ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   رفع عيسى ابن مريم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241658)

ابوالوليد المسلم 29-09-2020 02:30 AM

رفع عيسى ابن مريم
 
رفع عيسى ابن مريم
الشيخ محمد حامد الفقي




عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام




كثر الكلام في هذه الأيام في هذه المسألة بسبب فتوى لأخينا في الله صاحب الفضيلة العلامة الشيخ محمود شلتوت عضو جماعة كبار علماء الأزهر نشرها في العدد (462) من مجلة الرسالة استعرض فيها الآيات (52-55) من سورة آل عمران، والآيتين (157-158) من سورة النساء، والآيتين (116 و 117) من سورة المائدة، ثم ذكر أن كلمة "توفى" وردت في القرآن كثيراً بمعنى الموت، حتى صار هذا المعنى هو الغالب عليها المتبادر منها؛ ولم تستعمل في غير هذا المعنى إلا وبجانبها ما يصرفها عن هذا المعنى المتبادر. ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ [السجدة: 11]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [النساء: 97]، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ ﴾ [لأنفال: 50]، ﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ [الأنعام: 61]، ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ [الحج: 5]، ﴿ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ﴾ [النساء: 15]، ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].



ثم ذكر العلامة الشيخ شلتوت، وفقنا الله وإياه. أن ما يعتمد عليه جمهور المفسرين في رفع عيسى ونزوله:

أولاً: على روايات مضطربة، مختلفة في ألفاظها ومعانيها اختلافاً لا مجال معه للجمع بينها، وقد نص على ذلك علماء الحديث، وأنها فوق ذلك من رواية كعب الأحبار ووهب بن منبه.

وثانياً: على حديث مروي عن أبي هريرة اقتصر فيه على الأخبار بنزول عيسى وإذا صح هذا الحديث فهو حديث آحاد. وقد أجمع العلماء على أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة، ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات.

وثالثاً: على ما جاء في حديث المعراج. من أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى عيسى ويحيى في السماء الثانية، وأنه يكفينا في توهين هذا المستند: ما قرره كثير من شراح الحديث في شأن المعراج وأن اجتماع محمد صلى الله عليه وسلم كان روحياً لا جسمياً (انظر فتح الباري وزاد المعاد وغيرهما).



ثم خلص بعد كلام طويل إلى النتائج الآتية:

1- أنه ليس في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة مستندة يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسى رفع بجسمه إلى السماء، وأنه حي إلى الآن فيها وأنه سينزل منها آخر الزمان إلى الأرض.

2- أن كل ما تفيده الآيات الواردة في هذا الشأن: هو وعد الله عيسى بأنه متوفيه أجله ورافعه إليه، وعاصمه من الذين كفروا. وأن هذا الوعد قد تحقق، فلم يقتله أعداؤه ولم يصلبوه، ولكن وفاه الله أجله ورفعه إليه.

3- أن من أنكر أن عيسى قد رفع بجسمه إلى السماء، وأنها فيها حي إلى الآن، وأنه سينزل منها آخر الزمان، فإنه لا يكون منكراً لما ثبت بدليل قطعي؛ فلا يخرج عن إسلامه وإيمانه، ولا ينبغي أن يحكم عليه بالردة؛ بل هو مسلم مؤمن، إذا مات فهو من المؤمنين: يصلى عليه كما يصلى على المؤمنين، ويدفن في مقابر المؤمنين.

وإني لعلى أتم يقين أن الأخ الشيخ شلتوت ما صدر في فتواه إلا عن إيمان ويقين بعد بحث وتنقيب جهد طاقته: أن هذا القول هو الذي تعطيه النصوص التي حصل عليها، واطمأنت نفسه المؤمنة بها، مع اليقين أنه مع ما أراد بفتواه إلا وجه الله والحق.

