ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   من يدخلون الجنة بغير حساب (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241563)

ابوالوليد المسلم 28-09-2020 02:48 AM

من يدخلون الجنة بغير حساب
 
من يدخلون الجنة بغير حساب
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد




إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذني الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

عباد الله؛ يا أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشائر يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة، هذه الأمة أمة مرحومة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل والبلايا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ، وَالزَّلَازِلُ، وَالْقَتْلُ". (د) (4278)، (ك) (8372)، (يع) (7277)، (طس) (4055)، انظر صَحِيح الْجَامِع (1396)، (1738)، الصحيحة (959).

وفي الآخرة إن شاء الله لا يكون عليها عذاب؛ إلا على بعض الأفراد الذين تجاوزوا الحدود من هذه الأمة؛ فأكثَروا من الذنوب والخطايا والآثام.

لذلك يا عباد الله! هل من هذه الأمة من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب؟ نعم! فمن اتصف بهذه الصفات من هذه الأمة سبق غيره بسنين، يكون يرتع ويقيل في الجنة بإذن الله سبحانه وتعالى قبل غيره، ونذكر الحديث مفصلا الذي رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد:
عَنْ حُصَيْنٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، - وهذا سعيد بن جبير تابعيٌّ من أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما، فسعيدٌ يسأل تلميذه عبد الرحمن - فَقَالَ: (أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟) - وهو ما يكون من الشهب والنيازك تأتي من السماء ويراها الناس [(اِنْقَضَّ): سَقَطَ]، كوكب انقض فرؤي في تلك الليلة فيسأل عنه سعيد بن جبير.

فَقُلْتُ: (أَنَا)، - ولكن هذا الرجل المؤمن استدرك فقال - ثُمَّ قُلْتُ: (أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنِّي لُدِغْتُ)، - في تلك الساعة في الليل ما كنت أصلي، حتى لا يسبق إلى الذهن شيء، ومدح لعبد لم يفعل هذا الفعل مثل الصلاة في الليل - قَالَ: (فَمَاذَا صَنَعْتَ؟) - واللدغ يكون من عقرب أو حية أو نحوها - قُلْتُ: (اسْتَرْقَيْتُ) - أي طلبت من أحد يرقيني، كزوجة أو أم أو ما شابه ذلك، ممن يرجى فيه البركة والخير، استرقيت أي من اللدغة، وذلك بأن يضع أحدهم يده عليها ويقرأ و ينفث فيها، في الجاهلية يفعلون ذلك ويستغيثون بأشياء غير مشروعة، وفي الإسلام نقرأ ونسترقي بكتاب الله سبحانه وتعالى، وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فيها الأدعية والأذكار والدعاء العام - و[استرقى: طلب الرقية، وهي التي تُقرأ على صاحب الآفة؛ مثل الحمى، أو الصَّرع، أو الحَسَد، طَلبًا لشفائه]. قَالَ - سعيد -: (فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟) - أي ما دليلك على ذلك - قُلْتُ: (حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ)، فَقَالَ: (وَمَا حَدَّثَكُمْ الشَّعْبِيُّ؟) قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ)، - العين، والعوام يسمونها نفس، فيقولون: فلان أصابته نفس، العين والنفس وما يسمى بالحسد، هذه منها الرقية، وترقى أيضا من الحمة، والحمة هي ما تكون من لسعة، مثل العقرب والحية والدبور وما شابه ذلك - [قَالَ أَبُو دَاوُد: الْحُمَةُ: الْحَيَّاتِ، وَمَا يَلْسَعُ].

فَقَالَ: (قَدْ أَحْسَنَ مَنْ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ)، - يقف عند حدود الشرع، وصل إليه هذا الحديث فتوقف عنده، فأنت استرقيت لأنك قرأت هذا الحديث، وهذا أمر طيب يمدح فيه المؤمن، إذا سمع الحكم الشرعي الثابت من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يبادر إليه، فينفذه على نفسه أو ينزجر عنه إذا كان فيه منع. - وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، - أي يوم القيامة، يقف النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يرى أمته، فتعرض الأمم، فعندما رأى أمة كبيرة ماذا قال؟ قال: "عرضت علي الأمم؛ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ" [(الرُّهَيْط): تَصْغِير الرَّهْط، وَهِيَ الْجَمَاعَة دُون الْعَشَرَة]. "وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ". - والسواد عبارة عن مجموعة من الناس كثيرون جدا، لا يعرفون من البعد، و[السَّوَادُ: الشَّخْصُ، وَالْمَالُ الْكَثِيرُ، وَمِنْ الْبَلْدَةِ قُرَاهَا، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ، وَمِنْ النَّاسِ عَامَّتُهُمْ. تحفة الأحوذي (6/ 238)].

"فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى صلى الله عليه وسلم وَقَوْمُهُ، وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ"، - فنظرت - "فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ"، - والسواد الثاني من أكثر من الأول، والثالث أكثر من الثاني - "فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ"، - اللهم اجعلنا منهم يارب. - ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ - أي الصحابة رضي الله تعالى عنهم الجلوس خاضوا - فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا)، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟"، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ - مبينا صفات هؤلاء الناس، وأنهم ليسوا مسمَّون بأعيانهم، وإنما بصفاتهم، فقال -: "هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ"، [الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يتشاءمون، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (فتح)]، "وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". (خ) (5378)، (م) (220)، (خ) (6175)، (حم) (2448).

هذه الصفات يستطيع المؤمن أن يحققها كلها، فيكون من السبعين ألفا، هؤلاء قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: "الذين لا يسترقون"، والاسترقاء طلب الرقية من الآخرين، وفيه نوع من ترك التوكل على الله، والاعتماد والتوكل على الراقي وعلى ما يقول، وإن كانت الرقية والاسترقاء جائزٌ، لكن يمنع ن أن يكون الإنسان من السبعين ألفا، فهذا الذي شعر بالألم وشعر بالمرض، وشعر بالوجع وشعر بالمس والصرع، وشعر بأشياء يجب أن ترفع عنه يجوز له التدواي ويجوز له التطبب، ويجوز له الاسترقاء، لكن لو ترك الاسترقاء واستخدم غيره من أنواع الدواء يكون من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.

لذلك الرقية جائزة ولكن تركها أولى، وتوكل على الله، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه طلب الرقية من أحد، لكن كان صلى الله عليه وسلم يرقي غيره، وإن تبرع أحد بالرقية على أحد جاز، ولا يخرج المرقي من السبعين ألفا، لا يخرجه من السبعين ألفا، لأنه لم يطلبها، والنبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته صلى الله عليه وسلم رقته عائشة رضي الله تعالى عنها دون أن يطلب منها هذا الأمر، فلا يخرجه ذلك أن يكون من السبعين ألفا.

"لا يسترقون، ولا يتطيرون"، والطيرة شرك، والطيرة التشاؤم من نباح الكلاب، أو نهيق الحمار، أو نعيب البوم، أو نعيق الغراب، بعض الناس يتشاءم ببعض الأصوات، وبعض الناس يتشاءم ببعض الصور والأشخاص، ينقلب في قلبه شؤم يمنعه من الفعل ومن التقدم، فهذا لا يجوز.

وعلى المؤمن إذا يبق إلى قلبه شيء من الشؤم والتطير من أمر ما فعليه أن يعالج هذا ويصرفه بقوله: "اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ". (حم) (7045)، صَحِيح الْجَامِع (6264)، الصَّحِيحَة (1065).

فهذا يصرف ما جاء على قلبه، ويمضي إلى حاجته ولا ترده الوجوه القبيحة التي رآها، ولا يرده الصوت الذي يتشاءم منه، يمضي حتى يكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

"ولا يكتوون"، والكي جائز شرعا، يجوز استخدامه لكن تركه أفضل حتى يكون من السبعين ألفا، والكي بالنار، والنار للعذاب، والنار في الآخرة لأهل النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد من المؤمن أن يكتوي في هذه الحياة الدنيا بهذه النار، ولكن من اكتوى جاز ذلك، ولا شيء فيه، ولكن منع نفسه بأن جعل شيئا من التوكل على غير الله.

فالاسترقاء والتطير والاكتواء كل هذا يقدح في شيء ما من التوكل، لذلك جمعهم قوله صلى الله عليه وسلم: "وعلى ربهم يتوكلون"، في كل ما مضى، في كل أحوالهم وفي كل شئونهم، في مرضهم، في آلامهم، في فرحهم، في سرورهم، كله يتوكلون فيه على الله سبحانه وتعالى.

