقادر قدره. ولكن منا أولياء .. منا صالحون .. منا ربانيون، عبدوا الله الليل والنهار، والدهر كله! تعليم الله لآدم الأسماء كلها وعرضها على الملائكة قال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31]. علم آدم الأسماء كلها، وسبق أن قلت لكم: لا عجب في هذا! أبداً. الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4].أراه صورة الأجناس كلها وأسماءها، وأثبتها في قلبه، فحفظها، وفهمها، وعرفها، ولا حرج، وسواء قلنا: في ساعة أو في دهر أو في عام، هذا لا علم لنا به، الأهم أنه علمه الأسماء كلها .. أسماء الأجناس حتى قال ابن عباس : كالقصعة والقصيعة. شاهدها ثم حفظ أسماءها، وأراد الله ذلك ليختبر الملائكة، وليريهم عجزهم وضعفهم. ثُمَّ عَرَضَهُمْ [البقرة:31] عرض التلفاز والشاشة التي تشاهدون، ولا ننسى عرضاً مثل هذا العرض تم هنا، في هذا المسجد، والله العظيم، الرسول صلى الله عليه وسلم في محرابه ولم يكن محراباً كهذا بل مكان مصلاه إلى الجدار في الروضة، والآن موجود مكان مصلاه محراب، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس، وإذا به يتقدم قليلاً ويمد يديه كأنما يريد أن يتناول شيئاً ثم يرجع ويواصل صلاته، ثم يرجع القهقرى ويشيح برأسه ووجهه هكذا، كأن لهباً مر، فلما فرغ من صلاته سألوه: ما الذي حدث يا رسول الله؟ قال: ( عرضت علي الجنة، فرأيت عنباً فهممت أن آخذ عنقوداً، لو أخذته لأكلت منه الدهر كله ) لم؟ لأنه غير قابل للفناء، فلا يفنى، كالعالم الآتي لا فناء فيه، ( وعرضت علي النار فرأيت أكثر أهلها النساء فأشحت بوجهي لحرارتها ) فالعرض الآن في التلفاز والشاشة السينمائية بارد ليس فيه حقيقة، بل هي صور، أما العرض هناك فكان حقيقة.هل قال أصحاب رسول الله: هذا مستحيل أو كيف يتم؟! قالوا: آمنا بالله، وبما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.والشاهد عندنا وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] أسماء الأجناس: الإنسان والحيوان والماء .. وما إلى ذلك، وشاهدها ذواتاً. كيف هذا؟ ألم يكن قد كتبها الله في كتاب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرضين؟وما من كائن على سطح هذه الأرض ولا في السماء إلا وله صورة في ذلك السجل العظيم، الكتاب المبين أو الإمام المبين، منه فقط عرضها، وفي البخاري من حديث عبد الله بن مسعود ( يؤمر بأربع كلمات يكتبها )، هذه الكلمات مستحدثة، جديدة؟ هذه من كتاب المقادير ( فيكتب عمله وأجله، ورزقه، وشقي أو سعيد ).إذاً: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ [البقرة:31] عرضاً فشاهدوها، فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31] بأنكم كذا وكذا، قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32].ثم قال لآدم : يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [البقرة:33] أخبرهم، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] لأن إبليس -عليه لعائن الله- قبل أن يبلس ما يزال في محيط الملائكة يعبد الله عز وجل كان قد حمل في نفسه شيئاً لهذا، فأخبرهم الله بعلمه بما في نفوسهم، وما يكتمون. تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ...) الآن وصلنا إلى الآية التي هي موضع درسنا اليوم، قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ [البقرة:34] أي: اذكر يا رسولنا ويا نبينا قولنا للملائكة كذا وكذا. أليس هذا يشهد بوجود الله؟ أيوجد كلام بدون متكلم؟ ألا يشهد هذا لعلم الله؟ أليس هذا علماً؟ هل يوجد علم بلا عليم؟كما قدمنا: الآيات تقرر وجود الله، وعلم الله، وقدرة الله، وحكمة الله، ورحمة الله، فكل آية تقرر هذا. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