وليقيني القوي أن الأخ الشيخ شلتوت من أحرص من أعرف على نصرة الحق؛ لا يخشى فيه إلا الله؛ ولا يرهب جانباً مهما كان، ومن أحب من أعرف للرجوع إلى الحق إذا تبين له، وأنه أبعد من أعرف عن الهوى والعصبية لنفسه، وأنه لذلك لا يزال يطلب العلم حيث يظن وجوده؛ ويسعى إليه حيث يعلم أنه تم.



لذلك أخذت أبحث الموضوع وأدرس النصوص من الكتاب والسنة متناً وإسناداً، وأتفهمها وأمعن التدبر فيها؛ من يوم أن نشرت فتوى الأخ الشيخ شلتوت حتى خرجت من ذلك بما سأبسطه على صفحات محلة الهدي النبوي، راجياً من الله سبحانه أن يهديني وأخي الشيخ شلتوت وإخواننا المؤمنين سواء السبيل، وأ، يجنبنا الزلل، ويقينا شر أنفسنا وسيئات أعمالنا. إنه سميع مجيب.

وقبل أن أتكلم في الموضوع أقول كلمة صريحة أود من كل نفسي أن يتفطن لها إخواننا الذين يكتبون في هذا الموضوع وحوله: خصوصاً إذا جاءت الأسئلة عنه من الهند. ذلك أن الذين يكثرون اليوم من الإلحاح واللجاجة في إنكار رفع عيسى ونزوله: هم فرقة القاديانية المارقة، التي تحرف الأحاديث الواردة في نزول عيسى عن معناها العربي وتجعلها حجة لدجالها الكذاب الخبيث غلام أحمد القادياني الذي يدعي أنه نبي يوحى إليه. وإن له قرآناً تتلوه هذه الشرذمة الخاسرة. هو المثل الأظهر للسخف والكذب على الله وعلى العقل والأخلاق. وتحاول هذه الشرذمة الضالة بكل ما تستطيع من لف ودوران واحتيال أن تحصل على كلمات لعلماء المسلمين لتتخذها شبكة تصيد بها سفهاء الأحلام وصغار العقول مع ما تبذل لهم من فتلت الدنيا وحثالتها، لتوقعهم في شرك الكفر بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده ولا كتاب ينزله الله بعد كتاب القرآن المبين الذي جمع الله فيه كل ما يحتاج إليه البشر من الهدى والرحمة في الدنيا والآخرة؛ ليصدقوا سخف وكذب الدجال غلام أحمد، عليه من الله ما يستحقه ومن أغواهم فاتبعوه على ضلاله. وإن أشد ما أخشاه أن تكون هذه الفئة المنبوذة قد استخدمت فتوى الأخ الشيخ شلتوت فيما تهوى من الدجل والباطل. بل أخشى، تكون هي التي دست السائل؛ وصاغت سؤاله على هذا الأسلوب اللئيم. ثم أقول:

(أولاً) إن الله سبحانه لم يذكر في الكتاب الكريم في حق نبي من الأنبياء مثل الآيات والنصوص التي ذكرها في حق عيسى عليه السلام. فما ذلك إلا لأن هذا الشأن لعيسى خاصة وأن سائر الأنبياء لا يشاركونه في ذلك، كما أن معجزات كل نبي خاصة به دون غيره من إخوانه الأنبياء الذين لكل واحد منهم معجزات تناسب زمانه حسبما يرى الله من الحكمة والمصلحة في تأييد رسله. وإن لم تكن هذه الآيات دالة على خصوصية عيسى، وأنه كغيره من إخوانه الأنبياء فتحنا بذلك باباً من التأويل الباطل، كما فتح الباطنيون هذا الباب ليخرجوا منه عن كل التشريع وينحلوا عن كل الأوامر والنواهي.



لم يقل الله سبحانه في حق سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 158]، ولا نحوها مما قاله في عيسى؛ بل قال ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [آل عمران: 144]، ﴿ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الانبياء: 34].



