ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:02 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وسائل عودة الناس إلى دين ربهم
نقول: هذا الدستور الإلهي الرباني المحقق للسعادة في الدارين والكمال والعز والطهر والصفاء يجهل ولا يوجد في المائة واحد يعرف عنه شيئاً، القرآن يقرأ على المقابر في القبور على الموتى.وما زلت أقول وسوف أموت ولا يبقى من يقولها -والله العظيم فيما أعلم-: لا طريق إلى نجاتنا والإبقاء على نورنا وهدايتنا إلا أن نسلك ذلك المسلك النبوي، إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، لا دكان مفتوح الباب ولا مقهى ولا مصنع ولا متجر ولا مزرعة ولا حقل، وأهل القرية في قريتهم أو أهل الحي في مدينتهم على الفور يتوضئون ويلبسون أحسن لباسهم، ويأتون بنسائهم وأطفالهم إلى بيت ربهم. هل لهم رب؟ إي ورب الكعبة، من خلقهم؟ من رزقهم؟ من خلق هذا الكون لهم؟ له بيت؟ إي نعم، هو المسجد الجامع. أين يذهبون؟ إلى بيت ربهم، ماذا يريدون؟ يستمطرون رحماته، يطلبون فضله وإحسانه، يهربون من فتن الشياطين وويلات الدنيا إلى بيت ربهم ليتنفسوا الصعداء، ويروحوا على أنفسهم، لينسوا آلام الخبث وما أصابهم، وفوق ذلك ليتعلموا الكتاب والحكمة، ليعلموا فيسموا ويرتفعوا، سنة واحدة تنتهي وتختفي مظاهر الظلم، الخبث، الغش، الخداع، الكذب، الحسد، والله لتنتهي، سُنة الله عز وجل. ويفيض المال، والله ماذا يصنعون به، الذي كان ينفق معاشه خمسة آلاف تزيد عليه والله ما تنقص، ما يبقى محتاج بينهم ولا فقير. لا سرقة ولا غش ولا كذب ولا خداع، هذا ممكن أن يكون؟ والله الذي لا إله غيره! ما صبروا على هذا المجلس بنسائهم وأطفالهم، عام واحد يتعلمون الكتاب والحكمة وكلهم صدق، ما سمعوا حكماً إلا علموه وطبقوه، لم تمض سنة وهم أطهار أتقياء، أولياء لله لو رفعوا أكفهم إلى الله ما ردها خائبة أبداً. هل هناك طريق غير هذا يا شيخ؟ هذا صعب، ما نستطيع. قولوا لي: كيف نغلق دكاكيننا؟ كيف نأتي المسجد؟ هذا أمر صعب، ما نستطيع.إذاً: كيف تستطيعون أن تخترقوا سبع سماوات؟ وإلا تكذبون في إيمانكم ما لكم عمل؟وقلنا أيضاً: الذين اقتدينا بهم حتى في شرب الشاهي أو شرب الحشيشة، هؤلاء إذا دقت الساعة السادسة في أوروبا، في أمريكا، في اليابان؛ يقف العمل، ويذهبون إلى المساجد؟ ما عندهم مساجد، كفار، يذهبون إلى المراقص والملاهي ودور السينما والمعارض يخففون عن أنفسهم آلامها، ونحن ما نستطيع أن نذهب إلى المسجد؟ أموات نحن أم مسحورون؟ أمر عجب هذا! والله لو تحركنا في هذه البلاد هذه الحركة سنة واحدة لتغيرت الحياة تغيراً بكاملها، لكن أين العلماء؟ أين المبلغون؟ لا شيء! ناموا كما هم نائمون حتى تدق الساعة.بالأمس قلت لكم: من أراد أن يفجر أو يفسق في هذه البلاد يرحل، حتى ولو كان هاشمياً من آل البيت، هذا هو الواجب. ما تريد أن تستقيم اخرج، خل البلاد طاهرة، بالطهر تبقى أنوار الله وهدايته وراية لا إله إلا الله، وإن غضب العالم بأسره. عرفوا هذا فنشروا الخلاعة والدعارة والفساد والشر فينا حتى يعجلوا بذبحنا.
معنى قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ...)
الآن الآيتان الجليلتان اسمع قول ربنا جل وعز: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] ما المراد من السفهاء؟ جمع سفيه وإلا لا؟ ما المراد من السفيه؟ هو ناقص العقل الذي لا يحسن التصرف في المال. انتبهتم؟ يكفيه كيلو لحم يأتي بفخذ كامل، يكفيه بريال فول يجيب بثلاثة ريالات، يكفيه في كل فصل ثوب يأتي بعشر ثياب. السفيه الذي ما عنده علم واسع حاذر، وعقل حصيف يعرف أن يضع الريال، فإذا تبين أن امرأتك أو بنتك أو ولدك أو أخاك ما يحسن التصرف في المال يبذره ويفسده فلا تعطه المال. وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5]هي أموالهم سماها أموال؟ نعم، مال ابنك مالك، ومالي أنا المسلم مالك، أمة مشتركة في هذه؛ لأن الأموال قوام الأعمال.
معنى قوله تعالى: (التي جعل الله لكم قياماً)
قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] الأموال قوام الأعمال، لو تنفذ خزينة الدول ضجت الدنيا وتساقط الناس. هي أموالنا جميعاً وإلا لا؟ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] والقيام والقوام ما عليه يقوم الشيء، حياتنا تقوم على المال؟ إي نعم، قيام وقوام بمعنى واحد، وقرئ: (قيماً) أيضاً كعوذاً وعياذاً.حياتنا تقوم على المال، فلا يحل أبداً إسراف فيه ولا تبذير ولا تضييع بحال من الأحوال، وإن رأينا من يسرف ويبذر يجب أن يحجر عليه، هذا إذا كان كبير السن ابن العشرين والثلاثين وهو يعبث بالمال يجب أن يحجر عليه بصك من المحكمة فلا يستطيع أن يبيع ولا يشتري إلا في حدود عشرة ريالات وإلا خمسين. عرفتم معنى هذه الآية؟ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5].
معنى قوله تعالى: (وارزقوهم فيها واكسوهم ...)
وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ [النساء:5] إذا حجرتم عليهم فليس معنى هذا أنك تجوعه وتعريه، أطعمه واكسه وافرش له الفراش، لكن لا تعطيه المال ينفقه وهو لا يحسن إنفاقه، سواء كانت زوجة وإلا ابن وإلا عم. هذا هو التكافل الاجتماعي.وقوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ [النساء:5] لم ما قال: وارزقوهم منها واكسوهم منها؟ هذه لطيفة لغوية. وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا [النساء:5] المفروض يقول: وارزقوهم منها وإلا لا؟ قال: فِيهَا [النساء:5] معنى هذا: لما تحجر على الزوجة، على الولد، على القريب؛ هذا المال يجب أن تنميه في صناعة، في تجارة، في زراعة حتى تصبح تطعم المحجور عليهم من الفوائد والأرباح، ويبقى أصل المال كما هو، ولما يرشد ويعقل تعطيه المال كاملاً، ما تقول: آه! مع الأسف أكلناه. هذا تدبير من هذا؟ أيستطيع كافر أن يصل إلى هذا المستوى؟ مستحيل، وإن اتخذناهم أئمة لنا نحتج بآرائهم.
معنى قوله تعالى: (وقولوا لهم قولاً معروفاً)
قوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] قولوا لهم الكلمة الطيبة، يا ولدي، يا أخي، هذا لصالحك أنت، هذا المال نحفظه لك، يأتي يوم وأنت صاحبه، قل له: بارك الله فيك! نحن ما فعلنا هذا إلا من أجلك ليحفظ مالك يا ولدي. الكلمة الطيبة، القول المعروف، حتى لا يتألم ويبكي من الحجر أو من منعه من التصرف في ماله؛ لأنه قليل العقل والفهم، رأيناه يبذر وينفق. وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] لا يا كلب ويا أعمى ويا جاهل يا فاسق، يا ضال. الجهال يفعلون هذا؟ ما عرفوا. هذه الآية واضحة فإليكموها. وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] ذكر الرزق وهو عام، والكسوة لأنها ضرورية، وأما الفراش والمأكول فكله واحد.
تفسير قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ...)
يقول الله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6] أي: امتحنوهم، اختبروهم، إذا كان عندك ثلاثة، كم بلغ أكبرهم؟ خمسة عشر عاماً، هذا يتهيأ وإلا لا؟ امتحنه، خذ يا إبراهيم الزنبيل، خذ هذه المائة ريال جيب المقاضي، جيب السكر والبقلاوة والزيت. وخله يروح، وانظر كيف يرجع، يرجع بنصف الزنبيل، فين الفلوس؟ ما حصلت على كل ما طلبت. مرة ثانية: خذ يا إبراهيم اشتر لنا نعجة نذبحها، وانظر ماذا يصنع، ممكن يلعب بالمائة ريال وإلا مائتين ويقول لك: ما حصلنا، أو هذه الفلوس ما جابت لنا النعجة. هذا هو الاختبار الامتحان، وأنت تشرف عليه.فإن آنست أي: أبصرت، وسكنت نفسك إلى رشده، وعرفت أنه حكيم، المائة ريال رجع لك منها خمسين ريال، ويشتري تلك المقاضي كلها، حينئذ أعطه المال. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] أي: سن البلوغ، سن الزواج. تعرفون سن الزواج وإلا لا؟ البالغ، علامة البنت الحيض، الرجل إنبات الشعر، بلوغ ثمانية عشر عاماً. فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] ادفعوا إليهم أموالهم، اسمع ملحوظة: وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6] صعاليك من جماعتنا لما يعرف أن اليتيم قارب سن الخامسة عشر يأخذ ماله،ويستعجل ويسرف في ذلك المال ليشفي صدره، أو يبادر مبادرة قبل أن يبلغ قبل أن يرشد يستعجل أكل مال اليتيم، عرف هذا الجبار جل جلاله، فقال: وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6] يقول لولده: هات كذا من مال اليتيم، عما قريب سيأخذ أمواله ويشرد عنا، عجلوا. هذا أولاً. وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [النساء:6] الولي على مال اليتيم إذا كان غنياً لا يحل له أن يأكل تمرة واحدة أبداً، وإذا كان فقيراً يأكل بالمعروف، أكل المعروف حده ماذا؟ إذا يكفيه قرص عيش ما يشتهي قرصين، إذا يكتفي بأكلة في اليوم لم يأكل أربعة أو ثلاثة؟ ومن المعروف أيضاً: أن يستدين من مال اليتيم ويكتبه ديناً عليه حتى يسدده، اللهم إلا إذا كان يقوم بعمل لليتيم، هذا العمل يقوم به آخر، سقاية، زراعة، تجارة، في هذه الحال يصبح موظفاً عند اليتيم، ولا يأخذ إلا بقدر ما يأخذ غيره في نفس العملية.إذا كان غنياً لا يأكل شيئاً، يشتغل مجاناً لوجه الله تعالى، هذا ابن أخيه يتيم في حجره، ما يأخذ أي فلس عن عمله لله، لكن إن كان فقيراً بدل ما يشتغل عند فلان وفلان يضيع هذا، لا بد له أن يشتغل في مال اليتيم وإلا لا؟ يشتغل وليأخذ الراتب بنظيره عند الآخرين، يسأل: الذي يقوم بكذا وكذا كم يعطى؟ قالوا: يعطى ألف ريال؛ يأخذ ألف ريال، أو أقل بقليل.هذا هو الذي أرشد الله تعالى إليه وأمر به في قوله: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [النساء:6] فليعف، لا يأكل ولا يشرب من مال اليتيم، ويشتغل لوجه الله عز وجل. وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [النساء:6] هذا الأمر للوجوب وليس للندب أبداً، بلغ السن وهو راشد. تعال يا إبراهيم ، يا عثمان ! هات الحساب، لك مبلغ كذا كذا كذا، لك المصرف الفلاني تفضل، اشهد يا فلان ويا فلان أننا دفعنا إليه ماله، (فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ)، واسمعوا: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء:6] إن الرقابة لله، هو الذي يحاسب ويجزي، انتبه أن تخفي شيئاً وتعطيه أمام الشهود كذا وكذا وأنت اختبأت مالاً، تقول: أنا أشهدتهم على ما أعطيته، خف من الله وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء:6].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيتين: أولاً: مشروعية الحجر على السفيه لمصلحته ] وهذا يعم كل سفيه من زوجة وأم وأب وابن؛ فالذي ينفق في غير مرضاة الله، ويبدده في غير ما أذن الله يجب أن يحجر عليه بالمحكمة؛ فإن باع بيعه باطل، أو اشترى فشراؤه فاسد. [ ثانياً: استحباب تنمية الأموال في الأوجه الحلال؛ لقرينة قوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا [النساء:5] ] ما قال: منها.[ ثالثاً: وجوب اختبار وامتحان السفيه قبل دفع المال إليه؛ إذ لا يدفع إليه المال إلا بعد وجود الرشد ] ضد السفه.[رابعاً: وجوب الإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه ورشده.خامساً: حرمة أكل مال اليتيم والسفيه مطلقاً ] فلا يحل أكلك مال السفيه المحجور عليه، ولا مال اليتيم.[ سادساً: الوالي على اليتيم إن كان غنياً فلا يأكل من مال اليتيم شيئاً، وإن كان فقيراً استقرض ورد عند الوجد واليسار، وإن كان مال اليتيم يحتاج إلى أجير للعمل فيه جاز للولي أن يعمل بأجرة المثل ].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.




ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:04 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (46)
الحلقة (269)

تفسير سورة النساء (50)


أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجاهد في سبيله سبحانه لا يكلف إلا نفسه، وأمره أن يحرض المؤمنين على القتال في سبيل الله، مبيناً له أنه باتخاذ الأسباب سيدفع الله عنه وعن المؤمنين أذى المشركين وشدتهم ونكايتهم؛ فهو سبحانه القادر على ذلك، وهو ذو البأس الشديد، والنكال الأليم بأعداء دينه وأنبيائه وعباده المؤمنين.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة، وأريد أن ألفت النظر: من منكم يجيبني عن هذا السؤال أيها الدارسون والمستمعون، وهو: الحسنة التي يوفق لها عبد الله أو أمة الله، مصدرها ما هو؟ من أين أتت؟الحسنة: وهو ما يحسن بك في جسمك، في عقلك، في حالك عامة، في قلبك ونور هدايتك، كأن تقوم آخر الليل تتهجد، هذا الحسنة مصدرها ما هو؟مصدرها الله هو واهبها، وإن أصابتك سيئة في بدنك، في مالك، في عقلك، في روحك، بغشيانك ذنباً من الذنوب، وارتكابك معصية مصدر هذه ما هو؟النفس، ما دليل ذلك من الكتاب والكريم؟قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، الحسنات مطلقة الله واهبها فيحمد ويشكر عليها، ما تجد حسنة في نفسك إلا وتقول: الحمد لله، وإن وجدت سيئة ولو كانت مرضاً في بدنك، حاش لله أنه أراد هذا منك، أنت خالفت سننه في خلقه، فمثلاً تحملت ما لا تطيق من العمل فمرضت، فلا ينسب هذا إلى الله. غشيت ذنباً من الذنوب، تقول الله! الله حرمه ونهاك عنه ووعدك في غيره الخير، كيف ننسبه إلى الله؟! هذه الآية: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].لما حصلت الهزيمة في أحد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل منهم سبعون بطلاً وأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشج وجهه، وكسرت رباعيته، ودخل المغفر في رأسه، هذه السيئة من أين؟من أنفسهم؛ لأنهم ما وفوا بما عهد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المقام في مكانهم كيفما كانت الحال، لما شهدوا هزيمة المشركين، أكبوا يأخذون الغنائم، فوجد قائد المشركين فرصة فأحاط بهم، وكان الذي كان.خلاصة القول: إذا وجدت حسنة في نفسك احمد الله، الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. وإن وجدت شيئاً مؤذي: أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله.
تفسير قوله تعالى: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ...)
والآن مع هذه الآيات الثلاث، هيا نتغنى بها وأنتم تتلونها بألسنتكم وتتدبرون معانيها.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا * مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا * وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:84-86]، المحاسب، المجازي.
أمر الله تعالى لنبيه بالجهاد في سبيله
قوله جل ذكره: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84]، من المخاطب هنا؟الرسول عليه السلام. من يخاطبه بهذا؟الله. أين الله؟ على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، ونحن بين يديه، والله لا يغيب عنه من أمرنا شيء، الله تعالى يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84]، أي: بناءً على ما سبق من أنه لما فرض الجهاد كانت طائفة تتململ، وأخرى تعتذر، وأخرى تطالب بتأخير القتال، ولما يدعون يقولون: أطعنا، وإذا خرجوا بيتوا خلاف ذلك، ماذا تفعل إذا يا رسولنا؟ فقاتل وحدك، فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84]، هذه الجملة دلت دلالة قطعية أنه لا يوجد أشجع من رسول الله قط في الأرض، لا أبيض ولا أصفر، لا علي ولا خالد بن الوليد ، عرفتم؟كيف فهمنا هذا يا شيخ؟ أيكلفه الله بأن يقاتل وحده؟ لولا علمه تعالى بشجاعته يكلفه وحده؟ ويدل لذلك واقع الحياة، يقول الأبطال: كنا إذا حمي الوطيس نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، علي وعمر وخالد وفلان وفلان.. إذا اشتدت المعركة نجيء وراء الرسول نلوذ به، هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84]، أبنائي هل عرفنا سبيل الله قبل اليوم؟ ما هو سبيل الله هذا؟من يقوم ويبين لنا؟ أو مع الأسف نسينا؟ أي طريق: هل الكعبة أو طريق الشام؟ سبيل الله: هي أن يعبد وحده في الأرض، وليسعد العابدون في دنياهم وفي أخراهم.وهذا الذي نقوله في كل ركعة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، (الصراط) الطريق، (المستقيم) لا اعوجاج فيه، ونحن سائرون، عن يميننا الواجبات ننهض بها، وعن شمالنا المنهيات نتجنبها.. وإلى متى؟ إلى ساعة الوفاة عند باب الجنة.سبيل الله: الطريق الموصلة إلى رضاه، سبيل الله الطريق الموصلة إلى جواره، ما هي؟ أن يعبد وحده، تلك العبادة تزكي النفس وتطهرها، حينئذٍ العابدون في سبيل الله، وهل إذا قاتلنا من أجل تحرير البلاد يعتبر هذا سبيل الله؟ تحرير الوطن، ماذا تقولون؟أوسع لكم دائرة العلم: إذا نحن مسلمون صادقون، وهاجمنا العدو الكافر المشرك، حينئذٍ قتالنا سبيل الله تلون:أولا: دفع هذا الظالم، وإخراجه وإبعاده عن ديارنا.ثانياً: قتال هذا الكافر لكفره، نريد أن نهزمه ليدخل في الإسلام؛ فهو سبيل الله.إذاً: أما أن يكون قتالنا فقط من أجل المال أو السلطة أو الرياسة، أو التحرر والاستقلال، ولم نرد بهذا أن يعبد الله وحده فليس في سبيل الله؛ لأننا إذا قاتلنا ودافعنا العدو عن المؤمنين والمؤمنات مكناهم من عبادة الله. إذاً: هو سبيل الله عز وجل.ونأسف أننا جاهدنا بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وفرنسا وبلجيكا و.. و.. ولما تحررنا ودفعنا العدو خارج البلاد أغمضنا أعيننا وسكرنا في حب الدنيا، ولم نقم الصلاة، ولم نجبِ الزكاة، ولم نأمر بمعروف، ولم ننه عن منكر، ولم نقم حداً من حدود الله، ولم نقم بدعوة إلى الله داخل بلادنا أو خارجها.إذاً: فقتالنا ما كان خالصاً لله، بل لتحرير الوطن! هذه الحقيقة، ذكرناكم بها وإن مضت؛ لأننا مع قول ربنا، فَقَاتِلْ [النساء:84] يا رسولنا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84]، ما سبيل الله؟ أن يعبد الله وحده.
أركان الدولة الإسلامية
قال الله تعالى: لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84]، التحريض: الحث، والترغيب: معاشر المؤمنين! إنا خارجون إلى غزاة كذا، سرية كذا، أما إلزام لا.. لا.وهذا يبقى إلى اليوم، والحمد لله ألف مرة أن السلطان عبد العزيز ودولته باقية، ونحن نحطم فيها من كل جانب انتبهتم؟ التجنيد عندهم إجباري، لماذا؟ أوروبا عندها التجنيد إجبارياً، المسلمون المقلدون إجبارياً، إذا بلغت الثامنة عشرة يجب أن تتجند، لماذا السعودية وهي دولة القرآن ما تفرض على المواطنين الجهاد، أجيبوا؟ لهذه الآية الكريمة: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84] على القتال.من يرغب في التجنيد.. في التعليم، فليتفضل، أما إلزامياً ما في؟ لهذه الآية الكريمة، فهمتم هذه أو لا؟تأمل! تجد الدنيا كلها تفرض التجنيد على مواطنيها، إلا المملكة ما أوجبت، ترغب تفضل سجل وادخل، أما إلزاماً لا، ما علمناه وما وجد، من أين جاءهم هذا؟ لأن عبد العزيز لما أقام الدولة أقامها على مبادئ الإسلام الصحيحة، الأركان الأربعة، إذا سقط ركن سقطت، وقواعد الإسلام خمسة، إذا سقطت قاعدة، بقي إسلام؟ أركان الإيمان كم؟ ستة، إذا سقط ركن بقي إيمان؟ هبط كل شيء.إذاً: أركان الدولة الإسلامية، وهذا الكلام نردده من ثلاثة وأربعين عاماً في هذا المسجد، والزوار والحجاج والمستمعون و.. و.. إلخ، وأنا أقول: يجب على الإقليم الإسلامي إذا استقل عن الدولة الكافرة أن تقام فيه الدولة على أربعة أركان: ذكرها الله تعالى، وبينها في قوله اسمع: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: استقلوا.. حكموا أو لا؟ قبل أن يحكموا كيف يكلفون؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ماذا فعلوا؟ فرفشوا.. غنوا؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41]، أقاموها قياماً حقاً، لا يمكن أن يبقى مسلم في ديارنا لا يصلي.في الجند أمره واضح، لا يمكن لعسكري أن يترك الصلاة؛ لأنهم بين يدي رقابة قاداتهم وولي أمرهم، المواطنون أيما مواطن من ذكر أو أنثى ترفع به دعوى إلى الهيئة ما يصلي، يجلبونه وينتزعونه ويصلي، فإن قال: لا أصلي، ثلاثة أيام ويقطع رأسه؛ إذ لا حق له في الحياة، سبحان الله! والله لا حق له في الحياة، كيف يأكل الطعام ويشرب الماء ويتنفس الهواء وهو لا يعبد الله، بأي حق؟ يقتل.ثانياً: وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] يا صاحب الغنم! إذا ملكت أربعيناً رأس تأتينا بجدي أو خروف.يا صاحب الإبل! إذا ملكت خمساً تعطينا نعجة.. عشراً تعطينا نعجتين.. خمس عشرة ثلاث نعاج.. عشرين أربع نعاج.. خمساً وعشرين تعطينا ابن الناقة اللبون.يا صاحب البقر! -وإن كان ما عندنا في المملكة أبقار كثيرة- إن ملكت ثلاثين بقرة هات عجل، وصاحب الشعير كصاحب التمر، كصاحب الذهب والفضة، الزكاة قاعدة الإسلام الثالثة؟إذاً: فجبيت الزكاة جباية حقة، والله يأخذون صاع الشعير، وصاع التمر.ثالثاً: وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، لا بد من هيئات جماعات مستقلة في كل قرية، في كل حي، مهمتها إذا شاهدت معروفاً متروكاً تقول لصاحبه: افعل هذا، كيف تتركه، شاهدت مرتكب منكر: يا عبد الله! لا يصح هذا، افعل هذا، اترك هذا: وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]. وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، كم ركناً أقيمت عليه الدولة الإسلامية؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، استقل لنا نيف وأربعون إقليماً من إندونيسيا إلى موريتانيا ما بغلنا أن إقليماً واحداً أجبر المواطنين على إقام الصلاة، بلغكم هذا أنتم؟ ولا جبوا الزكاة، ولكن عوضوا عنها بالضرائب، لِم هذا؟ الضريبة لا بأس، والزكاة خل الزكاة، لا إله إلا الله، يا للعورة ما أفضحنا. الضرائب! حتى على النافذة، والزكاة لا ما نطالب بها، خل الناس أحرار، اتركهم يكفروا.