ورد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("هَلْ تَدْرُونَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلْقِ اللهِ؟!") - وأول من يدخل الجنة من خلق الله لا حساب عليهم، ولا عذاب، لأن الذي عليه نوع من الحساب أو العذاب يتأخر، ينتظر الحساب والعذاب، لكن هؤلاء يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، كذلك أول خلق الله عز وجل يدخل الجنة، أتدرون من هم؟ - فَقَالُوا - أي الصحابة رضي الله عنهم -: (اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ)، قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلْقِ اللهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمُهَاجِرُونَ"، وفي رواية: ("فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ")، - الفقراء عموم الأمة، عموم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفقراء والمساكين منهم، وكذلك المقصود بالمهاجرين ليسوا مهاجري أوروبا والذين يخرجون عبر البحار، لا يدخلون في هذا الحديث، المهاجرون هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، من بلدانهم وبيوتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم المهاجرون وكانوا فقراء، وقد تركوا أرضهم وديارهم وأوطانهم في سبيل الله، لا يرجون سمعة ولا يرجون مالا، يرجون دين الله، ويرجون أن يكونوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء لا يوازيهم أحد، وهؤلاء حتى يقدمون على الأنصار رضي الله تعالى عنهم، وإن كان للأنصار ميزتهم التي يختصون بها عن المهاجرين، لكن هؤلاء هم المقصودون، المهاجرون والفقراء، هؤلاء أول من يدخل الجنة من خلق الله سبحانه وتعالى، ولكن هذا مقيد بما بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هؤلاء انظروا إلى صفاتهم سواء مهاجرين رضي الله عنهم أو الفقراء عموما، ما هي صفاتهم؟ قال: - ("الَّذِينَ تُسَدُّ بِهِمْ الثُّغُورُ")، - أي يوضعون على حدود بين المسلمين والكفار ليحرسوا هذه الأمة، و[الثغر: الموضع الذي يكون حَدّا فاصلا بين بلاد المسلمين والكفار، وهو موضع المـَخَافَة من أطراف البلاد]. - ("وَتُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِهُ")، ("وَإِذَا أُمِرُوا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حَاجَةٌ") - في صدره أو حاجة - ("إِلَى السُّلْطَانِ") - يريد من ولي من الأمر شيئا - ("لَمْ تُقْضَ لَهُ، حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ") - أي حاجته - ("فِي صَدْرِهِ، وَإِنَّ اللهَ عز وجل يَدْعُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْجَنَّةَ")، - أي يناديها - ("فَتَأتِي بِزُخْرُفِهَا وَزِينَتِهَا، فَيَقُولُ: أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي، وَقُتِلُوا فِي سَبِيلِي، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِي؟ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيَدْخُلُونَهَا") - أي الجنة - ("بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ").

("فَيَقُولُ اللهُ عز وجل لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ: ائْتُوهُمْ فَحَيُّوهُمْ")، - حيُّوا الفقراء، حيُّوا المهاجرين - ("فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: نَحْنُ سُكَّانُ سَمَائِكَ، وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَفَتَأمُرُنَا أَنْ نَأتِيَ هَؤُلَاءِ فَنُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ؟! فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا عِبَادًا يَعْبُدُونِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا")، - هذه هي الصفات المهمة يا عباد الله - ("وَتُسَدُّ بِهِمْ الثُّغُورُ، وَيُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِهُ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لَا يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً، قَالَ: فَتَأتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]". (الرعد: 23)، (حم) (6570)، (6571)، (حب) (7421)، وانظر الصَّحِيحَة (2559)، وصَحِيح التَّرْغِيبِ (1373).

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله - تعالى - عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عز وجل وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَ مِائَةِ أَلْفٍ"، - أيهما أكثر؟ أكثر أربعمائة ألف أم سبعون ألفا؟ أعداد أنت لا تعلمها يا عبد الله، ستدخل الجنة هذه الأمة كلها إن ماتت على التوحيد، لن يبقى أحد منها في النار، ولكنها صفات للسابقين وللمنافسين، وفي ذلك فليتسابق وليتنافس المتنافسون - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: (زِدْنَا يَا رَسُولَ اللهِ!)، قَالَ: "وَهَكَذَا" - وَجَمَعَ كَفَّهُ -، - يعني مقدار هذه مضاعفة -، قَالَ: (زِدْنَا يَا رَسُولَ اللهِ!) قَالَ: "وَهَكَذَا"، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (حَسْبُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ!) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: (دَعْنِي يَا عُمَرُ، مَا عَلَيْكَ أَنْ يُدْخِلَنَا اللهُ عز وجل الْجَنَّةَ كُلَّنَا؟!) - أي ما الذي يضيرك يا عمر أن تدخل كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجنة، وهم كذلك إن شاء الله - فَقَالَ عُمَرُ: (إِنَّ اللهَ عز وجل إِنْ شَاءَ أَدْخَلَ خَلْقَهُ الْجَنَّةَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ عُمَرُ". (حم) (12718).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله - تعالى - عنه - في حديث آخر يقول: (صدق أبو بكر)، ولنستمع إليه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَأَلْتُ اللهَ عز وجل الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي، فَقَالَ لِي: لَكَ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ زِدْنِي، فَقَالَ: فَإِنَّ لَكَ هَكَذَا"، فَحَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ، - أي يحثو كأنه يغرف من النار، ويدخلهم الجنة - وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: (حَسْبُنَا يَا رَسُولَ اللهِ)، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (دَعْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ لَنَا كَمَا أَكْثَرَ اللهُ تَعَالَى لَنَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ". (مسند ابن الجعد) (2849)، انظر الصَّحِيحَة (1879).