الآية تقرر فضيلة العلم والعلماء معاشر المستمعين! في هذه الآية فضيلة العلم والعلماء، لما فاز آدم ونجح في الامتحان، وخاب وخسر الملائكة في امتحانهم وعجزوا، أراد الله تعالى أن يرفع آدم، وأن يرفع شأنه، ومنزلته، ومقامه فوق مستوى الملائكة، فها هو ذا تعالى يأمر الملائكة أن يسجدوا لآدم سجود تحية وتعظيم، لا سجود عبادة وتأليه، إذ المسجود له في الحقيقة هو الآمر المطاع، وآدم ما أمر ولا أطيع، فلا يقال: هذا سجود عبادة، الذي عبد وذل له وأطيع هو الله، إذ هو الذي أمر، وآدم فاز بالتبجيل والتعظيم، إذ وقع هذا السجود وهذه الطاعة له ومنه وإليه، ولا حرج؛ لأن الله أراد ذلك. وهذا نظير صلاتنا إلى مقام إبراهيم وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125] فنحن بعد الطواف سبعة أشواط نصلي ركعتين لمن؟ لله تعالى، وأين نصليهما؟ خلف مقام إبراهيم. فالمقام فاز بأشرف عبادة تقع عنده ودونه، والصلاة هي لله عز وجل. كيفية سجود الملائكة لآدم قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا [البقرة:34] السجود خاطبنا الله عز وجل بما نعرف، والسجود في لغة العرب هو أن ينحني المرء وينكسر، وينزل للأرض، ويضع وجهه وجبهته وأنفه على التراب، هذه حقيقة السجود وإن كان معناه الخضوع والذلة، فكل من ذل لرجل وخضع يقال: سجد له، لكن الله خاطبنا بما هو معلوم عندنا، فهنا سجدت الملائكة على الأرض لآدم عليه السلام، فالله هو الآمر، وهو المطاع إذاً هو المعبود والمسجود له، وآدم فاز بالشرف والكرامة العليا؛ لأن الله رفعه بالعلم.والسجود المعروف عندنا هو وضع الجبهة والأنف على الأرض، ولا تصح صلاة من هو قادر على السجود بدون سجود. نعم، المريض يومئ إيماءً إلى الأرض، أما القادر على أن يضع جبهته وأنفه على التراب فلا تصح له صلاة؛ لأن هذا ركن من أركانها، وهذا السجود كان الأولون يسجد العظماء أو الكرماء لبعضهم البعض، والعوام تبع لذلك، والدليل أن يوسف الصديق ابن الصديق عليه السلام لما جلس على أريكة الملك وعرش الدولة، وجمع الله له شمله بأبويه وإخوته خروا له ساجدين، فسجدوا طاعة .. إكباراً .. تعظيماً .. تبجيلاً ليوسف عليه السلام، وذكر هذا الحق تعالى في كتابه: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا [يوسف:100].وسجد الناس لبعضهم البعض كما هي التحية المعروفة عند الناس، وهنا أشير إلى فائدة وهي أن التحيات كلها لله، ولهذا لما نجلس بين يدي الله عز وجل نقول: التحيات لله، التحيات: جمع تحية، وهي ما يعظم به الإنسان أخاه، ويجله ويكبره، كلها لله، والسجود من التحيات، ولذا قال أهل العلم: جميع حركات الصلاة تحيات، من رفع اليد، وهذه تحية عسكرية معروفة، لكن بيد واحدة ونحن نحيي ربنا بكلتا يدينا، لا يجوز أن ترفع واحدة فقط مع الله، لابد من يديك الاثنتين.وكذلك الوقوف باعتدال، غير مطأطئ الرأس ولا منكسر، وذلك الاعتدال فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] هذه تحية، وقد يحيي الناس بها الآن بعضهم بعضاً.والركوع معلوم بالضرورة أن الناس يحي بعضهم بعض بالانحناء والركوع، وتلك الجلسة التي يجلسها جلسة تحية، والسجود فوق ذلك.فجميع التحيات التي عرفتها البشرية وحيا بعضها بعضاً بها جمعها الله تعالى لنا في الصلاة، فلهذا الذي لا يصلي كفر الله عز وجل، وما اعترف بجلاله، ولا كماله، ولا بعظمته، ولا بوجوده. وإن عوقب فالعقوبة الإعدام؛ لأنه غير أهل للحياة كفر الله عز وجل، ولم يحيه، ولم يعظمه.