يتبع

ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
موانع عبادة الله وحده
والشاهد عندنا: أما بلغ المؤمنين والمسلمين هذا القرآن؟ أي مانع يمنعهم أن يجبروا مواطنيهم على إقام الصلاة، ما الذي ينقصهم؟ ما الذي يصيبهم؟ ما المانع أن يجبوا الزكاة جباية رسمية، والضرائب عند الضرورة عند الحاجة إليها؟ لِم ما يوجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ رجال صالحون ذي مهمتهم، الجواب: لا.. لا، وبعد: كيف حالنا لما استقللنا؟ هبطنا أبعد هبوط، في بعض البلاد والله العظيم لعهد استعمار أوروبا لها أفضل منها الآن.فهمتم هذه اللغة أو لا؟ لِم يا شيخ تتكلم بهذا الموضوع؟ نحن مع قول ربنا: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84] لِم؟ ليعبد الله وحد، كيف ما نعبده ولا نأمر المواطنين بعبادته، المفروض أن ندعو الكفار ونقاتلهم ليعبدوا الله، فإذا بنا نحن ما نعبد الله، أعوذ بالله!والسبب: الثالوث الأسود.. المجوس واليهود والنصارى، هم الذين عرفوا كيف يطفئون أنوار الله في الأرض حتى لا تسود وتنتشر، فالقرآن الكريم يقرأ على من؟ على الموتى! السنة النبوية للبركة، فعم الجهل فجهل الحاكم والمحكوم ولا يلامون، ما عرف، كيف تطالبه أن يحكم الكتاب وهو ما يدري؟ونواصل دراستنا جميعاً لقول الله تعالى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84]، المؤمنين الصادقين في إيمانهم: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] و(عسى) تفيد من الله التحقيق: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ ماذا عنا؟ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، أعداؤنا وخصومنا الذين يقاتلوننا، ويريدون إنهاء وجودنا وديننا. وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84] (البأس) القوة، (والتنكيل) هو العذاب والتعذيب الذي يصبح نكالاً لغيره، من رآه ما يفعل فعله.انتهت هذه الآية الكريمة، اسمعوا تلاوتها: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84] على ماذا؟ على القتال وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، ومعنى هذا: الاستعداد، القوة يجب على الدولة الإسلامية أن تكون قوية، وأن تعد العدد والعتاد الحربي بأعلى صورة، من أجل: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، لا يحل أبداً للدولة المسلمة أن تهمل جانب القوة أبداً، واقرءوا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ [الأنفال:60] فعل أمر أو لا؟ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60] ابذلوا كل طاقاتكم، فإذا عجزتم: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، أيام كانت الخيل والفرسان، الآن النفاثات في المطارات الخاصة، هذا أمر الله هل استجبنا له؟ ما استجبنا.إذاً: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] يا رسولنا وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] شدتهم وحربهم وعداءهم لنا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا [النساء:84] منهم كلهم وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84].وقد حدث، ونكل بهم الله وانهزموا، في خمس وعشرين سنة فقط وراية الإسلام من أقصى الشرق إلى الغرب، ما مات رسول الله والجزيرة فيها من يعبد غير الله، حارب الرسول عشر سنوات الجزيرة كلها طابت وطهرت، وخلال خمس وعشرين سنة أخرى من خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وصل الإسلام إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب.
تفسير قوله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ...)
يقول الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، النصيب معروف: الحظ، الربع الخمس السدس، والكفل كذلك، الكفل والنصيب واحد، الكفل النصيب مكفول لك، مضمون، نصيب مضمون، ماذا يريد تعالى منا؟ اسمع.. اسمع، وهو يخاطب من؟ أمة الإسلام: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] منا يا عباد الله، ما هي الشفاعة الحسنة؟ هنا ابدأ بالجهاد، من ينضم إلى صفوف المجاهدين الذين حرضهم الرسول على الجهاد، والذي أيضاً يرغب الآخرين ويحبب إليهم الجهاد، هذا شافع أو لا؟ شفاعته حسنة أو سيئة؟ حسنة، والذي يثبط: اجلسوا ما فائدة هذا القتال؟ ماذا تريدون؟ خلوهم، هذه الشفاعة سيئة أو حسنة؟ سيئة. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، حرضتني أنا على الجهاد ومشيت، أنت تأخذ من أجري شيئاً، حرضت فلاناً على القعود ولا يخرج مع الرسول ويقاتل أثمت أو لا؟ هو قعد، قعوده أيضاً تنال منه قسطاً.وهذه الآية عامة، أيما مؤمن يشفع لأخيه في استرجاع حق ضاع منه، أو ظلم أصيب به، فضممت صوتك إلى صوته، ووجهك إلى وجهه إلا وكان لك نصيب من هذه الشفاعة، وأيما مؤمن يأتي إلى جنب آخر يساعد على الباطل، على أخذ أموال الناس وحقهم، إلا وهو شريك في هذا الإثم، في هذه السيئة. قاعدة عامة إلى يوم القيامة. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] الشفاعة الحسنة تكون فيما أذن الله فيه، فيما أمر الله به، فيما أباحه للناس، والشفاعة السيئة تكون فيما حرم الله، فيما نهى الله عنه، فيما هو ضار غير نافع، هذا وعد من الله أو لا؟ هو الذي يعطي: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، لم سميت هذه شفاعة؟في عرفنا الوتر الفرد، والشفع ركعتان، فإذا كنت وحدك فأنت وتر فرد، فإذا انضم إليك أخاك ليساعدك أصبحتما شفعاً، وقد قدمنا ذلك في الحديث عن الزوج، الرجل يقال فيه زوج أو لا؟ كيف زوج وهو فرد، ما يقال فيه زوج إلا إذا تزوج، فهي المرأة زوج أو لا؟ وهو زوج، هذا طلقها تقول هي زوج؟والرجل يقال فيه ذكر، وهذه أنثى، لكن عند الاجتماع كل واحد زوج الثاني، أي جعله زوجاً بعدما كان فرداً.كذلك الشفاعة: أنت خرجت تطالب بحقك وحدك، جاءك من ساعدك أو شهد معك أو قال كذا، أصبحت مع واحد آخر أو لا؟ شفع أو لا؟ شفع، من يضم وجهه إلى وجه أخيه يطالب بحق، أو يدفع خطراً عنه، هذا هو الشفيع والشافع، وهذا المسلك والطريق هو الشفاعة: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] الحسنة الطيبة الصالحة كيف نعرفها؟ ما أذن الله فيه، والسيئة ما حرمه الله ولم يأذن فيه.فلان ذهب ليشفع له عند المسئول بأن يفتح مخمرة! هذه شفاعة طيبة هذه؟!فلان ذهب ليشفع عند الأمير ليفتح أستوديو للصور، شفاعة سيئة أو حسنة؟ سيئة.شفع لأن يفتح مكتبة يبيع فيها الكتاب، حسنة أو سيئة؟ هذا هو.. شفع شفاعة ليفتح دكان حلاقة ليحلق وجوه الرجال، سيئة أو حسنة؟ سيئة.على كل عرفنا الآن، وإياي وإياكم أن تشفعوا لمؤمن من المؤمنين في سيئة فتتحملون كفلاً منها، وتؤذون أخاكم وتضرونه، انصحوا له قولوا: هذا باطل، لا يجوز هذا العمل أبداً، كيف نشفع لك حتى يتحقق لك. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، قال: (نصيب) على قدر هذه الحسنة، شفعت له: أنجيته من سجن أو عذاب، أكثر من شفعت له ليعطى خمسون ريالاً مثلاً، بحسب الشفاعة. وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: عليماً حفيظاً مقتدراً، المقيت: من الوقت، والوقت المراقب فيه، الراعي له الحافظ له هو الله، فهو على كل شيء حفيظاً ومقتدراً قادراً ومراقباً، فكل شفاعاتنا في الخير أو الشر لا تخفى عن الله عز وجل، وسوف يجزي كما وعد، نصيب للشافعة الحسنة وكفل للشفاعة السيئة، لو كان الله يغيب عنه حالنا ما يدري عما نقومه في ظلام الليل، بالأمس ما فضحهم أو لا؟ إذا كانوا عندك قالوا طاعة، وإذا خرجوا بيتوا خلاف الذي قالوه أمامك، من علمهم وأخبر بحالهم؟
تفسير قوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ...)
قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ [النساء:86]، وهي: السلام عليكم، ما هي تحية أهل الجنة؟السلام.. تشكون فيها؟ تحية أهل الجنة باللغة الإنجليزية.. بالفرنسية (بنسوار) ؟ والله لا توجد تحية في دار السلام إلا تحية: السلام عليكم: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، السلام عليكم، هذه تحية أهل الجنة، وتحية أهل الإسلام، حتى لو كنت فرنسياً إيطالياً وأسلمت لا بد وأن تقول: السلام عليكم. وَإِذَا حُيِّيتُمْ [النساء:86] أي: حياكم مؤمن من المؤمنين أو كافر أيضاً، ماذا تقولون؟ كان اليهود يمكرون برسول الله والمؤمنين، يقولون: (السام عليكم)، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وعليكم، قالت عائشة : ( أما سمعت ما قالوا يا رسول الله؟! قال: السام، قال: وأنا قلت: وعليكم ). أو فيه من لا يموت.إذاً: السلام: الحياة، ومن أسماء الله تعالى: السلام، وإذا قلت لأحد: السلام عليكم، معناه: أنك أعطيته أماناً كاملاً، وإذا سلم عليك آخر معناه: أعطاك الأمن الكامل، لا يأخذ منك ولا يؤذيك، هذه تحية أهل الجنة، وهبنها الله وعشنا عليها، إذا حييت ماذا تقول؟ السلام عليكم.وقوله: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، إن شئت قلت: وعليكم السلام، رددتها كما هي، وإن قلت: ورحمة الله وبركاته، زدت أو لا؟ أكثر من الأولى.وهكذا.. أول السلام لا تقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما تركت لهم شيئاً، قل: السلام عليكم، الرد: إن اكتفى بقوله: وعليكم السلام، كفاه ذلك، وأدى الواجب ولا إثم عليه وعنده عشر حسنات، وإن زاد (ورحمة الله) زاد عشر حسنات، وإن زاد (وبركاته) زاد عشر حسنات، فالذي يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فاز بثلاثين حسنة.أيام كنا في داخل المسجد، قلنا: هيا نعد، أيام كنا نمشي على أرجلنا في الشوارع، كل من نلقى: السلام عليكم.. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نصل قريباً من البيت ثلاثمائة حسنة.. مائتين وخمسين، مائة وأربعين.هيا أحصوها، إذاً: (السلام عليكم) بعشر حسنات، (ورحمة الله) بعشر (وبركاته) بعشر.والسنة: أن الكبير هو الذي يبتدئ السلام بالنسبة إلى الصغير، فليسلم الكبير على الصغير، وليسلم الماشي على القاعد، ويسلم الراكب على الماشي، هذا راكب على بعيره أو سيارته هو الذي يبدأ بالسلام، هذا ماشي وهذا جالس، الماشي هو الذي يسلم على هذا الجالس، القائم هو الذي يسلم على القاعد، ذي تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفها المؤمنون والمؤمنات.وهل يسلم الرجل على الفتاة المرأة التي تحيض وتلد؟ لا يصح أن تسلم على امرأة تحيض وتلد، إلا إذا عجزت وشاخت وكانت من قواعد النساء، وعلامة أنها من القواعد كاشفة عن وجهها، قال تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا [النور:60]، انتهينا: فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60] فيكشفن وجوههن: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60].إذاً: يسلم الصغير على الكبير، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم على الصغار على الأطفال.. الأطفال الصغار ما يعرفون، نحن نعلمهم، نسلم عليهم: السلام عليكم.. إذا ما عرف، قل له قل: وعليكم السلام.أما السلام بالإشارة، فلا، ما هو صحيح، وإنما لما يكون بعيد عنك تقول له: السلام عليكم، إذا ما تشير بيدك ما يعرف أنك سلمت عليه، والرد كذلك، إذا ما تقول: وعليكم السلام هو ما يسمع الصوت، لكن إذا أشرت فهم أنك رددت أو لا، أما أن نكتفي بالإشارة هذا خطأ ولا يقوله مؤمن، اليد فقط تُعلم أنك قلت وقال، سلمت وسلم.إذاً: هل نسلم على الكفار؟ المسألة هذه فيها بحث عجيب عظيم، خلاصة ما أقول: إذا كنتم في أمن واستقرار ما في حرب ولا خوف، يسلم المؤمن على الكافر ولا حرج، وإذا كانت حالة حرب فلا سلام؛ لأنك إذا قلت: السلام عليكم، أمنته، ولا حق لك أن تؤمنه ونحن في حرب معهم، أما إذا كان استقرار وأمن لا بأس إذا سلمت.أولاً: السلام سنة، والرد واجب، فهذه السنة إذا ما سلمت ما تأثم، إن سلمت أثبت، وإن لم تسلم وكرهت هذا الشخص أو نحو ذلك لا مانع، لكن إذا سلم هو يجب أن ترد.ولا يسلم على من في الصلاة، ومن سُلم عليه فليشر بيده أو برأسه فقط ولا يتكلم.ولا يسلم على من في المرحاض يقضي حاجته، وإذا سلم عليه لا يرد.أقول: لا يسلم على من يتغوط أو يتبول، وإذا سلم عليه لا يرد، ويسقط الواجب عنه.لا يسلم على المرأة في الشارع إن كانت من غير محارمه.في الصلاة يشير بيديه أو برأسه علمنا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والموضوع يحتاج إلى بحث أوسع فإلى جالسة ثانية إن شاء الله.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (47)
الحلقة (270)

تفسير سورة النساء (51)


إن الله عز وجل مستحق العبادة وحده سبحانه؛ لأنه خالق الخلق أجمعين، وموجد الموجودات والأكوان، ومنزل الأرزاق على عباده، فأمر كل هذه المخلوقات بيده سبحانه، ومردها ومصيرها إليه، لا مرية في ذلك ولا شك ولا ريب، فيجازي المحسن من عباده بإحسانه، ويعاقب الكافر منهم على فسوقه وكفرانه.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.ومعنا في هذه الليلة آية واحدة، وسوف نتغنى بها ونحفظها ونشرحها إن شاء الله تعالى، وقبل ذلك نذكر الآية التي فيها الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة، إذ الآية إذا كانت تحمل هدى، أو تحمل حكماً فينبغي أن نحفظها، وليس شرطاً أن نحفظ سورة النساء كلها، ولا الآيات قبلها ولا بعدها، لكن الآية التي تحمل هدى، أو تحمل حكماً، أو تحمل بيان حكم من أحكام الله تعالى، فينبغي أن نحفظها، وإلا فما الفائدة في اجتماعنا هذا؟!
فضل الشفاعة في الخير وقبح الشفاعة في الشر
وهذه الآية هي قوله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85] أي: من أجرها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، أي: نصيب من ذلك الإثم الذي باء به صاحبها.والشفاعة الحسنة هي ما كانت تدعو إلى خير، أو ما كانت تحقق خيراً، كأن توجد فضيلة، أو تنقذ مؤمناً، أو ترحم ضعيفاً، والشفاعة السيئة ما كانت تشجع على الباطل وتزيد في المنكر، وتفسد القلوب، وتفسد العقول، وتأخذ أموال الناس بالباطل. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، وقد نزلت هذه الآية في سياق أن بعض المرضى يثبطون عن الجهاد، ويقولون لإخوانهم: لا تخرجوا، فالحر والبرد ينتظركم، فهؤلاء شفعوا شفاعة سيئة، والذين يشجعون إخوانهم على الخروج في سبيل الله أو على الجهاد، فهذه شفاعة حسنة، واللفظ عام وإلى يوم القيامة، فمن يضم صوته إلى صوت أخيه ليدفعه إلى الخير ويحمله على فضائل الأعمال فإنه يثاب كما يثاب ذاك، بل وله نصيب من الخير الذي عمله، والذي يشجع على الباطل والمنكر وإيجاد الشر والمحن والفتن والغيبة والنميمة، والله له كفل من ذلك، أحب أم كره، فهذا هو قضاء الله وحكمه عز وجل في قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حاسباً محاسباً مجازياً مقتدراً لا يخفى عليه شيء، ولا تفهم أنك لا تُعطى، إذ ممكن أنك لا تعطى الثواب كما يعطاه الأول؛ لأنك عبد الله الذي واعد بهذا الجزاء والعطاء، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حسيباً قادراً حفيظاً له ويجزي به. وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حسيباً مجازياً قادراً مقتدراً، والمقيت من الوقت، أي: العليم بما يحدث وما يجري، والحافظ له فلا ينساه المجزي به، فمن منكم حفظ هذه الحكمة وادخرها في جيبه كعشرة ريالات؟ والله إنها لخير من مليون ريالاً، وللعامي أن يرجع إلى البيت ويقول: الليلة تعلمنا هدى وحكمة، وذلك من قول الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، فتقول أم أولاده: ما معنى (الكفل)؟ فأقول: النصيب، فهاتوا لنا من حفظ هذه الآية؟ لسنا بمستعدين يا شيخ! ولهذا تمضي الأعوام ونحن هابطون، فهل عرفتم حالنا أم لا؟وبالأمس دعونا تلك الدعوة الواجبة، فقيل لي: إن فلاناً يتململ وفلاناً متضايق، وفلاناً ليس براض! فإلى هذا الحد نهبط؟! ندعو لمؤمن بالشفاء فما يستريح؟! أعوذ بالله! أي جهل أعظم من هذا؟! وأي هبوط أكثر من هذا؟! إلى متى ونحن لا نفقه ولا نفهم ولا نعي ولا نبصر؟! فلا إله إلا الله! ولذلك إذا دعونا لمؤمن وشفاه الله فلك أجر ونصيب، إذ هي شفاعة حسنة، فضموا صوتكم إلى صوت الداعي تلقون مثله. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، فلو أن فلاناً أراد أن يفتح استوديو للتصوير، فإن ساعدته بجاهك العريض أو بنفوذك، وشجعته على أن يفتح دكاناً للتصوير، ووالله عليه وزر عظيم، وأنت والله عليك كفل منه، أو لو أن فلاناً أراد أن يبني مسجداً، أو أراد أن يذكر إخواناً له بكلمة، فشجعته فلك نصيب من ذلك الأجر، فهل ممكن ألا ننسى هذه الآية؟ من يقولها من إخواننا العوام؟ هذه أم الفضل أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين قالت: صليت المغرب وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد، فقرأ بالمرسلات عرفاً، فحفظتها، مرة واحدة سمعتها فحفظتها!وقد قلنا: إن لنا أبناء وبنات يسمعن الأغاني فيحسن حفظها والنغم والجرس الذي بها، بينما يصلي أحدنا وراء إمام أربعين سنة وهو يسمع الإمام يقرأ الفاتحة في الصبح وفي المغرب وفي العشاء ولا يحفظها! فكيف حالنا؟ هذه هي.
تأكيد سنية التحية ووجوب ردّها بأحسن أو بمثل
وأما الآية الثانية فهي تتكلم عن تحية أهل الجنة دار السلام في الملكوت الأعلى، ألا وهي: السلام عليكم، وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، فهذه التحية التي هي تحية أهل الجنة، هل عندنا منها نصيب؟ ما هي؟ هي: السلام عليكم، قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، فهل ممكن أن نحفظ هذه أو أنها صعبة أيضاً؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، فيجزيكم بذلك؟ و(حييتم) بمعنى: قيل لكم: السلام عليكم، فلماذا ترد الخير؟ للأسف لا نعرف أبداً الشكر، فهذا القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم والمربي والمعلم يقول: ( من صنع إليكم معروفاً )، بالتنكير، ولو كأس ماء، ( فكافئوه )، قالها وطبقها، فقد ناوله يهودي كأساً من اللبن فدعا له بالخير.فهل عرف المسلمون هذا؟ يأكل معك غدءك أو عشاءك ويسبك! فإلى أين هبطنا يا عباد الله؟ ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه )، لكن (شكراً) التي أعطتنا إياها بريطانيا أو (thank you) ترجمتها لا تكفي، إذ الشكر لله، وإنما قل: جزاك الله خيراً، أو بارك الله فيك وفيما آتاك، أو زادك الله من فضله، وادع له حتى ترى أنك قد كافأته، أما شكراً ترجمة (thank you) بالإنجليزي، و(ميرسي) بالفرنسي، فما لها علاقة بالإسلام أبداً.فإن قيل: يا شيخ! لا تلمنا لأننا ما تعلمنا، ولمَ لا نتعلم؟ من منعنا من العلم؟ من حرمنا من العلم؟ والجواب: لا أحد والله العظيم، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم يجب عليه أن يسأل حتى يتعلم ولو طول عمره، وهذا إن كنا صادقين في إيماننا بلقاء الله والنزول في دار السلام مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أما إن كان إيماننا صوري تقليدي ولا يعرف وراءه شيئاً فلا لوم؛ لأن هذا ميت، فهل تكلف الأموات أن يقولوا ويعملوا؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86]، ما هو الأحسن منها؟ أن تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فإن عجزت وبخلت فقلت: وعليكم السلام، فقد أذن الله لك في ذلك، وذلك إذا لم ترد أن تطيل الوقفة أو النظرة، ولهذا فالتحية الأولى: السلام عليكم من آداب الإسلام وسننه ومظاهر الكمال فيه، إذ يلقى المؤمن أخاه فيقول: السلام عليكم، وأما رد التحية فهي واجبة، وإن لم تفعل فأنت آثم، ويجب أن تتوب وتستغفر الله، وألا تعود لهذه المعصية، بل حتى ولو كانت التحية من يهودي فقل: وعليكم، إذ كيف لا ترد معروفاً؟! ميت أنت أم ماذا؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، وحسيباً كـ(مقيتاً)، أي: عليماً ويجزي بالمعروف الإحسان.
بعض الأحكام المتعلقة بالسلام
وهنا قد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلي: أولاً: ليسلم الكبير على الصغير، سواء كان كبيراً في السن أو في الشرف أو في العلو، فإن كنت أنت الشريف والعالي والسامي فابدأ بالسلام؛ خشية أن تصاب بالكبر، فيقوم من دونك فيسلم عليك، وأنت يا كبير السن، ويا ذا الشيبة، ويا صاحب الكهولة، إذا وجدت من دونك فابدأهم بالسلام؛ لأنك أعلم وأعرف منهم، وقد عشت خمسين عاماً وهم في الثمانية عشرة أو في العشرين سنة، فمن يبدأ بالسلام؟ الكبير حساً ومعنىً. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسلم على الصبيان وهم يلعبون، ولذلك فالكبير في الجاه أو في المنصب، لا يسكت حتى يُسلم عليه؛ لأنه يُخشى أن يصاب بالكبر، وإنما هو الذي يبادر بالسلام، وذلك ليحسن موقفه مع إخوانه حتى لا يقولون: تكبر علينا، فهل فهمتم سرها أو لا؟ فهذا هو الفقه، ( فليسلم الكبير على الصغير )، أي: منزلة وسناً.( وليسلم الماشي على القاعد )، فإذا كنت ماشياً وإخوانك جالسون، أو دخلت عليهم مجلساً وهم جالسون، فأنت الذي تبدأ بالسلام: السلام عليكم، لِم؟ سر ذلك أن القائم ممكن أن يكون في يده أو في جيبه مسدس فيفزعهم، فكيف يطمئنهم؟ أول ما يدخل يقول: السلام عليكم، أما الجالس لو قام ليأتي بالعصا فبعيده عليه، وعليه فالماشي إذا مر بمن هو جالس فهو الذي يبدأ بالسلام ليطمئنه ويؤمنه؛ لأن (السلام عليكم) معناها الأمان لكم.وليسلم القليل على الكثير، فمثلاً نحن ثلاثة نمشي أو مررنا بعشرة ماشين، فالقليل هو الذي يسلم على الكثير، فإذا دخلت على جماعة فقل: السلام عليكم، ولماذا يبدأ القليل بالسلام؟ حتى لا تكلف عشرين واحداً من أجلك، فأنت ابدأ فقل: السلام عليكم، فأنتم اثنان أو ثلاثة أسهل من أن يسلم أربعين واحداً جالسين أو ماشيين؛ لأن الذي يسن هذه السنن، ويضع هذه التعاليم الربانية هو أستاذ الحكمة ومعلمها في دنيا البشر، ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولا يسلمن أحدكم على امرأة غير متجلاة من قواعد النساء، أي: إذا مررت بمؤمنة فلا تسلم عليها، وإنما غض بصرك وامشِ، إلا أن تكون متجلاة في سن السبعين أو الثمانين وكاشفة عن وجهها فلا بأس، أما محتجبة محترمة فلا تفتنها بالسلام، ولا تحملها أن ترد عليك، لِم يا هذا؟ لأننا نتقي الفتنة، فلا نريد أن نقع في الإثم، إذ نحن لا نسلم إلا لأجل الحسنات، فإذا كان العكس فحرام ولا يجوز.ومعنى هذا أنه لا يجوز لنسائنا المؤمنات أن يرفعن أصواتهن أمام الفحول من الرجال، فلا تتكلم المؤمنة ذات الحجاب إلا للضرورة، وليكن كلامها أيضاً معدوداً محدوداً، أما أنها تقف في التلفاز وتتكلم وتتبجح فما هي بالمؤمنة ولا بالمسلمة بحق، أو تتكلم في الإذاعة فيسمع صوتها الأبيض والأسود، فهل مات الرجال؟! قطعوا ألسنتهم؟! ما وجدنا من يعلن هذا الإعلان إلا امرأة؟! يجوز للضرورة، لكن أما والرجال حولها في الإذاعة بالمئات وهي تتكلم! لا يجوز ذلك أبداً؛ لأننا من أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نهينا عن ذلك، أما اليهود والنصارى والبلاشفة الحمر فهذا شأنهم. لعلي بالغت؟ كم وكم من أمور تحدث من النساء مخالفة لشرع الله تعالى، والله يقول: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، أي: يا نساء النبي! وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، فإذا قرعت الباب وقلت: أين إبراهيم؟ فلا تزيد المرأة عن كلمة: (غير موجود)، وذلك إذا كان غير موجود، أو كان في السوق، فتقول: في السوق، أو كان في المسجد، فتقول: في المسجد، أو تقول: لا أدري إذا كانت لا تعرف، وزيادة كلمة عن ذلك خروج عن الآداب الإسلامية، وقد بينا هذا لمؤمنات المدينة وانتفعن بها، فكانت المرأة في المدينة إذا قرع الباب يقلن: (مييين)! فقلنا: هذه الإمالة لا تصح، وإنما مَنْ؟ فيقول الطارق: إبراهيم، أين زوجك؟ فترد المرأة: زوجي! تعني أبا أحمد؟ أظنه في المسجد، لا لا، عفواً قد يكون في طريقه إلى هنا! كل هذا حرام لا يجوز.فإن قيل: يا شيخ! أنت تقول: حرام هذا؟! نعم، فولينا وسيدنا ومالكنا أيها العبيد! ويا أيتها الإماء! هو الذي علمنا هذا، وهو أعرف بما يسمينا ويرفعنا أو يهبطنا وينزلنا، والحمد لله ما أصبحت المدنية تقول: (ميين)، وإنما (مَنْ؟).فهل عرفتم السلام تحية أهل الجنة دار السلام أو لا؟ الحمد لله فقد أعطاناها الله عز وجل، وهي بيننا ونعيش عليها، بينما حرم منها بلايين البشر حرماناً كاملاً، فإذاً: نبدأ بالسلام، وإذا رد أخونا فليقل: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زاد: وبركاته أفضل، وإن اكتفى بـ(وعليكم السلام) فقد أجاز الله له ذلك. وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، فالأحسن أنك تقول: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زدت: وبركاته زادك الله عشر حسنات، وإن اكتفيت بـ(وعليكم السلام) فقد برأت ذمتك وأخذت عشر حسنات. وبعضهم سأل فقال: ما حكم زيادة (ومغفرته) التي وردت في الموطأ أصح كتاب بعد القرآن الكريم قبل ظهور البخاري ومسلم؟ فأقول: وردت في حديث ضعيف لا قيمة له، ولذا فنكتفي: بـ(رحمة الله وبركاته).وإن قيل: ياشيخ! بعض الناس يقول: هلا هلا! فأقول: هؤلاء هم البدو، إذ ما علمناهم ولا جالسناهم، ولذلك إذا قال لك أحدهم: هلا هلا، فقل له: أولاً: قل: وعليكم السلام، ثم رحب بي، لكن للأسف ما علمناهم، فمن منكم ذهب إلى خيامهم وجلس معهم يبكي بين يديهم ويعلمهم؟ لا أحد.ولذا فأقول: من قال لك: يا هلا، فإن كان في مستواك فقل له: يا أخي! وإن كان دونك فقل له: يا بني! وإن كان أكبر منك فقل له: يا أبتاه! قل: وعليكم السلام، ثم قل لي: يا هلا هلا، أما أن تسكت عن ذلك فقد أقررته على هذا الباطل، والمسئول أنت، فلو كان كل واحد منا يسلم على أخ من الغافلين فيقول لك: يا هلا، فقل له: جزاك الله خيراً، قل: وعليكم السلام ورحمة الله.

