ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   صاحب القرآن (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241804)

ابوالوليد المسلم 01-10-2020 03:07 AM

صاحب القرآن
 
صاحب القرآن
د. حسام الدين السامرائي








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيح من حديث عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مَثَلُ صاحب القرآن كمَثَل صاحب الإبل المُعقَّلَةِ؛ إن عاهد عليها أمسَكَها، وإن أطلَقها ذهبت)).



تشبيه نبوي كريم لعَلاقة المسلم مع القرآن، وربما يستوقفنا ذلك الاصطلاح "صاحب القرآن" وكأن للمسلم صحبةً مع القرآن كصحبة الطفولة، وصحبة العمل، وصحبة الحي، وأصل الصحبة هي تلك العلاقة الناشئة بين اثنين توحي بكثرة التواصل واللقاء والخَلْوةِ والتَّناجي، ومن شدة ملازمة أحدهما للآخر صار كل واحد منهم يَعرف مرادَ صاحبِه قبل أن يبوحَ به، نتأمل هذا المعنى ونحن نقرأ لفظ "الصاحب" في سور القرآن: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ [الكهف: 37]، ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، ﴿ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾ [النساء: 36]، ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 39]، ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ ﴾ [التوبة: 40].



وهنا حين نقول: "صاحب القرآن"، تشعر مباشرةً بتلك الألفةِ بين المسلم والقرآن؛ فهو كثير التردد عليه، وكثير الزيارة له، وكثير المشورة له؛ إن أصابه همٌّ فزع إليه، أو لحِقته شدةٌ استعان به، أو غابت عنه فائدةٌ استنهلها منه؛ فالقرآن لصاحبه كالجِراب المملوء مِسكًا يفوح منه العطر حالما فَتَحَه.



صاحب القرآن هو التالي له والحافظ لآياته، والمتدبِّر لِما فيها، والعالم بمدلولاتها، والعامل بحدودها، وصاحب القرآن هو الملازم له؛ فلا يفارقه في صباح أو مساء، في رحلة أبدية لا نهاية لها، يرتقي به في درجات الهدى والنور والقُرْب.



وهنا سؤال: هل جرَّبتَ أن تعقِدَ صحبة مع القرآن؟ هل جربت أن تقيم صداقة بينك وبينه؟ إنه نعم الصاحب لصاحبه، والرفيق لرفيقه؛ يقف معك حين ينفضُّ الخلقُ عنك، ويرشدك إن أصابتك حيرة أو شكٌّ، ويثبِّتك إن ألمَّت بك شدة، ويشفيك إن أصابك داء، ويهديك إن أصابك تِيهٌ.



أقرب الأحباب سيفارق حبيبه؛ فالأب سيفارق، والأم ستفارق، والزوجة ستفارق، إلا القرآن، فهو الصاحب الوحيد الذي لا يفارق صاحبَه حتى بعد رحيله.



تأمل معي هذه الآثار الواردة في فضل مَن صَاحَبَ القرآن؛ فقد أخرج الطبراني من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن، فقد استدرج النُّبوَّة بين جنبيه، غير أنه لا يُوحى إليه)).



وأخرج الترمذي والنَّسائي من حديث أبي هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا فدعاهم، فجعل يقول للرجل: ((ما معك من القرآن يا فلان؟))، قال: كذا وكذا، فاستقرأهم بذلك، حتى مرَّ على رجل معهم هو مِن أحدثِهم سنًّا، فقال: ((ماذا معك يا فلان؟))، قال: كذا وكذا وسورة البقرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمعك سورة البقرة؟))، قال: نعم، قال: ((اذهب فأنت أميرهم)).