إذاً عرفنا أن الصلاة تحية، وقد جمعت كل أنواع التحيات، ولهذا نقول: التحيات لله والصلوات.حاول بعض المؤمنين أن يسجدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحد الصحابة كان بديار الشام وجاء إلى المدينة مسلماً، فأراد أن يسجد للرسول صلى الله عليه وسلم، فأبى ولم يسمح له، واعتذر الصاحب بأنه رأى أهل الشام يسجدون للقسس وللبطارقة قال: فأحببت أن أسجد لك كما يسجدون لهم، فقالها صلى الله عليه وسلم: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما له عليها من حق، ولكن لا سجود إلا لله رب العالمين ).فنسخ الإسلام برسوله، ورسالته، وكتابه السجود للمخلوق، فلا يسجد إلا لله، ولا يذل المؤمن، ولا ينتصر أبداً إلا بين يدي الله عز وجل. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا [البقرة:34] امتثلوا أمر ربهم على الفور، والملائكة كما درسنا وعرفنا لا يحصي لهم عدداً إلا الله، إذا كانت السماء لا يوجد فيها موضع قدم أو شبر إلا عليه ملك ساجد أو قائم فمن يحصي عدد الملائكة! وإذا كان كل واحد منا موكل به عشرة من الملائكة أو اثني عشر ما بين الحفظة والكرام الكاتبين.والشاهد عندنا (فسجدوا) امتثلوا أمر الله فخروا ساجدين لآدم، وهذا السجود وإن كان لآدم لكن حقيقته للآمر الذي أطيع. استكبار إبليس عن السجود لآدم قال تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34].من هو إبليس؟إبليس كنيته أبو مرة معروفة، هل كان اسمه هكذا أو عزازئيل؟على كل إبليس كان من العابدين لله عز وجل، الراكعين، الساجدين آلاف السنين، وهو ليس من الملائكة بل هو من الجن، من العالم الثاني، فالملائكة أولاً والجن ثانياً والإنس بعد ذلك عالم ثالث، والحيوان عالم رابع. والمناسبة بين النار والنور معروفة، فلهذا الجن يختلطون بالملائكة، ويفهمون لغتهم، ويسمعون منهم، والدليل أما قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الجان يكونون في عنان السماء فيختلطون بالملائكة، فيسمعون الملائكة تتحدث عن أخبار الله التي علمهم إياها، فيسترق أحدهم الكلمة فيأتي بها إلى الآدمي الكاهن فيقرقرها في أذنه، فيضيف إليها تسعاً وتسعين كذبة )، ويقال: فلان يعلم الغيب ويأتونه، ويعطونه المال ليعلمهم الغيب، ونسبة الصدق معه واحد إلى مائة.والشاهد عندنا أن إبليس كان من العباد، ويروى أنه سبحانه أرسله مع جند من الملائكة إلى الجن الذين سكنوا الدنيا وفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فحاربهم إبليس بجيش عظيم من الملائكة، وأجلاهم إلى جزر البحر، ثم لما حصل الامتحان الإلهي والاختبار وقال للملائكة وإبليس قبل أن يبلس: اسجدوا فسجدوا إلا إبليس أبى أن يسجد واستكبر، وكان من الكافرين.وقد جاء هذا مفصلاً في عدة آيات منها ما في سورة الحجر: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:28-33] وخلقتني من نار.فأبدى علة امتناعه عن السجود لآدم وهي: أولاً: الكبر، كيف، وأنا المخلوق من مادة ملتهبة؛ النار أسجد لمن خلق من طين، من صلصال، من حمأ منتن مسنون.ثانياً: منعه -أيضاً- مع الكبر الحسد، فكيف يتفوق هذا المخلوق علينا، ويفضلنا، ونؤمر بالسجود له.فكانت المصيبة مزدوجة، مركبة من الكبر والحسد، وهما شر ما يوجد على الأرض.