يتبع

ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة...)
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].
وجوب توحيد الله تعالى في عبادته
هيا نتغنى بهذه الآية: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، فاحفظها الليلة يا ابن عمي ويا ابن أخي، وصل بها في النوافل، وذلك حتى ترسخ في ذهنك، وهي تكفي لأن تصلي بها العشاء والظهر، وهي آية من أجل الآيات. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87] لا أحد، اللَّهُ [النساء:87]، من هو (الله)؟ أتريد أن تعرفه بذاته؟ ما تستطيع، ما تقدر، ولكن تعرفه بصفاته وأسمائه وأفعاله، وهذا الاسم الجليل العظيم لا يسمى به كائن سوى الله تعالى، ولو أن امرءاً سمى ولده (الله) لحكم بكفره ويستتاب أو يقتل، ولو أن متعنتراً من جهال المسلمين أو من معاندة اليهود والنصارى سمى ولده: الله، ويناديه بـ(يا ألله)، إن كان كافراً ازداد في كفره ويقتل، وإن كان مسلماً يستتاب ثلاث ليالٍ وهو محبوس في دار الهيئة، يرجع أو لا؟ يتوب أو لا؟ يستغفر أو لا؟ فإن أصر قطع رأسه. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، ما معنى (لا إله إلا هو)؟ أي: لا معبود بحق إلا هو، إذ لا يوجد في الملكوت الأعلى ولا في الملكوت الأسفل، ولا في غير هذه الملكوت من يعبد بحق قط إلا الله تعالى، فمن أين لنا بهذا؟ سمعنا الناس يقولون فقلنا! وهل يكفي هذا؟ لا يكفي، فأنت تشهد بين يديه: أشهد أن لا إله إلا الله، فعلى أي شيء أقمت شهادتك؟ ما علمك الذي علمته وشهدت بمقتضاه أنه لا إله إلا الله؟ الله الذي لا إله إلا هو، أي: لا معبود بحق إلا هو، فكل من عبِد فهو عبادة باطلة؛ لأنه ظلم وأخذها بدون موجب ولا مقتضي ولا حق، إذ العبادة استحقها الله بموجب أعظم الموجبات ومقتضى أسمى المقتضيات.مرة أخرى: الله الذي لا إله إلا هو، أي: لا معبود في الكائنات يعبد بحق إلا هو، فإن قيل: لمَ؟ فالجواب: استحق الله العبادة واستوجبها وأصبحت لازمة له؛ لأنه خالق الخلائق، وموجد الموجودات، ومكون المكونات، فأنت عبد فاعبد خالقك، فمن يلومك؟! وأنت عبد فاعبد رازقك، فمن يلومك؟! وأنت عبد فاعبد من مصيرك إليه ومرجعك إليه، فمن يلومك؟! أما أن تعبد من لا يملك لك شيئاً، فبأي حق؟! أيخلقك الله ويرزقك ويحفظ حياتك من رحم أمك إلى أن يتوفاك ولا تعبده وتعبد غيره؟ أي ظلم أبشع من هذا الظلم؟ وأي ظلم أفظع من هذا الظلم؟ والله لا ظلم أشد من هذا الظلم، إذ الشرك بالله ظلم، فهذا لقمان الحكيم النوبي السوداني يعلم ولده فيقول له: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فما هو الظلم؟الآن لو أخذت النظارة من عينيك يا فلان، فأكون بذلك قد ظلمتك، أو يقوم فلان فيبعدك من المجلس يا فلان، فيكون بذلك قد ظلمك، أو يدخل أحدكم يديه في أذنيه ويغني، فيكون بذلك قد ظلم، إذ ليس هذا مكاناً للغناء، أو يفتح سرواله ويبول عند السارية، وعليه فالظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو درجات، فكونك تسب فلاناً ظلم، وكونك تذبحه أعظم الظلم.إذاً: الشرك بالله تعالى ظلم عظيم؛ لأن الذي خلق ورزق وأدار الكون والحياة كلها لا تعبده وتعبد غيره من مخلوقاته ممن صنع وخلق وأوجد! سواء كان الشمس أو القمر أو ملك من الملائكة أو نبي من الأنبياء أو صالح من الصلحاء، فضلاً عن التماثيل والأصنام والأحجار والقبور والمزارات والأشجار، فكيف تُقبل عليها بقلبك ووجهك وتعبدها ولو بكلمة أو انحناء برأسك لحظة؟!
الإيمان بالبعث والجزاء
اللَّهُ [النساء:87]، الذي، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، لم قلنا: الذي؟ تفسير؛ لأن (الله لا إله إلا هو) ليس هو الخبر، فـ(الله) مبتدأ، والخبر جملة: لَيَجْمَعَنَّكُمْ [النساء:87]، اللَّهُ [النساء:87]، الذي، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، ما له؟ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [النساء:87]، فأحببنا أن يفهم المؤمنون والمؤمنات أن الله استحق العبادة ووجبت له دون غيره؛ لأنه خالق الكون كله، ورازق ذاك الرزق كله، ومردنا ومصيرنا إليه، وجزاؤنا عليه بالخير أو بغير ذلك، فكيف نعبد غيره؟!بعض الجاهلين يفهم أن العبادة هي أن يركع للصنم أو للحجر أو يعلقه في عنقه، وهذا غير صحيح، إذ لا يصح أن تعبد أي كائن من الكائنات بأي نوع من العبادات، فالله يعبد الانحناء بالركوع، والآن نشاهد أمة كاملة راكعة، لمَ ركعتم؟ عبدنا الله عز وجل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا [الحج:77]، أمرنا فركعنا، فإذا جئت من هو أعلى منك وركعت له فقد أشركت، فيا عقلاء تأملوا! إذا أشركت هذا المخلوق فيما هو لله فقد أعطيته قسطاً منه، فهذا هو الشرك، يقال: السيارة بيننا شركة، والدار بيننا شركة، وهكذا الشرك بيننا، وهذا الانحناء وهذا الركوع خاص بالله تعالى.وأدنى شيء الحلف، فالذي يحلف بإنسان أو بمخلوق أو بكائن سوى الله تعالى، والله لقد أشرك في عبادة الله تعالى؛ لأن الأكبر هو الله، ولا يقسم ولا يحلف إلا بأكبر لا بكبير، ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، قالها أبو القاسم معلماً ومحلماً، فلا نحلف أبداً لا بأم ولا بأب ولا بأخ، وقد ذهب الناس للأسف إلى أن يحلفوا بكل شيء إلا الله، وسبب ذلك كله هو الجهل، وأننا أيضاً لا نبلغ ما تعلمناه، فنسمع الليلة كلمة تساوي الملايين وندفنها في قبورنا ولا نتحدث بها أبداً، بينما لو كانت كلمة سوء فإنها تنتشر من بيت إلى بيت.لعل الشيخ واهم؟! لقد شخنا في هذه الأمة وعاشرناها سبعين سنة، فهذه هي أحوالنا وهذه هي أوضاعنا، فكيف تسمع هدى وما تنقله؟! عند باب المسجد تقول: سمعت كذا وكذا حتى يستقر ذلك الحكم في ذهنك وفي نفسك وتقوى على العمل به، أما أن نسمع ولا نبلغ فوالله إنها لمصيبة.فهل عرفتم الشرك؟ الذي يقف الآن أمام الحجرة: يا رسول الله! المدد، يا رسول الله! الغوث، إني في كذا، والله لولا الشُرَط والبوليس المحيط بالحجرة لركع الناس وسجدوا، وأقسم بالله على ذلك، بل ويضبطونهم وهم يطوفون، وذلك قبل أن يسدوا الطواف كانوا يطوفون بالحجرة! أمة جاهلة هابطة.والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمح لصاحبه أن يقول له: ما شاء الله وشئت، وإنما قال له منكراً: ( قل: ما شاء الله وحده )، فقد عاش عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة وهو رابط الحزام يدعو إلى الله وتوحيده، ثم يرضى أن يعبد مع الله؟! أعوذ بالله.وهذا المشرك: يا فاطمة! يا حسين! يا عبد القادر! يا سيدي فلان، يا سيدي فلان، نسوا الله نسياناً كاملاً، والذي يموت على هذه الوضعية إن لم يتداركه الله بأن يشهد شهادة حق وهو في سياق الموت، وذلك بأن يقول: لا إله إلا الله ثم يتوفى عنها، وما عرف عبد القادر ولا البدوي، هو في عداد أهل النار والعياذ بالله، ( من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة ).وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:04 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (48)
الحلقة (271)

تفسير سورة النساء (53)


