رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير قوله تعالى: (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ...) ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ [آل عمران:177]، أي: اشتروا الكفر: أخذوه وأعطوا الثمن وهو الإيمان، فهؤلاء ارتدوا بعد إيمانهم، كالذين هربوا من المدينة والتحقوا بالكافرين. إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ [آل عمران:177]، أي: أعطوا الإيمان وأخذوا الكفر، وهذا بيع وشراء ويفهمه العرب أكثر من غيرهم، كالذي أعطاه الدار وأخذ الدينار، يعني: باعوا إيمانهم بالكفر، واشتروا الكفر بالإيمان والمعنى واحد، وهؤلاء يتواجدون في كل زمان ومكان، فكم وكم ممن ينتسبون إلى الإسلام والإيمان وهم يخرجون أفراداً وجماعات! لا صلاة ولا صيام ولا ذكر الله، فهؤلاء يقول تعالى عنهم: لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا [آل عمران:177]، فلن يؤلمون الله بكونهم ارتدوا بعد إيمانهم، أو فسقوا بعد طاعتهم، أو فجروا بعد استقامتهم.وأخيراً: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:177] الأليم: المؤلم شديد الألم، والألم أيضاً يشعر به صاحبه ولا يطيقه ولا يقوى حتى على أن يصفه من شدته! وقوله تعالى: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:176]؛ لأنهم سارعوا إلى الكفر وعجلوا، فعذابهم عظيم ما يقادر قدره، وهؤلاء اشتروا الكفر بعد أن عرفوا الإيمان ودخلوا فيه، ثم وارتدوا، فعذابهم أليم شديد. تفسير قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ...) قال الله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:178] سواء اليوم أو غداً أو إلى يوم القيامة، وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:178] أي: كفروا بالله ولقائه، بالله ورسوله، بالله وكتابه، بالله وشرعه، بالله وصفاته، بالله وحقوقه الواجبة على عبيده، فهؤلاء: لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ [آل عمران:178] ونرخي الزمام، ونطيل العمر، ونوسع العيش، فإذا هم في عيش رغد وحياة سعيدة ينبغي ألا يحسبوا ولا يظنوا أنما هذا الإملاء خير لأنفسهم، فهذا ليس بخير لهم مطلقاً، بل هو شر لهم، وهؤلاء أيضاً علم الله في كتاب المقادير أنهم لا يتوبون ولا يرجعون، فزادهم في الرخاء والنعمة وطول العمر. قال تعالى: لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ [آل عمران:178]، أملى يملي: إذا أرخى الزمام وزاد في الأجل والعمر، إنما نملي لهم؛ لحكمة وهي: لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران:178]، والإثم: هو المهلك والموبق في أتون الجحيم. أملي لهم من أجل أن يزدادوا إثماً.قال تعالى: وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران:178]، مهين: أشد من الأليم والعظيم، فتكسر أنوفهم ويذلون. أثر ابن مسعود: (ما من أحد بر ولا فاجر إلا والموت خير له) وهنا لطيفة قال: شاهده قول ابن مسعود رضي الله عنه - وهو عبد الله بن مسعود الهذلي ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلاه رقيقتان، ضعيف البنية، ولكن يزن الدنيا وما فيها، فوالله! لو وضع في كفة ميزان، ووضعت الصين واليابان وأمريكا والمشركون كلهم لرجحت كفة عبد الله بن مسعود ! يقول: (ما من أحد -صيغة العموم- بر ولا فاجر..) البر: صاحب الصالحات، المغموس في الخيرات، المسابق والمنافس في الصالحات.والفاجر: الخارج عن حدود الله عز وجل، يقال: تفجر الأنبوب إذا خرج الماء منه، فالطريق المستقيم الموصل إلى دار السلام الذي سألنا الله، بل علمنا الله أن ندعوه في كل ركعة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، الذي يصل بنا إلى الجنة، فالصراط المستقيم: هذا واجب افعله، وهذا حرام اتركه، ثم امش فيه فقط.فهذه كلمة طيبة قلها تملقاً إلى الله، وهذه كلمة خبيثة اتركها واهجرها تملقاً إلى الله كذلك، فأنت ما بين الأمر والنهي ماش، فإن فجرت -والعياذ بالله- وخرجت، فتركت الواجب وفعلت الحرام فهذا هو الفجور! إذاً: (ما من أحد بر وفاجر إلا والموت خير له)، هذه الصعبة! فمن الآن ما بقي حزن ولا كرب، فإذا جاء ملك الموت زغردنا!قال: إن كان براً -أي: بار-، فقد قال الله تعالى: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران:198] من هذه الدنيا وأوساخها وأموالها وكل ما فيها، فهذا إخبار من الله، وما عند الله من ذلك النعيم المقيم في جواره خير لكل بار، فمن هنا لا ينبغي الخوف من الموت.قال: وإن كان فاجراً، فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران:178] نرخي الزمام ونطيل العمر؛ لأجل أن يزدادوا إثماً فيعظم عذابهم وشقاؤهم الأبدي؛ لأنه لو أخذهم في أول مرة عذابه يكون أهون، فأهل الجنة يتفاوتون في نعيمها، وأهل النار يتفاوتون في عذابها وشقائها، فليسوا في مستوى واحد، وهاهو تعالى يعلل يقول: (إنما نملي لهم) في رغد العيش وطول العمر؛ ليزدادوا إثماً.فاستنبط من هذا البحر العلامة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ما من أحد -يعني: من الناس- براً أو فاجر إلا والموت خير له)، فمن هنا المسلمون لا يحزنون ولا يكربون أبداً ولا يخافون من الموت، فقد كان إذا نودي: الله أكبر! حي على الجهاد يفرحون ويستبشرون، فـأبو دجانة كان أشد فرحاً.وعلل فقال: (إن كان براً فالله يقول: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران:198]، وإن كان فاجراً، فالله يقول: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران:178]) لا يموت الآن أفضل؛ حتى يزيد قنطاراً من المعاصي والذنوب.فإذا طابت النفس وطهرت تاقت إلى الملكوت الأعلى، مع أن فتناً كقطع الليل المظلم زاحفة زحفاً! فقد سمعت خبراً أن مجموعة من اللصوص أوقفوا سيارة بها نسوة ومعهن سائق لا سلاح معه، فأوقفوهن وقالوا: اخلعن الحلي التي معكن وإلا الموت، فنزعن الحلي، وقال لهن اللصوص: قولوا للشرطة: هؤلاء سعوديون ما وجدوا عملاً بطالون، فهم يفعلون هذا. فهل هؤلاء مؤمنون دخل الإيمان في قلوبهم؟ وهل عرفوا الله عز وجل، وعرفوا رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وهل عرفوا أن رسول الله كان يشد الحجر على بطنه حتى يتماثل ويمشي من شدة الجوع! ولم يقل لأحد: جعت يا فلان؟! فالذي يفعل هذا الفعل ليس بمؤمن. فلا نلومهم؛ لأنهم ما عرفوا الطريق إلى الله، وما عرفوا الله عز وجل معرفة أثمرت لهم حبه ولا الخوف منه، فيجب علينا أن نعالج الموقف قبل أن يعظم، وندعوهم إلى بيوت الرب لنزكي أنفسهم، ولنعلمهم علماً يزيد في طاقة نورهم، فيعرفون الخير والشر والحق والباطل والفضيلة والرذيلة، أما تركهم كالبهائم فسيسطون علينا ويفعلون العجب.فكل الذي تشكوه أمة الإسلام في الشرق والغرب لمن الجهل، فإن كان ظلماً أو فسقاً أو فجوراً أو مكابرة أو شركاً أو باطلاً فمرده إلى الجهل؛ لقول الله تعالى في محكم كتابه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، أي: إنما يخاف الله من عباده العلماء.فمثلاً نقول: ابحث في قريتكم عن أعلمكم بالله تجده أتقاكم لله، أو ابحث في جماعتك، أو في موكبك، أو في مركز عملك، والله! ستجد أعلمكم بالله أتقاكم له، وأفجركم أجهلكم.فلهذا يجب أن يتعلم المؤمنون والمؤمنات، وطريق التعليم الذي سلكناه منذ خمسين سنة ما نفع؛ لأننا أفسدناه بكلمة الوظيفة، فيأخذ الرجل طفله للمدرسة ولا يقول له: تعلم لتعرف الله، وتعبده فيعزك ويرفعك. ولكن يقول له: تعلم لتكون كذا وكذا. فهل رأيتم رجلاً أخذ طفله للمدرسة، وقال: تعلم لتعرف الله، لتحبه، لتكون من أوليائه؟!وزادوا الطين بلة مع البنات أيضاً، فالبنت أيضاً يقال لها: تعلمي للمستقبل. فهذه فتاة اشتكاها أبوها؛ لأنها عند أمها المطلقة، فدعاني لأتوسط في الخير لتذهب البنت مع أبيها إلى الطائف وهي في المدينة، وفجأة تقول البنت: مستقبلي يا بابا! مستقبلي يا بابا! أي: كيف تمنعني وأنا في المرحلة المتوسطة؟ في طريقي إلى الوظيفة، تمنعني أنت من التعلم؟! قلت لها بإلهام من الله: هذه أمك تسمع -أمها معها- من أمك هذه إلى فاطمة الزهراء أو إلى عائشة أم المؤمنين والله ما توظفت امرأة! وعشن ومتن سعيدات، وأنتِ فقط: مستقبلي يا بابا! إذا ما تعلمت للوظيفة وتوظفت ضاع مستقبلك!!فالذي نفخ هذه الروح الشيطانية المنتنة العفنة هو الثالوث الأسود: اليهود والمجوس والنصارى، فحولوا التعليم إلى مادي بحت، فقلنا: هيا نترك هذا التعليم ونترك طالبيه فليطلبوه للدنيا المحضة، لا يقولوا: الآخرة، بل للدنيا، حولوه إلى مصانع ومزارع و.. و.. وماديات، وحسبنا أن يجتمع أهل الحي في مسجدهم، أهل القرية في قريتهم بنسائهم ورجالهم وأطفالهم من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، وذلك كل ليلة وطول العام، بل وطول العمر يتعلمون الكتاب والحكمة، فإنها لا تمضي سنة إلا وتغيرت طباعهم، وتبدلت نفسياتهم، وأصبحوا ربانيين، فكيف إذا استمر أهل القرية والمدينة على هذا النمط من تلقي الكتاب والحكمة؟ سيصبحون كلهم كالشيخ ابن باز ، فهل سيبقى من يكذب، ويسرق، ويفجر، ويغش ويخدع؟ والله ما يبقى! فلا طريق غير هذا ولا وجود له، إما أن نسلك هذا المسلك، وإلا سوف نستقبل المستقبل بالويلات والمحن والمصائب، فلا طريق أيضاً للنجاة إلا هذا، أن يعرف الناس ربهم معرفة يقينية، توجد لهم حبه تعالى، وما يكره تعالى فيتملقونه بحب ما يحب، وكره ما يكره، فتأتي الولاية وحينئذ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وكأن سائلاً يقول: من هم أولياؤك يا ربنا؟! فأجاب تعالى بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:64].حقق الإيمان وواصل التقوى وأنت ولي الله عز وجل، لا تخف إذا خاف الناس، ولا تحزن إذا حزن الناس، منفي عنك الخوف والحزن في الحياة الدنيا وفي البرزخ وفي يوم القيامة الدار الآخرة. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآيات قال المؤلف غفر الله لنا وله ولكم، ورحمنا جميعاً: [معنى الآيات: ما زال السياق في أحداث غزوة أحد، ففي هذه الآيات الثلاث وقد كشفت الأحداث عن أمور خطيرة، حيث ظهر النفاق مكشوفاً لا ستار عليه، وحصل من ذلك ألم شديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. يخاطب الله تعالى رسوله قائلاً له: لا يحزنك مسارعة هؤلاء المنافقين في الكفر، وقال: في الكفر، ولم يقل: إلى الكفر، إشارة إلى أنهم ما خرجوا منه حتى يعودوا إليه -هذه لطيفة لغوية-، وقال: في الكفر، ولم يقل: إلى الكفر إشارة إلى أنهم ما خرجوا منه؛ لأن إسلامهم كان نفاقاً فقط. إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا [آل عمران:176]، والله يريد ألا يجعل لهم نصيباً من نعيم الآخرة، فلذا تركهم في كفرهم، كلما خرجوا منه عادوا إليه، وحكم عليهم بالعذاب العظيم، فقال: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:176]، وهذا ما تضمنته الآية الأولى.أما الآية الثانية فقد تضمنت حكم الله تعالى على الذين يرتدون بعد إيمانهم فيبيعون الإيمان بالكفر ويشترون الضلالة بالهدى؛ حكم عليهم بأنهم لن يضروا الله شيئاً من الضرر ولهم عذاب أليم، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:177]، والعذاب الأليم هو عذاب النار، إذ لا آلم ولا أشد إيجاعاً منه أبداً.وأما الآية الثالثة فقد تضمنت بطلان حسبان الكافرين أن الله تعالى عندما يمهلهم ويمد في أعمارهم، ولن يعاجلهم بالعذاب أن ذلك خير لهم، لا! بل هو شر لهم، إذ كلما تأخروا يوماً اكتسبوا فيه إثماً، فبقدر ما تطول حياتهم يعظم ذنبهم وتكثر آثامهم، وحينئذ يوبقون ويهلكون هلاكاً لا نظير له، قال تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران:178]، أي: ذو إهانة؛ لأنهم كانوا ذوي كبرٍ وعلوٍ في الأرض وفسادا، فلذا ناسب أن يكون في عذابهم إهانات لهم]. هداية الآيات قال: [من هداية الآيات: أولاً: لا ينبغي للمؤمن أن يحزنه كفر كافر ولا فسق فاسق]، فلنربي أنفسنا على أن لا يحزننا كفر من يكفر، ولا فسق من يفسق لِم؟قال: [لأن ذلك لا يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الكافرين والفاسقين بعدله ورحمته].إذاً: ادع إلى الله، وإن أبى الناس إلا الفسق والكفر فشأنهم، لا تحزن أنت أبداً، فلن يضروا الله شيئاً، وهمك أنت مولاك جل جلاله.[ثانياً: لا ينبغي للعبد أن يغره إمهال الله له، وعليه أن يبادر بالتوبة من كل ذنب، إذ ليس هناك إهمال، وإنما هو إمهال].فيا من زال جاثماً على كثير من كبائر الذنوب عجل، ولا تغتر بهذا الإمهال، فإنه إمهال وليس إهمالاً: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران:178].[ثالثاً: الموت للعبد خير من الحياة..]، سبحان الله! قال ابن مسعود : (ما من أحد بر ولا فاجر إلا والموت خير له، إن كان براً فالله يقول: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران:198]، وإن كان فاجراً فالله يقول: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران:178]).إذاً: [الموت للعبد خير من الحياة براً كان أو فاجراًً؛ لأنه إذا كان صالحاً فالآخرة خير له من الدنيا قطعاً، وإن كان غير ذلك حتى لا يزداد إثماً فيوبق بكثرة ذنوبه ويهلك].هذا والله تعالى أسأل أن يجعلنا وإياكم ممن يحبون الدار الآخرة ويرغبون فيها، ويكرهون الدنيا ولا يحبونها. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (73) الحلقة (214) تفسير سورة آل عمران (76) إن الإيمان ليس كلمة مجردة يتلفظ بها الإنسان والله عز وجل من سنته في عباده أن يمحصهم بالأوامر والتكاليف والمصائب والحروب، حتى يتميز المؤمنون الصادقون عن المنافقين الكاذبين، ومن أبواب الاختبار والابتلاء التي يتعرض لها العباد ما يأمرهم الله عز وجل به من بذل المال من زكوات ونفقات وصدقات وغير ذلك، فالمؤمن الصادق يعلم أن المال مال الله وهو مستخلف فيه، فينفق المال طيبة به نفسه، وأما المنافق فيعتقد أن المال ماله فيبخل به ظناً منه أن الخير له في حفظ ماله، ولا يعلم أنه شر محظ يطوق به يوم القيامة جزاء وفاقاً. بدعة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب ربنا عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).الحمد لله على توفيقه وإفضاله وإنعامه. معاشر المؤمنين والمؤمنات! بين يدي الدرس، أسر إلي هذا الطالب اللبيب، وقال: إن الليلة ليلة المولد، فنريد كلمة قبل الدرس، فأجبته: بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.وبعد: فالليلة ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، وهي الثلاثاء، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين، والشهور تزيد وتنقص، فهيا نحتفل بذكرى الحبيب صلى الله عليه وسلم. فيا أبنائي! يا إخوة الإسلام! يا مؤمنات! فوالله الذي لا إله غيره ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً نحتفل به في ذكراه! فهل نكذب على رسول الله؟ ونبتكر ونخترع عبادات وألوان من الطاعات؟ أعوذ بالله أن نقع في هذه الورطة! فلو نصمت دهراً طويلاً هل يقوم من يقول: افعلوا كذا وكذا؟ آالله أمر به؟ هل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم علمنا ذلك وأرشدنا إليه، ورغبنا فيه وحبذه إلينا؛ فننهض به ولو ننفق ما في جيوبنا؟ الجواب: والله! الذي لا إله غيره ما ترك لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيئاً، ولا ترك أصحابه ولا أولادهم ولا أحفادهم، ولا أئمة الإسلام الأربعة، ولا من بعدهم، ولا عرفوا شيئاً اسمه احتفال بالمولد النبوي.فهل نكذب ونبتدع؟! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، فهل يجوز لنا أن نقول: من أجلك يا رسول الله ابتدعنا بدعة؟! وهل عندنا وجه نواجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام؟! ولو انفتح باب الابتداع؛ لأصبحت نسبة الدين السليم الصحيح (1%) فكل عالم وكل مفكر وكل غني وكل ذي رغبة يبتدع، فأين الإسلام حينئذ، وبم يعبد الله؟! بم تزكى النفوس وتطهر من أجل النجاة من النار؟ معاشر المستمعين والمستمعات! غداً المولد النبوي، فماذا نصنع؟ وكم شاة نذبح؟! أو نذبح الدجاج؟! وإذا ذبحنا فلمن نقدم هذا الطعام؟! وكم ركعة نصلي؟! ننشد قصائد ما هي؟ فما الذي نفعل؟! الجواب: والله ما عندنا شيء، ما علينا إلا أن نذكره صلى الله عليه وسلم في كل أوقاتنا. وعورة أخرى نزيح الستار عنها من باب التعليم..فالذكريات لا تكون إلا لأناس يموتون ولا يذكرون، ولهم فضائل ولهم كرامات، فلكي لا ينسوا من بين شعبهم أو أمتهم أو إخوانهم يقيمون له ذكرى سنوية! حتى يذكروه بخير، أما حبيبنا صلى الله عليه وسلم -نعوذ بالله أن ننساه سنة كاملة-، ونحن نسمع المؤذنون خمس مرات على المنارات: أشهد أن محمداً رسول الله، الإنس والجن والحيوان والكل يسمعون ويفهمون هذا.فلا نصلي ركعتين ولا العشرات من الركعات إلا ونسلم عليه وجهاً لوجه! بعدما نعظم الله بالتحيات اللائقة به، ونحن جالسون بين يديه تعالى نقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات، ثم نقول: السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، فهل ننسى هذا الذي نسلم عليه في كل يوم عشرات المرات؛ لتقام له ذكرى؟! آه! ماذا فعل بنا الثالوث.. فبدعة الاحتفال بالمولد النبوي عرفت في القرن الرابع، فقد مضت ثلاثة قرون ذهبية ليس فيها شيء اسمه مولد، ولما هبطنا حيث أبعدونا عن القرآن والسنة أوجدنا ذكرى المولد ائتساء بذكرى النصارى لعيسى عليه السلام، فهل نقتدي باليهود والنصارى أم نقتدي برسول الله؟! فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقم ذكرى لإبراهيم الخليل، ولا لإسماعيل، ولا لموسى الكليم، ولا لعيسى عليهم السلام. فما معنى ذكرى المولد؟! الجواب: إني أحمد الله على أن الله علمنا قبل أن نقع في هذه البدعة، وتركناها وابتعدنا عنها، فثلاثة أرباع الذين كانوا يساهمون في هذه البدعة قد انتهوا، وبقيت جماعات قليلة، نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم.فإن عدم الاحتفال بالمولد رسمياً أو غير رسمياً لن يضرنا في ديننا شيئاً، بل يرفعنا ويزيد في إيماننا -إن شاء الله-؛ لأننا تنزهنا عن البدع والضلالات.فما جعل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عيدين: عيد رمضان وعيد الأضحى، وعلمنا ماذا نقول، وماذا نفعل وكيف نصلي، ومن في نفسه شيء وما اطمأن يسأل أهل العلم، لكن لا يسأل الذين تعودوا على هذه البدعة، وأصبحوا يدعون إليها، ويحضون عليها! يسأل أهل العلم البصراء العارفين بالكتاب والسنة. تفسير قوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ...) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:179-180].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! اسمعوا هذا الخبر الإلهي، يقول تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ [آل عمران:179] ليس من شأنه لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ [آل عمران:179] أي: بدون امتحان، ولا اختبار ولا حرب ولا سلم ولا تكليف، ما كان من شأنه أن يفعل هذا حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179].فقد قرئ: (يميِّز) قراءة حمزة، ويمِيز، مازه يميزه إذا ميزه واشتهر به. فليس من شأن الله -وهو العليم الحكيم- أن يترك المؤمنين يدعون الإيمان على ما هم عليه بدون امتحان واختبار؛ يميِّز به الخبيث من الطيب والكافر من المنافق، والصالح من الطالح.وهذا كمسح دموع المؤمنين في غزوة أحد -وهي آخر أحداثها-، فذكر الله تعالى لهم السبب الذي من أجله أوجد هذه الحرب ودارت، وحدث الذي حدث؛ وذلك من أجل أن يميز الله الخبيث من الطيب، ففي الطريق رجع ثلاثمائة نفر، فلو ما كانت هذه الوقعة لما تميز المنافق من المؤمن، فالمنافقون يقولون: أنهم مؤمنون، ويتبجحون ويقولون: نحن أفضل منكم. فالذين انهزموا وهربوا شاردين، كيف يظهر ذلك فيهم لولا وجود هذه المعركة والهزيمة؟! حكمة إظهار المؤمن الصادق من الكاذب قال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ [آل عمران:179] أيها الأصحاب! حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179].وهذا عام، واقرءوا له: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2]، وهذا الحسبان باطل، فلو كان العبد ما يفتن في الإيمان ما اختبره الله عز وجل وابتلاه، ولا يملك هذا الاختبار والابتلاء إلا الجبار عز وجل.فهذا يبتليه بالفقر وفجأة يفقد كل شيء، ينظر: هل كان مؤمناً وبقي على إيمانه أم أصبح يسرق ويفجر؟! وهذا كان عزيزاً فيذله امتحاناً له، هل سيصبر ويرجع إلى الله ويثبت على قرع بابه أو ينتكس، وهذا الفقير يصب عليه المال، فينظر: هل سيصبح يشيش ويتبجح بالباطل أم سيأكل كما يأكل المؤمنون؟! وهكذا لا بد من الاختبار، وإلا كل سيقول: أنا مؤمن. الحكمة من استئثار الله عز وجل واختصاصه بعلم الغيب دون خلقه قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [آل عمران:179]، فالله عز وجل أوجد وقعة أحد قبل أن يوجد العالم بكل خيوطها ونسيجها، وعلم ذلك وكتبه، لكن لم يطلع عليه أحد؛ لأنه للامتحان والاختبار. فقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ [آل عمران:179] أي: ليس من شأنه جل جلاله أن يطلع أحداً من خلقه على الغيب، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:179] أي: يختار من يشاء ويخبره بالغيب ويطلعه عليه. فمن ادعى علم الغيب من غير الرسل فقد كفر، ووجب قتله بعد أن يستتاب ثلاثة أيام، فادعاء علم الغيب كفر بالله عز وجل؛ لأنه كذب الله عز وجل أبشع تكذيب.ولطيفة أخرى: إذا كان مولاك يخفي أموراً لصالح حياتك أيجوز لك أن تفتش عنها وتظهرها؟ فالله سبحانه وتعالى يخفي هذا لأجل أن تنتظم الحياة وتسير إلى نهايتها، وأنت تريد أن تطلع عليها؛ لتقف الحياة وما فيها؟! فلهذا كل من يدعي الغيب يلعن، ويدعى إلى المحكمة ويستتاب، فإن لم يتب يقتل ويموت على الكفر.والرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يطلعه الله على غيب فلن يعلمه؛ إذ قال: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188] وهذا رسول الله. قال له: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بهذه الحادثة لما كسرت رباعيته وشج وجهه، ولم يقتل عمه حمزة . قال: وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]، ومع هذا عاشت أمة الإسلام قرون، وادعاء علم الغيب عجب عجاب، فالعجوز العمياء تدعي الغيب وتأخذ المال، والجاهل المركب بجهله يربط بين عودين أو خشبتين ويدعي الغيب، فيأخذ بمسمار ويفعل كذا، فلا إله إلا الله! كأننا لسنا بالمسلمين. وما كان هذا إلا بمؤامرة الثالوث الأسود، وما يبرح يحتال حتى يسوي بيننا وبينه إلى جهنم، ثم يزغردون ويولولون، أما أن يبقى المسلمين مرتفعين وأملهم في دار السلام أقوى فلا يريدون؛ فلهذا ينشرون الخبث بوسائط عجيبة، ويعملون ليلاً ونهاراً على نشره. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
ثمن الجنة الإيمان والتقوى إذاً: قوله تعالى مخاطباً المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [آل عمران:179]، ولم يقل: ورسوله فقط؛ لأن الإيمان بالرسول فقط لا ينفع؛ ينفع الإيمان برسل الله عز وجل أجمعين، من لم يؤمن برسول فقط من مائة وأربعة وعشرين ألف نبي فليس بمؤمن، فقد كفر اليهود؛ لأنهم كذبوا بعيسى، وكفر النصارى؛ لأنهم كذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، مع أن اليهود آمنوا بكل الرسل إلا عيسى، والنصارى آمنوا بموسى وهارون وزكريا وعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [آل عمران:179] ثم قال تعالى: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا [آل عمران:179] فمجرد إيمان لا يكفي، وهذه آية تحقيق الولاية.فمن يريد أن يكون كـعبد القادر الجيلاني ؟! وكمولاي إدريس في المغرب؟! كـالعيدروس في حضرموت؟! لا نريد الولاية. إذاً: لا يوجد من هو طلق: ليس ولياً لله ولا ولياً للشيطان، فإما أن تكون ولياً لله أو أنت ولي للشيطان، فمن يقول: ما أنا بولي لله ولا للشيطان، فلا يعقل، إما أن توالي الله بالإيمان والتقوى، وإما أن توالي الشيطان بالكفر والطغيان والعصيان.لعل بعض -السامعين- ما زالوا يفهمون أن الولي ذاك الذي يظهر الله على يديه الكرامات، فإذا السماء صحو يرفع يديه: أمطري يا سماء! دقائق والأودية تسيل! وما زالوا أيضاً يفهمون أن الولي ذاك الذي يقول: العام الآتي ستلد امرأتك ولد وسمه باسمه! فهل أصحاب الكرامات هم الأولياء؟!فلا ولي ما زال حياً إلا إذا كان دجالاً يدعي الغيب ويكذب! أما ولياً بمعنى الكلمة لا يذكر إلا إذا كان ميتاً.وأكرر القول: فمن يذهب إلى كراتشي ويجيد لغة الكراتشيين، ويلتقي بأول من يلتقي به عنده نزوله من المطار يقول: أنا جئت من بلادنا لأزور ولياً من أولياء كراتشي، فوالله ما يأخذ بيده إلا إلى قبر، ولا يفهم أن كراتشي ذات المليون نسمة بينهم ولي في السوق ولا في المسجد!فمن قال: أولئك عجم، فهناك مثلاً في القاهرة، بلاد الأزهر والعلوم والمعارف، زر قرية من القرى، وقل: أنا قدمت إلى دياركم لأزور وأتبرك بولي من أولياء الله عندكم، فلن يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن القاهرة المعزية فيها ولي يبيع ويشتري! أو هو في السوق أو المسجد. وقل هذا حيث شئت، ولكن فقط الذين شهدوا هذه الدروس عرفوا، لو تلقى واحداً منهم والله ما يدلك على قبر. لطيفة: ما السر في أن أعداء الإسلام حصروا الولاية فقط في من مات؟ الجواب: السر أنهم فصلونا عن ولاية الله؛ ليزنوا بنسائنا وبناتنا؛ ليسلبوا ويسرقوا أموالنا؛ لينهشوا ويهتكوا أعراضنا؛ ليتكبروا علينا؛ ليحسدونا؛ ليشيع الظلم والخبث والشر بين المسلمين، وقد فعلوا ونجحوا.معشر المستمعين! فهذه بربرية، فالولي عندنا أيام الظلمة! والولي ما تستطيع أن تقول فيه كلمة، فلو تسب ولياً كفرت! من يستطيع أن يقول: سيدي عبد القادر كذا؟! تقديساً أكثر من تقديس الله! ينقلون المرضى إلى أضرحتهم، يعفرون وجوههم بترابهم، ويرحلون إليهم من المغرب إلى بغداد؛ لأجل زيارة الولي عبد القادر ، وينذرون لهم النذور، فهذه الشاة لسيدي عبد القادر ، تأليه كامل!! كيف تورطوا في هذه؟العدو الثالوث هو الذي حصر الولاية في من مات! والأحياء كلهم أعداء الله، افجر بنسائهم، كل أموالهم، سب اشتم -لعلي واهم- والله مجالس يجلسون يسبون ويشتمون ويعيرون: فلان وفلان، ما تركوا عالماً ولا حاكم ولا عبد صالح، موجة عارمة؛ لأنهم غير أولياء الله!فولي الله من يقوى على أن يمسه بسوء؟ والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، والحديث في صحيح البخاري، ( من آذى لي ولياً فقد آذنته ) أي: أعلنت الحرب عليه، عرف هذا أجدادنا وأسلافنا ولكن ما عرفوا من هو الولي؟الولي الذي قالوا: هذا ولي الله! وعبدوه، أما ولي في السوق يبيع ويشتري، في المزرعة يفلح ويزرع فليس هذا بولي!وقد قلت تقريراً لهذه الحقيقة: كنت جالساً مع شيوخ وأنا طفل صغير، تحدثوا. قالوا: فلان إذا زنى وعليه جنابة الزنا لا يمر بالشارع الفلاني حتى لا يمر بسيدي فلان! والله العظيم! يفجر بامرأة مؤمن، يفسد عرضه وحياته يلطخها، ولا يخاف الله عز وجل، ويخاف أن يمر بجنابته على ضريح وقبر سيدي فلان! فهذا هو الجهل المركب، وهذا هو الجهل الذي بذر بذرته الثالوث يوم أن صرفونا عن كتاب الله، وحولوه إلى المقابر.. صرفونا عن الحديث وحولوه إلى التبرك.. عمَّ الظلام وهبطت الأمة، واستعمرت واستغلت وتجاهلت ودخلت في البلاء وإلى الآن ترزح. وجوب العودة إلى الكتاب والسنة لمحاربة الجهل فما الحيلة إذاً لإنقاذ أمة الإسلام، فالجهاد كلمة باطلة مسمومة عبث، كيف تجاهد؟! بمن تجاهد؟! فهذا لا ينفع، فماذا نصنع؟الجواب: نسلم لربنا قلوبنا ووجوهنا. ما تستطيع. إذاً: كيف تجاهد؟! هيا نسلم قلوبنا ووجوهنا لله، كيف نسلم قلوبنا ووجوهنا؟! هل نعطي الله وجوهنا وقلوبنا؟! نعم، فقلبك لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ووجهك لا تقبل به على أحد، تسأل ولا تطلب ولا تأمل ولا ترجو إلا الله. والطريق سوف تموت هذه الدعوة، فلن ننساها ما دمنا نتكلم، وإني والله! لعلى علم، إن أراد المسلمون في أي مكان كانوا، سواء كانوا عرباً أو عجماً .. في الحضر أو في البدو.. إذا هم قالوا: هيا نسلم لله قلوبنا ووجوهنا، ثم إذا دقت الساعة السادسة مساء، عندما يقف العمل في العالم يتوضئون ويتطهرون، ويحملون أطفالهم ونساءهم إلى بيت ربهم، إلى المسجد الجامع الذي يتسع لكل أفراد الحي أو القرية، ولا يتخلف إلا مريض أو ممرض، أما الخوف قلا خوف، يحضرون حضورنا هذا، ويصلون المغرب، ثم يجلس لهم العالم بالله ومحابه ومساخطه، ليلة آية يتغنون بها ويحفظونها، ويفهمون مراد الله منها، ويعزمون على تطبيق ما أمروا به ودعوا إليه، ويعودون في قناعة وبنفوس مطمئنة هادئة، لا شرس ولا طمع ولا.. ولا.. قانعين يرددون تلك الآية، ويذكرون تلك الأحكام، وكلهم عزم على تطبيقها، ويرى الرجل امرأته تطبقها، وترى المرأة رجلها يطبقها.. وهكذا. غداً حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الكتاب والحكمة، وهكذا ليلة آية وأخرى حديث طول العام، فسيصبح أهل القرية علماء، وإذا علموا فلن يعصون الله، فهل رأيتم عالماً يفجر ويسرق ويكذب؟ فكل المنكر والباطل من الجهل والجهال، وحينئذ تصبح تلك البلاد كلها لله تعالى أولياء، وحينئذٍ إذا أرادوا أن يجاهدوا كلهم مستعدون، فهذا هو الطريق، ولو كان هناك طريق يأخذ بأمة الإسلام إلى أن تعود إلى قيادتها وسيادتها وطهارتها وكمالها فوالله! ما نجحده ولو تقطع رقابنا! ولكن لا وجود إلا هذا، فهذا امتحان كما جاء في الآية، (ليميِّز): هل نحن حقاً مسلمون أم لا؟ فكيف نعجز إذاً على أن نجتمع في بيت ربنا، ونبكي بين يديه طول العام؟ ومن قال: نعطل أعمالنا ونوقف متاجرنا ومقاهينا؟ قلنا له: هؤلاء الكفار إذا دقت الساعة السادسة في أوروبا أو في أمريكا أو في الصين يقف العمل، اقتدوا بالكفار! أو نحن ما نستطيع؟ لأن الشياطين لا تريد أن نسمو أو نرتفع أو نعلو، تريد أن نبقى مكبلين مقيدين. شرطي تحقيق الولاية قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:179]، فهذا الأجر العظيم لا يقدر قدره.أولاً: الطهر والصفاء والكمال والراحة والسعادة في الدنيا.وشيء آخر أعظم: جوار الله في الملكوت الأعلى، والخلد في دار السلام، وهذا الأجر العظيم، وهذا الجزاء مقابل إيمان وتقوى! أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63].فالذي لا يعرف محاب الله ولا مساخطه فلا يستطيع أن يتقي الله، ولا يعرف ما يحب الله من الاعتقاد والقول والعمل والصفة والذات لا يستطيع أيضاً أن يتقي الله، وكيف يتقيه وهو ما يعرف فيما يتقيه؟ فمستحيل أن يزني الزاني وهو يعرف الله رسوله ويعرف كيف يعبده. أدركنا رجل من أهل المدينة يبول في ثيابه في باب الرحمة، سيدي كامل، ويتمسحون به، هذا ولي الله، أعوذ بالله! الذي يبول على ثيابه ولا يصلي ولا يصوم فهل هذا ولي الله؟! ويدخن أيضاً ويعلمهم التدخين للبركة!فولاية الله تتحقق بشيئين اثنين لا ثالث لهما:أولهما: الإيمان الصحيح الذي إن عرضته على القرآن وقع عليه، أو أتيت عالماً بالقرآن قلت له: أعرض عليك إيماني هل صحيح أم لا؟ يقول: نعم، أنت المؤمن، لا دعوى: أنا مؤمن.ثانياً: التقوى، وهي خوف من الله يحملك على ألا تعصيه، لا بترك واجب ولا بفعل حرام، ولا يمكنك أن تعرف الواجبات وكيف تؤديها في أوقاتها وكمياتها وكيفياتها، وتعرف المحرمات وكيف تتقيها وأنت لا تعلم، فهذا مستحيل! فلهذا لن يكون جاهل ولياً لله مطلقاً.ما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علمه، وهذه كلمة سليمة، يعني: إذا أرادك ولياً يعلمك بجعلك تبحث وتسأل العلماء وتحفظ ما تسمع وتطبق ما تتعلم؛ حتى تبلغ درجة الولاية. أما جاهل لا يعرف كيف يتبول ولا يعرف كيف يتنزه من البول فهل هو ولي الله؟! فإلى العلم.. مشغولون ما عندنا.. فهذا الاعتذار باطل، فقط من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء في مسجد الحي، فالكل يسكنون في أحياء، يتفقوا أهل الحي على أن يجلسوا بنسائهم وأطفالهم في جامعهم كل ليلة، ويطلبوا ويبحثوا عن عالماً ويأتوا به ويتعلمون منه، فلا يكلف هذا الارتحال والسفر، ولا يكلف أيضاً القراءة والكتابة. تفسير قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله خيراً لهم ...) ثم قال تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمران:180] أي: من المال، وهذه الآية في الجهاد، والجهاد بالمال أولاً والنفس: وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [التوبة:41].قال تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] ما هي؟ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:11].فقوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ [آل عمران:180] أي: يظنن الَّذِينَ يَبْخَلُونَ [آل عمران:180] ويمنعون الحقوق الواجبة في أموالهم من الزكاة والنفقات والصدقات أن هذا البخل خَيْرًا لَهُمْ [آل عمران:180]، لا والله! بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران:180]، أخبر بهذا الله العليم الحكيم، بل هو شر لهم وليس بخير؛ لأن المال يورث الطغيان، فإذا ما سلكت مسلك الرشد معه أطغاك، فكثير من الأغنياء لا يزكون، فقد كانوا يزكون أيام ما كانوا فقراء، عندما كانت الزكاة مائة ريال أو ألف ريال، فلما أصبحت زكاتهم مليوناً بخلوا ولم يزكوا. البخل بالمال شر ووبال على صاحبه قال تعالى: بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران:180] انظر. فقال: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180] والطوق يضع في العنق وهنا الطوق من جهنم، فالأموال تجمع وتلصق في العنق طوقاً، وأعظم من هذا ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه -يعني: شدقيه-، ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، أنا مالك، أنا كنزك، وقرأ صلى الله عليه وسلم: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران:180] ). وآية التوبة: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34] متى؟ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التوبة:35] ويقولون لهم: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35].فلهذا القرية أو المدينة التي صلحت ما بقي فيها من يمنع الزكاة ويمنع الصدقة، لكن قبل الإسلام، وقبل ما القلب والوجه لله، وقبل الولاية والعلم لا يستطيعون، وما يقدرون، فسبحان الله العظيم! وأخيراً يقول تعالى: وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:180] فلما لم تنفق يا عبد الله! هل هذا المال سيبقى لك إلى يوم القيامة؟! سيرثك الله، فالله يورث امرأتك وابنك، ويرث الكل.إذاً: فمن الخير ألا تمنع ما أوجب عليك، أده وأنت مرتاح النفس، وكانوا يجاهدون بالمال، والآن -الحمد لله- المال لا تحتاج إليه الحكومة، لكن لو شاء الله وقالوا: نريد أن نغزو العدو الفلاني! فهنا يمتحن المؤمنون بالمال. فهذا يخرج بنصف ماله، وهذا بربعه، وهذا يقول: ما عندنا، وهذه محنة لا بد منها؛ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ [الأنفال:37].قال تعالى: وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180] أي: بأمورنا الظاهرة والباطنة كلها بين يدي الله، فهو خالقها وكاتبها في كتاب المقادير! وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (75) الحلقة (216) تفسير سورة آل عمران (78) تاريخ يهود في إنكار الحق وبث الشبهات لا يخفى على ذي عقل، ومن ذلك أنهم زعموا أن الله فقير ومحتاج إلى عباده، وذلك أنه دعاهم إلى إقراضه سبحانه ووعدهم بمضاعفة أجرهم أضعافاً كثيرة، ومن ذلك أيضاً أنهم ادعوا كذباً وزوراً أن الله عهد إليهم في كتبهم السابقة ألا يؤمنوا لنبي حتى يأتي بقربان من صدقة فتنزل عليه نار من السماء فتحرقه، وقد أنزل الله في كتابه خبرهم وكذبهم وبين حالهم في تكذيبهم للرسل من قبل وقتلهم إياهم ظلماً وعتواً. تفسير قوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا، ولا ولي لنا سواك.ما زلنا مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الأربع المباركات، نتلوها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:181-184].فهيا نتغنى بهذه الآيات متأملين متفكرين باحثين عن مدلولاتها ومعانيها؛ علنا أن نظفر بنور إلهي يغمر قلوبنا، وينور طريقنا، فلا ظلمة ولا خبث ولا شر ولا إثم. سبب نزول قوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ...) قال تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، أوحى الله جل جلاله هذا الكلام إلى رسوله النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الخبر لابد له من سبب اقتضى نزول هذا الخبر؛ فقد كان في المدينة (مدراس)، وبلغتنا العربية (مدرسة)، وبلغة اليهود (المدراس) يجتمعون فيه ويتعلمون الكتاب والحكمة التي عندهم، فذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليدعو معلمهم ومربيهم فنحاص إلى الإسلام، فبإسلام المدرس يسلم التلاميذ وينقادوا، ولما دعاه أبو بكر الصديق إلى الإسلام رفض ولم يقبل، وتعلل واحتج بما جاء في الآيات، ولما قال: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] بمعنى: كيف يستقرضنا ويطلب المال، ونحن أغنياء وهو فقير؟! فـأبو بكر الصديق لم يتمالك نفسه حتى ضربه على وجهه ضربة شديدة، وذلك جزاؤه.وهنا ذكرت مرات فقلت: إذا كان الشخص مناوئاً ضد دعوة الحق وتنصر بمثل هذه الكلمة فلو كنا كـأبي بكر لا نتمالك فنضربه على خده حتى لا يعود لمثل هذا، ولكن لضعفنا يسب الرسول ويقال فيه كذا وكذا، ونحن لا نحرك ساكناً ولا نشتكي، فهذه القضية لا تحتاج إلى أن ترفع دعوى إلى محكمة.فلما قال هذا اليهودي كلمة خبث ووصف الله عز وجل بالفقر، ما كان من أبي بكر الصديق إلا أن ضربه على وجهه، فذهب اليهودي يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أقول: يبلغني أنه يوجد من غير أهل السنة والجماعة من يطعن في عائشة أو يسب أبا بكر ، فأقول: أنه وبمجرد ما يقول كلمة الكفر هذه اصفعه على خده حتى يتأدب، ولا أقول: اضربه بعصا أو اقتله -لا تنقلوا عني غير هذا-، ولكن كما فعل أبو بكر فقط، ما دام فاه بكلمة باطلة خبيثة أعطه صفعة حتى لا يعود ويقولها، وإلا فسوف يتجرأ ويسبهما في كل مناسبة. فقط تأديباً له حتى يحترم موقف أهل السنة كذلك، ولا يقول الباطل بينهم، وتأتي تشتكي إلي ماذا نفعل وماذا نقول؟ ولما اشتكى اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبا بكر فعلت؟ قال: نعم. فقبل أن يأتي بالجواب حتى نزلت هذه الآية الكريمة: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]؛ لأن اليهودي أنكر وقال: ما قلت: نحن أغنياء والله فقير، فكذبه الله وقال: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا [آل عمران:181]، ويسجل ويجزون به ساعة الجزاء. سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا [آل عمران:181] هذا أولاً، وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ [آل عمران:181] عند صب العذاب عليهم: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181]، والحريق: النار الملتهبة لا الجمر. وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران:181-182] أي: هذا الجزاء بعذاب الحريق مقابل ما قدمته أيديكم من الكذب والباطل والإثم، وقتل الأنبياء، والكفر والخروج عن طاعة الله ورسوله. تفسير قوله تعالى: (الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ... ) جاء فنحاص وعلماء كثيرون، وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: نحن لا نستطيع أن نؤمن بك، ونتابعك على دينك؛ حتى تأتينا بقربان تأكله النار. والقربان: هو ما يتقرب به إلى الله؛ سواء نعجة وإلا بقرة تذبح وتوضع هناك وتأتي نار بيضاء من السماء فتأكلها أو ثياب أو أي شيء مما يتقرب به إلى الله عز وجل. وهذا كان في بني إسرائيل، فـيوشع بن نون لما خرج موسى ببني إسرائيل من أرض سيناء ورفضوا القتال وجبنوا وعاقبهم الله بأربعين سنة تيهان في صحراء سيناء، فلما انتهت وتوفي موسى وقبض هارون قادهم يوشع بن نون فتى موسى ونبأه الله عز وجل، وطالبوه بالآية فلما غزا وانتصر على العمالقة جمعوا الغنائم كلها وأتت نار من السماء فأحرقتها. إذاً فقال اليهود: لن نؤمن حتى تأتينا بقربان تأكله النار، قال الله لرسوله: قل لهم: قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ [آل عمران:183] أي: المعجزات وَبِالَّذِي قُلْتُمْ [آل عمران:183] وطالبتم به من القربان تأكله النار، فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ [آل عمران:183]؟ فقد قتلوا يحيى وولده زكريا عليهما السلام، وقتلوا عيسى عليه السلام، وإن لم يقتلوه واقعاً قتلوه حكماً؛ لأن عيسى عليه السلام لما بلغه المؤامرة دخل إلى بيته وأغلق بابه، وإذا بمدير الشرطة برجاله يقرعون باب بيته فأبى الخروج، فدخل مدير الشرطة أولاً فألقى الله الشبه عليه، ورفع عيسى من روزنة البيت، فما كان منهم إلا أن ألقوا الحديد في يديه ورجليه وجروه على أنه عيسى بن مريم، وصلبوه في اليوم التالي، فهم يعتبرون قتلوه قضاء وشرعاً. لكن الله عز وجل رفع عيسى إليه في دار السلام، وسينزل عما قريب بالمنارة البيضاء بمسجد دمشق.والشاهد: قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ [آل عمران:183]، وطالبتم به وهو القربان تأكله النار، فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:183] بدعواكم؟ تفسير قوله تعالى: (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك ....) ثم قال لرسوله معزياً مسلياً: فَإِنْ كَذَّبُوكَ [آل عمران:184] يا رسولنا فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ [آل عمران:184] فليس واحد ولا عشرة ولا مائة، مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:184]. إذاً فلا تكرب ولا تحزن واصبر، وائتسي بمن قبلك. ملخص لما جاء في تفسير الآيات نعيد تلاوة الآيات:قال تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، أي: قال: إن الله فقير ونحن أغنياء هو فنحاص المعلم في المدراس، فقال تعالى: سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا [آل عمران:181] أي: سيدون ويسجل؛ ليجزوا به، ونكتب قتلهم الأنبياء، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا في بعض الأحيان يقتلون سبعين نبياً، وفي المساء أسواقهم عامرة كأسواقنا الليلة بالمدينة، وكأن شيئاً ما وقع بعدما قتلوا سبعين نبياً؛ لأن عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرين ألف وأكثرهم من بني إسرائيل. قال تعالى: وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:181] وهل هناك حق يقتل به النبي؟ نعم. لكن حاشاهم أن يزنوا فيقتلوا، أو يقتلوا ظلماً وعدواناً فيقتلوا من غير حق، لكن تشديد وإكثار من التشنيع عليهم. قال تعالى: وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181] أي: يقال لهم هذا عند دخولهم النار وهم فيها، فهذا العذاب الروحي أشد من العذاب البدني، ويقول لهم هذا الكلام ملائكة الله الزبانية بأمر من الله عز وجل، وينسب القول إليه عز وجل. قال تعالى: ذَلِكَ [آل عمران:182] أي: العذاب والهون والدون بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران:182] أي: بما قدمت أيديهم في الدنيا حين كانوا يأكلون الربا ويفجرون ويقتلون الأنبياء والعلماء. قال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182]، حاشاه أن يظلم عبيده، فهو غني عنهم، فكيف يظلمهم؟! لطيفة: لا يتصور الظلم إلا من ضعيف، أما القوي القادر الغني لا يظلم. الظلم.. أن تجور وتظلم أخاك وتخطف قرص العيش من يده، فمثلاً: ما تجد أين تسكن تحتال وتطرد صاحب المسكن لتسكن.. أنت محتاج إلى وظيفة فتحتال وتغش وتبعد فلان عن وظيفته لتحتلها.. تريد أن تملك تقوم بثورة حتى تملك.فالظلم لا يتصور إلا من ضعيف، قوي.. غني لا يظلم. والله عز وجل بيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، وهو خالق كل شيء، فكيف يتصور منه الظلم؟! فلهذا نفى تعالى الظلم عنه في عشرات الآيات، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46] أي: عبيده هو جل جلاله وعظم سلطانه. قال تعالى: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا [آل عمران:183] أي: في التوراة، أو في الإنجيل، أو على ألسنة الأنبياء وهم كاذبون: أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ [آل عمران:183]، ومن الجائز أن يكون هذا في كتبهم، فإذا ادعى أحد منهم النبوة يقولون: هات قربان نتقرب به إلى الله، ونرى السماء تنزل وتختطفه، أي: تنزل من السماء نار تحرق هذا القربان. وهكذا حكى الله تعالى قولهم لرسوله ولنا. الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ [آل عمران:183]، أي: فإن كنت أنت رسول الله كما تدعي وتقول وتطالبنا بالإيمان بك: ائتنا بقربان تأكله النار، وبذلك نؤمن، فوالله! لو أتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقربان وشاهدوا النار ما آمنوا به، فهم يريدون أن يسودوا العالم ويتطلعون إلى مملكة بني إسرائيل؛ لأن ما جاء به الرسول من الهدى والبينات أفضل مليون مرة من قربان تأكله النار، فلو شاهدوا القربان لقالوا: ما رأينا؛ لأنهم غير عازمين على الإيمان، عرفوا أنه رسول الله، وأن هذا دين الله، ولكن قالوا: إذا آمنا نذوب في الإسلام وتنعدم شخصيتنا ووجودنا! ومن شك في هذا.. كيف أذلوا ألف مليون مسلم وأقاموا دولة إسرائيل؟! فلو كانوا فقط يريدون الأكل والشرب أو اللباس أو المال، والله! ما يفعلون هذا، فهو متوفر لهم بالخديعة والكذب، لكن يريدون مملكة تسود العالم.. كلمة (من النيل إلى الفرات) مقدمة فقط، والآن مشوا خطوات وكادوا يملكون العالم، هم الآن يديرون دفة العالم. فهم الذين وضعوا الشيوعية، وهم الذين نسجوا خيوطها، وهم الذين أبطلوا الشيوعية، بلغوا مأربهم وانتهوا إلى حاجتهم وهي أن حولوا ثلاثة أرباع الصليبين المتعصبين إلى بلاشفة وملاحدة علمانيين لا يؤمنون بالله ولا بلقائه، وهؤلاء ما يخافونهم ويعدونهم كالبهائم يركبونها.فثلاثة أرباع النصارى الذين كانوا أرقاء القلوب تذرف عيونهم الدموع إذا ذكر الله يتصدقون، فإذا نظر أحدهم إلى اليهود يستغفر الله، فحالهم يقول: لا يجوز أن تفتح عينيك في يهودي، فهو قاتل إلهك وكيف ترضى عنه؟واستطاعوا بهذا السحر أن حولوا النصارى إلى رجال لهم، وأعوان يعملون معهم بعدما مسحوا قلوبهم من شيء اسمه: الله، والإيمان بلقاء الله. فما المخرج أن نسلم، فإذا أسلم العرب والمسلمون رحل بنو عمنا.. فهل نحن الآن غير مسلمين؟ إيه نعم، فالإسلام الحقيقي لا وجود له بالصورة العامة في العالم الإسلامي، فلو أسلمنا لقلنا: بايعناك يا إمام الحرمين والمسلمين، وأصبحت دولتنا واحدة في أربعة وعشرين ساعة، وتسلمنا الدستور الإسلامي وطبقناه من أقصى الشرق إلى أدناه. ماذا يكلفنا؟ يكلفنا فقط أن نؤمن بالله ولقائه، لا وطنية ولا قبلية ولا مال ولا دينار ولا درهم، آمنا بالله وأسلمنا قلوبنا ووجوهنا له، حينها نقول: نحن مسلمون. وعندنا برهنة وهذه البرهنة: أخبرنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، فقال في صحيح مسلم وغيره: ( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم )، بينا وجه التسلط.. فلو أسلمنا في أربعة وعشرين ساعة سيوجد الله تعالى مؤامرة يهودية لأمريكا، فرجالها سيكتشفون أن اليهود أرادوا أن ينسفوا أمريكا كلها ويحولوها إلى مقبرة، إذاً ستثور أمريكا وتقول: اليهود، من وجد يهودي احرقه بالنار. وتقول للعرب والمسلمين: عليكم بهم، وهذا هو معنى التسليط، فقد حصل نظيره على عهد هتلر النازي الألماني فقد اكتشف مؤامرة يهودية ضد ألمانيا، فسلطه الله عليهم وقتل منهم حوالي ثلاثين ألفاً وأذلهم شر ذلة. يقول صلى الله عليه وسلم: ( ثم لتسلطن عليهم، فتقتلوهم حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله إلا شجر الغرقد، فإنه شجر اليهود ). يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
لطيفة لطيفة: هي (يا مسلم) أينطق الله الشجر والحجر ليقولوا الكذب؟! فحاشا لله أن يكذب الشجر والحجر. فمن هنا نقول: انهزم العرب بين حفنة اليهود في حرب ذات مرة؛ لأنهم ليسوا بأولياء الله، فلو انتصروا بالعربية والقومية لانمسح الإسلام من ديارهم نهائياً، ولكن الله يأبى إلا أن يبقى الإسلام نور الله ليُدخل في رحمته من يشاء، فكل عام يموت آلاف من المسلمين والمسلمات الربانيين والربانيات، لكن لو انتصر العرب بكفرهم وعنادهم وقوميتهم ما أصبح من يقول: مسلم حتى يذل ويهان. فالله سبحانه وتعالى هو الذي حفظ لنا الإسلام، فلهذا يقول الشجر: يا مسلم! ولن يقولها إلا مسلم حقيقي أسلم قلبه لله، فلا يتقلب إلا في طلب رضا الله، وأسلم وجهه فلا يرى إلا الله عز وجل. قال تعالى: قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:183]، الاستفهام هنا للإهانة والذل والمسكنة؛ لقوله تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [آل عمران:184] أي: اصبر يا رسولنا وتحمل كما تحمل من سبقك من الأنبياء والمرسلين. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ معاني الكلمات: عذاب الحريق هو عذاب النار المحرقة تحرق أجسادهم، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران:182] أي: ذلك العذاب بسبب ما قدمته أيديكم من الجرائم. عَهِدَ إِلَيْنَا [آل عمران:183]، أي: أمرنا ووصانا في كتابنا التوراة. أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ [آل عمران:183] أي: لا نتابعه على ما جاء به ولا نصدقه في نبوته.حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ [آل عمران:183]، القربان ما يتقرب به إلى الله من حيوان وغيره يوضع في مكان، فتنزل عليه نار بيضاء من السماء فتحرقه. بِالْبَيِّنَاتِ [آل عمران:183] أي: الآيات والمعجزات. وَبِالَّذِي قُلْتُمْ [آل عمران:183] أي: من القربان. فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ [آل عمران:183] الاستفهام للتوبيخ وممن قتلوا من الأنبياء زكريا ويحيى عليهما السلام. وَالزُّبُرِ [آل عمران:184] جمع زبور وهو الكتاب المزبور] زبر إذا كتب [ كصحف إبراهيم ]. [ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:184] الواضح البين كالتوراة والزبور والإنجيل]. معاني الآيات قال: [معنى الآيات: لما نزل قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [البقرة:245] ودخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس واليهود به وهم يستمعون لأكبر علمائهم، وأجل أحبارهم فنحاص فدعاه أبو بكر إلى الإسلام، فقال فنحاص : إن رباً يستقرض نحن أغنى منه ] أي: نحن أغنى منه، فكيف نؤمن به؟! قال: [أينهانا صاحبك عن الربا ويقبله؟] أينهانا صاحبك محمد عن الربا ويقبله في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]. [فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب اليهودي فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا أبا بكر فسأل الرسول أبا بكر قائلاً: ( وما حملك على ما صنعت؟ فقال: إنه قال: إن الله فقير ونحن أغنياء )، فأنكر اليهودي قال: ما قلت، فأنزل الله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:181] أي: نكتبه أيضاً وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181] وقولنا ذلك بسبب ما قدمته أيديكم من الشر والفساد وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182]، فلم يكن جزاؤكم مجافياً للعدل ولا مباعداً له أبداً لتنزه الرب تبارك وتعالى عن الظلم لعباده]. قال: [ هذا ما تضمنته الآية الأولى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181].والآية الثانية: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182]. الآية الثالثة وهي قوله تعالى: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا [آل عمران:183] -بماذا؟- أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:183]، فقد تضمنت دعوى يهودية كاذبة باطلة لا صحة لها البتة والرد عليها، فالدعوى هي قولهم: إن الله قد أمرنا موصياً لنا أن لا نؤمن لرسول فنصدقه ونتابعه على ما جاء به؛ حتى يأتينا بقربان تأكله النار]. الذي قلته في يوشع بن نون كان مما فرض الله على بني إسرائيل أن الغنائم لا يقتسمونها كما نقتسمها نحن، أحلت لنا الغنائم، ولم تحل لنبي قبل نبينا وأمته، فقد كانوا يجمعون الغنائم أكوام من الثياب أو من الفضة فتأتي نار من السماء فتحرقها.أما كونهم عهد الله إليهم في التوراة وفي غيره أن لا يؤمنوا لرسول حتى يأتي بقربان تأكله النار، فهي كذبة من كذبهم ولا كان هذا. قال: [ والرد عليها فالدعوى هي قولهم: أن الله قد أمرنا موصياً لنا أن لا نؤمن لرسول فنصدقه ونتابعه على ما جاء به؛ حتى يأتينا بقربان تأكله النار، يريدون صدقة من حيوان أو غيره توضع أمامهم فتنزل عليها نار من السماء فتحرقها فذلك آية نبوته، وأنت يا محمد ما أتيتنا بذلك فلا نؤمن بك ولا نتابعك على دينك، وأما الرد فهو قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل يا رسولنا: قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ [آل عمران:183]، وهي المعجزات وَبِالَّذِي قُلْتُمْ [آل عمران:183] وهو قربان تأكله النار فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ [آل عمران:183] إذ قتلوا زكريا ويحيى وحاولوا قتل عيسى إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:183] بدعواكم؟ وأما الآية الرابعة فإنها تحمل العزاء لرسولنا صلى الله عليه وسلم إذ يقول له ربه تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ [آل عمران:184] فلم يؤمنوا بك فلا تحزن ولا تأسى؛ لأنك لست وحدك الذي كذبت، فقد كذبت رسل كثر كرام جاءا أقوامهم بالبينات أي بالمعجزات وبالزبر والكتاب المنير كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم، وكذبتهم أممهم كما كذبك هؤلاء اليهود والمشركين معهم فاصبر ولا تحزن ]. ولهذا صبر صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرين سنة، فقد قال: ( لا تفضلوني على يونس ) ويونس ذو النون كم صبر كم عام..؟ تركهم وخرج من بلادهم ما استطاع وعوتب ورد إليهم، فنبينا صلى الله عليه وسلم صبر ثلاثة وعشرين سنة وهو يعاني ويكابد، لكن الله معه يصبره ويسليه ويحمله على ذلك. الآن عرفنا معنى الآيات: قال تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، قالها فنحاص لـأبي بكر ، قال: ما نؤمن برب يحتاج إلينا وهو فقير ونحن أغنياء؛ نظراً إلى قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [البقرة:245] لأن الرسول كان يعلن عن جمع المال للجهاد وهم أشحاء وبخلاء ما يريدون، قالوا: ربنا فقير ونحن أغنياء، كيف نؤمن به؟ قال تعالى: وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ [آل عمران:181-183] والله كذبة كذبوها تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:183-184] . هداية الآيات قال: [ من هداية الآيات: أولاً: كفر اليهود وسوء أدبهم مع الله تعالى ومع أنبيائهم ومع الناس أجمعين] الآية في قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] قررت أن اليهود كفار وأن أدبهم أسوأ أدب؛ لأنهم ما تأدبوا مع الله وقالوا: فقير ونحن أغنياء، وما تأدبوا مع الأنبياء فقاتلوهم، وقالوا فيهم ما قالوا، هذا باقٍ إلى يوم القيامة إلا من أسلم منهم نجا. [ثانياً: تقرير جريمة قتل اليهود للأنبياء وهي من أبشع الجرائم] وإن قيل: هؤلاء ما قتلوا على عهد الرسول، فلم يكن هنا نبي غيره.الجواب: كما علمتم، قتل أسلافهم وأجدادهم وآباؤهم ورضوا بذلك ولازموا طريقهم وما زالوا يدافعون عنها، فكلهم قتلة في قضاء الله وحكمه. في نهر الخير روى القرطبي عن الكلبي أن قوله تعالى: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ [آل عمران:183] نزلت رداً على كعب بن الأشرف ومالك بن الصيد ووهب بن يهوذا وفنحاص بن عزريا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتزعم أن الله أرسلك إلينا وأنه أنزل علينا كتاباً عهد إلينا فيه: أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله؛ حتى يأتينا بقربان تأكله النار؛ فإن جئتنا به صدقناك، فأنزل الله تعالى هذه الآية كما تقدم. قال: [ثالثاً: بيان كذب اليهود في دعواهم أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا برسول حتى يأتيهم بقربان تأكله النار] إلا ما كان من الغنائم لما يجاهدون مع أنبيائهم ويغنمون فتأتي نار من السماء وتحرقها؛ لأنهم لو كانوا يستفيدون من الغنائم لقاتلوا كلهم لغير الله. لكن لما علم الله إيمان هذه الأمة وسلامة قلوبها وطهارة نياتها أذن لهم أن يغتنموا ويقتسموا الغنيمة؛ لقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41] وأرباع أخماس للمجاهدين صاحب الفرس له حظان، والماشي على رجليه له حظ واحد، والرسول أخبر قال: ( أعطيت خمساً لم يعطها نبي قبلي -منها-: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) فأيما مؤمن أدركته الصلاة وجد المسجد والماء عنده، والتراب يتيمم ويصلي. قال: ( وأتيت الشفاعة العظمى يوم القيامة ) . قال: والخامسة: كان النبي يبعث إلى قومه.. ( وبعثت إلى الناس كافة ) إيه والله! فالحمد لله. قال: [ ثالثاً: بيان كذب اليهود في دعواهم أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا بالرسول حتى يأتيهم بقربان تأكله النار. رابعاً: تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات أمام ترهات اليهود وأباطيلهم ]. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (76) الحلقة (217) تفسير سورة آل عمران (79) جاء في هذه الآيات تسلية الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتعزيتهم بأن هذه الحياة بكل ما فيها من سرور وحزن، أو فرح أو ترح، أو نصر أو هزيمة؛ إنما هي متاع الغرور، وأن العبد المؤمن فيها لابد وأن يبتلى في نفسه وماله، ولابد أن يتعرض للأذى من أعداء الله ورسله، ثم بعد ذلك الكل ميتون، وإلى ربهم يوم القيامة منقلبون، فيوفي سبحانه وتعالى المؤمنين أجرهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم. تفسير قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، ومع هاتين الآيتين الكريمتين، وهذه تلاوتهما فتأملوا يفتح الله علي وعليكم.يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:185-186]. دلالة قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) على حتمية الموت معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا حكم الله الصادر علينا: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، أي: تذوق مرارته وآلامه، فإن النفس عند مفارقة الجسد لا تتصور كيف حال هذا المريض، وحسبك أن تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن يموت بعرق جبينه )، فإذا كان بين يديك أخوك أو أمك أو قريبك، وهو يعاني من سكرات الموت، ورأيت جبينه يتفصد بالعرق، فلقنه: لا إله إلا الله، ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ). كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، فهل هناك من عقّب على هذا الحكم، وأوقفه ولو في شخص واحد؟ طأطأت البشرية رأسها، وعرفت هذه الحقيقة التي أخبر بها الله عز وجل وطبقها ونزلها.حاول البلاشفة الحمر الملاحدة الشيوعيون طيلة ثمانية عشر عاماً وهم يبحثون عن كيفية الخلاص من الموت، وبعد ذلك فشلوا فشلاً ذريعاً، وأوقفوا مصانعهم وآلاتهم وأدواتهم التي كانوا يعملون بها على إيجاد الروح.وأخيراً قالوا: هذه الروح جاءت من الملكوت الأعلى، فلا مجال إلى إيجادها هنا. دلالة قوله تعالى: (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) على أن الدنيا دار عمل لا دار جزاء قال تعالى: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185].. وهذه الآيات تحمل العزاء والتسلية والتكبير والتثبيت لجماعة المؤمنين، وعلى رأسهم سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن السياق ما زال مرتبط بأحداث واقعة أحد. وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، فهنا حقيقة -تأملوها وحدثوا بها- وهي: أن العبد مهما عمل في حياته فلن يتلقى جزاء كسبه فيها، سواء كان عمله صالحاً أو فاسداً، أو خيراً أو شراً، فالجزاء ليس في الحياة الدنيا، فهذه الدار -أي: الدنيا- كل ما يلقى فيها العبد لا يكفي أن يكون جزاء عمله، فكم من عبد صالح عاش عشرات السنين وهو فقير؛ فإن وجد الطعام ما وجد السيارة، وكم من فاسق فاجر يرفل في ثياب الحرير، وكم من بر صالح تقي يعيش في رغد من العيش وطيبه، وكم من فاجر كافر في أشد البلاء والشقاء؛ لأن الجزاء ليس اليوم في هذه الحياة، فالدنيا دار عمل فقط، والجزاء مسبق.فإذا فهمت هذه الحقيقة واستقرت في الأذهان اعلموا أن العمل الصالح والاعتقاد الصالح والأخلاق المهذبة والآداب السليمة لابد وأن ينال العبد بركتها، ويعيش طيب النفس طاهر القلب مستريح الضمير، ببركة أعماله الصالحة وعقيدته الطيبة الصالحة؛ ناله بركة إيمانه وصالح أعماله.وأن صاحب الفجور والفسق والكفور يناله شؤم كفره وفسقه وظلمه: هم، كرب، غم؛ شؤمه ذلك الظلم والفساد والشر الذي يعمله، فما يحصل من خير أو شر هو إما بركة العمل الصالح ويمنها، أو شؤم العمل الفاسد وأثره. الجزاء غداً ليس اليوم، فمثلاً: هل يستطيع من يشتغل معاومة -أي: من العام إلى العام- أن يطالب بأجرته قبل نهاية عمله؟ والذي يشتغل مشاهرة -أي: كل شهر- هل يستطيع أن يطالب بأجرته قبل نهاية شهره؟ وهل الذي يشتغل مياومة -أي: كل يوم- يستطيع أن يطالب بأجرته من الضحى، وما كمل عمل يومه؟.الجواب: لا. فليس معقول هذا. فكل البشرية عاملة كادحة، تتلقى جزاءها عند نهاية العمل، وينتهي العمل عندما تذوق الروح الموت، وتنفصل عن البدن فحينها يبدأ الجزاء، وأول مرحلة القبر، إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ثم تنتقل إلى أحد العالمين؛ العلوي أو السفلي، في عليين أو سجين، وتبقى هكذا مرهونة محبوسة في نعيم أو شقاء إلى أن ينتهي العمل العام.فالعمل العام: كالمصنع الذي يعمل لمدة ألف سنة.. ولما ينتهي حينئذ يتلقون الجزاء، فالذين ماتوا ويموتون أرواحهم إن كانت طاهرة زكية في عليين، وإن كانت خبيثة عفنة في سجين، حتى تنتهي هذه الدورة، فلها بداية ولابد لها من نهاية، فإذا انتهت هذه الدورة ولاحت في الآفاق نهايتها: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1]، إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ [الزلزلة:1]، الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2].. انتهت هذه الحياة بكل ما فيها، من أفلاكها وكواكبها وجبالها وأراضيها تتم حياة ثانية، وهي الحياة الآخرة التي لا نهاية لها.إذاً: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ [آل عمران:185]، فالذي يوفينا أجورنا كاملة يوم القيامة هو الله سبحانه وتعالى الذي استخدمنا في هذه الدنيا، ويوم القيامة هو اليوم الذي يقوم فيه الناس من قبورهم في الأرض قياماً؛ ليساقوا إلى ساحة فصل القضاء والحكم عليهم، إما بالزحزحة عن النار ودخول الجنة، وإما بالإهلاك في النار.يوم القيامة هو ذلك اليوم التي تقوم الناس فيه إلى رب العالمين؛ لأجل الحساب أولاً والجزاء ثانياً. الفوز الحقيقي هو دخول الجنة والنجاة من النار وبين تعالى بإيجاز عجيب واختصار لا نظير له، فقال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185]، وهم قيام بين يدي الله، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185]، وكان على شفا عرصات القيامة: وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ [آل عمران:185] أعلن عن فوزه: فاز فلان ابن فلان.ومعنى: فَازَ [آل عمران:185]: نجا من مرهوبه، وظفر بمرغوبه. فالفائز في الامتحانات نجا من الرسوب وفاز بالشهادة.إذاً: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185] بعيداً: وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، أي: ظفر بمرغوبة ومحبوبه ومطلوبه، ونجا مما يخاف ويرهب من عذاب النار، فهذا هو الفوز.أما ربحك شاة أو بعيراً -أيها البدوي- ما هو بربح، أو فوزك بالظفر بالدكتوراة وشهادة جامعية والكرسي والمنصب فلا يعد هذا بفوز. أو فوزك بامرأة إذا كانت صالحة فلا بأس.الفوز الحقيقي أن يبعد العبد عن عالم الشقاء ويجد نفسه في عالم السعادة، وهو أن ينجو من النار وعذابها، وأن ينعم بالجنة ونعيمها وهذا هو الفوز. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185]، فالنار هي التي بين أيدينا ونشاهدها في الحطب والخشب، وهي تلتهب. فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذه النار وأوجدها وأوجد موادها؛ حتى لا يقول قائل: ما هي النار التي نُخَوف بها ونُهَدد؟!يقول الله تعالى: جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:80]، أي: الشجر الأخضر بالماء تخرج منه النار.فمثلاً: نيويورك علم على مدينة، واليابان علم على إقليم بكامله. والنار إذاً علم على عالم الشقاء، فنسبة عالم الشقاء إلى عالم السعادة حسبنا قوله صلى الله عليه وسلم وهو المخبر بالوحي الإلهي: ( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم -أي: في النهر في البحر- فلينظر بم ترجع إليه )، فمثلاً: الذي يغمس يده في البحر الأحمر ويخرجها، ويكون هناك كيماويون حذاق يجمعون ذاك الندى أو البلل، فكم يجدونه من مليمتر أو جرام؟!فما نسبة الجرام إلى البحر؟!( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه أصبعه )، وللتوضيح: فالجنة دار السلام أقل من يعطى فيها منزلاً يعطى مثل الدنيا مرتين، أي: مثل هذا الكوكب كوكبين، وأما النار عالم الشقاء، فحسبك أن تعلم أن الكافر عرض جسده مائة وخمسة وثلاثين كيلو متر، أي: ما بين كتفيه، وضرسه كجبل أحد، فأي عالم هذا يتسع لهذه الخليقة كلها؟! أقول: ضع رأسك بين ركبتيك وغمض عينك وفكر أنك هابط بالطائرة أو بالسيارة هابط.. هابط.. هابط.. إلى أين.. إلى أين..؟ يكل عقلك، فأين وصلت؟ وللتوضيح أكثر.. فكر: نازل.. نازل.. نازل.. إلى أين قل لي، تجد حدود، حديد، مياه.. إلى أين تنتهي؟ يخبرنا العلام الخلاق أنها تنتهي إلى عالم الشقاء، ذاك العالم الذي سمعتم عن أهله: ( ما بين كتفي أحدهم كما بين مكة وقديد، وإن ضرس أحدهم في النار كجبل أحد )، أحاديث صحاح.أما أهل الجنة فإنهم ليتراءون منازلهم فوق بعضها البعض كما نتراءى الكواكب الغابرة في السماء.فاللهِ العليمِ الحكيمِ القويِ القدير، الذي لا يعجزه شيء، وآية ذلك: لو تقم يا بني وتنظر إلى إخوانك الحاضرين وتجدهم على شكل واحد: آدميون: العينان والأنف، والمنخران والشفتان، والأسنان والفم والعنق، وتنظر فهل ستجد اثنين لا يفرق بينهما، بحيث هذا يدخل الليلة على امرأته، ويقول: أنا زوجك، تقول: أنت هو، والثاني يدخل على الأخرى يقول: أنا زوجك، تقول: أنت هو.. فلولا العلم والقدرة والحكمة كيف سيتم هذا؟!فلو اجتمعت البشرية كلها على صعيد واحد، ما اختلط اثنان ولم يميز بينهما، فأي علم أعظم من هذا؟ وأية قدرة أعظم من هذا. لا إله إلا الله. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، يا من فقدوا أبناءهم وإخوانهم في أحد لا تحزنوا: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، أي: اعملوا وواصلوا العمل الليل والنهار؛ العمل الصالح الذي يزكي أنفسكم ويطهرها ويؤهلها لأن تتلقى الجزاء: رضوان الله والنعيم المقيم.إذاً: لا تتململ وتقول: أنا أصوم وأصلي وما أسب ولا أشتم وأنا دائماً في مرض، أو دائماً في فقر أو دائماً في حاجة، فهذا كلام باطل يمليه عليك الشيطان، بل قل: أنا عبد الله ووليه، إن شاء أمرضني، وإن شاء أصحني، وإن شاء أعطاني وإن شاء منعني، وهو يعمل هكذا بي؛ ليربني ويرفعني إلى مستوى أوليائه. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
