ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   شجن زوجة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=279794)

ابوالوليد المسلم 04-08-2022 03:53 PM

شجن زوجة
 
شجن زوجة
إيمان بن حمودة




الإهداء:
لامرأةٍ أعرِفها أنقى من الطُّهر، تلك التي مَضَت تبحثُ عن مساحات تزرع فيها بذور الفرح، تلك التي كانت له سكنًا، لكنها لم تجِدْه لها وطنًا، امرأة الخيبة، التي تسكن نون النسوة!

♦ ♦ ♦ ♦

حين عرَفتُ أنها ستمطر بغزارةٍ قررتُ أن أضع قبعةَ الغباء على رأسي؛ لأني كنتُ أعلم أني سأتبلل كثيرًا بمياهِ أمطارٍ مالحة جدًّا، فلم أكن أملك حينها (مطريَّة) بعد، أعجبَك شكلُها كثيرًا، وابتسمتَ لي كعادتِك دائمًا عندما كانت تفاجئك تصرُّفاتي التلقائية، حين تخونني الكلمات في لساني، فتنطلق دون استئذان، مخلِّفة خلفها كل الكوارث الطبيعية الموجودة في الأرض.

هل تراك لا تزال تذكر، ذلك اليوم حين مشيتُ بجانبك في محاولةٍ يائسة لأن أكون كما تريد، وكما تريد أمي وأمك، وكما تريد القرية الغارقة في مياه الوَحْل بعد ألفِ عامٍ من الطوفان!

أخبرتُك أني لا أتقن هذا الدور جيدًا؛ لأني كنتُ - منذ سنين هذه القصة التي بين يديك - أخبرتُك أنَّك لن تستطيع أن تكتبَني بحروف تُمليها عليك الجدَّة، قلت لك: إنك ستكون معي لنكمل القصة معًا.

شعرتُ أنَّ الدور كان ضيقًا جدًّا على حجم أحلامي وأفكاري، قلت لك لحظتها: إني ما زلت أنمو، فأغصاني لا تزال غضَّة، وجذوري لم تثبت جيدًا في الأرض.

كان الطريق مليئًا بالشوك والعقارب، كان يشبه السرداب الطويل الذي لا ينتهي، وبداخل السرداب كنت أتلمَّس يدَ صغيري، وأبحث عنك، وكنت أناديك بأعلى صوتي، لكنَّك لم تكن تسمع، ولم أكن أصرخ كما تفعل كلُّ النساء حين يشعرن بالخوف والوَحدة في قلب الظلام.

واصلت المسيرَ، وكنتُ أعلم أنَّك هنا في مكانٍ ما بالقرب مني، كنتُ أشمُّ رائحة الحزن التي تسكنُ فيك حتى اليوم، وكنت أمشي خلفك دون أن تشعر بي، فجأة توقفتَ في وسط الطريق، لم تكن تقوى على المسير، كان صغيري يضغط على يدي بقوةٍ، ولم يكن يريد أن يتوقف، امضِي فأنا خائف يا أماه، امضِي لأجل الفرح الذي ينتظرني هناك، فهناك الوطن، هناك الشمس، هناك البحر، هناك الحلم وأنا!

حين أحسستُ أن اللغة لم تعد تحمل أوجاعَنا، قررت أن أضع قبعة الغباء على رأسي، حتى أستطيع أن أفهم كلماتك, شعرت بالراحة حينها، لقد تمكّنت من أن أواصل الطريق دون أن أضطر لأن أفتح عيوني, فأنا لم أعد أحتملُ آلام عيوني، وهي لم تَعُدْ تقوى على أن ترى تلك الصور المتشابهة لليلٍ واحد بهيم، صار النور يجرح عيوني كثيرًا.

قبل أن أمضي معك أخبرتُك بكل أبجديات الصدق التي أحفظها عن ظهر قلب، أنَّ قلبك لن يستوعب كل مساحات الفرح والحياة والصخب التي أحملها بداخلي.


قلت لك: إني جزيرةٌ تحيا تحت الشمس، وتحب البحر، وتكبَرُ بالحب، وتتنفس الصدق.

لم تكن تصدقني، وكنت تسخر مني كما كنت تفعل دومًا، كنت تظنني رواية اختَفَتْ حروفها بعد أن قرأتها أول ليلة من ليالي الشتاء الباردة!

كنتَ أنتَ الآخر تضع على رأسِك قبعة أكبر منك، لم أعد أذكر هل كانت قبعة والدك أم قبعة جدك؟ لكنك كنت تبدو بها أصغرَ مِن حجم الحب الذي كنت تتحدث عنه في أشعارك ورواياتك يوم أهديتَني الزهر، قبل أن يتحوَّل إلى جمر!





الساعة الآن : 08:33 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 6.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 6.53 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]