بين الله عز وجل في هذه الآيات حال المنافقين المنتكسين عن منهج الحق، ووجوب قتلهم حيثما ثقفوا، إلا أنه سبحانه استثنى منهم صنفين؛ الأول قوم يرتبطون بمعاهدات مع قوم بينكم وبينهم ميثاق أمان، فهؤلاء لا يقتلون من أجل أولئك، والثاني قوم لا يريدون قتال المؤمنين ولا قتال قومهم، بل هم يريدون الأمان لأنفسهم، فهؤلاء أيضاً لا يقاتلون، وهذا الحال ينطبق على من كان في خارج جزيرة العرب، أما داخلها فقد نسخ هذا الحكم بآيات سورة براءة، فلا يبقى دينان في جزيرة العرب.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا يا ولينا، إذ ليس لنا من ولي سواك.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة، ومع هذه الآيات الأربع، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا * فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:87-91].فأولاً: أذكركم أن الآية الأولى هي في تحقيق عقيدة الإيمان، بل في تحقيق أعظم أركانها وهو الإيمان بالله رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، والإيمان بالبعث الآخر، أي: للجزاء على أعمالنا هذه في هذه الدنيا، ثم الجزاء إما دار السلام وإما دار البوار، فاللهم اجعلنا من أهل دار السلام.وأما الآيات الأربع بعد ذلك فهي في غزوة أحد، وتذكرون أن ابن أبي رجع بثلاثمائة من المنافقين وضعاف الإيمان من الطريق، ولا شك أن رجوع هذا الرئيس مع ثلاثمائة قد أوجد هزة عنيفة في قلوب المؤمنين، ولا عجب أن يختلفوا فيهم، فمنهم من يقول: يجب أن نقتلهم ونقاتلهم، ومنهم من يقول: لا؛ رجاء أن يتوبوا، واسمع السياق: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ ، أي: طائفتين، وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ، أي: نكسهم بما كسبوا، فبعد الإيمان عادوا إلى الكفر، وبعد الأمن عادوا إلى الخوف، وبعد الآداب والأخلاق عادوا إلى سوء الأخلاق والآداب، وهذا هو الارتكاس، فأركسهم لم؟ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88]، فحاشا لله عز وجل أن يركس شخصاً وهو ما فعل ما يستوجب الارتكاس، ولكن بما كسبوا من نفاقهم وكفرهم ومكرهم واحتيالهم وبغضهم لرسول الله وللمؤمنين. أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [النساء:88]، ما يهتدون، ما تستطيعون، إذ من أذله الله لا تستطيع الخليقة كلها أن تهديه؛ لأن فعل الله لا يقاوم، فكيف أراد الله إضلالهم وأنتم تهدونهم؟! ما تستطيعون، ولماذا أراد الله إضلالهم؟ لأنهم استوجبوا ذلك بالاستمرار على الكفر والكيد والمكر والأذى للمؤمنين والمؤمنات.إذاً: غضب الله عليهم فاستوجبوا عذاب الله، فتأملوا قوله تعالى: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88]، أي: طريقاً إلى هدايته، والخطاب لرسول الله والمؤمنين.بل وزاد من أحوالهم فقال: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا [النساء:89]، فأطلعهم على ما في قلوبهم، وَدُّوا ، أي: أحبوا أشد الحب، لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، وقد قلت بالأمس وإني على يقين: إن عامة الكفار من المجوس من اليهود والنصارى والمشركين والوثنيين كلهم يودون أن نكون كافرين مثلهم، بل ولا توجد طائفة تقول: لا، هؤلاء على نور وعلى حق، اتركوهم هكذا، أو شجعوهم على هداية الناس، فهذا رمز لهذا المعنى، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً . إذاً: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، وقد ذكرنا أن بعضاً منهم كانوا في مكة، وقد كانوا يأتون إلى المدينة يعلنون إسلامهم ويعودون إلى مكة فينافقون ويجارون عبدة الأصنام والأوثان، فقال الله في شأنهم: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ ، أي: من هؤلاء الذين ذهبوا إلى مكة وعادوا، حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، وذلك بأموالهم وأهليهم وأولادهم، ويستقيموا معكم في المدينة، أما أن يمسكوا الحبل أو العصا من جانبين أو من وسطه فلا.قال: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89]، وأولياء جمع ولي، فمن وليك؟ الذي تحبه ويحبك، وتنصره وينصرك، فلا تتخذوا منهم أحباء تحبونهم وتنصرونهم أبداً؛ لأنهم كفار منافقون، إلى متى؟ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، ويصح أن نقول: يهاجروا في سبيل الله، أي: ينقطعوا عن عبادة الكفر والباطل والشر إلى الإيمان والعمل الصالح، أي: هجرة روحية، فيهجرون الكفر والضلال ويعودون إلى الإيمان والاستقامة، ويصح لفظ الهجرة بهذا المعنى؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( والمهاجر بحق -من هو؟- من هاجر ما نهى الله عنه ورسوله )، أي: أن المهاجر الحقيقي ليس الذي ينتقل من بلد إلى بلد، بل الذي يهجر ويتجنب ما يغضب الله ورسوله من الذنوب والآثام.قال: حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا ، عن الإيمان، إذاً فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89]، وهذا توجيه الله عز وجل للرسول والمؤمنين إزاء هؤلاء المنافقين، سواء في المدينة أو خارج المدينة.
تفسير قوله تعالى: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق...)
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90].ثم قال تعالى مستثنياً: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90]، فمثلاً قبيلة من القبائل أو جماعة من الجماعات مرتبطة بميثاق أو بعقد مع قبيلة أخرى، وتلك القبيلة بيننا وبينهم عهد وميثاق، فهؤلاء لا ننقض عهدنا وميثاقنا معهم من أجل أولئك، وإنما نتركهم فلا نقاتلهم.وتأملوا: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90]، يصلونهم بماذا؟ بمعاهدة، فمثلاً: خزاعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبني بكر مع قريش، فإذا كانت جماعة مع خزاعة فلا ننصر عليهم لا نقاتلهم، إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ، وهذا أولاً، أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ، أي: ضاقت، أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ [النساء:90]، أي: جاءوكم وصدورهم ضاقت ما استطاعوا أن يقاتلونكم ولا أن يقاتلوا قومهم، إذ إن قومهم لا يريدون أن يسلموا ويدخلوا في الإسلام، وأنتم ما تريدون أن يبقوا في الكفر، فضاقت بهم الحال، فماذا تصنعون معهم؟قال: أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ، اتركوهم، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ إذاً: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ، وهم كفار، وألقوا إليكم السلم، أي: وهو عدم الحرب، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90]، فلا تقاتلوهم، فهؤلاء مضطرون، فقومهم حاربوهم وأنتم كذلك، وصدورهم ضيقة، فإذا ما حاربوكم لا تحاربوهم، ثم يمن الله عليهم فيقول: ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم، إذاً: فإن اعتزلوكم ولم يقاتلوكم فاتركوهم، ولا تنس أن هذا كله قد نسخ بأن الجزيرة لا يجتمع فيها دينان، فقد نسخ بآيات آخر ما نزل من سورة التوبة، فقال تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]، ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قد أصبحت على الباب، فيموت الرسول ولم يبق في الجزيرة شرك ولا كفر؛ لأنها قبة الإسلام وبيضته، لكن هذه التعاليم يستخدمها أئمة المسلمين في خارج الجزيرة مع الأمم والشعوب، ولهم في ذلك حق، إذ إن هذا تعليم إلهي رباني.قال: وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90]، أي: لتقتلوهم أو تقاتلوهم، وهؤلاء ما يريدون أن يقاتلوكم ولا يقاتلوا قومهم، فماذا يصنعون؟ هم في كرب وفي ضيق، إذاً اتركوهم فلا تقاتلوهم.
تفسير قوله تعالى: (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم...)
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91].ثم قال تعالى: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ [النساء:91]، أي: يريدون أن يمسكوا العصا من الوسط، كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ [النساء:91]، أي: إلى الكفر والشرك، أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91]، فاسمعوا، فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [النساء:91]، أي: تمكنتم منهم، وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91]، وهذه جماعة أخرى. سَتَجِدُونَ آخَرِينَ [النساء:91]، أي: غير الأولين، كيف حالهم؟ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ [النساء:91]، في وقت واحد، كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ [النساء:91]، أي: فتنة الشرك والكفر، أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91]، وهؤلاء، فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [النساء:91]، أي: بمعاهدة أننا لا نحاربكم ولا تحاربونا، وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ [النساء:91]، بالفعل؛ لأنه قد يعاهدون ويخونون، فهؤلاء، فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [النساء:91]، حتى ولو كانوا في الكعبة، إذاً: وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معاشر المستمعين! ومع شرح هذه الآيات الأربع أو الثلاث، وذلك زيادة في الفهم والعلم إن شاء الله. ‏
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولنا ولكم: [ أما الآيات الأربع الباقية فقد نزلت لسبب معين، وتعالج مسائل حربية معينة، أما السبب الذي نزلت فيه فهو اختلاف المؤمنين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في طائفة من المنافقين أظهروا الإسلام وهم ضليعون في موالاة الكافرين، وقد يكونون في مكة، وقد يكونون في المدينة، فرأى بعض الأصحاب أن من الحزم والعزم الضرب على أيديهم وإنهاء نفاقهم ]، وفعلاً فقد اختلفوا فيهم، قال تعالى مصوراً ذلك: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88].قال: [ ورأى آخرون تركهم والصبر عليهم ما داموا يدعون الإيمان لعلهم بمرور الأيام يتوبون، فلما اختلفوا واشتد الخلاف في شأنهم أنزل الله تعالى هذه الآيات فقال: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88].ومعنى الآية: أي شيء صيركم في شأن المنافقين فئتين؟ والله تعالى قد أركسهم في الكفر بسبب ما كسبوه من الذنوب العظام، أتريدون أيها المسلمون أن تهدوا من أضل الله، وهل يقدر أحد على هداية من أضله الله؟ وكيف، ومن يضلل الله حسب سنته في إضلال البشر لا يوجد له هاد، ولا سبيل لهدايته بحال من الأحوال.ثم أخبر تعالى عن نفسية أولئك المنافقين المختلف فيهم فقال وهي الآية الثالثة: وَدُّوا [النساء:89] ]، أي: في نفوسهم، ثم قال: [ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، أي: أحبوا من قلوبهم كفركم لتكونوا مثلهم، وفيه لازم وهو انتهاء الإسلام ]، أي: يريدون إنهاء الإسلام، وهذا الذي قلت لكم: لا يوجد فريق في البشر من المشركين والوثنيين والكتابيين يريدون بقاء الإسلام أبداً؛ إذ لو وجدت أمة أعجبها الإسلام ورغبت فيه فإنها تدخل فيه، فلماذا تعيش بعيدة عنه؟ فكلهم يريدون ألا إسلام، لماذا؟ ليستووا مع المسلمين في الهبوط والسقوط وفي جهنم والعياذ بالله.قال: [ ومن هنا قال تعالى محرماً موالاتهم إلى أن يهاجروا ]، أي: يعودون إلى العمل الصالح والاستقامة، أو يعودوا إلى المدينة ولا يبقوا في مكة أو خارجها، قال: [ فقال: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89] تعولون عليهم في نصرتكم على إخوانهم في الكفر ]، يعني: يقاتلون معكم، قال: [ وظاهر هذا السياق أن هؤلاء المنافقين هم بمكة ]، وهذا ظاهر الآية، قال: [ وهو كذلك. وقوله تعالى: حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]؛ لأن الهجرة إلى المدينة تقطع صلاتهم بدار الكفر، فيفتر عزمهم ويراجعوا الصدق في إيمانهم فيؤمنوا، فإن هاجروا ثم تولوا عن الإيمان الصحيح إلى النفاق والكفر فأعلنوا الحرب عليهم، فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89]؛ لأنهم بارتكاسهم لا خير فيهم ولا يعول عليهم.ثم في الآية الأخيرة يقول: استثنى لهم الرب تعالى صنفين من المنافقين المذكورين ]، أي: استثنى الله تعالى لرسوله والمؤمنين صنفين من أولئك المنافقين المذكورين، قال: [ فلا يأخذونهم أسرى ولا يقاتلونهم:الصنف الأول: الذين ذكرهم تعالى بقوله: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90]، أي: يلجئون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، فبحكم استجارتهم بهم طالبين الأمان منهم، فأمنوهم أنتم حتى لا تنقضوا عهدكم. والصنف الثاني: قوم ضاقت صدورهم بقتالكم وقتال قومهم، فهؤلاء الذين لم يستسيغوا قتالكم ولا قتال قومهم، إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم واصبروا عليهم؛ إذ لو شاء الله تعالى لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ]، إذاً فاتركوهم، [ وهذا الصنف هو المعني بقوله تعالى: أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ [النساء:90]. فما دام الله تعالى قد كفهم عنكم فكفوا أنتم عنهم، هذا معنى قوله تعالى: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [النساء:90]، أي: المسالمة والمهادنة، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90]، أي: لأخذهم وقتالهم.هذا وهناك صنف آخر: ذكر تعالى حكم معاملته في الآية الخامسة والأخيرة، وهي قوله تعالى: ستجدون قوماً آخرين غير الصنفين السابقين، يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ [النساء:91]، فهم إذاً يلعبون على الحبلين كما يقال، كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ [النساء:91]، أي: إلى الشرك، أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91]، أي: وقعوا فيها منتكسين؛ إذ هم منافقون، إذا كانوا معكم عبدوا الله وحده، وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الأوثان لمجرد دعوة يدعونها يلبون فيرتدون إلى الشرك-والعياذ بالله-وهو معنى قوله تعالى: كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91]، وقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [النساء:91]، أي: إن لم يعتزلوا قتالكم، ويلقوا إليكم السلام، وهو الإذعان والانقياد لكم، ويكفوا أيديهم بالفعل عن قتالكم، إذاً: فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91] ]، لا شك في الإذن في قتالهم، ثم قال: [ أي: حجة واضحة على جواز أخذهم وقتلهم حيثما تمكنتم منهم، وعلى أي حال كان، هذا ما دلت عليه الآيات الخمس مع العلم أن الكف عن قتال المشركين قد نسخ بآيات براءة، إلا أن لإمام المسلمين أن يأخذ بهذا النظام عند الحاجة إليه؛ فإنه نظام رباني ما أخذ به أحد وخاب أو خسر أبداً، ولكن خارج جزيرة العرب، إذ لا ينبغي أن يجتمع فيها دينان ].وقد عدنا من حيث بدأنا، إذ هذه الأحداث تمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ الله تعالى هذا السلم بين المسلمين والمشركين نهائياً، وله إعلان من قبل أعلن في الجزيرة بكاملها: من كان بينه وبين الرسول عهد، شهر أو شهرين أو ثلاثة إلى أربعة أشهر، فننتظر حتى تنقضي الأربعة الأشهر، فإذا انسلخت فالقتال، واسمعوا هذه الآيات المباركة: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة:1-2]، أيها المشركون! أي: عندكم أربعة أشهر، فإما أن تدخلوا في الإسلام أو تخرجون من الجزيرة أو تلتحقون بالهند أو بشرق الدنيا أو بغربها، فهذا شأنكم.لكن فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فالجواب: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:5]، فهذه الآية نسخت العفو أو السلم بين الرسول والمؤمنين والمشركين بالجزيرة؛ لأن الإسلام قد انتشر ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أوشكت، إذاً هنا أعلن هذا الإعلان الإلهي وأعلنه حتى في الحج، وهو أن للمشركين فسحة أربعة أشهر، فمن أراد أن يدخل في الإسلام فليتفضل، ومن أراد أن يرحل إلى شرق الدنيا أو إلى غربها فليفعل، أما أن يصر على الشرك والكفر هنا فلا، إذ بمجرد أن تنتهي هذه الأربعة أشهر يقتلون.ويبقى أن هذه الآيات يستعملها إمام المسلمين مع الدول المجاورة، أي: قضية عهود ومواثيق وعدم اعتداء، وكل هذا واسع، أما في الجزيرة فلا يجتمع فيها دينان.

