ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الحوارات والنقاشات العامة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=49)
-   -   صناعة الكراهية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=243204)

ابوالوليد المسلم 18-10-2020 04:13 AM

صناعة الكراهية
 
صناعة الكراهية


خميس النقيب








الفنُّ صناعة، والذوق صناعة، والخُلق صناعة، والازدهار صناعة، والحب صناعة، كلها صناعات مرغوبة، وخطوات مطلوبة، لكن صناعة أخرى يتقنها أهل الحِقد وأصحاب البغي: هي صناعة الكراهية!



صناعة الكراهية يتبنَّاها طغامة فاسدة، ونُخبة كاسدة، تبثُّ سُمومها السوداء وأحقادَها الصفراء على مدار الساعة، صناعة بغيضة، وطريقة مَرِيضة، يُبغِضها الدِّين، ويجرِّمها رسولُ الإسلام، كيف يبثُّونها؟



يطلقون لألسنتهم العِنان في هَتْك الأعراض، ويُفسحون لأفواههم المجالَ لأكل لحوم الأفراد؛ تغذية للكراهية، ونشرًا للخصومة، ودفعًا للودِّ والعدل، يحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم؛ ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].



في حين يقول محمدٌ صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا، أو لِيصمُتْ))؛ متفق عليه، وفي حديث آخر: ((وكفى بالمرءِ إثمًا أن يحدِّثَ بكلِّ ما سمع))؛ رواه مسلم.



وتتبع عَوْرات الناس لإهانتهم، أو تعريتهم، أو إلحاق أي أذى بهم - ليس من الإسلام؛ عن ثوبانَ عن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((لا تؤذوا عبادَ الله، ولا تُعيِّروهم، ولا تطلُبوا عَوْراتِهم؛ فإنه مَن طلب عورةَ أخيه المسلم، طلَب اللهُ عورتَه حتى يفضحَه في بيتِه)).



أحيانًا تجد مَرْضى القلوب يُظهِرون كلامًا معسولاً، ويحاولون تملُّكَ قلوب البُسَطاء بسِحرهم، ولكنهم يُبطِنون اللَّدَد والخصومة، يريدون مِن وراء ذلك تمريرَ الفساد، وصناعةَ الإفساد بنشرِ الكراهية والبغضاء؛ ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 204 - 206]، نزَلت في الأخنس بن شريق الثَّقفي، حليفِ بني زهرة، كان رجلاً حُلْو الكلام، حُلْو المنظَر، وكان يأتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيُجالِسه ويُظهر الإسلام، ويقول: إني لأُحبُّك، ويحلفُ بالله على ذلك، وكان منافقًا، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُدنِي مجلسه، فنزَل قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204]؛ أي شديد، قال قتادة: شديدُ القسوة في المعصية، جَدِلٌ بالباطل، يتكلَّمُ بالحِكمة، ويعمَلُ بالخطيئة؛ عن عائشةَ رضي الله عنها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أبغضَ الرِّجالِ إلى الله تعالى الألَدُّ الخَصِمُ)).



وما أحبُّ - إذا أحببتُ - مُكتَتِمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يُبدي العداوةَ أحيانًا ويُخفيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



تظلُّ في قلبِه البَغْضَاءُ كامنةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فالقلبُ يكتُمُها والعينُ تُبديها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








والإسلامُ يحثُّ على التثبُّتِ والتَّبيُّنِ أولاً، حتى لا نقع في المحظور ونندم بعد ذلك: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]؛ أي: إنْ أتاكم فاجرٌ لا يبالي بالكذب بخبرٍ فيه إضرارٌ بأحد، فتبيَّنوا الحقيقة، وتثبَّتوا من الأمر، ولا تتعجَّلوا بالحُكم حتى تتبصّروا؛ خشية أن تصيبوا قومًا بالأذى، وتُلحقوا بهم ضررًا لا يستحقُّونه، وأنتم جاهلون حالَهم، فتَصيروا على مَن حَكمتم عليهم بالخطأ نادمين على ذلك، مغتمِّين له، متمنّين عدمَ وقوعه!



وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ لأصحابه: ((لا يُبلِّغني أحدٌ من أصحابي عن أحد شيئًا؛ فإني أحبُّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليمُ الصَّدر))؛ رواه أبو داود عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه.



إن أيَّ محرِّض على العدوان والبغضاء والكراهية - بإصدار فتاوى مسيَّسة؛ كفتوى تطليقِ الزوجة الشريفة البريئة، أو وصفها بأنها أخطرُ من اليهودية، أو التحريض على القتل من أيِّ طرَف - يُعرِّضه ذلك للعقوبةِ الرَّبانية قبل المُساءلة القانونية، إن لم يكنِ اليوم فغدًا، يوم الآزفة؛ حيث يقضي اللهُ فيه بالحق، يوم لا بغي عنده، ولا ظلم فيه، يوم تبلغ القلوبُ الحناجِرَ، ولا شفعاء ولا عملاء؛ ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 17 - 20]؛ ولن يُسامحَه التاريخ، وسيبقى تطاردُه خطيئة التحريض بالعدوان على الأبرياء والشُّرَفاء حتى ذلك اليوم!



الكراهية مرضٌ خطير، يزرع في المجتمع التمييز العنصري، والدِّيني، والمذهبي، وتكفير الآخر، وهذا ما يجرِّمه الدِّين، ويحرِّمه الإسلام؛ لذلك لا بد من نشر ثقافةِ التسامح والتصافح والتصالح والتعايش المشترك، والقبول بالآخر؛ أخبَر صلى الله عليه وسلم أن البغيَ هو نهايةُ الفساد، فقال: ((سيُصيب أمتي داءُ الأمم))، فقالوا: يا رسول الله، وما داءُ الأمم؟ قال: ((الأشَرُ والبَطَرُ، والتكاثر، والتَّناجُش في الدنيا، والتباغُضُ، والتحاسُدُ، حتى يكونَ البغي))؛ رواه الحاكم.



صناعةُ الكراهية ونشر العداوة والبغضاء بين الناس صنعةُ الأباليس، ولعبة شياطين الإنس والجن؛ ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 91، 92].


قيل: نزَلت في قبيلتينِ من الأنصار شرِبوا الخمر وانتشَوا، فعبث بعضُهم ببعض، فلما صحَوْا، ورأى بعضُهم في وجه بعض آثارَ ما فعلوا، وكانوا إخوةً ليس في قلوبهم ضغائنُ، فجعَل الرجل يقول: لو كان أخي بي رحيمًا، ما فعَل هذا بي، فحدَثَتْ بينهم الضغائن، فأنزَل اللهُ ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ﴾ [المائدة: 91] الآيةَ.





لذلك أشدُّ الأيام على الشيطان هو يومُ عَرَفة، وما من يوم هو أغيظ ولا أدحر منه في يوم عرفة؛ لِما يجد من الوَحْدة والحُبِّ والسلام بين المسلمين بالملايين على صعيد عرفات، رغم اختلاف الألوان، وتباعُد البلدان، وتبايُن اللغات، وتنوُّع الثقافات، وكل بغيض حقود يشترك - ولو من بعيد - في صناعة الكراهية ستدور عليه الدوائرُ يومًا:



قضى اللهُ أنَّ البُغْضَ يصرعُ أهلَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وإنَّ على البَاغِي تَدورُ الدَّوائِرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







الساعة الآن : 07:27 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 14.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.97 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.67%)]