ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأمومة والطفل (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=16)
-   -   فقه أولويات الزوجة: أم سليم أفضل ما تكون الزوجة لزوجها (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=205167)

ابوالوليد المسلم 17-07-2019 05:41 PM

فقه أولويات الزوجة: أم سليم أفضل ما تكون الزوجة لزوجها
 
فقه أولويات الزوجة: أم سليم أفضل ما تكون الزوجة لزوجها
أ. د. فؤاد محمد موسى






تبدأ الحياة الزوجية بما يسمونه شهر العسل؛ حيث يتفرغ كلا الزوجين للاستمتاع بالزواج، ويغفل الكثيرون عن الغاية من الزواج الذي شرعه الله.



وتحاول الزوجة في الشهور الأولى من الزواج أن تبدو من الحور بالنسبة لزوجها، فيسعد الزوج بحياته، ويجد في هذه الأيام والشهور الأولى تحقيقًا لأحلامه في البيت الذي طال انتظاره له، والذي بات يحلم بوضع جدرانه لبنة لبنةً في خيالاته..



ثم تبدأ الانشغالات لدى الزوجات بأمور متطلبات البيت: الزوج، الأولاد، الغسيل، إعداد الطعام، تنظيف البيت، وقد يضاف إلى ذلك عمل الزوجة الخارجي الذي قد يشغل الزوجة لتحقيق كِيانها.



وهنا تبدأ شكاوى عديدة لا تكاد تتوقف بعض المتزوجات من التذمر منها، ومن أعباء الحياة الزوجية التي تشغل تفكيرهنَّ، وقد يصبح هذا التذمر سببًا أساسيًّا في تفاقم الخلافات بين الزوجين، وفي غمرة ذلك تُهمل الزوجة حاجات زوجها، وتقصِّر في حقه بحجة انشغالاتها، وهنا يبدأ الشرخ الذي يُصيب الأسرة بأمراض عديدة بين الزوجين؛ مما يجعل حياتهما تفتقد للأجواء الأسرية الجميلة، مع احتمالية وصولهما إلى مرحلة الانفصال.



إن معظم ما تقع فيه الزوجات من حيرة وتخبُّط في هذه الظاهرة، هو البعد عن منهج الله لمفهوم الزواج لدى الكثرة من الزوجات.



وفي هذا المقال لن نخوض بالقول والنصح والإرشاد بالكلمات، بل سنعرض موقفًا حقيقيًّا لمثل طيب للزوجة المؤمنة التي تتعامل مع زوجها عبادةً لله، وليس استمتاعًا دنيويًّا محدود الغاية، فهناك غاية أسمى وأعلى وأجل من هذا الاستمتاع، وإن كان هذا الاستمتاع الدنيوي هو وسيلة لهذه الغاية.



فهيَّا بنا نعيش هذا الموقف في الحديث التالي: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، وَالْبَرَاءِ، قَالَ: فَوَلَدَتْ لَهُ بُنَيًّا، قَالَ: فَكَانَ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، قَالَ: فَمَرِضَ الْغُلَامُ مَرَضًا شَدِيدًا، فَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَقُومُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ يَتَوَضَّأُ، وَيَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي مَعَهُ، وَيَكُونُ مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَيَجِيءُ فيَقِيلُ وَيَأْكُلُ، فَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ تَهَيَّأَ وَذَهَبَ، فَلَمْ يَجِئْ إِلَى صَلَاةِ الْعَتَمَةِ، قَالَ: فَرَاحَ عَشِيَّةً، وَمَاتَ الصَّبِيُّ، قَالَ: وَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: فَسَجَّتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا، وَتَرَكَتْهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهَا أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، كَيْفَ بَاتَ بُنَيَّ اللَّيْلَةَ؟ قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، مَا كَانَ ابْنُكَ مُنْذُ اشْتَكَى أَسْكَنَ مِنْهُ اللَّيْلَةَ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ بِالطَّعَامِ، فَأَكَلَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ، قَالَ: فَقَامَ إِلَى فِرَاشِهِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، قَالَتْ: وَقُمْتُ أَنَا، فَمَسِسْتُ شَيْئًا مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى دَخَلْتُ مَعَهُ الْفِرَاشَ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَجَدَ رِيحَ الطِّيبِ كَانَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَهَيَّأُ كَمَا كَانَ يَتَهَيَّأُ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَوْدَعَكَ وَدِيعَةً، فَاسْتَمْتَعْتَ بِهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا، فَأَخَذَهَا مِنْكَ تَجْزَعُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قَلَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ قَدْ مَاتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَحَدَّثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الطَّعَامِ وَالطِّيبِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيهِ فَبِتُّمَا عَرُوسَيْنِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِكُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا، قَالَ: فَحَمَلَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: فَتَلِدُ غُلَامًا، قَالَ: فَحِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ فِي خِرْقَةٍ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاحْمِلْ مَعَكَ تَمْرَ عَجْوَةٍ، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ فِي خِرْقَةٍ، قَالَ: وَلَمْ يُحَنَّكْ، وَلَمْ يَذُقْ طَعَامًا وَلَا شَيْئًا، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ مَا وَلَدَتْ؟ قُلْتُ: غُلَامًا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ: هَاتِهِ إِلَيَّ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، فَحَنَّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَعَكَ تَمْرُ عَجْوَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخْرَجْتُ تَمَرًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرَةً وَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُوكُهَا حَتَّى اخْتَلَطَتْ بِرِيقِهِ، ثُمَّ دَفَعَ الصَّبِيَّ. فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَجَدَ الصَّبِيُّ حَلَاوَةَ التَّمْرِ جَعَلَ يَمُصُّ حَلَاوَةِ التَّمْرِ وَرِيقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا تفَتَّحَتْ أَمْعَاءُ ذَلِكَ الصَّبِيِّ عَلَى رِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ، فَسُمِّيَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: فَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ كَثِيرٌ، قَالَ: وَاسْتُشْهِدَ عَبْدُاللَّهِ بِفَارِسَ.