يتبع

ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: وجوب توحيد الله تعالى في عبادته ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، أي: لا معبود بحق إلا هو، وقد سرحنا النظر والعقل في الملكوت كله، والله لا يوجد من يستحق أن يعبد إلا الله، فمن يدلل على هذا أو يبرهن؟ لا خالق للخلق ولا مكون للكون إلا الله، إذاً فكيف يعبد مخلوق مكون والخالق المكوِّن لا يُعبد؟! بأي عقل هذا؟! سرح النظر في الملكوت كله والله لن تجد من يستحق أن يعبد إلا الله عز وجل، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، أي: لا معبود بحق يقتضي أن يعبد إلا الله عز وجل، وحق الله علينا لنعبده مقابل خلقنا ووهبنا حياتنا كلها، ووهب لنا الكون كله، ومع ذلك ننكر فضله ولا نطيعه؟! وأخرى أيضاً: هل الله عز وجل في حاجة إلى عبادتنا؟ لا والله، إذاً لم يكلفنا، هذا حرام، وهذا حلال، وقم بكذا، وافعل كذا؟! والجواب: والله لمن أجل إسعاد الإنسان وإكرامه، ولو عرف هذا البشر ما كفر أحد، فاليهود والنصارى والمشركون والمجوس لمَ هم هاربون من عبادة الله تعالى؟ ما فهموا، ولذلك هذا الإسلام من أجلكم لتكملوا آداباً وأخلاقاً وأبداناً وعقولاً، وتسعدوا في حياتكم هذه، وفي الحياة الأبدية الباقية، لكن ما فهموا هذا، والذين ما فهموا هذا ودخلوا في الإسلام يتألمون من هذه الواجبات ويشمئزون وينقبضون، ويقولون: كيف نصوم؟ كيف نصلي؟ لن تكمل ولن تسعد ولن تفضل ولن تشرف إلا بهذه العبادات، فهل يستطيع كائن من كان أن يقول: إن العبادة الفلانية ضارة غير نافعة؟ أو يقول: إن المحرم الفلاني ضار تحريمه، إذ لو أحل لكان أنفع؟ اترك علماء النفس والاجتماع والدنيا كلهم، ما حرم ولا أحل ولا أوجب إلا من أجل إسعاد البشرية وإكمالها، وهو في غنى مطلق عن الخلق، إذ كان ولم يكن شيء غيره.قال: [ وجوب توحيد الله عز وجل ]، في أي شيء؟ باللسان أو بالقول والعمل؟ الجهال عندنا المسبحة في يده: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لما يأخذه النعاس وتسقط المسبحة يقول: يا سيدي عبد القادر! والله قد عايشناهم ولا تقولوا: إن هذا الكلام باطل، فهو يذكر: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وجزاه الله خيراً، ونعم الذكر هذا، لكن ما فهم معنى لا إله إلا الله، إذ تسقط المسبحة من يده فيقول: يا رسول الله! وقد قلت لكم: إني كنت مع سائق من السلفيين، لكن ما انشرح صدره بعد، فخرجت السيارة عن الطريق فقال: يا رسول الله! يا رسول الله! هل الرسول ينقذك؟ وهل يسمعك ويراك؟ وهل يمد يده إليك؟ لم تلعب يا عبد الله؟ إذ لو وقفت أمام قبر ألف سنة وأنت تدعوه والله ما رد عليك بشيء أبداً، وإن قلت: لا، فامش إلى سيدي البدوي، أو عبد القادر الجيلاني، وادعوه كم عاماً، والله لن تسمع صوته ولن يرد عليك، ولا قضى حاجتك أبداً، مع ما أفرغته على نفسك من غضب الله وسخطه، إذ ما يريد الله لك وأنت عبده أن تضل عاماً كاملاً ولا تعرف الطريق إليه.وقد بينا للصالحين والصالحات أمثلة حية: فلو مررت يا أخي أو يا بني برجل أمام دار خربة، فالباب والسقف موجود لكن ما فيها سكان، إذ إنها متهدمة، فرأيته يقول: يا أهل الدار! إني جائع، يا أهل البيت! أخوكم ظمآن، ومررت به، فأسألكم بالله تقولون: دعه يدعو أو ماذا تقولون؟ تقول: يا بني! يا أخي! ما في الدار أحد أبداً، لكن امش إلى دار فيها سكان، أليس هذا هو؟ والآن يمر إخواننا بالواقفين على الأضرحة والقبور: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان! وليس هناك من يقول لهم: يا جماعة أنتم غالطون، إن هؤلاء أموات لا يمدونكم بشيء أبداً، ولا يقدرون عليه، بل ولا يعرفون نداءكم ولا طلبكم، فهل عرفتم معنى التوحيد؟ أي: توحيد الله في العبادة، بحيث لا يعبد معه غيره بأي نوع من أنواع العبادة، فالذي تعبدنا الله به معروف، وقد جاء في الكتاب وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف العبادة. فهل الدعاء عبادة؟ فيه تعب؟ فيه أموال تنفقها؟ سفر تقطعه؟ إذاً كيف أن الدعاء عبادة؟ العبادة: الركوع، والسجود، والطواف، وإنفاق المال، والذكر، أما الدعاء فكيف يكون عبادة؟ أولاً: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الدعاء هو العبادة )، وهذه صيغة حصر، وورد بسند ضعيف: ( الدعاء مخ العبادة )، وهو كذلك؛ لأن الحيوان إذا نزع مخه هل يبقى حياً؟ وكذلك العبادة إذا أخذ منها الدعاء ماتت، وما بقيت صلاة ولا حج ولا جهاد، وإليكم الصورة لتعرفوا أن الدعاء هو العبادة: قم يا إسماعيل وارفع يديك، وأنا الآن أقرأ لكم حاله: هذا العبد فقير ومحتاج ومضطر، وهو في هم وكرب، ما الدليل؟ لولا فقره يمد يديه؟ والله لفقير، والله عز وجل هو الغني، فقد رفع يديه إلى الله، والله فوق سمواته، فهو رفع يديه فوق، ولو كان يعرف أن من يجيب دعاءه ليس بفوق، لنكس يديه إلى الأرض، أو لقال هكذا عن يمينه أو هكذا عن شماله، لكنه عرف أنه لا يجيب دعاءه إلا الله الذي فوق سماواته، فوق عرشه، بائن من خلقه، ولهذا رفع كفيه إليه يطلبه ويسأله حاجاته العاجلة والآجلة، وثانياً: أن هذا الذي رفع يديه يسأل ربه، هل سمعتم صوته؟ لا، إذاً كيف يسمع الله صوته؟ هذا لعلمه أن الله عز وجل لا يخفى عليه من أمر الخليقة شيئاً، فهو يعلم السر وأخفى، فقد أيقن هذا العبد أن الله قد سمعه ويسمعه وهو يناديه ويناجيه، وثالثاً: لو كان هذا العبد يعلم أن الله عز وجل لا يسمعه، فهل سيكلمه؟ لا، لكن هو يدعو: يا رب! يا رب! فمعناه إيمان يقيني أن الله يسمعه، كما لو كان هذا العبد أيضاً يعلم أن هناك من يقضي حاجاته ويعطيه سؤله، والله لما افتقر إلى الله ولا رفع كفيه إليه.وصورة حقيقية أخرى: أنت الآن تقول لأخيك: من فضلك ناولني عصاي، أو ناولني نعلي من فضلك، فهل يجوز هذا أو لا يجوز؟ يجوز، لم؟ لأنه يسمعك ويراك ويقدر على أن يعطيك، أو فلان من فضلك أعطني عشرة ريال نريد أن نتعشى بها، فهل هذا يجوز أو لا؟ نعم يجوز لأنه دعا حياً يسمع ويقدر على أن يعطي، أما دعاء الأموات من عيسى ومريم إلى العزير إلى عبد القادر إلى البدوي إلى رسول الله وفاطمة والحسين، كل هؤلاء كيف يعطونك؟! كيف يسمعون عنك؟! كيف يعرفون حالك يا عبد الله؟! إذاً عليك بالله عز وجل القائل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].فهل عرفتم أن الدعاء هو العبادة؟ أظهر فقره وربه هو الغني، وسأل ربه لعلمه بأنه يسمع صوته ويقدر على إعطائه، فأغمض عينيه عن الكون والحياة كلها، إذ لم يجد غير الله تعالى يرفع كفيه إليه.ولهذا فإن الدعاء هو العبادة، والحمد لله فهناك يقظة وعودة، وإلا قبل خمسين سنة والله لولا هذه الدولة القرآنية لرأيتم الركع والسجد والطائفين والسائلين بأعلى الأصوات: يا رسول الله! يا أبا فاطمة! يا كذا! وكأنهم ما قرءوا القرآن، وهكذا كانت أمتنا خلال ثلاث أو أربعمائة سنة بهذه الطريقة، تزور ضريح سيدي فلان الخميس أو الاثنين، نساء ورجالاً، بل وينقلون المرضى، ووالله لقد نقلت والدتي ابنتها سعدية وهي مصابة بمرض جنون إلى سيدي عبد الرحمن الأخضري على حمارة أكثر من ثمانية كيلو، ووضعتها في ضريح عبد الرحمن الأخضري للشفاء، وهذا قبل أن تتعلم والدتي من طريقي، وذلك أيام كنا يتامى، أما وقد تعلمت وأصبحت موحدة فإنها ماتت على لا إله إلا الله، فهذه أمور كالشمس، ومن أراد أن يتفضل فليذهب إلى الأضرحة في أي بلد، كالأضرحة الممتازة كسيدي أحمد البدوي، وكسيدي عبد القادر، وسيجد الآن أمماً جاثمة على ركبها تدعو وتسأل.ما سبب ذلك؟ والله إنه الجهل، حتى لو كان مضللين ما يستطيعون أن يضللوا العالمين أبداً، وإنما يضللون الجاهل، أما الذي عرف كيف يضللونه؟! فهيا نقضي على هذا الجهل، فما الطريق؟ وما السلاح الذي نقضي به على الجهل؟ بالأموال؟! والله لا مال ولا سلاح ولا هرج ولا مرج إلا فقط أن نسلم أنفسنا لله تعالى، فنقول: يارب! خذ قلبي ولساني ووجهي لك، وأهل القرية أو أهل مكان ما يجتمعون في بيت ربهم كاجتماعنا هذا، فالنساء وراءنا والرجال أمامنا، وليلة يأخذون آية كليلتنا، وأخرى حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وطول العام وهم كذلك، والله ما تمضي سنون إلا ولا يوجد جاهل ولا جاهلة، وذلك بدون كتابة ولا قلم، فيتعلمون ويعملون، ولا تسأل عن ثمار ذلك ونتائجه الطيبة، فينتهي الحسد والبغض والعداء والشرك والباطل، ويظهر الخير والولاء والصفاء والمحبة.فكم يكلفهم هذا؟ لا شيء، وقد قلنا لهم: إن اليهود والنصارى في أمريكا وأوروبا إذا دقت عندهم الساعة السادسة أوقفوا العمل والله العظيم، وذهبوا إلى دور السينما والمراقص والملاهي، وأنتم يا ربانيون لمَ لا توقفون العمل في السادسة وتأتون إلى بيوت ربكم بنسائكم وأطفالكم، فتتعلمون الهدى، وترتقون إلى سماء الكمالات من طريق قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم؟وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (49)
الحلقة (272)

تفسير سورة النساء (54)