وداء الأمم كلها الكبر والحسد، فلهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) لأن هذا القدر الخفيف القليل يحجب صاحبه عن النور، ويمنعه من الهداية، ويطغى هذا الكبر عليه، فيتكبر حتى على الله عز وجل، فلا يركع، ولا يسجد.والحسد من نتائجه أن أول دم سفك على سطح الأرض من بني آدم كان نتيجة الحسد وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27] هابيل وقابيل ابنا آدم عليه السلام، كل منهما قدم قرباناً لله عز وجل، فقبل الله أحد القربانين ولم يقبل الآخر، لم؟ لأن الذي قبله كان يريد به وجه الله، وكان خيرة ما يملك من المال الذي تقرب به إلى الله، والآخر -والعياذ بالله- كان أسوأ ماله وأردأه، فلم يقبله الله عز وجل، فلما رأى أخاه تقبل الله منه، وهو لم يتقبل منه عزم على قتله، وقتله بالفعل، فهذه أول قطرة دم على الأرض من بني آدم، وسببها الحسد.(إلا إبليس أبى) بمعنى: رفض، وامتنع، واستكبر، وكان من الكافرين، ومن هنا -معاشر المستمعين- إن بعض الذنوب يكفر بها صاحبها، إبليس ما كفر الله وقال: لا وجود لله ولا سب الله ولا ولا .. كفر بمعصية، فلهذا توجد المعاصي التي يكفر بها صاحبها، فلهذا نحذر ما هو معصية، وسواء قيل فيه فسق أو إثم أو جريمة أو كبيرة أو صغيرة، فهناك ذنوب يكفر بها فاعلها، والعياذ بالله. فهذا إبليس كان من جملة الكافرين لامتناعه عن طاعة الله في السجود لآدم، وحمله على ذلك داء الأمم ألا وهو الكبر والحسد. تفسير قوله تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ...) يقول تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا [البقرة:35]. (وقلنا يا آدم) أي: بعد أن خلق الله آدم، وأسجد له الملائكة، وبعد أن خلق حواء من ضلعه الأيسر فكانت إلى جنبه، وأراد الله عز وجل أن يهبطهما إلى الأرض، وهذا متى تم؟ بعد أن خرجا عن طاعة الله وأكلا من الشجرة، وهذه فيما يبدو معصية خفيفة، وإبليس هو الذي غرر بهما وخدعهما وقال: إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21]. إذاً: هذه الأحداث لم تتم في ساعة أو دقيقة لكن الكلام هذا: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35] متى؟ لا يوم سجد الملائكة لآدم، ولا يوم أبلس إبليس، فهذا دهر يعرفه الله عز وجل.ولكن الترتيب للأحداث هكذا: أولاً: خلق الله آدم ثم أسجد له الملائكة ثم بعد ذلك أمره أن يهبط إلى الأرض، وسبب الهبوط إلى الأرض أن الله عز وجل أذن له ولحواء العيش في دار السلام، يأكلان من ثمار الجنة ونعيمها ويسعدان بوجودهم فيها، لكنه نهاهما عن أكل شجرة، وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35] أباح لهما كل ما في الجنة إلا هذه الشجرة أراد أن يمتحنهما، وقد كتب قدراً أن ينزلهما إلى الأرض، وتعمر الأرض بذريتهما إلى يوم القيامة ولكن هي الأسباب والسنن.فحرم عليهما الأكل من الشجرة، ما هي هذه الشجرة؟ ما دام لم يبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حق لنا أن نقول: التين، ولا أن نقول: الرمان أو التفاح، هي شجرة وكفى. تفسير قوله تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ...) وسوسة إبليس لآدم وحواء عليهما السلام بعد أن أبلس إبليس وطرد وخرج من الجنة .. ومعنى إبليس: المبلس، أي: اليائس من رحمة الله، المطرود والمنفي عنه كل خير، فإبليس لما أبلس من جراء آدم وحواء .. ومن جراء آدم بالذات أراد أن ينتقم أيضاً.والحكايات الإسرائيلية تقول: دخل إبليس في صورة حية إلى الجنة، ولا حاجة إلى هذا، فإنه ما من أحد منا إلا وعنده جهاز تلقي وإرسال إلا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله نزع منه ذلك الجهاز حتى لا يستطيع الشيطان أن يتصل به.