حقيقة الحياة الدنيا وهذا الختام: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].. فالمتاع هو ما يتمتع به المسافر، والغرور أيضاً متاع ويغرك ويخدعك.فالدنيا هذه حالها؛ فلقد أغرت أمماً ولا أقول: أفراداً، فقد أوقعتهم في الهلاك والهاوية، غرتهم بزخرفها وزينتها، بطعامها وشرابها؛ غرتهم لأنهم انخدعوا لها، فجروا وراءها الليل والنهار يعملون على جمعها وإحصائها والتمتع بها، وما هي إلا سويعات: مات فلان!! انتهى ذلك الأمل وذلك الطلب والسعي المتواصل، ووجد نفسه في عالم غير هذا العالم، إما زحزحة عن النار ودخول الجنة، وإما الاستقرار في دار البوار والعياذ بالله تعالى. تفسير قوله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم...) ثم وجه تعالى الخطاب إلينا -وإن كان أولاً إلى رسوله وأصحابه، ونحن أتباعهم كذلك- فقال: لَتُبْلَوُنَّ [آل عمران:186] فاللام واقعة للقسم، وعزة الله وجلاله: لَتُبْلَوُنَّ [آل عمران:186] أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات! لتختبرن اختباراً ربانياً حقيقياً، فِي أَمْوَالِكُمْ [آل عمران:186]، أول ابتلاء.. حال الحول على مالك يجب أن تزكيه ولا تتردد فأنت ممتحن، فإذا وجبت نفقة في مالك يجب أن تخرجها ولا تتردد، فقد يصاب مالك بجوائح إن كان فلاحة، وإن كان مالك غنم تسبى وتؤخذ، وإن كان مالك نقوداً قد تسلب منك، فهذا ابتلاء، فلتصبر ولتشكر فأنت ممتحن.فالذي يعطى المال لا يعطاه لجمال وجهه ولا شرف نسبه وأصله، وما أعطيه إلا للامتحان والاختبار، فهل العبد يتقي الله فيه، ويقوم به كما أمره سيده ومولاه ومعطيه؟ أم يأخذه البطر والأشر والانتفاخ؛ فيسرف في الطعام والشراب والنكاح حتى يطغى والعياذ بالله؟!والذي يسلبه أيضاً بأي صورة من صور السلب؟ فهل يضجر ويسخط، أم يقول: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون؟ فهذا هو معنى الامتحان. لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ [آل عمران:186] في أموالكم أولاً، وفي أنفسكم، وفي النفس: مثلاً بالمرض والصحة والعافية والخوف. فقد تبتلى بالجهاد في أيام الشدة.. وتبتلى بالصيام في أيام القيظ.. أو بالحج وتمشي على قدميك آلاف ومئات الآلاف من الأميال.. مبتلى في نفسك بالمرض، قد يبتلى المرء فإذا به فاقد بصره، فاقد يده ورجله؛ ملازم لفراشه، كيف حاله؟ هل يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لك الحمد على ما أوليت، ولك الحمد على ما ابتليت، أنت سيدي ومولاي، حكمك حق وأنا عبدك؟أو يقول: آه ويصرخ ويضجر وينكر على الله عمله؟! لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [آل عمران:186] أولاً.وثانياً: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [آل عمران:186].هانحن الآن ما نسمع؛ لأننا ما وقفنا موقف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، لو نتلاءم وتعود إلينا الحياة الربانية نصبح نسمع من اليهود والنصارى والمشركين والعالم بأسره النقد والسب والطعن وما هو فوق ذلك، وإلى الآن يوجد وإن كنا ما نشعر؛ يوجد من اليهود والنصارى وخاصة الكتاب وعلماء النفس وعلماء القانون وكذا الطعن في الإسلام و.. و.. و.. إلى أبعد حد، والذين يعايشونهم يسمعون كما أخبر الله: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [آل عمران:186] أي: من كل الكفار؛ لأن الكفار إما مشرك وإما كتابي. وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [آل عمران:186]، فقد سمعها الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر رضي الله عنه، ألم يقولوا الكفار: لن نؤمن لك حتى تأتي بقربان؟ وَإِنْ تَصْبِرُوا [آل عمران:186] على ذلك الأذى، وعلى ذلك الابتلاء في النفس والمال، وما تسمعون من أعدائكم؛ أعداء لا إله إلا الله، وتتقوا الله عز وجل فلا تضيعوا واجب مما أوجب، ولا ترتكبوا حراماً مما حرم، وتتقوه في الأسباب التي أمر بإتيانها وإحضارها؛ أسباب الجهاد وما إلى ذلك، فَإِنَّ ذَلِكَ [آل عمران:186] أي: الصبر والتقوى من الأمور المعزوم بها الحتمية، لا على سبيل الانتداب والاستنان والفضل فقط، بل الصبر والتقوى مما عزم الله علينا القيام به، وفرضه وألزمنا به، فالصبر والتقوى من الأمور الواجبة الحتمية، ليست من فضائل الأعمال ومستحباتها ومندوباتها، الصبر على المكاره، وتقوى الله ملازمة باب الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله فيما يأمر وفيما ينهى، هذا ليس من المستحبات، بل هو من عزائم الأمور؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:186]، أي: من الأمور المعزوم بفعلها، والمفروض القيام بها. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات قال: [ شرح الكلمات:قوله تعالى: ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185] أي: ذائقة موت جسدها، أما هي فإنها لا تموت]. فالروح لا تموت فهي خالدة. إذاً: نذوق ألم خروج الروح من البدن، فالألم يكون في البدن، والجرح يؤلم الجسم، فكيف بخروج الروح؟ تذوق المرارة، ولهذا الرسول عانى منها، وهو في آخر ساعاته يقول: ( لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات )؛ لأن الروح سكنت هذا القصر سواء عامين أو عشرة أو وسبعين أو ومائة سنة، فمن الصعب خروجها بكل سهولة، فكل نفس ذائقة مرارة الموت وآلامه، وبمفارقة الروح للجسم يموت وتنقطع عنه الحياة.[ وقوله: تُوَفَّوْنَ [آل عمران:185] أي: تعطون جزاء أعمالكم خيراً أو شراً وافية لا نقص فيها أبداً ]. ولا حتى جرام واحد.[ قوله: زُحْزِحَ [آل عمران:185]: أي: نحي وأبعد.وقوله: فَازَ [آل عمران:185] أي: نجا من مرهوبه ومخوفه وهو النار، وظفر بمرغوبه ومحبوبه وهو الجنة.وقوله: مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]: المتاع: كل ما يستمتع به، والغرور: الخداع، فشبهت الدنيا بمتاع خادع غار صاحبه، لا يلبث أن يضمحل ويذهب.وقوله: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [آل عمران:186] أي: لتختبرن في أموالكم بأداء الحقوق الواجبة فيها، أو بذهابها بسبب من الأسباب، وفي أنفسكم بالتكاليف الشاقة؛ كالجهاد والحج، أو المرض والموت والفقر.وقوله: أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:186] أي: اليهود والنصارى ] ما تتردد أبداً سواء تقرأ أو لا تقرأ.[ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [آل عمران:186] أي: العرب ]. والآن الصين واليابان والروس والهنادس والبوذا كلهم مشركون، كانوا العرب فقط، والآن الشرك عام.قال: [ وقوله: فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران:186]: يريد أن الصبر والتقوى من الأمور الواجبة التي هي عزائم وليس فيها رخص ولا ترخيص بحال من الأحوال]. معنى الآيتين [معنى الآيتين الكريمتين:قال: ما زال السياق في تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه]، أي: لما أصابهم في معركة أحد، فقد استشهد سبعون رجلاً. قال: [ لقد جاء في الآية السابقة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له]، فمثلاً: لو قلت كلمة في إخوانك وكذبوك وأنكروا عليك تبيت في كرب، والرسول يحمل رسالة الله ويضحك اليهود ويقولون: لو كنت نبياً هات الدليل والبرهان على نبوتك، ائتنا بقربان تأكله النار، ما يكرب لهذا الرسول ويحزن، وهو مكلف بالبلاغ؟قال: [عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له، وفي هذه الآية أعظم تسلية وعزاء، إذ أخبر تعالى فيها بأن كل نفس مهما علت أو سفلت ذائقة الموت لا محالة، وأن الدنيا ليست دار جزاء، وإنما هي دار كسب وعمل، ولذا قد يجرم فيها المجرمون ويظلم الظالمون، ولا ينالهم مكروه، وقد يحسن فيها المحسنون ويصلح المصلحون ولا ينالهم محبوب]. [وفي هذه تسلية عظيمة وأخرى أيضاً: العلم بأن الحياة الدنيا بكل ما فيها لا تعدو -لا تتجاوز- كونها متاع الغرور، أي: متاع زائل غارٌ ببهرجه وجمال منظره، ثم لا يلبث أن يذهب ويزول، وهذا ما دلت عليه الآية الأولى.أما الآية الثانية: ففيها يخبر تعالى رسوله والمؤمنين -ونحن معهم الحمد لله- بأنهم لا محالة مختبرون في أموالهم وفي أنفسهم؛ في أموالهم بالحوائج، وبالواجبات اللازمة فيها، وفي أنفسهم بالمرض والموت والتكاليف الشاقة؛ كالجهاد والحج والصيام، وإنهم لابد وأن يسمعوا من أهل الكتاب والمشركين أذى كبيراً، كما قال فنحاص : الله فقير ونحن أغنياء! أو كما قال النصارى: المسيح ابن الله ]، المسيح ابن الله؟! كيف يستسيغها مؤمن هذه؟ لو قال المسيح ابن الله لصفع على خده، كيف يكون المسيح ابن الله؟! الله خالق السماوات والأرض، خالق الملكوت يحتاج إلى زوجة وولد؟ أين يذهب بعقلك. فهذا يؤلم المؤمن.[ وكما قال المشركون: اللات والعزى ومناة الآلهة مع الله، ثم حثهم تعالى على الصبر والتقوى، فقال: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا [آل عمران:186]، فإن صبركم وتقواكم مما أوجب الله تعالى عليكم، وليس هو من باب الندب والاستحباب، بل هو من باب الفرض والإيجاب]. هداية الآيتين قال: [هداية الآيتين الكريمتين] لقوله تعالى: هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة:185]، فكل آية تهديك إلى سبل السلام، وكل آية ترفرف وتلوح.. امش فالجنة أمامك.وأوضح هذا المعنى: لماذا سميت الآية آية؟ وآي القرآن ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، وكل آية تدل دلالة قطعية يقينية أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، الطريق الموصل إلى قربى يجعل له علامات تدل عليه، وكل علامة دالة على هذا الطريق، كذلك كل آية تدل دلالة يقينية أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن آمن بهذا دخل في رحمة الله على علم. نقول: بسم الله الرحمن الرحيم: ق [ق:1]، فهل يوجد كلام بدون متكلم؟ مستحيل.إذاً: هذه الآية دالة على وجود الله الذي نطق بها وأنزلها، والذي نزلت عليه وتلقاها يكون رسولاً، فمستحيل أن يكون غير رسول، أيرسل إليه كلامه وينزله عليه ولا يكون رسوله؟ إذاً: فسدت العقول البشرية، ما أصلح شيء في الحقيقة، فكل آية أنزلها الله دالة على وجود الله وعلى علمه وقدرته وحكمته، والذي أنزل عليه لن يكون إلا رسوله ونبيه، فلهذا كل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: [ من هداية الآيتين:أولاً: ليست الدار الدنيا بدار جزاء، وإنما هي دار عمل ]. ما آية ذلك؟ كم من مستقيم عاش فقيراً ومريضاً، فهل جزي بصلاته وصيامه؟ وكم من فاجر عاش غنياً، هل عوقب بكفره؟ والعكس وإن وجدنا أثراً للعمل الصالح، نقول: بركة العمل الصالح، وإن وجدنا شقاء أو عذاب مع الكفر والفسق نقول: هذا من شؤم معاصيه، وليس هو الجزاء، جزاؤه: مجرم يخلقه الخالق ويرزقه ويحييه ويخلق كل شيء في الأرض والسماء من أجله، ثم يكفر به ويسبه ولا يطيعه كم يجازى هذا؟فلا يكفي أن يجازى بمرض خمسين عام، ولا يكفي أن يجازى بأن يقتل ويصلب مرة أو ألف، فلهذا الجزاء في المستقبل في الدار الآخرة، حيث يعيش بليارات السنين بلا نهاية في العذاب، مقابل الجريمة العظمى وهي الكفر.نسألكم: لِمَ خلق الله هذه الأكوان؟! أليس من أجلنا؟ يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء من أجلك، أيخلق لك هذه العوالم كلها من أجل أن تذكره وتشكره، فإذا بك تكفره وتجهله، فتكون كمن نسف السماوات، ودمر الأرضين، وخرب العوالم كلها، كم يكون جزاءه إذاً؟يعيش في عذاب أبدي. قال: [ أولاً: ليست الدار الدنيا بدار جزاء أبداً، وإنما هي دار عمل ]، وإن رئي فيها خير أو عذاب هو شؤم أو بركة ويمن فقط.[ ثانياً: تعريف الفوز الحق، وهو الزحزحة عن النار ودخول الجنة.ثالثاً: بيان حقيقة هذه الحياة، وأنها كمتاع خادع؛ لا يلبث أن يتلاشى ويضمحل ]. وهو كذلك مشاهد.[ رابعاً: الابتلاء ضروري، فيجب الصبر والتقوى، فإنهما من عزائم الأمور لا من رخصها ]. يا من يريد أن يقرع باب الجنة! اصبر على ما ابتلاك الله به، واتقيه فلا تخرج عن طاعته ونهايتك معلومة وهي الاستقرار في دار السلام.اللهم حقق لنا ذلك. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (77) الحلقة (218) تفسير سورة آل عمران (8) هذا الكون الفسيح بمخلوقاته وعوالمه ليس له إله إلا الله، وهذا ما شهد به الله عز وجل لنفسه، وما شهدت به ملائكته، وما شهد به أولوا العلم قاطبة، فهي أشرف شهادة على أشرف قضية، والمؤمن الحق لا يسعه إلا أن تواطئ شهادته شهادة الله وملائكته في هذه القضية، مدخراً لنفسه هذه الشهادة ليوم يلقى الله سبحانه وتعالى فيه. تفسير قوله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ....) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فالحمد لله الذي أهلنا لهذا الخير؛ إن ربنا لعلى كل شيء قدير.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، وهي من سورة آل عمران كما علمتم، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:18-20]. فضل شهادة أن لا إله إلا الله معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نقل القرطبي رواية عن الكلبي رحمهما الله: أن حبرين من أحبار اليهود جاءا من الشام لما بلغهم ظهور محمد والإسلام، فلما انتهيا إلى المدينة -طيبة ذات السبخة والنخيل- قالا: ما أشبه هذه بمدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان -حسب النعوت في التوراة والإنجيل- ودخلا المدينة ووقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فعرفاه معرفة يقينية ( فقالا: أنت محمد؟ قال: نعم. أنت أحمد؟ قال: نعم. قالوا: نسألك؟ فقال: سلاني؟ قالوا: نسألك عن أعظم شهادة في كتاب الله، فأنزل الله تعالى هذه الشهادة: (( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))[آل عمران:18] ) فدل هذا على فضل هذه الشهادة.ثانياً: ما ورد في فضل هذه الشهادة، ونحن والحمد لله نعمل به، حتى إن التابعي الذي روى هذا الفضل قال لأحد طلبة العلم: إن تقم عندنا سنة نطلعك على هذه الفضيلة، تبقى سنة كاملة تطلب العلم عندنا ثم نزودك بها، وأغلب الطلبة الصغار كـعدنان وجماعته لا يقبلون هذا، ونحن -والحمد لله- كم فرحنا وكم سررنا بها وما تركناها مرة من يوم أن سمعناها؛ لأننا طماعون، هذه الفضيلة: ( أن من تلا هذه السورة وانتهى بتلاوته إلى هذه الآية: (( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))[آل عمران:18] قال: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة، فهي لي عند الله وديعة، يجاء به يوم القيامة، ويقول الله عز وجل: لقد عهد إلي عبدي وأنا أحق من يوفي بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة ). من قرأ هذه الآية أثناء قراءة السورة وانتهى إليها، قال: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة - أي: أتركها عنده وديعة- فهي لي عند الله وديعة، يردها إلي يوم القيامة. قال: يجاء بهذا الشاهد يوم القيامة، ويقول الله عز وجل: لقد عهد إلي عبدي وأنا أحق بمن يوفي بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة. فإن شاء الله تقولونها، ومن قال لكم: الحديث ضعيف؛ ليثبطكم فقولوا له: نحن طماعون. ما الذي يضرني أن أقول هذا؟ هل هذا ينتقص من ديني وإيماني؟ لا. بل يزيد في إيماني وديني. إذاً: نقول: وأنا أشهد بما شهد الله، وأستودعك اللهم هذه الشهادة، فهي لي عندك وديعة ردها إلي عند الحاجة إليها. أي مانع يمنع من قول من هذا؟! معنى قوله تعالى: (شهد الله) إذاً: هيا نتدارس هذه الآية، يقول الله: شَهِدَ اللَّهُ [آل عمران:18] بمعنى: علم، إذ الشهادة لا تكون إلا على علم، فلا تشهد على كذا أو كذا حتى تكون قد رأيت أو سمعت أو علمت بوسائط العلم، فحينئذ تشهد. وهنا كثيرون من أهل العلم يقولون: الإيمان المقلد صاحبه لا ينفعه، يقول: سمعت الناس يقولون فقلت. هذا ما يجدي ولا ينفع! كيف تشهد أن لا إله إلا الله؟ كيف عرفت أنه لا إله إلا الله؟ ما هي وسائل معرفتك؟ تقول: نظرت إلى الكون كله فوجدته مخلوقاً مربوباً مدبراً، وعلمت أن خالقه ومدبره اسمه الله، فعلمت أنه لا إله إلا الله! ما عثرنا على خالق ولا مدبر في هذا الكون يحيي ويميت.. يعطي ويمنع.. يضر وينفع.. يضع ويرفع.. يبسط ويقبض، بحثنا فما وجدنا فعلمنا أن الذي يدير هذا الكون هو الرب الحق، هو الإله الذي لا إله غيره، فأنا أشهد أنه لا إله إلا هو.إذاً: لا تقل: سمعت الناس يقولون لا إله إلا الله فقلت لا إله إلا الله. حقاً هذه لا تجدي ولا تنفع؛ لأنه بالإمكان أن تشكك وترجع عما تقول، لكن إذا شهدت شهادة علم ومعرفة وأيقنت أن الإله هو المعبود -من أله بمعنى عبد، والمألوه هو المعبود- وهو من يستحق العبادة فيعبد لا تتزحزح، فتشهد بأنه الذي وهبني حياتي، وأعطاني رزقي وكلأني وحفظني من العوائق ومن العاهات والآفات، ذاك إلهي ومعبودي، بحثتُ عن غير الله فما وجدت، كل الكائنات مربوبة مخلوقة تمضي وتموت، وتتعرض للمحن والفتن، فليس فيها من هو الله يعبد أبداً، فقلت: إذاً: أشهد أنه لا إله إلا الله، فهذه شهادة علم. من شهد أن لا إله إلا الله فقد وافقت شهادته شهادة الله وملائكته وأولي العلم وهناك لطيفة في الإمكان أن تعوها، وهي: أولاً: أنك عندما تشهد أن لا إله إلا الله فأنت تشهد بشهادة الله، فمادام الله عز وجل العليم الخبير الحكيم خالق كل شيء قد شهد بناء على علمه أنه لا يوجد إله إلا هو فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فأنت تشهد بشهادة الله.ثانياً: الملائكة الذين يحفون بنا، ويحوطون بالكون وهم يسكنون السموات والأرضين؛ هذه الملائكة كلها مجمعة على أنه (لا إله إلا الله)، فهل بعد شهادة هذا العالم النوراني الذي لا يعرف الكذب ولا يعرف المعصية أبداً شهادة؟ شهادتهم لا تثق فيها أنت ولا تشهد بها؟! نحن نشهد بشهادة الملائكة؛ لأنهم عرفوا الكون ظاهره وباطنه، وما وجدوا من يستحق أن يؤله ويعبد فآمنوا بأنه لا إله إلا الله، فنحن أيضاً نتابع الملائكة.ثالثاً: أولوا العلم.. أصحاب العلم، الرسل، الملائكة، العلماء -أي: العارفون بالله عز وجل- وهؤلاء -وهم بالبلايين- كلهم شهدوا أمام العالم أنه لا إله إلا الله، وأنت تشك مع هذا؟ عهدنا بك إذا شهد أخوك على شيء تقلده، وهذا التقليد حسن؛ لأنه تقليد للعليم الحكيم، والله شهد فأنا أشهد، فأنا لست بأعلم من الله بالكون. إذاً: أنا أشهد بما شهد الله به، وأستودعك اللهم هذه الشهادة، وأشهد بما شهدت به الملائكة ومنهم حملة العرش والكروبيون والموكلون بالأرحام.. بالجنة.. بالنار.. بالسماء.. بالأمطار.. بالكون كله، لو كان إله غير الله مع الله فيعرفونه ويعثرون عليه، ولكنه لا إله إلا الله.رابعاً: الأنبياء مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، والرسل ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، والعلماء من آدم والعارفون بربهم.. الكل يشهد أنه لا إله إلا الله وأنت تقول: أنا لا دري؟ أنا أشك؟ أهذا عقل؟! إن الذين ما استطاعوا أن يدركوا هذه الشهادة من النظر إلى الكون يقولون: مادام ربنا قد شهد أنه لا إله إلا هو فنحن بشهادة الله نشهد، وإنهم لفائزون! شهد الملائكة -وشهادة الملائكة فوق كل شهادة من الناس- وشهد الأنبياء والرسل، وشهد العلماء ولا نشهد بشهادتهم؟! إذاً: ما بقيت شهادة في الدنيا، القاضي لا يقضي بشيء أبداً، مع أن القاضي يقبل شهادة اثنين على أن فلان مات وقتلوه ويقتلهم! ويشهد اثنان على أن العمارة الفلانية لفلان فيقضي القاضي بشهادتهما وينقل العمارة للآخر، فكيف إذاً يشهد الله وملائكته والعلماء ولا تقبل شهادتهم وتبقى مرتاباً شاكاً؟!الحمد لله، إذا تلونا هذه الآية نقرر هذه الحقيقة، ونحن نشهد بما شهد الله به، ونستودع الله هذه الشهادة، فهي لنا عند الله وديعة يردها إلينا إن شاء عند الحاجة إليها! استحالة وجود إله حق مع الله يا معشر المستمعين والمستمعات! علمتم أنه يستحيل أن يوجد إله حق في العوالم العلوية والسفلية مع الله أبداً، مستحيل! وكل من عبد معبوداً وألهه فعبادته باطلة وهو كافر وكذاب ودجال، فلا يوجد إله أبداً إلا الله، ونحن نوقن بهذا ونقوله عن علم وبصيرة، فلا يخالجنا شك ولا يقع في نفوسنا ريب، ونقسم بالله ملايين الإقسامات أنه لا إله إلا الله.هنا تأملوا! هل الذي شهد أنه لا إله إلا الله يجب عليه أن يعبده أم لا؟ الذي اعترف أن هذه السيارة لإبراهيم بن سلمان نقول له: أعطه سيارته إذاً. فإذا قال: لا أعطيه! وقد اعترف أمام القاضي أن هذه السيارة سيارة فلان فإنه يحتاج إلى الصفع والتأديب. والذي يعلن في وضوح وصراحة ويشهد أنه لا معبود بحق إلا الله ولا يعبده موقفه هذا أسوأ من الذي قال: ما أعترف به أنه الله! فإذا قلت له: لا تجاهر. قال: أنا ما عرفت أنه لا إله إلا هو، فأنا أعبد معه عيسى أو عبد القادر ، والذي يقول: أنا أعرف أنه لا إله إلا هو ولكن لا أعبده هذا أسوأ وأقبح. فلهذا بمجرد ما يقول المرء: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله نقول له: اغتسل فوراً، اغتسل بالماء الطاهر أو الطهور، وصل إذا حضرت الصلاة، وبعد شهرين أو ثلاثة يأتي رمضان فتصوم رمضان، وبعد أربعة أشهر سوف تحج حجة إن استطعت، وإن كان لديك مال وحال عليه فأخرج زكاته، فإن قال: لا. لا أزكي، أو لا أصوم أو لا أحج فكلامه باطل وشهادته مردودة عليه.إذاً: من قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) وجب عليه -أولاً- أن يعبد الله، إذ شهد أنه لا معبود إلا هو، فيقول بلسانه ما اعتقد بقلبه.إذاً: لا بد وأن يركع بين يديه سبحانه ويسجد. صرف نوع من العبادة لغير الله ناقض لشهادة أن لا إله إلا الله ثانياً: من شهد أن لا معبود إلا الله وعبده ثم عبد معه غيره بنوع من أنواع العبادة قل أو كثر فقد تناقض، فهو قال: أنا أشهد على علم أن لا معبود إلا الله، وها أنا أعبده، وهو في الوقت ذاته يعبد معه غيره بأي نوع من أنواع العبادة، فهذا تناقض، فكيف تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وتعبد سيدك فلان معه، فقد تناقضت.كان المفروض أن تقول: لا إله إلا الله وسيدي فلان! فنفهم عنك أنك تعتقد أن إبراهيم أو فلان يعبد، وأنت تعبده، وهذه العبادة باطلة وهو كفر، لكن فقط من حيث القضاء الشرعي إذا اعترف بأن لا معبود إلا الله، ثم عبد معه غيره فقد تناقض، نقض قوله الأول وأبطل كونه لا إله إلا الله، كان يقول: لا إله إلا الله وفلان معه! فإذا كان صادقاً في القول فلا يقول: لا معبود إلا الله ويعبده ويعبد معه غيره. والغالب أن من عرف أن لا إله إلا الله لا يعبد إلا الله، وإن وقع غير ذلك من بعض الناس فبسبب جهلهم بالعبادة التي فعلوها، والجهل بأنواع العبادات هو الذي يوقع الجاهلين في صرفها وعبادة غير الله بها. ضابط العذر بالجهل في صرف نوع من العبادة لغير الله هل يعذرون بجهلهم؟ يعذرون إذا وجدوا في بلد لا يوجد فيه من يعرف الله، وحيل بينهم وبين طلب العلم، أما أن يعيش الرجل سنوات عديدة ولا يعرف لم يعبد الله، ولا ما هي عبادة الله فلن ينجو من غضب الله وعذابه.ونمثل بالعبادة التي هي مخ العبادة وروح العبادة وهو الدعاء، السؤال والطلب، الدعاء هو السؤال والطلب: أعطني واكشف ضري، افعل كذا، هذا هو الدعاء، يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة ) حصر العبادة كلها فيه، فما خرج منها شيء، كقوله: ( الحج عرفة )، فكل أعمال الحج اندرجت ودخلت في عرفة فإذا لم يقف الحاج بعرفة ما حج ولو طاف سبعين مرة، وكذلك الدعاء هو العبادة، وورد: (الدعاء مخ العبادة) وإن لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالها صحابي أو تابعي فمرحباً بها!الدعاء مخ العبادة، فهل يعيش الإنسان بدون مخ؟ لا، إذاً: العبادة لا تنفع بدون دعاء، فالعبادة مخها الدعاء: أعطني، اكشف ضري، فرج عني، سبب كذا، هذا هو الدعاء، والذين يدعون مع الله غيره قد تناقضوا في شهادتهم.ولعل الأحداث ما شاهدوا هذا، لكن كبار السن يعرفون هذا، فقد عاشت أمتنا من آخر الشرق إلى آخر الغرب قبل ظهور هذه الدعوة الوهابية -كما يسمونها- والناس يعبدون الأولياء بعبادة فيها الرغبة والصدق أكثر من عبادة الله، إلا من نجى الله وسلم، فتجد واحداً في القرية، أو خمسة في المدينة، والباقون كلهم: يا رسول الله! يا فاطمة ! يا حسين ! يا عبد القادر ! يا عيدروس ! يا مولاي إدريس ! يا سيدي فلان! وأما الله فنسوه أبداً.تجد الرجل في يده المسبحة يسبح: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله! لا إله إلا الله، فيأخذه النعاس وتسقط المسبحة من يده فيقول: يا رسول الله! فهذا ما يعرف الله! قد يقول قائل: يا سيدي فلان! لعل الشيخ واهم؟ فهنا أقول لكم: إياكم أن يخطر ببالكم أن من يجلس هذا المجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكذب على الناس، أو يقول بدون علم، انزعوا هذا من أذهانكم. وقد قلت لكم: ركبنا مرة إلى جنب أخينا وهو يقود السيارة فما إن خرجت عن الطريق قال: يا رسول الله! يا رسول الله! فقلت له: أين الله يا فلان؟! تعود على هذا، شب وشاب عليه. وأكثر من هذا نحلف بغير الله! والمؤمنة يهزها الطلق والوجع وهي تلد وقد وضعوا لها حبلاً في خشبة أيام لم يكن هناك طبيبات ولا أطباء، ويا أسعد تلك الأيام! يهزها الطلق: يا رب! يا رسول الله! يا ألله! يا سيدي فلان! يا سيدي فلان! فتذكر مرة الله ومرة الأولياء، ولو ماتت على تلك الحال ما شمت رائحة الجنة. هذه هي عبادة غير الله، دعاء وسؤال غير الله شرك وكفر وإبطال لشهادة لا إله إلا الله، فكيف تشهد أن لا إله إلا الله ثم تؤله معه فلاناً؟ سيقول: يا شيخ! أنا ما ألهته. فأقول له: دعاؤك، طلبك، سؤالك منه والله لهو التأليه إذا ما تعرف! لولا رغبتك وطمعك واعتقادك أنه يعطيك والله ما سألته! فليبلغ السامعون والسامعات الغافلين والغافلات أن من قال: يا فلان! يدعوه ويسأله فقد أشرك في عبادة الله، ونقض شهادة لا إله إلا الله! نعم. يجوز أن تقول: يا إبراهيم! يا عثمان! يا أخي يا أبتاه! يا خادم! إذا كان يراك وتراه ويسمع كلامك وتسمع كلامه، ويقدر على أن يعطيك ما تطلب، لو تقول: يا أعمى قدني! يضحك عليك الناس أم لا؟ تسأل أعمى أن يقودك في الشارع وهو أعمى! تقول لفقير مسلوخ: أعطنا ألف ريال. يضحك عليك الناس أم لا يضحكون؟ يضحكون إذ كيف تسأل من لا يملك؟!فلهذا إن دعوت حياً يراك ويسمع ويقدر على أن يعطيك ما تطلب جاز ذلك بإجماع المسلمين، وأذن الله فيه، يا فلان! من فضلك كأس ماء، هذا لا بأس، ولا نقول: هذا دعاء غير الله، فهذا أذن الله فيه، وهذا من التعاون: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] لكن شخص لا تراه ولا يراك وبينك وبين بلاده عشرة آلاف كيلو متر ومات منذ ألف سنة وتناديه فلا، فهذا شرك. أسألكم بالله! كم ألف كيلو متر بين المغرب والعراق؟ عشرة آلاف كيلو، وبينك وبين عبد القادر ألف سنة، وتقول: يا سيدي عبد القادر ! يا راعي الحمراء، يا مولى بغداد ! المدد، تضحك على نفسك أم ماذا؟! أهو يسمع؟! والله يخبرك أن الميت لا يسمع وإن سمع فلا يستطيع أن يعطيك سؤلك، وقد بين تعالى هذا بياناً شافياً فقال: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:14] والله ما يقف عبد القادر ولا سيدي إبراهيم ولا فاطمة ويقول: يا رب! سامحه، هذا كان يدعوني! والله ما من أحد إلا يتبرأ ممن كانوا يدعونه ويعبدونه. وضحت قضية السؤال والدعاء أم لا؟ الدعاء هو العبادة، فارفع يديك إلى الله في السوق بين الناس أو في أي مكان ولا يلومك إلا أحمق أو مجنون! رفعت كفيك إلى ذي العرش الذي يملك كل شيء، ويقدر على إعطاء كل شيء، فاسأله ولا تخف، أما أن تسأل من لا يراك ولا يسمعك وإن سمعك لا يقدر على أن يعطيك شيئاً فأنت بهلول تلعب وتعبث! وقد قلت لكم: شخص ليس عنده شيء فكيف تقول له: أعطني؟ أنت تضحك على نفسك! كالذي يقف على خربة دار مهدمة سقوفها طائحة، أبوابها منزوعة، فيقف أمام البيت فينادي: يا أهل الدار! إني فقير! يا أهل البيت إني محتاج. ليس في البيت أحد، فامش إلى بيت فيه أهله والطعام بين أيديهم واسألهم! يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