لما ذكر الله عز وجل فيما سبق قتال المنافقين متى يجوز ومتى لا يجوز، ناسب أن يذكر بعدها قتل المؤمن الصادق في إيمانه خطأ وعمداً، وبين سبحانه حكم ذلك، فذكر أنه لا ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا في حال الخطأ، أما في حال العمد فلا يكون ذلك منه ولا يتأتى له وهو مؤمن، ومن فعل ذلك فقد توعده الله عز وجل بوعيد شديد، وهو تعرضه لغضب الله وسخطه ولعنته وتخليده في النار عياذاً بالله.
تفسير قوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع هاتين الآيتين الكريمتين من سورة النساء المدنية المباركة، فهيا نتلو هاتين الآيتين ونتأملهما ونتدبرهما، ثم نشرح ونبين، ثم نعزم على أن نعمل، إذ إن هذا هو الطريق، وتلاوة هذه الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:92-93]. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، أي: أن قتل مؤمن لمؤمن آخر جائز في القتل الخطأ، أما مؤمن يقتل مؤمناً متعمداً فلا، إذ ليس هذا من شأنه أو مما يتهيأ له، بينما الخطأ يقع، كأن أراد أن يرمي غزالاً فرمى امرأة، أو أراد أن يضرب حماراً فضرب أخاه. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، أي: اللهم إلا في حال الخطأ، أما عمداً وعدواناً فلا يصدر هذا عن مؤمن، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً [النساء:92]، ماذا عليه؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، وتحرير الرقبة المؤمنة لأنه لوث نفسه وإن لم يكن عامداً، ولأن هذا المقتول كان يعبد مولاه، فأنت عندما تقتله فأنت تمنع تلك العبادة وتقطعها، ولأنه لا بد وأنه فرط، إذ لو تنبه واحترز ما كان ليقتل خطأ، لكن وجود غفلة وعدم مبالاة تسبب في هذا القتل، فلهذا لا بد من كفارة، وهذه الكفارة هي تحرير رقبة مؤمنة، أما الرقبة الكافرة فلا تنفع، إذ لو تعتق خمسين يهودياً فلا ينفع، بل لا بد وأن تعتق رقبة مؤمنة، وهذا أيام كانت الرقاب تباع في الأسواق، أما الآن فقد انتهت، لكن قد يدور الزمان كما كان وتوجد. وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، فعتق الرقبة حق الله، والدية حق أولياء الميت، ومعنى: مسلمة: أي: مؤداة كاملة بدون تباطؤ ولا تراخ، إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، أي: يتصدقوا بها على القاتل، ويقولون: ما نأخذ دية، أجرنا على الله. فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:92]، أي: إن كان هذا المقتول خطأً من قوم عدو لنا، وبيننا وبينهم العداء والحرب، وليس بيننا وبينهم عهد ولا ميثاق وهو مؤمن، فعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة فقط، ولا دية، إذ لا نعطي لهم أموالنا لنعينهم على حربنا وقتالنا، وهذا تدبير ربنا العليم الحكيم. فَإِنْ كَانَ [النساء:92]، أي: المقتول، مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ [النساء:92]، أي: والحال أنه مؤمن، فماذا علينا؟ قال: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء:92]، أي: فتحرير رقبة مؤمنة، أما كافرة فلا تنفع. وهنا الإمام مالك رحمه الله يرى اجزاء الرقبة الصغيرة، سواء كانت بنتاً صغيرة أو ولداً صغيراً، وبعض أهل العلم يقول: لا بد أن يكون بالغاً، والآية عامة، فكون الصغير يجزي فلا بأس. وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:92]، أي: إن قتل مؤمن مؤمناً آخر وهو من دولة أخرى، وبينكم وبينهم معاهدة وسلم وعدم اعتداء، فالحكم تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله، وحينئذ يجوز أن نعطيهم الدية؛ لأنهم لا يقتلوننا بها أو يشترون بها السلاح لقتالنا، ولما بيننا وبينهم من عهد وميثاق، لكن إن كانت الدولة معادية فلا دية؛ لأن في ذلك إعانة منا لهم بالمال على حربنا، وهذا تشريع العليم الحكيم. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ [النساء:92]، أي: فمن لم يجد الرقبة التي يعتقها، أو ليس عنده مال ليشتري رقبة فيعتقها، فالواجب: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:92]، ويكفيه هذا، أما الدية فعلى العاقلة، والعاقلة هم الأعمام وأبناء الأعمام، أي: الرجال الذكور، فهم الذين يسددون دية القتيل، لكن إن لم يجد القاتل الرقبة فيصوم شهرين متتابعين، كأن يصوم رجب وشعبان، أو شوال وذي القعدة، أو ذي الحجة ومحرم، والمرأة إن حاضت أو نفست فتبني، كأن صامت عشرين يوماً ثم حاضت فتركت الصلاة والصيام سبعة أيام، فتبني على الماضي فتواصل صومها، وكذلك المريض إن صام شهراً ثم مرض عشرة أيام أو عشرين يوماً، ثم شفي من مرضه فيستأنف الصيام فيبني على ما مضى، اللهم إلا المسافر فلا عذر له، وإلا لكان كل واحد يسافر ليستريح من الصيام، فالمسافر يسافر وهو صائم أو يترك سفره نهائياً. تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:92]، أي: هذه توبة يتوب الله بها عليه، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [النساء:92]، أي: بخلقه، حَكِيمًا [النساء:92]، أي: في تشريعه، فلنسلم لله ولنطأطئ رءوسنا له، ولا حق لأحد أن يعمل على التأويل بالتبديل والتغيير؛ لأن الله أولاً عليم بكل شيء، وثانياً: أنه حكيم في شأنه كله، فلا يشرع أبداً إلا ما فيه صلاح العباد والأمة.
تفسير قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم...)
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. يقول تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93]، ما جزاؤه؟ قال: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فهذا الذي يقدم على قتل المؤمن ظلماً وعدواناً ما كان بالمؤمن الحق، ولهذا لا تقل: كيف؟ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، كالكفار.أعود فأقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، فنفهم من هذا الأسلوب الرباني أنه ليس والله من شأن المؤمن الحق ولا مما يكون وصفاً له أو مما يتأتى له أن يقتل مؤمناً اللهم إلا في حال الخطأ، وهنا يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، شأنه شأن من مات على الكفر، أو كالكافر، فتأملوا هذه!والذي عليه الجمهور من أمتنا المرحومة: أنه من الجائز أن يقتل المؤمن أخاه المؤمن، لكن هل له توبة والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟ كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما إذا سأله السائل: هل لقاتل النفس من توبة يا عبد الله بن عباس؟ فيقول له: قتلتَ أو لم تقتلْ؟ فإن قال: لم أقتل. قال: وأي توبة لقاتل النفس والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟! اذهب، وإن قال: قد قتلتُ. فيقول له: وأي مانع يمنعك من أن تتوب وباب الله مفتوح، وهو القائل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]؟! وهذا من الحكمة؛ لأنه لو قال له: لا توبة لك فإنه سيقتله، ولا ننسى ذاك الإسرائيلي الذي كمل المائة بالراهب الذي قال له: لا توبة لك، وإن لم يقتل المفتي فسيقتل غيره؛ لأن القاتل سيقول: ما دمت أنني إلى جهنم إذاً أشفي صدري، فيأخذ في القتل والفجور وما إلى ذلك.إذاً: فمن الرحمة بالقاتل أن يقال له: تب إلى الله عز وجل، أكثر من الدموع والبكاء والصدقات، وأعتق الرقاب ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ويبقى هذا إعلان عن القضاء الإلهي، ثم بعد ذلك إن شاء الله أنفذه وإن شاء ما أنفذه،واسمع إلى صيغة هذا الحكم الإلهي، يقول تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ [النساء:93]، أي: مقابل جريمته: جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، لكن هل الله ملزم بأن ينفذ هذا؟ الوعد ثق بأن الله لا يتخلف وعده، لكن الوعيد قد الله تعالى يرحم عبده، قد يتوب عليه. إذاً: أساساً لا يوجد مؤمن بحق يقتل مؤمناً أبداً؛ لأن الله تعالى قال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، أي: ليس من شأنه أو من وصفه أو مما يتأتى له أو يقع منه اللهم إلا في حال الخطأ فنعم، وهنا يقول في الآية الأخيرة: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ [النساء:93]، أي: مقابل جريمته: جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ [النساء:93]، أي: هيأ له، عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، وهو عذاب النار. ونعود إلى كلمة الحبر ابن عباس رضي الله عنه، فإذا جاءك من يسألك: هل لقاتل النفس من توبة؟ فاسأله: هل قتلت أم لا؟ فإن قال: أنا ما قتلت، وإنما أسأل عن الحكم، فقل له: أي توبة تكون له وحكم الله معلن عنه ومفروغ منه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟! وإن قال: أنا قتلت، فقل له: فأي شيء يمنعك من التوبة؟ تب إلى الله عز وجل، وأكثر من الصلاة والدموع والبكاء بين يديه، وأكثر من الصدقات وعتق الرقاب عسى الله عز وجل أن يعفو عنك فهو أرحم الراحمين.

يتبع

ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
اسمعوا إلى تفسير هاتين الآيتين مرة أخرى وتأملوا، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، أي: في حال الخطأ، إذ إن هذا ممكن وجائز. وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً [النساء:92]، فماذا عليه؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، ولا يصح تحرير رقبة كافرة، بل لو أعتق ألف رقبة كافرة فلا ينفع؛ لأن الله نص على الإيمان في الرقبة، والسر في ذلك أن الرقبة المؤمنة إذا أعتقها عبدت الله تعالى، فتحررت من رق العبودية لغير الله، وأصبح وقتها كافياً لأن تعبد الله عز وجل، وأما الرقبة الكافرة لما تعتقها فإنها تزيد في الكفر والمعاصي، فأنت تحرر الرقبة المؤمنة لتتمكن من عبادة الله عز وجل، كما أن الرقبة فيها إحياء روح، إذ إن القاتل قد أمات روحاً، وبعتقه هذه الرقبة المؤمنة فقد أحيا روحاً، وهيئ الفرصة لهذه الروح حتى تعبد الله عز وجل.ثم قال: وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، والدية بيانها كالآتي: إما أن تكون مائة بعير، أو ألف دينار ذهباً، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، وهذه هي الدية المطلقة، والعاقلة هي التي تقوم بها لا القاتل وحده، وهذا في حال القتل الخطأ، كأن رمى غزالاً فأصاب إنساناً، فيشاركه أقرباؤه في الدية، والآن ممكن يقومونها بالريالات، وأما القتل شبه العمد كأن يضرب إنساناً بعصا، أو يأخذ حجراً فيضربه بها، فالغالب أن الإنسان لا يموت من الضرب بالعصا أو بالحجر، لكن هذه الحال تستدعي أنه أراد قتله، وهنا تغلظ دية شبه العمد. قال: ومن الغنم ألف شاة، ثم قال: وهل الإبل تخمس أو لا؟ قال: في هذا خلاف، ومذهب الشافعي ومالك أنها تخمس، ووجه تخميسها: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكوراً، ففي الحكم الأول مائة من الإبل ولو كانت ابن لبون أو من نوع واحد؛ لأن فيها تخفيفاً، لكن ما دام القتل شبه عمد فيجعلونه بهذه الطريقة: عشرون حقة، والحقة هي الناقة الكبيرة التي تلد، وعشرون جذعة دونها في السن، وعشرون بنات مخاض لها سنة فقط أو سنتين، وعشرون ابن لبون، وهذا عند الشافعي ومالك رحمهما الله.قال: ويغلظ دية شبه العمد، بأن يكون أربعون منها في بطونها أولادها، أي: كلها حبالى حاملات، وشبه العمد ما كان بأداة لا تقتل عادة كالعصا ونحوها؛ لحديث: ( إلا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها ).إذاً: فالتخميس عام، وهو ما ذهب إليه الشافعي ومالك ، أي: عشرون من كذا، وعشرون من كذا، وذلك مطلقاً في غير شبه العمد، أما مع شبه العمد وهو القتل بالعصا ونحوها، فهذا الذي تغلظ فيه الدية، وذلك أربعون منها في بطونها أولادها.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
نعود إلى دراسة الآيات في الشرح الذي بين أيدينا. ‏
معنى الآيات
يقول المؤلف: [ لما ذكر تعالى في الآيات السابقة قتال المنافقين متى يجوز ومتى لا يجوز، ناسب-إذاً-ذكر قتل المؤمن الصادق في إيمانه خطأ وعمداً وبيان حكم ذلك، فذكر تعالى في الآية الأولى أنه لا ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا في حال الخطأ، أما في حال العمد فلا يكون ذلك منه ولا يتأتى له وهو مؤمن؛ لأن الإيمان نور يكشف عن مدى قبح جريمة قتل المؤمن وما وراءها من غضب الله تعالى وعذابه، فلذا لا يقدم على ذلك اللهم إلا في حال الخطأ، فهذا وارد وواقع ] أي: في حال الخطأ.قال: [ وحكم من قتل خطأ: أن يعتق رقبة ذكراً كانت أو أنثى مؤمنة، وأن يدفع الدية لأولياء القتيل إلا أن يتصدقوا بها فلا يطالبوا بها ولا يقبلونها-بالمرة-والدية مائة من الإبل، أو ألف دينار ذهب، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، هذا معنى قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، فإن كان القتيل مؤمناً ولكن من قوم هم عدو للمسلمين محاربين، فالواجب على القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير ] أي: لا دية حتى لا يستعين بها العدو علينا.قال : [ إذ لا تعطى الدية لعدو يستعين بها على حرب المسلمين، وإن كان القتيل من قوم كافرين وهو مؤمن أو كافر-لا فرق بينهما-ولكن بيننا وبين قومه معاهدة، على القاتل تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهله، فمن لم يجد الرقبة ] أي: ما قدر على شرائها أو ليست بموجودة.قال: [ صام شهرين متتابعين، فذلك توبته لقول الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:92]، عليماً بما يحقق المصلحة لعباده، حكيماً في تشريعه-وتقنينه-فلا يشرع إلا ما كان نافعاً غير ضار، ومحققاً للخير في الحال والمآل ] وهذا شأن العليم الحكيم.قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الثانية فإنها بينت حكم من قتل مؤمناً عمداً عدواناً، وهو أن الكفارة لا تغني عنه شيئاً ] أي: أن الكفارة بالعتق لا تغني عنه شيئاً.قال: [ لما قضى الله تعالى له باللعن والخلود في جهنم، إذ قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] ] ولهذا قد تعيش في مدينة أو في قرية مائة سنة فلا تجد مؤمناً قد قتل مؤمناً، بل أسر قديمة منذ القرون ما ثبت عنهم أن فرداً منهم قتل مؤمناً، وذلك لعظم هذه التبعة.قال: [ إلا أن الدية أو القصاص لازمان ] أي: إن قتل عمداً فلا بد من الدية والقصاص أيضاً، والقتل الخطأ فيه الدية، فمن باب أولى القتل العمد، إذ فيه القصاص والدية، قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]، فالقبيلة أو العائلة تدفع الدية وهو يقتل إلا أن يعفوا أولياء القتيل فهذا شأنهم.قال: [ إلا أن الدية أو القصاص لازمان ما لم يعف أولياء الدم ] أي: إذا عفا أولياء الدم عن القصاص فلهم ذلك، وإن عفوا عن الدية فكذلك، وهنا أذكر السامعين بقول الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143]، يوم القيامة، ومعنى (وسطاً): خياراً عدولاً، وهذه الوسطية لها مثل شائع بين ألسنة العلماء، فاليهود بنو إسرائيل قبل نزول عيسى عليه السلام وقبل نزول الإنجيل؛ كان إذا قتل أحدهم إنساناً فلا دية ولا عفو، بل يجب أن يقتل، فشددوا فشدد الله عليهم، وذلك لغلظ أكبادهم وشدة عنادهم، فأدبهم الله تعالى، ثم جاء عيسى بن مريم عليه السلام في بني إسرائيل ونسخ الكثير من أحكام التوراة بالإنجيل، وفرض الله عليهم أن من قتل لا يقتل ولا يدفع دية، وعلى أهل الميت أن يعفوا عن الدية وعن القاتل، فانظر إلى هذا الإفراط والتفريط عند هؤلاء الناس، فالإفراط عند النصارى، إذ فرطوا فلا دية ولا قتل، والتفريط عند اليهود، ثم جاء المسلمون فخيرهم: إن شئتم خذوا الدية واعفوا، وإن شئتم اقتلوا، فهم مخيرون، فجئنا وسطاً لا إفراط ولا تفريط، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]. فإذا قتل الرجل آخر فأهل الميت بالخيار، فإن شاءوا عفوا عن القاتل لله تعالى، وأعتقوه ليعبد الله وأجرهم على الله.، والدية إن شاءوا أخذوها وإلا فلا. قال: [ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:92]، عليماً بما يحقق المصلحة لعباده، حكيماً في تشريعه، فلا يشرع إلا ما كان نافعاً غير ضار ومحققاً للخير في الحال والمآل ] في الدنيا والآخرة.قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الثانية فإنها بينت حكم من قتل مؤمناً عمداً عدواناً، وهو أن الكفارة لا تغني عنه شيئاً ] أبداً، فلا عتق ولا صيام. قال: [ لما قضى الله تعالى له باللعن والخلود في جهنم، إذ قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، إلا أن الدية أو القصاص لازمان ما لم يعف أولياء الدم، فإن عفوا عن القصاص ورضوا بالدية أعطوها، وإن طالبوا بالقصاص اقتصوا، إذ هذا حقهم، وأما حق الله تعالى فإن القتيل عبده خلقه ليعبده، فمن قتله فالله تعالى رب العبد خصمه، وقد توعده بأشد العقوبات وأفظعها ].أقول: أولياء المقتول بالخيار، إن شاءوا عفوا وإلا فلا، وحق الله تعالى ما هو؟ لنستمع إلى هذه الجملة:قال: [ إلا أن الدية أو القصاص لازمان ما لم يعف أولياء الدم، فإن عفوا عن القصاص ورضوا بالدية أعطوها، وإن طالبوا بالقصاص اقتصوا، إذ هذا حقهم، أما حق الله تعالى فإن القتيل عبده خلقه ليعبده، فمن قتله فالله تعالى رب العبد-هو-خصمه، وقد توعد بأشد العقوبات وأفظعها والعياذ بالله تعالى وذلك حقه، قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] ] وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فتناً ستقع، وقال لـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( يا عبد الله! كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل )، فإذا اشتعلت نار الفتنة في قرية أو في مدينة أو في إقليم، أو في جماعات، فإن الرسول يختار لك أن تكون المقتول ولا تكون القاتل؛ لما علمنا مما توعد الله به، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فذهبت صلاته وجهاده وحجه وعبادته لعشرات السنين.
هداية الآيات
وهنا قال: [ من هداية الآيتين: أولاً: بيان أن المؤمن الحق لا يقع منه القتل العمد للمؤمن ] واستنبطنا هذا من قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، إذاً: بيان أن المؤمن الحق الصادق الإيمان لا يقع منه القتل العمد للمؤمن أبداً، أما قتل الكافر في الجهاد فواجب.قال: [ ثانياً: بيان جزاء القتل الخطأ ] ما هو؟ قال: [ وهو تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهله ] وأخذنا هذا من قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92].قال: [ ثالثاً: إذا كان القتيل مؤمناً وكان من قوم كافرين محاربين، فالجزاء ] ما هو؟ قال: [ تحرير رقبة ] مؤمنة فقط، ثم قال: [ ولا دية ]؛ لئلا نعينهم بالأموال، ولو نفقه هذه لتخلينا عن كل الكمالات التي نستوردها منهم، سواء في الأكل أو في الشرب أو في اللباس وغيرها، ولو كنا نشتريها من المسلمين فلا بأس، أما نشتريها من اليهود والنصارى والمشركين فنعطيهم أموالنا من أجل ألا شيء إلا للشهوات والأهواء فقد أعناهم، ولو أخذنا بهذه الآية والله ما فعلنا، وهذه الدية ما نعطيهم أبداً، وذلك حتى لا يتقووا بها علينا وهم أعداء لنا. إذاً: هذه الكماليات في الطعام أو في الشراب أو في اللباس أو في المركوب، هذه الزائدة عن الحاجة لا قيمة لها، وبالتالي لا نستوردها من أعدائنا، لكن لو كنا نستوردها من ديار المؤمنين فلا بأس، إذ إنها تقوي إخواننا، أما أن نشتريها من اليهود والنصارى فنعطيهم الأموال من أجل أن نترفه حتى نهبط ونلصق بالأرض فلا.قال: [ رابعاً: إذا كان القتيل من قوم بين المسلمين مثياق، فالواجب الدية وتحرير رقبة ] فمثلاً إيطاليا أو اليونان بيننا وبينهم عهد وسلم وعدم اعتداء، ومات مؤمن هناك فلا بد من الدية وعتق رقبة، لكن لو كانت الحرب معلنة بيننا وبين اليهود مثلاً فلا دية، وهذا مثال، وإلا فاليهود ما بيننا وبينهم حرب، إذ عندنا معاهدات من الأمم المتحدة فيما إذا أعلنت الحرب.قال: [ رابعاً: إذا كان القتيل من قوم بين المسلمين ميثاق، فالواجب الدية وتحرير رقبة ]. قال: [ خامساً: فمن لم يجد الرقبة ] ماذا يصنع؟ قال: [ صام شهرين متتابعين ] وهذا التتابع ضروري، فلو حاضت أو نفست فإنها تبني ولا تستأنف، وكذلك إذا مرض الرجل وقد صام عشرين يوماً، فإنه لما يشفى يبني، مثله مثل الطائف إذا طاف ثلاثة أشواط ثم رعف أو تعب، فذهب بعيداً ليستريح، فإنه يبني ولا يستأنف. قال: [ سادساً وأخيراً: القتل العمد العدوان يجب له أحد شيئين: القصاص أو الدية حسب رغبة أولياء الدم ] أي: أن أولياء الدم مخيرون، فإن شاءوا خذوا الدية، وإن شاءوا خذوا الرجل وقتلوه.قال: [ وإن عفوا فلهم ذلك-أيضاً-وأجرهم على الله تعالى، وعذاب الآخرة وعيد الله إن شاء الله أنجزه، وإن شاء عفا عنه ] وله الحمد والمنة.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (50)
الحلقة (273)