فأبشري أيتها الأمة، ولكن سددي وقاربي، فأنت أيتها الأمة في العشر الأواخر، وما بقيت إلا أياما قليلة تفصلنا عن شوال، وعن عبادة جديدة، وعن أشهر الحج، فبادروا وشمروا عن ساعد الجد والاجتهاد في طاعة الله عز وجل، لعلنا نكون من الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله حمد الشاكرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وعلى من اهتدى بهديه إلى الدين، أما بعد:
عبد الله؛ في أواخر العشر من رمضان أبواب مفتوحة على مصراعيها وكلما تأخرنا ازدادت الأبواب فتحا، حتى أوصلتنا إلى هذه العشر، وتزداد أكثر وأكثر بنزول البركات والخيرات والرحمات من رب الأرض والسماوات سبحانه وتعالى، فتعرضوا لنفحات ربكم، فلا يراكم يا عباد الله ربكم حيث لا يحيب، ولا يفتقدكم حيث يحب سبحانه، فلذلك أكثروا من الطاعات، وأكثروا من ذكر الله، وأكثروا من تلاوة القرآن في هذه الأيام، وأكثروا من الصدقات والتطوعات وإفطار الصائمين، أكثروا يا عباد الله من صلة الأرحام، واليتامى والمساكين.

لذلك مقبل علينا أول شهر شوال أول أشهر الحج، وهو عيد الفطر لا تنسَ وأنت خارج إلى المصلى أن تأتي من طريق وترجع من طريق آخر، ولا تنسَ في هذا اليوم الفقراء والمساكين، ولا تنسَ فتصلي قبل أن تخرج زكاة الفطر، وهي صاع من طعام على كل رجل أو امرأة، كبير أو صغير، عبد أو حر.

وعليك يا عبد الله أن تتقي الله سبحانه وتعالى فلا ترتكب المحرمات في يوم البركات، يوم العيد إن صح التعبير فهو يوم الجائزة، وإن كان قد ورد فيه أثر ضعيف، جائزة لأن العامل بعد أن ينتهي من عمله يأخذ أجرته، وأنت عملت مع الله في شهر رمضان فتأخذ أجرك، فلا تحرم نفسك يا عبد الله من هذا الأجر في هذا اليوم بماذا؟ تُحرَم الأجرَ بالخصومة، أن تكون مخاصما أخاك المسلم، فيقال: «.. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». (م) (2565)، وهذا على مستوى الأفراد، فكيف إن كان بمستوى الأحزاب والفرق، والفصائل والجماعات، على مستوى غزة ورام الله، عدم الصلح بيننا، "انظروا هذين حتى يصطلحا".

هل يأتي العيد ونحن في المخاصمة والانقسام يا عباد الله، ونبقى "انظروا هذين حتى يصطلحا"، ولا تنزل البركة ولا ترفع الأعمال، حتى يصطلحا، وأين ثلاثون يوما من الصيام والصدقة وقيام رمضان والاعتكاف، وسم ما شئت من خيرات وعبادات عملناها، ثم يقال: "انظروا هذين حتى يصطلحا".

فمتى نصطلح إن لم نصطلح في هذه الأيام، أيام فيها فضل من الله عز وجل لو رأيناه لغطانا وأظلمت الدنيا، بل أنارت أكثر إنارة إن شاء الله، لا نريد هذه الأمة أن الله يقول لملائكته الذين يأخذون الأعمال فيرفعونها إليه: "انظروا هذين حتى يصطلحا"، نريد أن نصطلح مع الله ونصطلح مع أنفسنا، ونصطلح مع الناس، نصطلح مع إخواننا في المشرق والمغرب، ومع جيراننا في القربى والمودة، نصطلح مع أرحامنا يا عباد الله.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك وأنعم على نبينا محمد.
اللهم نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن تثبت أقدامنا وتنصرنا على القوم الكافرين.

اللهم وحِّد صفوفَنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغلَّ والحقد والحسدَ والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وأنت يا أخي المؤذن أقم الصلاة؛ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].








الساعة الآن : 07:31 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 25.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.74 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.36%)]