وعند البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، جئتُ أَهَبُ لك نفسي"، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعَّد النَّظرَ فيها وصوَّبه، ثم طأطأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأةُ أنه لم يقضِ فيها شيئًا جلست، فقام رجلٌ من أصحابه فقال: "يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجْنيها"، فقال: ((هل عندك من شيء؟))، فقال: "لا والله يا رسول الله"، فقال: ((اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟))، فذهب ثم رجع فقال: "لا والله ما وجدتُ شيئًا"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظر ولو خاتَمًا من حديد))، فذهب ثم رجع فقال: "لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد؛ ولكن هذا إزاري - قال سهل: ما له رداءٌ - فلها نصفه"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تصنع بإزارك؟ إن لَبِستَه لم يكن عليها منه شيءٌ، وإن لَبِستْه لم يكن عليك منه شيءٌ))، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه، قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُولِّيًا، فأمر به فدُعي، فلما جاء قال: ((ماذا معك من القرآن؟))، قال: "معي سورة كذا وسورة كذا" - عدَّدها - قال: ((تقرؤهنَّ عن ظهر قلبك؟))، قال: "نعم"، قال: ((اذهب، فقد ملَّكتُكها بما معك من القرآن)).



وفي سنن أبي داود من حديث أبي موسى الأشعري قال: ((إن من إجلال الله إكرامَ حامل القرآن)).

وفي صحيح مسلم أن نافعَ بن عبدالحارث لقي عمرَ بن الخطاب بعُسفان، وكان عمر بن الخطاب يستعمله على مكة فقال: "من استعملتَ على أهل الوادي؟"، فقال: "ابنَ أبزى"، قال: "ومَن ابن أبزى؟"، فقال: "مولًى من موالينا"، فقال: "استخلفتَ عليهم مولى؟!"، قال: "إنه قارئٌ لكتاب الله، عالمٌ بالفرائض"، فقال عمر: "أَمَا إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين)).



وفي الصحيحين: "كان القُرَّاءُ أصحابَ مجلس عمر ومشاورتِه، كُهُولًا كانوا أو شُبَّانًا".

وعند الإمام أحمد من رواية العباس رضي الله عنه قال: "كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم على بغلةٍ له أهداها له الجُذامِيُّ، فلما ولَّى المسلمون، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عباس، نادِ بأصحاب السَّمُرة: يا أصحاب سورة البقرة))، فرجعوا عَطفة كعَطفةِ البقرة على أولادها، وارتفعت الأصوات".



يقول عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألتُ أبي عن حماد وعاصم، فقال: "عاصمٌ أحبُّ إلينا؛ لأنه من أصحاب القرآن".

فما أروع تلك الصحبة بين القرآن وصاحبه!



قارن - أخي المبارك - بين صحبة القرآن وحال الجيل الأول من الصحابة والتابعين، وبين صحبة اليوم على وسائل التواصل (تويتر، فيسبوك، انستغرام... وغيرها)، البعض يفتخر كثيرًا بعدد متابعيه وأصحابه على تلك الوسائل؛ رغم أن نفعَهم له لا يتعدَّى الترويج لنشاطه وكلماته، ولا يخفى على كل عاقل مساوئُ ما يترتب على تلك الصحبة من تمادٍ في الباطل، أو شيوع لفكر ضالٍّ، أو تبنٍّ لرأي سقيم.



وأختم بما أخرجه الإمام أحمد في المسند أن أنس بن مالك كان يقول: "وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا"؛ يعني: عظُم، فالسيادة الحقَّةُ حين تصاحب من ينفعك في كل حين؛ في حِلِّك وتَرحالك، في حياتك ومماتك، في غناك وفقرك، في صحتك ومرضك.



فهنيئًا لك يا مَن اتخذت من القرآن قرينًا وصاحبًا ورفيقًا، وبشراك بما يسُرُّك؛ فإنك قد رافقت مَن لا ندامة على صحبته، ولا تأسُّفَ على ضياع العمر بجواره.




اللهم ارزقنا جوار وصحبة القرآن، واجعله شفيعًا لنا يوم لقائك.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.





الساعة الآن : 01:14 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.36 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.70%)]