ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   الحث على مخالقة الناس بالخلق الحسن (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=253803)

ابوالوليد المسلم 26-02-2021 08:13 PM

الحث على مخالقة الناس بالخلق الحسن
 
الحث على مخالقة الناس بالخلق الحسن
د. محمد سيد شحاته



عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))[1].

المفردات:
قوله: ((اتق الله)): اتخذ وقاية وحاجزًا يمنعك، ويحفَظك من سخط الله وعقابه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه[2].
أصلُ التقوى في اللغة: أن يجعل بينه وبين الذي يخافه وقاية تَقيه منه.
في الشرع: أن يجعلَ الإنسانُ بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك بفعل المأمورات، وترك المنهيات، وتصديق الأخبار، وعبادة الله وفقًا للشرع[3].
قوله: ((حيثما كنت))؛ أي: في أي زمان ومكان.
فِي الْخَلَاءِ وَفِي النَّعْمَاءِ وَالْبَلَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِسِرِّ أَمْرِكَ كَمَا أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى ظَوَاهِرِكَ، فَعَلَيْكَ بِرِعَايَةِ دَقَائِقِ الْأَدَبِ فِي حِفْظِ أَوَامِرِهِ وَمَرَاضِيهِ، وَالِاحْتِرَازِ عَنْ مَسَاخِطِهِ وَمَسَاوِيهِ[4].
قوله: ((وأتْبِع)): ألْحِق.
قوله: ((السيئة)): الذنب الذي يصدر منك.
قوله: ((تَمْحُها)): تُزيلها وتمحو أثرها السيئ في القلب وعقابها من الصحف[5].
قوله: ((خالِق))؛ أي: تخلَّق وجاهِد نفسك بلزوم أحسن الأخلاق في معاملة الناس، بأن تعاملهم بمثل ما تُحِبُّ أن يعاملوك به[6].

مكانة الحديث:
هذا الحديث من القواعد المهمة؛ لإبانته لخير الدارين، وتضمُّنه ما يلزم المكلف من رعاية حق الحق والخَلْق.
من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فإن التقوى وإن قل لفظُها جامعة لحقوقه تعالى؛ إذ هي اجتناب كل منهي عنه، وفعل كل مأمور به، فمن فعل ذلك فهو من المتقين الذين شرَّفَهم الله تعالى في كتابه بأنواع الكمالات.

هل يُشترط أن ينوي بهذه الحسنة أنه يمحو السيئة التي فعل؟
لا يشترط، فمجرد فعل الحسنات يذهب السيئات، وهذا من نعمة الله عز وجل على العباد، ومن مقتضى كون رحمته سبقت غضبه[7].

كيفية اتباع السيئة بالحسنة:
أَنْ تُبَاشِرَ حَسَنَاتٍ تُضَادُّ آثَارُهَا تِلْكَ السَّيِّئَاتِ؛ قَالَ الطِّيبِيُّ: فَسَمَاعُ الْمَلَاهِي يُكَفَّرُ بِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَبِمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْوَعْظِ عَنِ الْمَنَاهِي، وَشُرْبُ الْخَمْرِ يُكَفَّرُ بِالصِّدْقِ بِكُلِّ شَرَابٍ حَلَالٍ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ يُعَالَجُ بِضِدِّهِ، وَالْمُتَضَادَّاتُ هِيَ الْمُنَاسَبَاتُ؛ فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْحُوَ كُلَّ سَيِّئَةٍ بِحَسَنَةٍ مِنْ جِنْسِهَا لَنْ تُضَادَّهَا، فَالْبَيَاضُ يُزَالُ بِالسَّوَادِ لَا بِغَيْرِهِ، وَحُبُّ الدُّنْيَا لِأَنَّ أَثَرَ السُّرُورِ بِهَا فِي الْقَلْبِ، فَلَا جَرَمَ كَفَّارَتُهُ كُلُّ أَذًى يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ[8].

هل معاملة الناس بالحزم والقوة والجفاء أحيانًا تتنافى مع هذا الحديث؟
لا تنافيه؛ لأنه لكل مقام مقال، فإذا كانت المصلحة في الغِلظة والشدة، فعليك بها، وإذا كان الأمر بالعكس فعليك باللين والرِّفق، وإذا دار الأمر بين اللين والرفق، أو الشدة والعنف، فعليك باللين والرفق[9].

ما يستفاد من الحديث:
(1) فيه الأمر بتقوى الله، وهي وصية الله لجميع خلقه.
(2) الحث على فعل الطاعات واجتناب المنهيات.
(3) أن الإتيان بالحسنة عقب السيئة تمحو السيئة.
(4) الترغيب في حسن الخلق، وبيان أنه أثقل ما يوضع في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة.
(5) المداومة على التقوى والاتصاف بها في كل حال وزمان ومكان.
(6) كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمَّته، ومن ذلك ما اشتمل عليه هذا الحديث من هذه الوصايا الثلاث العظيمة الجامعة.

الآثار المترتبة على امتثال توجيهات الحديث:
(1) من التزم هذه الوصايا أخذ سبيله للارتقاء إلى مراتب المجد والكمال الإنساني.
(2) ظهور منهج خلقي عام شامل لجانبي علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بالناس.


[1] أخرجه الترمذي، البر والصلة، بَابُ: مَا جَاءَ فِي مُعَاشَرَةِ النَّاسِ، (3/ 423) رقم (1987)، وأحمد في المسند، (35/ 284) رقم (21354)، والدارمي، كتاب: الرقاق، باب: في حسن الخلق، (3/ 1837)، رقم (2833)، وقال الشيخ شعيب: حسن لغيره.

[2] الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب، وعليها الشرح الموجز المفيد (ص 35).

[3] فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين؛ للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص 68).

[4] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3178).

[5] الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب، وعليها الشرح الموجز المفيد (ص 35).

[6] الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب، وعليها الشرح الموجز المفيد (ص 35).

[7] شرح الأربعين النووية؛ للعثيمين (ص: 198).

[8] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3178).

[9] شرح الأربعين النووية؛ للعثيمين (ص: 199).



الساعة الآن : 01:01 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.72 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.79%)]