تفسير سورة النساء (55)


لقد امتن الله عز وجل على عباده بأن هداهم للإيمان، وأمرهم بتبليغ دينه ونشره في أصقاع الأرض، وشرع لهم في سبيل ذلك الجهاد، وبين لهم آدابه وما يلزمهم عند ملاقاة أعدائهم، من التثبت من حالهم، والتأكد من كفرهم قبل إعمال السيف فيهم، وذلك لاحتمال وجود المؤمنين المستخفين بينهم، فإذا ادعى بعضهم الإيمان فيكف عنه، ولا يطمع فيما عنده من غنيمة ومتاع، لأن ما عند الله من الأجر والثواب أعظم من أي غنيمة مادية ومكسب عاجل.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر جميعاً بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).معاشر المستمعين والمستمعات! ما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة، وها نحن مع هذا النداء الرباني، وتلاوته بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94].في الدرس السابق للآيات الثلاث التي درسناها، أذكركم بأن المؤمن الحق الصدق لا يتأتى منه قتل امرئ ظلماً وعدواناً أبداً، إذ ليس هذا من شأنه وعادته، والدليل على ذلك قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92] أما عدواناً وعمداً فلا، إذ لا يستطيع ذلك ولا يتأتى له.كما عرفنا أن قتل الخطأ يجب على صاحبه أو فاعله أمران:الأول: عتق رقبة، إذ إنه قتل نفساً فأحيا نفساً أخرى، فهذه بتلك.الثاني: الدية لأولياء المقتول، ومقدارها مائة بعير أو ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم، وتقوَّم بحسب الظروف، وتكون على العاقلة، أي: على أقرباء القاتل من أبيه كالأعمام وأبنائهم والإخوان وأولادهم، فيساهمون فيها كل بقدره. كذلك عرفنا أن المقتول إذا كان مؤمناً، وبيننا وبين قومه عداء وحرب، فعلى القاتل العتق فقط، فإن عجز عن العتق صام، ولا تعطى الدية لمن بيننا وبينهم عداء لئلا يتقوون بها علينا.مرة أخرى: يقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، ثم قال: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً [النساء:92]، فماذا عليه؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، أي: إلا إذا تصدقوا وقالوا: ما نأخذ الدية، فلهم ذلك. فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:92]، أي: إن كان المقتول من قوم أعداء لنا وهو مؤمن، فماذا يجب على القاتل؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، ولا دية. وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:92]، أي: وعهد وسلم وعدم حرب واعتداء، فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، أي: إن كان بيننا وبين أولئك القوم معاهدة وسلم وعدم اعتداء فلا بد وأن نعطي الدية لأهل المقتول مؤمناً كان أو كافراً، ثم إن عجز القاتل عن العتق، إما لا وجود للأرقاء والعبيد كما هو الحال الآن، أو وجدوا ولكن عجز عن شراء أمة أو عبد، فمن رحمة الله بعباده المؤمنين أنه يصوم القاتل شهرين متتابعين بدلاً من االعتق، إذ قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:92].فهذه هي الكفارة في القتل الخطأ، فعلى المؤمن أن يحتاط ويحترس ويتنبه في أفعاله، ولا يصبح يتخبط فيقتل الناس ويقول: ما تعمدت، بل لا بد من الاحتراس الكامل، فإذا أراد أن يرمي بسهم فقبل أن يرمي به فلا بد وأن ينظر إلى ما حول تلك الجهة التي سيرمي إليها، وكذلك أيما عمل من شأنه أن يوجد مثلاً ضرراً، فقبل ما يقوم به يتنبه وينظر، وهذا ما يسمى بالاحتياط والاحتراس، فلما وقع منه هذا القتل، بم يمحو هذا الإثم؟ بما بين الله تعالى، وذلك بعتق رقبة مؤمنة ودية لأصحاب القتيل، فإن عجز عن الرقبة صام شهرين متتابعين.أما القتل العمد العدوان ظلماً وعدواناً، فهذا يقول الله تعالى فيه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93]، أي: يعمد إلى مؤمن فيقتله ظلماً وعدواناً، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فإذا ذكرنا الكلمة الأولى-أي: فجزاؤه جهنم خالداً فيها-فنقول: هذا لا يفعله إلا كافر، إذ لو كان مؤمناً ما يقدم على هذا، وحينئذ لا نحتاج إلى تأويل قوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].وقاتل نفسه كقاتل غيره سواءً بسواء، ولا تقل: من قتل نفسه فإنما إثمه ومسئوليته عليه؛ لأن هذه النفس ملك لله تعالى، فكيف يصح قتلها؟ الجزاء واحد.واللطيفة التي حفظناها عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ما ننساها، وهي: أنه إذا سألك مؤمن قائلاً: هل لقاتل النفس من توبة؟ أتقبل توبة من قتل نفساً عدواناً وظلماً؟ فتجيبه بما يلي: هل قتلت؟ فإن قال: نعم، فقل له: وما يمنعك من التوبة؟! ومن يحول بينك وبينها والله تواب رحيم؟! تب يا عبد الله! فيأخذ ذاك المؤمن في البكاء والتوبة والاستغفار، وإن قال: ما قتلت، وإنما فقط أسأل، فقل له: وكيف يتوب من حكم الله عليه بالخلود في جهنم وغضب عليه ولعنه، وهذا المسلك حسن، ومن الخير أن نسلكه، فلا نقنط من رحمة الله تعالى من قتل فيزداد في سفك الدماء والقتل والتدمير، ولا نبيح ذلك ونقول لمن لم يقتل: له التوبة إن قتل، فيقوم أحدنا ويذبح أخاه ويقول: سأتوب إلى الله بعد ذلك. وأهل التوحيد إذا ماتوا على التوحيد ودخلوا النار يعيشون أو يخلدون فيها دهراً ثم يخرجون منها، وصيغة هذا الحكم الإلهي تقول: هذا هو الجزاء، إن شاء الله أنفذه، وإن شاء عفا ولم يؤاخذ القاتل، فيبقى باب الله مفتوحاً للمؤمنين.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ...)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94].اسمعوا هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:94]، لبيك اللهم لبيك، فهل يناديك سيدك ولا تقول: لبيك؟! هل يناديك مولاك يا عبد الله ولا تبصر ولا تسمع لما يدعوك إليه؟ الجواب: لن يكون هذا أبداً، وقد درسنا هذا واستقر في نفوسنا هذا العلم العظيم وهو: أن نداءات الله عز وجل لعباده المؤمنين في القرآن الكريم بلغت تسعين نداءً. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:94]، ولمَ يناديهم بعنوان الإيمان؟ قال: لأن المؤمنين أحياء، والحي ينادى ليؤمر أو ينهى، أو يبشر أو يحذر أو يعلم لكمال حياته، أما الميت فتناديه؟ هل يسمع النداء؟ وإن فرضنا أنه سمع فهل يقول: لبيك ويطيعك في ما تأمر أو تنهى؟ الجواب: لا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:94]، أي: يا معشر الأحياء! بإيمانهم؛ لأننا علمنا أن الإيمان الحق الصحيح هو بمثابة الروح، والروح إذا دخلت الجسد حيي هذا الجسد، فالعين تبصر، والأذن تسمع، واللسان ينطق، وإذا فارقته فلا الأذن تسمع، ولا العين تبصر، ولا اللسان ينطق، فلهذا يناديهم سيدهم ومولاهم: يا أيها الذين آمنوا.وعلمنا بالاستقراء والتتبع لنداءات الرحمن التسعين أنه لا ينادينا إلا لأمر مما يلي: أولاً: إما ليأمرنا بفعلي أو اعتقادي أو قولي ما من شأنه أن يكملنا ويسعدنا، ووالله الذي لا إله غيره! لا يأمرنا الله ربنا إلا من أجل إكمالنا وإسعادنا.ثانياً: ينادينا لينهانا عن اعتقاد فاسد، أو عن قول باطل، أو عن عمل سيء، أي: لينهانا عما يضر بنا، عما يشقينا ويردينا. ثالثاً: ينادينا ليبشرنا بخبر يسرنا ويزيد في نشاطنا للخيرات والصالحات.رابعاً: ينادينا ليحذرنا فنحذر ونتنبه حتى لا نقع في ما يضرنا ويفسد حياتنا، وهذه أربع.والخامسة: أنه ينادينا ليعلمنا، أما أن ينادينا لغير هذا فلا، تعالى الله عن العبث واللهو والباطل، ولهذا يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت: يا أيها الذين آمنوا! يا عبد الله! يا أمة الله! فأرعها سمعك، فأنت إذا كنت ماشياً وسمعت قارئاً يقرأ: يا أيها الذين آمنوا، فأعطها أذنك؛ لأنك مؤمن فكيف تعرض؟! إذا سمعت قارئاً يقرأ: يا أيها الذين آمنوا، فإنك منادى مأمور أو منهي، محذر أو مبشر أو معلم، فأعطها أذنك.إذاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:94]، نادانا هنا ليعلمنا، فماذا قال؟ قال: إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:94]، ضربنا من؟ إخواننا أو نساءنا؟ ضربنا الأرض بأرجلنا، أي: مشيتم على الأرض في سبيلنا، أما إن مشيتم إلى الباطل أو إلى اللهو فذاك ليس لنا، إذ إن سبيل الله هو الطريق الموصل إلى رضاه وجواره بعد الموت، وهو إيمان بمثابة الروح، ومأمورات وواجبات عن جانب اليمين يجب أن ينهض بها ولا يتخلى عن واحد منها في حدود طاقته البشرية،، ومنهيات عن جانب الشمال لا يلتفت إليها ولا يمس منها شيئاً، والعبد مواصل سيره إلى باب الجنة، وينتهي بانتهاء عمره في هذه الحياة الدنيا. إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:94]، أي: إذا مشيتم على الأرض مجاهدين لغزو قبيلة من القبائل أو بلد من البلاد أيام الجهاد. فَتَبَيَّنُوا [النساء:94]، أي: تثبتوا، فإذا مررنا برجل فقال: السلام عليكم، أو قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا نقول: هذا ما قالها إلا من الخوف على نفسه أو ماله، ثم نقوم بقتله والعياذ بالله. وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا [النساء:94]، أي: ولا تقولوا لمن ألقى بالسلام عليكم: لست بمؤمن، وإنما قلتها فقط لتسلم أنت ومالك. تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [النساء:94]، أي: تقتلون هذا الذي قال: لا إله إلا الله، أو قال: السلام عليكم، وأفصح عن إيمانه، وتتهمونه بأنه ما قالها إلا من الخوف، فتقتلونه وتأخذون ماله. فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ [النساء:94]، أي: فعند الله مغانم كثيرة يرزقكموها ويعطيكم إياها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل ولا يغضبه عليكم. كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: كذلك كنتم كفاراً مشركين ثم أسلمتم وتاب الله عليكم ودخلتم في رحمته، فاذكروا هذا مع هذا المسكين الذي قتلتموه لأجل ماله. كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: تخفون إسلامكم في مكة عن إخوانكم حتى لا يقتلوكم، وتجحدون وتتظاهرون بالشرك، فكذلك هذا كان خائفاً من قومه، إذ إنه ما أعلن عن إسلامه، لكن لما شاهدكم وعرفكم قال: السلام عليكم. كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94]، إذاً: فَتَبَيَّنُوا [النساء:94] أيها المؤمنون، وتأكدوا من صحة كفره. إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94]، الوعيد والوعد، إذ كل عمل نقوم به الله مطلع عليه، وهنا الآية قررت هذا المبدأ، فإذا قال أحد: أنا مسلم، فإنه يحرم قتله، وإذا صلى معك فريضة فإنه يحرم قتله، وإذا قال: السلام عليكم، فمعناه أنه أسلم، وبالتالي فلا يحل قتله إلا بالتثبت واليقين.وهذا قد حدث مرة مع المقداد بن الأسود، ومرة مع أسامة بن زيد، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالدية لأهل القتيل، وذلك أنهم كانوا في طريقهم إلى غزاة جهة تبوك، فمروا بقبيلة أعلنت الحرب عليهم، فقاتلهم المسلمون فهرب منهم من هرب، وبقي هذا الرجل مع غنمه، فلما دنوا منه قال: السلام عليكم، فقالوا: ما قالها إلا تقية يريد أن يحفظ نفسه وماله وإلا فهو كافر كقومه، فقتلوه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للمقداد: هلا شققت عن قلبه وعرفت أنه كافر، ثلاث مرات، وإذا عرفنا هذا فما بال إخوانكم الذين يكفر بعضهم بعضاً؟! إن كلمة: السلام عليكم أبعدته من ساحة الكفر وأدخلته في الإسلام، فلو أن كافراً من النصارى أو اليهود أو غيرهم دخل المسجد فصلى معنا نقول: مسلم ولو ما نطق بالشهادتين، ولو أن كافراً قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، اعتبرناه مسلماً، ويحرم قتله وأذاه بحال من الأحوال.ولنتأمل مرة أخرى قوله تعالى: كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: كنتم جهَّالاً لا تعرفون شيئاً، ثم علمكم وعرفكم الله عز وجل، وهذا الجهل أيضاً تنسبونه إلى الكفر وتكفِّرونه، إذاً فاذكروا فضل الله عليكم حتى ترحموا هذا العبد.

يتبع


الساعة الآن : 04:41 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 191.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 191.13 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.26%)]