من شهد أن لا إله إلا الله وجب عليه أن يعبده ثالثاً: الذي يشهد أن لا إله إلا الله بشهادة الله والملائكة وأولي العلم يجب أن يعبد الله، وإلا لا تغني عنه شهادته، بل يعتبر منافقاً. من شهد أن لا إله إلا الله لا يسمح لنفسه أن يعبد مع الله غيره رابعاً: أن لا يسمح لنفسه أن يعبد مع الله غيره أبداًً، لا من الملائكة ولا من الإنس ولا من الجن، لا من الأفاضل ولا من الأسافل، فلا يعترف بالعبادة إلا الله، والدعاء من أبرزها وأظهرها. من شهد أن لا إله إلا الله لا يقر عبادة غير الله خامساً: أن لا يقر عبادة غير الله، فإن كان يشهد أن لا إله إلا الله وعبد الله بتلك الشهادة وتبرأ من الشرك ولم يعبد غير الله ثم يسمح للآخرين أن يعبدوا غير الله فقد تناقض.لم إذاً تقول: لا إله إلا الله وأنت تراهم يعبدون غير الله وتبارك وتسكت؟! علمهم بأن هذا باطل، وأن هذا شرك، ولا يصح أبداً، فإن سكت وضحكت وقلت: لا بأس؛ فمعناه: أنك اعترفت بعبادة غير الله، وحينئذ تناقضت، وكان المفروض أن تقول: اللهم إلا فلاناً الذي يعبده الفلانيون. فنحن لا نقر النصارى على عبادتهم أبداً، ما أمرنا بقتلهم ولا قتالهم، ولكننا لا نعترف بأنهم على حق، وأنهم يعبدون غير الله، بل هم كفار من أهل النار. معنى قوله تعالى: (قائماً بالقسط) قال الله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ [آل عمران:18] القسط: العدل. إي والله! فعلى العدل قام أمر السماء والأرض، وإذا حل الجور أو الانحراف أو الميل فسدت الحياة. من القائم بالقسط؟ إنه الله، ولو تلاحظ -فقط- عدل الله في الكواكب كيف تستمر آلاف السنين فلا تسقط! عدله في عباده.. في رزقهم.. في تصحيحهم.. في تمريضهم.. في إعطائهم.. في منعهم.. في كل مظاهر الحياة، فهي تدل على عدالة الله عز وجل. معنى قوله تعالى: (لا إله إلا هو) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18]، فلا نثبت إلهاً آخر غير الله.كثيراً ما نقول: هيا نحقق هذا القضية، فندخل مجمع روسيا العلمي أو جامعتهم أو وزارتهم وهم فلاسفة لا يؤمنون بالله، وهم جالسون بأقلامهم وآلاتهم،علماء، وكما كانوا يتباهون ويتفاخرون الآن ذلت أنوفهم وانكسرت وانتهت الشيوعية، ونقول: اسمعوا، لا إله إلا الله، انقضوها يا علماء! هذه جملة خبرية كأن تقول: فلان غائب، أو فلان موجود، فتثبت وجوده أو غيابه، فلما نقول: لا إله إلا الله انقضوها، فإنها تنقض بشيئين إن توفر أحدهما انتقضت وبطلت لا إله إلا الله.الشيء الأول: تنقض بوجود إله مع الله. ابحثوا عن إله مع الله! قالوا: عيسى. فقلنا: هذا عيسى بن مريم ولدته امرأة، ومضت آلاف السنين وهو غير موجود فكيف يوجد غيره؟الشيء الثاني: انقضوها بأن تثبتوا أنه لا إله بالمرة. وهذه أضحوكة وسخرية ولا يقولها إلا معتوه مسحور مجنون. قف في المجتمع، واسأل من يعاند وينكر وجود الله: أنت موجود أو غير موجود؟ فإن قال: أنا غير موجود. فهذا مجنون هذا! هذا الذي يقول: أنا غير موجود مجنون لا عقل له، فأبعدوه. ثم اسأل الآخر: أنت موجود أو غير موجود؟ فإن قال: كيف غير موجود؟ أنا موجود، أسمع وأبصر وأعي. تقول له: من أوجدك؟! فيقول: ها! فقل له: إذاً: الله هو الذي أوجدك! تحطمت الشيوعية وانتهت نهائياً، فمن ذا الذي يكون من العقلاء ويقول: أنا غير مخلوق؟! من يقول: أنا غير موجود؟ إن قال: مخلوق، فنقول له: ابحث عن خالقك من هو! وإن قال: موجود. نقول له: من أوجدك؟ اسأل، فيقول: اذهب إلى اليابان وأسأل العلماء: من أوجدني؟فنقول: تعال عندنا نعلمك من أوجدك إن كنت لا تعلم، ولكنهم بالفطر والغرائز الإلهية المغروزة سوف يقولون: الله حسب بلغته أحب أم كره.وحدثني أحد الإخوان وقد مات رحمة الله عليه، قال: كان يعيش في فرنسا وبدأت البلشفية الحمراء، وبدءوا يتمزقون ويدينون بـ(لا إله والحياة مادة)، دعونا من الكنيسة، وقد كانت له صديقة أو صاحبة مسيحية تدرس في الجامعة، وتقرر في نفسها أنه لا إله، لا عيسى ولا الروح، وتبلشفت، وهي تجادل على ذلك. قال: لما حملت وجاء الطلق وأرادت أن تلد ذهبت إليها في المستشفى -مستشفى الولادة- فوجدتها تصرخ: يا ألله، يا رب! فأخرج لها ألف فرانك وقال لها: هذا إلهك الأول، فلم لا تقولي: يا فرانك! يا فرانك! بل تقولي: يا ألله؟! قالت: اذهب عني. وهي كانت إذا جادلت تقول: الإله هو في جيبي.. الفرانك، دعونا من كلمة الله والدين هذه، فلما وقعت في محنة الولادة وهي إلى الموت أقرب من الحياة خرج لها هذا، فقالت: اذهب عني، الله هو الذي ينجيني ويخلصني.إذاً: الآن أقمنا شهادتنا على العلم، فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.إذاً: شهدنا الله بالوحدانية، فمحمد كيف عرفنا أنه الرسول؟! خصومه قالوا: ساحر. قالوا: كاهن. قالوا: مجنون. قالوا: عميل. قالوا: كذا. فكيف تقيم البرهنة على شهادتك أنه رسول الله؟ ماذا تصنع يا عبد الله؟! أقرب طريق وأيسره وأسهله أن تقول: هذا القرآن نزل عليه، فكيف ينزل عليه كتابه ويوحيه إليه بطريق الوحي ولا يكون رسولاً؟ مستحيل هذا! فحسبنا في شهادتنا أن محمداً رسول الله: أن الله عز وجل اصطفاه وانتخبه واختاره من بين بلايين البشر وأنزل عليه كتابه.هل هناك دليل أعظم من هذا؟ كيف يكون غير رسول الله والله أنزل عليه كتابه وأرسله وناداه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، وطالب البشرية بالإيمان به؟! إن الذي ينكر رسالة محمد مجنون أحمق معتوه، أو نصاب محتال يريد أن يعيش على حساب جهل الناس وتضليلهم، فنبوته صلى الله عليه وسلم ثابتة أوضح من ثبوت الشمس! فهو صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، عاش أربعين سنة ما عرف كلمة وقال: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يونس:16]، بعد ما عاش أربعين سنة ما قال كلمة ولا ادعى كلمة، وبعد ذلك ينزل عليه الوحي الذي يحمل الهداية الإلهية للخلق أجمعين أبيضهم وأسودهم، وتقولون: ما هو رسول! كيف ما هو برسول؟ والله ما أنكر رسالته إلا الطماعون والماديون أحباء البغي والعدوان والتسلط من اليهود والنصارى.إذاً: شهد الله أنه لا إله إلا هو، ونحن نشهد بما شهد الله به، ونعلنها على المآذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا هو. أي: لا معبود في السماء ولا في الأرض بحق إلا هو فقط. ولو قيل لك: ما الدليل؟ فتقول: الدليل: أنه لا يوجد من خالق لذرة أبداً سوى الله، كم من مرة نقول: لو اجتمعت البشرية على أن تخلق ريشة فقط ما استطاعوا! لو اجتمعت البشرية على أن تخلق خفاشاً أو بقرة أو إنساناً والله ما فعلت! هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3] لا أبداً، إذاً: لا إله إلا الله. معنى قوله تعالى: (وهو العزيز الحكيم) قوله: الْعَزِيزُ [آل عمران:18] معناه: الغالب القاهر الذي لا يمانع في شيء أراده، فإذا أراد شيئاً لو تجتمع الخليقة كلها على أن تحول الله عن مراده والله ما استطاعت ولا تقدر إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] فهو على الفور يكون!إذاً: العزيز معناه: الغالب القاهر الذي لا يمانع فيما يريد، والذليل من أمثالنا يريد الشيء ولا يقدر عليه، يأخذ الشيء ويؤخذ منه بالقوة؛ لعدم عزته، أما الله العزيز الكامل العزة الحكيم فلا غالب له، ولا يمانع فيما أراد. الله حكيم أم لا؟ هو الحكيم سبحانه، وعندكم تسمون الطبيب بالحكيم، زمان كان الطبيب لا يعرف إلا بالحكيم؛ لأنه يعرف أين يضع الدواء في الداء! لو يعطيك الطبيب كأساً من الليمون ويقول: ضعه عند قدمك، فكيف يكون حكيماً؟ ليس بحكيم! لو أعطاك عسلاً وقال: العسل هذا غسل به وجهك، فهذا ينفع من داء البطن فهل يكون حكيماً؟ الحكيم هو الذي يضع الشيء في موضعه، ولا يخالفه أبداً، فالطبيب سمي حكيماً في لسان البشرية كلها لأنه يعرف الداء، ويضع الدواء على الداء؛ فيبرأ العبد بإذن الله. والله عز وجل هو الحكيم العليم، فكر في كل شيء تجد حكمة الله ظاهرة! من خالقنا؟ إنه الله! نحن أهل الحلقة ألف نسمة، هل يوجد أحدنا لا يميز عن أخيه إلى جنبه مع أن العينين والأنف والشفتين والفم والعنق والرأس والصدر والجسم هو هو لا نختلف عن بعضنا؟ أبداً!لكن انظر إلى أي واحد لا تستطيع أن توجد واحداً مثله لا يفرق بينهما. لا قدر الله! لو شاء الله لقال: كونوا كـعدنان، ونخرج كل واحد يذهب إلى بيت فلان أنا هو، كيف يعرفونه؟ البشرية كلها على صعيد واحد الآن لو تجتمع لا يلتبس اثنان ويختلطان أبداً! قولوا: آمنا بالله، فهذه نظائر الحكمة العجب، إذ لو اختلطنا وأصبحنا كالسيارات من تكون له مرأة خاصة به؟ من يكون له ولد؟ من يكون له بلد؟ من يكون له.. كل الناس سواء! لكن العليم الحكيم خلقنا على كثرة ما خلق فينا وكل له ميزاته وخواصه يتميز بها! من يقدر على هذا غير الله؟! حكيم أم لا؟ وانتقل من هذا إلى غيره والله ما وجدت فقيراً إلا لحكمة الله، ولا غنياً إلا لذاك، ولا صحيحاً ولا مريضاً ولا عالماً ولا جاهلاً إلا لحكمة ربانية اقتضت ذلك. إذاً: يسلم الأمر للحكيم ولا ينازع؟ بعض مظاهر منازعة الخلق لله في أمره ولكنكم أنتم نازعتموه عز وجل وذلك بأمور: أولاً: الحكام المسلمون أبعدوا شرع الله وقدموا شرع غيره. ما هو موقفهم؟ أبعدوا الله أم لا؟ اتهموه بالنقص، ما عنده علم. يقولون: هذه الشرائع التي جاءت من أوروبا هي التي تحقق العدل والمساواة وتحقق كذا وكذا، أما شريعة الله هذه فقد أكل عليها الدهر وشرب. والله لهذا هو موقف من يحكم شرع غير الله، وهو يقول بلسان حاله: الله لا حكم عنده، وليس هو لها بأهل، ولذا شرعه ما يسعد ولا يكرم ولا يحقق هناء ولا سعادة. واضحة هذه أم لا؟ فيا ويلهم! ويا ويحهم يوم يسألون، لو عرف حاكم ما عرفتم هذه الليلة فسيدعي أنه جن وسيقول: انقلوني إلى المستشفى، أنا مجنون! هرباً بنفسه، لكن ما علموا، ما بلغهم، وما اتضح الأمر لهم، فقلد بعضهم بعضاً.ثانياً: المبتدعة الذين يبتدعون البدع ويقدمونها على أنها عبادات يعبد بها الله عز وجل، هؤلاء اتهموا الله بعدم الحكمة وبعدم العلم. التعريف بالطريقة التيجانية وتحذير المسلمين منها هذا يوحي إلي ويقول: هناك شخص بيننا متعصب للطريقة التجانية فبين لنا بعض الشيء عنها يا شيخ؟اسمعوا! إخواننا من الجن كانوا مورطين مثلنا اليوم، وقالوا: كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11] وها نحن ما زلنا طرائق قدداً، هذا تجاني، هذا عثماني، هذا قرظي، هذا رحماني، هذا علوي، فلا إله إلا الله! كيف هذا؟ والله القرية الواحدة تجد فيها هؤلاء من إخوان عبد الرحمن، وهؤلاء من إخوان عبد القادر ، هؤلاء من إخوان سيدي عبد الحفيظ وهكذا! أي ظلم أعظم من هذا الظلم؟ الله يقنن ويشرع ما فيه السعادة والكمال والشياطين تنفخ في الصدور وعلى ألسنة أوليائها ويقننون ويشرعون للأمة ويمزقونها ويشتتونها! يا أخانا! يا تجاني! قل: أنا مسلم، وانزع كلمة تجاني أو تهلك وتحترق، فأنت تناهض محمداً في أمته، وإياك أن تقول: أنا تجاني. بل قل: أنا مسلم.أيام الهبوط كانوا يقولون: هذا سيدي فلان المالكي، المذهب التجاني، الطريقة، الـ: كذا، الـ كذا، نعم. الجهل وظلمته. من عرف التجانية؟ قد بينا للصالحين وأنقذهم الله بالآلاف وعشراتها ومئاتها، أولاً: سيدي أحمد التجاني هذا جزائري، عاش في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر، فهو ليس من الصحابة، جاء بالطريقة التجانية، ورد يذكرون الله به في الصباح والمساء. لو أتى بهذا الورد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة كتب الله له مائة حسنة، وحط عنه مائة سيئة، وكأنما أعتق عشر رقاب ) عدل عشر رقاب، فلا بأس، أما أن يقول: هذا ورد الشيخ، ولا ينسب هذا إلى الله. وما يعطي هذا الورد؟ أكثر الطرق يعطون ورداً لا ينفع، ومن ذلك الذكر بلفظ: الله الله الله الله الله ساعتين أو ثلاث ساعات! أحدهم كان في باريس وكان له جيران نصارى جاء إخوانه من الشرق والغرب وأحيوا تلك الليلة على طرقتهم: الله، الله، الله، يضربون الخشب تحت أرجلهم، فتاهت الفرنسيات: ما هذا الذي حصل؟ اتصلت الشرطة: ما الذي حصل؟ قالوا: نحن نتعبد. تتعبدون هكذا؟! أبهذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وينتقلون من: (الله) إلى (هو هو هو هو)! ولا حول ولا قوة إلا بالله. ما هذه المحنة؟ إنه الجهل يا شيخ! من عيوب هذه الطريقة -وهي طريقة أحياناً تكون خيراً من كثير من الطرق، وفيها بعض الفضائل- من عيوبها: الصلاة الفاتحية، صلاة الفتح، وصيغتها: اللهم صل على محمد الفاتح لما أغلق، الخاتم لما سبق، ناصر الحق بحق، والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم. هذه الصلاة من حيث الصيغة هي معقولة مع ما فيها من المبالغة، لكن.. ما مصدرها؟ مصدرها عندهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج يقظة لا مناماً، وأعطاها الشيخ!وقال: إنها تعدل سبعين ختمة من القرآن! تقولها مرة كأنك ختمت القرآن سبعين مرة. هذه من وضع اليهود والنصارى؛ لصرفنا عن القرآن، فما دامت صلاة الفاتح مرة تعدل سبعين مرة من القرآن والله ما نقرأ القرآن! لم أقرأ عشرة أيام وأنا أقرأ حتى أختم ختمة؟ ومرة واحدة أصلي صلاة الفاتح بسبعين ختمة؟ ويعتقدون أنه الحق. هؤلاء كذبوا على الله، وكذبوا على رسول الله، وكذبوا على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما مصير من يكذب على الله ورسوله والمؤمنين؟ هل الرسول يخرج يقظة ويعطي للشيخ الصلاة؟ هل يقول هذا ذو عقل ودين؟ لو كان الرسول يخرج لخرج لـفاطمة لما غضبت وحزنت! لو كان يخرج لم ما خرج يوم السقيفة -سقيفة بني ساعدة- لما اختلف الأصحاب فيمن يولون؟! لماذا ما جاء الرسول لما طوقت المدينة بالاشتراكيين والماديين، جاءوا من مصر والعراق ومن كل بلد، الطماعون الماديون، والصحابة ما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً، يريدون أن ينقذوا دماء المؤمنين ولا كلمة واحدة، وفوضوا أمرهم إلى الله، انطبقت عليهم الجماهير المتكالبة على الدنيا؟ لم ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومزق ذلك الجمع؟! لم تقحموا بيت عثمان وذبحوه والمصحف بين يديه ولم يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لو كان الرسول يخرج لم ما يخرج في وقعة صفين؟ هذا من الكذب الفظيع، يكذبون على رسول الله، وتقبل الأمة وتمد أعناقها وتصدق، نعم كلام سيدي الشيخ، صلاة الفاتح.أنصح لأخي هذا أن يتبرأ من الآن من هذه الطريقة، فما عندنا إلا طريقة محمد صلى الله عليه وسلم: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153] أي: الطرق فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] لا تجانية، لا قادرية، لا رحمانية، لا عيساوية، لا أباضية ولا زيدية، لا كذا أبداً، لا إسماعيلية، لا رافضية، ولا شيعية، ليس هناك إلا: (لا إله إلا الله، محمد رسول اللهـ، نعبد الله وحده من طريق رسوله بما بين وقنن من كلمة الله أكبر إلى أن نخرج الأموال من جيوبنا. ركض العدو ركضاً كبيراً وتمكن منا فمزقنا فكم من مذهب، وكم من طريقة، وكم من دولة ودويلات، وكم من حزب، حتى أهل الدين عندنا متحزبون! هذا كذا، وهذا كذا، وهذا كذا، أمراض ما شعرنا بعدها بالصحة أبداً! الاجتماع على الكتاب والسنة هو طريق الفوز والنجاح ما هو العلاج؟ تريدون العلاج والدواء الشافي؟ اسمعوا! ها هو إبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة يناول إسماعيل إبراهيم الصخر والحجر وإبراهيم يضعها، وهما يتقاولان: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]. تعرفون التقاول؟ لما يشتغل العمال المؤمنين يأتون بقصائد وكلام للتخفيف عن أنفسهم، فإسماعيل وإبراهيم عليهما السلام كانا يقولان: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129] وهما يبنيان، واستجاب الله هذه الدعوة، وبعث في أولاد إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يعلم الناس الكتاب والحكمة، ويزكيهم، يهذب أرواحهم وآدابهم وأخلاقهم.إذاً: أيما أهل بلد أو قرية أو إقليم أو بيت يجتمعون على كتاب الله وسنة رسوله، فهذا هو التبيين، وهذا هو الطريق، فلا حزبية، ولا تجمعات، ولا تكتلات، ولا انتماءات، فإنها مظاهر المرض وأعراضه قطعاً، فأهل القرية كلهم مسلمون، إن كان فيهم نصراني أو يهودي فهو منزو في بيته لا علاقة له بهم، فإذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة يتوضئون ويحملون نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، فإن كان المسجد ضيقاً وسعوه ولو بالخيام، ولو بالحطب والخشب؛ حتى يتسع لأهل القرية فيجلسون من المغرب إلى العشاء بين الصلاتين يتعلمون ليلة آية من كتاب الله يحفظونها ويفهمون معناها، ويعزمون ويعتزمون على القيام بما تدعو إليه.وليلة أخرى حديثاً -أي: سنة- وهكذا يوماً آية ويوماً حديثاً، وتمر الأربعين يوماً والأربعة أشهر والعام؛ فيجدون أنفسهم مذهبهم واحد، ليس هناك مالكي ولا حنبلي ولا شافعي ولا زيدي ولا أباضي، فهم مسلمون، مذهبهم واحد.ثانياً: لما تتحد الكلمة هل يستطيعون أن يعيشوا في قريتهم شباعاً وإخوان لهم جياع؟ والله ما يستطيعون. هل يستطيعون أن يأمنوا وإخوانهم يظلمون بينهم ويعتدى عليهم؟ والله ما يستطيعون. كل ما في الأمر من مظاهر العجز والضعف والفقر والشر والخبث والفساد كلها تنقضي بنور الله، ووالله ليتحقق ما قلت متى أقبل أهل القرية وأهل الحي على الله في كتابه وهدي رسوله. ومن شك في هذا فسيقول: ممكن الطعام لا يشبع، وحتى الماء ما يروي، وتتأخر هذه السنن.فنقول له: كيف تتأخر هذه السنة؟ هل هناك طريق سوى هذا؟ والله لا طريق إلا هذا، نرضى أو نسخط، إن أردنا أن نعيش وأن نكمل وأن نفوز وأن نقود البشرية فعلينا أن نعود إلى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، لا فرقة بيننا أبداً، بل قال الله وقال رسوله.وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (78) الحلقة (219) تفسير سورة آل عمران (80) أخذ الله عز وجل على علماء بني إسرائيل الميثاق على بيان الحق وعدم كتمانه، وهذا العهد والميثاق يتناول علماء المسلمين من باب أولى، فهم حملة الرسالة، وخلفاء المصطفى صلى الله عليه وسلم وورثته في تبليغ الدين، كما حذرهم سبحانه وتعالى من أن يطمعوا في ثناء الناس ومدحهم على ما يفعلون من المعروف والخير، فضلاً عن الفرح بمدحهم على ما لم يفعلوه، بل الواجب في حقهم طلب مرضاة الله والرغبة بما عنده سبحانه وتعالى. تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الثلاثاء من يوم الإثنين ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ). اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.ما زلنا مع سورة آل عمران عليهم السلام، ومعنا ثلاث آيات مباركات، فهيا بنا نتغنى بها، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها، من أجل أن نعلم فنعمل؛ لما فيه رضا الله عز وجل، وهو ما يزكي أنفسنا ويطهر أرواحنا؛ لنصبح أهلاً لجوار الله عز وجل في الملكوت الأعلى.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:187-189].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!يقول تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:187]، الميثاق: هو العهد المؤكد باليمين والموثق به، وهو العهد بينك وبين آخر وتؤكده باليمين عليه أن تفعل أو لا تفعل.(وإذ) هنا في خطاب الحبيب صلى الله عليه وسلم، بمعنى: اذكر يا رسولنا لهم إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، والذين أوتوا الكتاب -أي: أعطوه-، و(الكتاب) هنا هو التوراة والإنجيل، ويدخل فيه كل من أوتي الكتاب من قبلنا أو منا، ونحن أوتينا أعظم كتاب وأجله، إذ نسخ كل ما سبقه من الكتب.فهذا الميثاق أخذه الله عز وجل وبينه بقوله: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آل عمران:187]، واللام موقعه للقسم: وعزتنا وجلالنا، (لتبينن) ذلك العلم وذلك الهدى، وذلك النور الذي في كتابنا الذي أنزلناه إليكم. لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آل عمران:187] أبيضهم وأسودهم، مؤمنهم وكافرهم، إذ لفظ الناس عام ولا مخصص له. وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] وكتمان الشيء جحده وتغطيته وستره وعدم الاعتراف به، والمقصود به هو عهد الله وميثاقه.أقول: أخذ الله العهد على أهل الكتاب قبلنا، ونحن أيضاً مأخوذ عنا، فيجب على أهل القرآن أن لا يكتموا منه حرفاً واحداً، ويجب أن يبينوه للناس، ويبينوا لهم ما أحل الله فيه وما حرم، وما ألزم وأوجب وما نهى، وتوعد وأوعد. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:187] وهو: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187]، فماذا فعلوا مع الأسف؟ قال تعالى مخبراً عنهم وهو العليم بهم: فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ [آل عمران:187]، يقال: اجعل الشيء نصب عينيك، وارمه وراء ظهرك، كناية عن عدم الالتفات إليه والأخذ به ومعرفته، نبذوه وراء ظهورهم أولاً. معنى قوله تعالى: (واشتروا به ثمناً قليلاً...) وثانياً: وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:187]، فوجه الاشتراء بالقرآن أو التوراة الثمن القليل أنهم يفتون بغير الحق ليحصلوا على دراهم ودنانير مقابل الفتيا، يشترون به ثمناً قليلاً، يجحدون ما فيه من هداية الله؛ ليبقى أتباعهم على ما هم عليه، وهم رؤساؤهم وقادتهم وموجهوهم؛ ليعيشوا قادة وسادة لهم يأكلون على حساب دين الله تعالى.وهذا الذي حصل لأهل الكتاب حصل نظيره لأمة الإسلام، فمشايخ الطرق والتصوف جلهم إلا من رحم الله يجحدون إن كانوا عالمين، وإلا فأكثرهم لا علم لهم ولا بصيرة بدين الله، ويستغلون تلك الشخصية الدينية، وإذا بالناس مريدوهم -أعني مريديهم- يسوقون إليهم قطعان البقر والغنم، والعسل والزيت والسكر؛ من أجل أن يشفعوا لهم يوم القيامة وأن يستجيب الله لهم دعاءهم، وهكذا في العالم الإسلامي منذ أن تراجع مجدهم وعزهم في القرن الثالث وهذه حالهم، يفتون العلماء، ويفتون السلاطين والملوك والرؤساء بما يرفع من قيمة الملوك والرؤساء بين أفراد الشعب، فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، ويكتمون ذلك كتماناً، ويرمونه وراء ظهورهم؛ من أجل الحصول على المنصب وعلى المال، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:187]، وهذا حصل في العالم الإسلامي من القرن الثالث، وهذا النوع موجود من العلماء، وحصل عند أهل الكتاب، حسبهم أنهم إلى الآن يصرفونهم عن الإسلام، بما يكذبون ويدعون، ويفترون على الله وعلى رسوله الكذب، فالذي منع اليهود والنصارى من أن يدخلوا في الإسلام هم رؤساؤهم، يعيشوا على تلك الرياسة والناس تحت أقدامهم وأرجلهم، فهذا بيان الله عز وجل. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:187]، أي: اذكرهم بالذات لجماعة اليهود، فقد بين لهم الطريق، لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187]، فالبيان الشرح والتفصيل، وعدم الكتمان أيضاً بيان الحق في كل قضية من قضايا الأمة، فما كان منهم إلا أن نبذوه وراء ظهورهم، واعتاضوا عنه الخرافات والضلالات، وما دونوا وكتبوا وما ابتدءوا، وقالوا. وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:187]، ثمن الدنيا كله قليل، وإن كانت لهم رئاسة ومناصب وأموال وخدم و.. و.. هذا كله قليل بالنسبة إلى ما عند الله في الدار الآخرة.أقول: على علماء الإسلام أن لا يكتموا ما جاء في كتاب الله، وعلى لسان رسوله، وأن يبينوه ولا يخافون في الله لومة لائم، وليصبروا على الفقر إن افتقروا، وليصبروا على التعب إن تعبوا؛ لأنها أمانة الله، حتى لا يراهم الله عز وجل قد كتموه ولم يبينوه واستغلوا ذلك فأكلوا وشربوا على حساب كتمان دين الله وجحوده.فكل من علم وعرف ينبغي أن يبين ويوضح لإخوانه، ولامرأته ولأولاده، ولجيرانه؛ لأننا أشرف أهل الكتاب، وكتابنا أجل وأعظم. تفسير قوله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ...) ثم قال تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:188].معاشر المستمعين والمستمعات! هنا آداب وتعاليم.. فالآية وإن نزلت في جماعة، لكنها عامة، بمعنى: يا عبد الله! لا تفرح..نقول: الذي أتى علماً، معرفة، هدى، بيان، صلاة، زكاة، صدقة، جهاد، رباط.. هذا الفرح به هو البطر والأشر، والعلو والسمو، هذا لا يرضاه الله لعبده المؤمن.قوله تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ [آل عمران:188]، بماذا؟ بِمَا أَتَوا [آل عمران:188]، أي: فعلوا؛ جهاد جاهدوا، أموال أنفقوها، علمٌ بينوا، ليلٌ قاموا، صيام صاموا، ويصبح ذلك الفرح تبجحاً لهم، وأشراً وبطراً، فهذا الموقف لا يرضاه الله لأوليائه، نعم نسر بالعمل الصالح ونجد برودته في قلوبنا، لكن لا نتبجح به ونعلن عنه لنصبح بين الناس سادة، أو أتقياء أو أولياء أو علماء.ونذكر أن رجلاً مدح أخاه في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: ( ويحك ) وفي رواية: ( ويلك لقد قصمت ظهر أخيك )، فالمؤمنون الصادقون والمؤمنات الصادقات إذا فعلوا خيراً لا يطلبون منه الشهرة والسمعة وأحاديث الناس، ولا يطلبون به التعالي والترفع عن غيرهم؛ لأنهم صاموا والغير ما صام، تصدقوا وغيرهم ما تصدق؛ لأن الرياء هو الشرك، فإذا أتيت يا عبد الله عملاً صالحاً احمد الله عز وجل، واسأله القبول، وابك بين يديه أن يديم هذا العمل ولا ينقطع عنك، لا أن تظهر في مظهر أنك وأنك فعلت، وأنك تفعل وتفعل. يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [المؤمنون:60-62]. سألت عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة.. فهمت عائشة رضي الله عنها أنهم يرتكبون الآثام والذنوب وقلوبهم خائفة، فأعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أنهم يأتون الصالحات وهم خائفون أن لا تقبل منهم؛ لخشيتهم وتقواهم )، يفعلون الصالحات وهم خائفون أن لا تقبل، فليسوا أولئك الذين يرتكبون الذنوب وهم خائفون مشفقون، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] خائفة من الله من أن لا يقبل منهم ذلك العمل الصالح.فكيف إذاً بالذي يفعل العمل الصالح ويتبجح به، ويعلن عنه ويظهره، بل يحمل على أن يتكبر به وأن يرى الأفضلية له، هذا الخلق ما يرضاه الله؛ تورط فيه أهل الكتاب، فكانوا معاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، إذا فعلوه رأوا أنهم أفضل وأنهم أقدس وأطهر من غيرهم، حتى المنافقون وقعوا في هذه المحنة، فأدبهم الله عز وجل بهذا الكلام الموجه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا [آل عمران:188]، أي: ما فعلوا من الأفعال: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران:188]، فهذه زلة أخرى. الأولى: يفرحون بما أتوا، فيحملهم ذلك على البطر والأشر والفخر والمباهاة.وأخرى: ما يفعلون العبادة ولا العمل الصالح، ويبحون أن يحمدوا عليه، بواسطته يريدون أن يعلنوا للناس أنهم فعلوا وما فعلوا، من أجل أن يحصلوا على ذكر الخير، وعلى الثناء والحمد من الناس، فهذا نعوذ بالله تعالى منه.أولاً: معاشر المستمعين والمستمعات! لما يوفقك الله لعمل صالح لا تستعلم به وتذكره تطلب ثناء الناس، وتطلب الشرف عليهم والسمو، اترك هذا لله، بل افعله وأنت خائف أن لا يقبل منك: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]، يأخذ ألف ريال وهو في حاجة إليها، ويضعها في جيب الفقير، وهو خائف أن لا تقبل منه، لا أن يقول: فعلنا وتصدقنا ونتصدق، وأعظم من هذه أنه ما يفعل ويريد أن يُحمد بين الناس وهو ما فعل، إما بالإعلانات في الجرائد، وإما بأحاديث الناس وإلا كذا وكذا؛ ليحصل على الثناء بدون ما فعل ولا قدم، كلا الخلقين مذموم، ولا ينبغي لمؤمن أن يتخلق به.يقول تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا [آل عمران:188]، أي: من الأعمال الصالحة: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران:188]، من جهة يتبجحون ويتطاولون ويثنون على أنفسهم: فعلنا وفعلنا وفعلنا من الصالحات هذا لا يصح، ومن جهة ثانية ما يفعلونه أموراً ويودون أن يحمدوا بين الناس ويثنى عليهم وأنهم فعلوا وفعلوا، وما فعلوا، كلاهما مذموم ولا يصح لمؤمن ولا مؤمنة.وقوله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ [آل عمران:188] يا رسولنا بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ [آل عمران:188]، ما بعدوا عنه أبداً ولا رحلوا من ساحته، بل هم فيه قائمون عليه: لا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ [آل عمران:188] هذا في الدنيا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:188] في الآخرة، الذين يراءون ويتبجحون ويريدون أن يسودوا على الناس بالكذب هؤلاء سوف ينزل بهم عذاب الله في دنياهم، وما يدخر لهم في الآخرة والعذاب الموجع الأليم. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير قوله تعالى: (ولله ملك السموات والأرض...) قال تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:189] ما منا إلا مملوك لله، أنت ومالك وزوجتك وأولادك مملوك، البلاد كلها وملكها ورجالها كلها مملوك لله، لا يخرج شيء أبداً عن قبضة الله وملكه، فنرجع إذا أردنا الصواب إلى الله، نذل له ونخضع بين يديه، لا أن نتكبر ونترفع ونحن مقبوضون في قبضة الجبار جل جلاله وعظم سلطانه، لا يفيدنا التبجح، ولا التعالي، ولا التكبر، ولا السمو، ولا طلب الرفعة، فالله ما يفيد أبداً؛ لأن الملك لله عز وجل هذا أولاً. وثانياً: والله جل جلاله على كل شيء يريده قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.فعلى القلوب الواعية أن تفزع إلى الله عز وجل، وأن تطرح بين يديه، وأن تسلم الأمر له، ومن طلب رفعة فليطلبها في دار السلام في الدرجات العلى، أما الدنيا فلا خير في سموها ولا رفعتها، بل الخير في التطامن والتواضع، واللين والانكسار بين يدي الجبار، فهذه هداية هذا القرآن الكريم. ملخص لما جاء في تفسير الآيات لنستمع إلى الآيات المباركات: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:187-189].فالميثاق هو عهد مؤكد بيمين، أخذه الله على أهل الكتاب وأهل القرآن من باب أولى، فعلى أمة الإسلام أن لا تكتم الحق، وعليها أن تظهره، وتدعو البشرية كلها إلى أن تؤمن بالله ولقائه، وتعبد الله بما شرع؛ لتنجو وتسعد وتسلم، ولا يحل كتمان هذه الملة وجحودها، العلماء بصورة خاصة العارفين يجب أن لا يكتموا حلالاً أحله الله، ولا حراماً حرمه الله، فليبينوا.خلقان مذمومان: الأول التبجح والتطاول على الناس بالعمل الصالح، فهذا لا يليق بمؤمن ولا مؤمنة أبداً، بل نصوم ونصلي ونتصدق ونعبد الله، ونحن وجلون خائفون، لا أن نتخذ من ذلك تعالي وتكبر على الناس؛ ليقبلوا أيدينا وأرجلنا.ثالثاً: لا نحب أن نحمد بما لم نفعل أبداً، لو قيل: أنت تصدقت بكذا؟ نقول: لا ما تصدقتُ، قرأنا في الجريدة كذا، لا ليس أنا، هذا غيري، لا أن نوعد للناس يتمدحون بنا، ويقولون: فعلوا فعلوا، ونحن ما فعلنا. لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران:188]، ما فعلوا، ويريدون أن يحمدوا على ذلك، هذه الأخلاق الذميمة ما رضيها الله لعباده الصالحين.وأخيراً لنعلم أن لله كل ما في السماوات والأرض، فلا باب نقرعه إلا بابه، ولا هناك من نطرح بين يديه نسأله إلا هو، وليس هناك من نكل إليه أمرنا ونفوضه إلا إلى الله؛ بعلمنا اليقيني أن الله لا يعجزه شيء، اسأل مطلوبك من الله، اسأل خيري الدنيا والآخرة، فإن بيده كل شيء، وهو على كل شيء قدير، املأ قلبك بهذا النور يا عبد الله.هذا هو القرآن الكريم الذي حولوه إلى الموتى، وجعلوا دراسته محرمة، الذي يفسر القرآن فيصيب قد أخطأ، وإذا أخطأ كفر والعياذ بالله! فألجموا العلماء وكمموا أفواههم، لا تتكلم في القرآن، وتكلم بما شئت من قال فلان وقال فلان، حتى قال أحد علماء الأزهر؛ ذكر ذلك الشيخ رشيد رضا ، قال: من يقول: أنا أتعبد بالكتاب والسنة فقد تزندق! ما يفهم الكتاب والسنة أحد أبداً، خذ العلم من مؤلفات ومصنفات فقهاء الإسلام!والطريقة نكررها ونبلغها، قف يا عبد الله! وانظر إلى هذه الحلقة التي يجب أن تكون يومياً في كل حي من أحياء العالم الإسلامي، في كل قرية من قرى العالم الإسلامي، إذا صلوا المغرب نساءً ورجالاً وأطفالاً، يجلسون جلوسنا هذا من المغرب إلى العشاء، يتعلمون الكتاب والحكمة، هذا هو طريق النجاة وسبيل الخلاص، بدون هذا فلا علم ولا عمل إلا ما شاء الله مما قل.العودة الحقيقية في العالم الإسلامي هي أن يوقنوا أن الجهل بالله ومحابه ومساخطه هو الذي قعد بالمسلمين هذا القعود الذي أصبحوا أذلاء محتاجين فقراء إلى غيرهم، فالعودة أن نعود إلى العلم؛ علم قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.أسألكم بالله يا عقلاء! إذا دقت الساعة السادسة مساءً أخذ الرجال يتطهرون والمؤمنات يتطهرن، وقصدوا بيت ربهم في حيهم أو قريتهم، لا يحتاجون إلى سيارة ولا إلى بعير يركبونه، المساجد حول بيوتهم، يجتمعون من المغرب إلى العشاء اجتماعنا هذا، أرأيتم السكينة علينا كيف هي؟ هل سمعتم لغطاً أو صوتاً؟ لو كنا نرى الملائكة والله لرأيناهم يحفون بنا، وقد ذكرنا الله في الملكوت الأعلى، فتحققت ولايتنا له؛ مثلنا يخزيهم الله؟! مثلنا يذلهم الله؟! والله ما كان ولن يكون، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، فتقوى الله عز وجل لابد لها من العلم الصحيح، ولابد من معرفة ما يحب ربنا من الاعتقادات والأقوال والأفعال، وكيف نقدم ذلك ونتعبد به ربنا، لابد من العلم، فلا ولاية بدون علم أبداً ومستحيل.وطريق العلم ليس معناه أننا نوقف دولاب العمل؛ لا مزرعة ولا مصنع ولا متجر ولا.. ولا..، كلنا في المساجد نتعلم، لا، فقط إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل، كما هو في أوروبا واليابان والأمريكان والصين، إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل، ويذهبون إلى المقاهي والملاهي والمراقص والمقاصف ودور السينما، والمؤمنون يذهبون إلى بيوت ربهم، بأطفالهم ونسائهم، يتلقون الكتاب والحكمة، يوماً بعد يوم، عام بعد آخر، ما يبقى جاهل ولا جاهلة، وإذا انتفى الجهل ينتفي به: السرقة، الغش، الشرك، النفاق، الخداع، الباطل، الظلم، الزنا، الفجور، كل ذلك يمحى محواً؛ لأنها سنة الله لا تتخلف.وأخيراً نقول: إذا شككت، فانظر أعلم أهل القرية تجده أتقى أهل القرية، لن تتأخر سنة الله عز وجل، يقول تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، عالمون بربهم، فأحبوه وخافوه، علموا محابه فقدموها له تملقاً إليه وتزلفاً، علموا مكارهه فتجنبوها وابتعدوا عنها، فتمت ولاية الله لهم، فأعزهم ولا أذلهم وأكرمهم ولا أهانهم.متى يعرف المسلمون هذا؟ فكيف نطالبهم بالجهاد والدمار، وهم ما استطاعوا أن يجلسوا ساعة في بيت ربهم يبكون بين يديه؛ لتتآلف القلوب والنفوس وتتلاقى الأرواح على نور الله وحبه وتقواه.فقد قالوا لي: يا شيخ! هذا الكلام الذي تقولوه ليس معقولاً، نريد أن ننزل للملكوت الأعلى، نخترق السبع الطباق وما نضحي بساعة من ليل أو نهار، ونقول: هذا غير معقول هذا مقبول؟ نريد أن نسود العالم وأن نطهر البشرية وأن نصبح أولياء الله، نعجز عن نحضر بيته ساعة أو ساعة ونصف اليوم والليلة، ولكن هذا قضاء الله وقدره. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات هذه الآيات الثلاث لها هدايات أيضاً، فننظر من أين نستنبط هذه الهدايات:قال: [ من هداية الآيات: أولاً: أخذ الله الميثاق على علماء أهل الكتاب ببيان الحق يتناول -أيضاً- علماء الإسلام ] كما بينا [ فإن عليهم أن يبينوا الحق ويجهروا به، ويحرم عليهم كتمانه أو تأويله إرضاء للناس ليحوزوا على مكسب دنيوي مالاً أو جاهاً أو سلطاناً ].[كتمانه أو تأويله] أي: بتفسيرات غير صالحة [إرضاء للناس] حتى يسودوا عليهم [ليحوزوا على مكسب دنيوي مالاً أو جاهاً أو سلطاناً].[ ثانياً: لا يجوز للمسلم أن يحب أن يحمد بما لم يفعل من الخير والمعروف، بل من الكمال أن لا يرغب المسلم في مدح الناس وثنائهم وهو فاعل لما يستوجب ذلك، فكيف بمن لم يفعل ثم يحب أن يحمد! بل بمن يفعل الشر والفساد ويحب أن يحمد عليه بالتصفيق له وكلمة يحيا الزعيم ].انتهت هذه وقد عشناها أكثر من أربعين سنة: يحيا الزعيم، يصفقون ويصفقون يحيا الزعيم، وهو ما فعل شيئاً بل دمر البلاد والعباد.كنا مرة في مؤتمر عربي حضره العرب حتى النساء إلا المصريات والسعوديات والعمانيات؛ لأن مصر مع تلك البلاد ما هم متفاهمين، فجلسنا وجاء الزعيم يخطب، خطب وإذا بالجالسين كلهم يقفون للتصفيق.. لا إله إلا الله، ما هذه الأمة! ( التصفيق للنساء، والتسبيح للرجال ) قولوا: الله أكبر.. الله أكبر، أما نصفق ونحن ثلاثة عبد المحسن والشيخ وآخر في أبها جالسين، فتساءلوا: لِم هؤلاء لم يصفقوا؟قلنا لهم: التصفيق للنساء، والتسبيح للرجال، والشاهد عندنا مظاهر الهبوط، هبطنا من علياء السماء إلى هذه الأرض، فمن يرفعنا؟ الكتاب والسنة، فبالله والرسول بهما ارتفعنا، ولما عاديناهما هبطنا، فكيف نعود؟ بالكتاب والسنة، حتى لا تبقى مذهبية ولا عنصرية ولا إقليمية ولا.. ولا.. مسلم، قال الله قال رسوله.قال: [ ثانياً: لا يجوز للمسلم أن يحب أن يحمد بما لم يفعل ] بل حتى إذا فعل ما يحب أن يحمد بين الناس ويشتهر.قال: [ بما لم يفعل من الخير والمعروف، بل من الكمال أن لا يرغب المسلم في مدح الناس وثنائهم وهو فاعل لما يستوجب ذلك، فكيف بمن لم يفعل ثم يحب أن يحمد! بل بمن يفعل الشر والفساد بالأمة ويحب أن يحمد عليه بالتصفيق له وكلمة: يحيا الزعيم.ثالثاً: ملك الله تعالى لكل شيء وقدرته على كل شيء توجب -ماذا؟- الخوف منه والرغبة إليه وأكثر الناس عن هذا غافلون، وبه جاهلون ].ملك الله تعالى لكل شيء، وقدرته على كل شيء، يوجب الخوف من الله والرغبة فيما عنده، وأكثر لا يخافون ولا يرغبون؛ للجهل.وصلى الله على نبينا محمد. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (79) الحلقة (220) تفسير سورة آل عمران (81) الآيات والعظات التي يبثها الله عز وجل في كل مكان إنما ينتفع بها أصحاب العقول النيرة والقلوب الحية، فيدفعهم ذلك للإيمان بالله واليقين بموعوده سبحانه، فيذكرونه سبحانه على كل حال؛ قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ويدركون أن كل ما خلقه الله عز وجل وقدره فإنما هو لحكمة عظيمة؛ لأنه سبحانه منزه أن يكون شيء من أفعاله للهو والعبث الباطل، فقد خلق الخلق لعبادته وتقديسه، فمن آمن أفلح ونجا ودخل جنة المأوى، ومن كفر فإن مآله إلى نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى. تفسير قوله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، اللهم اجعلنا من الفائزين بهذا الموعود على لسان رسولك صلى الله عليه وسلم.