ثانياً كلمة "توفى" معناها في اللغة العربية: من استيفاء الحق وافياً؛ أي كاملاً لا نقص فيه. قال في القامسو: أوفى فلاناً حقه، أعطاه إياه وافياً، كوفّاه ووافاه فاستوفاه وتوفاه، اهـ وقد جاءت في القرآن الكريم على معنى استيفاء حظ ا لإنسان وعمله اليومي؛ فيكون بعده الليل يتوفى الله فيه الأنفس، وعلى معنى استيفاء حظ الإنسان وعمله في حياته كلها، فيكون بعده الوفاة بمعنى الموت. قال الله تعالى في سورة الزمر ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾ [الزمر: 42]، يعني: ويتوفى أيضاً التي لم تمت في منامها، ﴿ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ﴾ [الزمر: 42]، فكلمة "توفى" استعملت هنا بالمعنيين، وقرن بكل منهما ما يدل على المقصود منه؛ فيدل على أنها لا تدل بمطلقها على الموت. وقال في سورة الأنعام: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ﴾ [الأنعام: 60]، إلى أن قال ﴿ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]، فأخبر أولاً عن النوم في الليل بأنه وفاة، وثانياً عن قبض ملائكة الموت الروح بأنها وفاة. ولكن القرينة بجانب الأخيرة أقوى منها بجانب. ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ [الأنعام: 61]، وفي الأمثلة التي ذكرها فضيلة الأخ الشيخ شلتوت يلاحظ أن بجانب كل واحد منها قرينة في الدلالة على الموت ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ﴾ [السجدة: 11]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ﴾ [النساء: 97]، ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ [الحج: 5]، فالمقابلة بأنه يطول عمره حتى يرج إلى أرذل العمر، قرينة بينة على أن المراد من "يتوفى" الموت؛ لا النوم، ولم تقرن ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾ يمثل تلك القرائن التي تعني أن المتبادر الموت، فهي على احتمال المعنيين: النوم، أو الموت. وكذلك ﴿ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ﴾ في سورة المائدة، والخطاب فيها في الآخرة، بعد وفاته وموته الحقيقي كما يقول الذين يثبتون الرفع والنزول. فلم يصح لفضيلة الأخ الشيخ شلتوت دعوى أن المتبادر من كلمة "توفى" الموت، وهي الدعوى التي بنى عليها: أنه ليس في الآيات القرآنية ما يدل على رفع عيسى ونزوله.



ثم نقول للعلامة المحقق -وفقنا الله وإياه- إن في القرآن نصاً صريحاً بأن عيسى لم يمت. اقرأ قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 157-158]، ما معنى هذا الأضراب بعد هذا النفي؟ وماله هنا لم يذكر الوفاة؟ ثم يقول ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ﴾ [النساء: 159]، هذا فيما أعتقد صريح في الدلالة على أن عيسى لم يمت بعد، وأ، الله طهره من أيدي اليهود الأثيمة، ورفعه الله إليه بروحه وجسمه. ثم قول الله تعالى خطاباً لعيسى ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 55]، أليست كف الخطاب في كلها راجعة إلى عيسى الذي لما أحس بكفرهم قال من أنصاري إلى الله. والذي قال له الحواريون: نحن أنصار الله. وأشهدوه على أنهم مسلمون. فهل روح عيسى هي التي أحست بكفر اليهود، وهي التي قالت للحواريين وأجابها الحواريون؟ أو أ، عيسى بروحه وحسمه هو الذي أحس وخاطب وأجيب؟ فإن حملت (رافعك) على معنى رافع روحك هي يستقيم نظم الآية على الأسلوب العربي المبين؟ وهل يعرف في اللغة العربية: أن يسند الفعل إلى كاف الخطاب العائد على مخاطب سابق في اللفظ، ويراد بها الروح لا الشخص الذي هو مجموع الجسم والروح؟ وهل يكون لرفع روحه خصوصية تستدعي أن يسجلها الله ويمتن عليه بها، وغيره من الأنبياء كذلك؟ بل والمؤمنين أيضاً: وإذا كان المراد الروح. فلماذا لم يقل الله: ورافع روحك إلي؟



ثم نقول لفضيلة الأخ الشيخ شلتوت ومن يقول بقوله: ما الذي يدعونا إلى كل هذا التأويل وتحميل الآيات ما لا تحتمله، ورد الأحاديث المتواترة والتي سنوردها مستوفاة البحث بعد إن شاء الله؟

الأن هذه يخرق سنة الكونية، فعيسى من أول وجوده آية بل هو وأمه آية للعالمين ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ﴾ [المؤمنون: 50]، وإذا جرينا على ذلك أنكرنا كل ما أخبر الله به من معجزات الأنبياء التي خرق الله بها سننه الكونية، وجعل ذلك آية على صدق رسله عليهم الصلاة والسلام وأعتقد أن هذا لا يرضاه الأخ الشيخ شلتوت ولا إخوانه المؤمنون.

وإذا آمنا – وواجب أن نؤمن كل الإيمان – بالمعجزات وآمنا أن من أعظم الجرائم إنكارها وتأويلها على غير ما أخبر الله بظاهر القول. وآمنا بمعجزة رسولنا الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيما صنع الله له من عروجه بجسمه وروحه المعبر عن ذلك بقوله (بعبده) واطمأنت أنفسنا لذلك ولم نجد له حرجا فيها وسلمنا له كل التسليم، لأن اللخ أخبر به في كتابه إجمالاً. والسنة الصحيحة الثابتة فصلته تفصيلاً، ولأنه من صنع الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها. والذي خلق الأرض وجاذبيتها، وهو القادر على أن يبطل جاذبية الأرض ويوقفها عمن شاء، وهو الذي خلق الأرض ووضع فيها من الغازات والأغذية وأسباب الحياة والعيش فيها، وهو الذي يقدر أن يسلبها ذلك، وأن يعطي واحداً أو أكثر من أسباب الحياة والعيش في الأرض وفي غير الأرض بما يشاء ربنا، وكما يشاء. ألسنا نؤمن بقصة ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾ [البقرة: 259]، الخ القصة من سورة البقرة؟ ألسنا نؤمن بأصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا من آيات الله عجبا؟ ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ﴾ [الكهف: 25]، وبعثهم الله بعدها ليتساءلوا بينهم، قال قائل منهم: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: 19]، القصة من سورة الكهف، ألسنا نؤمن بذلك وغيره مما قص الله علينا؟ ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ﴾ [النساء: 122]، ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [لأعراف: 185]، فإذا آمنا بذلك. ونحن بلا شك بحمد الله مؤمنون ومسلمون كل الإسلام بذلك فما يحملنا على تأويل الآيات التي يمتن الله فيها على عيسى بأنه خصه بما لم يعطه لغيره: وأنه رفعه الله إليه وطهره من الذين كفروا؟


أولاً: الشيطان قد اتخذ ذلك سبيلاً إلى فتنة الناس وإيقاعهم في الغلو الذي قالوا به على الله غير الحق. فكفروا بعيسى وأمه، وكانوا أشد الناس عداوة لعيسى وكفراً به؟ فلأجل ذلك ننكر الرفع الثابت في القرآن والسنة؟ إن كان ذلك كذلك. فإن ولادة عيسى التي جعلها الله آية عظيمة، كذلك استغلها الشيطان واتخذ منها مصيدة صاد بها أولئك الكافرين، فزعموا أنه ابن الله. فهل ننكر كذلك آية ولادة عيسى من مريم بدون أب كما أخبر الله؟ وأمثال ذلك من أصول الدين وفروعه كثيراً ما وسوس الشيطان للناس فألحدوا فيه وزاغوا به. والله يقول في وصف القرآن ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ﴾ [البقرة: 26]، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ﴾ [آل عمران: 7]، وأمثال ذلك كثير لا يحصى.



مجلة الهدي النبوي: المجلد السادس، العدد (15-16)، شعبان 1361هـ






الساعة الآن : 04:04 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 20.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.87 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.45%)]