ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   لكل ذي لب .. تخير ألفاظك بدقة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240565)

ابوالوليد المسلم 16-09-2020 04:09 AM

لكل ذي لب .. تخير ألفاظك بدقة
 
لكل ذي لب .. تخير ألفاظك بدقة


عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي






في الحديث الرائع المليء بالحِكم والتوجيهات لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين سأل رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - عن عملٍ يُدخِله الجنةَ ويُبعده عن النار، قال له: ((أوَلاَ أدُلُّك على مِلاك ذلك كله؟)) قال معاذ - رضي الله عنه -: بلى يا رسول الله، قال: ((كُفَّ عنك هذا))، وأخذ بلسانه - عليه الصلاة والسلام - قال معاذ: وإنَّا لمؤاخَذون بما نتكلم به؟! فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثكِلتْك أمُّك يا معاذ! وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائدُ ألسنتهم؟!)).

يتبيَّن خُطورة اللفظة بما تحمله من المعاني والدلالات، وأن تَصمت للسلامة من زلة اللسان أولى وأزكى، لكن معاشرة الخلق، ومتطلبات الحياة، وأهميَّة مدافعة الأوغاد من التسلط على رقاب الخلق وإفساد الحياة - يضطرنا لاستعمال هذه الآلة المسماة باللسان؛ للتعبير والبيان والإفصاح عن الحقوق والأركان، وضرب من يستحق بكُرباج الكلام، كما قال المولى العلام لخير الأنام في شأن منافقي ذاك الزمان: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 63]، والشاهد لفظة: ﴿ قَوْلاً بَلِيغًا ﴾؛ أي: مُؤثِّرًا يتغلغل في أنفسهم، فلا ينسونه لقوة انطباعه وأثره.

وكلُّنا نعلم، والقليل منَّا من يدرك خطورةَ الألفاظ بقدر ما تحمله من المعاني والدلالات، والمتكلم - كما في علم الاتصال - مُرسِل، والمتلقِّي للكلام مُستقبِل، وكلاهما قد يشتركان في حاسة تذوق دلالات الألفاظ من خلال الأسلوب والطريقة والنبرات، وقد يختلفان تمامًا، فيتذوق المتلقي ما لا - أو لم - يتذوقه المرسِل؛ إما لقوة حاسة التذوق لأحدهما وضعف الآخر، أو لسوء اختيار الألفاظ المُعبرة من المرسل للمتلقي، وهذا هو محور الموضوع الذي أود التركيز عليه.

يقول الحق سبحانه في مَعرِض المنِّ على خلقه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]، فاختلاف الألسن هنا هو اختلاف اللغات، واختلاف اللغات تعني المدلولات والمعاني بحسب المشارب الثقافية والفكرية المتنوعة بين الشعوب والحضارات، كذا اختلاف اللهجات لمختلف المناطق والقبائل، ولَرُبَّ كلمةٍ في منطقةٍ دلالتُها حسنة محمودة هي في منطقة أخرى دلالتها للنقص والتحقير، وهنا تأتي الحذاقة والمهارة في اختيار الألفاظ التي تأمن حين تلفظها من الوقوع فيما يقع من لا يحترس وهو يطلق ألفاظه دونما حساب للمشاكل والأزمات، والمهمة ليست سهلة على كل حال، لكنها ضرورية في حق من يحفظ لنفسه قدرها من حب الناس واحترامهم له، وقد يقع من لا يأخذ هذا الأمرَ على محمل الجد، أو لا يحتفل به، في الخطأ الذي لا ينفعه حينها الندم، كما حدث فيما ترويه السِّيَر والتاريخ، أن خالد بن الوليد في إحدى معارك المسلمين ضد أهل الردة وكان قد أسر مجموعة منهم، قال لحرَّاسه: أدفئوهم، وكانت الليلة شديدة البرودة، وقصد بهذه الكلمة الدفء للأسرى، إلا أن الحرس الذين كانوا على الأسرى في لغتهم إذا قيل: أدفئوا الرجل؛ أي: اقتلوه، فأخذوا اللفظة "أدفئوهم" على لغتهم، فقتلوا الأسرى، وأخذت هذه الواقعة مأخذها على خالد بن الوليد - رضي الله عنه.

واللبيب الكيِّس من يتخير الألفاظ التي تحقق له النفع والمصالح المشروعة، وتخرجه من كثير من الورطات والمآزق بأقل جهد وأقل تكلفة ودونما خسائر، كما فعل الإمام ابن الجوزي، كما حكي عنه أنه بعد انتهائه من درس له في مسجد يجتمع فيه أنصار السنة وأنصار الشيعة؛ فاجأه بعضهم بهذا السؤال: أيهما أفضل: أبو بكر أم علي؟ فأجاب بفطنة وذكاء: "أفضلهما من كانت ابنته تحته"، ثم نزل عن كرسيه وذهب كي لا يراجعه أحد، فقال الشيعة: إنه يقصد عليًّا - رضي الله عنه - لأن فاطمة - رضي الله عنها - ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت يده، وقال أهل السنة: إنه قصد أبا بكر؛ لأن ابنته عائشة - رضي الله عنهما - تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم.





الساعة الآن : 09:57 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.76 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.19%)]