وما زلنا مع سورة آل عمران عليهم السلام، وهانحن مع هذه الآيات الست، فهيا نتغنى بتلاوتها، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما احتوته من الهداية الإلهية لعباده المؤمنين.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ [آل عمران:190-195]. دلالة المخلوق على وجود الخالق عز وجل الآيات موضوعها واحد -وإن كانت طويلة- فهيا نتدبر قول ربنا جل ذكره: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190] هذا خبر من أخبار الله تعالى مؤكد بكلمة (إن) فهيا نتدبر هذا الخبر.أولاً: والله! إنه لصدق وحق، وكيف لا والمخبر هو الله الذي خلق عقولنا وأفهامنا وطاقاتنا وقدراتنا على أن نفهم. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:190]، فالسماوات والأرض من مخلوقات الله عز وجل، فهل بلغنا أن خالقاً غير الله خلق؟!الجواب: ما ادعى كائن في العوالم كلها أنه خلق كوكباً واحداً، لا كواكب السماء وما فيها، فكيف نطأطئ رءوسنا ونقول: هاه.. لا ندري! لِمَ لا ندري؟! فلو سألنا: من خلق السماوات والأرض؟فسوف نجد من يخبرنا أن خالقهما الله.. اسمه الأعظم الله.. المعبود بحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه، السماوات السبع أجرامها، أفلاكها، كواكبها، مسافاتها، مساحاتها.. هذا هو الخلق العظيم، هل يعقل أن شيئاً يوجد بلا موجد؟مثلاً: كأس فيه لبن موضوع على منضدة، فهل نستطيع أن نقنع أي إنسان أن هذا وجد من نفسه؟!مستحيل أن نقنع إنسي أو جني أن هذا كأس اللبن هكذا وجد بدون موجد. فكيف إذاً بهذه المخلوقات؟نقول: السماوات وهي سبع وما بين السماء والسماء مسافة خمسمائة عام، وسمك السماء وغلظها خمسمائة عام.فكوكب الشمس هذا المضيء الملتهب النهاري، قالوا عنه علماء الفلك: إنه أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة. فحرارتها تتدفق علينا ولن تنتهي وليس لها نهاية حتى قيام الساعة. وكوكب القمر قريب منا يكاد يلصق بأرضنا والمسافة لا تستطيع أن تعرفها. فالله سبحانه وتعالى وحده خالق هذه الكواكب كلها. إذاً: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:190] أولاً. دلالة المخلوق على قدرة وعلم الخالق عز وجل قال تعالى: وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [آل عمران:190]، أي: الله سبحانه وتعالى وحده هو مصرف الليل والنهار، ولا بمقدور البشرية ولا طاقة لها على أن تأتي بالليل أو بالنهار.فهذا الاختلاف بوجود ليل ووجود نهار هو لصالح الخليقة، واختلاف الليل والنهار أولى من وجود نهار دائم، أو ليل دائم.إذاً: الخالق دل خلقه أولاً على وجوده، فهو موجود فوق عرشه بائن من خلقه.. الملكوت كله تحت قدمه، يدبر الكون كله. فهذا العظيم كيف نقيس عظمته بالعظمة، ونحن أعجز ما نكون أن نخلق ذبابة وهو خالق كل شيء؟!ففي خلق السموات والأرض، وفي اختلاف الليل والنهار آيات وعلامات دالة -أولاً- على وجود الله، و-ثانياً- دالة على وجود قدرته عز وجل قدرة لا يعجزها شيء، و-ثالثاً- دالة على علمه عز وجل قد أحاط بكل شيء، ورابعاً دالة على رحمته عز وجل التي وسعت كل شيء. فكيف إذاً لا نحبه ولا نرهبه ولا نخافه؟!فكيف إذاً لا نعبده بكامل معنى العبادة والطاعة؟!وأبشع من هذا أن نتجاهله، ولا نذكره ولا نلتفت إليه، ونعيش كالبهائم نأكل ونشرب وننكح، فأين يذهب بعقول البشر؟! إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ [آل عمران:190]، أي: لمن ينتفع بها، أما الأعمى الذي لا يرى أي علامة وضعت له في الطريق ترشده فلا ينتفع بها.مثلاً: إذا أردت القرية الفلانية تضع لها علامات.. كل مائة خطوة علامة؛ حتى يهتدي السائر إلى تلك القرية. معنى قوله تعالى: (لأولي الألباب) قال تعالى: لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، والألباب: جمع لب. لب وألباب، والمراد به هنا العقل، أو القدرة الباطنية التي بها يميز الإنسان بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وبين الموجود والمعدوم، فمن فقد تلك الطاقة الباطنية المعبر عنها بالقلب والعقل فوجوده كلا وجود له، ما يشاهد آية من الآيات أبداً.ودليل ذلك: فعلماء الفلك، وعلماء الطبيعة، وعلماء الذرة يدرسون ويحللون ويندهشون، ولم يستطيعوا أن يقولوا: آمنا بالله.. لا إله إلا الله، فهم يتعايشون مع الأفلاك والأجرام السماوية، ولم يسألوا: من خلق؟ لِمَ خلق؟ كيف هذا الخالق؟فلو سألوا لأجابهم أهل القرآن وبينوا لهم. فهم لم يسألوا لانطماس بصائرهم وعماها، ولفساد قلوبهم وعقولهم، والذي أفسد قلوبهم وعقولهم هو الشيطان عليه لعائن الرحمن، فلم يسمح لهم أن يفكروا ساعة فيمن خلق، يحللون ويركبون ويعللون ويهبطون ويطلعون، ولا يفكرون من خلق؟ أو لِمَ خلق؟ فالشيطان هو الذي كمم ألسنتهم وأعماهم، ولا يريدهم أن يسلموا لينجوا من عذاب الله؛ ألم نقرأ قوله وهو بين يدي الله يقسم: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82]. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لمن؟ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190] (أُولي) بمعنى أصحاب، أو ذوي الألباب. تفسير قوله تعالى: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) قال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، أي: الذين يذكرون الله بقلوبهم وألسنتهم في كل أحيانهم، اللهم إلا عندما يدخلون الحمام.فلهذا تقول الصديقة عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه ) دائماً يذكر الله، والذكر هنا بالقلب واللسان.الذين يذكرون الله حال كونهم قياماً، حال كونهم قاعدين، حال كونهم على جنوبهم.. هذا أولاً. الحكمة من التفكر في مخلوقات الله وثانياً: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:191] أي: ما السر في خلق السماوات؟ وما السر في خلق الأرض؟ وما السر في هذه المخلوقات؟حاشى لله أن يخلق هذا الخلق عبثاً، وحاشاه عز وجل أن يلهو أو يلعب، كيف يوجد هذه المخلوقات بلا فائدة، وبلا حكمة مقصودة؟! مستحيل.وتتجلى لهم الحقائق ويعرفون أنه خلق هذا الخلق لهذا الآدمي من أجل أن يذكره ويشكره.يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك، وخلقتك من أجلي، وفي القرآن الكريم: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، ما في السماوات وما في الأرض.فما أكرمنا على الله لو آمنا به وأحببناه ورهبناه، هذا الخلق كله من أجلنا، أما الله فهو غني غنىً مطلقاً ( كان الله ولم يكن شيئاً غيره .. ) فخلق هذه المخلوقات؛ لحكم عالية منها: أن يذكر ويشكر في هذه الأرض.فمن ذكر الله وشكره طول حياته أكرمه ورفعه إليه، وأنزله في جواره في الملكوت الأعلى، في الجنة دار السلام، ومن كفره وجحده وتنكر له، وعبث في الحياة، بالشرك والظلم والباطل جازاه الله سبحانه وتعالى جزاءً عادلاً، وهو أن يرمي به في عالم الشقاء المعبر عنه بالنار، لا يخرج منها أبداً، يظل في عذاب متواصل متنوع متلون العجب العجاب.وكثيراً ما نقول: قد يسأل السائل: أي رب! هذا المخلوق عصاك ثمانين سنة، إن طال عمره إلى ذلك أو زاد مائة سنة أو مائتين، فكيف تعذبه بليارات السنين؟!والجواب: أن هذا جريمته ليست أنه عصى الله ثمانين سنة أو مائة سنة، فجريمته أنه أنكر الكون كله.. أنكر السماوات والأرضين، والجنة والنار، والعوالم كلها، إذاً فجريمته لا تقدر بحساب حتى يعذب. فوجه أنه أنكر وجحد الكون كله؛ لأن الله خلق الكون من أجله، فإذا به يجهل الله ولا يؤمن به، فلا يذكره ولا يشكره، إذاً حكمه حكم من جنا جناية بتدمير العوالم كلها، فلهذا من العدل أن يعذب بلا حساب، يخلد خلوداً أبدياً في عالم الشقاء.فلو أن شخصاً قال لشخص: يعصي ربه مائة سنة، مائتين.. ألف سنة إن طال عمره، كيف يعذب ملايين السنين؟ أين عدل الله؟الجواب: فهذا المخلوق الذي ترك ذكر الله وشكره، وقد خلق لذكر الله وشكره، وخلق الله كل العوالم من أجله حتى الجنة والنار؛ من أجل أن يذكر الله ويشكر، فترك الذكر والشكر، إذاً جريمته كأنما نسف العوالم كلها؛ لأن الجنة، النار، السماوات، الأرضين، الأفلاك، كل هذه المخلوقات مخلوقة من أجل هذا الإنسان، وهو مخلوق من أجل أن يذكر ويشكر، فإذا ترك الذكر والشكر كأنما نسف العوالم كلها.فلهذا من يقول: كيف يعذب ألف سنة، مليون سنة، وهو عاش كافر أربعين عام أو خمسين عام فقط؟( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي )، فيجب أن نذكره قائمين وقاعدين وعلى جنوبنا، ونشكره بما يأمرنا أن نقوم به وننهر به؛ إذ ذكر الله وشكره طاعته بالجوارح واللسان. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
دلالة الآية على وجوب الجمع بين ذكر الله والتفكر في مخلوقاته عز وجل قال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:191] اسمع يا عبد الله! لا بد من الذكر والفكر.. الذكر وحده وأنت لا تتفكر لا ينفع، كالذي يغني ولا يدري ما يغني.الفكر فقط واللسان ما يعبد الله ولا يمجده.. لا ينفع، فلا بد وأن تجمع بين الذكر والفكر، والآية دالة على ذلك، فالذي يذكر ولا يتفكر فلن يعرف عظمة الله، ولا جلاله، ولا كماله، ولا آلائه، ولا إنعامه، ولا رحمته، ولا قدرته، ولا علمه.. فهو كالميت.والذي يفكر فقط ولا يذكر من يعبد ما انتفع بفكره؛ إذ يوجد -كما قلنا- علماء الكون اقتنعوا بوجود الله، ثم شهواتهم وشياطينهم ما سخرتهم أن يسألوا أهل العلم من هو الله؟ كيف نعبده؟ كيف نتقرب إليه؟ ما هي رسله؟ ما هي كتبه؟ وهكذا.. ليعيشوا محرومين ويهلكوا محرومين.قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190] من هم أولي الألباب؟ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، وهذا يتناول الصلاة؛ فصلاة الفريضة تؤديها قائماً، فإن مرضت فأدها قاعداً، فإن عجزت فأدها على جنبك، وسائر الأذكار في كل أوقاتك.قال: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:191] لما في ذلك الخلق من عظائم القدرة والعلم والحكمة والرحمة، فيزداد حبهم في الله، وتزداد رهبتهم من الله، فيذوبون في عبادة الله، ويصبحون في طهرهم وصفائهم كالملائكة، ويقولون: ربنا يا ربنا، ينظر ويتفكر. دلالة الآية على وجوب تنزيه الله سبحانه وتعالى ثم يقول: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ [آل عمران:191] أي: منزه يا ربنا عن اللهو والعبث والباطل، فهؤلاء الذاكرون المتفكرون قالوا: (ربنا)، أي: يا ربنا، ولم يقولوا: (يا ربنا)؛ لقربهم من الله، وقرب الله منهم، فبالياء ينادى للبعيد، أما من هو معك وأنت معه عندما تقول: سبحان الله.. والحمد لله.. والله! إنك مع الله والله معك، ( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه ).إذاً: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا [آل عمران:191] أي: الخلق في السماوات والأرض وما فيهما بَاطِلًا [آل عمران:191] أي: للهو واللعب، ولا لغرض ولا لهدف ولا لحكمة، حاشك، قالوا: سبحانك؛ تقديساً وتنزيهاً لك عن اللهو والعبث.إذاً: فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]، (قنا) أي: احفظنا من عذاب النار، فقط ارفع رأسك إلى كوكب الشمس، فهذا الكوكب العجيب كله نار، وإن شككت وهذه الحرارة التي تدفقت علينا، سببها الشمس، وليس البحر أو جبال التب، فالشمس مملوءة بالنار.. فهي نار متقدة منذ أن خلقها الله عز وجل لا تنطفئ ولا تبرد، فلو كانت الشمس مفتقرة إلى الغازات وإلى الفحم حتى تشتعل لانتهت من قرون، فهي آية خلقها من أجلنا، لنستدفئ بها ونستنير بنورها، ونعرف بها الليل والنار والعام والعمر والآجال، ما خلقت عبثاً، ووراء ذلك حكم لا يعلمها إلا هو جل جلاله وعظم سلطانه. تفسير قوله تعالى: (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته...) قال تعالى: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران:192]، فقد سألوا الله أن يقيهم عذاب النار، ثم قالوا: يا (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته)، فلهذا نطلب منك يا ربنا ألا تدخلنا النار، وأن تقينا وتحفظنا من عذاب النار؛ لأن من تدخله النار أخزيته، والخزي معروف، والذل معروف، والخسارة معروفة. وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [آل عمران:192] فلا يستطيع أحد أن يخرج من النار.. أخزاه الله أسبوع، أو يوم.. ثم يجيء صاحب قدرة ينقذه ويخرجه؟! لا. وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [آل عمران:192] أي: ينصرونهم، فالظالمون لا يجدون من ينصرهم، وهنا الظلم بالمعنى الحقيقي الشرك والكفر بالله.فالشرك ظلم عظيم؛ ووجه ذلك مثلاً: فلان أخذ دابتي، وقال: ليست دابتك اصمت وإلا كسرت رأسك، فهذا يكون ظلمني. ومثال آخر: فلان يأتي إلى شاتي ويحلبها، ويقول: اصمت لن تشرب الحليب وحدك، فيكون ظلمه.. فلان أخرجني من غرفتي ونزل بها؛ لأنه قوي وأنا ضعيف، وهذا ظلم أيضاً.والذي يأخذ حق الله كيف يعبر عن ظلمه؟ فالذي اعتدى على فقير.. على مسكين.. على ظالم.. على قوي يكون ظلمه.والذي يأخذ حق الله ويعطيه لغير الله.. أعوذ بالله!وهذا لقمان الحكيم عليه السلام، وضع بين يديه طفله الصغير.. فضع أطفالك بين يديك ولقنهم الحكمة وعلمهم الكتاب، لقنهم الآداب السامية الرفيعة، الحياء، والصبر، والثبات، والآداب، والأخلاق.. فـلقمان وضع بين يديه طفله وأخذ يعظه: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].. ( لما نزلت سورة الأنعام وزفها سبعون ألف ملك؛ لعظمة ما فيها وسمع الأصحاب قول الله عز وجل فيها: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، قالوا: يا رسول الله! أينا لم يظلم؟ -فهذا قد يظلم أمته، وهذا قد يظلم أمه، وهذا قد يظلم امرأته.. لا بد أن يقع منا الظلم- فقال صلى الله عليه وسلم: ليس الأمر كما فهمتم، ألم تسمعوا قول لقمان الحكيم لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ) فالظلم العظيم هو الشرك بالله، أيخلقك الله يا بني ويرزقك ويكلؤك ويحفظك ويمتعك بسمعك وبصرك، ويخلق كل شيء من أجلك: الظل، كالشمس، كالبرد، كالهواء.. ككل شيء من أجلك، ثم تتجاهله، وتسوي به آخر من مخلوقاته فتعبده معه! أعوذ بالله!صحابي يتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ( ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: قل: ما شاء الله وحده )، من أنا وما أنا تسويني بالله؟ قل: ( ما شاء الله وحده ).ففي الروضة كان المنافقون يؤذون المؤمنين لضعفهم وقلتهم في بداية الهجرة، فقال الأصحاب وهم في الروضة: ( هيا بنا نستغيث برسول الله من هذا المنافق، فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم -لأن الجدار ستارة- فقال: إنه لا يستغاث بي، إنما يستغاث بالله.. ) مع أنه يجوز أن نقول: هيا نستغيث بفلان؛ لأنه قوي وقادر وحي ومعنا، ومع هذا من الأدب لا نقول هذه الكلمة، فهذه لله، إذ يقول تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9]، فكيف بالذين يستغيثون بالأموات؟! يا فاطمة ! يا حسين ! يا إدريس ! يا فلان! يا فلان! افعل وافعل. فوالله! كأنهم ما سمعوا به ولا عرفوه، فهذه زلة عظيمة، كم من مطيع طاعته مردودة عليه ما يحسنها، ما تنفعه. معنى قوله تعالى: (وتوفنا مع الأبرار) قال تعالى: وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193].إذاً يا شيخ تريدنا أن نتعلم؟! إي نعم. إذا لم تعرف كيف تتيمم ما تحسن ولا يصح تيممك، إذا لم تعرف كيف تسأل الله وتتملقه، فكيف ستسأله؟فكل العبادات ينبغي أن نكون عالمين بأسرارها وحكمها وعالمين بكيفيات أدائها، وهي ذات وقت معين وكمية محدودة.. وما إلى ذلك.إذاً تريد منا ألا يبقى جاهلاً؟ إي نعم. لن تتحقق ولاية الله لرجل أو امرأة بدون علم، فولاية الله تتحقق للعبد بشيئين هما: الإيمان والتقوى، والتقوى هي الطاعة، فالذي لا يعرف كيف يطيع الله فكيف سيطيعه؟ فلا بد من العلم.. يا شيخ ماذا نصنع.. الناس طاروا في السماء واخترقوا الكون ونحن نعود من جديد نطلب العلم في المساجد؟ هذه الكلمة يمليها العدو.فمنذ من ساعة صلاة الفجر.. واليهود والنصارى منذ الساعة الرابعة والنصف صباحاً أو الخامسة والنصف، أو السادسة والنصف، أو السابعة والنصف.. ثلاث ساعات وهم نائمون، ويقومون الثامنة، أنتم من الرابعة والنصف وأنتم في المصانع، في المزارع، في المعامل.. تعملون وتنتجون إلى قبل الظهر، وجاء وقت العصر إلى غروب الشمس وأنتم في العمل، فقط إذا مالت الشمس من الغروب أوقفوا العمل، لا دكان مفتوح ولا مقهى ولا مصنع ولا متجر ولا مزرعة ولا آلة ولا ولا.. فهيا إلى بيت الله. الله أكبر، ولله بيت اسمه الجامع، الذي يجمع أهل القرية أو الحي.. بنسائنا وأطفالنا، النساء وراء الستائر، والأولاد كالملائكة صفوفاً يسمعون الهدى ويتعلمونه، والفحول أمامهم ونتعلم العلم الذي تتحقق به تقوانا لله وبه تتحقق ولايتنا، ويومئذ لا خوف علينا ولا حزن.ما نريد أن نرقى هذا الرقي ونكمل هذا الكمال، ضعنا فقط.قال تعالى: وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193]، فكيف تسأل الله شيئاً ولا تطلبه أنت بيديك؟ لازم الأبرار، لا تفارقهم، انزل بحيهم، عش في إقليمهم وفي مدينتهم حتى تموت بينهم، أما تبعد عن الأبرار وتعيش مع الفجار وتقول: وتوفني مع الأبرار؟!! يجب أن تلازم الأبرار ولا تفارقهم، فأينما كانوا هاجر إليهم. تفسير قوله تعالى: (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ...) قال تعالى: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:194] أي: ربنا أعطنا ما وعدتنا على رسلك، من النصر، والعز، والكمال، والكرامة، والطهر، والصفاء.. ولا خوف ولا حزن. وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:194] أي: أعطنا ما وعدتنا على رسلك الآن في دنيانا، ولا تخزنا يوم القيامة بتعذيبنا بالنار؛ إذ قالوا: مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران:192]، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:194] أي: الوعد، وحاشاه أن يخلف الميعاد وهو القوي القدير. تفسير قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم...) وما زالوا يسألون الله: ربنا.. ربنا.. حتى استجاب لهم؛ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران:195] فليست دعوة واحدة في ساعة، فهذه دعوة طول حياتهم: ربنا وآتنا ما وعدتنا.. رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:193-194]. فَاسْتَجَابَ [آل عمران:195] هنا الفاء للترتيب والسببية فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران:195] فقال: أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] فالرجل من المرأة، والمرأة من الرجل، فلا فرق بينهما في الجزاء يوم القيامة. قال تعالى: أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ [آل عمران:195] أي: أيها المؤمنون الصادقون الأبرار، ذكراً كان أو أنثى بعضكم من بعض، فلا فرق بين الرجل والمرأة في الجزاء والتنعيم يوم القيامة.ثم قال تعالى: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا [آل عمران:195] أي: الذين هاجروا ديارهم وبلادهم، وتركوا أموالهم وذراريهم أيضاً، أبوا أن يقيموا في دار الكفر.. أبو أن يعيشوا في دار لا يعبدون فيها الله.. لا يستطيعون أن يهللوا ويكبروا.. وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ [آل عمران:195] أي: بالضغط والتنكيل والتعذيب كما فعل المشركون في مكة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين. وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي [آل عمران:195]، وأنواع الأذى لا تسأل عنها! وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا [آل عمران:195] أي: هؤلاء كلهم: لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ [آل عمران:195].معاشر المستمعين والمستمعات: هذه الآيات العشر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ في الثلث الآخر من الليل للتهجد يرفع رأسه إلى السماء ويقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:190-191] إلى آخر الآيات: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].فهذا عبد الله بن عباس في الصحيحين يقول: ( نمت عند خالتي ميمونة وتوسدت عرض الوسادة حتى إذا كان الثلث الآخر من الليل قام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شن معلق، فتوضأ، ثم رفع رأسه إلى السماء وتلا هذه الآيات ).وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير قوله تعالى: (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ...) قال تعالى: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ [آل عمران:198]، (لكن) استدراكية، الذين اتقوا خالقهم، الرب الخالق، الرب الرازق، الرب المدبر، الرب المحيي، المميت، المعطي، المالك لكل شيء. اتَّقَوْا رَبَّهُمْ [آل عمران:198]، أي: أتقوه بطاعته، وطاعة رسله، فالله يتقى بطاعته وطاعة رسله؛ لأن الله عز وجل يأمرهم، والرسول يبين لهم سبل السلام وطرق النجاة، والسمو والعلو بما يفعلون وبما يأتون، وبما ينهضون ويقومون به.فلا تفهموا من أن طاعة الله وطاعة الرسول إن شئتم صليتم وإن شئتم لا، وإن خشعتم أو لم تخشعوا، وإن شئتم زكيتم وإن شئتم لا، وإن شئتم طهرتم أنفسكم أو لوثتموها، فالله! ما هذا بالذي نتقي به الله عز وجل. نتقي الله بطاعته الكاملة وطاعة رسوله؛ لأن الرسول يبين ويشرح ويعلم ويبين المقادير ويبين الظروف وما إلى ذلك، فلابد من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.والاستغناء بالكتاب عن السنة يكون صاحبه كافر وضال وهالك، ومستحيل أن ينجو بالقرآن دون رسول الله؛ يقول الله عز وجل للرسول: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فالصلاة ذكرها تعالى بكتابه. فما هي الصلاة؟! وكيف نركع؟ وكيف نسجد؟ وما أوقاتها؟ فالقرآن مجمل والرسول صلى الله عليه وسلم يبين، فجبريل عليه السلام نزل من السماء وصلى برسول الله حول الكعبة أربعة وعشرين ساعة وهو يعلمه الصلاة وكيفيتها وأوقاتها، فطاعة الله وطاعة الرسول بهما يتقى غضب الجبار، وبهما يتقى سخط الله، وإذا اتقينا غضب الله وسخطه فزنا برضاه وبحبه، فإذا رضي عنا وأحبنا أسعدنا، وأكرمنا، وأعزنا، ورفعنا.هذا التعقيب العظيم: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران:198]، فالحال التي تتقي بها غضب الله وسخطه وما ينتج عنهما من عذابه تكون بطاعة الله، وطاعة رسوله. فنطيع الله في كل ما أمر عبده أن يعتقده، ويعقده في قلبه، ولو يمزق، ولو يصلب، ولو يحرق ما يبدل ذلك المعتقد ولا يتخلى عنه.وطاعة الله في ما أمر به من الكلم الطيب، فتقول الكلمة التي أمر الله أن تقولها، ولو بكى الناس كلهم أو ضحكوا، وطاعة الله في الأعمال والأفعال التي نقوم بها: من الصلاة، إلى الرباط والجهاد، وكل فافعل فهنا الطاعة، وطاعة الرسول من طاعة الله، فليس هناك فرق: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].ثم هذه العبادات، وهذه الأنظمة، وهذه الشرائع، هي سلم الرقي والسعادة في الدنيا والآخرة، فليست مجرد عبادات وخرافات وتأويل، فهذه أنظمة دقيقة من شأنها أن تعز وترفع المتقين.من آثارها: أن يسود أهل القرية المسلمة حب، وإخاء ومودة فيما بينهم، وأن يسودهم أمن وطهر وصفاء، فليست مجرد كلمة طاعة وتنفيذ الشريعة. لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ [آل عمران:198]، كما علمنا: لَهُمْ جَنَّاتٌ [آل عمران:198]، الأولون: مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:197]، وهم الكفار، الفجار، الفساق، الذين ما انتظموا في سلك رضا الله وحبه.أما الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ [آل عمران:198]، (جَنَّاتٌ) فوق السماوات التي إذا رفعنا رءوسنا رأينا سمواً وعلواً، ونشاهد كواكب، ونشاهد شمساً وقمراً، وهذا كله من صنع الله عز وجل. فكوكب الشمس أكبر من كوكب الأرض بمليون ونصف مليون مرة، فمن ملأه ناراً؟ وما هي الغازات التي تحترق فيه؟طأطئ رأسك وقل: آمنت بالله.وفوق هذه السماء سماء أخرى.. سبع سماوات، ومن ثم تجد الجنات، ووصف هذه الجنات خالقها، وصانعها، ومعدها لأوليائه، وهو الذي وصفها بأدق وصف، يقول الله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48]، فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50]، فِيهِمَا فَاكِهَةٌ [الرحمن:68]، فيهما.. فيهما.. وصف دقيق، حتى الحور العين: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72].إذاً: وعندنا شي آخر، وهو أن الرائد الأول محمد صلى الله عليه وسلم والله! لقد وطئها بقدميه الشريفتين، وشاهد حورها وقصورها وأنهارها، وقائده ورائده جبريل عليه السلام، ما عندنا خيالات أو أوهام كما يقول الهابطون والساقطون.يقول الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء:1]، فمن كان يحلم بهذا أو يفهم أن شخصاً من مكة يصل إلى بيت المقدس في دقائق؟! وكيف يتم هذا؟!إسراء الله برسوله؟ ومن بيت المقدس إلى: سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:14-15].إذاً: هو عاد ووصفها كما شاهدها، فهذه الجنات عرفنا أن آخر من يدخل الجنة يعطى مثل الدنيا مرتين، كوكبين.. قولوا اللهم اجعلنا من أهلها، ومعنى هذا: اللهم اجعلنا من المتقين، فإن استجاب الله لنا، وقال: أنتم من أهلها، والله ليتوب علينا، ويقودنا إلى التوبة حتى نتقيه، فسنن الله لا تتبدل.يقول الله تعالى: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [آل عمران:198]، أي: أربعة أنهار، وصفهم الله سبحانه وتعالى في سورة محمد، إذ قال: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [محمد:15]. فِيهَا أَنْهَارٌ [محمد:15]، أنهار: جمع نهر، وهذه الأنهار الأربعة هي بلايين، ولكن هذه أصناف الأنهار.أولاً: مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد:15].ثانياً: مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [محمد:15]؛ لأن اللبن إذا بات في غير الثلاجة يصبح حامض.ثالثاً: وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ [محمد:15]، حتى ما تقول: خمر متعفنة كخمر الدنيا. لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [محمد:15]، تجري بين القصور وتحت الأشجار، أبشروا إن متتم على لا إله إلا الله.قال: خَالِدِينَ فِيهَا [آل عمران:198]، الخلود: البقاء والدوام، انطوت العوالم ولم يبق إلا عالم علوي هو الجنة، وعالم سفلي هو جهنم، فقط، ولا فناء أبداً لا للعالم العلوي ولا للسفلي وهكذا أراد الجبار.قال: نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:198]، (النزل): الضيافة، فالآن يسمون الفندق النزل، وأصل النزل ما يعد للضيف، من طعام وشراب وفراش حتى يغادر، فالضيف تعد له نزله، وتهيئ له الفراش والطعام والشراب وما يحتاج إليه فهذا هو النزول، وتسمية الفنادق بـ(النزل) لا بأس به، لكن بالمقابل، وحتى نزل الجنة بالمقابل وهو الإيمان والعمل الصالح، وبالتقوى المكونة من إيمان وعمل صالح. نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:198]، إذاً: يعجز الواصفون عن وصفه، ما تستطيع أن تقدره أو تقنن؛ لأنه من عند الجبار عز وجل. وأخيراً يقول: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران:198]، وما عند الله فوق النزول هذا خير للأبرار. والأبرار: جمع بار، أو بر، وهو المطيع لله والرسول، الصادق في طاعته، المخلص فيها، الذي كثرت خيراته، وحسناته فأصبحت كالبر في ساحتها واتساعها؛ لأن البر ضد البحر. والأبرار كثرت صالحاتهم وحسناتهم وبذلوا ما لم يبذل غيرهم من الخيرات والصالحات فوصفوا بالبرور فكانوا الأبرار. أما المتقي فهو الذي يطيع الله في الأمر والنهي فله نزل عند ربه، لكن هذا اتسع نطاق بره وخيره، والمتقي هو الذي أطاع الله ورسوله فلم يعصيهما في واجب أوجباه ولا في محرم حرماه، وقد تكون حسناته قليلة. والبر البار: الذي يطعم الفقراء، المساكين، يكسو العراة، يداوي الجرحى، يبذل، يبذل.. يبذل الليل والنهار، زيادة على الواجبات، ولهذا: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران:198]، فأنت كن براً بحسب قدرتك. تفسير قوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم ...) وهنا حادثة حدثت.. فلما توفي النجاشي ملك الحبشة رحمة الله عليه، وكان إماماً في النصرانية وقائداً لها، وشاء الله أن يهاجر إلى الحبشة المهاجرون وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب ومجموعة معه، وقرءوا عليه سورة الكهف فبكى، ودخل في الإسلام، وبعثت قريش برجالها ليتسلموا الشاردين أو الفارين؛ فمنعهم وردهم خائبين.إذاً: مضت أعوام والرسول بالمدينة وتوفي أصحمة ملك الحبشة، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين إلى مسجد الغمامة، فكان ساحة وصحراء، وصلى عليه صلاة الغائب، فالمنافقون والمرضى قالوا: ما هذا يصلي على هذا الحبشي؟! مسيحي مات في بلاده، ما هذه الصلاة؟! فهذا طعن في اتجاه النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا المرض موجود في كل زمان ومكان، والذين لا أخلاق فاضلة لهم لابد أن يقعون في هذا، فأنزل الله تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:199]، (وإن) لتوكيد الخبر.. أي: اليهود والنصارى، لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [آل عمران:199]، أي: أيها المؤمنون وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ [آل عمران:199] أي: من التوراة والإنجيل، خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:199]، فدخل فيها عبد الله بن سلام ، ودخل فيها كل من أسلم من أهل الكتاب، وإن نزلت في النجاشي؛ لأن القرآن عام.فالآن لك أن تقول: ما من يهودي أو نصراني يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويدخل في الإسلام فيقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويبعد عما حرم الله إلا كان من هؤلاء الوارثين للجنة، فلا فرق بين عربي وعجمي، أبيض، أسود، كلها أول وآخر، كلها لا قيمة لها، وإنما من زكى نفسه، وطيبها، وطهرها، وأصبحت كأرواح الملائكة أصبح أهلاً لأن يرفعه إليه، وينزله بجواره في دار السلام، ومن خبّث نفسه ولوثها وعفنها فأصبحت كأرواح الشياطين ولو كان ابن النبي أو أباه ما دخل دار السلام.والحقيقة هذه يتجاهلها المغرضون والمبطلون، وينسون أن آزر والد إبراهيم الخليل في جهنم، ونسوا أن امرأتا: نوح ولوط، خانتا نبيين رسولين، وغشتهما وخدعتهما هما في جهنم، وفوق هذا كأنكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في طريقه في مكة إلى المدينة، قال لأصحابه: ( أذن لي أن أزور قبر أمي، فمر بها ووقف يبكي فسألوه، فقال: استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنت في أن أستغفر لها فلم يأذن لي فبكوا جميعاً )، تستغفر لشخص مات نفسه خبيثة منتنة، من يدخله دار السلام؟ونزل القرآن: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113]، الهابطون يقولون: هذا شيء آخر، أم الرسول في الجنة.أما الشيعة والروافض قالوا: أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، وعبد المطلب وأبو طالب .الشاهد عندنا: هذا شأن من يعرض عن كتاب الله ولم يدرسه ولم يجتمع عليه، وما أصابنا من ضعف وشر وخبث وظلم وفساد وهبوط نتيجة جهلنا بكتاب الله. أبعدونا كل البعد فأصبحنا نقرأ على الأموات.وأبرهن ونقول: كم من مرة نكون جالسين في المسجد فيمر بنا شخص حافظ القرآن، فنقول له: من فضلك اقرأ علي شيء من القرآن!!أو نقول: نحن عملة موظفون في دائرة، إذا استرحنا فهل نقول: أيكم يسمعنا شيء من القرآن؟ كيف إذاً نقرأ القرآن ونفهم مراد الله منه وما فيه من تعاليم وهدى؟وفوق ذلك من الحجج والبراهين، لقد خمت ديار المسلمين بالخبث والظلم والشر والفساد والإجرام نتيجة بعدهم عن نور الله وهدايته، ما أقبلوا على الله في صدق، وبعدوا عن بيوت الله وكتاب الله، وما يوجد من تعليم ومدارس لا تجزي؛ لأنهم ما أرادوا بها وجه الله، والبرهنة عندنا كثير في هذه المسائل.فمتى نعود؟ الباب مفتوح، فقط نصدق الله في أننا مؤمنون، ونأخذ بحزم أنفسنا، فإذا دقت الساعة السادسة مساءً يقف دولاب العمل، فلا دكان، ولا متجر، ولا مقهى، ولا مصنع، ولا مزرعة، ولا عمل، ولا سيارة.. الكل يقف.ويأخذ أهل الحي من أحياء المدينة أو أهل القرية يتطهرون ويغيرون لباسهم، ويأخذون نساءهم وأطفالهم، إلى بيت ربهم، والرب ينظر إليهم، انظر كيف أقبلوا علي، تركوا دنياهم وتخلوا عنها وجاءوا يستمطرون رحماتي ويطلبون رضاي، وما لدي وما عندي، فيجلسون جلوسنا هذا بعد صلاة المغرب، فليلة آية من كتاب الله يتغنون بها، فتحفظ وتحشى في الصدور، للصغير والكبير، للمرأة والرجل، ويفهم مراد الله منها والمطلوب، والعزم على العمل إن كان واجب فعلنا، وإن كان محرماً، تركنا واجتنبنا.والليلة الآتية حديثاً من أحاديث الرسول يحفظ حفظاً حقيقاً، ويشرح ويفهم المؤمنون والمؤمنات ويطبقون العمل؛ ما يمضي عليهم سنة إلا وهم كأصحاب رسول الله كالملائكة. ولن تجد أي جريمة في القرية.أما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، فكل الجرائم والموبقات من الجهل وظلمته في النفس، فليست من العلم ومعرفة الله، وهل هذا يشقينا ويتعسنا، ويوقف العمل؟قلنا: الذين تقتدون بهم اليهود والنصارى.. ادخل باريس، ادخل برلين أو لندن، فالساعة السادسة يقف العمل، ونحن يقف العمل، وإلى أين يذهبون بأطفالهم ونسائهم؟ إلى المقاصف، إلى المراقص، إلى دور السينما، إلى اللهو وإلى الباطل.ونحن ماذا ما نصنع؟ فكم سنة ونحن نبكي هذا البكاء؟ ما استطاع أهل قرية ولا حاكم يشرح هذا القانون ويلزم به؛ لتعود هذه الأمة إلى مسارها الأول، بلا تكلفة، ولو طبق هذا لاستغنت الأمة عن نصف الميزانية، وأقسم بالله على ذلك، والذي راتبه عشرة آلاف والله! لاتسعته وفاضت عنه، وأنفقها في سبيل الله، لما يدخل النور في القلوب، أما مع الظلمة والهوى، والشهوة والتكالب على الدنيا لن يكفينا شيء، فالآن السرقات والجرائم والتلصص، ولنصبح عالم هذه الأمة بالإيمان الحق والإسلام الصحيح، وهذا يأتي من طريق الإقبال على الله وتعلم الهدى، ولن يأتي بما نحن عليه.معاشر المستمعين! بلغوا هذه الدعوة؛ حتى نسمع من القرية الفلانية أصبحوا يجتمعون كلهم من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء كل ليلة ونزورهم، وبعد عام نسأل: كم جريمة ارتبكت؟ ولا جريمة. وكم من فقير يبكي جوعاً؟ ولا فقيراً.وكم من عارٍ يمشي بالناس بالعارية؟لأن هذا هدى الله ونور الله، مستحيل أن يتخلف.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (81) الحلقة (222) تفسير سورة آل عمران (83) إن عباد الله المؤمنين لم يؤتوا شيئاً خيراً من الصبر، فحياة العبد المؤمن في كل تفاصيلها بحاجة إلى الصبر؛ فصبر على طاعة الله سبحانه، وصبر عن معاصي الله، وصبر على المحن والبلاء، ثم مصابرة أعداء الله والرباط في سبيل الله؛ طمعاً بما عند الله عز وجل لعباده المجاهدين في سبيله، والباذلين أنفسهم وأموالهم في مرضاته، لذلك فقد كان آخر هذه السورة دعوة الله عز وجل لعباده إلى الصبر والمصابرة والتقوى؛ لأن ذلك هو سبيل الفوز والنجاح والفلاح. تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا...) إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:معشر الأبناء والإخوان المستمعين! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذا النداء الإلهي، من خاتمة سورة آل عمران، وهو قول الله عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، فهذه خاتمة سورة آل عمران ذات المائتي آية، وختمت بهذه الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]. خصوصية مناداة الله سبحانه وتعالى بـ(يا أيها الذين آمنوا) للمؤمنين دون غيرهم إن من إكرام الله تعالى لنا، أن نادانا بعنوان الإيمان في كتابه العزيز، نحو تسعة وثمانين نداء، إذ النداءات تسعون، أحد النداءات: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1]، والمنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمطلوب والعمل نحن المؤمنين، إذا طلقتم النساء، فبين لنا كيف نطلق، وكيف يعتد نساؤنا، وكيف نراجع وكيف.. إلى آخر ما جاء في أحكام الطلاق والعِدد.إذاً: ما السر بندائنا بعنوان الإيمان؟ علم المستمعون والمستمعات: أنه الحياة، المؤمن حي، والحي خلاف الميت، فالحي يسمع النداء ويجيب، إذا أمر وكان قادراً على الفعل فعل، وإذا نهي وزجر ازدجر وترك، وإذا عُلم علم، وإذا حذر حذر، وإذا بشر فرح واستبشر؛ وذلك لكمال حياته.ومن هنا قررنا أن غير المؤمنين أموات، والبرهنة القاطعة هي أننا لا نكلفهم وهم في ذمتنا وتحت رايتنا، ولا نكلفهم بصيام ولا صلاة، ولا حج ولا عمرة ولا جهاد؛ لأنهم بمنزلة الأموات، فإذا نفخت فيهم روح الإيمان، وقال أحدهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، سرت الروح في جسمه، العين تبصر، الأذن تسمع، اللسان ينطق، اليد تأخذ وتعطي، والرجل تمشي؛ وذلك لكمال حياته.فمن هنا نادانا مولانا تسعين نداءً، استولت هذه النداءات على كل متطلبات حياتنا نحن المسلمين، حياة السعادة والكمال، ومع الأسف ما عرف هذا المسلمون، ولا دروا ما به وما فيه، وها نحن مع هذا النداء، وهو آية واحدة، فلنتدبر ما يحتوي عليه هذا النداء. معنى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا) قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:200]، يا من آمنتم بالله رباً لا رب غيره، أي: خالقاً رازقاً مالكاً مدبراً لا رب غيره، وآمنتم بالله إلهاً، أي: معبوداً لا معبود يستحق العبادة سواه؛ لأن الذي لا يخلق ولا يرزق، ولا يحيي ولا يميت، ولا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع، دعاؤه والانحناء بين يديه، وتقبيل رجله، والركوع له عبث، لا يصح أبداً. فدعاء من لا وجود له، ودعاء من لا يسمع دعاءٌ غير معقول ولا مشروع، ولا يصح عقلاً، وكذلك دعاء من لا يقدر على إعطائك ما تطلب لا يجوز، ويكون دعاءك عبثاً، ودعاء من لا يقدر على إنقاذك وتخليصك من محنتك لا يجوز. فإذا مررت أمام منزل خرب وليس فيه سكان، ورأيت فقيراً ينادي: يا أهل البيت أطعموني، يا أهل الدار إني جائع، ظمآن، أنقذوني، ستقول لهذا الفقير المنادي: يا عبد الله! البيت خرب ليس فيه أحد، ولو تبيت طول الليل تنادي لن يسمعك أحد، اذهب إلى البيت الذي فيه أهله يسمعون ندائك ويعرفون حاجتك، ويقدرون على إنقاذك وإعطائك.ومن صور هذا النداء في حياتنا، نداء الذين يقفون أمام الأضرحة والقباب وقبور الصالحين وينادون ويستغيثون ويطلبون، حالهم كحال هذا الفقير الذي أمام بيت خرب ليس فيه سكان وهو ينادي ويطلب، فلا فرق بينهما؛ لأن الميت لا يسمع.مثلاً: لو فرضنا أنه سمعك عبد القادر أو فلان أو فلان.. في قبره فلن يمد يده لك بالعطاء، ولن يقدم لك كلمة ينصحك بها. فسؤاله إذاً لعب وعبث، ومع هذا ما زال بعض المسلمون إلى الآن يستغيثون ويدعون وينادون أمواتاً، غير أحياء؛ بسبب الجهل وظلمته، فلم يعلمهم أحد، ولم يجلسوا بين يدي أحد من العلماء يعرفهم بربهم حتى يعرفوه حق معرفته. فماذا ترجو منهم؟ فلابد من هذا التخبط والجهل والضلال، فمن أراد إنقاذهم فليعمل على جمعهم بين يديه وتربيتهم، وبعد ذلك يتأكد أنهم لا يدعون غير الله، ولا يستغيثون بسواه أبداً؛ علموا.يا من آمنتم بالله رباً وإلهاً! وآمنتم بالقرآن كتاباً يحمل الهدى والنور! فاستنارت قلوبكم وعرفتم الطريق إلى ربكم، من خلال ما حواه هذا الكتاب المنير، هذا النور الإلهي، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8].يا من آمنتم بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً! مرسل إليكم ليعلمكم ويبين لكم الطريق، ويهديكم إلى سبل نجاتكم وسلامتكم. من أنواع الصبر: الصبر على طاعة الله ورسوله يا من آمنتم بلقاء الله والوقوف بين يديه، وسؤالكم عن الذرة من الخير أو الشر، والجزاء العادل في تلك الساعة؛ أنتم الأحياء بسبب هذا الإيمان يأمركم مولاكم بالصبر، اصْبِرُوا [آل عمران:200]، صبر يصبر صبراً على شيء تحمل، ولم يفرط ولن يفرط، وقد علمتم أن للصبر ثلاثة مواطن: - صبر على طاعة الله ورسوله في الرخاء والشدة، في اليسر والعسر، في الغنى والفقر، في الحرب والسلم، بحيث لا تسمح لنفسك بأن تعصي الله ورسوله بترك واجب أوجباه، وعلمت أن هذا الأمر واجب الفعل ويحرم تركه؛ لأنه يزكيك ويهيئك لسعادتك، تركه يرديك ويشقيك، فالنفس تتململ وتتضجر إذا لم تحملها على أن تصبر. فلابد إذاً من أن تصبر وتأمر نفسك بالصبر على طاعة الله بفعل ما أمر به وأوجبه من العقائد والأقوال والأفعال والصفات والذوات، حبسها على الصلاة لا تفارقها، حبسها على بر الوالدين لا تعقهما، حبسها على ملازمة ذكر الله ما تتركه، جاهد والزمها ذلك هذا موطن، صبر دون معاصي الله والرسول، فالمعصية لا تقربها.والمعاصي: ما حرم الله ورسوله من زنا، من ربا، من عقوق الوالدين، من الغيبة، من النميمة، من الخيانة، من الغش، من الخداع، من الكبر، من العجب، أنواع المحرمات.فعبد الله المؤمن مأمور أن يحبس نفسه دون تلك المعاصي، ولا يأذن لها ولا يسمح لها أن تقرب معصية من تلك المعاصي، فكما تحبس طفلك في البيت حتى لا يخرج، وكما تحبس دابتك حتى لا تهرب كذلك تحبس نفسك؛ حتى لا تعدو إلى تلك المعصية فتقارفها، فحبس النفس دون معاصي الله ورسوله تتململ النفس وتتضجر وتدفعك وتحاول أن.. وأنت كالأسد لا تبال بتخبطها وحيرتها وشهواتها وأهوائها.ولا تقل: هذا متعذر، فالفعل قد تعجز عنه، أما الترك ففي الترك راحة، فلو أمرت أن تشرب محرماً هذا فعل صعب، فلن تستطيع أن تشرب سم، لكن كون قيل لك: لا تشرب، أي كلفة في لا تشرب؟ في الترك راحة يقينية، لكن الفعل قد يحتاج إلى جهد وبذل طاقة.وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا، فقال: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، أي: ما أطقتم وقدرتم على فعله، وما عجزتم عنه فليس عليكم شيء، ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )، معنى: (اجتنبه): لا تُقبل عليه، اجعلوه جانبك، لا تُقبل عليه بوجهك لتأتي وتفعله، اجعله جانب من جوانب الحياة. ولم يقل: وما نهيتك عنه فاجتنبوا ما استطعتم، فلن يقول هذا عاقل؛ لأن الترك فيه راحة. فلما تجلس مع إخوانك، هل ستشعر بالإعياء والتعب والمشقة إذا ما اغتبت فلان، وقلت: فلان صفته كذا.. وسلوكه كذا.. كذا.. كذا..؟ نعم ستجد المشقة حين تلزم الصمت، أما أن تترك ففي الترك راحة.( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )، والله عز وجل يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وبيان ذلك: دعينا إلى الجهاد، فالمريض والأعرج والأعمى لا يجب أن يخرجوا للجهاد؛ لقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [النور:61]، وهذا في الجهاد فقط.وفي الإنفاق: فصاحب المليون ينفق الألف، وصاحب الألف ينفق الريال، والذي لا ريال له لا يجب عليه شيء؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].وهذه الصلاة عماد الدين، معراج السمو والرقي إلى لملكوت الأعلى، فإذا كنت قادراً على أن تصلي قائماً صليت قائماً، فإن مرضت صليت قاعداً، فإن عجزت عن القعود صليت على جنبك، وبهذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنها الصلاة مناجاة الرحمن عز وجل.هناك كلمة؛ عسى الله أن ينفع بها -وإن لم أنتفع أنا بها- فمن منا يدخل في الصلاة يعلم ويشعر -حقيقة- أنه يتكلم مع الله، ويجد لذة كما يتكلم مع فلان؟! هذه ألهمتها وأنا أبكي، ومن ثم عرفنا ما علة هذا الجفاف، فلما تتكلم مع شخص، كيف حالك وأنت تتكلم معه؟ فهل يكون قلبك هنا أو هناك، ويخطر ببالك شيء وأنت مقبل تطالبه: يا فلان لا تقعد هنا، يا فلان لم ما جئت؟!فالذي يصلي ولا يشعر بهذا الشعور وأنه يتكلم.. والله يسمعه وبين يديه، ما يجد فائدة في صلاته، ولا لذة لها ولا قيمة، وهذا الذي أصابنا وما شعرنا به. كيف أنا أتكلم معه ولا أشعر أنه يسمعني ولا أتأدب معه في مكالمته؟!كلنا نصلي وكأن الله غائب عنا، وإن كنا نعلم أن الله نصب وجهه لنا، لكن ليس شعور حقيقي بأننا نتلذذ بالكلام معه عز وجل، ولا نفرح ونسر أننا نتكلم معه عز وجل. قال تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ [آل عمران:199]، خشع: أي: ذل وانكسر واضطرب، وتحرك جسمه وارتعد؛ لأنه بين يدي الجبار، بين يدي الواحد القهار، فهل عاملنا الله بهذا الخشوع؟ فلهذا فقدنا سر هذه الصلاة، وأصبح الجفاف واليبوسة كأننا ما نصلي، كالذي يأكل وكأنه ما أكل، شرب وكأنه ما شرب.قال تعالى: خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:199]، أي: لا يبيع دينه بدنياه، ولا يبيع آخرته بحياته ودنياه، ما يبيع الآخرة بالدنيا، سواء كان يفتي بالباطل من أجل أن يأخذ ثمن على فتاواه، أو يزين للناس الباطل والحرام؛ من أجل أن يرضوا عنه ويوافقوه على ما يريد، كمن يقبل على دنياه فيستحل محارم الله عز وجل، اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً؛ لأن آيات الله أحكامه وقوانينه وشرعه. من أنواع الصبر: الصبر على الابتلاء من مواطن الصبر: أن تجاهد نفسك وأن تحبسها على طاعة الله ورسوله بفعل الأمر، فلا تتهاون في فريضة ولا واجب أوجبه الله ورسوله، وإن فشلت وعصيت الله وما صبرت فلست بصابر، احبس نفسك عن معاصي الله ورسوله ولا تسمح لها أن تقول كلمة سوء، أو تنظر نظرة سوء، أو تأكل لقمة حرام، وبذلك تكون قد أطعت الله وتهيأ للجزاء بعد ذلك.ومن مواطن الصبر على الابتلاء، إذ ما منا أحد إلا ويبتلى طال الزمان أو قصر، يقول تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، أي: اختباراً، وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]، حسبانهم باطل.الصبر هنا: على البلاء، فإن كان فقراً اصبر عليه، ولا تمد يدك إلى مال أخيك، أو مال عدوك، لكونك فقيراً أو محتاجاً، تسرق وتغصب وتسلب وتأخذ، ما صبرت، ابتليت بالمرض، لا يسمع الله منك كلمة تدل على عدم رضاك بالله وما ابتلاك به، لا تقل: إلا الحمد لله، سواء اشتد الألم أو عظم أو خف وهان، أنت ذاك عبد الله، فلتكن نفسك راضية مطمئنة بما ابتلاك الله به، ولا مانع أن تتناول الأدوية المأذون فيها، المشروعة، متوكلاً على الله، وأنت تعلم أن الشفاء بيد الله، إن شاء شفاك، وإن شاء لم يفعل، هو العليم الحكيم، لكن تسخط وتصرخ وتقول: و.. و.. هذا الضجر والسخط يتنافى مع الصبر على البلاء.قد تبتلى بموت أعز عزيز لديك، فلا يسمع الله منك كلمة تسخط، ولا تضجر ولا تململ، ولكن قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله، فهذه هي الكلمة التي لا تفارق المؤمن، وهو يعلم أن السخط والتضجر لا يفيدانه شيئاً، ولا يغنيان عنه من الله شيئاً، الأمر الذي ينتفع به ويكتسب الخير، هو أن يفوض الأمر لله، ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون، فالذي صبر في هذه المواطن الثلاثة أصبح أكمل الناس.صبر على الطاعة ما رأيته يعصي الله، لا بفعل.. لا بترك ولا بفعل.صبر على البلاء كيف ما كان، فقراً أو مرضاً أو موتاً أو غربة أو تعباً أو مشقة أو عمل دائماً كلمة: الحمد لله لا تفارقه.وهذه ميزة لهذه الأمة منذ أن كانت تعرف هذه الأمة في الكتب الأولى في الإنجيل والتوراة، تعرف بأمة الحمد، فلو سألت يهودياً أو نصرانياً، فقيراً أو مريضاً: كيف حالك؟ فلا يعرف كلمة (الحمد لله) ولا يسمع بها. ولو سألت مؤمناً وإن كان عامياً: كيف حالك؟ يقول لك: الحمد لله، فلا تفارقه، فالحمد والثناء والجمال لله عز وجل.اللهم ثبتنا على الصبر. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
الفرق بين الصبر والمصابرة قال تعالى: وَصَابِرُوا [آل عمران:200]، فالصبر غير المصابرة، والمصابرة أن يكون عدوك أمامك، والسيف في يده، وأنت أمامه والسيف في يدك، وأنت تتمايل تتحين الفرصة لضربه وهو كذلك، فإن أنت صابرته غلبته، وإن ما صابرته فشلت وغلبك في الصبر وقتلك.ويرى: أن عنترة بن شداد العبسي المعروف عند العرب والعجم شاعت شهرته وطار صيته في العالم في بطولته، ما بارزه ولا قاتله بطل إلا هزمه، فسألوه يوماً: ما سر هذه البطولة وهذا الانتصار؟ قال لهم: كل ما في الأمر أنني أصابره حتى ينهزم. لا أقل ولا أكثر، كلما أشعر بالضعف أتقوى بالصبر، وهو كل ما يشعر بالضعف يتقوى ثم ينهزم أضربه.فهذا عنترة بن شداد العبسي مضرب المثل في البطولة، فسألوه: كيف تنتصر دائماً؟ قال: ما هناك شيء أتفضل به على غيري، عضلاتي، بنيتي، بدني كغيري، أضعف من كثير من الذين يقاتلهم، كل ما في الأمر: أنني أصابرهم كلما يحاول نحاول نحاول.. نصبر فينهزم قبلي، لما يضعف أضربه وأنتصر عليه، هذه حقيقة.وقوله تعالى: وَصَابِرُوا [آل عمران:200]، هنا: المصابرة في وجه العدو، وأعداؤنا هم: الشهوة العارمة، والنفس الأمارة بالسوء، والدنيا بزخارفها وألوان متعها، وأبو مرة إبليس عليه لعائن الله أكبر هذه الأعداء، يقول تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ [فاطر:6]، أي: اجعلوه عدواً حقيقاً.(وَصَابِرُوا)، هذه في حال السلم، لسنا في صراع بين المشركين والمؤمنين، فليس هناك حرب بيننا وبين الكافرين، ولكن هنا نصابر الشهوات العارمة، ونهزمها، وما تدفعنا وتهزمنا لأن نرتكب الخبث والمعصية والجريمة، نصابر الدنيا الغرارة، الخداعة بزخارفها، لا تعمينا ولا تصمنا ونعرف حقيقتها وزوالها وخبثها، ولا نبالي بها، ولا نعصي الجبار من أجلها، ولكن نعصي النفس الأمارة بالسوء، كل ما تزين لك قبيحاً شينه في وجهها، وكل ما تميلك إلى كذا مل إلى كذا وتخل عنها حتى تمد عنقها وتستسلم، جاهد، صابر.إذا الشيطان زين لك كلمة وحسنها لا تقلها، وحسن لك لقمة لا تلقمها ولا تبتلعها فهو عدوك، فهنا الميدان ميدان مصابرة، ومصابرة الميدان الجهاد ضد الأعداء، وهم الكفار فكلهم أعداء الإسلام والمسلمين، أهل الكتاب والمجوس، والمشركين والملاحدة والبلاشفة وكل الدنيا، فكيف نصابرهم؟ أولاً: إذا أعلنت الحرب ودخلت قواتنا أو رجالنا الميدان لا ننهزم، ولا نعطيهم ظهرونا، ولا نوليهم أدبارنا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15]، لم يقل: لا تعطوهم ظهوركم، ولكن جاء بكلمة ما يطيقها الحر، فلا تعطوهم أدباركم، وتفرون أمامهم وتعطوهم ظهوركم. فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ [الأنفال:15-16]، اللهم إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16]؛ تحقيقاً لمبدأ (وَصَابِرُوا)، فكيف تنهزم أمامهم وأنت ترغب في الاستشهاد والموت، وأنت تريد السماء، والملكوت الأعلى والدار الآخرة، وهذا الحيوان الميت أمامك، كيف تنهزم أمامه؟!وهنا من ذكريات التاريخ لطيفة، مسجل عند الأوروبيين أيام بداية العثمانية، حاملة راية الإسلام وهي تفتح في شرق أوروبا وتغلغلت إلى البوسنة والهرسك -كما تقولون-، يقولون: كان الجندي العثماني يربط نفسه مع المدفع، ويضرب.. ويضرب .. حتى تنفد الطلقات، فيأتي العدو فيقتله وجهاً لوجه، ولا يعطيه دبره؛ عملاً بقول الله تعالى: فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15]، حتى أصبح يضرب بهم المثل في القوة، أتاتورك القوة التركية، أيام كان الإسلام يعمر قلوبهم وفاضت أنواره على كل أحاسيسهم ومشاعرهم، عرف هذه العدو فكاد لنا ولهم، فأهبطهم إلى الأرض، وأفقدهم الإيمان، وأفقدهم المعرفة بالله، وهو كما تشاهدون.(وَصَابِرُوا): حرام عليك أن تنهزم، فالمسلم ما ينهزم، أمره الله أن يصابر عدوه حتى يستشهد أو يقتل عدوه، هذا في كل ساحات المعركة، (وَصَابِرُوا) عدوكم تغلبوه بالصبر، فتغلبوه في الحرب. فضل الرباط في سبيل الله قال تعالى: وَرَابِطُوا [آل عمران:200]، المرابطة هي: أن ثغورنا في حدود ديارنا سواء الضيقة أو الواسعة، يجب أن نرابط فيها، وكان المؤمن لا يأخذ أجراً من السلطان، يقول لأم أولاده: أعدي لي طعام شهر، سويق أو التمر أو الخبز الجاف وفراشه على ظهره ويمشي إلى الثغر، يبيت راكعاً ساجداً يدعو الله، ويعيش على ذلك الشغف من العيش، ويظل لمدة شهر وهو يحرس ديار الإيمان والإسلام، ثم يعود.وكم من تراهم ذاهبين وراجعين لا أجرة ولا وسام ولا شرف، فقط في سبيل الله، ويتخرجون ربانيين الذي ينقطع إلى الله في الليل والنهار، في مكان لا زخرف فيه ولا طعام ولا شرب، لمدة أربعين يوماً يصبح ولي الله.هذا الرباط الآن انتهى، لكن حل محله الثغور، جمع ثغرة، الثكنات جمع ثكنة، فمع من نتكلم؟ مع ثلاثة وأربعين دولة. من قسم المسلمين؟ فكيف دولة الإسلام تصبح نيفاً وأربعين دولة؟! أأذن الله في هذا؟ أهذا يسعدنا؟! أهذا يعزنا؟! أهذا يحفظ ديننا؟! والله ما كان في الكل.فالثالوث الأسود هو الذي فرقنا وشتتنا، حين مددنا أعناقنا واستجبنا له، الجهل هو جهلنا أولاً، واليوم كنت أسمعكم القانون تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر، إياك أن تقول قال الله، فحرموا أمة الإسلام من كتاب ربها، وإذا لم تهتد أمة الإسلام كتاب الله وسنة رسوله، فإلى ما ستهتدي؟ فلا توجد الهداية والنور إلا في القرآن الكريم.فتأمروا على القرآن الكريم وحولوه إلى الموتى، فكنت لا تسمع القرآن يقرأ إلا في بيت الميت فقط، حتى أصبحت العاهر البغي إذا ماتت في دار البغي أو البغاء، يؤتى بأهل القرآن ويقرءون ويأخذون الطعام والفلوس. فهل هذه هي أمة الإسلام؟ وإن عجبت وقلت: كيف؟الجواب عندنا بسرعة: فقد استعمرتنا أوروبا وأذلتنا كيف حكمنا الكفر وسادنا؟! فهل نحن ربانيون أولياء الله؟! لا والله! ما كان هذا، وأماتونا بهذا السحر العجيب.اللطيفة: ذكر الشيخ رشيد رضا في المنار عند قوله تعالى: يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:199]، قال شيخ من كبار علماء الأزهر، سمتاً واستقامة وصلاحاً وعلماً أعلن في مجلس الأزهر، قال: الذي يدعي أنه يعبد الله بالكتاب والسنة زنديق. فلا يتعبد الله إلا بالفقه وما دونه علماء الإسلام الفقهاء، أما الذي يدعي أنه يعبد الله بالكتاب والسنة زنديق، في أعظم مجلس في العالم الإسلامي. رد عليه الشيخ، قال: الذي يدعي أنه لا يعمل بالكتاب والسنة زنديق، وقلنا: والله! زنديق؛ تأييد للنظرية الأولى تفسير القرآن خطأ، صوابه خطأ وخطأه كفر، ما تقول: قال الله وقال رسوله، قال سيدي فلان، قال شيخنا، قال كذا.. فأماتوا الأمة، وقطعوها عن الروح والنور، وماتت كما علمتم وشاهدتم.(وَرَابِطُوا)، الآن نقول: يجب على هذه الدويلات أن تجتمع وأن تبايع إماماً واحداً، وأن تكون الدويلات ولايات، والمسئولون فيها إن كانوا صلحاء يكونون ولاة، وإمام المسلمين واحد، وحدود المسلمين شرقاً وغرباً هي ديارهم، ثم في تلك الحدود تقام الثكنات، ويرابط رجال الإيمان والإسلام.فالآن لا يوجد سيف ورمح، بل يوجد الصواريخ الممتازة، والطائرات النفاثة، الهياجة، السلاح المدمر، ذاك الذي يكون في حدود ديار العالم الإسلامي، ويجب أن نكون أكثر منهم عتاداً وسلاحاً، وما اشتريناه اليوم نصنعه غداً، ويجب وإلا ما أطعنا الله في قوله: (ورابطوا)، فأي رباط هذا؟ فلو تريد أوروبا أن تحتل أي دولة إسلامية لاحتلتها خلال أربعة وعشرين ساعة، فالأمة مفرقة وممزقة، وتمزقت عقيدتها وسلوكها وآدابها ولا يلام أحد على آخر، تدبير الله فقط.فيجب أن نعلم أننا عصاة فاسقون عن أمر الله، إذا لم نصبر، إذا لم نصابر، إذا لم نرابط فهذه أوامر الله. الصبر والمصابرة وتقوى الله عز وجل سبيل الفلاح وأخيراً قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200]، وبعد ذلك: لتفلحوا في الدنيا بالعز والكمال والسعادة والطهر والصفاء، وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار. وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200]، كيف نتقي الله عز وجل وهو العلي الأعلى وأنت العظيم، فلا قدرة لنا على أن نتقي غضب الله وعذابه، فتقوى الله بمحبته ومخافته، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يطعم ويسقي، ويحفظ ويكلأ وخلق كل شيء من أجلنا، وبيده سبحانه كل شيء، فهو الذي يسلب الحياة والمال. فاتقي الله يا عبد الله! بأن تحبه وتخافه، فلا تخرج عن طاعته.فالذي لا يعرف محاب الله، ولا كيف يؤديها لله، ولا يعرف مساخط الله يستحيل أن يكون من المتقين، فلابد من العلم، فإذا لم تعرف ما يحب الله من الاعتقاد والقول والعمل، والصفات والذوات، إذا لم تعرف ما يكره الله ويغضب من أجله من السلوك، من النيات، من الأقوال من الأعمال، فكيف إذاً ستتقي الله عز وجل؟لابد إذاً من العلم، قولوا: يكفي ما نحن عليه، أين آثار العلم؟ نعود من حيث بدأنا إن أردنا أن نعود، قف يا عبد الله! وانظر إلى هذا المجلس، من صلاة المغرب إلى أذان العشاء ورجالنا، ونساؤنا وأطفالنا مصغين يستمعون، كل ليلة وطول العام في كل قرية في كل حي في العالم الإسلامي، هذا والله طريق العلم والحصول عليه.أهل القرية ينتدب بعضهم بعضاً هيا نعود إلى الله عز وجل، إلى متى ونحن في هذا العار والخزي والبوار؟!يا معشر إخواننا! لا يتخلف من غد أحد عن المسجد، حان وقت الساعة السادسة أخذ المسلمون يحملون نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، في كل حي وفي كل قرية، في المملكة، في الجمهورية.. لا تجد شخص إلا وهو في بيت ربه يتعلم الكتاب والحكمة، فهل سيبقى جاهل أو جاهلة؟بدون قلم ولا كتاب، عرفوا وإذا عرفوا يرضون بأن تأكلهم النار، ويحل بهم الخزي والعار؟ والله! ما يرضون من عرف ما يقبل التلوث بحال من الأحوال، ومن ثم لا زنا، ولا خيانة، ولا كذب، ولا سرقة، ولا عجب، ولا سخرية، بل صفاء، وطهر كامل، ما شاء الله، آمنا بالله، ما دفعنا شيئاً. وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200]، نتقي الله عز وجل بمعرفة ما يغضبه وما يسخطه، وما يرضيه ويحببه، معرفة علمية ونأخذ بالعمل، وبذلك نصل إلى مستوى: (أني اتقيت عذاب الله وسخطه). معنى قوله تعالى: (لعلكم تفلحون) ومن ثم الختم الأخير: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، (لعل) أي: ليعدكم إلى الفلاح، فالفلاح في الدنيا انتصار، عز وكمال، أمن ورخاء، طهر وصفاء.وفي الآخرة: البعد عن عالم الشقاء، النار -والعياذ بالله-، ودخول الجنة دار الأبرار، قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وسلم. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (82) الحلقة (223) تفسير سورة آل عمران (9) الدين هو ما يدين به العبد ربه، وما يخضع به له، ويعمل بمقتضاه وموجبه، وهذا الدين محصور حصراً كاملاً في الإسلام، فلا يوجد في يهودية ولا نصرانية ولا صابئة ولا بوذية ولا غيرها، فدين الإسلام هو دين الأنبياء من آدم إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ابتغى ديناً سواه لم يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، فالحمد لله الذي أهلنا لهذا الخير، وربنا على كل شيء قدير.وها نحن مع قول ربنا عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:19-20]. فضل شهادة أن لا إله إلا الله هل تذكرون الغنيمة الباردة التي غنمناها بالأمس؟ هل انتفعتم بها؟ إنها رواية ( من تلا هذه الآية أثناء تلاوته للسورة وهي قول الله عز وجل: (( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))[آل عمران:18]. وقال: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة، فهي لي عندك يا رب وديعة، يؤتى به يوم القيامة، ويقول الجبار عز وجل: إن لعبدي علي عهد، وأنا أحق من يوفي بالعهد، أدخلوه الجنة ). اختلاف أهل العلم في صحة إيمان المقلد في الشهادة تذكرون أيضاً: أن الذي يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله بدون علم، فقط يقلد الناس.. سمع أهل القرية يقولون: لا إله إلا الله فقال: لا إله إلا الله، تعلمون أن أهل العلم مختلفون في صحة إيمانه؛ لأن الشاهد -كما هي حال البشر- لا يشهد على وقوع شيء أو على عدمه إلا بعلم حصل عليه من طريق سمعه وبصره وعقله ووعيه.أما أن يقول: أشهد أن كذا وكذا ولم يعلم ذلك فهذا لا تقبل شهادته. من شهد أن لا إله إلا الله فقد واطأت شهادته شهادة الله وملائكته وأولي العلم من عباده ما الذي فزنا به أمس في هذا الباب؟ إذا سئلت: كيف عرفت أنه لا إله إلا الله وبم تشهد؟ تقول: أنا أشهد بشهادة الله وملائكته وأولي العلم من عباده، فإذا كان هؤلاء يكذبون أو يخطئون كنت أنا كذلك، ومستحيل أن يشهد الله بدون علم، ولو علم الله في العوالم الظاهرة والباطنة أن هناك إلهاً لأخبر عنه، ولكنه شهد أنه لا إله إلا هو.والملائكة وهم يطوفون بالعوالم ويسبحون فيها لو كان هناك من يستحق أن يعبد مع الله فيؤله لعرفوه؛ لكنهم شهدوا أنه لا إله إلا الله.والأنبياء والرسل يوحي الله إليهم ويكلمهم وينزل كتبه عليهم، وأتباعهم من أهل العلم الكل شهدوا على علم أنه لا يوجد إله إلا الله. فهذه تكفي وتسد حاجته، وترفعه إلى مستوى كأنه فتش العالم وما وجد إلهاً إلا الله، فقد شهد بشهادة الله أنه لا إله إلا هو، وبشهادة الملائكة أيضاً وأولو العلم. فضل أهل العلم هنا لطيفة أخرى فيها بيان فضيلة أهل العلم، ويكفي في الدلالة على فضلهم أن الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، ما فصل حتى بـ ( ثم ) ولا شك أن العلماء ورثة الأنبياء. من وارث محمد صلى الله عليه وسلم؟ الرسول ليس عنده نخيل ولا بغال ولا غنم، ما ترك شيئا من متاع الدنيا، ولكنه ترك علمه فمن أخذه فقد أخذه بحظ وافر، العلماء سواء كانوا بيضاً أو سوداًً، حمراً أو صفراً، عجماً أو عرباً هم ورثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فما خلفه رسول الله هم ينشرونه ويعلمونه ويبلغونه غيرهم.إذاً: هيا نتعلم حتى نكون من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم! العلم طريق الفوز والنجاة قد يقول قائل: هذا أمر صعب يا شيخ، لا نستطيعه. فأقول: لم ما نستطيع؟ نترك مزارعنا، مصانعنا، وظائفنا، أعمالنا ثم ننقطع لنطلب العلم حتى نكون علماء وترفع درجاتنا في عليين. أهذا أمر صعب؟! لقد فتح الله علينا باباً والله لمن أيسر الأبواب وأسهلها، ولأحق بتحقيق هذا الهدف السامي من مدارسكم وجامعاتكم وكلياتكم، وهو ما سمعناه وقررناه وبذلناه ببكاء ودموع وهو أن أهل القرية إذا دقت الساعة السادسة مساءً توضئوا وتطهروا لبسوا أحسن ثيابهم وجاءوا بنسائهم وأطفالهم إلى بيت ربهم وهو المسجد الجامع الذي بنوه لأداء الصلاة فيه، فإن ضاق وسعوه وإن اتسع فبها ونعمت، فيجتمعون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء اجتماعنا هذا، والنساء وراء الستار، ويتعلمون ليلة آية من كتاب الله، من ستة آلاف ومائتين وأربعين آية! وليلة بعدها يتعلمون حديثاً يبين الهداية الإلهية من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحفظونه في المجلس ويفهمون مراد رسولهم في المجلس، وكلهم عزم وإرادة أن يعملوا بمقتضاه.وكذا أهل المدن، المدينة ذات مناطق، المنطقة السابعة والثامنة والعاشرة، أو مدينة فيها ثلاث مناطق، فأهل كل حي يوسعون جامعهم حتى يتسع لكل أفرادهم وإن كانوا ألفاً أو ألفين أو ثلاثة! يوسعونه، ثم إذا دقت الساعة السادسة أوقفوا دولاب العمل، أغلقوا المتجر، أوقفوا المصنع، تركوا المزرعة، ويتوضئون ويتطهرون، ويحملون نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، ويصلون المغرب، ويجلس لهم عالم بالكتاب والحكمة فيعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم نيابة عن رسولهم صلى الله عليه وسلم، ليلة آية يقرءون، يتغنون بها، يحفظونها رجالاً ونساء وأطفالاً، ثم تشرح لهم، ويبين مراد الله منها، وتوضع أيديهم على المطلوب، وإن كانت في العقيدة عقدوها في قلوبهم، وإن كان أدباً تأدبوا به، وإن كان واجباً عرفوه وعزموا على النهوض به، وإن كان حراماً هجروه وتركوه، وليلة حديثاً، وطول العام! بل وطول الحياة. هل يبقى بعد هذا جاهل أو جاهلة؟ ماذا تقولون؟ والله ما يبقى، كلهم علماء! وبعد: فما هي المظاهر التي ستتجلى في ذلك المجتمع؟ أولاً: لا خبث، لا ظلمة، لا شر، لا فساد، ولكن خير وطهر وصدق، وعدل ورحمة وبركة، وحسبهم أنهم أصبحوا أولياء الله! لو رفعوا أكفهم إلى الله على أن يزيل الجبال لأزالها! والآن من يرد على الشيخ؟ ما نستطيع؟! الذين اقتدينا بهم وسرنا في ركابهم وقلدناهم -وهم المستعمرون الأوروبيون- إذا دقت الساعة السادسة عندهم وقف العمل، انتهى، يحملون نساءهم وأطفالهم إلى دور السينماء، ودور الرقص والعبث واللهو والباطل، ويمكثون الساعات العديدة من الليل، ونحن لا هؤلاء ولا هؤلاء! نعجز عن أن نذهب إلى بيت ربنا، فنتعلم الكتاب والحكمة، نعد أنفسنا للسعادة والكمال، ونهيئ أنفسنا لأن نرقى السماوات وننزل بديار الأبرار.لا مانع إلا أن نكون مسحورين، ولعل اليهود سحرونا حتى نبقى هابطين مثلهم، لا سعادة ولا كمال! جائز أن يسحرون بالكلام.. بالأدوية التي نستوردها من عندهم.هيا نحل هذا المشكلة؟ الخبث الآن في العالم الإسلامي عالم الطهر تعفنت الأجواء منه، الظلم، الحسد، البغي، الشر، الفساد، كأننا لسنا أولئك المؤمنين، فلا إله إلا الله، لا كاشف لها إلا الله، ونحن نتعرض للفتن يومياً، وما وقعت في بلد إلا وستنتقل إلى آخر! والعلاج بأيدينا. لا نقوى على أن نتعلم كلام الله وكلام رسوله ونقوى على أن نتكلم البذاء وسوء المنطق والألفاظ الخبيثة، والأغاني؟ أغاني العواهر نعرفها ونحفظها؟! فلتبكوا يا معشر المؤمنين! الزموا باب الله فإن الله لا يحرمكم الولوج والدخول فيه، قل: أنا مسلم، ولا تنتمي إلى فرقة ولا حزب ولا جماعة ولا حكومة، أنا مسلم! واقرع باب الله، اسأل أهل العلم كيف تعبد ربك، واعبده واصبر، وإن عم البلاء يجعل الله لك مخرجاً. تفسير قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام...) هيا بنا الآن نعود إلى دراسة هذه الآية الكريمة، فاسمع هذا الخبر: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] هذا خبر ، والمخبر به هو الله جل جلاله. كيف حصلنا على خبر الله؟ بكتابه. أين كتابه؟ القرآن العظيم. ولا عقل لمن يقول: ليس بكتاب الله! فلو اجتمعت البشرية أن ترد هذا الكتاب ما استطاعت فهو كتاب الله العظيم الحكيم العزيز، الكتاب الذي حوى علوم الأولين والآخرين، علوم الملكوت الأعلى، مفصل ما فيه تفصيلاً، فضلاً عن ملكوت الأرض وما دونه. هذا الكلام كلام من؟ كلام الله، ما أخس الكافر وما أحطه! كيف يكفر بالله وكتابه بين يديه وكلامه يسمعه بأذنيه؟ من أين يأتي الكفر؟! لا إله إلا الله! تعجب الرب سبحانه من كفر الكافر مع ما يتلى عليه من آيات يقول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:100] لبيك اللهم لبيك! إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] ما أطاعهم أحد إلا كفر، ثم التعجب، يقول: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] العجب من أين يأتي الكفر؟! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا [آل عمران:100] خاصة من اليهود والنصارى الأساتذة، المعلمين، الخبراء، المستشارين، مع عامة اليهود والنصارى من فلاحين وسوقة إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] والله العظيم! ثم يقول: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] كيف تكفرون ومعكم هذه المناعة؟ ما هذه المناعة؟ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] فإذا المسلمون في أي جزء من الأرض كانوا يعيشون على هذا المبدأ، على كتاب الله وسنة ورسوله، والله ما تسرب إليهم كفر، ولا عرفوا الكفر، ولا انتهت مسيرتهم إليه بحال من الأحوال، وما إن يعرضوا عن كتاب الله وسنة ورسوله ويهجروهما هجراناً كاملاً فلا يعرفون منهما القليل ولا الكثير إلا صاروا عرضة والله للردة والكفر! معاشر المستمعين! هذا قرآن فاسمعوه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:100] من اليهود والنصارى يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] ثم يأتي التعجب: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] كيف يصل إليكم الكفر ويدخل في قلوبكم والحال أنكم تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101].أين توجد المناعة يا عبد الله المسلم؟! توجد في الكتاب والسنة. أين توجد المناعة والحصانة حتى لا نتورط في الكفر بعد الإيمان؟الحصانة أن يتلى علينا كتاب الله، وأن يكون بيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يشرح لنا مسالك الحياة، ويعلمنا كيف نأكل، كيف نشرب، كيف ندخل الخلاء، كيف نقاتل، كيف نبيع، كيف نشتري، فتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم لا تفارقنا حتى في إخراج أرجلنا من المسجد أو إدخالها فيه، فإن هجرنا كتاب الله وما أصبحنا نسمعه ولا نريده وأبعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحنا نأكل ونبيع ونشتري كما نشاء فلا بد إذن من الوقوع في الكفر ما دام هناك فريق متميز مهمته: كفروهم!يرحمكم الله! فهمتم هذه البربرية أم لا؟ كيف نخلص؟ هل نمد أعناقنا حتى تنزل الصاعقة؟ إلى متى؟ أين العلماء؟ لو أن العلماء كلهم بكوا كما بكينا نحن والله لقد أصبحنا على حال من الكمال.هل منا من يقول: هذا الشيخ وهمي يعمل بالأوهام إذ كيف تدخل أمة المساجد وتتعلم بنسائها ورجالها؟ فأقول له: وكيف دخلوا السينما والملاهي والأباطيل؟! إن الدين عند الله الإسلام قال الله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] الدين: ما يدين به العبد للرب، وما يخضع به له، ويعمل بمقتضاه وموجبه، والذي يجزى به، كالمداينة يعطي اليوم ويأخذ غداً. هذا الدين محصور حصراً كاملاً في الإسلام، لا يوجد في يهودية ولا نصرانية ولا صابئة ولا بوذا ولا أية ملة، الدين الحق هو الإسلام، وهو دين آدم فمن بعده إلى اليوم، وما من نبي ولا رسول إلا ويدين لله بالإسلام. قال الله عن نوح عليه السلام: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:71-72]. أي: أمرني ربي أن أكون من المسلمين.وهذا يوسف الصديق ابن الصديق يقول فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].والشاهد عندنا: أنه ما من نبي ولا رسول ولا عبد صالح إلا ودان لله بالإسلام، فلا دين إلا الإسلام، فكل الألقاب التي تطلق على العبادات نصرانية أو يهودية أو كذا كلها أباطيل وترهات: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] الذي هو إسلام القلب والوجه للرب تعالى. أسلمت لفلان حقه: أي: أعطيته. أسلمت وجهي لله: أي: أصبحت لا أرى إلا الله! من أجله أحيا ومن أجله أموت. أسلمت قلبي له: لا يتقلب قلبي إلا في طلب مرضاة الرب. هذا هو الإسلام. كفر من ابتغى سوى الإسلام ديناً يقول تعالى في هذه السورة: وَمَنْ يَبْتَغِ [آل عمران:85] أي: يطلب غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].وعندنا سر من أسرار هذا العلم الإلهي، أهل الحلقة يعرفونه، لماذا النصراني يعبد الله، واليهودي يعبد الله، والبوذي يزعم أنه يعبد الله، ثم لا يدخلهم الله جنته؟ لم؟! بل يبذلون أرواحهم في سبيل ذلك فضلاً عن أموالهم؟ الجواب: القضية قضية زكاة النفس وطهارتها، فالعبادات التي يشرعها الله ولا ينسخها، بل يقرها ويبقي عليها، هذه العبادة هي التي من شأنها أن تزكي النفس وتطهرها، أما أن يشرع فلان أو فلان أو فلان ويخترع ما شاء من أقوال أو أعمال أو حركات؛ فوالله ما تزكي النفس، ولن تطهرها، فلا تزكو نفس الآدمي إلا على عبادة وضعها الله وقننها شرعها من أجل تزكية النفس وتطهيرها، فاليهودية والنصرانية أولاً: هاتان الشريعتان نسخهما الله، وأبطل مفعولهما.ثانياً: نسبة الحق إلى البدعة عند هؤلاء لا تزيد على خمسة في المائة، وخمسة وتسعون كلها أباطيل وترهات، وضعها رجالهم، ومن أراد أن يتأكد فهذا الإنجيل حولوه إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً! فما هي نسبة الحق فيه؟ ولما عوتبوا ولوموا وضحك عليهم وسخر منهم من قبل اليهود اجتمعوا في روما أو في قسطنطينية وجعلوها خمسة أناجيل: يوحنا، مرقُس، لوقا، متى ، برنابا. كيف يصير كتاباً وحداً خمسة كتب؟ نحن نعرف أن زيادة حرف واحد محرمة، وهذا القرآن بين أيدينا ألف وأربعمائة سنة والله لا حرف يزيد أو ينقص، فكيف يصبح الكتاب المقدس عندهم خمسة كتب؟ معنى ذلك: أن كلام الله خمس وأربعة أخماس كلها أباطيل وكذب! والشاهد عندنا: إِنَّ الدِّينَ [آل عمران:19] المنجي المسعد الرافع المكمل للآدمي هو الإسلام فقط.لما تسمع الله يقول: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]تقول: إن الدين عندنا الإسلام، ولو قال: (إن الدين عندنا الإسلام) لقال المشركون: هذا محمد وجماعته، لا، بل قال الله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) فهو منزل من عند الله، الكتاب الكريم منزل من عند الله. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى الإسلام ما هو الإسلام؟ الإسلام: أن تسلم وجهك وقلبك لله، فلا تلتفت إلا إليه، ولا تأمل إلا فيه، ولا ترجو إلا إياه، ولا تطرح بين يدي مخلوق وإنما بين يديه سبحانه، فكلك لله، وعندئذ تكون أنت المسلم الحق! كيف يكون العبد كله لله؟ إي نعم! يجامع امرأته لله، يطعم دابته من أجل الله، يطلق امرأته من أجل الله، كل عمله لله، لأننا عبيده، موقوفون عليه، فأنت تطلق ظلماً وعدواناً وأنت فاسق وفاجر وحرام عليك أن تؤذي أمة الله، لكن إذا ارتكبت ما يستوجب الطلاق طلقت، وعرفت أنها لا تسعد إلا بطلاقها؛ طلقها، فطلاقك هذا عبادة تعبدت الله تعالى بها.وعندنا آية من ستة آلاف آية ومائتين، وهي آية الوقفية على الله، لتعرف أنك وقف على الله، فكل غلالك ودخلك لله عز وجل، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].لو نادى الآن مناد: من يسلم؟ فكل واحد يريد أن يكون أول من يقول: أنا أسلمت لله، فهل عرفتم أننا وقف لله أم لا؟!لما تزرع ازرع لله، ولما تحصد احصد من أجل الله، ولما تأكل الخبز واللحم كل من أجل الله؛ لأنك أنت عبد الله.ورضي الله عن أبي هريرة السدوسي اليمني إذ قال: إني أحتسب نومتي وقومتي لله.أي: أنام من أجل الله، وأستيقظ من أجل الله فضلاً عن باقي حياتي، فالنوم واليقظة لله عز وجل، يريد أن ينام حتى يقوم آخر الليل أو يشهد صلاة الجماعة، فينام لله، ولما يستيقظ يستيقظ لله ليجيب منادي الله يناديني أن حي على الصلاة. هل عرف المسلمون هذا؟ ما عرفوا.كيف يعرفونه؟ من أين يأتيهم وقد هجروا مصدر العلم والمعرفة؟ من أين يأتيهم وقد تركوا آيات الله وأبعدوا رسول الله؟ ما دام هذا حالهم فلا بد وأن يقع هذا الظلام.إذاً: ينبغي أن لا ننسى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] فلا يفارقنا كلام الله أبداً، يتلى علينا يومياً، ورسول الله لا يفارقنا، وإن فارقنا بذاته فهو لا يفارقنا بأنوار هدايته، نأكل كما يأكل، نلبس كما يلبس، نشرب كما يشرب، نجاهد كما يجاهد.. كل حياتنا مستمدة من تلك الأنوار المحمدية؛ وبذلك تكون العصمة، أما أن نهجر الكتاب والسنة ونريد أن نبقى مؤمنين فهذا ليس بمعقول. يقول الله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فمن أراد أن يعبد الله فليعبده بشرائع الإسلام، بها يدين لله ويذل ويخضع، يفعل الأمر، ويترك النهي خوفاً من الله عز وجل، وحباً فيه، وشوقاً إلى لقائه.ومن يعبد الله بدون الإسلام بأية عبادة أو بدعة فوالله إنه لفي ضلال. قواعد الإسلام التي بني عليها هل تعرفون أن الإسلام مبني على قواعد أم لا؟ الجواب: نعم قواعد الإسلام خمس، علمنا إياها جبريل سيد الملائكة، السفير بين الله وبين رسله. من جبريل هذا؟ وما هي الصورة التي تجلى فيها لرسولنا؟.أولاً: دخل عليه في غار حراء -غار حراء موجود في جبال مكة- والرسول منقطع يتبتل إلى ربه وقد توخمت البلاد واتخمت بالباطل والكفر والشرك، فمل النظر إليهم والجلوس معهم، فأخذ ينقطع الشهر والشهرين في ذلك الغار، ففاجأه جبريل في صورة عظيمة وأول نور بدأ في كلمة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1].وقد أخبرتنا بذلك خديجة رضي الله عنها كما أخبرها صلى الله عليه وسلم، لما عاد ترجف بوادره قال: ( أجلسني بين يديه، وقال: محمد! اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ ) يعني: لا أعرف القراءة، ماذا أقرأ. قال: ( فيضمني أو يغطني ثم يرسلني ويقول: اقرأ، أقول: ما أنا بقارئ، ثلاث مرات يضمني إلى صدره كما تضم الأم الحنون الرءوم طفلها؛ لينشرح صدره ويتسع لما يلقى إليه، ثم قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5] وفارقه ) .فجأة وهو في جياد -المستشفى المعروف باسم: مستشفى جياد- جنوب المسجد الحرام، وإذا به يناديه: يا محمد! أنا جبريل وأنت رسول الله! ينظر وإذا بجبريل قد سد الأفق كله، إذ له ستمائة جناح، فلا إله إلا الله، ستمائة جناح؟ نعم، وهل للملائكة أجنحة؟ إي نعم، أخبر خالقهم بذلك: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1] فجبريل ذو ستمائة جناح. ثانياً: في أمسية والرسول صلى الله عليه وسلم جالس وأمامه أصحابه يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، وإذا بجبريل يدخل في صورة دحية بن خليفة الكلبي ، وكان من أجمل الأنصار ويشق الحلقة، ويجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسة من لم يجلسها بين يدي عالم لن يتعلم!جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ليتلقى بجامع قواه، عجب! ثم قال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلهام بوحي من الله: ( الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت! ) فعجب الأصحاب. قالوا: ( فعجبنا له يسأله ويصدقه ) كيف يقول: صدقت؟ إذاً: هو عالم قبل الآن. وسأله عن الإيمان فأبان أركانه، وسأله عن الإحسان فصححه، وسأله عن الساعة متى تقوم فقال: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: أخبرني عن أماراتها ) فأعطاه أمارة قائمة الآن. ما هذه الأمارة؟ الأمارة: العلامة ما هي الإمارة، حيث الأمير بالكسر والعامة يقولون: الأمارة، الإمارة التي فيها الأمير يأمر وينهى، أما الأمارة فهي العلامة ( أخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان )، أيهم عمارته تتجاوز الأخرى، هذا ما كان لا في أوروبا ولا في غيرها، فقد كانوا في الأكواخ في أوروبا، ما كان الناس إلا رعاة بقر أو غنم وإبل، وإذا بهم يتطاولون في البنيان، هذه العمارة عشرين طابقاً ، فيزيد هو طابقاً ليجعلها واحداً وعشرين حتى تكون أعلى، وصدق رسول الله.إذاً: الساعة قريبة؟ والله لقريبة، وهذه أماراتها لاحت في الأفق من زمان أكثر من مائة سنة أو مائة وخمسين ( أن ترى الحفاة العراة ) العالة الفقراء ( رعاء الشاة يتطاولون في البنيان )، أيهم بنايتهم أطول وأعلى.عرفه بالإسلام فقال: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام إن استطعت إلى ذلك سبيلاً. قال: صدقت ).إذاً: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران:19] ماذا؟ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، الإسلام هذا مبني على كم خمس قواعد لو سقطت قاعدة سقط البناء، فمن هنا من ترك قاعدة من هذه القواعد وهو قادر على إتيانها كفر وخرج من الإسلام وما أصبح بمسلم. وتبقى أمور أخرى كالطلاء والزخرفة فهذا شيء آخر، أما هذه فقواعد، ترك الصلاة كفر، منع الزكاة كفر، ومن قال: لا أصوم وسخر من الصيام كفر، ومن قال: لا أحج البيت ولا ألعب هذه الألاعيب التي تأتونها كفر.. وهكذا إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]. سبب اختلاف الذين أوتوا الكتاب ثم قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آل عمران:19]، وهذه حقيقة تاريخية.. حقيقة علمية.. حقيقة قل ما شئت فيها فهي ثابتة ثبوت الليل والنهار، وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ [آل عمران:19] وسبب تفرقتهم هو البغي والحسد بينهم! والحروب التي دارت بين اليهود يقشعر لهولها الجلد، من أجل اختلافهم في دينهم! ولو تعرفون عن اختلاف النصارى وما دار بينهم من حروب أحرقوا فيها بيوت بعضهم بعض وفعلوا الأعاجيب لاندهشتم. والمسلمون تفرقوا وإلا لا؟ اختلفوا وإلا لا؟ فهذه سنة الله عز وجل في البشرية، كانت أمة واحدة على لا إله إلا الله لا تعبد إلا الله، فأنشأ العدو الشيطان إبليس مبدأ الشرك بالله عز وجل وزينه للناس، والقضية عندنا معلومة من الضرورات إذ جاءت في كتاب الله وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قبل نوح عليه السلام ما كانت أمة الإسلام إلا أمة واحدة، ثم كان بينهم رجال صالحون من خيرة الرجال يعبدون الله معهم، فلما ماتوا بنوا على قبورهم أضرحة من أجل التبرك والزيارة، ومضت فترة من الزمان وضعوا لهم تماثيل، كل واحد له تمثال من أجل التبرك بهم والانتفاع برؤيتهم ليزدادوا حباً في الله ورغبة فيما عند الله، فجاء جيل فعبدوهم مع الله، واسمعوا ما قالوه لنبيهم نوح عليه السلام: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23]، هذا زعيمهم يقول، لا تتركن آلهتكم التي يقول نوح اتركوها ولا تعبدوها وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم كانوا رجالاً صالحين، ولما ماتوا بنوا على قبورهم مرحلة أولى من أجل التبرك بهم وزيارتهم وضعوا لهم تماثيل: هذا يعوق، هذا نسر، هذا سواع، هذا ود، من أجل رؤيتهم وليزدادوا حباً في الله ورغبة في عبادته، وجاء جيل آخر فقال: هؤلاء آلهة فعبدوهم، فلما عبدوهم وجاء العلم اختلفوا، لما جاء العلم يحمله رسول الله زال ذلك الاتفاق واختلفوا، فمنهم الكافر ومنهم المؤمن، منهم الموحد ومنهم المشرك. هذه قاعدة.إذاً: العلم الرباني حامل الهداية يجب على البشرية حيثما كانت ألا تخرج عنه ولا تعادي أهله ولا تناوئهم وتحاربهم فتتفرق الأمة وتختلف. هذه قاعدة ربانية.يكون أهل قرية أمرهم واحد -مثلاً- على خرافة وضلالة، فلما جاء العلم قال الله وقال رسوله يختلفون وإلا والمفروض أننا لا نختلف أبداً بل نتفق على عبادة الله وعلى شرعه ودينه، لكن الذي يحملهم على الخلاف هو حب الذات.. حب الرئاسة.. المنصب.. المال، وهذا الذي حدث في بني إسرائيل، والآن الآيات في اليهود والنصارى إذ هم أهل الكتاب.أيضاً: وفد نجران الذي جاء عرفوا يقيناً أن محمداً رسول الله، وما منعهم أن يقبلوا هذا إلا الحفاظ على مناصبهم في الكنيسة، فأبوا أن يفوتوا فرصة سعادتهم في دنياهم فرفضوا، واليهود على علم يقيني بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وعندنا مثل واضح كالشمس:كان غلام صغير يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، يأتيه بماء وضوئه ويحمل نعله، فمرض هذا الولد فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعوده ويزوره، فدخل عليه فوجده على فراش الموت ووالده إلى جنبه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يا غلام! قل لا إله إلا الله ) فنظر الغلام إلى أبيه يريد أن يقولها فيكفهر وجه أبيه ويغضب ويسكت، يا فلان قل لا إله إلا الله، وفي المرة الثالثة قال اليهودي لولده: أطع أبا القاسم، فقال الولد: لا إله إلا الله محمد رسول الله وفاضت روحه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدار وهو يقول: ( الحمد لله الذي أخرجه بي من النار ). ( الحمد لله الذي أخرجه بي ) أي: بسببي ( من النار ) وإلا كان من أهلها. هذا اليهودي الذي قال: أطع أبا القاسم كان على علم، والآن خمسة وسبعين في المائة من رجالات الكنيسة بعد هذا التفتح وهذه المواصلات وهذه العلوم وهذه الصحف وهذه الكتب يعرفون أن الإسلام هو دين الله، ولكن الحفاظ على مراكزهم ووجودهم بين أممهم جعلهم لا يعترفون به، ولا عجب إذ من المسلمين من يعرف الحق معرفة يقينية ويرفضه ولا يقبله؛ حفاظاً على حاله وموقعه، ولا عجب.إذاً: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:19] من اليهود والنصارى وغيرهم إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ [آل عمران:19] بسبب بالبغي.. العدوان.. الحسد.. الظلم، كم وكم، الآن تدخل قرية تريد أن تنشئ فيها جماعة ربانية صالحة في المسجد فتجد من يناهضك ويأتي بكلام غير كلامك، ولا تتفقون ولا تجتمعون؛ لأن البغي والحسد من فطر الإنسان، فإذا لم يذب في ذات الله ويتخلى عن أوساخ هذه الحياة فلا بد وأن يحسدك وأن يبغضك لأجل الدنيا. جزاء من يكفر بآيات الله قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:19] سواء كان عالماً أو جاهلاً، ومن يكفر بآيات الله الحاملة لشرائعه وأحكامه وهدايته، وقد تكون الآيات معجزات أيضاً، من يكفر بآيات الله التنزيلية الحاملة للشرائع والأحكام أو المعجزات المقررة لنبوة النبي ورسالة الرسول فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:19] فسوف ينزل بهم نقمه ويجزيهم بأسوأ الجزاء وأقبحه، ولا يطول ذلك، فإنه تعالى سريع الحساب، وهذه جملة معللة للجملة المحذوفة، والمحذوفة فوق ما تتصور، يكفر بآيات الله، الجواب: يمزق.. يحرق، ماذا؟ ما تتصور، لكن قوله: فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:19] يدل على هذا المعنى.(يكفر بآيات الله) ينكرها.. يجحدها.. يعرض عنها، لا يسمع.. لا يقرأ.. لا يعمل، هذا هو الكفران، الجحود والإعراض، وهذا هو الجزاء، سواء كان أبيض أو أسود، من أية جهة كان في العالمو(من) من ألفاظ العموم، من يكفر بآيات الله التي حواها كتابه وشاهدها الناس من رسوله، فإن العقاب عظيم وشديد لا يقادر قدره، وسوف ينزل أيضاً والله سريع الحساب. تفسير قوله تعالى: (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله...) قال تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20]. فَإِنْ حَاجُّوكَ أي: يا رسولنا. من الذين يحاجونه؟ وفد نجران، ونجران بلدة في المملكة وراء مكة جنوباً تسمى نجران، كانت فيها النصرانية واليهودية أيضاً. إذاً: جاء وفدهم المكون من ستين فارساً، جاء ليحاج الرسول في شأن عيسى، يريدون أن يثبتوا بنوة عيسى لله. خرافة! ستون راكباً يأتون على الخيل وهم يعيشون على هذه الخرافة، من أجل أن يأكلوا ويشربوا ويسودوا العوام ويتحكمون بهم!هل هناك عاقل يقول: الله عنده ولد؟ من امرأته إذاً؟ الله الذي يخلق كل شيء يحتاج إلى زوجة؟! كيف هذا؟ هؤلاء يعلمون يقنياً أن الله منزه عن الصاحبة والولد، ولكنهم يريدون أن يأكلوا ويشربوا ويضحكوا على عوامهم، فجاءوا يجادلون حتى لا تبطل مناصبهم، فهزمهم الله شر هزيمة.قال الله لرسوله: اتركهم فإن حاجوك لا تحاجهم أنت: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمران:20] واتركهم يتخبطون، فليسوا أهلاً لأن يحاجوا، ولما دعوا للمباهلة فشلوا وهربوا.إذاً: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ [آل عمران:20] أنت أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمران:20] كذلك، واتركهم. إذ كنت تعرف أن هذا الشخص عالم وعارف ولكن منعه الاعتراف بالعلم والمعرفة أغراضه الدنيوية الهابطة، فهذا ما يجادل ولا يحاج، بل يحاج الذي ما عرف، فتبين له الطريق، أما شخص يعرف أنك رسول الله ولا يريد فلم تقض معه الساعة والساعات؟ ليس هناك حاجة إلى هذا.إذاً: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمران:20] أيضاً أسلموا وجوههم لله، وأنتم افعلوا ما شئتم، كونوا ما شئتم أن تكونوا. فَإِنْ حَاجُّوكَ [آل عمران:20] في ماذا؟ في الله.. في التوحيد.. في الإسلام.. في الرسالة.. في كل شئون الدين، فلا تجادلهم؛ لأنهم على علم ليسوا جهالاً، والله إنهم ليعرفون أنه رسول الله، وأن الإسلام هو دين الله، وأن المسيحية والنصرانية عبث بها، وأن الله نسخها وأبطلها، ولكن البغي والحسد والمنافع التي يعيشون عليها تمنعهم من الاعتراف. وهذا وللأسف إلى الآن موجود حتى بين المسلمين، فكم من صاحب بدعة يعرف أنها بدعة، لكنها خولته تكريماً بين رجاله واحتراماً لهم أو مكنته من وظيفة مرموقة فلا يتنازل عن بدعته. فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمران:20] إن شاء الله نحن منهم، إي والله، نسلم وجوهنا لله، لا نعرف إلا الله عز وجل، لا هم لنا ولا هدف ولا غاية إلا أن يرضى الله عنا ويحبنا، فإذا قال: صوموا صمنا، وإذا قال: أفطروا أفطرنا، وإذا قال: أنصتوا أنصتنا، وإذا قال: تكلموا تكلمنا، فوالله ما نتحرك حركة إلا بإذنه، وهذا يتطلب منا معرفة، لا بد من معرفة أوامر الله ورسوله ونواهيهما.قال: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ [آل عمران:20]العرب، الذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى والصابئة، والأميون هم: المشركون. قل لهم ماذا يا رسولنا؟ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ [آل عمران:20] اسألهم: أَأَسْلَمْتُمْ [آل عمران:20]أم لا؟ هذا هو الحد الفاصل، وبعد هذا ما بقي شيء. أأسلمتم أم لا، فأنا ومن تبعني قد أسلمنا وجوهنا لله، وأنتم اكشفوا النقاب عن وجوهكم. أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا [آل عمران:20] إلى طريق السعادة وسبل الكمال في الدارين وَإِنْ تَوَلَّوْا [آل عمران:20] ورجعوا إلى الوراء معرضين عنك وعن كلامك ودعوتك فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ [آل عمران:20] وقد بلغت، فهنيئاً لك رسول الله! لا تحزن ولا تكرب أبداً ولو ما أسلم ولا واحد، إذ عليك البلاغ، فهذه مهمتك التي تجزى بها وتؤاخذ عليها إن قصرت فيها، وقد بلغت فلا شيء عليك وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20] سوف يجزيهم الجزاء العادل إما فقراً وهواناً وذلاً في الدنيا، وإما تمزقاً واحتراقاً وتلاشياً في الدار الآخرة، وبذلك استراحت نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب النجرانيون إلى بيوتهم في كرب وحزن.وصلى الله على نبينا محمد. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
الله عز وجل لا يضيع أجر الصالحين من أهل الكتاب قال: [ وأخيراً: أن ما يفعلونه من الصالحات، وما يأتونه من الخيرات، لن يُجحدوه، بل يعترف لهم به، ويُجزون عليه أتم الجزاء؛ لأنهم متقون، والله عليم بالمتقين، فلن يضيِّع أجرهم أبداً ]، اللهم اجعلنا منهم.إذاً: فمن هم المتقون؟ الذين اتقوا غضب الله وعذابه وسخطه، بمَ؟ بالجيوش الجرارة؟! بالحصون القوية والأسوار العالية؟! أم بماذا؟ الجواب: يُتقى الله بالخوف منه الحامل للعبد على أن يطيعه ولا يعصيه، يُتقى الله بطاعته وطاعة رسوله، إذ إن من أطاع الله وأطاع رسوله جعل بينه وبين العذاب وقاية من أعظم الوقايات، وليست وقاية فقط، وإنما بعد الوقاية فاز وظفر بالمقام السامي، والدرجات العالية، والجوار الكريم في الملكوت الأعلى.إن تقوى الله عز وجل تتكرر في القرآن وأهل الإسلام غافلون عنها، فسلهم بم يتقى الله؟ لا يجيبوك أحد، ولذلك يُتقى الله بالإيمان به وبطاعته وطاعة رسوله، وسر هذه التقوى -أهل الحلقة على علم نساء ورجالاً، والمحرمون منها لا يعرفون- أنها تزكي النفس البشرية وتطيبها وتطهرها، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، فإذا زكت النفس -أي: طابت وطهرت- وأصبحت كأنفس الملائكة وأرواحهم، يقبلها الله في الملكوت الأعلى وينزلها في الفراديس العلى.وإن كانت الأنفس خبيثة منتنة متعفنة كأنفس الشياطين وأرواح الكافرين، فمستحيل في قضاء الله وحكمه أن يقبلها في جواره، وآية واضحة حفظها النساء والرجال لن تُنسى أبداً، فاسمع هذا البيان يا عبد الله، يقول تعالى في سورة الأعراف المكية: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41]، هذا بيان ملك الملوك، بيان رب العالمين، بيان خالق الجنة والنار، وخالق الإنس والجن وسائر المخلوقات، بيان رافع السموات، فمن يرد على الله؟! إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:40]، الذين كذبوا بهذه الشريعة يعبدون الله بها؟! معقول هذا الكلام؟! إن ذلك مستحيل، وإذا ما كذب ولكن استكبر، فقال: أنا مؤمن بأنه كلام الله، لكن لا نستطيع أن نقوم من آخر الليل، ما نستطيع أن نعطي أموالاً للفقراء والمساكين فنبقى مثلهم، ما نريد أن نخرج إلى الجهاد فنموت، فهل هذا استكبار أم لا؟ وقد ضربت لهذا مثلاً وتكرر ذكره، فنسيه الناسون، وهذا المثل هو:لو أن مريضين على فراش الموت أتى إليهما الطبيب، فتقدم إلى أحدهما فقال له: استعمل هذا الدواء ملعقة بعد الأكل وملعقة قبل النوم، فقال: أنا لا أؤمن بهذا الكلام، اذهب عني، لا أصدق هذا الكلام! ثم مات، والثاني تقدم إليه الطبيب فقال: يا أخانا، يا مريض، إن مرضك كذا، فاستعمل هذا الدواء ملعقة في الليل وملعقة في الصباح، فقال: جزاك الله خيراً، ولكن نفسي ما هي قابلة له، وأنا مصدق بما تقول، فتركه الطبيب فمات، وبالتالي ما الفرق بين المكذب والمستكبر؟الأول قال: أنا لا أصدق أن هذا الدواء يشفيني، وأن هذا الدواء ينفعني! فهو مكذب، والثاني شكر الطبيب على ذلك، لكنه قال: أن ما عندي شهية ولا رغبة في هذا الدواء، فهلكا معاً لأنهما لم يستعملا الدواء، فهل فهمتم معنى قول ربنا: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا [الأعراف:40]؟ ما استعملوا أدوات التزكية للنفس البشرية وتطهيرها، وهؤلاء حكم الله فيهم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40]، وهل للسماء من أبواب؟إي ورب الكعبة، والباب كالمدخل، لكن ليس شرطاً أن يكون كباب غرفتك، فأبواب السماء لا تفتح لهم أبداً، وذلك لما تُؤخذ أرواحهم فيعرج بها موكبٌ من ملائكة العذاب، فيستأذنون -والله- فلا يؤذن لهم، فيعودون بها إلى الدركات السفلى، والدركات السفلى إن أردت لها تصويراً قريباً فأغمض عينيك وضع رأسك بين ركبتيك وفكر وقل: اهبط، اهبط، اهبط، إلى أين؟ عجزت يا عبد الله فلا تعرف، تلك هي الدركات السفلى ثَّم سجين، إلى يوم القيامة وهو في عذابها، إذاً لا تفتح لهم أبواب السماء لأن أنفسهم خبيثة عفنة منتنة رائحتها كريهة، لا يقبلها أهل الملكوت الأعلى.ثم قال تعالى: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ [الأعراف:40]، يا عرب، تعرفون الجمل؟ إنه البعير الأروق، تعرفون سم الخياط؟ سلوا العجائز، إنه عين الإبرة، أي: ثقبها، فهل من المعقول أن يدخل بعير في عين إبرة؟! والله لو تجتمع البشرية كلها مستحيل أن يدخل بعير في عين الإبرة، وبالتالي فمستحيل في حق ذي النفس الخبيثة أن يدخل دار السلام، وهذا حكم الله، فهل نبكي أو نصرخ؟وانظر إلى التعليل: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40]، من هم المجرمون؟ أصحاب الحشيشة عندنا، السرق، اللصوص، والمجرمون واحدهم مجرم، وهو اسم فاعل من أجرم يجرم إجراماً، فكل مفسد مجرم، والمراد هنا الإجرام على النفس البشرية التي كانت كأرواح الملائكة، كأرواح الأطفال، فأجرم عليها وصب عليها يومياً أطناناً من القاذورات والأوساخ، من كلمات الشرك والكفر والكذب، وجرائم السرقة والتلصص حتى اسودت وأنتنت وعفنت، فهل أجرم عليها أو لا؟ثم ماذا؟ قال لهم: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ [الأعراف:41]، أي: فراش، ففراشهم الجمر والنار، وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] أي: بطانيات يتغطون بها، فغطاؤهم وفراشهم النار.ثم قال تعالى: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41]، من هم الظالمون؟ الذين يضعون الأمور في غير مواضعها، فبدل أن يعبدوا الله عبدوا الشيطان، بدل أن يفعلوا الخير فعلوا الشر، بدل أن يعتقدوا الحق اعتقدوا الباطل، بدل أن يستقيموا اعوجوا، فاسودت نفوسهم، وأنتنت وتعفنت أرواحهم، فهذا جزاؤهم، وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41].فهل عرف المؤمنون والمؤمنات هذا؟ وهل عرفتم تقوى الله عز وجل؟ إذاً فهيا نتقيه بطاعته وطاعة رسوله، فأولاً: يجب أن نعرف أوامر الله التي نطيعه فيها، وكيفية فعلها أمامه ليقبلها، ويجب أن نعرف أوامر رسوله كم هي؟ وما هي؟ وما أوقاتها؟ وما ظروفها؟ وكيف نؤدِّيها؟ ثم يجب أن نعرف محارم الله ومناهيه ومساخطه لنتقيها ونجتنبها، ونبحث عن الوسائل التي تساعدنا على تركها واجتنابها، فإن لم نرد أن نعلم هذا والله ما نتقيه، إذ إنه مستحيل ذلك، فالذي لا يعرف أوامر الله ولا نواهيه كيف يعبده؟! والذي لا يعرف أوامر رسوله ونواهيه كيف يطيعه؟!وللأسف فقد عرف هذا بنو عمنا من اليهود عليهم لعائن الله، فقالوا: إذاً جهلوا المسلمين -باستثناء هذه البقعة المباركة- فتجد نسبة تعليم البنت في مدارسنا في العالم الإسلامي لا تزيد على حصة في الأسبوع أو حصتين، وبالتالي كيف يعرف الناس ربهم؟ وكيف يعبد الناس ربهم؟ لقد شغلوا بناتنا وبنينا بالعلوم الطائشة التائهة الهائمة الضائعة التي لو أسلمنا قلوبنا لله لتعلمناها في أسابيع لا في عشرين سنة، ونحن نصرخ ونقول: الباطل، الباطل، بل ما زلت أقول: لو كنا صادقين فإن في إمكاننا أن نختار من البنات سبعين بنتاً أو ثمانين، وفي خلال أربعة أسابيع يتخرجن ممرضات، ولا يحتاج إلى ندرسهن عشرين سنة حتى يتخرجن ممرضات، وهذا مثال حي، لكن حتى لا نعرف الله ولا نعرف كيف نطيعه وضعوا هذه المناهج والبرامج التعليمية، فأصبح المسلمون يتخرجون بشهادات لو سألتهم عن الله ما يعرفون! ولو سألتهم بمَ يتقى الله فلا يعرفون أيضاً.ولذلك إذا جهل المسلمون ربهم ومحابه ومكارهه فكيف يعبدونه؟! كيف يطيعونه؟! ثم أين مظاهر التقوى وقد خمت الدنيا بالخبث والشر والظلم والفساد في كل بلاد العالم وبالأخص بلاد المسلمين؟ وسبب ذلك أننا ما علمناهم أن يطلبوا العلم لمعرفة الله وما يحب وما يكره، بل دلوني على فحل منكم أيها الفحول يأخذ طفله إلى المدرسة ويقول له: أي بني، تعلم كيف تعبد الله، تعلم ما يحب الله لتفعله، وتعرف إلى ما يكره الله لتتركه، وتنازلنا هذا مع الرجال والذكور، ثم جاء تعليم البنات، فمن منكم من قال: يا بنيتي تعلمي كيف تعبدين الله، كيف تتقربين إلى الله لتظفري بالنزول بجواره، إن هذه الدنيا فانية وزائلة؟ لو قال هذا لقالت: اتركني في بيتي مع أمي أتعلم كيف أعبد الله.مع أننا في خير وعافية، لكنها لا تدوم؛ لأننا نزحف إلى باب الخراب والدمار، ووالله -لا قدر الله- لأن تسقط هذه الراية، ويحكم هذه البلاد غير أهل سعود لرأيتم العجب، بل لاندهشتم، وذلك أن ظواهرنا كشفت عن بواطننا، وعرفنا إلى أين نحن نسير، وهذا هو واقعنا، لكن لطف الله وإحسانه باق معنا، ونحن نسأل الله عز وجل أن يكثر الصالحين والصالحات في هذه البلاد؛ لأن زوال النعمة إذا كثر الخبث، والعدو والله يعرف هذا قبلنا، فهم يرصدوننا لعلمهم بما عندنا، ولذا خرج رسول الله في ليلة من الليالي وهو يضرب كفيه متحسراً ويقول: ( ويل للعرب من شر قد اقترب )، في تألم وتحسر، فتقول إحدى نسائه: ( أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث )، فهل عرفنا نحن هذا؟ لو عرفناه ما سمحنا للخبث أن يظهر بيننا، لا في قرانا ولا في مدننا، لكن العدو عرف هذا فأخذ ينشر الخبث بالحيل وبالمجلات وبالجرائد وبالإذاعة وبالسحر، بل وبكل الوسائل المتنوعة والمختلفة، حتى إذا كثر الخبث هبطنا كما هبط كل العالم الإسلامي. هداية الآيات ومرة أخيرة أسمعكم الآيات لنقف على نتائجها، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [آل عمران:113-115].أما أهل الشرك فلا تسأل، واسأل عمن دخلوا في رحمة الله، واذكر الصديق والفاروق وأصحاب رسول الله، واذكر ملايين الربانيين الصالحين من العرب والعجم الذين أصبحوا أولياء الله وأهل تقواه.قال [ من هداية الآيات:أولاً: فضل الثبات على الحق والقيام على الطاعات ]. أي: أن هذه الآيات دلت على فضيلة الثبات على الحق والقيام على الطاعات، وعدم التحول أو النزول عنها.[ثانياً: فضل تلاوة القرآن الكريم في صلاة الليل ] والحمد لله نصلي العشاء ونقوم آخر الليل، فإن قال قائل: يا شيخ ما نستطيع! أقول: كان آباؤكم وأجدادكم يقومون الليل، بل ويطول عليهم فينامون ثم يقومون يصلون؛ لأن الليل عندهم من صلاة العشاء بتعاليم رسول الله: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم -نهى المؤمنين والمؤمنات- عن النوم قبل صلاة العشاء )، فيكره لأي مؤمن أن ينام قبل صلاة العشاء؛ لأنه إذا نام قد لا يستيقظ، ( ونهى عن الحديث بعدها )، أي: أن الحديث بعد صلاة العشاء ممنوع.لكن قد يقول قائل: يا شيخ! كل أعمالنا وأشغالنا في الليل! أقول: ماذا أصابنا؟ هل هبطنا؟! عندما نقول: هيا نتوب إلى الله فنجمع نساءنا وأطفالنا في بيت ربنا من المغرب إلى العشاء، فإذا صلينا ذهبنا إلى بيوتنا ونفوسنا مشرقة وآمالنا سامية، قالوا: كيف ننام بعد صلاة العشاء؟! إذاً: وكيف تتطلعون إلى السماء؟! أي: كيف تصبحون أولياء الله؟ [ثالثاً: فضل الإيمان والدعوة إلى الإسلام ] في الشرق والغرب.[ رابعاً: فضل المسابقة في الخيرات والمبادرة إلى الصالحات.