أما نحن فعندنا رادار، يعمل ليل نهار.فاتصل بهما عن طريق الوسواس، فوسوس لهما الشيطان، ما دخل الجنة ولا يدخلها، ولكن اتصل بهم، والآن يتصل بك الإنسان من أمريكا وأنت في المدينة هو معك في بيتكم، في أسواق المدينة؟ تقول: لا، مستحيل، قل: مستحيل، وهو: آلو آلو، يتكلم معك، ويوسوس لك. فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا [البقرة:36] وأسقطهما، وأوقعهما في الزلل، وهو ارتكاب المعصية، بسبب ماذا؟ بالتزيين والتحسين هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120] إذا أكلتما من هذه الشجرة لا تموتان، ولا تفنيان بل تخلدان، وكذبهما، وهو لا يملك إلا التزيين فقط، وأعظم سلاح لدى العدو ليوقع الآدمي في معصية الله فيهلك هو التزيين إذ قال: فبعزتك لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39-40]. انكشاف عورتي آدم وحواء عليهما السلام بعد استجابتهما لوسوسة إبليس ما كان من آدم إلا أن استمع لنظرية زوجته وقبل كلمتها، وهذا الذي يقع أيضاً للرجال منا، فالذي يستجيب لامرأته ويقبل اقتراحاتها وما تريده فيا ويحه، قد يقع فيما وقع فيه آدم، فحواء عليها السلام هي التي بادرت وأكلت وقالت: ما أصابني شيء فكل أنت، فاستجاب وأكل، وما إن أكلا من الشجرة، وارتكبا المعصية حتى انكشفت عورتهما، وذهب النور الذي كان يكسوهما، ولا يعرف أحدهما فرجاً، لا قبلاً، ولا دبراً، وما إن ارتكبا المعصية حتى زال النور فأسرعا إلى ورق الشجر يستران عوراتهما: وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف:22].فلهذا فطرة الآدمي أنه يستر عورته ولو كان مجوسياً أو كافراً أو لا؟ بالفطرة أن الآدمي يستر عورته.وإن قلت: وجدت أندية العري في أوروبا، فعند الباب تسلخ روحك سلخاً وتدخل عارياً، وهذا مسخ إبليسي وليس بفطري، فإبليس هو الذي مزق حجاب الفطرة، ونفذ إلى القلوب.أما الفطرة الحقيقية فهي كما تعلمون عندما تمشي إلى سكان الغابات تجدهم قد وضعوا على فروجهم ستارة ولو من شجر إلى الآن. فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف:22]. هبوط آدم وحواء إلى الأرض وبدء العداوة بينهما وبين إبليس وأتباعه قال تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36] من هم الذين بعضهم عدو لبعض؟ آدم وزوجه طرف، وإبليس الطرف الثاني، وإبليس كان يعيش في الملكوت الأعلى، الآن منع، الآن ساكن في الأرض، اهبط لتؤدي مهمتك وهي إغواء بني آدم وإضلالهم، وهذا الذي التزم به، وهذا كله تدبير العليم الحكيم ليدخل من يشاء في رحمته ويضل الضالين. الأرض مستقر ومتاع إلى حين قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [البقرة:36] (ولكم في الأرض مستقر) ومن هنا نبهنا أيام شاعت فكرة الصعود إلى القمر، وقلنا: لا يمكن للآدمي أن يعيش على كوكب من الكواكب، وإن عاش يوماً أو أياماً والله لينزلن إلى الأرض، وليموتن بها؛ ليبعث منها، قال تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55].إذاً وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ [البقرة:36] لا في السماء مستقر قرار ومتاع أكل وشرب وحياة إلى حين نهاية آجالكم وأعماركم، ونهاية الحياة بكاملها، ولكم في الأرض -هذه المعهودة- مستقر ومتاع إلى حين، فمن يزعم أنه يستطيع أن يبني قصراً في القمر أو في كوكب آخر ويعيش هو هناك؟ هذا باطل باطل. والحمد لله استرحنا من هذه الكذبة كما استرحنا من الشيوعية التي انتهت؛ لأن الذين كانوا رواداً بالقمر كذبوا لأنهم أخيراً من سنتين قالوا: ما طلعنا، هي أفلام سينمائية في الجبال واستريحوا. تفسير قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ...) قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37] تلقاها وحياً أوحاها الله إليه، كلمات معدودة؛ ثلاثاً أو أربعاً، فلما قالها تاب الله عز وجل عليه، فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة:37] فبسببها تاب عليه.ما هذه الكلمات؟ هذه جاءت من سورة الأعراف، وهو قولهما عليهما السلام: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] فكل مؤمن أو مؤمنة أراد أن يتوب فعليه بهذا الكأس من العسل، يقول رب ظلمت نفسي، معترفاً بفجوره أو بفسقه أو بمعصيته، متألماً منها؛ لأنه أغضب الله عليه، وأسخطه بغشيانه وارتكابه ما حرم عليه، يناديه بهذا الصدق: رب ظلمت نفسي، أي: بفعل كذا وكذا. ولا يذكر جريمته لله؛ لأن الله يعلمها.ربي، ظلمت نفسي، وإن لم تغفر لي وترحمني لأكونن من الخاسرين، أي من جملة الخاسرين وفي عدادهم. الخسران الحقيقي ومن هم الخاسرون؟الماديون لا يعرفون من الخسارة إلا المادية؛ صفقة تجارية لا ربح فيها، باخرة تحمل بضاعة غرقت، مزرعة انقطع عنها الماء ماتت، زوجة ماتت، ولد جن، هذه خسائر الدنيا.لكن الخسران الحق بينه الله تبارك وتعالى وهو أن يخسر الإنسان نفسه وأهله، فلا يبقى له أب، ولا أم، ولا ولد، ولا أخ، ولا قبيل، ولا يعرف أحداً، ويعيش في عالم وحده، لا أنيس ولا أنس.بين تعالى هذا في آيتين من كتابه فقط، وهو قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ [الزمر:15] بحق الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:15] نعم، نحن نعد الخسارة أن نضيع ركعة من الصلاة، نعد خسارة أن نفطر في يوم من أيام الصيام، خسارة أن نشتم مؤمناً أو نضربه، نعد المعصية لله عز وجل خسارة، نعم. ولكن غيرنا يعد الخسارة فقد المال أو الإنسان، وقد بين تعالى لنا الخسارة الحقيقية، وهي أن يفقد الإنسان كل ما عنده، ويجد نفسه في عالم شقاء كله، لا أنيس ولا من يؤانسه: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]. كيف نتقي الخسران معاشر المستمعين! كيف نتقي هذا الخسران؟ كيف نجنب أنفسنا منه ونبتعد من ساحته؟إنه بالإيمان وصالح الأعمال .. باتقاء الشرك والمعاصي يجنبك الله هذا الخسران ويبعدك عنه، إيمان صحيح اعرضه على الكتاب والسنة يوافقان عليه، عمل صالح، وهو الذي بينه الله ورسوله، بينه الله في الكتاب والرسول بلسانه وبعمله مع اجتناب الشرك بالله ولو في كلمة واحدة، ولو في إشارة برأسك.علمنا أن أحد الأولين جاءه الشيطان وهو مقيد، يعد للموت لجريمة ارتكبها. قال له: هل أدلك على شيء إذا فعلته نجوت؟ قال: دلني. قال: اخفض رأسك لي، اسجد لي سجدة. فسجد له، فقتلوه، ومات إلى جهنم، ومن أراد أن يقف على هذه ففي التفاسير عندما قال: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ [الحشر:16-17] إبليس وذلك الرجل الفاسق وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر:17]. فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة:37] عرفنا الكلمات أو لا؟ ما هي؟ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، يجب أن نحفظها ونستعملها في كل ذنب نشعر به، وكل خطيئة نرتكبها؛ إذ نجى الله تعالى أبانا آدم وأمنا بهاتين الكلمتين، فكيف ننساهما؟وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
الساعة الآن : 07:27 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour