ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الحوارات والنقاشات العامة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=49)
-   -   حي علي الفلاح (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=251154)

ابوالوليد المسلم 20-01-2021 03:48 AM

حي علي الفلاح
 
حي علي الفلاح
هشام محمد سعيد قربان




إنَّ فلاح المؤمن في الدنيا والآخرة يرجع إلى فَهْمه وعِلْمه بأمورٍ عديدة؛ من أهمها: معرفة السبب الذي من أجْله خَلَق الله الخلق، وهو العبادة بمفهومها الشامل التي جعَلها الله الشرط الأساس لاستخلاف الإنسان في الأرض، وكذلك يجعل المؤمن نُصب عينيه عقيدة اليوم الآخر، وما تتضمَّنه من الإيمان بالبعث والنشور، والحشر والعَرْض، ووزن الأعمال وتطايُر الصحف الذي يفرِّق المكلفين إلى فريقٍ في الجنة وفريقٍ في السعير، ويذكِّر وزنَ الأعمال في الآخرة المؤمنَ بأهمِّ طريق من طُرق الفلاح، وهو الخشوع الذي يعني الإحسان والإجادة في العبادة، وحضور القلب حال أدائها، ولقد عدَّ الله الخشوع في الصلاة - وهي أهمُّ عبادة مفروضة - شرطًا من شروط فلاح المؤمنين بقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 2].

إنَّ الخشوع في الصلاة مَطلب عزيز المنال، فكلما افتتَح المؤمن صلاته، أتاه الشيطان اللعين بوساوسه وتخيُّلاته؛ ليحولَ بينه وبين الخشوع، والمؤمن دومًا يُجاهد نفسه في صلاته، ويَدفع عنها الأفكار والوساوس، ويَحرص على أن يُقبِل بكليَّته على الله.

إن التأمُّل في سُنة الرسول محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسِيَر الصالحين المقتدين بهَدْيه، يُعلِّمنا أن الخشوع مطلبٌ عزيزٌ لا يُدرَك إلا ببَذْل بعض الأسباب، واتِّخاذ الكثير من الوسائل.

من الأسباب المعينة على الخشوع ما يؤدَّى قبل الصلاة؛ مثل: الأكل للجائع، والشرب للظمآن، وقضاء الحاجة، والتطيُّب، وأخْذ الزينة، والتبكير إلى الصلاة، والسكينة حال المشي إليها، والإتيان بالأذكار المشروعة والسُّنن القبليَّة.

أمَّا الخُشُوع أثناء الصلاة فتُعين عليه أمورٌ عدةٌ؛ منها: استحضار عَظَمة الله - سبحانه وتعالى - الذي يُناجيه المصلِّي بأذكاره ودعواته، وركوعه وسجوده، وكذلك يُعين على الخشوع في الصلاة لومُ النفس على التقصير في العبادة، والخوف من الذنوب والخطايا المتقدِّمة، التي ما يَدري المرء ما الله فَاعلٌ بها، وإضافة إلى ما تقدَّم فإن هنالك سرًّا من أسرار الخشوع لا يعرفه حقَّ المعرفة إلا القِلَّة، وهو التذلُّل بين يدي الله، والتذلُّل ثمرةٌ عظيمةٌ لمشاعر عدة؛ منها: احتقار العمل، وعدم الامتنان على الله به، والخوف من عدم قَبول الطاعات وردِّها، ومتى استقرَّت في نفس المصلي هذه المشاعر، فإنه عندئذ يتهيَّأ قلبه لتدبُّر وتأمُّل ما يتلو أو يسمع من آيات القرآن الكريم، فحين تمرُّ به الآيات التي تحكي قَصص الأُمم السابقة، وعقابهم بتكذيبهم وعنادهم وكفرهم، فإنَّ هذه الآيات تحرِّك في قلبه الشعور بالخوف من الله وعقابه لأهل الغفلة والتقصير، وكذلك عندما يسمع الآيات التي تتحدَّث عن عظمة المخلوقات من أرضٍ مستويةٍ، وجبالٍ منصوبة، وسماءٍ مرفوعة بلا عمدٍ، فإنَّ العظَمة في المخلوقات تُشير وتدلُّ على عظمة الخالق - سبحانه وتعالى - وكذلك يتذكَّر المؤمن أنَّ الهداية ما هي إلا نعمةٌ من الله حين تمرُّ به الآيات التي تتحدث عن الهداية والضلال، وتحرِّك الآيات التي تذكِّر بالنِّعم الظاهرة والباطنة الشعورَ بالشكر والخوف من زوال النعمة ورفْع البركة، بسبب جحود النِّعمة والانشغال بها، وعدم شُكْر المُنعم بها، وعصيانه وكُفره.

إنَّ خيرَ ما يوقِظ واعظ الخشوع في قلب المصلي تذكُّرُ الموت وظلمة القبر ووحْشته، وكلُّ مَن تذكَّر الموت في صلاته، فإنه يُجَوِّدها ويُحَسِّنها قدْرَ طاقته؛ مَخافة أن تكون هذه الصلاة آخر طاعةٍ يؤدِّيها في حياته؛ أي: إنه يُصلي صلاة مودِّعٍ موقِنٍ بفراقه للدنيا ولقائه لربِّه الذي سوف يَزِن أعماله ويُحاسبه عليها.

إنَّ الخشوعَ في الصلاة هو المقياس الذي تتفاضل به الأعمال، فكم من أعمال قليلة ثَقُلت في ميزان الآخرة بخشوع صاحبها، وكم من أعمال كثيرة خفَّت في الميزان وأصبَحت هباءً؛ لأنها فقَدَت الخشوع وهو لبُّ العمل وجوهره، لعلَّ الحديث عن الخشوع والإجادة والإحسان يُعتبر البذرة الأولى لدراسات الجودة والنوعية، والمؤمن الفَطِن حريصٌ على أن يُجيد ويُتقن عمله في مزرعة الدارين، والآخرة خيرٌ وأبقى.




الساعة الآن : 02:54 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.63 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.21%)]