خامساً: فضيلة الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه، وفي الصحيحين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ) ]. وتكملة الحديث: ( وعبد مملوك -لزيد أو عمرو- يؤدي واجبه مع سيده ويعبد ربه بكامل العبادة فله أجران، ورجل له أمة فأدبها ورباها وأطعمها وغذَّاها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران )، اللهم اجعلنا منهم.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) أولاً: هذا النداء الإلهي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هذا نداء من؟ نداء الله رب العالمين، منزل الكتاب، ومرسل الرسول، هذا هو الله هو الذي وجه هذا النداء إلى الناس كافة مؤمنهم وكافرهم؛ لأن لفظ الناس هو بمعنى البشر، والناس مأخوذ: من ناس ينوس إذا تحرك فهو ناس، وأدخلت عليه (ال) فأصبح الناس. يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، لبيك اللهم لبيك، مر نمتثل، انه نجتنب، مستعدون لطاعتك يا خالقنا يا رازقنا يا حافظنا يا من إليه مصيرنا، ناداهم ليأمرهم وإلا لا؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، اتقوا خالقكم سيدكم مالك أمركم موجد حياتكم .. هذا هو الرب وإلا لا، اتقوا ربكم ، أو تقول: لا.. لا.. لا رب لنا؟! سبحان الله! من أوجدكم؟ من أوجد هذه الأرض لكم؟ من رفع السماء فوقكم؟ من هيأ لكم هذه الأرض لتعيش على سطحها؟ ما نريد أن نعرف إذاً: أنتم خنازير يا بشر! ما تريدون أن تعرفوا ربكم حتى لا تعبدوه، ولا تطيعوه، إذاً: شر البرية هم الكفار، أو لا؟ من شر الخليقة؟ الكفار من عرب وعجم، من أهل الكتاب والمشركين، ما نحن الذين قضينا هذا القضاء بل هذا حكم الله العليم، ولكننا عرفنا كيف أصبحوا شر الخليقة؛ لأنهم جحدوا خالقهم ولم يعترفوا به، يغمرهم بالنعم، ويسقيهم ويحفظهم، ما نعترف به؛ حتى لا يسجدوا له سجدة، هؤلاء هم .شر الخليقة الذي يجحد خالقه حتى لا يعبده فقط. اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1].لو قال قائل: نتقيه بم؟ هل نحن خائفون منه؟ هل يقوى على تعذيبنا وإبادتنا وتجويعنا وتسليط الأمراض والأوبئة علينا؟ الجواب: نعم، أنتم في قبضته وتعيشون في كنفه، وبيده حياتكم ومماتكم، غناكم وفقركم، صحتكم ومرضكم، عزكم وذلكم، سعادتكم وشقاؤكم في هذا العالم المؤقت، وفي العالم الأبدي المخلد، كيف لا تتقونه؟! أما تخافون أن يغضب أو يسخط فيحيل سعادتكم إلى شقاء، ووجدوكم إلى فناء.حينئذٍ يقول: بم نتقيه؟ نقيم أسواراً عالية على قرانا ومدننا؟ ما تنفع، نوجد سراديب تحت الأرض ونهرب إليها؟ ما ينفع، نجهز جيوشاً جرارة تدفع عنا خطره؟ والله ما تنفع، يتقى الله بماذا؟فقط بطاعته، وطاعة رسوله، طاعته إذا قال: قم! قم، قال: اجلس! اجلس، قال: اسكت! لا تتكلم، قال: انطق! انطق، هذه هي الطاعة، قال: اشرب! باسم الله أشرب، قال: لا تشرب سم ... إلخ.هذه هي طاعة الله عز وجل، وبها يتقى عذابه وسخطه وبلاه، طاعته وطاعة رسوله، وطاعة رسوله من طاعة الله، وأوامر الله ونواهيه ما نعرفها بدون رسوله، فهو الذي يبين لنا ويشرح أو يفسر، هو الذي يتلقى البيان من الله: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]. ولذا أمر الرسول من أمر الله، وطاعة الرسول من طاعة الله، إذ قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ [النساء:1]، ونحن منهم: اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، اتقوا غضبه وسخطه وما ينتج عنهما من بلاء وشقاء وخسران أبدي.. اتقوه بطاعته فيما أمر به فعلاً، وفيما نهى عنه تركاً، فقط، وهذا إجمال كبير، ما هي أوامر الله؟ أوامر الله كثيرة، ونواهيه أكثر، فلا بد وأن نعرف، فالذي لا يعرف أوامر الله كيف يطيعه؟! والذي لا يعرف نواهيه كيف يطيعه؟! ومن لم يطع الله شقي وخسر، تعرفون الخسران الحقيقي؟جاء في كتابه في آيتين: قل يا رسولنا المبلغ عنا: إِنَّ الْخَاسِرِينَ ، بحق: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15] ، إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الشورى:45]، ما هو فقد بالشاة والبعير في أيامنا الأولى، ولا فقد الوظيفة والمنصب في أيامنا هذه.تريدون صورة؟يؤتى بالرجل فيوضع في صندوق من حديد ويطبق عليه ويلقى في عالم الشقاء، فوالله لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يأكل ولا يشرب ولا يموت بلايين السنين، لا يعرف أباً ولا أماً ولا إخوة ولا.. ولا.. في شقاء أبدي هذا نوع من العذاب.إذاً: هذا هو الخسران أم فقدك ابناً أو زوجة ماتت؟! كيفية معرفة محاب الله ومساخطه يجب أن يعرف المؤمن والمؤمنة محاب الله ومكارهه، وكيف يؤدون المحاب، وكيف يجتنبون المنهيات، وإلا فلا فائدة في إسلامهم، ولن ينتفعوا، مثلاً: قلت لك يا عبد الله! إن مركوباً يحملك إلى قريتك أو على بلدك اطلبه واركب هل تسأل عن هذا المركوب ما هو؟ هل تقول: أين يوجد؟ وإذا قلت: لا تعرف كيف تركب ما تسأل كيف تركب؟ قطعاً هذا لا بد ضروري.فإذا آمنا بوجوب تقوى الله للنجاة والخلاص من عذاب الدنيا والآخرة، يجب أن نعرف محاب الله ومساخطه، إذا أمر بما يحب ونهى عما يكره.وهنا نجد أنفسنا يجب أن نطلب العلم، ولما كان القرآن ينزل، والشرائع تتوالى، والناس في مكة فرض الله عليهم الهجرة لأنهم لا يمكنهم أن يعبدوا الله، والقرآن ينزل في المدينة، والأحكام تتوالى يوماً بعد يوم، يجب أن تهاجروا، هذه وحدها كافية.أسألكم بالله: هل المسلمون وهم ألف مليون يوجد منهم عشرة في المائة عرفوا ما يحب الله وما يكره؟ممكن، لكن العشرة هذه في المائة تنفع؟ تنفع أنفسها، تلك العشرة تنجو والتسعون إلى الهاوية.تريد منا يا شيخ أن نعود إلى تعلم العلم بعد بلوغنا سن الأربعين والخمسين سنة؟! ما هناك أبداً مانع، بل يجب أن تتعلم ولو كنت تموت بعد ساعة من الآن، وطريق التعلم عندنا لا تحتاج فيه أبداً إلى المدارس والكليات والجامعات، وسيارات الإركاب والأموال تنفق بالملايين، لا أبداً، هذا نحتاج إليها في الصناعات، والمواد الدنيوية، أما كوننا نعرف ما يحب سيدنا وما يكره فهذا ما يحتاج إلى هذا أبداً.كيف يا شيخ إذاً؟ نعيد القول: إذا دقت الساعة السادسة مساءً يجب على أهل القرية المسلمة أن يوقفوا العمل.. صاحب المسحاة يرمي مسحاته، صاحب المنجل يلقي منجله... صاحب المطرقة الحداد يلقيها، صاحب المتجر يغلقه، ويتوضئون ويأتون المسجد الإلهي بنسائهم وأطفالهم، ولا يتخلف إلا من كان مريضاً أو ممرضاً فقط، أما الحيض من نسائنا فإلى جنب حائط المسجد ومكبر الصوت عندهن ويتعلمن.نصلي المغرب كما صلينا ونجتمع كما اجتمعنا، ويجلس لنا المربي وندرس كتاب الله، ليلة آية كهذه وأخرى حديثاً، ونتعلم مراد الله وما يطلب منا وكيف نتملقه ونتزلف إليه، والله ما نلبث إلا يسيراً إلا ومن في القرية كلهم يعرف محاب الله ولا مكارهه، كل ليلة نتعلم مكروهاً أو محبوباً لله، ونعزم على التنفيذ والتطبيق، عام كامل وإذا بأهل القرية كلهم علماء عارفون عابدون أطهار أصفياء.وإن سألتني وقلت: أعطني صورة لهذه القرية، نقول: اسمع! لا يبقى فيها من يخون إخوانه ولا يغشهم ولا يفسد عليهم نسائهم ولا ببناتهم ولا يأكل أموالهم ولا يهينهم ولا يسبهم ولا يشتمهم ولا يكرههم أبداً، كيف هذا؟ نعم. العلم نور الله إذا ملأ القلب وفاضت تلك الأنوار على الشوارع؛ فلا العين تنظر ما حرم الله، ولا الأذن تسمع ما حرم الله، ولا اليد تأخذ وتعطي ما نهى الله، ولا الفرج يأتي ما حرم الله؛ لأن الأنوار تشع منها.وإن قلت: هذا ما هو معقول؟ الآن في قريتكم أعلمكم بالله أتقاكم لله، ابحث عن رجل العلم في قريتك هل تجده فاجراً؟ لصاً؟ فتاناً؟ مغتاباً؟ والله ما كان؛ لأنه علم عرف.. عرفتم هذا وإلا لا؟أهل المدن كذلك، كل حي من الأحياء فيه مسجد عظيم يتسع لنساء الحي ورجالهم، إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل وأقبلوا على بيت ربهم يستمطرون رحماته، يبكون بين يديه، فضلاً أن يتعلموا الهدى والنور الذي يغمرهم، وحينئذٍ عام واحد والله إن ميزانية الدولة لتنقص إلى النصف، الشره والتكالب على الدنيا ينتهي، يكثر المال، أهل القرية ما يبقى بينهم جائع أبداً، ولا يمد يده أو يحتال عليهم ليأكل أموالهم لأنه في غنى، وتستغني الدولة بنصف الأمن ورجاله، بل بثلاثة أرباعه، لم؟ كل مواطن هو حارس للأمن.. هل هذا معقول؟ والله لهو الحق، كيف تقول هذا يا شيخ؟ نقول: دولة رسول الله عشر سنين في المدينة كم من زاني زنا وقتل؟ واحد أو اثنين، كم من سارق حصل؟ لا أحد، كم بوليس للرسول؟ والله لا أحد، قولوا: الرسول أنوار النبوة.دولة أبي بكر ثلاث سنوات من سرق في المدينة؟ من زنا؟ من فجر في مكة وغيرها؟ دولة عمر ثلاثة عشر عاماً، كان عندهم بوليس وشرط؟ والله ما عندهم، أبعد هذا تشك يا عبد الله!ما نستطيع يا شيخ نترك أعمالنا، ونقبل على بيت الله نجلس فيه مع النساء والأطفال.. ما نستطيع هذا، إذاً تتوقف الحياة، نقول لهم: أنتم تقتدون بالغرب أم لا؟ في كل شيء حتى في اللقمة تتناولها بيدك اليسرى، تقتدون بهم أم لا؟ إي نعم، إذا دقت الساعة السادسة وأنت في باريس أو برلين أو لندن أو نيويورك يقف العمل.في جبل طارق ركبنا الطائرة من طنجا؛ لنلقي كلمة مع العصر، والمسافة ربع ساعة، وإذا بأحد إخواننا الذين دعوننا يقول لأخيه: عجل بإعداد العشاء، لم؟ قال: لأنها الساعة السادسة ما يبقى مطعم ولا دكان ولا.. لم؟ قال: النظام. الله أكبر! لم؟ قال: الناس يستريحون، يذهبون إلى المسارح والمسابح، ويذهبون المقاصف والمراقص ودور السينما يروحون على أنفسهم، هذا واقع وإلا لا؟ إي ورب الكعبة.ولم نحن ما نستطيع أن نغلق أبواب العمل ونقدم على ربنا نسأله رضاه ونعمه علينا؟ مسحورون أظن، نعم.جهلتنا العصابة اليهودية وساقتنا كالبهائم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.حادثة معينة أقولها لمن يبلغ هذا الكلام؛ لأننا سمعنا من يسخر من هذا الكلام سمعتم؟ يقول: كيف نأتي كلنا إلى المسجد ونترك العمل.الآن أنتم تشتغلون عمالاً في الخارج، وأولادكم بالفجور والباطل والشر في دياركم، لو كانوا معكم كلهم من يفجر في الخارج؟ من يتلصص ويجرم؟ هذه وحدها كافية لو كنا نعقل.علمت يقيناً: أن الشيوعية الحمراء في بعض البلاد.. هنا في حضرموت أو في عدن حدثني الأبناء يومها، يوم الفتنة قال لي: والله ليجمعون أهل القرية نساء وأطفال ورجال بالقوة في القرية ويلقنونهم تعاليم الشيوعية ومبادئها من بعد العصر إلى بعد العشاء كل ليلة، يعلمونهم مبادئهم وإيمانهم بمعتقدهم، في من يلومهم؟ لا، يريدون أن يحولوا هذا الشعب إلى ما يريدونه، ووقع هذا في مصر وكل المستعمرات يومئٍذ، لا بد من جمع الناس بالقوة وتعليمهم الكفر والإلحاد، وإلا كيف يعيشون معهم، فعلوا هذا أو ما فعلوا؟ والله فعلوا، وهذا أبو عبد العزيز يحلف لكم: لقد كان السلطان عبد العزيز تغمده الله برحمته على هذا المنهج، يجمع أهل البادية في القرى ويلزمهم بأن يجتمعوا بعد المغرب وبعد الصبح؛ ليتعلموا العقيدة، فما هي إلا سنوات والتوحيد يلوح في آفاق هذا البلاد، وأصبح العوام موحدين أفضل من علمائكم في دياركم من طريق الكلمة فقط. عرفتم قيمة هذا الاجتماع وإلا لا؟كيف يجمع تلك الأمة يطهرها؟ يبدأ بالمدارس يعلم أولادها، يجمعهم لصلاة الصبح والإمام يقرأ قائمة: فلان فلان فلان، إذا علم أن شخصاً ما حضر يمشي إلى بيته: لِمَ لم تحضر؟ إن كان مريضاً عادوه، إن كان غائباً عذروه، إن كان الشيطان سخر منه يؤدبه، فلا يتخلف رجل عن صلاة الصبح.ويعلمونهم التوحيد وهم عوام لا يعرفون الألف من الباء، وأصبحوا موحدين. هذا أؤكد به هذه الدعوة للعالم الإسلامي إذا أرادوا أن يسعدوا أن يجتمعوا بعد المغرب في مساجدهم بنسائهم وأطفالهم ويتعلمون الكتاب والحكمة، قال الله وقال رسوله وكلهم عزم وصدق في أن يعمل، والله ما هي إلا سنة وقد تغير العالم الإسلامي تماماً، وأصبحوا لو يرفعون أكفهم إلى الله ما ردها خائبة.وهذا لا يمنع أن ينشطوا في الصناعات والماديات طول النهار، بل يزيدهم قوة، أليس كذلك؟نكتفي بهذا القدر، ونعود للآية غداً إن شاء الله.وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة النساء - (2) الحلقة (226) تفسير سورة النساء (10) فرق الله عز وجل في إرث الكلالة بين الإخوة من أم والإخوة الأشقاء والإخوة من أب، ففي الأول إن كان الأخ واحداً فيرث السدس، وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، أما الإخوة الأشقاء أو من أب فقسمتهم مختلفة، فإن كان له أخت فهي ترث النصف، وإن كانتا اثنتين فتشتركان في الثلثين، وإن كانوا إخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان الميت امرأة ولها أخ فهو يرث مالها كله. تفسير قوله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة من ليالي التفسير ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى آيتي المواريث، وقد درسنا أكثرها، ولم تبق إلا آية واحدة، وهي من خاتمة سورة النساء، ندرسها ونعود من جديد لتقرير ما سبق أن علمناه. سبب نزول قوله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ...) هذه الآية الأخيرة تسمى آية الصيف؛ لأن الآيتين التي قبلها نزلتا في الشتاء، وهذه الآية نزلت في الصيف في شدة الحر، فتعرف بآية الصيف، وذكر لنزولها أسباب أصحها -والله أعلم- ما يلي:أن جابر بن عبد الله بن حرام رضي الله عنه صاحب رسول الله مرض مرضاً شديداً، ولكن لم يتوف فيه، فزاره النبي صلى الله عليه وسلم فوجده مغمى عليه، فتوضأ صلى الله عليه وسلم ثم صب عليه من فضل وضوئه فأفاق، فلما أفاق قال: ( يا رسول الله! كيف أقضي في مالي؟ )، وكان له تسع أخوات من أبيه وأمه، ولهذا ما حضر وقعة من الوقائع؛ لأن أباه استخلفه لرعاية أخواته؛ فلما سأل لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزلت هذه الآية ، والآية بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَسْتَفْتُونَكَ [النساء:176] من هم؟ أصحابه يطلبون الفتيا: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ [النساء:176]، أما أنا فلا علم لي، حولهم على الله عز وجل: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، هذه التي أتعبت عمر تعباً شديداً، ومن كثرة إلحاحه وسؤاله قال فيه الرسول هكذا في صبره: ( أما تكفيك آية الصيف يا عمر )، وبقي مرتاباً شاكاً إلى يوم وفاته، وكتبها، وكان يستخير الله طوال حياته، فلما لم يتضح له شيء أعلن ذلك ومحيت الورقة وأقر ما أقره أبو بكر رضي الله عنه. كيفية تقسيم الكلالة قال الله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، بيانه: إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ [النساء:176]، هلك بمعنى مات، وأخيراً أصبحت كلمة هلك يطلقونها على ما لا يحمد حاله ولا موته، والقرآن ذكر هلك بمعنى مات.قال: إِنْ امْرُؤٌ [النساء:176]، وكلمة امرؤ يراد بها الذكر أو الأنثى: هَلَكَ [النساء:176] أباً أو أماً: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176] ولا والد، ما يحتاج إلى ذكر؛ لأنه تقدمت الآيات: وَلَهُ أُخْتٌ [النساء:176]، مات سعيد ولم يترك أباً ولا أماً وترك أخته، ترثه أو لا؟ هذه أخت شقيقة أو من أب، أما آية الكلالة في الأخوات من الأم تقدمت، فإن كان ليس له ولد فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ [النساء:176]، ترث نصف ما ترك أخوها، كما ترث نصف ما ترك أبوها لو مات، وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، يرثها كلها أو النصف أو الربع؟ كلها، هي لا ترث إلا النصف ولا تزيد عليه، وهو أكثر ما ترثه دائماً، وهو يرث الكل: وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176] فإن كان لها ولد يرثها، والأخ ما له شيء لأنه محجوب بالولد، لكن إذا كانت له بنت أنثى فلها النصف والباقي للأخ بالتعصيب إن لم يكن لها ولد.ثم قال تعالى: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ [النساء:176]، هلك هالك وترك أختين، كذا أو لا؟ عبد الله بن حرام ترك تسعاً: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176]، لهما الثلثان مما ترك والثلث الباقي للعاصب. وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176]، مثل جابر له أخوات وهو ذكر، لو كان له أخ آخر قالوا: إخوة رجالاً ونساء.قال: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176] كيف يرثون أخاهم الذي مات؟ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، البنت تأخذ ريالاً والذكر يأخذ ريالين: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء:176] كي لا تضلوا وتخطئوا في القسمة وتأكلوا أموالكم بالباطل، أو يورث هذا عداوة بينكم أو حسداً أو ما إلى ذلك، يبين لكم كراهة أن تضلوا: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176] فسلموا له القضاء والحكم، أعدل العادلين .. أرحم الراحمين؛ بكل شيء عليم، بالبواطن والظواهر والمستقبل والآتي، فلهذا إذا حكم الله احمد الله، افرح وزغرد أعني النساء، أما الرجال ما يزغردون.إذاً: يقول الله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ [النساء:176] في ماذا؟ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، عرفنا الكلالة؟ أن لا يكون له والد ولا أب ولا أم، لا جد ولا أم ولا جدة، وإنما يرثه من يحيطون به من إخوانه، إن كانوا لأم هذه كلالة تقدمت، وإن كانوا لأب أو لأب وأم فهي هذه بالذات، فهو بين تعالى: إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176]، ذكر أو أنثى لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ [النساء:176]، ماذا ترث الأخت من أخيها الذي مات أو أختها؟ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا [النساء:176] بشرط: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، إذا كان لها ولد ما بقي لها شيء، هذا أخ، حاشية من الإكليل، الولد أولى: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ [النساء:176] أو أكثر أخوات، لو مات جابر وترك تسع أخوات ماذا لهن؟ الثلثان فقط، والثلث يبحثون عن عصبة، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176]، هذا في حال أخ واحد أخت وحدها ولا يوجد ثاني، وفي حال اثنتين أو أكثر؟ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً [النساء:176] أكثر من اثنين، رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، تقسم هذه التركة بينهم إن مات أخوهم وترك هذا المال، للذكر مثل حظ الأنثيين، قد تكون بنتاً ومعها ولدان ذكران، أو ثلاث بنات ومعهم ذكر القسمة: للذكر مثل حظ الأنثيين كما تقدم في النسب، عرفتم أن هذه الآية تسمى آية الصيف أو لا؟ وعرفتم أن عمر تردد فيها طويلاً، ولكن الله بينها على لسان رسوله فأقرها.مرة ثالثة نقول: هلك هالك وما ترك له ولد ولا أب ولا أم ولا ولد ولد، وإنما ترك أخاه أو أخته، إن كانت أخت فلها النصف، وهو إن ماتت؟ كلها، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، فإن كان لها ولد فلا حظ له نهائياً لأنه محجوب، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ [النساء:176]، هلك هالك وترك أختين فقط، وليس له أب ولا أم؛ لأنها كلالة، فما الحكم؟ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ [النساء:176]، والثلث الباقي للعم .. لابن العم .. للعصبة: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176] خليط أخوات وإخوان، فماذا يصنعون؟ يقتسمون تركة أخيهم للذكر مثل حظ الأنثيين: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ [النساء:176] لكيلا تضلوا، وضل في القضية أخطأ الطريق فيها كما ضل في الطريق، أراد الشام فمشى إلى اليمن.وتأملوا الآية: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا [النساء:176] بشرط: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].القرآن فيه اختصار كبير، لو كان فيه تطويل لا يحفظ ولا يحمل، فلهذا بدل أن يقول: كراهة أن تضلوا أو لكيلا تضلوا، نفهم من السياق: يبين لنا حتى نضل يعني؟ في عاقل يقول هذا؟ يقول: أبين لكم لتضلوا! هذا كلام يقوله عقلاء؟ إذاً: يبين لكم حتى لا تضلوا، لكيلا تضلوا، أو ما فهتم هذه البربرية؟!القرآن فيه إيجاز واختصار، أولاً: لأنه يحفظ في الصدور، عندكم كتاب كالقرآن محفوظ في الصدر؟ ما هو معقول أبداً، وينبغي أن يحفظ من قبل الرجال والنساء.ثانياً: لو كان يوسع فيه يخسر معناه ، لو يشرح بكلام الله تطول قراءته ويصعب على الناس حتى فهمه.فالله عز وجل أنزله مختصراً ووكل بيانه إلى رسول الله، والرسول بين كل ما نحتاج إليه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]. يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].هنا ما ذكر الدين والوصية، لماذا؟ ذكرت في أول السورة، لم التكرار؟ هنا ذكر الوصية والدين؟ لا، ذكر هناك مرتين فلا حاجة لتعاد؛ لأن تلك الآيات نزلت قبل هذه الآية .. أول السورة ينزل قبل آخرها. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات المواريث أولاً: عرفنا أن الإرث يكون بثلاثة أسباب، سبب معدوم؛ لأننا وضعنا السيوف قلنا: يكفي لا جهاد بعد اليوم، من أين يأتي إذاً الأرقاء والعبيد حتى نرثهم؟ إذاً: بقي النسب والمصاهرة، وهذا هو الإنسان، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [الفرقان:54]، لا يخرج الإنسان عن النسب والمصاهرة، هذا أبي، هذا أبو زوجتي.نصف الآية الأولى في النسب اسمع، يقول تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، لماذا يرث الولد أباه؟ نسباً؛ لأنه منه انحدر، وهو منسوب إليه، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، مات رجل وترك أولاداً -بنين وبنات- كيف تقسمون التركة؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، إن كان هناك دين أو وصية ماذا تفعلون؟أولاً: الدين، مرده إلى أصحابه.ثانياً: تنفذ الوصية على شرط ألا يكون فيها جور، لا في الوصية ولا في الدين كما سيأتي: غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12]، قد يوجد شخص يحسد الورثة فيسجل عليه أكثر من تركته ديوناً حتى يحرمهم، أو يريد أن يحرمهم أيضاً فيوصي بالثلث لفلان وفلان ولو كانوا فقراء، وما يريد الأجر يريد أن لا يرث فلان وفلان، هذا المرض يوجد أو لا؟ فإن عالجه صاحبه شفي بإذن الله، ولكن أين الأطباء وأين الدواء؟ موجود، ولكن المريض ما يقبل، ما يريد أن يعالج، يريد أن يبقى بمرضه.إذاً: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، هذه الخطوة الأولى أو لا؟ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11]، مات الرجل وترك بنتين فأكثر كيف تقسمون؟ قال: فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، والثلث الباقي للعصبة أو لبيت المال: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11]، مات وترك بنتاً واحدة فلها النصف، والأبوان في الصور الثلاثة، وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:11]، ولأبويه: أي: أم الهالك وأباه.إذاً: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [النساء:11] بشرط: إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فقط. مات الرجل ما ترك ابناً ولا بنت ولا ولا، ولكن ترك أباه وأمه فقط، كيف تقسمون؟ كما قسم الله، فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، وسكت عن الثلثين الباقيين لأن المعنى واضح،وأنه من حق الأب، قلت لكم: الكلام فيه اختصار؛ لأنه كلام ذي العرش.إذاً: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، الأم هنا حجبت من الثلث إلى السدس؛ لأن الصورة: مات وترك أمه وأباه أو لا؟ فقط، كيف أعطاهم الله؟ أعطى للأم الثلث والباقي للأب الثلثان الباقيان، فإن فرضنا أنه أيضاً ترك ولداً واحداً فلا يؤثر، ما يحجب الولد الواحد أمه، تبقى بثلثها، لكن إن ترك ولدين فأكثر حجبت من الثلث إلى السدس.قال وقوله الحق: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11]، هذا عدد أو لا؟ جمع أخ: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، لو قال: فإن كان له أخ؟ نقول: حجبت الأم، لكن قال: إخوة فقط، الواحد ما يؤثر، الأخ الواحد ما يمنع الأم من الثلث تبقى آخذة الثلث.ثم قال تعالى: مِنْ بَعْدِ [النساء:11]، يعني: تأخذون في هذه القسمة متى؟ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ [النساء:11] تطبقونها فقد أوصى بها أَوْ دَيْنٍ [النساء:11] كان له، فإذا فرغتم من الوصية والدين حينئذ قسموا التركة على النحو الذي بين الله تعالى.نعود من جديد يقول تعالى جل جلاله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11] بماذا؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، صورته: أن يموت رجل ويترك أولاداً من بنين وبنات، والقسمة تكون كالتالي: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، فإن كن نساء كلهن فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11] اثنتين فما فوق، فلهن ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، وإن كانت واحدة فقط ما ترك إلا بنتاً واحدة فلها النصف: وَلِأَبَوَيْهِ [النساء:11] أبوي الميت، لكل واحد منهما السدس في الأولى والثانية والثالثة، دائماً ماداموا موجودين إن كان له ولد: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]؛ لأن الولد يرث أباه والجد له السدس: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11] لهذا الميت وورثه أبواه فقط فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11] والثلثان الباقيان للأب، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11]، هذا الميت له إخوة وما ترك أولاداً، فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، حجبت من الثلث إلى السدس بوجود الإخوة، والإخوة لا يرثون لأن أبهم موجود، فقط حجبت من الثلث إلى السدس؛ لأن الإخوة كثيرون وأبوهم يتحمل نفقاتهم، فإن كان أخ واحد ما يعتبر شيئاً، ويبقى لها الثلث. وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، هذا هو ما يعرف بالمصاهرة أو إرث المصاهرة، ولكم معاشر المؤمنين المستمعين وغير المستمعين نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، ليس شرطاً أن يكون عندك أربع زوجات أو ثلاثة حتى ترث النصف، وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] أيما رجل ماتت زوجته وكان لها أولاداً منه أو من غيره لا يأخذ إلا الربع، فإن لم يكن لها ولد فله النصف: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] هذا القيد، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، هذا ما فيه شك ولا خلاف وأوضح ما يكون.نعود إلى السيدات: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، وهنا قلنا: الإجماع على أن الزوجة إن ورثت الثمن وكان معها ضراتها الكل يأخذن الثمن، الزوجة الواحدة لها الربع، فإن كانت معها ضرة أو ضرتان أو ثلاثة أو أربعة الكل الربع؛ فهن شركاء في الربع، أو شركاء في الثمن.واللطيفة التي عرفناها: أن الأصل أن الرجل يتزوج امرأة واحدة، ولا يتزوج ثانية إلا لحاجة، إلا لضرورة؛ لأن الإسلام قنن ووضع قوانين الاقتصاد؛ فحينئذ هذه التي جاءت من بعد تؤذي الأولى وتقاسمها في ربعها أو ثمنها، والذي يرجح أننا قلنا: آدم كم تزوج؟ لماذا ما صنع الله له اثنتين أو ثلاثاً؟ واحدة، واشتراط العدل كافٍ لأولي البصيرة، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] لا يحل غيرها، فهذا العدل أنتم تتحققون وجوده معنا كلنا؟ ولا 1% يستطيع أن يعدل،لم؟ أما هو يظلم الناس، يأخذ أعراضهم وأموالهم ويسب ويشتم، هذا يعدل هذا، هذا يعرف يعدل؟ لكن إذا أراد الإحسان امرأة ولية من أولياء الله توفي زوجها وبقيت أرملة يتفق مع أسرته ويأتون بها لتعيش آمنة صالحة كما كان، الأرض للجميع أو لا؟ مثلاً: ما استطاع وما قدر على أن يصبر على وقاع امرأته، كلما تحيض يحيض، كلما تلد كم شهر وهو هائج، قال: أنا أخاف أن أعصي ربي وأدخل النار، تزوج، اخطب فتاة صالحة مؤمنة طاهرة على شرط أن تطلبها صالحة طيبة طاهرة إن كنت طيباً أنت وطاهراً؛ لأن الله يقول: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]، ولما تتزوجا يجب أن تعدل بينها وبين ضرتها الأولى في الابتسامة في الكلمة في الفراش في الطعام في الريال في كل شيء؛ فإن كنت غير قادر تأكلك النار، إن زينت وفجرت هلكت، وإن ظلمت وجرت أيضاً هلكت، إذاً: ما علينا إلا أن نعدل ونحسن ونستمسك بحبل الله فإننا لن نسقط أبداً.اسمع إرث المصاهرة: الزوج والزوجة: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] بشرط أو بدون شرط؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] ماذا؟ الربع، الزوج لا يشاركه أحد لا في النصف ولا في الربع أليس كذلك؟ ولكن الزوجة: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12].الآن الجزء الأخير من الآية الكريمة وهو ما يعرف بورثة الكلالة، قال تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]، ما معنى يورث كلالة؟ يرثه كلالته لا أباه ولا أمه ولا ولده؛ يرثه إخوته من أمه فقط؛ لأن الكلالة في آخر السورة بيناها، إخوان له أشقاء لأب، هؤلاء إخوة لأم فقط، وإليكم البيان، قال تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12]، أي ليس الشرط للرجل ، بل المرأة تورث كلالة أيضاً: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] من أم: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12]، أي: من اثنتين وثلاثة فأكثر فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12] فقط.آية الكلالة في آخره: ثم هلك هالك وترك إخوة وأخوات يقتسمون الذكر مثل حظ الأنثيين، وهنا كلالة خاصة مع الإخوة للام.يقول تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ [النساء:12]، أي: وإن وجد رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]، لا نسباً ولا صهراً، أو امرأة كذلك وَلَهُ أَخٌ [النساء:12] أي: من أمه أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] من أمه، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12] إن كان أخ واحد له السدس، إن كانت أخت واحدة لها السدس، فإن كانوا أكثر من اثنين فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، فإن بقي شيء يرثه العصبة؛ الأخ لأب أو الشقيق. مراجعة لمسألة الحمارية أو الحجرية أو المشتركة تقدمت مسألة الحمارية أو الحجرية، وهي:هلكت امرأة وتركت زوجها وأمها وأخاها كيف القسمة، للزوج كم؟النصف، وللأم السدس.قال: [وهنا ما يعرف بالحجرية أو الحمارية أو المشتركة، وهي أن تموت امرأة، وتترك زوجها صاحب النصف، وأمها، وإخوة لأمها، وأخاً لأبيها أو إخوة]. الزوج له النصف، والأم ترث السدس لوجود إخوة له متعددين، الأم لها السدس، وبعد النصف والسدس بقي الإخوة للأم لهم الباقي، وهو السدس؛ لأنهم تعددوا، والذي للأب أو الشقيق لم يبق له شيء، هذا الشقيق اشتكى إلى القاضي، وقال: يا سيادة القاضي، افرض أن أبانا حماراً أليست أمنا واحدة فكيف أنا أحرم؟!الزوج أخذ النصف، الأم أخذت السدس، منعها من الثلث الإخوة، الإخوة للأم لهم الثلث. هذه الكلالة. إذاً: ماذا بقي؟ ما بقي شيء، قال: اذهب فليس لك شيء فقد حجبت؛ لأن الإخوة للأم لهم الثلث تعددوا، الثلث والنصف والسدس ما بقي شيء للإخوة لأب. هذه تعرف عند الفقهاء بالحمارية، إذ قالوا: افرض أن أبانا حماراً أو حجراً، أليست أمنا واحدة كيف نحرم؟ قال: هذا الذي أعطاكم الله.نعود إلى آية الكلالة التي ذكرناها: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، هنا الكلالة إخوة لأم وأب أو لأب، وليست كالأولى الإخوة لأم فقط: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ [النساء:176] ماذا ترث؟ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ [النساء:176]. إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، فإن كان الولد لا حظ له، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ [النساء:176] من تركة أخيهما؛ لأن النسوة إذا تعددين لا يرثن أكثر من ثلثين ، وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176]. مسائل في المواريث نسأل:مسألة: هلك هالك وترك أولاداً، كيف تقسم هذه التركة؟للذكر مثل حظ الأنثيين.مسألة:هلك هالك وترك بنات ولا ولد معهما كيف؟لهما ثلثا ما ترك، وإن ترك هذا الهالك ابنة واحدة فقط، فلها النصف؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11]، وللأبوين الأم والأب مع هؤلاء الوارثين لكل واحد منهما السدس.وإن فرضنا أن الولد لم يكن له سوى أباه وأمه، كيف تقسم التركة؟السدس للأم والباقي للأب بالعصبة والفرضية؛ لقول الله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، وإن هلك هالك وترك إخوة وأمه وأباه كيف تقسمون التركة؟ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] والباقي للأب والإخوة محجوبون.فإن ترك أخاً واحداً فلأمه الثلث والباقي للأب. هلك هالك عن امرأتين، وترك أولاداً منهما أو من غيرهما، ماذا للزوجتين؟شركاء في الثمن، وإن هلكت هالكة وتركت زوجها وبنتها؟للزوج الربع، فهو محجوب من النصف بهذه البنت أو هذا الابن، وإن هلك هو وما ترك ولداً ولا ولد ولد؟لها الربع.أما كلالة الإخوة للأم فصورتها: أن يهلك مؤمن ولم يترك ولداً ولا ولد ولد ولا أب ولا جد، لا من الأصول ولا من الفروع، ثم ترك إخوة لأمه؛فإن ترك أخاً واحداً لأمه يأخذ السدس. وإن ترك إخوة متعددين فهم شركاء في الثلث وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:12].نكتفي بهذا القدر. اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|