وفي روايةٍ للْبُخَاريِّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة: فَقَالَ رجُلٌ منَ الأَنْصارِ: فَرَأَيْتُ تَسعة أَوْلادٍ كلُّهُمْ قدْ قَرؤُوا الْقُرْآنَ، يعْنِي مِنْ أَوْلادِ عَبْدِاللَّه الْموْلُود.



أرأيتم ماذا فعلت أم سليم مع زوجها، وابنها قد مات، لم تقابله بوجه عبوس، ولم يظهر على وجهها أثرُ موت ابنها، يا لها من زوجة لديها من قوة الإيمان، فقد رضيت بقضاء الله:﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 156، 157].



فهل يوجد الآن من الزوجات من لديها القدرة على فعل ذلك؟!

وعندما سألها زوجها عن الابن، كان قولها: (قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، مَا كَانَ ابْنُكَ مُنْذُ اشْتَكَى أَسْكَنَ مِنْهُ اللَّيْلَةَ)، قول يدل على فطنة الزوجة وذكائها وحكمتها، ثم ما كان منها أن أعدت الطعام مسرعةً وقدَّمته إلى زوجها، (ثُمَّ جَاءَتْهُ بِالطَّعَامِ، فَأَكَلَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ)، إنها سيدة منزل على قدر من المهارة في تلبية حاجة زوجها من الطعام، انظر كلمة: "وَطَابَتْ نَفْسُهُ"، نِعمَ الزوجة هي!



ولم تكتفِ بذلك، انظر كيف كان صنيعها بعد ذلك: (فَمَسِسْتُ شَيْئًا مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى دَخَلْتُ مَعَهُ الْفِرَاشَ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَجَدَ رِيحَ الطِّيبِ، كَانَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ).



يا لها من زوجة رائعة لفَهْمها ما هو دورها الذي أعدها الله له، إنها تعبِّد نفسها لله بنفس راضية مطمئنة، إنها متعة الإيمان، وما أحلاها متعة، متعة الدنيا والآخرة معًا: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].



ومن العجب أن أم سليم لم تُخبر زوجها حتى الآن بخبر موت ابنه، بل تركتْه يَستريح حتى جاء موعد خروجه للذهاب إلى النبي الله صلى الله عليه وسلم، حينها قالت له: (يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَوْدَعَكَ وَدِيعَةً، فَاسْتَمْتَعْتَ بِهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا، فَأَخَذَهَا مِنْكَ، تَجْزَعُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قَلَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ قَدْ مَاتَ).



يا لها من بلاغة وفِقه لدى هذه الزوجة، فقد ردت الأمر لصاحب الأمر، إنه الله الذي يحيي ويميت.



انظر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ردًّا على صنيع أم سليم، عندما اشتكى زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.



(وَحَدَّثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الطَّعَامِ وَالطِّيبِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيهِ فَبِتُّمَا عَرُوسَيْنِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِكُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا).



لقد أشاد رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكل صنيع أمِّ سليم، فقد أقره ودعا لهما: (بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا).



أخي المسلم، أختي المسلمة، هيا بنا نرى بركة صنيع أم سليم كزوجة مؤمنة قامت بما يوجبه الله عليها كزوجة، فكان عطاء الله لها غلامًا سماه رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عبدالله".




(قَالَ: فَحَمَلَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: فَتَلِدُ غُلَامًا)، (فَسُمِّيَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: فَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ كَثِيرٌ، قَالَ: وَاسْتُشْهِدَ عَبْدُاللَّهِ بِفَارِسَ).



وفي روايةٍ للْبُخَاريِّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة: فَقَالَ رجُلٌ منَ الأَنْصارِ: فَرَأَيْتُ تَسعة أَوْلادٍ كلُّهُمْ قدْ قَرؤُوا الْقُرْآنَ، يعْنِي مِنْ أَوْلادِ عَبْدِاللَّه الْموْلُود.



هل رأيت هذا العطاء من الله ببركة صنيع هذه الزوجة، يموت ابنها فيبدلها الله بغلام يكون له رجال كُثُر حَفَظةٌ للقرآن، ذرية بعضها من بعض.




اللهم ارزق أزواجنا هذا الفقه وارزُقنا الذرة الصالحة: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].






الساعة الآن : 02:26 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.61 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.68%)]